بداية الوصول - المقدمة

بداية الوصول - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٠٥

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

كان المفروض أن أكتب هذه المقدمة قبل صدور الطبعة الأولى لهذا الكتاب ، إلّا أنّ ظروفا خاصة حالت دون ذلك وكنت أقول للأخوة الذين اصرّوا عليّ بكتابة المقدمة آنذاك أن الوقت لم يفت بعد وإن الكتاب سيطبع مرة أخرى بل مرات ويمكن حينئذ تدارك ذلك لأني أعلم أهمية الكتاب بالنسبة إلى طلاب علم الأصول وخصوصا دارسي الكفاية وأساتذتها وشدة احتياجهم إليه ، لكني لم أحسب أن ذلك سيتحقق بسرعة قياسية فقد نفدت الطبعة الأولى خلال ثلاثة أشهر وهي مدة غير اعتيادية لمثل هذا الكتاب بلحاظ مادته وبلحاظ حجمه الكبير أيضا ، وبعد أن تهيأ الأخوة المشرفون على الطبع لإعادة طبعه ثانية طالبوني الوفاء بالوعد.

طبعا ليس من السهل على مثلي أن يكتب مقدمة لكتاب يطلب فيها تقييم الكتاب والكاتب وذلك لصلة القرابة التي تربطني بشيخنا المؤلف (قدس) ولكوني تلميذا من تلامذته العديدين استفدت من محضره كثيرا في الدرس وغيره ؛ ولذا من الصعوبة بمكان أن أنجز هذه المهمة إلّا أن الظاهر أنه لا بد مما ليس منه بد.

من الأمور المعروفة في الأوساط العلمية الحوزوية الموقع الذي يتبوؤه المحقق الخراساني (قدس) وكتابه الشهير «كفاية الأصول» من الفكر الأصولي ، فقد استطاع من خلال ما طرحه في كتابه من آراء ونظريات ومناقشات أن يدفع بالفكر الأصولي إلى مرحلة متقدمة من مراحل نموه تميزت بالعمق والأصالة والاهتمام بجوهر المطالب والابتعاد عن التفصيلات والأمور الجانبية

٥

غير الدخيلة في تحقيق الهدف من دراسة هذا العلم ، خلافا لما كانت عليه الطريقة السائدة في زمانه والكتب المؤلفة في هذا المجال ، ولذا توجهت أنظار العلماء والمحققين إلى هذا الكتاب واهتموا به اهتماما كبيرا فصار محورا للدروس العالية في علم الأصول وكتابا دراسيا ومنهجا مقررا بالتعيّن في الحوزات العلمية ، يلزم الطالب بدراسته في مرحلة السطوح فيطّلع على آراء ونظريات مؤلفه ثم يمرّ عليها مرة أخرى من خلال درس الخارج حيث يجعل الكتاب محورا لتلك الدروس الاستدلالية المعمقة ، ومن هنا نشأت أهمية كتاب «كفاية الأصول» وكثرت شروحه والتعليقات عليه وقد بلغ ما طبع منها العشرات فما ظنك بما لم يطبع منها.

وهذه الشروح والتعليقات مختلفة ففيها المختصر الصغير وفيها المطول الكبير ، وبعضها يهدف إلى نقد الآراء والمباني العلمية المطروحة في الكتاب نقدا علميا استدلاليا ، فهو أشبه بدراسات عالية (بحث خارج) كتبت بعنوان الشرح على الكفاية ، وبعضها يهدف إلى شرح وتوضيح مطالب الكتاب وفك رموزه وحلّ عقده بحيث يكون المخاطب فيه هو دارس الكفاية ومدرّسها لتسهيل الأمر عليهما. ولعلّ هذا الكتاب الذي بين يديك من أبرز الشروح المطولة التي تهدف إلى تحقيق الغرض الثاني.

