القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

السيّد أحمد الهاشمي

القواعد الأساسيّة للّغة العربيّة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٤

١

بسم الله الرحمن الرحيم

صَرْفُ الهمم، نحو رب الأمم، سبيل النجاح، وسر الفلاح، نحمدك اللهم أنت الفاعل المختار، لكل مفعول من الكائنات والآثار، ونشكرك على مزيد نعمك، ومُضاعف جُودك وكرمك. ونصلي ونسلم على سيدنا محمد مصدر الفضائل، وعلى آله وأصحابه ومن نحا نحوهم من الأواخر والأوائل.

وبعد: فهذا كتاب «القواعد الأساسية للغة العربية» نحوتُ فيه ترتيب «الألفية» لأنها عند كافة العلماء مرضية، وسرَّحت في أسفار النحو النظر، وجئتُ منها بالمبتدأ والخبر. وجمعتُ فيه لطائف «التصريح» وتُحف «الأشموني» وتحقيقات «الصبان» ونُتَف «الخُضري» ودقائق «الرّضِى» وبدائع «المُغني» ومع هذا كله جمع إلى غزارة المادة سهولة المأخذ، وإلى جودة الترتيب دقة العبارة، وظَرف الإشارة. وإلى كثرة التمرينات حسن الاختيار، لينتفع به المبتدئون. ولا يستغني عنه المنتهون.

وأسأله سبحانه وتعالى أن ينفع به الطلاب، وأن يجعله عنده زلفى وحُسنَ مآب.

المؤلف

السيد أحمد الهاشمي

مصر في ١٨ رمضان سنة ١٣٥٤ هـ

٢

تمهيد

علوم اللغة العربية(١) عبارةٌ عن اثني عشر علماً مجموعةً في قوله:

نَحوٌ وصَرفٌ عَروضٌ ثُمَّ قَافيةٌ

وبَعدها لُغةٌ قَرضٌ وإنشاء

خَطٌّ بَيانٌ مَعانٍ مع مُحاضرةٍ

والاشتقاق لها الآدابُ أسماء

__________________

(١) أفضل العلوم ما كان زينة، وجمالاً لأهلها، وعوناً على حسن أدائها، وهو علم العربية الموصل إلى صواب النطق، المقيم لزيغ اللسان. الموجب للبراعة، المنهج لسبل البيان بجودة الإبلاغ، المؤدي إلى محمود الإفصاح. وصدق العبارة عما تُجنّه النفوس ويكنّه الضمير من كرائم المعاني وشرائفها. وما الإنسان لولا اللسان؟

وقد قيل:

المرء مبخوء تحت لسانه

والإنسان شطران لسان وجنان

لسان الفتى نصفٌ ونصف فؤاده

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

وقال عبدالحميد بن يحيى: سمعت شعبة يقول: تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل وعن سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس عن العباس. قال: قلت: يا رسول الله ما الجمال في الرجل؟ قال: فصاحة لسانه.

وقال عبدالملك بن مروان: اللحنُ في الكلام أقبح من الجُدري في الوجه وأوصى بعض العرب بنيه فقال: يا بنيَّ أصلحوا أنفسكم فإن الرجل تنوبه النائبة فيتجمل فيها فيستعير من أخيه دابته، ومن صديقه ثوبه، ولا يجد من يعيره لسانه.

وعن نفطويه عن أحمد بن يحيى قال:

إما تَريني وأثوابي مقاربةٌ

ليست بخزٍّ ولا من حُرِّ كتّانِ

فإنّ في المجدِ همّاني وفي لغتي

عُلْوِيْةٌ ولساني غيرُ لَحّانِ

وقال أبو هلال العسكري: علم العربية على ما تسمع من خاص ما يحتاج إليه

٣

وكلها باحثةٌ عن اللفظ العربي من حيث ضبطه وتفسيره وتصويره وصياغته إفراداً وتركيباً.

والذي له حق التقدم من هذه العلوم المذكورة «النحو» إذ به يُعرف صواب الكلام من خطائه ويُستعان بواسطته على فهم سائر العلوم.

