المظاهر الإلهيّة في أسرار العلوم الكماليّة

صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي [ ملا صدرا ]

المظاهر الإلهيّة في أسرار العلوم الكماليّة

المؤلف:

صدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي [ ملا صدرا ]


المحقق: سيد محمد خامنه‌اى
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: بنياد حكمت اسلامى صدرا
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٨

١
٢

بسم اللّه الرحمن الرحيم (١)

سبحانك اللّهمّ يا مفيض الجود والوجود ، (٢) يا وليّ الفضل والنور ، (٣) يا شافي أمراض الصدور ، (٤) يا منجي النفوس من أغشية الأجسام إلى معدن (٥) السرور! اجعلنا من العارفين بنور قدسك والواثقين بحبلك ، ونوّر عقولنا بأنوار معرفتك وإدراك ربوبيّتك ، وانظرنا بعين عنايتك ورحمتك ، وطهّرنا عن (٦) الأرجاس والأدناس بقوّة عصمتك ، وصيّرنا من مشاهدي أنوارك ومجاوري (٧) مقرّبيك ، وصاحبنا للساكنين (٨) من ملكوتك ؛ إنّك مفيض الخيرات ومنزل البركات ومفيض (٩) النور من الظلمات.

وصلّ اللّهم على هادي سبيل النجاة والرشاد ، ومرشد

__________________

(١) دا : + وبه نستعين / آس ، لك : + وبه ثقتي.

(٢) آس ، لك ، دا ، چ : + و.

(٣) آس ، لك ، دا ، چ : + و.

(٤) چ : + و.

(٥) لك : معادن.

(٦) أصل : من.

(٧) دا : مجاوي.

(٨) أصل : للسالكين.

(٩) فيض در اينجا به معناى بيرون كشيدن وپرتاب (اخراج ورمى) است ودر پيش از آن به معناى پراكندن وپاشيدن.

٣

عبادك إلى طريق السداد ، وقائدهم وسائقهم إلى المعاد ، محمّد وآله الأطهار و (١) الأمجاد.

* * *

أمّا بعد ؛ لمّا كان أفضل السعادات والوسائل ورئيس الحسنات والفضائل اكتساب الحكمة الحقّة الإلهيّة ، وتكميل القوّة النظريّة بتحصيل العلوم الحقيقيّة والمعارف اليقينية ، واستكمال العقول الهيولانية بالعلم باللّه وصفاته وملكه وملكوته ، والعلم باليوم الآخر ومنازله ومقاماته ؛ إذ بها (٢) يصير الإنسان سالكا سبيل العرفان ومتوجّها شطر كعبة العلم والإيمان ، متخلّصا عن سجن الحدثان والخسران إلى جنّة السعادة ومجاورة الرحمن ، ويحصل بها معرفة الكلمات (٣) النورية والذوات (٤) الروحانيّة والشعلة الملكوتيّة ، التي هي (٥) سبب معرفة الرحمن ، كما في الحكمة العتيقة (٦) : «من عرف ذاته تألّه» أي صار عالما (٧) ربّانيا فانيا عن ذاته مستغرقا في شهود جمال الأوّل وجلاله ، وكما قال المعلّم الأوّل :

__________________

(١) لك ، مش ٢ ، چ : ـ و

(٢) مش ٢ : به.

(٣) دا : الكمال.

(٤) مش ٢ : الذرّات.

(٥) لك ، مش ، آس ، دا ، چ : هو.