وفي محاولة لتقييم الكتاب لا بد أن نأخذ بنظر الاعتبار جملة من الأمور :

١ ـ إن الكتاب شرح لمتن الكفاية فهو بالتالي مقيد بالمطالب المذكورة فيه ، وليس هناك مجال للتوسع والتعرض للنظريات والآراء المستجدة بعد صاحب الكفاية وإن كان المؤلف (قدس) يملك حصيلة كبيرة منها باعتباره خريج مدرسة المحقق الاصفهاني (قدس) التي كانت تتعرض لآخر ما توصل إليه علم الأصول من نظريات لغرض النقد والتقييم ، ولهذا نلاحظ خلو الكتاب من

٦

آراء المحققين الثلاثة بعد صاحب الكفاية (قدس) اي المحقق النائيني والعراقي والاصفهاني (قدس) إلّا في موارد قليلة يشير فيها إلى بعض آراء أستاذه المحقق الاصفهاني.

٢ ـ إن الكتاب لم يوضع لغرض تحقيق المطالب العلمية المذكورة في المتن ونقدها ومن ثمّ الوصول إلى نتائج موافقة أو مخالفة كما هو المتعارف في الدروس العالية في هذا العلم (بحث الخارج) بل الغرض الأساسي هو شرح عبارة المتن وتوضيح المطالب المذكورة فيه وما يستلزمه ذلك من بيان مقدمات ومبادئ دخيلة في تحقيق هذا الغرض ولهذا نلاحظ غياب المؤلف ـ كصاحب رأي أو نظر ـ عن الكتاب غالبا ، فالكتاب له هدف محدد أي توضيح وشرح المتن ، وقد تقيّد المؤلف (قدس) بذلك معتبرا أن طرح الآراء والاستدلال عليها ومناقشتها له محل آخر غير هذا الشرح. هذا هو الطابع العام للكتاب فلا ينافيه ما نجده أحيانا من إبداء رأيه في مسألة والاستدلال عليها ومناقشة الآراء الأخرى فيها.

٣ ـ إن تحقيق الغرض المذكور ليس أمرا سهلا ـ كما قد يتصوره البعض ـ وذلك لما هو المعروف من أن كتاب «كفاية الأصول» يحتوي على آخر ما توصل إليه الفكر الأصولي الإمامي خلال نموه التكاملي في ذلك الزمان فقد تعرض المحقق الخراساني (قدس) إلى آراء ونظريات من تقدمه من العلماء والمحققين في مسائل علمية دقيقة مثل الملازمات العقلية والترتب وعلاقة الحكم الظاهري بالحكم الواقعي ومباحث العلم الإجمالي ومباحث الحجج وكيفية جعل الأحكام الظاهرية وبيّن رأيه فيها وموقفه منها إلى كثير غيرها مما يجده دارس الكفاية ، فإذا أضفنا إلى ذلك ما لوحظ على الكفاية من الايجاز الشديد

٧

بل المخل في بعض الأحيان والعبارات المضغوطة وغير ذلك من الأمور أدركنا صعوبة المهمة التي يراد تحقيقها بالكتاب ، وتتلخص بأمور :

١) تفكيك الرموز والتعقيد اللفظي الموجود في المتن.

٢) تفكيك المطالب العلمية وتوضيحها وإرجاعها إلى أصولها.

٣) ملء الثغرات الموجودة في بعض المطالب والتي تركت عمدا رعاية للاختصار أو اعتمادا على وضوحها لدى أصحاب الاختصاص.

٤) إرجاع الإحالات إلى مواضعها الصحيحة وبيان ارتباطها بالمطلب.

٥) توضيح آراء الآخرين التي تعرض لها صاحب الكفاية (قدس) لنقدها حيث أنه يكتفي عادة بالإشارة إليها.

وهذه الأمور لا بد من أدائها بعبارات واضحة خالية من التعقيد اللفظي ومجانبة للاطناب الممل والاختصار المخل وبشكل يتناسب مع المستوى العلمي للطالب.

وفي تقديري أن الكتاب قد أدّى هذه المهمة أحسن أداء وحقق الغرض منه ، ولعل نفاد الطبعة الأولى في وقت قصير جدا شاهد على صحة هذا التقدير.

