تفسير غريب القرآن

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير غريب القرآن

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ إبراهيم محمّد رمضان
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

سورة البقرة

١ ـ (الم) قد ذكرت تأويله وتأويل غيره ـ من الحروف المقطعة ـ في كتاب : «المشكل».

٢ ـ (لا رَيْبَ فِيهِ) : لا شكّ فيه.

(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أي : رشدا لهم إلى الحق.

٣ ـ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) أي : يصدقون بإخبار الله ـ عزوجل ـ عن الجنة والنار ، والحساب والقيامة ، وأشباه ذلك.

(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي : يزكّون ويتصدقون.

٥ ـ (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) : من الفلاح ، وأصله البقاء. ومنه قول عبيد :

أفلح بما شئت ، فقد يبلغ

بالضعف ، وقد يخدع الأريب

أي : ابق بما شئت من كيس أو غفلة.

فكأنه قيل للمؤمنين : مفلحون ، لفوزهم بالبقاء في النعيم المقيم. هذا هو الأصل. ثم قيل ذلك لكل من عقل وحزم ، وتكاملت فيه خلال الخير.

٤١

عليها. والخاتم بمنزلة الطّابع. وإنما أراد : أنه أقفل عليها وأغلقها ، فليست تعي خيرا ولا تسمعه. وأصل هذا : أن كلّ شيء ختمته ، فقد سددته وربطته.

ثم قال عزوجل : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) ابتداء. وتمام الكلام الأول عند قوله : (وَعَلى سَمْعِهِمْ).

والغشاوة : الغطاء. ومنه يقال : غشّه بثوب ، أي : غطّه. ومنه قيل : عاشية السّرج ، لأنها غطاء له. ومثله قوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [سورة الأعراف آية ٤١].

* * *

٩ ـ وقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ، يريد : إنهم يخادعون المؤمنين بالله فإذا خادعوا المؤمنين : فكأنهم خادعوا الله. وخداعهم إيّاهم ، قولهم لهم إذا لقولهم : قالوا : (آمَنَّا ، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ). أي : مردتهم ، قالوا : (إِنَّا مَعَكُمْ ، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ). [سورة البقرة آية ١٤]. وما يخادعون إلّا أنفسهم : لأن وبال هذه الخديعة وعاقبتها راجعة عليهم ، وهم لا يشعرون.

١٠ ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : شك ونفاق. ومنه يقال : فلان يمرّض في الوعد وفي القول ، إذا كان لا يصححه ، ولا يؤكده.

١٣ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) يعني : المسلمين ، (قالُوا : أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟!) أي : الجهلة ومنه يقال : سفه فلان رأيه ، إذا جهله. ومنه قيل [للبذاء] سفه ، لأنه جهل.

١٥ ـ (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ). [سورة التوبة آية] ، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء جزاء النسيان. وقد ذكرت هذا وأمثاله في كتاب «المشكل».

٤٢

ومثله قوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [سورة التوبة آية : ٦٧] : أي جازاهم جزاء النسيان. وقد ذكرت هذا وأمثاله في كتاب «المشكل».

(وَيَمُدُّهُمْ) أي : يتمادى بهم ، ويطيل لهم.

(فِي طُغْيانِهِمْ) أي : في عتوّهم وتكبّرهم. ومنه قوله : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) [سورة الحاقة آية : ١١] ، أي : علا.

(يَعْمَهُونَ) : يركبون رؤوسهم فلا يبصرون. ومثله قوله : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى؟ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الملك آية : ٢٢].

يقال : رجل عمه وعامه ، أي : جائر [عن الطريق]. وأنشد أبو عبيدة :

ومهمه أطرافه في مهمه

أعمى الهدى بالجاهلين العمّه

١٦ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي استبدلوا. وأصل هذا : أن من اشترى شيئا بشيء ، فقد استبدل منه.

(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) والتجارة لا تربح ، وإنما يربح فيها. وهذا على المجاز.

ومثله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) [سورة محمد آية : ٢١] ، وإنما يعزم عليه. وقد ذكرت هذا وأشباهه في كتاب «المشكل».

١٧ ـ و (الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) أي : أوقدها.

١٩ ـ والصيب (١) : المطر ، «فيعل» من «صاب يصوب» : إذا

__________________

(١) أخرج ابن جرير من طريق السدي الكبير عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد

٤٣

نزل من السماء.

