تحرير المعالم في أصول الفقه

الشيخ علي المشكيني

تحرير المعالم في أصول الفقه

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٥

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين.

وبعد فقد رتبنا هذا الكتاب على مقدمتين ومقامات ومطالب.

ونبذ مما يجب مراعاته على العلماء : فاعلم ان فضيلة العلم وارتفاع درجته وعلو رتبته امر كفى انتظامه فى سلك الضرورة مئونة الاهتمام بشأنه ، غير انا نذكر على سبيل التنبيه شيئا من الآيات والاخبار.

٣

(٢) اصل

اما الكتاب الكريم فقد اشير الى ذلك فى مواضع منه.

الاول : قوله تعالى فى سورة العلق : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (١ ـ ٥ العلق)

افتتح الرب تعالى السورة بذكر نعمة الايجاد واتبعه بذكر نعمة العلم ، فلو كان بعد نعمة الايجاد نعمة اعلى من العلم لكانت اجدر بالذكر وقد قيل فى وجه التناسب بين الآى المذكورة فى صدر هذه السورة المشتمل بعضها على (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ،) وبعضها على تعليم ما لم يعلم ، انه تعالى ذكر اول حال الانسان اعنى كونه علقة وهى بمكان من الخساسة ، وأخر حاله وهى صيرورته عالما وذلك كمال الرفعة والجلالة ، فكأنه سبحانه قال : كنت فى اول امرك فى تلك المنزلة الدنية الخسيسة ثم صرت فى آخره الى هذه الدرجة الشريفة النفيسة.

٤

الثانى ـ قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا) ـ ١٢ ـ الطلاق) فانه سبحانه جعل العلم علة لخلق العالم العلوى والسفلى طرا ، وكفى بذلك جلالة وفخرا.

الثالث ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٢٦٩ ـ البقرة) وقد فسرت الحكمة بما يرجع الى العلم.

الرابع ـ قوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩ ـ الزمر).

الخامس قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢٨ ـ فاطر).

السادس ـ قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (١١ ـ المجادلة).

السابع ـ قوله تعالى مخاطبا نبيه (ص) ، آمرا له مع ما آتاه من العلم والحكمة : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤ ـ طه).

٥

(٣) اصل

واما السنة فهى فى ذلك كثيرة لا تكاد تحصى.

فمنها ـ ما روى عن الاصبغ ابن نباتة قال : قال امير المؤمنين عليه‌السلام : تعلموا العلم فان تعلمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وهو عند الله لاهله قربة ، لانه معالم الحلال والحرام ، وسالك بطالبه سبيل الجنة ، وهو انيس فى الوحشة ، وصاحب فى الوحدة ، وسلاح على الاعداء ، وزين الاخلاء ، يرفع الله به اقواما يجعلهم فى الخير أئمة ، يقتدى بهم ، وترمق اعمالهم ، وتقتبس آثارهم ، وترغب الملائكة فى خلتهم ... لان العلم حياة القلوب من الجهل ، ونور الابصار من العمى ، وقوة الابدان من الضعف ، ينزل الله حامله منازل الابرار ، ويمنحه مجالسة الاخيار فى الدنيا والآخرة ، وبالعلم يطاع الله ويعبد ، وبالعلم يعرف الله ويوحد ، وبالعلم توصل الارحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، والعلم امام العقل والعقل يتبعه ، يلهمه السعداء ويحرمه الاشقياء.

ومنها ما روى عنه عليه‌السلام ايضا انه قال : ايها الناس اعلموا ان كمال

٦

الدين طلب العلم والعمل به ، الا وان طلب العلم اوجب عليكم من طلب المال ، ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفى لكم ، والعلم مخزون عند اهله ، وقد امرتم بطلبه من اهله فاطلبوه.

ومنها ما روى عن الصادق عليه‌السلام : ان العلماء ورثة الانبياء وذلك ان الانبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، وانما ورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشىء منها فقد اخذ حظا وافرا ، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذون ، فان فينا اهل البيت فى كل خلف عدو لا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

ومنها ما عن على بن الحسين عليهما‌السلام قال : لو يعلم الناس ما فى طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج ، ان الله اوحى الى دانيال : ان امقت عبيدى الى ، الجاهل المستخف بحق اهل العلم التارك للاقتداء بهم ، وان احب عبيدى الى ، التقى الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء.

