شبهات وردود حول القرآن الكريم

الشيخ محمّد هادي معرفة

شبهات وردود حول القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


المحقق: مؤسسة التمهيد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-06-1983-3
الصفحات: ٦٠٧

ببنائه ملك واحد. تلك هي العادة في تشييد الأبنية الكبيرة في كلّ زمان ... (١)

ويجدر بالذكر أن نعلم أنّ اسم «شمر يرعش» قد حكّ على صخر عثر عليه في أنقاض مدينة مأرب ، وليس في انقاض السدّ ، ويرجع تاريخه إلى سنة (٢٧٠) بعد الميلاد. (٢)

ومن ثمّ فنوجّه عتابنا اللّاذع إلى الاستاذ أحمد موسى سالم ، في ذهابه إلى الرأي القائل بأنّ ذا القرنين ـ المذكور في القرآن والمتّسم ببناء سدّ يأجوج ومأجوج ـ هو الملك الحميري «شمر يرعش» (٣) ... بدافع عصبيّة عنصريّة ... وليحتكر كلّ شخصيّة عظيمة لقوميّته العربيّة حتى ولو خالف الواقع وعارضه التاريخ.

فقد غضب الاستاذ (سالم) لأنّهم قالوا بأنّه (ذا القرنين) فارسي أو يوناني أو رومي ، وليس عربيّا. وأغمض عينه عن كلّ شيء سوى الميل بكونه عربيا من اليمن. إن هذا إلّا تعصّب مقيت يتنافى وعصرنا الحاضر ، الذي تبدّى فيه كلّ شيء ، ولم يبق جانب إبهام على قضايا التاريخ القديم. كما كانت قبل اليوم.

كيف يرضى استاذ يعيش في عصر النور ، أن يجعل نفسه في غطاء التعامي عن كلّ مقوّمات التحقيق المعاصر ، والتي دلّتنا على أنّ بناء السدّ ـ أي سدّ كان : السدّ الحديدي في جبال قوقاز. أو سور الصين. أو سدّ مأرب ـ الذي يرجع تاريخه إلى قرون قبل الميلاد ...

ليجعله من بناء ملك عاش بعد الميلاد بقرون ...! (٤)

فقد صحّ قولهم : «حبّ الشيء يعمي ويصمّ» ، والعصمة لله.

__________________

(١) راجع : العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان ، ص ١٦٢ ـ ١٦٣ و ١٦٩ ـ ١٧٦.

(٢) راجع : تاريخ العرب للدكتور السيد سالم ، ص ٥٤. (ذو القرنين لمحمد خير رمضان ، ص ١٨١).

(٣) راجع : كتابه «قصص القرآن ـ في مواجهة أدب الرواية والمسرح ـ» ، ص ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، ط ١٩٧٨ م. (ذو القرنين لمحمد خير رمضان ، ص ٢٣٣).

(٤) كان بناء سدّ مأرب حسب الكتابات المنقوشة في أنقاضه ، ما يرجع تأريخه إلى (٦٤٠ ـ ٦١٠ ق. م). ومعنى ذلك أنّه كان قبل «شمر يرعش» بحوالي (٩١٥) سنة. وقبل «تبّع الأكبر» بحوالي (٩٦٠) سنة. وقبل «الملك الصعب ـ ذي القرنين عندهم» بحوالي ٩٤٠ سنة. ومنه يتّضح عدم مشاركة أي واحد من الملوك الثلاثة في بناء سدّ مأرب. مفاهيم جغرافيّة ، ص ٢١٥.

٥٤١

سور الصين الكبير!

نجح «تشن شيه هوانج» (gnuauHhihCnihC) سنة ٢٢١ ق. م لأوّل مرّة في التاريخ في جمع شمال الولايات والإمارات الصينيّة ، وبذلك تجمّعت لديه كلّ أسباب القوّة البشريّة والاقتصاديّة ، فشرع في بناء سور الصين العظيم ، وخصّص لذلك آلاف المهندسين ومئات الالوف من العمّال لنحت الأحجار ، (١) واستمرّ البناء (٢) حتى تمّ سدّ الحدود الشماليّة بين الصين ومنغوليا ، حيث كانت تعيش القبائل الهمجيّة الدائمة الإغارة على سهول الصين.

ويمتدّ هذا السور من مياه البحر الأصفر (جزء من بحر الصين) حتى سلاسل جبال (تاين داغ). وبلغ طوله (١٥٠٠) ميل ، حوالي (٢٤٠٠ كم) (٣) في خطّ ممتدّ من الساحل المواجه لشبه جزيرة «لياوتونج» حتى «تشيا يوكوان» آخر الحصون في وسط آسيا ، عبر أقاليم «هوبي ، وشانسي ، وشينسي ، وكانسو». ومساره يتلوّى ويلتفّ تابعا سلاسل الجبال ـ قممها وحوافّها ـ ومنحدرا خلال الوديان العميقة ، مغطّيا أكثر من (٣٢٠٠ كم) ، ويتراوح ارتفاع السور في الجزء الشرقي منه بين (٥ أمتار) و (١٠ أمتار) ، وعرضه من (٨ أمتار) عند القاعدة إلى (٥ أمتار) عند القمّة ، حيث يوجد رصيف واسع يسمح بمرور ستّة فرسان جنبا إلى جنب ، تحميهم متاريس محصّنة. وعند بناء السور كان له (٢٥٠٠٠) برج (٤) تبلغ مساحة كلّ منها خمسة أمتار مربّعة ، وارتفاعه (١٣ مترا) ، وتبرز هذه الأبراج قائمة حتى اليوم.

__________________

(١) يقال : استخدم الملك لإنجاز هذا المشروع كلّ إنسان كانت له صلاحية العمل ، فمن كلّ ثلاث نفرات من الصينيّين اضطرّ للعمل منهم واحد ، ولم يقتصر على الأفراد العاديين بل وحتى الكتّاب وأصحاب المهن ، قاموا بقلع الأحجار ونحتها وما إلى ذلك. فرهنگ عميد ، قسم الأعلام ، ص ٥٥٢.

(٢) يقال : استغرق إنجاز المشروع حوالي (١٨) عاما. المصدر : ص ٥٥٣.

(٣) في الموسوعة الأثريّة العالميّة ـ إشراف «ليونارد كوتريل» تأليف (٤٨) عالما أثريّا ، ترجمة الدكتور محمد عبد القادر محمد ، الدكتور زكي اسكندر. مراجعة الدكتور عبد المنعم ، الهيئة المصرية العامّة للكتاب ، ١٩٧٧ م : «أصبح طوله النهائي ١٤٠٠ ميل ، حوالي ٢٢٥٠ كم». راجع : ذو القرنين ، محمد خير رمضان ، ص ٣٤٩ ، الهامش.

