فرائد الأصول - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-67-6
الصفحات: ٤٥٧

مترتّب على هذه الزوجيّة كأحكام المصاهرة وتوريثها منه (١٩١٨) ، والإنفاق عليها (١٩١٩) من ماله وحرمة العقد عليها حال حياته. ولا فرق بين حصول هذا الطريق حال العقد أو قبله أو بعده.

ثمّ إنّه إذا اعتقد السببيّة وهو في الواقع غير سبب ، فلا يترتّب عليه شيء في الواقع. نعم لا يكون مكلّفا (١٩٢٠) بالواقع ما دام معتقدا ، فإذا زال الاعتقاد رجع الأمر إلى الواقع وعمل على مقتضاه.

وبالجملة ، فحال الأسباب الشرعيّة حال الامور الخارجيّة كحياة زيد وموت عمرو ، فكما أنّه لا فرق بين العلم بموت زيد بعد مضيّ مدّة من موته وبين قيام الطريق الشرعيّ في وجوب ترتيب آثار الموت من حينه ، فكذلك لا فرق بين حصول العلم بسببيّة العقد لأثر بعد صدوره وبين الظنّ الاجتهادي به بعد الصدور ؛ فإنّ مؤدّى الظنّ الاجتهادي الذي يكون حجّة له وحكما ظاهريّا في حقّه هو كون هذا العقد المذكور حين صدوره محدثا لعلاقة الزوجيّة بين زيد وهند ، والمفروض أنّ دليل حجيّة هذا الظنّ لا يفيد سوى كونه طريقا إلى الواقع ، فأيّ فرق بين صدور العقد ظانّا بكونه سببا وبين الظنّ به بعد صدوره؟ وإذا تأمّلت فيما ذكرنا عرفت مواقع النظر (١٩٢١) في كلامه المتقدّم ، فلا نطيل بتفصيلها.

ومحصّل ما ذكرنا : أنّ الفعل الصادر من الجاهل باق على حكمه الواقعي التكليفي والوضعي ، فإذا لحقه العلم أو الظنّ الاجتهادي أو التقليد ، كان هذا الطريق كاشفا حقيقيّا أو جعليّا عن حاله حين الصدور ، فيعمل بمقتضى ما انكشف

______________________________________________________

١٩١٨. أي : إعطاء الورثة أو الحاكم الإرث من ماله لها.

١٩١٩. أي : إنفاق الحاكم أو وليّ الصغير أو المجنون عليها من ماله إذا كان مسافرا أو محبوسا أو مجنونا ، أو غير ذلك ممّا يتّفق له من الموانع الشرعيّة أو العقليّة التي تمنع من مباشرة الإنفاق له عليها.

١٩٢٠. هذه ثمرة قيام الطريق العقلي أو الشرعيّ.

١٩٢١. كما عرفتها مستوفاة ممّا قدّمناه.

٣٤١

بل حقّقنا في مباحث الاجتهاد والتقليد : أنّ الفعل الصادر من المجتهد أو المقلّد أيضا باق على حكمه الواقعي ، فإذا لحقه اجتهاد مخالف للسابق كان كاشفا عن حاله حين الصدور ، فيعمل بمقتضى ما انكشف خلافا لجماعة (١٧) حيث تخيّلوا أنّ الفعل الصادر عن الاجتهاد أو التقليد إذا كان مبنيّا على الدوام واستمرار الآثار ـ كالزوجيّة والملكيّة ـ لا يؤثّر فيه الاجتهاد اللاحق. وتمام الكلام في محلّه (١٩٢٢).

وربما يتوهّم الفساد في معاملة الجاهل من حيث الشكّ في ترتّب الأثر على ما يوقعه ، فلا يتأتّى منه قصد الإنشاء في العقود والإيقاعات. وفيه : أنّ قصد الإنشاء إنّما يحصل بقصد تحقّق مضمون الصيغة ـ وهو الانتقال في البيع والزوجيّة في النكاح ـ ، وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا فضلا عن الشكّ فيه ؛ ألا ترى أنّ الناس يقصدون التمليك في القمار وبيع المغصوب وغيرهما من البيوع الفاسدة.

وممّا ذكرنا يظهر : أنّه لا فرق في صحّة معاملة الجاهل مع (*) انكشافها بعد العقد ، بين شكّه في الصحّة حين صدورها وبين قطعه بفسادها ، فافهم.

هذا كلّه حال المعاملات. وأمّا العبادات فملخّص الكلام فيها : أنّه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما يقتضيه البراءة ، كأن صلّى بدون السورة ، فإن كان حين العمل متزلزلا في صحّة عمله بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال ، فلا إشكال في الفساد وإن انكشف الصحّة بعد ذلك ، بلا خلاف في ذلك ظاهرا ؛ لعدم تحقّق نيّة القربة ؛ لأنّ الشاكّ في كون المأتيّ به موافقا للمأمور به كيف يتقرّب به؟

وما يرى من الحكم بالصحّة فيما شكّ في صدور الأمر به على تقدير صدوره ، كبعض الصلوات والأغسال التي لم يرد بها نصّ معتبر وإعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب الاحتياط ، فلا يشبه ما نحن فيه ؛ لأنّ الأمر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله إلّا بهذا النحو ، فهو أقصى ما يمكن هناك من الامتثال ، بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود أمر من الشارع ، فإنّ امتثاله لا يكون

______________________________________________________

١٩٢٢. قد استوفينا الكلام في ذلك في مبحث الإجزاء بما لا مزيد عليه.

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «مع» ، من حين.

٣٤٢

إلّا بإتيان ما يعلم مطابقته له وإتيان ما يحتمله ـ لاحتمال مطابقته له ـ لا يعدّ إطاعة عرفا. وبالجملة : فقصد التقرّب شرط في صحّة العبادة إجماعا ـ نصّا وفتوى ـ وهو لا يتحقّق مع الشكّ في كون العمل مقرّبا.

وأمّا قصد التقرّب في الموارد المذكورة من الاحتياط ، فهو غير ممكن على وجه الجزم ، والجزم فيه غير معتبر إجماعا ؛ إذ لولاه لم يتحقّق احتياط في كثير من الموارد مع رجحان الاحتياط فيها إجماعا. وكيف كان : فالعامل بما يقتضيه البراءة مع الشكّ حين العمل ، لا يصحّ عبادته وإن انكشف مطابقته للواقع.

أمّا لو غفل عن ذلك أو سكن فيه إلى قول (*) من يسكن إليه ـ من أبويه وأمثالهما ـ فعمل باعتقاد التقرّب ، فهو خارج عن محلّ كلامنا الذي هو في عمل الجاهل الشاكّ قبل الفحص بما يقتضيه البراءة ؛ إذ مجرى البراءة في الشاكّ دون الغافل ومعتقد الخلاف. وعلى أيّ حال فالأقوى صحّته إذا انكشف مطابقته للواقع ؛ إذ لا يعتبر في العبادة إلّا إتيان المأمور به على قصد التقرّب ، والمفروض حصوله.