النحوُ يُصلِح من لسان الألكَنِ

والمرء تُكرمه إذا لم يَلْحَنِ

وإذا طلبتَ من العلوم أجلَّها

فأجَلُّها نَفْعاً مُقيمُ الألسُنِ

وسببُ وضع النحو «مع أن النطق بالإعراب سجيةُ العرب من غير تكلف(١)» كما قيل:

ولَستُ بنَحويٍّ يَلوكُ لِسانَه

ولكنْ سليقيٌّ أقولُ فَأعربُ

إن العرب لما علت كلمتهم بالإسلام، وانتشرت رايتهم في بلاد

__________________

الإنسان لجماله في دنياه، وكمال آلته في علوم دينه، وعلى حسب تقدم العالم فيه وتأخره يكون رجحانه ونقصانه إذا ناظر أو صنف.

ومعلوم أن من يطلب الترسل وقرض الشعر وعمل الخطب والمقامات كان محتاجاً لا محالة إلى التوسع في علوم اللغة العربية.

(١) كانت العرب لعهد الجاهلية تنطق بالسليقة، وتصوغ ألفاظها بموجب «قانون» تراعيه من أنفسها، ويتناوله الآخر عن الأول، والصغير عن الكبير من غير أن تحتاج في ذلك إلى وضع قواعد صناعية.

فلما جاء الإسلام واختلطت العرب بالأعاجم عرض لألسنتها اللحن والفساد فاستدعى الحال إلى استنباط مقاييس من كلامهم يرجع إليها في ضبط ألفاظ اللغة وأول ما وضع في ذلك علم النحو ، وواضعه أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة: بأمر الإمام علي كرم الله وجهه.

٤

فارس والروم، وفتحوا بلادهم، واختلطوا بهم في المصاهرة والمعاملة والتجارة والتعليم، دخل في لسانهم العربي المبين وصمة اللسان الأعجمي (فخفضوا المرفوع ورفعوا المنصوب وما إلى ذلك من كثرة اللحن الشنيع) حتى كاد أسلوب النطق العربي يتلاشى لأسباب كثيرة.

(أ‌) من ذلك ما نقل عن أبي الأسود الدؤلي أن ابنته رفعت وجهها إلى السماء وتأملت بهجة النجوم وحسنها، ثم قالت (ما أحسنُ السماءِ؟؟) على صورة الاستفهام.

فقال لها يا بُنية «نجومُها».

فقالت: إنما أردتُ التعجب.

فقال لها: قولي «ما أحسنَ السماءَ» وافتحي فَاكِ.

(ب‌) ومن ذلك ما سمعه أيضاً أبو الأسود الدؤلي من قارئ يقرأ قوله تعالى: «إنَّ الله بَرِيءٌ من المُشرِكينَ وَرَسُولِهِ» بجر رسولِه ففزع من ذلك أبو الأسود، وخاف على نضرة تلك اللغة من الذبول وشبابها من الهرم، وجمالها من التشويه، وكاد ينتشر هذا الشبح المخيف مع أن ذلك كان في مبتدأ الدولة العربية والقوم تزيد علاقاتهم كل يوم بالعجم، فأدرك هذا الإمام «عليٌّ» كرم الله وجهه، وتلافى الأمر بأن وضع تقسيم «الكلمة» وأبواب «إن وأخواتها» والإضافة والإمالة. والتعجب والاستفهام، وغيرها، وقال لأبي الأسود الدؤلي «انحُ هذا النحو» ومنه جاء اسم هذا الفن، فأخذه أبو الأسود. وزاد

٥

عليه أبواباً أُخر إلى أن حصل عنده ما فيه الكفاية.

ثم أخذه عن أبي الأسود نفرٌ ـ منهم ميمون الأقرن، ثم خلفهم جماعةٌ ـ منهم أبو عمرو بن العلاء، ثم بعدهم الخليل، ثم سيبويه والكسائي ثم سار الناس فريقين بصري وكُوفي، ومازالوا يتداولون ويُحكمُون تدوينه حتى الآن. فجزاهم الله أحسن الجزاء.

النحو

للنحو «لغةً» معانٍ كثيرةٌ ـ أهمها:

القصدُ والجهةُ ـ كنحوتُ نحو المسجد.

والمِقدارُ ـ كعندي نحو ألف دينار.

والمِثْلُ والشِّبْهُ ـ كسعد نحوُ سعيد (مثلهُ أو شِبههُ).