وعن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل راوية لحديثكم يبث ذلك فى الناس ، ويشدده فى قلوبهم وقلوب شيعتكم ، ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية ، ايهما افضل؟ قال : الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا افضل من الف عابد.

٧

(٤) اصل

ومن اهم ما يجب على العلماء مراعاته تصحيح القصد واخلاص النية وتطهير القلب من دنس الاغراض الدنيوية ، وتكميل النفس فى قوتها العملية ، وتزكيتها باجتناب الرذائل واقتناء الفضائل الخلقية ، وقهر القوتين الشهوية والغضبية.

وقد روينا عن الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم باعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للاستطالة والختل وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب الجهل والمراء موذ ممار ، متعرض للمقال فى اندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم ، قد تسر بل بالخشوع وتخلى من الورع ، فدق الله تعالى من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على مثله من اشباهه ، ويتواضع للاغنياء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضم ولدينهم حاطم ، فاعمى الله على (من ـ خ ل) هذا خبره وقطع من آثار العلماء اثره ، وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر ، قد تحنك فى برنسه

٨

وقام الليل فى حندسه ، يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا ، مقبلا على شأنه ، عارفا باهل زمانه ، مستوحشا من اوثق اخوانه ، فشد الله من هذا اركانه واعطاه يوم القيمة امانه.

وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : منهومان لا يشبعان ، طالب دنيا وطالب علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلها هلك إلّا ان يتوب ويراجع ، ومن اخذ العلم من اهله وعمل بعلمه نجى ، ومن اراد به الدنيا فهى حظه.

وعن الصادق عليه‌السلام قال : من اراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له فى الآخرة نصيب ، ومن اراد به خير الآخرة اعطاه الله خير الدنيا والآخرة.

وعنه عليه‌السلام : اذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على دينكم فان كل محب لشىء يحوط ما احب. وقال عليه‌السلام : اوحى الله الى داود لا تجعل بينى وبينك عالما فتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتى ، فان اولئك قطاع طريق عبادى المريدين الىّ انّ ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتى عن قلوبهم.

وعن الباقر عليه‌السلام قال : من طلب العلم ليباهى به العلماء ، او يمارى به السفهاء ، او يصرف به وجوه الناس اليه فليتبوأ مقعده من النار ، ان الرئاسة لا تصلح الا لاهلها.

وعن الصادق ، قال كان على عليه‌السلام يقول : العالم اعظم اجرا من الصائم القائم الغازى فى سبيل الله ، واذا مات العالم ثلم فى الاسلام ثلمة لا يسدها شىء الى يوم القيامة.

اصل ويجب على العالم العمل كما يجب على غيره لكنه فى حق

٩

العالم آكد وليجعل له حظا وافرا من الطاعات والقربات فانها تفيد النفس ملكة صالحة واستعدادا تاما لقبول الكمالات.

فعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج ، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك ، وان اهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه ، وان اشد اهل النار ندامة وحسرة رجل دعى عبدا الى الله تعالى فاستجاب له وقبل منه فاطاع الله فادخله الجنة وادخل الداعى النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الامل ، اما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وطول الامل ينسى الآخرة.

وعن الصادق عليه‌السلام قال : العلم مقرون الى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم ، والعلم يهتف بالعمل ، فان اجابه وإلّا ارتحل عنه.

وعنه عليه‌السلام قال : ان العالم اذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا.

وجاء رجل الى على بن الحسين ، فسأله عن مسائل فاجاب ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال عليه‌السلام : مكتوب فى الانجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم فان العلم اذا لم يعمل به لم يزد صاحبه الا كفرا ولم يزدد من الله الا بعدا.

وعن امير المؤمنين عليه‌السلام : ايها الناس اذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون ، ان العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذى لا يستفيق عن جهله ، بل قد رايت ان الحجة عليه اعظم والحسرة ادوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير فى جهله ، وكلاهما حائر بائر ، لا ترتابوا فتشكوا ، ولا تشكوا فتكفروا ، ولا ترخصوا لانفسكم

١٠

فتدهنوا ، ولا تدهنوا فى الحق فتخسروا وان من الحق ان تفقهوا ، ومن الفقه الا تغتروا ، وان انصحكم لنفسه اطوعكم لربه ، واغشكم لنفسه اعصاكم لربه ، ومن يطع الله يأمن ويستبشر ، ومن يعص الله يخب ـ ويندم.