(٦) أصل : العتيقيّة. در آثار شيخ اشراق وصدر المتألهين به شكل «العتيقة» آمده است. سهروردى در مطارحات مىگويد : «وأودعنا علم الحقيقة كتابنا المسمّى بحكمة الاشراق ، أحيينا فيه الحكمة العتيقة ، التي ما زالت أئمة هند وفارس وبابل ومصر وقدماء يونان إلى أفلاطون يدورون عليها ويستخرجون عنها حكمتهم وهي الخميرة الأزلية». ودر أسفار (ج ٨ ، ص ٣٠٧) اين گونه آمده است : «فقد قال معلم الحكمة العتيقة فلوطين (در أصل : أرسطاطاليس) في كتابه المعروف ب اثولوجيا ...» ؛ ودر مبدأ ومعاد (٢٥٢ ، ط : آشتيانى) : «ونقل أيضا في الحكمة العتيقة أنّ النبي خادم القضاء والأمر الإلهي ....».

(٧) آس : عارفا (نسخه‌بدل : عالما).

٤

«من عجز عن معرفة (١) نفسه فأخلق به أن يعجز عن معرفة خالقه» ؛ فإنّ معرفتها ذاتا وصفة (٢) مرقاة إلى معرفة بارئها ويصير الإنسان باكتسابها من حزب الملائكة المقرّبين ، بعد أن كان من جنس الحيوانات المبعّدين ، وهي العروة الوثقى والعمدة العظمى في التقرّب إلى اللّه والفوز بالسعادة الأخروية. والجهل بهذه المعارف الإلهيّة وجحودها ـ مع وجود الاستعداد وقوّة التعلّم ومكنة التحصيل ـ رأس الشقاوات والعقوبات ومادّة كلّ نفاق ومرض نفساني ومغرس كلّ شجرة ملعونة و «شجرة خبيثة» في الدنيا والآخرة :أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ(٣) ، ولهم العذاب والخسران العظيم (٤) والحسرة والندامة يوم القيامة.

ولمّا كان العلوم الكماليّة والمعارف الإلهيّة مختلفة الأنواع والفنون ، متكثّرة الشعب (٥) والشجون (٦) ، حتّى إنّ النّفوس الإنسانيّة ـ مع إحاطتها بالكليّات ـ تعجز (٧) عن إدراك (٨) أنواعها وفنونها ، سيّما في تعلّقها (٩) بهذه النشأة التعلّقية (١٠) ، وتكلّ (١١) عن استحضارها.

فرسمت رسالة في تحقيق بعض المسائل المتعلّقة بالمبدأ والمعاد ، ليكون معينا لمن له فضل قوّة على تحصيل الكمال وعلى من له زيادة دربة في

__________________

(١) دا ، مش ١ ، آس ، چ : ـ معرفة / لك : ظ (استظهار) معرفة.

(٢) لك ، دا ، مش ١ و ٢ ، آس ، چ : صفاتا.

(٣) سورهء نحل : آيهء ١٠٨.

(٤)أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ(سورهء هود ، آيهء ٢٢).

(٥) دا : الشعوب.

(٦) لك : الشؤون.

(٧) لك ، مش ١ ، چ : يعجز / دا : معجز.

(٨) أصل : ـ إدراك.

(٩) أصل : ـ في تعلقها ب.

(١٠) مش ٢ ، دا : التعليقيّة.

(١١) دا ، مش ١ ، مش ٢ ، لك ، چ : يكلّ.

٥

تحصيل الحال ، دون المقال. وسمّيتها ب المظاهر الإلهيّة في أسرار العلوم الكماليّة. وجاءت ـ بحمد اللّه ـ مرتّبة (١) على مقدّمة وفنّين وخاتمة. وأسأل اللّه التوفيق في رفع حجب الغواية ، والتسنّن بسنن الهداية ، فإنّه المفيض في البداية والنهاية.

* * *

__________________

(١) آس ، مش ١ ، دا ، لك ، چ : مرتّبا.