والنحو : في اصطلاح العلماء هو قواعد يُعرف بها أحوال أواخر الكلمات العربية التي حصلت بتركيب بعضها مع بعض من إعراب وبناء وما يتبعهما(١)

__________________

(١) يرى جمهرة العلماء أن الصرف جزء من النحو لا علم مستقل بذاته. وعلى هذا يقال: النحو قواعد يعرف بها صيغ الكلمات العربية وأحوالها حين إفرادها وحين تركيبها ـ فمعرفة صيغ الكلمات كما يقال: اسم الفاعل من الثلاثي بزنة فاعل واسم المفعول بزنة مفعول ـ إلى غير ذلك.

ومعرفة أحوالها حين الإفراد كطريق التثنية والجمع والتصغير والنسب،

ومعرفة الأحوال حين التركيب كرفع الاسم إذا كان فاعلاً، ونصبه إذا كان مفعولاً، وجره إذا كان مضافاً إليه، إلى غير ذلك.

٦

وبمراعاة تلك الأصول يُحفظ اللسان عن الخطأ في النطق، ويُعصمُ القلمُ عن الزلل في الكتابة والتحرير.

تركيب الكلمات

الكلمات المستعملة في كل اللغات تتكون من حروفها المفردة التي اعتبرت أساساً لها.

ومن ذلك لغتنا العربية فهي أصواتٌ محتويةٌ على بعض الحروف الهجائية. وعددها تسعة وعشرون حرفاً، من أول الهمزة إلى الياء.

واللغة فعلٌ لسانيٌّ، أو ألفاظ يأتي بها المتكلم ليُعرِّف غيرهُ ما في نفسه من المقاصد والمعاني.

وللأمم كيفيات مخصوصة يُخالف بعضها بعضاً في التعبير عما في ضمائرهم.

ومن هؤلاء العرب الذين استُنبطَ من مقاييس كلامهم قواعدُ «النحو».

__________________

ويرى قوم أن النحو والصرف علمان مستقلان، فيخصون النحو بالقواعد التي يعرف بها أحوال الكلمات العربية من إعراب وبناء. ويخصون الصرف بالقواعد التي يعرف بها صيغ الكلمات المفردة وأحوالها مما ليس بإعراب ولا بناء.

ومن هذا يتضح أن النحو يبحث عن الكلمات وهي مركبة جملاً، فيبين ما يجب أن تكون عليه أواخرها من رفع أو نصب أو جر أو جزمٍ، أو بقاء على حالة واحدة.

وأما الصرف فيبحث عن الكلمات وهي مفردة، فيبين ما لأحرفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال، وما يطرأ عليها من التغييرات.

٧

مقدمة

في الكلمة وأنواعها

الكلمة هي اللفظ المفرد الدال على معنى(١).

وتطلق الكلمة إطلاقاً لغوياً مُراداً بها «الكلام» نحو : لا إله إلا الله كلمة التوحيد.

وبالاستقراء وتتبع مفردات اللغة وجد أن أنواع الكلمة ثلاثةٌ: اسمٌ ـ وفعلٌ ـ وحرفٌ(٢).

__________________

(١) أي لفظٌ مفرد عيَّنه الواضع لمعنىً بحيث متى ذُكر ذلك اللفظ فهم منه المعنى الذي عُين هو له، وفهمه منه هو دلالتهُ عليه. والمراد بالمفرد هنا هو ما يتلفظ به مرةً واحدةً وإن دل على متعددٍ كرجلٍ ورجال.

(٢) وذلك لأن من أنواع الكلمة ما يصح أن يكون ركناً للإسناد، وهذا منه ما يصح أن يسند ويسند إليه باعتبار دلالته على الحدث والذات معاً أو الذات فقط وهو (الاسم) نحو سليم وفاهم ـ ومن هنا يتبين لك أن الاسم هو الركن للكلام، به يقوم، وعليه يعتمد، لأنه لا ينعقد بدونه.

ومنه ما يصح أن يسند فقط باعتبار دلالته على الحدث دون الذات وهو (الفعل) نحو فهم، ويفهم، وافهم.

ومنه ما لا يصح أن يكون ركناً للإسناد لخلوه من ذلك وهو (الحرف) فإنه رابط بين الاسم والفعل فلا يسند إليه.