وعن الصادق عليه‌السلام قال : جاء رجل الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ما العلم؟ قال : الانصات ، قال : ثم مه يا رسول الله؟ قال : الاستماع ، قال : ثم مه؟ قال : الحفظ ، قال : ثم مه؟ قال : العمل به ، قال : ثم مه؟ يا رسول الله قال : نشره.

وروينا عن الصادق عليه‌السلام انه قال : اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم ، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبارين ، فيذهب باطلكم بحقكم.

وعنه عليه‌السلام فى قول الله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) قال : يعنى بالعلماء من صدق قوله فعله ، ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم.

وعنه : من تعلم العلم وعمل به وعلم لله دعى فى ملكوت السموات عظيما.

١١

(٥) اصل

ولما ثبت ان كمال العلم انما هو بالعمل تبين شرف علم الفقه الذى دون هذا العلم ـ اعنى اصول الفقه ـ للوصول اليه ، لان مدخليته فى العمل اقوى مما سواه ، اذ به تعرف او امر الله تعالى فتمتثل ، ونواهيه. فتجتنب ولان معلومه ـ اعنى احكام الله تعالى ـ اشرف المعلومات ، ومع ذلك فهو الناظم لامور المعاش وبه يتم كمال نوع الانسان.

وقد روينا عن ابى الحسن موسى عليه‌السلام قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسجد فاذا جماعة قدا طافوا برجل ، فقال ما هذا؟ فقيل : علامة ، فقال : وما العلامة؟ فقالوا : اعلم الناس بانساب العرب ووقائعها وايام الجاهلية والاشعار العربية ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه ، ثم قال : انما العلم ثلاثة ، آية محكمة او فريضة عادلة ، او سنة قائمة ، وما خلاهن فهو فضل.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا اراد الله بعبد خيرا فقهه فى الدين.

١٢

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الكمال كل الكمال : التفقه فى الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما من احد يموت من المؤمنين احب الى ابليس من موت فقيه ، وعنه عليه‌السلام قال : اذا مات المؤمن الفقيه ثلم فى الاسلام ثلمة لا يسدها شىء وعن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : اذا مات المؤمن الفقيه بكت عليه الملائكة وبقاع الارض التى كان يعبد الله عليها وابواب السماء التى كان يصعد فيها باعماله وثلم فى الاسلام ثلمة لا يسدها شىء ، لان المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : حديث فى حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب او فضة.

وعنه عليه‌السلام قيل له : ان لى ابنا قد احب ان يسألك عن حلال وحرام ولا يسألك عما لا يعنيه ، فقال عليه‌السلام : وهل يسأل الناس عن شىء افضل من الحلال والحرام؟!

وعنه عليه‌السلام : لوددت ان اصحابى ضربت رءوسهم بالسياط حتى يتفقهوا فى الدين.

وعنه عليه‌السلام انه قال : تفقهوا فى الدين فانه من لم يتفقه منكم فى الدين فهو اعرابى ، ان الله يقول فى كتابه : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.)

وعنه عليه‌السلام انه قال : عليكم بالتفقه فى دين الله ولا تكونوا اعرابا ،

١٣

فانه من لم يتفقه فى دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيمة ولم يزك له عملا.

وعنه عليه‌السلام : لو اتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لادبته.

وعنه عليه‌السلام : ليت السياط على رءوس اصحابى حتى يتفقهوا فى الحلال والحرام.

١٤

(٦) المقدمة الثانية

فى تعريف علم الاصول وبيان موضوعه ، والغرض منه.

اما تعريفه ، فالاولى ان يقال : انه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية الفرعية ، والوظائف العقلية العملية.

فخرج بالعلم بالقواعد ، علم الفقه ، فانه علم بنفس تلك الاحكام لا بالقواعد المعدة للكشف عنها ، فحجية خبر الثقة وحجية الاستصحاب من مسائل علم الاصول ، ووجوب صلاة الجمعة وحرمة العصير من مسائل علم الفقه ، اذ بهاتين الحجتين يصل الفقيه الى هذين الحكمين (١)

وخرج بقيد التمهيد للاستنباط ، القواعد التى لم يكن تمهيدها لخصوص استنباط الاحكام ، كعلم اللغة (٢) والمنطق وغيرهما.