٢٠ ـ (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) : يذهب بها. وأصل الاختطاف : [الاستلاب] ، يقال : اختطف الذئب الشاة من الغنم. ومنه يقال لما يخرج به الدّلو : خطّاف ، لأنه يختطف ما علق به. قال النابعة :

خطاطيف حجن في حبال متينة

تمدّ بها أيد إليك نوازع

والحجن : المتعقّفة.

وهذا مثل ضربه الله للمنافقين ، وقد ذكرته في كتاب «المشكل» وبينته.

٢٢ ـ (أَنْداداً) أي : شركاء أمثالا. يقال : هذا ندّ هذا ونديده ، (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي : تعقلون.

٢٣ ـ (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) أي : ادعوهم ليعاونوكم على سورة مثله. ومعنى الدعاء هاهنا الاستغاثة. ومنه دعاء الجاهلية ودعوى الجاهلية ، وهو قولهم : يا آل فلان ، إنما هو استغاثتهم.

وشهداؤهم من دون الله : آلهتهم ، سموا بذلك لأنهم يشهدونهم ويحضرونهم.

٢٤ ـ (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ) أي : حطبها. والوقود : الحطب ، بفتح الواو. والوقود بضمها : توقدها.

(وَالْحِجارَةُ) قال المفسرون : حجارة الكبريت.

__________________

شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا إلى ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا ، فأتيا مكانهما يمشيان فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده ، فأسلما ووضعا أيدهما في يده وحسن إسلامهما. فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة.

٤٤

٢٥ ـ (جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، ذهب إلى شجرها ، لا إلى أرضها. لأن الأنهار تجري تحت الشجر.

(كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا : هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) أي : كأنّه ذلك لشبهه به.

(وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) أي : يشبه بعضه بعضا في المناظر دون الطعوم.

(وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من الحيض والغائط والبول وأقذار بني آدم.

* * *

٢٦ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما : بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (١) لما ضرب الله المثل بالعنكبوت في سورة العنكبوت ، وبالذباب في سورة الحج ـ قالت اليهود : ما هذه الأمثال التي لا تليق بالله عزوجل؟! فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها). من الذباب والعنكبوت.

وكان أبو عبيدة [رحمه‌الله] يذهب إلى أن «فوق» هاهنا بمعنى «دون» على ما بينا في كتاب «المشكل».

فقالت اليهود : ما أراد الله بمثل ينكره الناس فيضلّ به فريق ويهتدي به فريق؟ قال الله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).

٢٧ ـ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) يريد أن الله سبحانه أمرهم بأمور فقبلوها عنه ، وذلك أخذ الميثاق عليهم والعهد إليهم. ونقضهم ذلك. نبذهم إياه بعد القبول وتركهم العمل به.

__________________

(١) أخرج ابن جرير عن السدي بأسانيده : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) إلى قوله : (الْخاسِرُونَ).

٤٥

٢٨ ـ (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) يعني نطفا في الأرحام. وكلّ شيء فارق الجسد من شعر أو ظفر أو نطفة فهو ميتة.

(فَأَحْياكُمْ) في الأرحام وفي الدنيا.

(ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في البعث. ومثله قوله حكاية عنهم : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) [سورة غافر آية : ١١] فالميتة : الأولى إخراج النطفة وهي حية من الرجل ، فإذا صارت في الرحم فهي ميتة ، فتلك الإماتة الأولى. ثم يحييها في الرحم وفي الدنيا ، ثم يميتها ثم يحييها يوم القيامة.

٢٩ ـ (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) عمد لها. وكلّ من كان يعمل عملا فتركه بفراغ أو غير فراغ وعمد لغيره ، فقد استوى له واستوى إليه.

وقوله : (فَسَوَّاهُنَ) ذهب إلى السماوات السبع.

٣٠ ـ وقوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) أراد : وقال ربك للملائكة. و «إذ» تزاد والمعنى إلقاؤها على ما بينت في كتاب «المشكل».