(٤) كان يفصل كلّ برج عن آخر ب (١٦٠٠) متر. وكان الجنود الذين يحرسون السور في تلك الأبراج يبلغ عددهم (٠٠٠ / ٩٠٠) جنديّا. فرهنگ عميد ، قسم الأعلام ، ص ٥٥٣.

٥٤٢

ويشتمل على عدد من البوّابات الضخمة في مناطق متباعدة يقوم على حراستها جنود أشدّاء.

أمّا خارج السور فثمّة العديد من أبراج المراقبة فوق قمم التلال أو على المضايق. وهذه مع أبراج السور كانت تستخدم للإنذار بالدخان أو الرايات نهارا ، وبالنيران ليلا. وهكذا يمكن الإبلاغ عن اقتراب الغزاة في الحال ، فترسل التعزيزات لأيّ جزء على الحدود.

التركيب المعماري للسور : يتكوّن قلب السور من التراب والحجر ، تغطّيه واجهة من الطوب (الآجرّ) ، وكلّ ذلك قد اقيم على أساس من الحجر. (١)

وفي المواضع التي تمرّ فوق التلال ، حفر خندقان متوازيان أو نحتا في الصخر ، بينهما (٨ أمتار) ، وقد وضعت في الخنادق كتل ضخمة من الجرانيت ، (٢) يصل ارتفاعها إلى عدّة أمتار ، وعلى كلّ من الجانبين بنيت حوائط من الطوب الأحمر يصل طولها إلى أقلّ من المتر قليلا ، عمودية على واجهة السور ، وقد ارتبط الطوب مع بعضه ببلاط أبيض (لعلّه الصاروج) بلغ من الصلابة بحيث لا يمكن لأيّ مسمار أن ينفذ فيه.

وكانت المسافة بين حائطي الطوب تملأ بالتراب الذي يدكّ جيّدا ، وليفرش بالرصيف من الأحجار ، ممرّا للجنود الفرسان.

وفي شمال «پكن» يتبع السور قمم جبال (٣) بالغة الانحدار ، والتي لا يمكن حتى للجداء أن تتسلّقها. وبعيدا في الغرب في «شينسي وكانسو» غالبا ما يتبع السور أسهل الدروب.

وقد بني من الرواسب الطفليّة أو التربة الصفراء ، تغطّيها طبقة رفيعة من الطوب أو الحجر.

__________________

(١) بناية السور تتألّف من جدارين بارتفاع ستّة أمتار ، وبفاصل (٨ أمتار) على امتداد السور ، وقد حشي بينهما بالتراب ، ليكون السطح الأعلى رصيفا في خمسة أمتار. وعلى طرفي الرصيف حائطان بارتفاع متر ونصف ، ليكون مجموع ارتفاع الجدار سبعة أمتار ونصف. المصدر : ص ٥٥٢.

(٢) الجرانيت : حجر صلب ذو ألوان مختلفة ، يتّخذ منه العمد والأساطين.

(٣) بارتفاع (١٦٠٠) متر.

٥٤٣

والسور القائم اليوم يرجع عهده كلّه تقريبا إلى اسرة «مينج» ، لكنّ الكثير من أساساته يبلغ عمرها أكثر من ألفي عام. (١) والخطّ الطويل من الطوب الرمادي يعود إلى تاريخ الصين القديم ، إذ يفصل بين طريقين للحياة ويحول بين الحياة البدوية وبين الفلّاحين المسالمين.

وبذلك يمثّل حائطا شاهقا من الحجارة والطوب والطين ، من الشرق (حيث البحر) إلى الغرب (حيث جبال تاين داغ) ، وبذلك يحكم حصر صحراء «جوبي» تماما في الشمال وعزلها عن سهول الصين الخصبة الكثيرة الأمطار والأنهار والخيرات والعظيمة التحضّر بشعبها العريق ، من فجر التاريخ ، منذ (٤٠٠٠) أربعة آلاف سنة!

ولم يقتصر اهتمام الإمبراطور «تشن شيه هوانج» على حماية بلاده من قبائل المغول الهمج في صحراء منغوليا (جوبي) وتوفير الأمن للبلاد. بل تعدّاها إلى سنّ قوانين وتشريعات جديدة لتوحيد نظم الحكم والقضاء على الإقطاع.

وبذلك تبيّن أنّ هذا السور العظيم ، ليس بذلك السدّ المنيع الذي بناه ذو القرنين ، حسبما جاء في القرآن. إذ هذا مبنيّ من الحجر والطوب والصاروج ، وذاك مبنيّ من زبر الحديد المفرغ عليها صهير النحاس. (٢)

ويقول «ول ديورانت» في وصفه عن هذا السور العظيم : «إنّ «شي هونج ـ دي» لمّا بلغ الخامسة والعشرين بدأ يفتح البلاد ويضمّ الدويلات التي كانت الصين منقسمة إليها من زمن بعيد ، فاستولى على دولة «هان» في عام (٢٣٠) ق. م ، وعلى «چو» في عام (٢٢٨) وعلى «ويه» في عام (٢٢٥) ، وعلى «تشو» في عام (٢٢٣) ، وعلى «ين» في عام (٢٢٢). واستولى أخيرا على دولة «تشي» المهمّة في عام (٢٢١) ، وبهذا خضعت الصين لحكم رجل واحد ، لأوّل مرّة ، منذ قرون طوال ، أو لعلّ ذلك كان لأوّل مرّة في التاريخ كلّه. ولقّب الفاتح نفسه باسم «شيء هونج ـ دي» ، ثمّ وجّه همّه إلى وضع دستور ثابت دائم

__________________

(١) بني السور بعد سنة ٢٢١ ق. م. على يد «تشن شيه هوانج» الذي قام بإعادة الأمن إلى بلاده منذ تلك السنة.

(٢) راجع : مفاهيم جغرافية ، ص ١٢٨ ـ ١٣٠ ؛ وذو القرنين لمحمد خير رمضان ، ص ٣٤٩ ـ ٣٥١.

٥٤٤

لإمبراطوريّته الجديدة.

وكان الرجل قويّ الشكيمة ، عنيدا لا يحول عن رأيه ، وكان عقد العزم على أن يوحّد بلاده بالدم والحديد.

ولمّا أن وحّد بلاد الصين وجلس على عرشها ، كان أوّل عمل قام به أن حمى بلاده من الهمج البرابرة المجاورين لحدودها الشماليّة ، وذلك بأن أتمّ الأسوار التي كانت مقامة من قبل عند حدودها ، ووصلها كلّها بعضا ببعض. وقد وجد في أعدائه المقيمين في داخل البلاد موردا سهلا يستمدّ منه حاجته من العمّال لتشييد هذا البناء العظيم الذي يعدّ رمزا لمجد الصين ودليلا على عظيم صبرها. وهو أضخم بناء أقامه الإنسان في جميع عصور التاريخ. ويقول عنه «ولتير» : إنّ أهرام مصر إذا قيست إليه لم تكن إلّا كتلا حجريّة من عبث الصبيان لا نفع فيها». (١)

إذن فمن غريب الأمر ما ذهب إليه بعضهم من أنّ هذا السور هو السدّ الذي بناه ذو القرنين!