٦

المقدمة

اعلموا رفقائي المجاهدين وإخواني المؤمنين ، أنّ الحكمة الّتي هي معرفة ذات الحقّ الأوّل ومرتبة وجوده ، ومعرفة صفاته وأفعاله وأنّها كيف صدر منه الموجودات في البدء والعود ، ومعرفة النفس وقوّتيها (١) ومراتبها ، ومعرفة العقل الهيولاني ـ التي هي مجمع البحرين وملتقى الإقليمين ـ وكيفيّة حال السعادة والشقاوة ، ومعرفة النفس ، الموصلة إلى الصعود من حضيض السافلين إلى ذروة العالين (٢) ، التي هي مرقاة لمعاينة الجمال الأحدي والفوز بالشهود السرمدي ؛ ليس (٣) المراد منها الحكمة المشهورة عند المتعلّقين بالمتفلسفين (٤) [بالفلسفة] المجازيّة ، المتشبّثين بأذيال الأبحاث المقالية ؛ بل المراد من الحكمة ، الحكمة (٥) التي تستعدّ (٦) النفس بها للارتقاء إلى الملأ الأعلى والغاية القصوى ، وهي عناية ربّانية وموهبة إلهيّة لا يؤتى بها إلّا من قبله ـ تعالى ـ كما

__________________

(١) دا ، آس ، چ : قواه / مش ٢ : قوته. دو قوّهء نفس اشاره به قوهء نظري وعملي آن است.

(٢) آس ، مش ١ ، دا ، چ : العالمين.

(٣) خبر «أنّ الحكمة ...».

(٤) آس (نسخه‌بدل) : بالفلسفة.

(٥) دا : ـ الحكمة.

(٦) مش ١ و ٢ ، چ : يستعد.

٧

قال :(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (١).

وهي الحكمة المعبّرة عنها تارة ب «القرآن» ، وتارة ب «النور» (عند (٢) العرفاء) ، و (٣) ب «العقل البسيط» (عند الحكماء) (٤) ، وهي من «فضل اللّه» وكمال ذاته ورشحات وجوده.

آتاها اللّه لمن اختاره واصطفاه من خواصّ عباده ومحبوبيه ؛ لا ينالها أحد من الخلق (٥) إلّا بعد تجرّده عن الدنيا وعن نفسه بالتقوى والورع والزهد الحقيقي والانخراط في سلك المقرّبين من (٦) ملائكته وعباده الصالحين ، حتّى يعلّمه اللّه من لدنه علما (٧) ويؤتيه الحكمة وخيرا ، ويحييه حياة طيّبة وجعل له نورا يمشي به في ظلمات الدنيا :(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ). (٨)

واعلموا أنّ المباحث الإلهيّة والمعارف الربّانيّة في غاية الغموض ، دقيقة المسلك ، لا يقف على حقيقتها إلّا واحد بعد واحد ، ولا يهتدي إلى كنهها إلّا وارد بعد وارد ؛ فمن أراد الخوض في بحر المعارف الإلهيّة والتعمّق في الحقائق الربانيّة ، فعليه الارتياض بالرياضات العلميّة والعمليّة واكتساب السعادات الأبديّة ، حتّى يتيسّر (٩) له شروق (١٠) نور الحق وتحصيل ملكة خلع (١١) الأبدان (١٢)

__________________

(١) سورهء بقره ، آيهء ٢٦٩ : (... وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).

(٢) لك ، چ : وعند.

(٣) مش ١ ، لك : ـ و.

(٤) مش ٢ ، لك ، مش ١ ، چ : ـ عند الحكماء.

(٥) دا : يخلق.

(٦) آس ، چ ، لك ، مش ١ : عن.

(٧) (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (سورهء كهف ، آيهء ٦٥).

(٨) سورهء انعام ، آيهء ١٢٢.

(٩) آس ، مش ١ ، دا : تيسّر.

(١٠) لك : شرف.

(١١) دا : ضلع.

(١٢) أصل : الأنداد. «الحكيم المتأله هو الذي يصير بدنه كقميص يخلعه تارة ويلبسه أخرى» (سهروردى ، المطارحات ، ص ٥٠٣ ، ط : كوربن).

٨

والارتقاء إلى ملكوت السماء.