(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) يرى أهل النظر من أصحاب اللغة : أن الله جل وعزّ قال : إني جاعل في الأرض خليفة يفعل ولده كذا ويفعلون كذا. فقالت : الملائكة : أتجعل فيها من يفعل هذه الأفاعيل؟ ولو لا ذلك ما علمت الملائكة في وقت الخطاب أن خليفة الله يفعل ذلك. فاختصر الله الكلام على ما بينت في كتاب «المشكل».

٣١ ـ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) يريد أسماء ما خلق في الأرض ، (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) أي عرض أعيان الخلق عليهم (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ).

٤٦

٣٥ ـ (وَكُلا مِنْها رَغَداً) أي رزقا واسعا كثيرا. يقال : أرغد فلان إذا صار في خصب وسعة.

٣٦ ـ (فَأَزَلَّهُمَا) من الزلل بمعنى استزلّهما ، تقول : زلّ فلان وأزللته. ومن قرأ : فأزالهما أراد نحّاهما ، من قولك : أزلتك عن موضع كذا أو أزلتك عن رأيك إلى غيره.

(بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) يعني الإنسان وإبليس ويقال : والحيّة (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) موضع استقرار.

(وَمَتاعٌ) ، أي متعة (إِلى حِينٍ) يريد إلى أجل.

٣٧ ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) أي قبلها وأخذها ، كأن الله أوحى إليه أن يستغفره ويستقبله بكلام من عنده ، ففعل ذلك آدم (فَتابَ عَلَيْهِ) وفي الحديث : أن رسول الله صلّى الله عليه سلم وعلى آله كان يتلقى الوحي من جبريل ، أي يتقبّله ويأخذه.

٣٨ ـ (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها) قال ابن عباس ـ في رواية أبي صالح عنه ـ : كما يقال : هبط فلان أرض كذا.

٤٠ ـ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أي أوفوا لي بما قبلتموه من أمري ونهيي (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أي أوف لكم بما وعدتكم على ذلك من الجزاء.

* * *

٤٤ ـ (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (١) أي وتتركون

__________________

(١) أخرج الواحدي والثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة ، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين : أثبت على الدين الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل فإن أمره حق ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.

٤٧

أنفسكم ، كما قال : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [سورة التوبة آية : ٦٧] أي تركوا الله فتركهم.

٤٥ ـ (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) أي بالصوم. في قول مجاهد رحمه‌الله. ويقال لشهر رمضان : شهر الصبر ، وللصائم صابر. وإنما سمّي الصائم صابرا لأنه حبس نفسه عن الأكل والشرب. وكلّ من حبس شيئا فقد صبره. ومنه المصبورة التي نهي عنها ، وهي : البهيمة تجعل غرضا وترمى حتى تقتل.

وإنما قيل للصابر على المصيبة صابر لأنه حبس نفسه عن الجزع.

* * *

٤٦ ـ (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي يعلمون. والظن بمعنيين : شك ويقين ، على ما بينا في كتاب «المشكل».

٤٧ ـ (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي على عالمي زمانهم. وهو من العام الذي أريد به الخاصّ.

* * *

٤٨ ـ (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أي لا تقضي عنها ولا تغني. يقال : جزى عني فلان بلا همز ، أي ناب عني. وأجزأني كذا ـ بالألف في أوله والهمز ـ أي كفاني.

(وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) أي فدية قال : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [سورة الأنعام آية : ٧٠] أي إن تفتد بكل شيء لا يؤخذ منها.

وإنما قيل للفداء : عدل لأنه مثل للشيء ، يقال : هذا عدل هذا وعديله. فأمّا العدل ـ بكسر العين ـ فهو ما على الظهر.

* * *

٤٩ ـ (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) قال أبو عبيدة : يولونكم أشد

٤٨

العذاب. يقال : فلان يسومك خسفا ، أي يوليك إذلالا واستخفافا.

(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي في إنجاء الله إياكم من آل فرعون نعمة عظيمة.

والبلاء يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل».

٥٠ ـ (وآل فرعون) أهل بيته وأتباعه وأشياعه. وآل محمد أهل بيته وأتباعه وأشياعه. قال الله عزوجل : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [سورة غافر آية : ٤٦].

٥٤ ـ (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) أي خالقكم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي ليقتل بعضكم بعضا ، على ما بينت في كتاب «المشكل».

وقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي ففعلتم فتاب عليكم. مختضر.