٨

ومن هذه الأنواع الثلاثة يتركب الكلام ـ والكلم ـ ونحوهما

الكلام وما يتركب منه

الكلام: عند النحويين(١) هو اللفظ(٢) المركب المفيد(٣) بالوضع(٤) العربي فائدةً يَحسن السكوت عليها،

وأقل ما يتركب الكلام(٥)

__________________

وبهذا يتبين لك انحصار (الكلمة) في هذه الأقسام الثلاثة، ودليل الحصر أن الواقع ثلاثٌ، ذاتٌ، وحدَثٌ، ورابطةٌ للحدث بالذات. فالذاتُ الاسم، والحدث الفعل، والرابطة الحرف ـ ولا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب لأن دليل الانحصار عقلي، والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات.

(١) والكلام عند اللغويين هو القول وما كان مكتفياً بنفسه في أداء المراد منه.

(٢) المراد باللفظ الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية تحقيقاً كمحمد أو تقديراً كالضمائر المستترة،

ومعنى اللفظ الطرحُ والرمي، يقال لفظت كذا بمعنى رميته.

وخرج باللفظ الإشارة، والكتابة، والعقد بنحو الأصابع الدالة على أعداد مخصوصة والنصب. أي العلامات المنصوبة كالمحراب وغيرها، فإنها ليست بكلام عند النحويين.

(٣) المراد بالمفيد ما أفاد فائدة تامة يحسن سكوت كل من المتكلم والسامع عليها نحو : الدين المعاملة ـ وخرج به غير المفيد نحو إن حضر سرور.

(٤) بالوضع أي بالقصد، وهو أن يقصد المتكلم بما يلفظ به مما وضعته العرب إفادة السامع ـ فهذه قيود أربعة متى وجدت وجد الكلام النحوي، وحيث انتفت كلها أو انتفى واحد منها انتفى الكلام النحوي.

(٥) تركيب الكلام وهو ضم كلمة إلى أخرى بحيث ينعقد بينهما الإسناد

٩

من اسمين حقيقةً. نحو : الدين المعاملة.

١ ـ أو من اسمين حُكماً. نحو : الصدقُ مُنجٍ ـ (فإن الوصف مع ضميره في حكم المفرد).

٢ ـ أو من ثلاثة أسماء(١). نحو : العدلُ أساس الملك.

٣ ـ أو من فعل واسم. نحو : ظهر الحقُ ـ ومنه نحو (استقم) فإنه مركب من فعل الأمر المنطوق به، ومن ضمير المخاطب المقدر بأنت ومنه أيضاً: نحو (يا جميل) فإنه كلامٌ على تقدير الفعل المحذوف الذي هو «أُنادي» النائب عن حرف النداء.

٤ ـ أو من فعل واسمين. نحو : كان الله غفوراً.

٥ ـ أو من فعلٍ وثلاثة أسماء. نحو : علمت الله واحداً.

٦ ـ أو من فعل وأربعة أسماء. نحو : أريتُ جميلاً البدرَ طالعاً.

٧ ـ أو من اسم وجملة. نحو : الحق يعلو ـ الظلم آخره ندمٌ.

٨ ـ أو من جملتين. نحو : (إن تُرد السلامة، فليسلك سبيل الاستقامة).

ولا يمكن أن يأتي كلامٌ مفيدٌ من الأحرف وحدها، ولا من الأحرف والأفعال فقط.

الكلمُ

الكلمُ: هو اللفظ المركب من ثلاث كلمات فأكثر سواءٌ

أفاد ـ نحو : العلم يرقِّي الإنسان.

__________________

المستقل، وهو الذي يفيد أن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى أو منفي عنها نحو : العلم نافعٌ ـ وما الجهل نافعاً.

(١) وقد يتركب من نوع الاسم أكثر من ذلك.

١٠

أو لم يُفِد ـ نحو : لو ارتقى الإنسان ـ إذا كنتُ راقياً.

الجملة والقول

الجملة: هو مُركب إسنادي(١) أفاد فائدة وإن لم تكن مقصودة كفعل الشرط. نحو : إن قام، وجملة الصلة. نحو : الذي قام أبوه(٢).

والقول: ما ينطق به سواء أكان كلمة أم كلاماً أم كلماً أم جملة. فهو أعم من الكلمة ـ لشموله المفرد والمركب.

وأعم من الكلام ـ لشموله المفيد وغيره.