ولذلك قال المعلّم الأوّل ، أرسطاطاليس (١) الفيلسوف (٢) : «من (٣) أراد أن يشرع في علومنا فليستحدث لنفسه فطرة أخرى» ؛ لأنّ العلوم الإلهيّة مماثلة للعقول القدسيّة ، فإدراكها يحتاج (٤) إلى تجرّد تام ولطف شديد ؛ وهو «الفطرة الثانية» (٥) ، إذ أذهان الخلق في أوّل (٦) الفطرة جاسية (٧) كثيفة.

أخرجنا اللّه وإيّاكم من ظلمة غسق الطبيعة ، وأدخلنا بشروق نور الحقيقة ، وأرانا وجوده بهداه ؛ فإنّه ربّ كلّ شيء ومولاه ومبدأ كلّ وجود (٨) ومنتهاه.

* * *

__________________

(١) لك. أرسطو طاليس / در أصل : أرسطاليس. ومعروف در كتب فلاسفه همان أرسطاطاليس يا أرسطو است.

(٢) مش ٢ : الفيلوف.

(٣) دا : وعن.

(٤) أصل : محتاج.

(٥) فطرت ثانيه در اصطلاح مشرقيين يا حكمت إيران باستانى به خروج ارادى از زىّ مادة گفته مىشد وبعدها به فلوطين رسيده است.

(٦) لك : ـ أول.

(٧) آس ، دا ، لك : جاسية. أصل ونسخ ديگر : جاثية. (لسان العرب : جثوة كلّ انسان : جسده ، والجثوة البدن / وجاسية : صلبة ـ قليلة اللحم)

(٨) لك : شيء.

٩
١٠

الفنّ الأوّل (١)

في الإشارة إلى معرفة (٢)

المبدأ الأقصى والغاية القصوى

وكيفيّة أفعاله المترتّبة

(وفيه مظاهر)

__________________

(١) آس (هامش) : جميع ما في الفنّ الأوّل إشارة إلى زبدة في مباحث المبدأ. فتأمّل! (منه.)

(٢) مش ٢ : ـ معرفة.

١١
١٢

المظهر الأوّل

في الإشارة إلى عمدة مقاصد الكتاب الإلهي ،

التي هي الحكمة الحقّة والغاية المطلوبة

اعلم ، أنّ المقصد الأقصى واللباب الأصفى (١) من نزول الكتاب الإلهي ، دعوة العباد إلى الملك الأعلى ـ ربّ الآخرة والأولى ـ ؛ والغاية المطلوبة فيه تعليم ارتقاء العبد من حضيض النقص والخسران إلى أوج الكمال والعرفان ، وبيان كيفيّة السفر إليه ـ تعالى.

ففصوله وأبوابه وسوره وآياته منحصرة في ستّة مقاصد : ثلاثة منها كالدعائم والأصول والأعمدة المهمّة ؛ وثلاثة منها كاللواحق والمتمّات (٢).

أمّا الأصول الثلاثة المهمّة :

__________________

(١) آس (نسخه‌بدل) : الأصغى.

(٢) أصل : المهمّات / چ ، لك : المتمّمات (نسخه‌بدل : المتمّات).

١٣

فالأوّل منها معرفة «الحق الأوّل» وصفاته وآثاره.

والثاني معرفة «الصراط المستقيم» ودرجات الصعود إلى اللّه وكيفيّة السلوك إليه.

والثالث معرفة «المعاد» والمرجع إليه وأحوال الواصلين إليه وإلى دار رحمته وكرامته ؛ وهو (١) علم المعاد والإيمان باليوم الآخر.

وأمّا الثلاثة اللّاحقة :

فأحدها معرفة المبعوثين من عند اللّه لدعوة الخلق ونجاة النفوس ؛ وهم قوّاد سفر الآخرة ورؤساء القوافل.

وثانيها حكاية أقوال الجاحدين (٢) وكشف فضائحهم وتسفيه (٣) عقولهم في ضلالتهم ؛ والمقصود فيه التحذير عن طريق الباطل.