ثم هناك أمور يتميز بها هذا الكتاب نشير إلى أحدها وهو بيان كيفية استفادة الفكرة من عبارات المتن فقد التزم شيخنا (قدس) بعد بيان أصل المطلب ، بالتنبيه على أن هذا الجزء من المطلب يستفاد من قوله كذا مطابقة أو التزاما أو تضمنا وذاك الجزء يدل عليه قوله كذا وهكذا ، وهذا من الأمور المهمة جدا بالنسبة إلى الدارس فإنه قد يقرأ توضيحا لفكرة في شرح إلا إنه لا يعرف كيف استخرج ذلك من عبارة المتن ، والمفروض بالدارس أن لا يقنع بأن يقدم إليه فكرة منسوبة إلى صاحب الكفاية (قدس) من دون أن يعرف

٨

كيف استفيدت من العبارة ، ولهذا يتكرر في الكتاب كثيرا قوله (وقد أشار إلى ذلك بقوله ...) أو (ولذا قال (قدس) كذا ...) وقد التزم شيخنا (قدس) بذلك في جميع هذا الشرح تقريبا عدا الموارد التي لا تحتاج إلى ذلك لوضوحها.

والانصاف أنه يمكن اعتبار ما ذكرناه من مختصات هذا الشرح في حدود علمي.

مع المؤلف

ولد شيخنا المؤلف (قدس) سنة ١٣٢٢ ه‍ / ١٩٠٤ م ونشأ في بيئة علمية فأسرته من الأسر العلمية العريقة في النجف الأشرف.

دخل في صباه المدرسة الإيرانية في النجف الأشرف وتسنى له أن يلمّ باللغة الفارسية إلماما جيدا ، ثم انخرط بعد ذلك في الدراسة الحوزوية متدرجا في مراحلها الثلاثة (المقدمات ، السطوح ، بحث الخارج) وقد تتلمذ في كل واحدة من هذه المراحل عند أبرز الأساتذة المعروفين في الأوساط العلمية مثل الشيخ قاسم محي الدين والشيخ محمد طه الكرمي الحويزي في مرحلة المقدمات ، والشيخ أبي الحسن المشكيني صاحب الحاشية على الكفاية والميرزا فتاح الشهيدي صاحب الحاشية على المكاسب والميرزا علي الايرواني صاحب الحاشية على المكاسب والشيخ عبد الرسول الجواهري في مرحلة السطوح ، والمحقق العراقي والفقيه الشيخ محمد رضا آل ياسين ـ وقد حضر بحثه الفقهي مدة طويلة وكان من خواصه ـ والمحقق الاصفهاني ـ الذي حضر عليه فقها وأصولا مدة تزيد على ستة عشر سنة وانطبع بآرائه العلمية واختص به ـ وغيرهم ، وهؤلاء من أعلام الحركة العلمية في حوزة النجف الأشرف.

٩

حصل على إجازة الاجتهاد من أساتذته المحقق العراقي والمحقق الاصفهاني وكذا من المرجع المعروف السيد أبو الحسن الاصفهاني ، وقد ورد في إجازة المحقق العراقي ما يلي : «إنّ جناب العالم العامل ، والورع الكامل ركن الإسلام والمسلمين الشيخ محمد طاهر حفيد الحجة شيخ الأساتذة الأعظم الشيخ راضي (قدس) ، ممن أجهد نفسه في تحصيل العلوم الدينية وتكميل المعارف حتى فاز بما أراد ، وبلغ مرتبة الاجتهاد وله العمل بما يستنبطه من الفروع الشرعية ويحرم عليه التقليد فيما اجتهد ، فلله دره وأجزته أن يروي عني كل ما صحت لي روايته» كتبت هذه الإجازة بتاريخ ٢٦ / جمادى الاولى / ١٣٥٧ ه‍. (١)

ومما جاء في إجازة المحقق الاصفهاني : «إن العالم المؤيد والفاضل المسدد صفوة الأعلام ومصباح الظلام وملاذ الإسلام البدر الزاهر جناب الشيخ محمد طاهر حفيد شيخ الطائفة الشيخ راضي (قدس) ممن صرف عمره الشريف في تحصيل قواعد الدين الحنيف حتى فاز ـ ولله الحمد ـ بالمراد وحاز درجة الاجتهاد ، فله دام علاه العمل بما يستنبطه من الأحكام ، وقد أجزته أن يروي عني كل ما تصح روايته ...» كتبت بتاريخ ٩ / جمادى الثاني / ١٣٥٨ ه‍. (٢)

وأما إجازة الفقيه السيد أبو الحسن الاصفهاني فقد جاءت كتعليقة على إجازة المحقق العراقي فقد كتب ما نصه : «قد صدر من أهله في محله». (٣)

وتكشف هذه الإجازات الصادرة من أساتذة الفن وأعلام الحوزة عن مقامه العلمي وعن وصوله إلى درجة الاجتهاد في زمن مبكّر

__________________

١ ، ٢ ، ٣) معارف الرجال ج ١ ص ٣١٣ الهامش.