وأعم من الكلم ـ لشموله المقصود وغير المقصود مفيداً أو غير مفيد، فمتى وجد واحدٌ منها وجد، وقد يوجد هو دونها. نحو : كتابُ محمدٍ وخمسة عشر. وبعلبك وحضرموت. وجاد الحق.

والمعتبر عند النحويين هو «الكلام» لاشتماله على المسند إليه والمسند.

__________________

(١) فالتركيب الواقع صلة الموصول. أو نعتاً. أو حالاً. أو خبراً. أو مضافاً إليه ـ يسمى جملة فقط لاشتماله على مطلق الإسناد.

(٢) تنقسم الجملة إلى نوعين:

الأول ـ اسمية: إن بُدئت باسم (حقيقةً) نحو الوطن عزيزٌ.

أو حكماً ـ نحو : إن العدل قوام الملك.

الثاني ـ فعلية: إن صُدرت بفعل (حقيقة) نحو جاء الحق.

أو حُكماً ـ نحو : ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.

١١

أجب عن الأسئلة الآتية

ما هي علوم اللغة العربية وعم تبحث عنه؟؟ ما الذي له حق التقدم من هذه العلوم؟ ما هو النحو؟ وما سبب وضعه؟ ومن الواضع له؟ كيف استنبط هذا العلم؟ مم تتركب الكلمات؟ ما هي اللغة؟ ما هي الكلمة وأنواعها؟ ما هو الكلام وما يتركب منه؟ ما هو الكلم والكلمة والجملة والقول؟ وما هو المعتبر منها عند النحاة؟

تمرين (١)

بيِّن الكلمة والكلام والكلم والجملة والقول فيما يأتي:

إذا تكلم أحدكم فليجتهد أن تكون الألفاظ عذبة لا يُملّ سماعها وأن تكون المدلولات صحيحة يُمكن وقوعها، فليس كل لفظ مقبولاً ولا كل مدلول معقولاً، وأن يُراعى الاعتدال في المقال، فإن الإطناب قد يكون مُملاً، كما أن الإيجاز قد يكون مُخلاً. إن يكن الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب، ولا تهرف بما لا تعرف.

وزِن الكلامَ إذا نطقت فإنما

يُبدي عقول ذوي العقول المنطقُ

تمرين (٢)

بيِّن الكلام والكلم والاثنين معاً: وبيِّن الجملة والقول مما يلي: المعاشرة الردية تفسد الأخلاق الجيدة، إضاعة اللغة تسليم للذات، إذا

١٢

صنعت المعروف، من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه، احذروا من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره، خالق الناس بخلق حسن، من أسرع في العمل

ألا يا مُستعيرَ الكُتْب دَعْنِي

فإنّ إعارتي للكتب عارُ

فمحبوبي بذي الدنيا كتابي

فهل يا صاحي محبوبٌ يُعارُ

اتبع الحق وإن عَزّ عليك، الدين النصيحة، غرك السراب فتقطعت بك الأسباب، من قعد به أدبه لم يرفعه حسبه.

إن الأكابر يحكمون على الورى

وعلى الأكابر تحكم العلماء

ومن فاته التعليم وقت شبابه

فكبّر عليه أربعاً لوفاته

تعريف الاسم وعلاماته المميزة له عن الفعل والحرف

الاسم «عند اللغويين» ما دل على مُسمى.

و «عند النحويين» ما يدل بنفسه على معنىً مُستقل بالفهم غير مُقترن وضعاً بزمن من الأزمان الثلاثة (الماضي والمستقبل والحال)(١).

__________________

(١) بهذا التعريف لا يخرج عن الأسمية ما يأتي:

أولاً: ما يدل على معنى مقترن بالزمان التزاماً لا بحسب الوضع كما في اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر والصفة المشبهة واسم التفضيل وأمثلة المبالغة. نحو : فاهم ـ ومفهوم فقد عرضت عليه الدلالة على الزمان لمشاركته الفعل المقترن بالزمان (فهم ويفهم وافهم).

ثانياً: اسم الفعل كلفظة (شتان) التي بمعنى (افترق) الذي هو فعل ماض عرضت عليه الدلالة على الزمان من هذا الفعل الذي هو بمعناه، فتكون الدلالة الوضعية لمسماه لا له.

١٣

وعلامات الاسم كثيرة، وأشهرها خمسة، منها أربعة لفظية: وهي

١ ـ الجر بالكسرة التي يُحدثها العامل «حرفاً كان أو إضافة» نحو : بسم الله.