وثالثها تعليم عمارة المنازل والمراحل إلى اللّه والعبوديّة وكيفيّة أخذ الزاد والراحلة لسفر الآخرة والاستعداد برياضة المركب وعلف الدابة. والمقصود منه كيفيّة معاملة الإنسان مع أعيان (٤) هذه الدنيا ، الّتي بعضها داخلة فيه ، كالنفس وقواها الشهويّة والغضبيّة ؛ وهذا العلم يسمّى «تهذيب الأخلاق». وبعضها خارجة : إمّا مجتمعة في منزل واحد ، كالأهل والخدم والوالد والولد ، ويسمّى «تدبير المنزل» ؛ أو في مدينة واحدة ، ويسمّى «علم السياسة» و «أحكام الشريعة» كالديات والقصاص والحكومات.

فهذه ستّة (٥) أقسام من مقاصد [الكتاب] (٦) الإلهي. ونحن نورد في هذه

__________________

(١) لك : هي.

(٢) آس : الجاهدين.

(٣) أصل : تشقية / دا ، مش ١ ، چ ، لك ، آس ، مش ٢ : تسفيه : (ـ تذره).

(٤) مش ٢ : ـ أعيان.

(٥) دا : ثلاثة.

(٦) أصل : كتاب / همچنين در بقيه نسخه‌ها بجز نسخهء چاپى.

١٤

الرسالة من مسائل (١) الحكمة الإلهية ما هو مطابق للأقسام الثلاثة المهمّة ، التي هي بالحقيقة أركان الإيمان وأصول (٢) العرفان. هدانا اللّه وإيّاكم طريق البرهان وسبيل الإيقان.

تبصرة

اعلم أنّ معرفة الربّ على ثلاث مراتب : معرفة الذات الإلهيّة ، ومعرفة الصفات الربّانية ، ومعرفة الأفعال الصمدانيّة.

أمّا معرفة الذات ، فهي أضيقها مجالا وأرفعها منالا ، وأبعدها عن الفكر والذكر ؛ إذ حقيقة الواجب ـ جلّ مجده ـ هويّة بسيطة وغير متناهية الشدّة في النوريّة والوجود ، وحقيقته عين التشخّص والتعيّن ، لا مفهوم له ولا مثل (٣) ولا مشابه (٤) ولا ضدّ ، ولا حدّ له ولا برهان عليه ، بل هو البرهان على كلّ شيء ؛ ولا أعرف (٥) من ذاته ولا شاهد عليه ، بل هو الشاهد على الكلّ :(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(٦) ، وهو القائم على كلّ نفس بما كسبت (٧) ،(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ)(٨) ،(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)(٩).

وتحترق (١٠) النفس في إدراك أشعّة نور وجهه ، فكيف في نور وجهه؟! فلا يمكن الوصول إلى معرفة ذاته إلّا باندكاك (١١) جبل (١٢) إنّية السالك (١٣) حتى شهد

__________________

(١) دا ، مش ٢ ، لك ، آس ، ج : المسائل.

(٢) دا : الأصول.

(٣) لك : + له.

(٤) مش ١ و ٢ : مثابة / دا : متشابه.

(٥) مش ٢ : لا شيء.

(٦) سورهء فصلت ، آيهء ٥٣.

(٧) اقتباس از آيهء : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (سورهء رعد ، آيهء ٣٣).

(٨) سورهء انعام ، آيات ١٨ و ٦١.

(٩) سورهء طه ، آيهء ١١١.

(١٠) أصل : محترق / دا ، چ ، لك ، آس ، مش ٢ : يحترق.

(١١) لك : باندماك / مش ٢ : بانزكاك.

(١٢) مش ٢ : حبل.

(١٣) دا ، آس ، مش ١ و ٢ : للسالك.