قال الاستاذ محمد خير رمضان يوسف : ما كنت أظنّ أنّ الخطأ في التحقيق يصل بالبعض إلى هذا الحدّ ... فقد خلط بين السدّ والسور ، رغم أنّه يعرف الفارق الكبير بينهما ، من حيث الطول أو الهيئة أو المكان!

فيذكر الاستاذ الطبّاخ : أنّه لا ينافي أن يكون السدّ (سور الصين) من آثار ذي القرنين ، لأنّ البنّائين إنّما هم صينيّون ، وهو مقتضى قوله تعالى : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)(٢) أي بقوّة فعلة أو بما أتقوّى به من الآلات ... وهذا لا ينافي أيضا أن ينسب بناؤه إلى ملك الصين الذي كان في ذلك الزمن ، حيث إنّه كان بطلب منه وعمل على مرأى منه ، إلّا أنّه لمّا كان ضعيفا لا يتمكّن من عمله بنفسه ورعيّته ، وكان عدوّه قويّا ليس في الوسع مقاومته وردّ غارته ، استنجد بذي القرنين ، لمّا وصل إليه دفع ذي القرنين من الجنود ما لا قبل لأحد بها ، فاضطرّ المغوليّون إلى السكوت وعدم الممانعة ، فتمكّن الصينيّون بمعونة ذي القرنين

__________________

(١) قصّة الحضارة ، ج ٤ ، ص ٩٧ ـ ٩٨.

(٢) الكهف ١٨ : ٩٥.

٥٤٥

من القيام بعمل هذا السدّ الهائل ... (١)

وأغرب منه ما كتبه الاستاذ محمد جميل بينهم مقالا ـ في مجلّة الإخاء التي كانت تصدر في طهران في عدد (٣٢) من السنة الثالثة في ١ / ج ٢ / ١٣٨٢ ه‍ ـ تشرين الأوّل سنة ١٩٦٢ م ـ ردّا على مقال الاستاذ أبو الكلام آزاد ، الذي نشر في نفس المجلّة ـ أوّل آب سنة ١٩٦٢ م ـ!

قال صاحب المقال (محمد جميل بينهم) : كنت كتبت مقالا نشرته مجلّة العرفان في أيار سنة ١٩٥٥ م برهنت فيه على أنّ السور الصيني الكبير إنّما هو سدّ يأجوج ومأجوج الذي ورد ذكره في القرآن الكريم ، وحاك القصّاصون حوله الخرافات والخزعبلات ... ولمّا اتيح لي الوصول إلى الصين ، وزرت هذا السور ، ازددت وثوقا بما ذهبت إليه في ذلك المقال ، خصوصا وإنّي رأيت بامّ عيني الصدفين (!) أي رأسي الجبلين المتقابلين الذين ساوى بينهما ذو القرنين ... ورأيت أيضا زبر الحديد في الأنقاض ، (٢) حيث يقوم عمّال الحكومة ـ اليوم ـ بترميم البناء ...؟! (٣)

يقول الاستاذ محمد خير رمضان تعقيبا عليه : وأنا لا أزيد أن أقول : إنّ هذا من أعجب ما قرأت في مغالطة التحقيق ... (٤) فيا لله وللأوهام ...؟!

لمحة عن الإسكندر المقدوني!

ولعلّك تتساءل : ما هو السبب في شيوع القول بأنّ ذا القرنين المذكور في القرآن ، هو الإسكندر المقدوني (اليوناني) ، وقد شاع وصف سدّ ذي القرنين بالسدّ الاسكندري؟! قد تكرّرت آراء من يرى ـ من المفسّرين وبعض أهل التاريخ ـ أنّه الإسكندر في عدّة مراجع :

__________________

(١) راجع ما كتبه بهذا الشأن في كتابه «ذو القرنين» ، ص ٥٥ (محمد خير رمضان ، ص ٣٤٧).

(٢) ولعلّ زبر الحديد التي شاهدها هناك كانت بقايا من معاول ومساحي العمّال الذين كانوا يشتغلون في الحفر عن الأنقاض ، فحسبها من بقايا الردم!؟

(٣) انظر : كتاب «أغاليط المؤرّخين» للدكتور أبو اليسر عابدين ، ص ٣١٧ ، دمشق ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧٢ م.

(٤) ذو القرنين القائد الفاتح والحاكم الصالح ، ص ٣٤٩.

٥٤٦

وأوّل من وجدناه ذكر ذلك من أهل التاريخ ، هو أحمد بن داود الدينوري (ت ٢٨٢ ه‍) في كتابه «الأخبار الطوال». ذكر فتوحاته في الهند والصين ، وكرّ راجعا إلى بلاد يأجوج ومأجوج ، وبنائه السدّ ، حيث قصّ الله خبرهم في القرآن. (١)

وبعده العلّامة المؤرّخ الجغرافي أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت ٣٤٥ ه‍) في كتابه «التنبيه والإشراف». قال فيه : وأخبار الإسكندر وسيره ومسيره في مشارق الأرض ومغاربها وما وطئ من الممالك ولقى من الملوك وبنى المدائن ورأى من العجائب ، وأخبار الردم ... (٢)

ومن المفسّرين الكبار الإمام الفخر الرازي (ت ٦٠٦ ه‍) في تفسيره الكبير ، استنادا إلى أنّ إنسانا هذا شأنه ، قد ملك المشرق والمغرب وطاف البلاد ، لا بدّ أن يبقى ذكره خالدا غير مطموس ولا مغمور ، ولا أحد من ملوك العالم ـ فيما سجّله التاريخ ـ يعرف بهذا الوصف سوى الإسكندر اليوناني ...

ثمّ يعترض على هذا الرأي بأنّ الإسكندر هذا كان تلميذ أرسطاطاليس الحكيم وكان على مذهبه ، فتعظيم الله إيّاه يوجب الحكم بأنّ مذهب أرسطاطاليس حقّ وصدق ... وذلك ممّا لا سبيل إليه ... قال : وهو إشكال قويّ ... (٣)

وتبعه على ذلك المتأثّرون بتفسيره ، منهم : نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري (ت ٧٢٨ ه‍) في تفسيره «غرائب القرآن». قال فيه : وأصحّ الأقوال أنّ ذا القرنين هو الإسكندر بن فيلقوس ـ ولكنّه وصفه بالرومي ، خطأ ـ واستدلّ بما استدلّ به الرازي. وأجاب عن الإشكال بأن ليس كلّ ما ذهب إليه الفلاسفة باطلا ، فلعلّه أخذ منهم ما صفا ، وترك ما كدر ... (٤)

وعلّامة بغداد أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي (ت ١٢٧٠ ه‍) في

__________________

(١) الأخبار الطوال ، ص ٣٧.