٢ ـ النداء «أي كون الكلمة مناداة» نحو : يا سعد.

٣ ـ «أل» المعرفة كالرجل(١) أو الزائدة كالعباس، بخلاف الموصولة فقد تدخل على المضارع لغير ضرورة نحو (ما أنت بالحكم التُرضَى حكومته).

٤ ـ التنوين، وهو نونٌ ساكنة تتبع آخر الاسم لفظاً وتفارقه خطاً للاستغناء عنها بتكرار الشكلة عند الضبط بالقلم نحو : كتابٌ(٢).

__________________

ثالثاً: ما يدل على نفس الزمان مطابقة ـ لا على معنى مقترن به. نحو أمس واليوم والآن ـ من ظروف الزمان.

رابعاً: ما يدل على معنى مقترن بمطلق زمن لا بزمن مخصوص من الأزمنة الثلاثة السابقة، وذلك:

كلفظة (الصبوح) وهو الشرب أول النهار.

ولفظة (الغبوق) وهو الشرب آخر النهار،

ولفظة (القيل) وهو الشرب وسط النهار.

فمعناها مقترن بمطلق زمن، لا بقيد كونه ماضياً ولا حالاً ولا استقبالاً.

(١) تكون «أل» علامة للاسم إذا لم تكن من بنية الكلمة نحو الرجل، أما إذا كانت من بنيتها فلا تكون علامة له، نحو ألقى إلقاء.

(٢) التنوين الخاص بالاسم أربعة أنواع: تنوين التمكين والتنكير والمقابلة والعوض

أما تنوين التمكين: فهو اللاحق للأسماء المعربة (غير جمع المؤنث السالم) للدلالة على خفة الاسم في باب الأسمية بمعنى أنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف، وذلك نحو محمد ـ وكتاب ـ ورجل.

١٤

علامة الاسم المعنوية

للاسم علامة واحدة معنوية. وهي «الإسناد إليه» وهو أن تنسب إلى الاسم حُكماً تحصل به الفائدة، بأن يكون مُبتدأ أو فاعلاً، نحو : فهمتُ، وأنا فاهمٌ.

وهذه العلامة هي أصدق وأشمل علامات الاسم: لأنها أوضحت اسمية

__________________

وأما تنوين التنكير: فهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية لأجل الفرق بين المعرفة منها والنكرة. فما نُوِّن منها كان نكرة. وما لم ينوّن كان معرفة، تقول: سيبويه وعمرويه ونفطويه «بغير تنوين» إذا أردت شخصاً معيناً اسمه أحد هذه الأسماء. فإذا أردت أي شخص يسمى بهذا الاسم قلت سيبويه «بالتنوين».

وأما تنوين المقابلة: فهو الذي يلحق جمع المؤنث السالم في نحو سائحات في مقابلة النون التي في جمع المذكر السالم في نحو : سائحين. وأما تنوين العوض: فهو اللاحق لبعض الكلمات عند حذف ما تضاف إليه تعويضاً لها عن هذا المضاف إليه المحذوف، وهو قسمان:

١ ـ عوض عن كلمة مفردة: وهو اللاحق للفظي كل وبعض، نحو قوله تعالى: «قل كل يعمل على شاكلته» فإن الأصل كل إنسان، وكقوله تعالى: «فضلنا بعض النبيين على بعض» أي على بعضهم.

٢ ـ وعوض عن جملة: وهو اللاحق لكلمة «إذ» عند حذف الجملة أو الجمل التي تستحق «إذ» الإضافة إليها نحو «ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله» أي يوم يغلب الروم، ونحو «وأنتم حينئذ تنظرون» أي وأنتم حينئذ بلغت الروح الحلقوم. فلما حذفت الجملة عوض عنها بالتنوين.

١٥

الضمائر، وما شابهها مما لا تدخل عليه العلامات المتقدمة(١).

والاسم ثلاثة أنواع: مُظهر ـ ومضمر ـ ومُبهم.

فالمظهر: هو ما يدل على معناه من غير حاجة إلى قرينة كسعد وسعاد.

والمُضمر: هو ما دل على معناه بواسطة قرينة تكلم أو خطابٍ أو غيبة. نحو : أنا، ونحن، وأنت، وأنتِ، وهو ، وهي.