والعلم بمطابقته للواقع أو الظنّ بها من طريق معتبر شرعيّ غير معتبر في صحّة العبادة ؛ لعدم الدليل ؛ فإنّ أدلّة وجوب رجوع المجتهد إلى الأدلّة ورجوع المقلّد إلى المجتهد إنّما هي لبيان الطرق الشرعيّة التي لا يقدح مع موافقتها مخالفة الواقع ، لا لبيان اشتراط كون الواقع مأخوذا من هذه الطرق ، كما لا يخفى على من لاحظها. ثمّ إنّ مرآة مطابقة (١٩٢٣) العمل الصادر للواقع : العلم بها أو الطريق الذي يرجع إليه المجتهد أو المقلّد.

وتوهّم : أنّ ظنّ المجتهد أو (**) فتواه لا يؤثّر في الواقعة السابقة غلط ؛ لأنّ مؤدّى ظنّه نفس الحكم الشرعيّ الثابت للأعمال الماضية والمستقبلة.

وأمّا ترتيب الأثر على الفعل الماضي فهو بعد الرجوع ؛ فإنّ فتوى المجتهد بعدم

______________________________________________________

١٩٢٣. لا يخفى أنّ الوجوه الأربعة المذكورة في الأمر الأوّل آتية هنا أيضا.

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «قول» ، فعل.

(**) في بعض النسخ : بدل «و» ، وفتواه.

٣٤٣

وجوب السورة كالعلم في أنّ أثرها قبل العمل عدم وجوب السورة في الصلاة ، وبعد العمل عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة من غير سورة ، كما تقدّم نظير ذلك في المعاملات.

ولنختم الكلام في الجاهل العامل قبل الفحص بامور : الأوّل : هل (*) العبرة في باب المؤاخذة والعدم بموافقة الواقع الذي يعتبر مطابقة العمل له ومخالفته ، وهو الواقع الأوّلي الثابت في كلّ واقعة عند المخطّئة؟ فإذا فرضنا العصير العنبي الذي تناوله الجاهل حراما في الواقع وفرض وجود خبر معتبر يعثر عليه بعد الفحص على الحلّية ، فيعاقب ، ولو عكس الأمر لم يعاقب؟ أو العبرة بالطريق الشرعيّ المعثور عليه بعد الفحص ، فيعاقب في صورة العكس دون الأصل؟ أو يكفي مخالفة أحدهما ، فيعاقب في الصورتين؟ أم يكفي في عدم المؤاخذة موافقة أحدهما ، فلا عقاب في الصورتين؟ وجوه :

من أنّ التكليف الأوّلي (١٩٢٤) إنّما هو بالواقع ، وليس التكليف بالطرق

______________________________________________________

١٩٢٤. لأنّ المقصود الأوّلي من تكليف العباد امتثال الأحكام الواقعيّة الأوّلية ، والطرق الشرعيّة إنّما اعتبرت لكونها غالبة الإيصال إليها لا من حيث الموضوعيّة ، وموافقة هذه الطرق إنّما تجدي بالنسبة إلى من سلك بها ، لا بالنسبة إلى من أهملها وسلك في امتثال الأحكام الشرعيّة سبيل هواه.

وهو كما ترى في غاية من الضعف ، لأنّ الكلام في عمل الجاهل على طبق البراءة من دون فحص ، أعمّ ممّا أمكن بعد الفحص في مورد العمل الوصول إلى الواقع على سبيل القطع وإلى طريق شرعيّ معتبر ، وممّا لم يمكن فيه ذلك ، لأجل عدم وجود طريق قطعي وظنّي في الواقع ، وممّا أمكن فيه أحدهما دون الآخر. وعلى الأوّل : أعمّ ممّا وافق الطريق للواقع وممّا خالفه. وعلى جميع التقادير : أمكن فيه الاحتياط أم لا ، كما إذا دار الأمر بين المحذورين ، كما لو دار الأمر بين

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «هل» ، إنّ.

٣٤٤

الظاهريّة إلّا على من عثر عليها ، ومن أنّ الواقع إذا كان (١٩٢٥) في علم الله سبحانه غير ممكن الوصول إليه ، وكان هنا طريق مجعول مؤدّاه بدلا عنه ، فالمكلّف

______________________________________________________

وجوب فعل وحرمته. ولا ريب أيضا أنّه لا فرق في مؤدّيات الأدلّة الدالّة على وجوب العمل بمقتضى الطرق الشرعيّة ، بين من كان طالبا للوصول إليها والعمل بمؤدّاها ، ومن أعرض عنها وأخذ في عمله سبيل هوى نفسه. نعم ، لا يجب الأخذ بها تعيينا على من تمكّن من تحصيل العلم بالواقع تفصيلا أو إجمالا بالاحتياط.

وحينئذ فدعوى عدم ثبوت التكليف بالطرق الظاهريّة إلّا لمن عثر عليها واضحة الفساد ، لأنّه إن اريد بنفي التكليف عمّن لم يعثر عليها نفيه عمّن لم يعثر عليها بعد الفحص فهو خارج ممّا نحن فيه. وإن اريد نفيه عمّن لم يعثر عليها قبل الفحص فهو مناف لمقتضى أدلّتها كما عرفت ، سيّما فيما لا يمكن تحصيل الواقع فيه تفصيلا ولا إجمالا بالاحتياط ، إمّا لعدم كون الواقعة موردا له بالذات كما عرفت ، أو لعروض المانع منه مع فرض التمكّن من الفحص ، ووجود الطريق الشرعيّ في الواقع بحيث يصل إليه بعد الفحص. نعم ، تسليم ثبوت التكليف بها مع وجودها في الواقع ، وإمكان العثور عليها بعد الفحص ، ومنع تأثير الموافقة الاتّفاقيّة لها حينئذ ، مع مخالفة العمل للواقع في إسقاط العقاب ، كلام آخر سيوضحه المصنّف رحمه‌الله عند بيان ما قوّاه.

وممّا قدّمناه من تعميم محلّ الكلام لما قدّمناه يظهر أنّ قوله في بيان الوجه الثاني : «أنّ الواقع إذا كان في علم الله سبحانه ...» ، وكذا قوله في بيان الوجه الثالث : «فلأنّه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط» وكذلك قوله في بيان الوجه الرابع : «ومن عدم التكليف بالواقع لعدم القدرة» أخصّ من المدّعى. مضافا إلى ضعف الوجوه المذكورة ، كما يظهر بالتأمّل في بيان ما قوّاه.