__________________

(١) وبعبارة اخرى اذا قلت وجوب الجمعة مما اخبر به الثقة وكلما اخبر به الثقة فهو ثابت ، فوجوب الجمعة ثابت ، فالكبرى مسئلة اصولية ، والنتيجة مسئلة فقهية (ش)

(٢) المراد باللغة هنا الاعم من اللغة المصطلحة. والصرف و ـ ـ النحو والمعانى ، اذ كلها يرجع الى فهم اصل اللغة وخصوصياتها (ش)

١٥

والمراد بالاحكام الشرعية هنا مطلق الإنشاءات الصادرة من الشارع وجودية كانت او عدمية ، فدخل فى الحد ما يستنبطه الفقيه من عدم وجوب فعل وعدم حرمته ونحوهما.

وخرج بالفرعية ما له دخل فى استخراج الاحكام الشرعية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدإ تعالى والمعاد وسفرائه الى العباد.

ودخل بقيد الوظائف العقلية ما يحصله الفقيه من الاحكام العقلية المرتبطة بعمل المكلف كالبراءة والتخيير العقليين وغيرهما.

واما بيان موضوعه فليعلم انه لا بد فى كل علم من البحث عن احوال شىء معين معهود وعوارضه ، ويسمى البحث عن تلك الاحوال والعوارض مسائل العلم ، وذلك الشىء المعهود موضوعه ، والبحث فى هذا العلم انما ـ هو عن احوال الدليل والحجة ، وان اى شىء يمكن ان يكون دليلا للفقيه وحجة له فى مقام استنباط الاحكام فموضوعه الدليل فى الفقه من الكتاب والسنة والعقل وغيرها ومسائله القضايا التى انتجها البحث والتحقيق ، مثل ان ظاهر الكتاب دليل وخبر الثقة حجة والاستصحاب حجة وهى المرادة بالقواعد الممهدة.

واما الغرض منه فهو التمكن من الاستنباط والقدرة على تحصيل الوظائف الشرعية والعقلية المحتاج اليها فى مقام العمل.

ثم انه حيث كان هذا العلم مقدمة للفقه ، جرت عادة الاصحاب على تعريف علم الفقه هنا ، فنقول : الفقه فى اللغة : الفهم ، وفى اصطلاح

١٦

المتشرعة هو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية. فخرج بتقييد الاحكام بالشرعية العلم بالاحكام العقلية كعلم الفلسفة ونحوه مما لا يبحث عن الشرائع ، وخرج بالفرعية (١) الاصول الاعتقادية كعلم الكلام الباحث عن احوال المبدا والمعاد ، فانه يتعلق باصول الدين ، وخرج بقيد الادلة التفصيلية علم المقلد ، فانه يتعلم الاحكام من فتوى مقلده ، والمراد من التفصيلية : الكتاب ، والسنة المأثورة عن المعصومين والعقل.

ثم ان الاجتهاد لغة ، تحمل المشقة ، واصطلاحا ، بذل الوسع فى طريق الوصول الى الاحكام الشرعية ، فالانسان المستنبط للاحكام الشرعية عن ادلتها من حيث انه تحمل المشاق فى طريق الوصول اليها يسمى مجتهدا ، ومن حيث انه وصل اليها وعرفها عن ادلتها يسمى فقيها. (٢)

__________________

(١) المراد بالفرعية ما يتعلق بعمل المكلفين بلا واسطة كالوجوب والحرمة والصحة والبطلان ، وتقابلها الاصولية الاعتقادية اى التى تتعلق بالعقائد القلبية كوجوب الاعتقاد بالمعاد والمعراج ونحوهما (ش).

(٢) ينبغى ان نوضح تعريف الاصول والفقه والاجتهاد بمثال ، وهو ان الذى يريد استخراج النفط او الحديد مثلا من معدنهما يحتاج الى آلات ووسائل كثيرة للحفر والاستخراج والتصفية ، ليتمنى؟؟؟ له الحصول شىء منهما ، فهنا امور : الاول : تحصيل الآلات والادوات التى لولاها لم يمكن الاستخراج ، الثانى : وجود المعادن الارضية القابلة ـ

١٧

(١) تمارين

ما هو المراد بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام؟

مثل لتلك القواعد بامثلة غير ما ذكرناه.