١٠

نسبيا فقد حصل عليها وعمره ٣٥ أو ٣٦ سنة وذلك بملاحظة تاريخ الإجازات وتاريخ ولادته.

درس الفلسفة وقرأ مصادرها وتوغل في فهم أسرارها وله آثار متفرقة في هذا المجال طبع بعضها باسمه والأخرى باسم غيره.

له (قدس) من المؤلفات غير هذا الكتاب :

١ ـ تقريرات درس أستاذه الفقيه الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس).

٢ ـ تقريرات درس أستاذه المحقق الاصفهاني (قدس).

٣ ـ شرح المختصر النافع للمحقق الحلي ، وهذا شرح استدلالي لاحظت بعض مسوداته عنده.

٤ ـ تعليقته على مكاسب الشيخ الأنصاري. وغير ذلك مما ذكره مترجموه.

كان رحمه‌الله يعدّ في الطليعة من شعراء النجف الأشرف يملك قريحة شعرية رائعة وإن كان قليل الاستخدام لها ، نشرت له قصائد تكشف عن قدرة وبراعة في هذا المجال ، يغلب على شعره طابع الفلسفة والعرفان وولاء أهل البيت (ع).

حدثني المرحوم الشيخ الوائلي الخطيب المعروف قال : طلب مني المرحوم الشيخ محمد طاهر أن أرافقه لزيارة بعض العلماء القادمين إلى النجف فذهبنا ولم نجده في بيته قال : فارتجل المرحوم بيتين بهذه المناسبة وطلب مني كتابتهما وتركهما في البيت وهما :

لقد هزّني شوق إليك وإنني

وعينيك عما يقتضي الشوق عاجز

ولكنّ سلطان المحبة جائر

يكاد إذا يدعو تلبي الجنائز

وأحبّ أن أشير هنا إلى اطلاعه الواسع على مختلف العلوم بل تبحره في بعضها كالفلسفة والتاريخ والأدب الفارسي والعربي وتراجم العلماء

١١

وأحوالهم وعلم الكلام مما جعل مجالسه وأحاديثه ممتعة ونافعة فلا يخرج من حضر مجلسه إلّا بفائدة دينية أو علمية أو أدبية.

انتقل إلى رحمته تعالى سنة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٧٦ م وشيع تشييعا فخما ودفن في مقبرة الأسرة في النجف الأشرف ، وكان (قدس) قد أنشأ بيتين من الشعر أوصى أن يكتبا على كفنه وهما يعبران عن ولائه الصادق لآل البيت (ع) وحبه لهم وهما :

ولست بمبد للجليل إجابة

متى قيل لي دين عليك فأدّه

سوى أنني رق لآل محمد (ص)

وقد يضمن المولى جريرة عبده

وختاما أتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة حجة الإسلام السيد محمد عبد الحكيم البكاء الذي تفضل مشكورا بتحمل مسئولية إحياء هذا التراث وإخراجه من مسوداته الخطية إلى مرحلة الطباعة باذلا جهده في التصحيح والتحقيق والإشراف على الطباعة فله من الله سبحانه وتعالى الأجر ومنّا جزيل الشكر.

ولا يسعني في هذا المقام إلّا أن أنوّه بالأستاذ الفاضل الدكتور محسن الشيخ راضي الذي يعود إليه الفضل في حفظ مسودات الكتاب بنقلها إلى أماكن أمينة ثم بكتابة عدة نسخ مطبوعة على الآلة الطابعة خوفا عليه من التلف والضياع ، وكذا الاهتمام بطباعته وإخراجه بالشكل المناسب فلله درّه وعليه أجره.

محمد هادي آل الشيخ راضي

١ / رجب / ١٤٢٦

١٢

١٣

١٤

١٥