١٩٢٥. لا يخفى أنّ الجاهل إذا عمل على طبق البراءة من دون فحص ، فلا يخلو إمّا أن يكون المقام بحيث لا يمكن فيه الوصول بعد الفحص إلى الواقع ولا

٣٤٥

به هو مؤدّى الطريق دون الواقع على ما هو عليه ، فكيف يعاقب الله سبحانه على شرب العصير العنبي من يعلم أنّه لن يعثر بعد الفحص على دليل حرمته؟ ومن أنّ كلّا من الواقع ومؤدّى الطريق تكليف واقعي (١٩٢٦) ، أمّا إذا كان التكليف ثابتا في الواقع ؛ فلأنّه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط ، وعلى إسقاطه عن نفسه بالرجوع إلى الطريق الشرعيّ المفروض دلالته على نفي التكليف ، فإذا لم يفعل شيئا منهما فلا مانع من مؤاخذته. وأمّا إذا كان التكليف ثابتا بالطريق الشرعيّ ، فلأنّه قد ترك موافقة خطاب مقدور على العلم به ؛ فإنّ أدلّة وجوب الرجوع إلى خبر العادل أو فتوى المجتهد يشمل العالم والجاهل القادر على المعرفة.

ومن عدم التكليف بالواقع (١٩٢٧) ؛ لعدم القدرة ، وبالطريق الشرعيّ

______________________________________________________

إلى طريق مجعول ، أو يمكن الوصول فيه إلى الواقع دون الطريق الشرعيّ ، سواء لم يكن هنا طريق أصلا أو كان ولم يمكن الوصول إليه ، أو بالعكس. وعليه لا يخلو : إمّا أن يكون الطريق مطابقا للواقع أو مخالفا له ، وإمّا يمكن الوصول إلى كلّ من الواقع والطريق. وعليه أيضا : إمّا أن يكون الطريق مطابقا للواقع أم مخالفا له. وفي موارد التمكّن من الوصول إلى الطريق المجعول : إمّا أن يكون الطريق متّحدا أو متعدّدا. وعلى الثاني : إمّا أن تتوافق الطرق في المؤدّى ، أو تختلف فيه.

ومقتضى ما ذكره من الوجه أن يكون المدار في باب المؤاخذة وعدمها في القسمين الأوّلين ، وفي القسم الرابع مع اتّحاد الطريق وموافقته للواقع ، وكذا مع تعدّده مع اتّحاد المؤدّى والموافقة للواقع ، على الواقع الأوّلي. وفي القسم الثالث مع اتّحاد الطريق ، وكذا مع تعدّده واتّحاد المؤدّى ، على مؤدّى الطريق. ويشكل الأمر في هذا القسم فيما لو تعدّد الطريق مع الاختلاف في المؤدّى ، وكذا في القسم الرابع مع مخالفة الطريق للواقع مع اتّحاده وتعدّده ، لعدم استفادة حكمهما ممّا ذكره كما لا يخفى.

١٩٢٦. إمّا أوّلي أو ثانوي.

١٩٢٧. لا يخفى أنّ مقتضى هذا الوجه ارتفاع التكليف من رأس فيما لا يمكن

٣٤٦

لكونه ثابتا في حقّ من اطّلع عليه من باب حرمة التجرّي (١٩٢٨) ، فالمكلّف به فعلا (*) المؤاخذ على مخالفته هو الواجب والحرام الواقعيّان المنصوب عليهما طريق ، فإذا لم يكن وجوب أو تحريم فلا مؤاخذة. نعم ، لو اطّلع على ما يدلّ ظاهرا على الوجوب أو التحريم الواقعي مع كونه مخالفا للواقع بالفرض ، فالموافقة له لازمة من باب الانقياد وتركها تجرّ. وإذا لم يطّلع على ذلك ـ لتركه الفحص ـ فلا تجرّي أيضا.

وأمّا إذا كان وجوب واقعي وكان الطريق الظاهري نافيا ؛ فلأنّ المفروض عدم التمكّن من الوصول إلى الواقع ، فالمتضمّن للتكليف متعذّر الوصول إليه ، والذي يمكن الوصول إليه ناف للتكليف.

والأقوى هو الأوّل ، ويظهر وجهه بالتأمّل في الوجوه الأربعة. وحاصله : أنّ التكليف الثابت في الواقع وإن فرض تعذّر الوصول إليه تفصيلا ، إلّا أنّه لا مانع (١٩٢٩) من العقاب بعد كون المكلّف محتملا له قادرا عليه غير مطّلع على طريق شرعيّ

______________________________________________________

تحصيل الواقع فيه تفصيلا ، وإن أمكن تحصيله إجمالا بالاحتياط ، مع فرض عدم وجود طريق مجعول يمكن الوصول إليه بالفحص ، وهو كما ترى.

١٩٢٨. متعلّق بقوله «ثابتا» يعني : ثبوت التكليف بالطرق إنّما هو من باب كون حرمة مخالفته من باب حرمة التجرّي ، فلا يثبت على مخالفتها عقاب من حيث هو ، لا قبل العثور عليها ولا بعده.

١٩٢٩. مرجعه إلى دعوى وجود المقتضي ، وهي مخالفة العمل للواقع ، وعدم المانع ، وهو بتقريب ما ذكره.

فإن قلت : إنّه لا إشكال في كون العمل بالطرق الظاهريّة مانعا من ترتّب العقاب على مخالفة الواقع لو اتّفقت ، وهو لا بدّ أن يكون لوجود مصلحة في العمل بها ، وإلّا لزم تفويت مصلحة الواقع على المكلّف من دون تداركها بشيء ، وهو قبيح. وإذا عمل المكلّف على طبق البراءة من دون فحص ، وكان التكليف ثابتا في

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : الذي يكون.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقع ، وكان هنا طريق شرعيّ أيضا ناف له لم يعثر عليه المكلّف ، فحينئذ يحتمل أن يكون الطريق متضمّنا لمصلحة متداركة لمصلحة الواقع ، بحيث يسقط التكليف الواقعي مع موافقة العمل له ولو من باب الاتّفاق ، من دون أن يكون العمل مستندا إليه.

لا يقال : إنّ ظاهر أدلّة اعتبار الطرق الشرعيّة كون اعتبارها من باب الطريقيّة والكشف الغالبي عن الواقعي دون الموضوعيّة ، والقدر المتيقّن من الالتزام بوجود المصلحة المتداركة فيها إنّما هو في صورة استناد العمل إليها لا مطلقا.

لأنّا نقول : إنّا لا ندّعي القطع بوجود المصلحة فيها مع الموافقة الاتّفاقيّة ، بل نقول إنّه محتمل. ومجرّد عدم العلم بالمانع لا يكفي في إعمال المقتضي ، إذ لا بدّ فيه من القطع بالعدم ، ودعوى القطع به هنا كما ترى.