(٢) التنبيه والإشراف ، ص ١٠٠ (ط دار الصاوي ، القاهرة ، ١٣٥٧ ه‍ / ١٩٣٨ م).

(٣) التفسير الكبير ، ج ٢١ ، ص ١٦٣ ـ ١٦٥.

(٤) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ، بهامش جامع البيان ، ج ١٦ ، ص ١٨.

٥٤٧

تفسيره «روح المعاني» يسرد الأقوال بشأن شخصية ذي القرنين ، وينتهي أخيرا بأنّه الإسكندر المقدوني ـ الموصوف تارة باليوناني واخرى بالرومي ـ يقول : وكأنّي بك بعد الاطّلاع على الأقوال ، وما لها وما عليها ، تختار أنّه إسكندر بن فليقوس الذي غلب «دارا» ملك فارس وأنّه كان مؤمنا لم يرتكب مكفّرا من عقد أو قول أو فعل ... أمّا تلمذته على أرسطو فلا تمنع من ذلك ، فقد تتلمذ الأشعري على المعتزلة ، كما خالف أرسطو استاذه أفلاطون في كثير من المسائل ... هذا وقد ذكر الفيلسوف صدر الدين الشيرازي أنّ أرسطو كان حكيما عابدا موحّدا قائلا بحدوث العالم ودثوره ... (١)

وسبقهم إلى ذلك أصحاب التفسير بالمأثور :

جاء في تفسير مقاتل بن سليمان البلخي (ت ١٥٠) : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ)(٢) يعنى : الإسكندر قيصر! ويسمّى الملك القابض على قاف ، وهو جبل محيط بالعالم. وذو القرنين ، لأنّه أتى قرني الشمس : المشرق والمغرب ... (٣)

وفي تفسير أبي جعفر الطبري (ت ٣١٠) : «كان شابّا من الروم ، فجاء وبنى مدينة الإسكندريّة»! (٤)

وفي تفسير الماوردي أبي الحسن علي بن محمّد البصري (ت ٤٥٠) : «قال معاذ بن جبل : كان روميّا اسمه الإسكندروس. قال ابن هشام : هو الإسكندر ، وهو الذي بنى الإسكندرية». (٥)

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن قتادة : الإسكندر هو ذو القرنين.

وعن وهب بن منبّه : كان ذو القرنين رجلا من الروم. وكان اسمه الإسكندر. وإنّما سمّي ذا القرنين ، لأنّ صفحتي رأسه كانتا من نحاس!

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن السدّي والحسن : كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع. وعن عبيد بن يعلى : كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة! (٦)

__________________

(١) روح المعاني ، ج ١٦ ، ص ٢٨.

(٢) الكهف ١٨ : ٨٣.

(٣) تفسير مقاتل بن سليمان ، ج ٢ ، ص ٥٩٩.

(٤) جامع البيان ، ج ١٦ ، ص ٧.

(٥) تفسير الماوردي (النكت والعيون) ، ج ٣ ، ص ٣٣٧.

(٦) الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

٥٤٨

وللحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت ٧٧٤) هنا محاولة غريبة : (١) عمد إلى الجمع بين الروايات المختلفة بشأن الإسكندر ، وأنّه شخصان ، هو في أحدهما روميّ ، وفي الآخر يونانيّ مقدونيّ.

أخرج بإسناده إلى إسحاق بن بشر عن سعيد بن بشير عن قتادة ، قال : إسكندر هو ذو القرنين ، وأبوه أوّل القياصرة ، وكان من ولد سام بن نوح.

فأمّا ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس من ذريّة إسحاق. قال : كذا نسبه ابن عساكر في تاريخه ، المقدوني اليوناني المصري باني الإسكندريّة ، وكان متأخّرا عن الأوّل بدهر طويل. كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة. وكان أرسطاطاليس الفيلسوف وزيره ، وهو الذي قتل دارا وأذلّ ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.

قال : وإنّما نبّهنا عليه لأنّ كثيرا من الناس يعتقد أنّهما واحد ، وأنّ المذكور في القرآن هو الذي كان أرسطاطاليس وزيره ، فيقع بسبب ذلك في خطاء كبير وفساد عريض طويل كثير!!

فإنّ الأوّل كان عبدا مؤمنا صالحا وملكا عادلا وكان وزيره الخضر ، وقد كان نبيّا على ما قرّرناه قبل ... وزاد في التفسير : أنّه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل وأوّل ما بناه وآمن به وأتبعه.

وأمّا الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا ، وقد كان بين زمانيهما أزيد من ألفي سنة ، فأين هذا من هذا ، لا يستويان ولا يشتبهان إلّا على غبيّ لا يعرف حقائق الامور!! (٢)

ولعلّك أيّها القارئ النبيه ، في غنى عن التدليل على مواضع الضعف من هذه الأوهام والتي هي أشبه بالخيال من الحقيقة! فإنّ التناقض والتهافت فيما تلوناه عليك باد بعيان من غير حاجة إلى البيان.

وللدكتور عبد العليم عبد الرحمن خضر تفصيل وتبيين عن مواضع الإسكندر

__________________

(١) على غرار ما سبق عن زميله ابن قيّم ابن الجوزيّة (ت ٧٥١ ه‍) ، هما رضيعا ثدي واحد (تلميذا ابن تيميّة) وكان هائما في تخيّلاته ، وهكذا أثّر على أعقابه وأتباعه!

(٢) البداية والنهاية ، ج ٢ ، ص ١٠٥ ـ ١٠٦ ؛ وراجع تفسيره أيضا ، ج ٣ ، ص ١٠٠.

٥٤٩

المقدوني ، والتي لا تدع مجالا لاحتمال كونه ذا القرنين المذكور في القرآن ، ولا احتمال أن يكون هناك إسكندران : روميّ ويونانيّ ـ كما حسبه البعض ـ لأنّ القضية تعود إلى وثائق التاريخ وليس هناك عبث في الكلام ... (١)

ومن المعاصرين ، ذهب الاستاذ محمد جمال الدين القاسمي (ت ١٣٢٢ ه‍) إلى أنّ ذا القرنين الذي جاء ذكره في القرآن ، هو الإسكندر الكبير المقدوني. (٢)

يقول : اتّفق المحقّقون على أنّ اسمه (ذا القرنين) الإسكندر الأكبر ابن فيلبس باني الإسكندريّة بتسعمائة وأربعة وخمسين سنة (٩٥٤) قبل الهجرة ، وثلاثمائة واثنين وثلاثين (٣٣٢) سنة قبل ميلاد المسيح عليه‌السلام.

وردّ على ابن القيّم ابن الجوزيّة في زعمه : أنّه سبق هذا الإسكندر بقرون كثيرة ...