١٥

ذاته ـ تعالى ـ على ذاته (١) كما قال بعض العارفين : «عرفت ربّي بربّي ولولا ربّي ما عرفت ربّي». (٢)

وليس للعقل سبيل (٣) إلى إدراك ذاته ، ولهذا ورد النهي عن التفكّر في ذات اللّه ـ تعالى ـ ، لقوله ـ صلى اللّه عليه وآله وسلّم ـ : «تفكّروا في آلاء (٤) اللّه ، ولا تفكّروا في ذاته» (٥) ، ولقول أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «من تفكّر في ذات اللّه ألحد (٦) ، ومن تفكّر في صفاته أرشد». ولذا (٧) لا يشتمل (٨) القرآن من معرفة الذات ـ في الأغلب (٩) ـ إلّا على تقديسات محضة وتنزيهات صرفة ، كقوله ـ تعالى ـ :(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(١٠) وكقوله ـ تعالى ـ (١١) :(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ)(١٢) وكقوله

__________________

(١) چ : ـ على ذاته.

(٢) أصل ، آس ، مش ١ : وبهذا يدلّ على ما ورد عن حامل الوحي وصاحب الجمع [آس : الحكمة] ـ صلى اللّه عليه وآله وسلّم ـ في دعائهم المأثور : «اللهمّ عرّفني نفسك ، فانّك إن لم تعرّفني ... (إلى آخره). (منه).

(٣) دا : سيل.

(٤) مش ٢ : آلائه.

(٥) آس (هامش) : لأنّ بالتفكّر في ذاته لا يحصل معرفة ذاته ـ التي هي هويّة بسيطة غير متناهية الشدّة في النوريّة والوجود ـ وإنّما يمكن الوصول إلى معرفة ذاته باندكاك جبل إنيّة السالك ؛ وهو طريق غير طريق التفكّر.

فافهم! (لمحرّرها ـ عفى عنه.)

(٦) آس (هامش) : لأنّه ليس في التفكّر في معرفة الذات طريق. فاذن ، التفكّر في معرفة الذات تفكّر فيما يمتنع حصوله ، والتفكّر في الممتنع الحصول إلحاد وخارج عن المأمور به في الشرع والحكمة. (لمحرّرها ـ عفى عنه.)

(٧) مش ١ : لذا / چ : ولهذا.

(٨) مش ٢ : تشتمل.

(٩) مش ٢ : الأعلى.

(١٠) آس (هامش) : لأنّ مفاد لفظة «لا» هو تقديس الذات وتنزيهها عن «الماسوى» وليس إلّا ، والتقديس ليس هو معرفة الذات بعينها. (لمحررها.) / سورهء بقره ، آيهء ٢٥٥ ؛ سورهء قصص ، آيات ٧٠ ، ٨٨ ؛ ....

(١١) أصل : ـ تعالى.

(١٢) سورهء صافات ، آيهء ١٨٠ / آس (هامش) : وفي هذه الآية إشعار أنّ ذاته ـ تعالى ـ مقدّسة منزّهة عمّا يصفها المتفكّرون بالوصف الذي هو من لوازم تفكراتهم. (لمحررها.)

١٦

[ـ تعالى ـ] :(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١) وكقوله [ـ تعالى ـ] :(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(٢).

وأمّا معرفة الصفات ، فالمجال للفكر (٣) فيها أفسح ، ونطاق النطق فيها أوسع (٤) ؛ لأنّها مفهومات عقليّة يقع فيها الاشتراك ، إلّا أنّها في الأوّل ـ تعالى ـ مصداقها ذاته بذاته ، وفي غيره ليس كذلك. ولهذا (٥) اشتمل القرآن على تفاصيلها في كثير من الآيات كما في قوله ـ تعالى ـ (٦)(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٧) وقوله :(الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)(٨).

وفي معرفة الصفات ـ أيضا ـ غموض (٩) شديد ؛ لأنّه لا يمكن معرفة بعض الصفات ، كالكلام ـ إلّا لأهل البصائر الثاقبة (١٠) ـ وكالسمع والبصر والاستواء على العرش والابتلاء والمماكرة وغير ذلك ، مما لا يعرفه إلّا الراسخون في العلم.