لا يقال : إنّ الأصل عدم هذه المصلحة.

لأنّا نقول : إنّه لا اعتداد بهذا الأصل على مذاق المصنّف رحمه‌الله ، إذ المرتّب عليه كون العقاب مرتّبا على مخالفة الواقع ، وهو أثر عقلي لا يثبت بالاصول. مع أنّ قوله : «قادرا عليه» ـ يعني : بالاحتياط ـ على إطلاقه ممنوع ، إذ قد يدور الأمر بين وجوب فعل وحرمته ، وقد يتعذّر الاحتياط لمانع خارجي ، كما إذا شكّ في وجوب السورة ، ولكن تعذّرت عليه قراءتها لمانع خارجي ، فصلّى بدونها من دون فحص عن الأدلّة.

وممّا ذكرناه يظهر ضعف قوله : «فإذا أخطأ لم يترتّب عليه شيء» لأنّه إن أراد القطع بعدم ترتّبه عليه ، فقد عرفت أنّه لا سبيل إليه. وإن أراد عدم العلم به ، فقد عرفت أنّه غير مجد في المقام.

ومن هنا يظهر ضعف مقايسة ما نحن فيه على وجوب الإعادة على تقدير تخلّف الطريق عن الواقع ، لأنّ عدم وجوب الإعادة مبنيّ على القطع بوجود المصلحة في الطريق ، بحيث تكون متداركة لمصلحة الواقع على تقدير تخلّفه عن الواقع ، سواء ظهرت مخالفته للواقع بعد العمل به أم لا ، إذ مع احتمال تقيّد مصلحته

٣٤٨

ينفيه ، ولا واجدا لدليل يؤمّن من العقاب عليه مع بقاء تردّده ، وهو العقل والنقل الدالّان على براءة الذمّة بعد الفحص والعجز عن الوصول إليه ، وإن احتمل التكليف وتردّد فيه.

وأمّا إذا لم يكن التكليف ثابتا في الواقع ، فلا مقتضي للعقاب من حيث الخطابات الواقعيّة. ولو فرض هنا طريق ظاهري مثبت للتكليف لم يعثر عليه المكلّف ،

______________________________________________________

بعدم ظهور مخالفته للواقع قبل خروج الوقت لا بدّ من الإعادة ، لبقاء الأمر الأوّل ، بخلاف ما نحن فيه ، إذ لا بدّ في دعوى ترتّب العقاب على مخالفة الواقع من القطع بعدم المصلحة في الطريق الذي فرض اتّفاق موافقة العمل له ، ولا يكفي فيه عدم العلم به كما عرفت.

قلت : إنّ ظاهر أدلّة اعتبار الطرق الظاهريّة ـ كما صرّح به المصنّف رحمه‌الله ـ كون اعتبارها من باب الطريقيّة ، والالتزام بتضمّنها للمصلحة المتداركة مع تخلّفها عن الواقع واستناد العمل إليها إنّما هو من باب الضرورة ، ودفع قبح تفويت مصلحة الواقع مع التمكّن من الوصول إليها عن الشارع ، ولا ضرورة مع عدم استناد العمل إليها وإن اتّفقت موافقته لها ، فيقتصر في الخروج من ظاهر الأدلّة على القدر الذي تدعو إليه الضرورة.

وأمّا ما أوردته على المقايسة المذكورة ، ففيه : أنّ المطلوب في المقام ـ أعني : إثبات كون المدار في العقاب على مخالفة الواقع ـ وإن كان مبنيّا على إثبات خلوّ الطريق في صورة عدم استناد العمل إليه من المصلحة ، وفي مقام إثبات وجوب الإعادة على احتمال تقيّد مصلحة الطريق بعدم انكشاف الخلاف ، إلّا أنّ الاستشهاد للمدّعى بوجوب الإعادة مع انكشاف تخلّف الطريق عن الواقع ، إنّما هو من حيث ابتناء كلّ من المدّعى في المقام ووجوب الإعادة على اعتبار الطرق من باب الطريقيّة دون الموضوعيّة ، وإن اختلفت جهة الكلام في المقامين بتقريب ما ذكر في السؤال. نعم ، ما أورد على إطلاق قوله : «قادرا عليه» متّجه كما لا يخفى.

٣٤٩

لم يعاقب عليه ؛ لأنّ مؤدّى الطريق الظاهري غير مجعول من حيث هو هو في مقابل الواقع ، وإنّما هو مجعول بعنوان كونه طريقا إليه ، فإذا أخطأ لم يترتّب عليه شيء ؛ ولذا لو أدّى عبادة بهذا الطريق فتبيّن مخالفتها للواقع ، لم يسقط الأمر ووجب إعادتها.

نعم ، إذا عثر عليه (١٩٣٠) المكلّف لم يجز مخالفته ؛ لأنّ المفروض عدم العلم بمخالفته للواقع ، فيكون معصية ظاهريّة من حيث فرض كونه طريقا شرعيّا إلى الواقع ، فهو في الحقيقة نوع من التجرّي. وهذا المعنى مفقود مع عدم الاطّلاع على هذا الطريق.

ووجوب رجوع العامّي إلى المفتي لأجل إحراز الواجبات الواقعيّة ، فإذا رجع وصادف الواقع وجب من حيث الواقع ، وإن لم يصادف الواقع لم يكن الرجوع إليه في هذه الواقعة واجبا في الواقع ، ويترتّب عليه آثار الوجوب ظاهرا مشروطة بعدم انكشاف الخلاف إلّا استحقاق العقاب على الترك ؛ فإنّه يثبت واقعا من باب التجرّي (١٩٣١).

ومن هنا يظهر أنّه لا يتعدّد العقاب مع مصادفة الواقع من جهة تعدّد التكليف. نعم ، لو قلنا بأنّ مؤدّيات الطرق الشرعيّة أحكام واقعيّة ثانويّة ، لزم من ذلك (١٩٣٢) انقلاب التكليف إلى مؤدّيات تلك الطرق ، وكان أوجه الاحتمالات حينئذ الثاني منها.

______________________________________________________

١٩٣٠. حاصله : دعوى حرمة مخالفة الطرق الشرعيّة من باب التجرّي على تقدير العثور عليها ، وعدمها مع عدم العثور عليها وإن كانت موجودة في الواقع.

وفيه نظر ، لأنّ الجاهل إذا ترك الاحتياط وعمل على طبق البراءة من دون فحص ، مع احتماله لوجود دليل ناقل في الواقع ، فهو أيضا نوع من التجرّي ، وهو واضح ، ولذا يستقلّ العقل بوجوب الاحتياط في صورة عدم الفحص عن الأدلّة.

١٩٣١. على القول بحرمته. وحاصله : أنّ استحقاق العقاب حينئذ إنّما هو من باب التجرّي ، لا من باب حرمة مخالفة فتوى المفتي ولو مع فرض مخالفتها للواقع.