والمبهم: هو الذي لا يظهر المراد منه إلا بإشارة أو جملة تُذكر بعده لبيان معناه. نحو : هذا، والذي.

__________________

(١) فإن كان لفظ الاسم لا يقبل الإسناد إليه كلفظة (عند) مثلاً اعتبر الإسناد إلى ما هو بمعناه «كالمكان» الذي هو بمعنى عند، وهو يقبل الإسناد إليه، فتصدق الأسمية عليها.

وليس بلازم أن تجتمع كل هذه العلامات حتى تدل على اسمية الكلمة، بل بعضها كافٍ في ذلك، فكلمة (صاحب) مثلاً اسم لأنها تنون، وتدخل عليها حروف الجر، وأحرف النداء، وأل، وتكون مبتدأ وخبراً ..إلخ. وكذا التاء من «حفظت» اسم لأنها فاعل، وهلم جرا.

أسباب ونتائج:

أ‌ ـ لماذا كان الإسناد من خواص الاسم، لأن المسند إليه لا يكون إلا اسماً.

ب‌ ـ لماذا كان الجر من خواص الاسم، لأن المجرور مخبر عنه في المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم.

ج‌ ـ لماذا كانت الإضافة من خواص الاسم، لأن فيها معنى الإسناد.

د‌ ـ لماذا كانت أل من خواص الاسم، لأن أصلها للتعريف وهو خاص بالاسم.

ه‌ ـ لماذا كان النداء من خواص الاسم، لأنه مفعول به في الأصل والمفعولية خاصة بالاسم.

١٦

تعريف الفعل وتقسيمه وعلاماته المميزة له عن الاسم والحرف

الفعل عند «اللغويين» ما دل على الحدث.

وعند «النحويين» ما يدل بنفسه على حدثٍ مقترن وضعاً بأحد الأزمنة الثلاثة «الماضي والحال والمستقبل».

وينقسم الفعل باعتبار الزمن إلى ماضٍ ومضارعٍ وأمرٍ.

(أ) الفعل الماضي وعلاماته المختصة به:

الفعل الماضي ما دل على حدث وقع في الزمان الذي قبل زمان التكلم(١). نحو : كتب ـ ونِعْمَ ـ وبئس.

وله علامتان مُختصتان به:

__________________

و‌ ـ لماذا كان التنوين من خواص الاسم، لأن المقصود منه هنا ما هو خاص بالاسم وحده من الأنواع الأربعة السابقة الذكر.

ز‌ ـ لماذا كان الاسم منحصراً في أنواع ثلاثة «مظهر ومضمر ومبهم» وذلك لأن الاسم إما أن يصلح لكل جنس أو لا.

فالأول: المبهم كهذا، والذي.

والثاني: إما أن يكون كناية عن غيره أو لا.

فالأول المضمر: كأنت وهو

والثاني المظهر: كخليل وفاطمة وعصفور.

(١) وقد يدل الماضي على الحال إذا استعمل في العقود. نحو (بعتك هذا الكتاب ووهبتك هذه الفرس) ويدل على الاستقبال إذا وقع بعد أداة شرط غير «لو» نحو : إن استقام التلميذ عفوت عنه، أو بعد لا النافية مسبوقة بقسم، نحو : تالله لا كلمتك حتى تستقيم، أو كان للدعاء. نحو : (رحمه الله).

١٧

الأولى: تاء الفاعل. نحو : كتبتُ (للمتكلم والمخاطب والمخاطبة).

الثانية: تاء التأنيث الساكنة أصالةً(١). نحو : نالتْ سعاد جائزة، ولا يضر تحريكها لعارض كما إذا وَليها ساكنٌ، فتحرك بالكسر للتخلص. نحو : قرأت التلميذة. إلا إذا كان للساكن ألف الاثنين فتفتح للتخفيف نحو : المرأتان قالتا، وقد تُضم نحو : قالت أمةٌ.

فإن دلت كلمةٌ على معنى الماضي ولم تقبل إحدى التاءين فهي:

١ ـ إما اسمٌ لوصف، كشاهدٍ أمس.

٢ ـ وإما اسمٌ لفعل، كهيهات بمعنى بَعُدَ، وشتان، بمعنى افترق.