__________________

(١) سورهء بقره ، آيهء ١١٧ / آس (هامش) : وهذه الآية مشعرة بأنّ ذاته ـ تعالى ـ لا تعرف بذاته بل بكونه بديع السماوات والأرض ؛ وهو معرفة بالصفات والآلاء ، لا معرفة بالذات. (لمحرره ـ عفى عنه.)

(٢) سورهء واقعه ، آيهء ٩٦ / آس (هامش) : + وفي هذه الآية أمر بتسبيح اسم الرب لا بتسبيح ذاته ؛ لأنّ تسبيح ذاته موقوف على معرفة ذاته ، ومعرفة الذات لا يتحصّل بالتفكّر ، بل باندكاك جبل إنّية السالك. وهذه الآية وإن كانت خطابا على النبي (ص) العارف بذاته ـ تعالى ـ بالاندكاك وشهود ذاته ـ تعالى ـ على ذاته ، إلّا أنها من قبيل «أقول لك فاسمعي يا جارة!» وأغلب الناس وجلّ أصحابه (ص) لما وصلوا بمعرفة ذاته ـ تعالى ـ بالاندكاك. هذا ما خطر ببالي ؛ وإن كان عندك ما هو خير منه ، فاكتبه في هذه الحاشية! (لمحرره ـ عفى عنه.)

(٣) مش ٢ : للسفر / چ : للتفكّر.

(٤) أصل ، آس ، مش ١ (هامش) : + وعند المحقّقين لا يمكن معرفة كنه الصفات ، كما لا يمكن معرفة كنه الذات ، بل الصفات مظاهر تعرف (آس : يعرف) بقدر الطاقة البشريّة. (منه.)

(٥) چ : لذا.

(٦) أصل : ـ تعالى.

(٧) سورهء حشر ، آيهء ٢٤.

(٨) سورهء حشر ، آيهء ٢٣.

(٩) مش ٢ : غوض.

(١٠) مش ٢ : الشافية.

١٧

وأمّا معرفة الأفعال ، فبحر (١) يتّسع أطرافه ، ولكلّ أن يخوض فيه ويسبح في غمرتها (٢) بقدر قوّة سباحته ؛ لكن لا ينال (٣) بالاستقصاء ، لأنّها مرتبطة (٤) بالصفات ، كالصفات بالذات.

وليس في الوجود إلّا ذاته وصفاته وأفعاله التي هي (٥) صور أسمائه ومظاهر صفاته.

فما كان من صفاته جليّا في عالم الشهود ، ف القرآن مشتمل عليها تصريحا (٦) وتفصيلا ؛ وما كان خفيّا ، ف القرآن مشتمل (٧) عليها تلويحا وإجمالا.

فالأوّل كذكر السماء والأرض والكواكب والشمس والقمر وغير ذلك ؛ ممّا يعرفه الناظرون القائلون :(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ)(٨).

والثاني كذكر الملائكة والروحانيات والروح والعقل والنفس واللوح والقلم ، بل العرش والكرسي ـ عند بعض ـ ، والملائكة العمّالة (٩) الموكّلة بعالم الأرضين ـ التي هي أدنى عالم الملكوت ـ ، وكتبة الأعمال وملائكة جانب الشمال وكرام الكاتبين وأعوان ملك الموت وسدنة النيران والساكنين في البراري والجبال ، والجنّ والشياطين المسلّطين (١٠) على جنس (١١) الإنس ـ الذين امتنعوا عن السجود لآدم ـ ، والملائكة السماويّون ـ التي هي أعلى عالم الملكوت.

__________________

(١) لك : + عميق.

(٢) چ : غمراتها.

(٣) أصل : + إلّا.

(٤) مش ٢ ، دا ، آس ، مش ١ : مرتبط.

(٥) مش ٢ ، آس ، مش ١ ، لك ، چ : هو.