قال ابن قيّم ـ في كتابه «إغاثة اللهفان» في الكلام على الفلاسفة ـ : ومن ملوكهم الإسكندر المقدونيّ وهو ابن فيلبس ، وليس بالإسكندر ذي القرنين الذي قصّ الله تعالى نبأه في القرآن ، بل بينهما قرون كثيرة ، وبينهما في الدين أعظم تباين. فذو القرنين ـ في القرآن ـ كان رجلا صالحا موحّدا لله تعالى ، يؤمن بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وكان يغزو عبّاد الأصنام ، وبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وبنى السدّ بين الناس وبين يأجوج ومأجوج. وأمّا هذا المقدونيّ فكان مشركا يعبد الأصنام هو وأهل مملكته. وكان بينه وبين المسيح نحو ألف وستّمائة سنة (!!). (٣) والنصارى تؤرّخ له. وكان أرسطاطاليس وزيره وكان مشركا يعبد الأصنام ...

وهنا يأتي القاسمي ليردّ عليه قائلا : إنّ المرجع هم أئمّة التاريخ ، وقد أطبقوا على أنّه (أي ذي القرنين) هو الإسكندر الأكبر ابن فيلبس باني الإسكندرية. وقد أصبح ذلك من الأوّليّات عند علماء الجغرافيا.

... وأمّا ما جاء في وصفه في القرآن ، فلعلّه لخصال حسان لا تمسّ جانب عبادته

__________________

(١) راجع ما كتبه بهذا الشأن ، في كتابه القيّم «مفاهيم جغرافيّة في القصص القرآني» ، ص ٥٠ ـ ١٣٠. فإنّه جيّد دقيق!

(٢) تفسير القاسمي ، ج ٥ ، ص ٥٤.

(٣) لقد اشتبه الأمر عليه كثير ، إذ الإسكندر المقدوني كان قبل المسيح بثلاثمائة وثلاث وثلاثين سنة. نعم ذكروا أنّ الفصل الزماني بين ذي القرنين الذي جاء ذكره في القرآن والذي كان على عهد إبراهيم الخليل ـ حسبما زعموا ـ هو نحو هذا العدد (١٦٠٠ سنة)!

٥٥٠

للأوثان ... بل لعلّه من المحتمل أنّه خالف شعبه وتبع استاذه في التوحيد ، كما قيل. (١)

وهكذا ذكر الاستاذ محمد فريد وجدي : لا ينافي أن يكون المقصود بذي القرنين هو الإسكندر المقدوني ، على ما كان فيه من الشذوذ في بعض الامور. (٢)

هذا وإنّا لنستغرب صدور مثل هذا الكلام من مثل القاسمي والوجدي وقد عاشا القرن العشرين ودرسا أساليب النقد التاريخي الصحيح ، وعرفا من الإسكندر المقدوني ذلك الطاغية الذي عاش حياته القصيرة في الترف والزهو وقد أبطرته النعمة وأطغته العظمة ، فعلا في الأرض واستكبر وأفسد فيها وأهلك الحرث والنسل وحاول إبادة الحضارات والثقافات واصول الديانات وأحرق المكتبات ، وانهمك على اللذّات واللهو العارم ، فأنشأ لنفسه سرايا على نسق ملوك الشرق المبطرين ، وأحاط نفسه بالندمان وأهل الخلاعة ، وتغلغل في متاهات الغلوّ ، حتّى ادّعى أنّه هو وحده يرجع إليه الفضل في تلك الفتوحات. ثمّ تنمّر حتى ادّعى أنّه ابن الإله «جوبة» ودعا إلى عبادته. (٣)

تسع آيات إلى فرعون وقومه! (٤)

وهناك من أصحاب الفكر الإسلامي الحديث ـ حسب مصطلحهم ـ من يستنكر على القائل بأنّ تلك الآيات حوادث واقعة ، ويراها قصصا شعبيّة تسلّمها الخصوم فاستغلّها القرآن جدلا بالتي هي أحسن!

يقول الاستاذ خليل عبد الكريم ـ ردّا على الاستاذ محمد أحمد خلف الله ، مذهبه في إضفاء الصفة التاريخيّة على هذه الأحداث ـ : أمّا الأوعر من ذلك فإنّه (الاستاذ خلف الله) يعتبر حكاية موسى وفرعون ، وخروج بني إسرائيل من مصر ، وضرب ملأ فرعون بالجراد والقمّل والضفادع والدّم ، وتحدّي موسى للسحرة ، وانقلاب العصي إلى حيّة أو

__________________

(١) تفسير القاسمي ، ج ٥ ، ص ٥٨.

(٢) دائرة معارف القرن العشرين ، ج ١ ، ص ٣٢٥.

(٣) راجع : البحر الزاخر ، في تاريخ العالم وأخبار الأوائل والأواخر لمحمود فهمي المهندس ، ج ٢ ، ص ١٣٦ ـ ١٣٧ و ١٥٠ ـ ١٥١. (محمد خير رمضان ، ص ١٤٦ ـ ١٤٧).

(٤) النمل ٢٧ : ١٢. الإسراء ١٧ : ١٠١ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ، فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ : إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً). راجع : قصص الأنبياء للاستاذ النجّار ، ص ١٩٧ ـ ١٩٨.

٥٥١

ثعبان أو جانّ ... نقول : إنّه يعتبر كلّ هذه الحكايات تاريخا ، مع أنّه لا يوجد في العالم بلد حرص على تدوين تاريخه كتابة كمصر ، وليس في التاريخ المصري شيء من هذا ، ومع ذلك فقد عدّها المؤلّف قصصا تاريخيّا ... (١)

لـمّا أخذت فرعون العزّة بالإثم وعتى عن أمر الله تعالى وتمادى في تكذيب موسى وهارون ، واستمرّ في إعنات بني إسرائيل وإيقاع ضروب الإذلال والإهانة بهم ، أمر الله تعالى موسى أن يعلن فرعون وقومه بوقوع العذاب بهم. فكانوا كلّما وقع بهم عذاب بعد إنباء موسى إيّاهم به وعدوه بالإيمان تارة وبإرسال بني إسرائيل اخرى إن كشف الله عنهم العذاب. وكلّما كشف الله عنهم عادوا إلى طغيانهم وغدروا بعهدهم وخاسوا بوعدهم ، وهكذا إلى أن وقعت الآية الكبرى والبطشة العظمى ، وهي إغراق فرعون في اليمّ ونجاة بني إسرائيل. والآيات ـ حسبما ذكره المفسرون ـ هي :

١ ـ الجدب «أخذناهم بالسنين» بأن قلّ عنهم ماء النيل وقصر عن إرواء أراضيهم.

٢ ـ النقص من الثمرات بسبب ما أتى عليها من الجوائح والعاهات.

٣ ـ الطوفان ، قيل بطغيان النيل حتى دخل بيوتهم ومساكنهم فخرّبها ، وفاض على مزارعهم فأفسدها في وقت كان الزرع فيها ناميا.

٤ ـ الجراد ، بأن هجمتهم جحافل الجراد فأكل الزرع واجتاح الثمار.