(ب) الفعل المضارع، وعلاماته المختصة به:

الفعل المضارع ما يدل على حدثٍ يقع في زمان التكلم أو بعده: كيقرأ ويعرفُ بصحة وقوعه بعد لم نحو : لم يلد ولم يُولد، وعلامته المختصة به «السين(٢) وسوف. والجوازم التي تجزم فعلاً واحداً، وبعض النواصب»

__________________

(١) وأما المتحركة أصالة فتختص بالاسم إن كانت حركتها إعرابية كجارية وعائشة ـ فإن كانت حركة بناء أو بِنْية، فتوجد في الاسم نحو : لا حول ولا قوة إلا بالله ـ وفي الفعل نحو : هند تقوم، وفي الحرف نحو : ربّتَ وتمت. وبهاتين العلامتين سقط زعم حرفية ليس وعسى، وسقط أيضاً زعم اسمية نعم وبئس.

(٢) السين وسوف يدلان على التنفيس، ومعناه الاستقبال إلا أن السين للاستقبال القريب، وسوف للاستقبال البعيد كقوله تعالى: «سيقول السفهاء من الناس» ، «ولسوف يعطيك ربك فترضى».

١٨

والمضارع بأصل وضعه صالح للحال والاستقبال، ولا يتعين لأحدهما إلا بمعينات خاصة.

(مُعينات المضارع للحال)

١ ـ ما النافية نحو : وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً.

٢ ـ وإنْ النافية نحو : وإن أريدُ إلا الإصلاح.

٣ ـ وليس النافية نحو : وليس لي أقول إلا الواقع.

٤ ـ ولام الابتداء نحو : إني ليَحزُنُني أن تذهبوا به.

٥ ـ والآن ونحوه نحو : أسافر الآن أو الساعة.

(معينات المضارع للاستقبال(١))

١ ـ السين نحو : سيعلم الذين ظلموا أي مُنقلبٍ ينقلبون.

٢ ـ وسوف نحو : سوف تندم على كسلك.

٣ ـ والنواصب نحو : لن ينجح الكسول.

٤ ـ والجوازم (ماعدا ـ لم ـ ولما) نحو : إن تسافر فالله يكلؤك برعايته.

٥ ـ ونونا التوكيد نحو : ليُسجننَّ وليكونا من الصاغرين.

٦ ـ وأداة الترجي نحو : لعلي أبلغُ قصدي.

واعلم أن المضارع يتعين للاستقبال متى تضمن طلباً نحو : يرحمك الله.

(انقلاب المضارع للماضي)

ينقلب الفعل المضارع إلى معنى الفعل الماضي بالأدوات الآتية:

__________________

(١) قد يراد بالمضارع الاستمرار فيشمل جميع الأزمان الثلاثة نحو : الأطفال

١٩

(‌أ) بلم الجازمة نحو : لم يقم بالواجب، وزرتك ولم تكن في الدار.

(‌ب) ولما الجازمة نحو : لما يُثمر البستان، وقطفت الثمرة ولما تنضج.

(‌ج) وربما نحو : رُبما تكره ما فيه الخيرُ لك.

وسُمي «مضارعاً» لمشابهته «الاسم» في الحركات والسكنات وعدد الحروف، وصلاحيته للحال والاستقبال ـ كيفهم وفاهم ـ وينصرُ وناصر «ولهذا أعِربَ الفعلُ المضارع» فإن دلت كلمةٌ على معنى المضارع ولم تقبل «لم» فهي:

ـ إما اسمٌ لوصفٍ: كراحل الآن أو غداً.

ـ وإما اسمٌ لفعل: كأوّه بمعنى أتوجعُ.

(جـ) فعل الأمر وعلاماته المختصة به:

الأمر ما يُطلب به حدوث شيء في الاستقبال نحو : اسمع وهات وتعال. وعلامته المختصة به: قبوله ياء المخاطبة مع دلالته على الطلب بنفسه نحو : احفظي(١) أو قبوله نون التوكيد مع دلالته على الطلب بصيغته نحو : اجتهدنّ.

فإن قبلت كلمةٌ «نون التوكيد» ولم تدل على الطلب بصيغته

فهي فعل مضارع نحو : ليُسجنن وليكونا (فقد دل الفعل المضارع على الطلب باللام).

__________________

يميلون إلى اللعب ـ أى في كل زمان.

(١) وبهذا سقط زعم أنّ هاب وتعال اسما فعلين للامر

٢٠