١٩٣٢. في إطلاق الملازمة منع ، لأنّها إنّما تتّجه مع رجحان مصلحة الطريق على مصلحة الواقع ، بحيث أغمض الشارع مع وجوده عن الواقع من رأس ، بخلاف

٣٥٠

الثاني : قد عرفت أنّ الجاهل العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على الفحص واستبانة الحال ، غير معذور ، لا من حيث العقاب ولا من جهة سائر الآثار ، بمعنى أنّ شيئا من آثار الشيء المجهول ـ عقابا أو غيره من الآثار المترتّبة على ذلك الشيء في حقّ العالم ـ لا يرتفع عن الجاهل لأجل جهله.

وقد استثنى الأصحاب (١٩٣٣) من ذلك القصر والإتمام والجهر والإخفات ،

______________________________________________________

ما لو تساوتا ، إذ مقتضاه ثبوت التخيير بين العمل بالواقع والطريق ، وعلى هذا التقدير يتّجه الوجه الرابع كما هو واضح. ثمّ إنّ تحقيق الكلام في كيفيّة جعل الطرق قد تقدّم في مباحث الظنّ ، فراجع.

١٩٣٣. هذا هو المشهور ، بل حكي عليه الإجماع ، وورد به النصّ. وقد استثنى جماعة الجاهل بمفطرات الصوم أيضا وإن كان مقصّرا ، لأنّهم قد اختلفوا فيه على أقوال ، فعن الأكثر ـ بل المشهور ـ فساد الصوم بها ، ووجوب القضاء والكفّارة عليه. وعن الشيخ في التهذيب وابن إدريس : أنّه إذا جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم لم يجب عليه شيء. وظاهرهما سقوطهما معا. واحتمله في محكيّ المنتهى وعن المعتبر : الذي يقوى عندي فساد صومه ، ووجوب القضاء دون الكفّارة. وحكاه في المدارك ـ مع اختياره ـ عن أكثر المتأخّرين.

وقيل بالتفصيل بين الجاهل المقصّر في السؤال فيجب عليه القضاء والكفّارة ، وبين غير المقصّر فلا يجب عليه الكفّارة خاصّة. حكاه في الجواهر عن بعض مشايخه ، لأنّ ظاهر من نفى القضاء ـ كما عرفته من الشيخ والحلّي ـ هو الحكم بصحّة الصوم ، وظاهرهما الحكم بالمعذوريّة من حيث الحكم الوضعي دون التكليفي. وحينئذ يأتي هنا أيضا الإشكال الذي ذكره المصنّف رحمه‌الله في استثناء مسألتي الجهر والإخفات والقصر والإتمام ، ولم أر من تعرّض للإشكال هنا.

نعم ، قد حكي عن المنتهى تعليل عدم القضاء والكفّارة برفع القلم عن الجاهل وظاهره دعوى المعذوريّة من حيث الحكم التكليفي أيضا ، وعليه لا يأتي فيه الإشكال

٣٥١

فحكموا بمعذوريّة الجاهل (١٩٣٤) في هذين الموضعين. وظاهر كلامهم إرادتهم (١٩٣٥)

______________________________________________________

المذكور ، لابتنائه كما ستعرفه على بقاء التكليف بالواقع ، وصحّة العمل المأتيّ به.

ومن هنا يظهر أيضا عدم تأتّي الإشكال المذكور فيما أفتى به جماعة من حلّية أكل الربا مع الجهل بالحكم مع التقصير ، لتصريحهم بالمعذوريّة بحسب الحكم التكليفي وفساد المعاملة. قال في الدلائل : «اعلم أنّ المعاوضة الربويّة باطلة من أصلها في القدر الزائد والمساوي ، عالما وجاهلا ، قاصرا ومقصّرا. لكنّ الدليل دلّ على أنّ الجاهل هنا لا إثم عليه وإن كان مقصّرا ، وأنّه متى عرف وتاب حلّ له ما مضى من الربا ، وإن كان متميّزا وصاحبه معروفا ، وإن لم يتب فكالعامد» انتهى.

١٩٣٤. المراد به الجاهل بالجهل المركّب ، لعدم تأتّي قصد القربة من الجاهل بالجهل البسيط ، فتبطل عبادته من هذه الجهة لا محالة.

١٩٣٥. هذا ظاهر ما سأل عنه الرسّي والرضي السيد المرتضى رضي الله عنهم ، على ما حكاه عنهم جماعة. قال الأوّل : ما الوجه فيما تفتي به الطائفة من سقوط فرض القضاء عمّن صلّى من المقصّرين صلاة المتمّم بعد خروج الوقت ، إذا كان جاهلا بالحكم في ذلك ، مع علمنا بأنّ الجهل بأعداد الركعات لا يصحّ معه العلم بتفاصيل أحكامها ووجوهها ، إذ من البعيد أن يعلم بالتفصيل مع جهل الجملة التي هي الأصل ، والإجماع على أنّ من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية ، وما لا يجزي من الصلاة يجب قضائه؟ ويقرب منه سؤال الثاني أيضا.

وأجاب المرتضى عنه مقرّرا لهما على ما يستفاد من كلامهما من كون الحكم مفروغا منه ، تارة (*) بأنّه يجوز تغيّر الحكم الشرعيّ بسبب الجهل ، وإن كان

__________________

(*) في هامش الطبعة الحجريّة : «لعلّ الجواب الأوّل مبنيّ علي كون الجهل عذرا من حيث الوضع والتكليف ، وإلّا لم يبق فرق بين الجوابين. ومراده بعدم معذوريّة الجاهل فيه عدمها فيما كان التنصيف فيه متعلّقا بالواقع من حيث هو من دون مدخليّة للجهل فيه. نعم ، ظاهر من أطلق سقوط القضاء هو إرادة العذر من حيث الوضع دون التكليف ، فيوافق الجواب الثاني. منه دام علاه».

٣٥٢

العذر من حيث الحكم الوضعي ، وهي الصحّة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة ، وهو الذي يقتضيه دليل المعذوريّة في الموضعين أيضا. فحينئذ يقع الإشكال (١٩٣٦) في أنّه إذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي كسائر الأحكام المجهولة للمكلّف المقصّر ، فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة إلى المسافر باقيا ، وما يأتي به ـ من الإتمام المحكوم بكونه مسقطا ـ إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب؟ وإن كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع فرض وجود الأمر بالقصر؟

ودفع هذا الإشكال إمّا بمنع تعلّق التكليف فعلا بالواقعي المتروك ، وإمّا بمنع تعلّقه بالمأتيّ به ، وإمّا بمنع التنافي بينهما. فالأوّل ، إما بدعوى كون القصر (١٩٣٧) مثلا واجبا على المسافر العالم ، وكذا الجهر والإخفات ، وإمّا بمعنى معذوريّته فيه ، بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع يعذر صاحبه ويحكم عليه ظاهرا

______________________________________________________

الجاهل غير معذور. واخرى بما يقرب منه أيضا من أنّ الجهل وإن لم يعذر صاحبه وهو مذموم ، يجوز أن يتغيّر معه الحكم الشرعيّ ، ويكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل. وقال في الجواهر بعد نقله : وكأنّه يريد أنّ الجاهل هنا أيضا غير معذور بالنسبة للإثم وعدمه ، وإن كان فعله صحيحا للدليل. وستعرف تتمّة كلامه.