٥ ـ القمّل ، قيل : هو السوس الذي يفسد الحبوب. وقيل : القراد ، دويبة تتعلّق بالبعير ونحوه وهي كالقمل للإنسان تلسعه وتأخذ راحته. وأبدلتها التوراة بالبعوض ، كما يأتي.

٦ ـ الضفادع ، كثرت عليهم حتى نغضت عليهم عيشتهم بسقوطها على فرشهم وأوانيهم وطعامهم.

٧ ـ الدم ، قال زيد بن أسلم : سلّط الله عليهم الرعاف بحيث أزعج عليهم الحياة.

٨ ـ الطمس على أموالهم ، فتوالت عليهم الخسران في مكاسبهم.

٩ ـ اليد البيضاء ، إذ كان يضع يده في جيبه ثمّ يخرجها بيضاء من غير سوء.

__________________

(١) الفنّ القصصي في القرآن الكريم ، مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم ، ص ٤١٥ ـ ٤١٦.

٥٥٢

والاستاذ عبد الوهاب النجار ـ بعد أن ذكر كلام المفسّرين ـ رجّح أن تكون الآيات التسع كما يلي :

١ ـ السنون ، ٢ ـ نقص الأموال ، ٣ ـ نقص الأنفس ، ٤ ـ نقص الثمرات ، ٥ ـ الطوفان ، ٦ ـ الجراد ، ٧ ـ القمّل ، ٨ ـ الضفادع ، ٩ ـ الدّم. (١)

* * *

وقد ذكرت التوراة الآيات التي جاء بها موسى إلى فرعون وملائه ، وجعلتها اثنتي عشرة آية :

١ ـ انقلاب العصى حيّة. (الأصحاح ٧ من سفر الخروج عدد ١٢).

٢ ـ انقلاب نهر النيل دما سبعة أيّام وموت السمك فيه ونتن مائه. (أص ٧ : ١٧ ـ ٢٤)

٣ ـ صعود الضفادع من النهر إلى أرض مصر ومضايقتها للمصريّين حتى غطّت أرض مصر كلّها. (أص ٨ : ١ ـ ١٠)

٤ ـ كثرة البعوض بأرض مصر على الناس والبهائم. (أص ٨ : ١٦ ـ ١٩)

٥ ـ كثرة الذباب في أرض مصر وبيوت المصريّين كثرة فاحشة حتى تنغّصت عيشتهم. (أص ٨ : ٢٠ ـ ٢٤)

٦ ـ تفشّي الوباء في مواشي المصريّين. (أص ٩ : ١ ـ ٧)

٧ ـ فشوّ الدماميل في الناس والبهائم. (أص ٩ : ٨ ـ ١٢)

٨ ـ نزول البرد العظيم فأهلك الحرث والنسل. (أص ٩ : ١٣ ـ ٣٥)

٩ ـ كثرة الجراد فأفسدت الزرع والثمار. (أص ١٠ : ١ ـ ١٥)

١٠ ـ إظلام السماء ثلاثة أيّام. (أص ١٠ : ٢١ ـ ٢٣)

١١ ـ موت كلّ بكر من الناس والبهائم. (أص ١١ : ١ ـ ٩)

١٢ ـ اليد البيضاء. (أص ٤ : ٦ ـ ٩)

__________________

(١) قصص الأنبياء ، ص ١٩٨.

٥٥٣

* * *

رأى فرعون الآيات ولكنّه تمادى في كفره وأصرّ على عناده ، وعاد في اضطهاد بني إسرائيل ، معتزّا بما له عليهم من القهر والغلبة والسلطان ، فطبيعيّ أن يضجّ بنو إسرائيل بالشكوى إلى موسى ممّا حاق بهم من الحيف والجور. فوصّاهم موسى بالصبر والاستعانة بالله ، ووعدهم بالنصر وحسن العاقبة. فلم يكفكف ذلك دموعهم وقالوا له : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا)! فمنّاهم هلاك عدوّهم وإخراجهم من الضيق إلى السعة وأن يكونوا خلفاء في الأرض التي وعدوا بها. (١) وأراد فرعون أن يبطش بموسى ، متحدّيا إلهه حتى لا يكون منه تبديل لدين القوم. ولكنّ موسى عاذ بالله من شرّ هذا المتكبّر العاتي ، فكان عياذا. (٢) فاصيب فرعون وقومه الدمار والهلاك (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ). (٣)

انطلق موسى بقومه من أرض مصر ، ذاهبا إلى أرض فلسطين ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى). (٤)

فهل كان هذا الانطلاق بناء على أمر صدر له من فرعون ، بعد أن أمضّه الله وقومه بسوء العذاب ، في الآيات التسع؟

تقول التوراة : إنّ ذلك كان بناء على سماح فرعون لهم بالانطلاق ، ليخلص من ضروب العذاب التي حاقت بقومه.

جاء في الاصحاح ١٢ : ٢٩ ـ ٣٣ من سفر الخروج : «فحدث في نصف الليل أنّ الربّ ضرب كلّ بكر في أرض مصر ... وكان صراخ عظيم. لأنّه لم يكن بيت ليس فيه ميّت ... فدعا فرعون موسى وهارون وقال : قوموا اخرجوا من بين شعبي ، أنتما وبنو إسرائيل جميعا ، واذهبوا اعبدوا الربّ كما تكلّمتم. خذوا غنمكم أيضا وبقركم كما

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٢٩.

(٢) غافر ٤٠ : ٢٤ ـ ٢٧.

(٣) طه ٢٠ : ٧٨.

(٤) طه ٢٠ : ٧٧.

٥٥٤

تكلّمتم واذهبوا ، وباركوني أيضا. وكذلك ألحّ المصريّون على بني إسرائيل ليخرجوا من أرض مصر ، حيث خوفهم من الفناء ...

لكن فرعون ندم على سماحه لخروج بني إسرائيل ـ وقد كان هو وقومه يستعبدونهم ـ فعزم على اتّباعهم ليردّهم عبيدا أذلّاء ... وكان بنو إسرائيل قد بلغوا ساحل البحر الأحمر ـ على خليج السويس ـ وأطلع عليهم فرعون مع شروق الشمس ، وأيقن بنو إسرائيل بالهلاك وأنّ فرعون باطش بهم.

فسكّن موسى روعهم وضرب البحر ، فكان فلقتين وظهرت اليابسة بينهما ، فأمر بني إسرائيل بالعبور ، فعبروا من الشاطئ الغربي إلى الشاطئ الشرقي ...

وأشرف فرعون في ذلك الحين على الموضع الذي عبر منه بنو إسرائيل ، فرأى طريقا في البحر لا وعورة فيه ، وبنو إسرائيل بين فرقي الماء لم يمسّهم أذى. فطمع أن يعبر في أثرهم هو وجنوده ، فاقتحموا الطريق اليابس في البحر خلف بني إسرائيل.

فلمّا جاز بنو إسرائيل البحر عن آخرهم وكان فرعون وجنوده قد توسّطوه انطبق عليهم البحر فكانوا من المغرقين ...