(٦) مش ٢ : صريحا.

(٧) مش ٢ ، دا ، چ ، آس ، مش ١ : ـ وما كان خفيا ف القرآن مشتمل.

(٨) سورهء آل عمران ، آيهء ١٩١.

(٩) مش ٢ : العمّال.

(١٠) دا : المسلّطة.

(١١) آس : الجنّ و.

١٨

فانّ هذه ـ كلّها ـ خارجة عن عالم الملك والشهادة :(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)(١).

وأعلى منهم حملة العرش والكرّوبيّون والملائكة المهيّمون (٢) ؛ وهم العاكفون في حظيرة القدس ، لا التفات لهم إلى (٣) هذا العالم ، بل لا التفات لهم إلى غير اللّه ؛ والذين هم ساكنون في الأرض البيضاء ، كما ورد في الحديث عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وآله وسلّم ـ : «إنّ للّه أرضا بيضاء ، مسيرة الشمس فيها (٤) ثلاثون يوما هي مثل أيّام الدنيا ثلاثين مرّة ، مشحونة خلقا لا يعلمون أنّ اللّه يعصى في الأرض ولا يعلمون أنّ اللّه خلق آدم وإبليس (٥)

أولئك هم المستغرقون في شهود الحضرة الإلهيّة ، وهم من (٦) أهل الفناء في التوحيد. جعلنا اللّه وإيّاكم في الدارين من أهل التوحيد!

* * *

__________________

(١) سورهء أعراف ، آيهء ٢٠٦ (سجده واجب).

(٢) أصل : المهيمنون / «هيمان» حيرت برخاسته از عشق است. (ر ك : محيي الدّين ابن عربيّ ، فصوص الحكم ، فصّ حكمة مهيميّة في كلمة إبراهيميّة.) وشرح خود متن مؤيد آن است كه «المهيمنون» در اينجا بىمعنى است. ملائكة مهيّمون ، فرشتگانى هستند كه به سر چشمه‌هاى جمال إلهي. رسيده‌اند وحيرت در آن مقام نهايت مرتبهء وصول به حق است. وممكن است هيمان وحيرت آنان را برخاسته از مشاهده تقابل جمال وجلال إلهي دانست :از سبب‌سازيش من شيدائيم * وز سبب‌سوزيش سوفسطائيم(٣) در همه نسخ بدين گونه آمده است ، ولى در نسخهء أصل نيست.

(٤) لك ، مش ١ : فلها

(٥) اين حديث در مظان آن به دست نيامد.

(٦) مش ٢ : ـ من.

١٩

المظهر الثّاني

في إثبات وجوده ـ تعالى ـ

(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (١)

اعلم أنّ السالكين الذين يستدلّون بوجود الآثار على (٢) الصفات ، ومن الصفات على الذات ، لهم طرق (٣) كثيرة ، أجودها طريقان :

أحدهما معرفة النفس (٤) الإنسانية :(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا

__________________

(١) سورهء آل عمران ، آيهء ١٨.

(٢) مش ٢ : إلى.

(٣) لك : طريق.

(٤) آس (هامش) : قوله : «أحدهما معرفة النفس الإنسانية» ، بأن يعرف أن النفس من مبدأ تكوّنها الجسماني إلى منتهى كمالها العقلاني ـ دائما ـ في التّحولات والاستحالات الذّاتية والانقلاب والتبدّلات والحركات الجوهرية ؛ فتارة تكون قوّة جسمانية ، وطورا تكون صورة طبيعيّة ؛ وأخرى تكون نفسا حساسا على درجاتها ، ثم مصوّرة ثم مفكّرة ذاكرة ، ثم ناطقة ، ثم يحصل له العقل النظري بعد العملي ، على درجاته من حدّ العقل بالقوّة إلى حدّ العقل بالفعل ، والعقل الفعال ـ المعبّر عنه بالروح الأمري في قوله ـ تعالى ـ :(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).

٢٠