١٩٣٦. توضيح الإشكال : أنّ مقتضى عدم معذوريّة المكلّف بحسب الحكم الواقعي بقاء الأمر بالواقع ، ومقتضى كون المأتيّ به مسقطا عن الواقع كونه صحيحا ، إذ لا معنى لإسقاط الباطل ، وصحّته فرع الأمر به ، لأنّه معنى الصحّة في العبادات ، وحينئذ يلزم الأمر بضدّين في آن واحد ، وهو خلف. وحينئذ لا بدّ في دفع الإشكال ـ كما ذكره المصنّف رحمه‌الله ـ إمّا من منع أحد الأمرين ، أو دعوى عدم التضادّ بينهما. والوجوه المذكورة في مقام الجواب عن الإشكال المذكور راجعة إلى أحدهما.

١٩٣٧. هذا الجواب قد تقدّم عن المرتضى في جواب ما أورده الرسّي وأخوه الرضي رضي الله عنهم. وحاصله : تغيير الأحكام الواقعيّة بالعلم والجهل ، فالمسافر العالم بالقصر حكمه القصر في الواقع ، والجاهل به حكمه الإتمام كذلك. وكذا في مسألة الجهر والإخفات.

٣٥٣

بخلاف الحكم الواقعي. وهذا الجاهل وإن لم يتوجّه إليه خطاب مشتمل على حكم ظاهري كما في الجاهل بالموضوع ، إلّا أنّه مستغنى (*) عنه (١٩٣٨) باعتقاده لوجوب هذا الشيء عليه في الواقع. وإمّا من جهة القول بعدم تكليف الغافل بالواقع ، وكونه مؤاخذا على ترك التعلّم ، فلا يجب عليه القصر ؛ لغفلته عنه. نعم يعاقب على عدم إزالة الغفلة كما تقدّم استظهاره من صاحب المدارك ومن تبعه.

______________________________________________________

وفيه أوّلا : أنّه غير معقول ، إذ مقتضى فرض العلم أو الجهل بحكم كونهما مسبوقين به ، فكيف يكون مدار وجوده عليهما؟

وثانيا : أنّه مستلزم للتصويب الذي لا يقول به المصوّبة ، لما عرفت من استلزامه كون مدار الأحكام الواقعيّة على الاعتقاد. وأمّا عدم قول المصوّبة بذلك ، فلأنّهم إنّما يقولون بالتصويب في الموارد الخالية من النصّ ، كما في موارد القياس والمصالح المرسلة ، وقد تقدّم دلالة النصّ والإجماع على حكم ما نحن فيه. اللهمّ إلّا أن يراد من اختلاف الأحكام بالعلم والجهل تنجّز الحكم الواقعي بالعلم في حقّ العالم ، وحدوث حكم ظاهري في حقّ الجاهل على حسب اعتقاده ، كحدوث الإباحة الظاهريّة في حقّ الجاهل بالوجوب والحرمة مع بقاء الحكم الواقعي على حاله في الواقع. ولكن ينافيه ما تقدّم عند شرح قوله : «وظاهر كلامهم إرادتهم ..» ، من كون ظاهرهم إرادة عدم المعذوريّة بحسب الحكم الواقعي. ومن هنا قد حمل كلامهم في الجواهر على إرادة قضيّة الترتّب الذي نقله المصنّف رحمه‌الله عن كاشف الغطاء قدس‌سره ، كما ستقف عليه.

١٩٣٨. لأنّه إن أراد الاستغناء ما دام اعتقاد الخلاف باقيا فله وجه. وكذا إن انكشف الخلاف بعد خروج الوقت ، بناء على كون القضاء بأمر جديد. وأمّا إن انكشف الخلاف في الوقت فلا وجه له ، إذ لا بدّ حينئذ من الإعادة ، لأنّ المسافر إذا اعتقد أنّ تكليفه الإتمام وصلّى تامّة ثمّ انكشف خلافها قبل خروج الوقت ، لا يكون

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «مستغنى» ، مستثنى.

٣٥٤

وإمّا من جهة تسليم تكليفه بالواقع ، إلّا أنّ الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة ؛ لقبح خطاب العاجز. وإن كان العجز بسوء اختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر ، لكنّه ليس مأمورا به حتّى يجتمع مع فرض وجود الأمر بالإتمام. لكن هذا كلّه (١٩٣٩) خلاف ظاهر المشهور ، حيث إنّ الظاهر منهم ـ كما تقدّم ـ بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة إلى الجاهل ؛ ولذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب ؛ إذ لو لا النهي حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان.

والثاني ، منع تعلّق الأمر بالمأتيّ به والتزام أنّ غير الواجب (١٩٤٠) مسقط عن الواجب ؛ فإنّ قيام ما اعتقد وجوبه مقام الواجب الواقعي غير ممتنع. نعم ، قد يوجب إتيان (١٩٤١) غير الواجب فوات الواجب ، فيحرم بناء على دلالة الأمر بالشيء

______________________________________________________

المأتيّ به مجزيا وإن قلنا بالإجزاء في الأوامر الظاهريّة ، لعدم حدوث أمر ظاهري بسبب الاعتقاد بالمأتيّ به ، لأنّ غايته المعذوريّة في عدم الإتيان بالواقع ما دام الاعتقاد باقيا ، لا حدوث أمر من قبل الشارع بالمعتقد ، كما قرّرناه في مسألة الإجزاء ، واعترف به المصنّف رحمه‌الله في بعض كلماته.

١٩٣٩. لأنّ مرجع هذه الأربعة إلى عدم تعلّق التكليف بالواقع في حقّ الجاهل ، إمّا لكون التكليف الواقعي في حقّه ما اعتقده ، وإمّا لعدم تنجّز التكليف الواقعي في حقّه ، أو لارتفاع خطابه وإن كان معاقبا على مخالفة الواقع.