لمحة عن حياة بني إسرائيل في مصر

ذكر الاستاذ أحمد يوسف أحمد ـ في كتابه : فرعون موسى ـ قصّة الولادة والرسالة ـ والخروج ـ : أنّ يوسف الصديق عليه‌السلام قد دخل مصر في عهد الاسرة السادسة عشرة ، في أيّام أحد ملوكها المدعوّ «أبابي الأوّل». وقد وجدت لوحة أثريّة عبارة عن شاهد مقبرة ذكر فيها اسم «فوتي فارع» وهو المذكور في التوراة «فوطيفار ـ عزيز مصر». كما استدلّ من بعض الآثار عن الاسرة السابعة عشرة ، على حدوث جدب في مصر قبل هذه الاسرة ، وهو ما ذكر في القرآن والتوراة عن سنيّ القحط.

إذن فدخول يوسف يمكن تحديده قريبا من سنة (١٦٠٠ ق. م) في عهد الملك أبابي المذكور. ويكون دخول بني إسرائيل بعد ذلك بنحو ما يقرب من (٢٧ عاما) وهي

٥٥٥

المدّة التي أقامها يوسف في بيت سيّده ، مضموما إليها المدّة التي قضاها في السجن. يضمّ إلى ذلك مدّة الرخاء والخصب ، ثمّ بعض مدّة الجدب ، إلى أن قال لإخوته : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ). (١)

وإذا اطّلعنا على حياة ملوك الفراعنة ، فيما بين هذه الاسرة والاسرة التاسعة عشرة ، لم نجد أيضا ذكرا يثبت أيّ اضطهاد حدث لقوم إسرائيل ، ولا أيّ ذكر لهم أثناء ذلك.

ولكن التوراة تذكر أنّ فرعون مصر الذي اضطهد بني إسرائيل ، كان يستخدمهم في بناء مدينتين : رعمسيس وفيثوم. وقد ثبت من الحفائر الأثريّة وجود مدينة باسم «فيثوم» أو «بر ـ توم» ومعناها : بيت الإله توم. ومدينة اخرى باسم «بر رعمسيس» أي بيت أو قصر رعمسيس.

والاولى اكتشفت بواسطة العالم الفرنسي «نافيل» سنة (١٨٨٣ م) وموضعها الآن : تلّ المسخوطة ، في مديريّة الشرقيّة. والثانية اكتشفت بواسطة العالم المصري الاستاذ محمود حمزة في سنة (١٩٢٨ م) وموضعها بلدة «قنتير» وتسمّى بالمصري القديم : «خنت نفر» أو الوسط الجميل. وأيضا «بر رعمسيس» هي التي بناها «رعمسيس» الثاني ، لتكون عاصمة لملكه في مصر في وسط الوجه البحريّ ، ليكون بها قريبا من الحدود المصريّة ، لتساعده على صدّ الأعداء. كما أنّه أيضا بنى مدينة «فيثوم» ، واتّضح من وجود بعض آثار الجدران في المدينة أنّها أيضا كانت حصنا مصريّا. وتكون التوراة قد أخطأت في حسبانها مخازن للغلال.

إذن فرعمسيس الثاني قد يعتبر الفرعون الذي اضطهد بني إسرائيل ، وولد موسى عليه‌السلام في زمنه. ويضاف إلى ذلك عداؤه الشديد للشعوب الآسيويّة التي ظلّ يحاربها متغيّبا عن مصر زهاء تسع سنوات. وقد يكون كرهه لبني إسرائيل المقيمين في مصر مترتّبا على خشيته من أن يصبحوا حزبا ممالئا لأعدائه المواطنين لهم من قبل ، ولا سيّما

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٩٣.

٥٥٦

وقد تكاثروا في عددهم وتناسلوا حتى كانت لهم جالية كبيرة تشمل جزءا عظيما من مديريّة الشرقيّة.

وحيث إنّ الملك رعمسيس الثاني قد أشرك معه ابنه الملك «منفتاح» في الحكم قبل وفاته ، وكان «منفتاح» الولد الثالث عشر لرعمسيس ـ وقد بلغ أولاده (١٥٠) ـ وكان (أي منفتاح) مسنّا حين ولايته للعهد ، فيكون قد عاصر موسى في بيت أبيه ... وبحقّ قال لموسى : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ). (١) ويكون «منفتاح» هو فرعون الخروج ، الذي ارسل إليه موسى وهارون عليهما‌السلام لإخراج بني إسرائيل من مصر ـ وكان موسى حينما بعث إلى فرعون هذا قد بلغ الثمانين ، وأخوه هارون أكبر منه بثلاث سنين ـ (٢) وتكون التوراة على صواب عند ما قالت : وفي هذه الأثناء كان ملك مصر ـ تقصد الملك رعمسيس ـ قد مات ...

وقد عثر العلّامة «فلندرس بتري» على حجر من الجرانيت القاتم ، ورقمه في دار الآثار (٥٩٩) وهو عبارة عن لوحة كبيرة يبلغ ارتفاعها (٣) أمتار و (١٤) سم ، وهو منقوش من الوجهين ، أحدهما للملك «امنحتب» الثالث من الاسرة (١٨) يذكر فيه كلّ ما عمله لمعبد «آمون».

أمّا الوجه الآخر فقد استعمل في شأن الملك «منفتاح» ابن رعمسيس الثاني من الاسرة (١٩). وذكر فيه عبارات باسلوب شعري يفتخر فيها بانتصاره على اللوبيّين. ويشير إلى سقوط عسقلان وجيزر ويانوعيم في فلسطين.

وجاء في ضمنها عبارة تشير إلى بني إسرائيل ، ونصّها الحرفيّ : «لقد سحق بنو إسرائيل ولم يبق لهم بذر». وهذا أوّل نصّ رسميّ في الآثار ، ذكر فيه بنو إسرائيل.

وقد عثر على هذا الحجر في كوم الحيتان بطيبة الأقصر.

وهذا الحجر يبدو منه للمدقّق : أنّ «منفتاح» لم يكتبه في عهده ، وإلّا لكانت لهذه الحوادث الخطيرة التي يذكرها فيه شأن عظيم كان يجب أن يدوّن في أثر خاصّ ، لا أن

__________________

(١) الشعراء ٢٦ : ١٨.

(٢) سفر الخروج ـ أصحاح ٧ : عدد ٧.

٥٥٧

يستعمل له حجر كان لغيره من قبل.

ويظهر أنّ الكهنة التابعين لمنفتاح هم الذين استعملوا هذا الحجر ودوّنوا ما به ليشيدوا بذكره ، فيقوموا بذلك بواجب التخليد ، حيث لم يكن منتظرا أن يموت الملك بتلك الصورة المعجّلة التي مات بها ، وقد أرادوا أن يوهموا الناس أنّ فرعون قد سحق بني إسرائيل ، تمويها وقلبا للحقائق ، حتى يستروا أمام الشعب المصري الذي كان يحترم ديانتهم ، خذلانهم وخذلان إلههم أمام موسى ، حين كان فرعون يتعقّب بني إسرائيل.