باى قيد خرج علم الفقه عن تعريف علم الاصول؟

باى قيد خرج علم الادب عن تعريف هذا العلم؟

باى وجه دخلت الاحكام العدمية فى التعريف؟

باى قيد خرج علم الكلام عن التعريف؟

ما هو موضوع علم الاصول؟

ما هو الغرض من علم الاصول؟

__________________

ـ للاستخراج ، الثالث : تحمل المشاق فى سبيل تحصيل المطلوب ، الرابع : ما حصل بعد تلك الامور بيد العامل من النفط والحديد ، وبذلك يكون الشخص ذا مال وثروة ، فهذا الانسان ذو ادوات ووسائل اولا ، ومجد متحمل للمشاق ثانيا ، وذو مال وثروة ثالثا ، فحينئذ نقول : اذا اراد المكلف استنباط الاحكام الفرعية مثلا ، فوسائل الاستنباط يتكفل بها علم الاصول وقواعده الممهدة وما يلحق به من اللغة والمنطق ، ومعادن الاحكام هى الادلة التفصيلية اعنى الكتاب والسنة والعقل ، وتحمل المشاق فى طريق تحصيل الاحكام باعمال القواعد الاصولية وغيرها هو الاجتهاد ، والاموال والثروة الحاصلة للفقيه هى الاحكام الشرعية المطلوبة للعمل ، فالانسان المريد للاستنباط اصولى اولا ، ومجتهد ثانيا ، وعالم فقيه ثالثا (ش)

١٨

ما هو تعريف علم الفقه؟

لما ذا لا يشمل تعريف الفقه علم المقلد بالاحكام الشرعية؟

(٢) تمرين

ميز بين موضوعات العلوم فى الجمل التالية.

الكلمة تتحول الى صور مختلفة بحسب المعنى المقصود.

للفظ احوال شتى عند دخوله فى التركيب.

المعلومات التصورية والتصديقية توصلك الى مجهولاتك

للمبدا الواجب تعالى صفات جمالية وجلالية ، والمعاد جسمانى قطعا لنصوص متواترة.

افعال المكلفين تنقسم الى حلال وحرام وصحيح وفاسد.

من حجج الله تعالى على عباده العقل.

(٣) تمرين

ميز بين المسائل الاصولية والفقهية فى الجمل التالية.

ظاهر الكتاب حجة لكل عارف به.

من استولى على مال الغير عدوانا فهو له ضامن.

العام بعد التخصيص حجة فى الباقى.

خبر العدل الواحد لا يثبت الموضوعات.

اللفظ المشترك بلا قرينة ليس حجة فى شىء من معانيه.

كل عقد لا ضمان فى صحيحه لا ضمان فى فاسده.

١٩

(٧) تقسيم

قد عرفت ان الغرض من علم الاصول هو الوصول الى الاحكام الشرعية والعقلية ، فمن اللازم ح الاشارة والالماع الى معنى الحكم وبعض اقسامه ليكون طالب هذا العلم على بصيرة من مرماه ومقصده.

فنقول : الحكم هو الانشاء الصادر ممن له صلاحية الحكم المتعلق بفعل المكلف او بالموضوع الخارجى.

وينقسم بانقسامات.

الاول : انقسامه الى الحكم التكليفى والوضعى ، فالاول : هو الانشاء الصادر بداعى البعث او الزجر او الترخيص ، وينقسم الى اقسام خمسة : الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة والاباحة ، وتسمى بالاحكام التكليفية او بما فيه الاقتضاء والتخيير ، وذلك لان فيها كلفة ومشقة ، ولان فيها اقتضاء الفعل والترك والتخيير بينهما ، والثانى هو كل مجعول ليس بحكم تكليفى ، كالطهارة والنجاسة والملكية والزوجية.

الثانى : انقسامه الى الحكم الانشائى والفعلى : فالاول : هو الحكم المستفاد من ظاهر خطابات الكتاب والسنة مع عدم تحقق شرائط

٢٠