١٩٤٠. بأن كان المأتيّ به أمرا أجنبيّا غير مأمور به ، وكان مع ذلك مسقطا عن الواجب. وهذا الوجه قد اختاره بعض مشايخنا. وفيه ـ مضافا إلى ما أورده عليه المصنّف رحمه‌الله ـ أنّه مناف لقاعدة اللطف ، لأنّه إذا اعتقد المسافر كون التكليف في حقّه الإتمام ، وصلّى تامّة ثمّ انكشف خلافه قبل خروج الوقت ، فمقتضى اللطف الباعث على بعث الأنبياء وإرسال الرسل ونصب الأوصياء عليهم الصلاة والسلام وتكليف العباد بما كلّفوا به هو بقاء الأمر الواقعي ، وكون الجاهل مكلّفا بامتثاله بعد زوال جهله.

١٩٤١. فعليه لا بدّ من دعوى كون الحرام مسقطا عن الواجب.

٣٥٥

على النهي عن الضدّ ، كما في آخر الوقت ؛ حيث يستلزم فعل التمام فوات القصر.

ويردّ هذا الوجه أنّ الظاهر من الأدلّة (١٩٤٢) كون المأتيّ به مأمورا به في حقّه ، مثل قوله عليه‌السلام في الجهر والإخفات : «تمّت صلاته» ونحو ذلك. وفي الموارد التي قام فيها غير الواجب مقام الواجب نمنع عدم وجوب البدل ، بل الظاهر في تلك الموارد سقوط الأمر الواقعي وثبوت الأمر بالبدل ، فتأمّل (١٩٤٣).

______________________________________________________

١٩٤٢. روى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قالا : «قلنا : فمن صلّى في السفر أربعا يعيد أم لا؟ قال : إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه». وظاهر نفي الإعادة صحّة الصلاة المأتيّ بها وكونها مطلوبة للشارع. وفي صحيحة زرارة الواردة فيمن جهر في موضع الإخفات أو عكس : «وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه ، وقد تمّت صلاته».

١٩٤٣. لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع تعلّق الأمر بالبدل في كلّ مورد ، لأنّ الفعل الاضطراري قد يسقط عن الواجب ، بل فعل الغير أيضا قد يسقط عنه ، كما صرّح به المحقّق القمّي رحمه‌الله ، كما إذا وجب غسل الثوب للصلاة فأطارته الريح إلى الماء فانغسل بنفسه ، أو وجب عليه تحصيل الماء للوضوء أو الغسل ففاجأه من أتاه به.

ولكنّك خبير بأنّه تمكن دعوى الكلّية التي ادّعاها المصنّف رحمه‌الله في الأبدال الشرعيّة ، وما ذكر إنّما هو من قبيل الأبدال العقليّة ، لجواز حصول الغرض في الواجبات التوصّلية بالفعل الاضطراري أو فعل الغير ، بخلاف الواجبات التعبّدية.

ويحتمل أن يكون الأمر بالتأمّل إشارة إلى أنّه إن اريد بالكلّية التي ذكرها الاستقراء التامّ المفيد للقطع في مورد الشكّ فهو ممنوع. وإن اريد بها الاستقراء الناقص المفيد للظنّ ، فهو ليس بحجّة. ويحتمل أن يكون أشار إلى انتقاض الكلّية بمثل السفر المسقط لوجوب الصوم ، مع عدم الأمر به يقينا.

٣٥٦

والثالث ، بما (*) ذكره كاشف الغطاء رحمه‌الله (١٩٤٤) من أنّ التكليف بالإتمام مرتّب

______________________________________________________

١٩٤٤. على هذا الوجه حمل في الجواهر ما تقدّم من المرتضى رحمه‌الله ، قال بعد نقله : «وكأنّه يريد أنّ الجاهل هنا أيضا غير معذور بالنسبة للإثم وعدمه ، وإن كان فعله صحيحا للدليل ، إذ لا بأس بترتيب الشارع حكما على فعل أو ترك لمكلّف عاص به ، كما في مسألة الضدّ التي مبناها أنّ الشارع أراد الصلاة من المكلّف وطلبها منه بعد عصيانه بترك الأمر المضيّق الذي هو إزالة النجاسة مثلا. فهنا أيضا يأثم هذا الجاهل بترك التعلّم والتفقّه المأمور بهما كتابا وسنّة ، إلّا أنّه لو صلّى بعد عصيانه في ذلك صحّت صلاته للدليل ، فتأمّل» انتهى. وهو كما ترى بعيد عن كلام المرتضى في الغاية ، فتدبّر.

وكيف كان ، فحاصل ما ذكره كاشف الغطاء أنّ الممتنع هو الأمر بضدّين مطلقا في آن واحد ، وأمّا إن كان على وجه الترتّب فلا استحالة فيه ، بأن كان الأمر بأحدهما مرتّبا على تحقّق العصيان بمخالفة الآخر. فنقول فيما نحن فيه : إنّ التكليف أوّلا بالذات إنّما هو بالواقع ، وإذا عصى بمخالفته تحقّق الأمر بما اعتقده من وجوب الإتمام في السفر أو الجهر في موضع الإخفات أو بالعكس. ونقول أيضا في مسألة الضدّ : إنّ التكليف أوّلا وبالذات إنّما هو بإزالة النجاسة ، وإذا عصى بمخالفته تعلّق الأمر بالصلاة. وهكذا يقال في جميع موارد الأمر بالضدّين ظاهرا.

وحاصل ما أورده عليه المصنّف رحمه‌الله من عدم تعقّل ذلك : أنّه إذا فرض ترتّب الأمر بغير الأهمّ على مخالفة الأمر بالأهمّ فلا شكّ أنّ مخالفته لا تتحقّق بمجرّد عزمه على المخالفة ، إذ إطاعة الأوامر ومخالفتها ليستا دائرتين مدار الإرادة والعزم ، فمخالفة الأمر بالأهمّ في المضيّقين لا تتحقّق إلّا بالشروع في غير الأهمّ ، والفرض أنّ الشروع فيه على وجه الإطاعة والامتثال ـ الذي هو فرع تحقّق الأمر به ـ لا يمكن إلّا بعد تحقّق مخالفة الأمر بالأهمّ قبله ، لفرض عدم تعلّق الأمر بغير الأهمّ إلّا

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «بما» ، ما.

٣٥٧

على معصية الشارع بترك القصر ، فقد كلّفه بالقصر والإتمام على تقدير معصيته في التكليف بالقصر. وسلك هذا الطريق في مسألة الضدّ في تصحيح فعل غير الأهمّ من الواجبين المضيّقين ، إذا ترك المكلّف الامتثال بالأهمّ. ويردّه : أنّا لا نعقل الترتّب في المقامين ، وإنّما يعقل ذلك فيما إذا حدث التكليف الثاني بعد تحقّق معصية الأوّل ، كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة المائيّة ، فكلّف لضيق الوقت بالترابيّة.