ويكون العثور على جثّة «منفتاح» ووجودها الآن بالمتحف المصري ، مصداقا لقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً). (١)

وقد وجدت الجثّة مع غيرها من الجثث في قبر «أمنحتب الثاني» بالأقصر.

وظهر من آثار قبر «منفتاح» أنّه لم يكن مهيّأ كما يجب لدفن ملك مثله ، لأنّ موته لم يكن منتظرا ، فلم يهيّأ له قبر خاصّ. (٢)

* * *

أمّا موضع العبور فلم يعرف بالضبط ، والتوراة تورد أسماء أمكنة مرّ بها بنو إسرائيل حتى أتوا إلى مكان العبور. وهذه الأمكنة ليست مسمّياتها معروفة اليوم. والبحّارة في البحر الأحمر يسمّون مكانا في خليج السويس «بركة فرعون» ويقولون : إنّ العبور كان بها ، وهي بعيدة عن السويس كثيرا ، تمارّ بها السفن البخاريّة بعد نصف الليل إذا قامت من السويس في المساء.

قال الاستاذ النجار : وإنّي لاستبعد ذلك كثيرا وأعتقد أنّ خليج السويس كان يمتدّ من تلك الأزمان إلى البحيرة المرّة أو يقرب منها ، وفي هذا الخليج من تلك الناحية كان عبورهم. وبعبارة اخرى إنّهم عبروا مكان شماليّ المكان المعروف بعيون موسى ، في البرّ الآسيوي ، وهي لا تبعد عن السويس كثيرا.

__________________

(١) يونس ١٠ : ٩٢.

(٢) انتهى ما نقله الاستاذ النجار عن كتاب أحمد يوسف أحمد ، وقد كان تحت الطبع ، كما ذكر الاستاذ. راجع : قصص الأنبياء للنجار ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٣.

٥٥٨

وتقول التوراة : إنّ الله أرسل ريحا شرقيّة على البحر فأزالت الماء حتى ظهرت اليابسة ، وعبر بنو إسرائيل فتبعهم فرعون فغرق. والعبارة هكذا : فقال الربّ لموسى ... قل لبني إسرائيل أن يرحلوا ، وارفع أنت عصاك ومدّ يدك على البحر وشقّه ، فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة ...

ومدّ موسى يده على البحر ، فأجرى الربّ البحر بريح شرقيّة شديدة كلّ الليل وجعل البحر يابسة وانشقّ الماء. فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم ... (١)

وأخذ بعضهم من ذلك شبهة أنّ فلق البحر كان بهبوب العواصف ، ولم تكن آية معجزة! لكن لم يعهد أن تعمل الريح مهما اشتدّت هذا العمل العجيب في الخليج مرّة اخرى ، بل كلّ الدهر ، سواء قبل هذه الحادثة أم بعدها ، فلم فعلت ذلك حين أمر موسى بني إسرائيل بعبور البحر ، ذلك الحين فقط؟!

قال الاستاذ النجّار : فلم يكن ذلك إلّا بعناية خاصّة من الله تعالى لإنفاذ ما في علمه. (٢)

* * *

وبعد فإذ قد علمنا أنّ سجلّات التاريخ ، غالبيّتها إنّما تعنى بشئون السلاطين وإضفاء وابل الثناء عليهم خاصّة ، حتى ولو كان بقلب الحقائق وتبديل سيّئاتهم حسنات وإعفاء ما سواها من شئون ، فيا ترى هل تجد هناك مجالا لوصف محاسن خصومهم أو الإشادة بذكرهم ، ولا سيّما إذا استدعى ذلك مسّا بكرامة الأسياد أو الحطّ من شأنهم الرفيع!!

لم تكد الوثائق التاريخيّة القديمة تتجاوز رغبات حاشية الملوك والامراء ، فيما يعود إلى تفخيم شأنهم وتعظيم جانبهم بالذات ، وأن لا يذكر هناك شيء يشينهم أو يضع من شأنهم إطلاقا. فما هي إلّا إملاءات تمليها الأسياد ، حسب ميولهم واتّجاهاتهم

__________________

(١) سفر الخروج ، أص ١٤ : ١٥ ـ ٢٣.

(٢) قصص الأنبياء للنجّار ، ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

٥٥٩

الخاصّة.

أمّا المحاسن فتذكر وتسجّل بتفصيل وتبيين ـ حتى ولو كانت مصطنعة ـ وأمّا المساوئ فتعفى ، وتصبح نسيا منسيّا.

وقد عرفت مدى جهود السلطة المقدونيّة في طمس مآثر الحكم الهخامنشي الرهيب ، بحيث طوى عليها التاريخ فتنوسيت حتى عن أذهان أبناء الفرس أنفسهم ، حيث تداوم العمل المستمرّ في إخماد تاريخ السلف طيلة قرون.

أفلا تعجب من تناسي ذكر كورش ومآثره وحتى اسمه ورسمه عند أكبر مؤرّخي الفرس : الحكيم الفردوسي فلم يتحدّث عنه بشيء!!

هذا جانب خطير من مضاعفات سلطة الأجانب على البلاد.

وهكذا الأمر بشأن موسى ومواقفه الرهيبة مع فرعون وملائه ... فيا ترى لم لم يأت له ذكر في سجلّات مصر القديمة؟!

فيا فضيلة الاستاذ خليل عبد الكريم ، هل تجد فسحة لإنكار حضور موسى عليه‌السلام نفسه شخصيّا في مصر ذلك العهد وفي تلك الحقبة من التاريخ القديم ، هل يتخالج في فكرك (الإسلامي الحديث!) إنكاره رأسا ، بحجّة أنّ سجلّات مصر قد أهملته؟! أو أنّك تحسب الحديث عن موسى المصري ـ حسبما جاء في القرآن الكريم ـ كسائر قضاياه التي حسبتها ـ أنت وزملاؤك ـ قصصا شعبيّة لا واقع لها؟!

فإن خالجتك نفسك في إنكار وجود موسى المصري (ولادة ونشأة ومبعثا) ... فقد ارتكبت خطأ عظيما يجب الاستغفار منه!!

وهكذا سائر قضاياه في مصر ، قد أغفلتها سجلّات تاريخ مصر القديمة ، لا لشيء إلّا لكونها مخازي تغضّ من كبرياء فراعين مصر!!

وقد عرفت أنّ أوّل وثيقة مصريّة سجّلت عن بني إسرائيل ، هي اللّوحة المرقّمة (٥٩٩) بدار الآثار المصريّة ، جاء فيها الحديث عن الملك «منفتاح» ابن رعمسيس الثاني من الاسرة (١٩) وجاء فيها عرضا ، الكلام عن بني إسرائيل باعتبار سحقهم على يد هذا

٥٦٠