الثالث : أنّ وجوب الفحص إنّما هو في إجراء الأصل في الشبهة الحكميّة الناشئة من عدم النصّ أو إجمال بعض ألفاظه أو تعارض النصوص.

أمّا إجراء الأصل في الشبهة الموضوعيّة : فإن كانت الشبهة في التحريم ، فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص. ويدلّ عليه إطلاق الأخبار مثل قوله عليه‌السلام : «كلّ شىء لك حلال حتّى تعلم» ، وقوله : «حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة» ، وقوله : «حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه الميتة» وغير ذلك ، السالم عمّا يصلح لتقييده.

وإن كانت الشبهة وجوبيّة ، فمقتضى أدلّة البراءة حتّى العقل (١٩٤٥) كبعض

______________________________________________________

بعد تحقّق مخالفته ، فليس هنا زمان تفرض فيه مخالفة الأمر بالأهمّ حتّى يتحقّق الأمر فيه بغير الأهمّ ، ليمكن الشروع فيه على وجه الإطاعة والامتثال.

ثمّ إنّ قضيّة الترتّب لعلّه قد أخذها كاشف الغطاء من المحقّق الثاني ، وقد تبعه صاحب الفصول وأخوه صاحب الهداية ، وذيل الكلام في ذلك وسيع قد أشبعناه في مبحث الضدّ ، وقد طوينا الكشح عن إطالة الكلام فيها وما يرد عليها من وجوه الإشكال لخوف الإطالة.

١٩٤٥. لعلّ الوجه فيه : أنّ عدم حكم العقل بالبراءة قبل الفحص في الشبهات الحكميّة ، إنّما هو من جهة كون العمل بها قبل الفحص عن دليل الواقعة ، مع احتمال وجوده في الواقع وإمكان الوصول إليه بالفحص ، نوع تجرّ على مخالفة الشارع. نعم ، بعد الفحص والعجز عن الوصول إليه يحكم بعدم تنجّز التكليف بالواقع لو كان لأجل قبح التكليف بلا بيان.

٣٥٨

كلمات العلماء : عدم وجوب الفحص أيضا ، وهو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد ، مثل قول المولى لعبده : «أكرم العلماء أو المؤمنين» ، فإنّه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين ، إلّا أنّه قد يتراءى : أنّ بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط ، كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبّائها أو إضافتهم أو إعطاء كلّ واحد منهم دينارا ، فإنّه قد يدّعى أنّ بنائهم على الفحص عن أولئك وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم في البلد.

قال في المعالم في مقام الاستدلال على وجوب التبيّن في خبر مجهول الحال بآية التثبّت في خبر الفاسق : إنّ وجوب التثبّت فيها متعلّق بنفس الوصف ، لا بما تقدّم العلم به منه ، ومقتضى ذلك إرادة الفحص والبحث عن حصوله وعدمه ؛ ألا ترى أنّ قول القائل : «أعط كلّ بالغ رشيد من هذه الجماعة مثلا درهما» يقتضي إرادة السؤال والفحص عمّن جمع الوصفين ، لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه (١٨) ، انتهى.

وأيّد ذلك المحقّق القمّي قدس‌سره في القوانين : ب «أنّ الواجبات المشروطة بوجود شىء إنّما يتوقّف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده ، فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط. مثل : أنّ من شكّ في كون ماله بمقدار استطاعة الحجّ لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه أن يقول : إنّي لا أعلم أنّي مستطيع ولا يجب عليّ شيء ، بل يجب عليه محاسبة ماله ؛ ليعلم أنّه واجد للاستطاعة أو فاقد لها. نعم ، لو شكّ بعد المحاسبة في أنّ هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا؟ فالأصل عدم الوجوب حينئذ» (١٩). ثمّ ذكر المثال المذكور في المعالم بالتقريب المتقدّم عنه.

وأمّا كلمات الفقهاء فمختلفة في فروع هذه المسألة : فقد أفتى جماعة منهم ـ كالشيخ (٢٠) والفاضلين وغيرهم ـ بأنّه لو كان له فضّة مغشوشة بغيرها وعلم بلوغ الخالص نصابا وشكّ في مقداره ، وجب التصفية ؛ ليحصل العلم بالمقدار أو الاحتياط بإخراج ما يتيقّن معه البراءة.

نعم ، استشكل في التحرير في وجوب ذلك (٢١) ، وصرّح غير واحد من هؤلاء مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب بأنّه لا يجب التصفية. والفرق بين المسألتين

٣٥٩

مفقود إلّا ما ربما يتوهّم من أنّ العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب ، بخلاف ما لم يعلم به.

وفيه : أنّ العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدر المتيقّن ودوران الأمر بين الأقلّ والأكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلّا ؛ ألا ترى أنّه لو علم بالدّين وشكّ في قدره ، لم يوجب ذلك الاحتياط والفحص ، مع أنّه لو كان هذا المقدار يمنع (١٩٤٦) من إجراء البراءة قبل الفحص لمنع منها بعده ؛ إذ العلم الإجمالي لا يجوز معه الرجوع إلى البراءة ولو بعد الفحص.

وقال في التحرير في باب نصاب الغلّات : ولو شكّ في البلوغ ، ولا مكيال هنا ولا ميزان ، ولم يوجد ، سقط الوجوب دون الاستحباب (٢٢) ، انتهى. وظاهره جريان الأصل مع تعذّر الفحص وتحصيل العلم.

وبالجملة : فما ذكروه من إيجاب تحصيل العلم بالواقع مع التمكّن في بعض أفراد الاشتباه في الموضوع ، مشكل. وأشكل منه فرقهم بين الموارد ، مع ما تقرّر عندهم من أصالة نفي الزائد عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.

______________________________________________________

وهذا الوجه غير جار في الشبهات الموضوعيّة ، بناء على ما حقّقه في الشبهة التحريميّة الموضوعيّة من عدم كون الخطابات الواقعيّة دليلا على الشبهات الخارجة في نظر أهل العرف ، فوجود هذه الخطابات لا يمنع من العمل بأصالة البراءة في المصاديق الخارجة المشتبهة. نعم ، لو كان العمل بها مستلزما للمخالفة الكثيرة كان هذا مانعا من العمل بها ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله في ذيل كلامه ، لكونها في نفسها مع قطع النظر عن مخالفة العلم الإجمالي قبيحة عند العقل. وهذا أيضا هو الوجه في عدم جواز العمل بأصالة البراءة عند الانسداد الأغلبي كما تقدّم في محلّه.

١٩٤٦. يعني : أنّ العلم بالتكليف مع الشكّ في مقدار المكلّف به وتردّد الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ، إن كان مانعا من إجراء أصالة البراءة قبل الفحص كان مانعا منه بعده أيضا ، إذ الفحص لا يزيل العلم الإجمالي مطلقا ،

٣٦٠