٥٥ ـ (نَرَى اللهَ جَهْرَةً) أي علانية ظاهرا ، لا في نوم ولا في غيره.

(فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) أي الموت. يدلك على ذلك قوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) [سورة البقرة آية : ٥٦]. والصاعقة تتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب «المشكل».

٥٧ ـ (الْغَمامَ) : السحاب. سمّي بذلك لأنه يغمّ السماء أي يسترها. وكلّ شيء غطيته فقد غممته. ويقال : جاءنا بإناء مغموم. أي مغطى الرأس.

وقيل له : سحاب بمسيره ، لأنه كأنه ينسحب إذا سار.

(الْمَنَ) يقال : هو الطّرنجبين.

(وَالسَّلْوى) : طائر يشبه السّماني لا واحد له (وَما ظَلَمُونا) أي : ما نقصونا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي : ينقصون.

والظلم يتصرّف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل».

٤٩

٥٨ ـ وقوله : (وَقُولُوا : حِطَّةٌ) (١) رفع على الحاكية. وهي كلمة أمروا أن يقولوها في معنى الاستغفار ، من حططت. أي حطّ عنّا ذنوبنا.

٥٩ ـ (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) أي قيل لهم : قولوا : حطّة فقالوا : حطّا سمقاتا ، يعني حنطة حمراء.

و (الرِّجْزُ) : العذاب.

٦٠ ـ (وَلا تَعْثَوْا) من عثى. ويقال أيضا من عثا ، وفيه لغة أخرى عاث يعيث. وهو أشد الفساد.

وكان بعض الرواة ينشد بيت ابن الرّقاع :

لو لا الحياء وأنّ رأسي قد عنا

فيه المشيب لزرت أمّ القاسم

وينكر على من يرويه : «عسا». وقال : كيف يعسو الشيب وهو إلى أن يرقّ في كبر الرجل ويلين ، أقرب منه إلى أن يغلظ ويعسو أو يصلب؟ واحتج بقول الآخر :

وأنبتت هامته المرعزى

يريد أنه لما شاخ رقّ شعره ولان ، فكأنه مرعزى [والمرعزى] : نبت أبيض].

٦١ ـ (والفوم) فيه أقاويل : يقال : هو الحنطة ، والخبز جميعا. قال الفراء : هي لغة قديمة يقول أهلها : فوّموا ، أي : اختبزوا. ويقال الفوم الحبوب.

ويقال : هو الثوم. والعرب تبدل الثاء بالفاء فيقولون جدث وجدف. والمغاثير والمغافير. وهذا أعجب الأقاويل إليّ ، لأنها في مصحف عبد

__________________

(١) أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم قال : «قيل بني إسرائيل (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) ، فدخلوا يزحفون على أستاهم مبذلوا وقالوا : حطة حبة في شعرة.

٥٠

الله : «وثومها».

(وَباؤُ بِغَضَبٍ) أي رجعوا. يقال : بؤت بكذا فأنا أبوء به. ولا يقال : باء بالشيء.

٦٢ ـ (الَّذِينَ هادُوا) (١) هم : اليهود.

و (الصَّابِئِينَ) قال قتادة : هم قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون [إلى] القبلة ، ويقرأون الزّبور.

وأصل الحرف من صبأت : إذا خرجت من شيء إلى شيء ومن دين إلى دين. ولذلك كانت قريش تقول في الرجل إذا أسلم واتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله : قد صبأ فلان ـ بالهمز ـ أي خرج عن ديننا إلى دينه.

* * *

٦٣ ـ و (الطُّورَ) : الجبل. ورفعه فوقهم مبين في سورة الأعراف.

٦٥ ـ (اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) أي ظلموا وتعدّوا ما أمروا به من ترك الصيد في يوم السبت.

(فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي : مبعدين. يقال : خسأت فلانا عني وخسأت الكلب. أي : باعدته. ومنه يقال للكلب : اخسأ ، أي : تباعد.

* * *

٦٦ ـ (فَجَعَلْناها نَكالاً) أي : قرية أصحاب السبت. نكالا : أي عبرة لما بين يديها من القرى ، وما خلفها ليتعظوا بها.

ويقال : لما بين يديها من ذنوبهم ، وما خلفها ، من صيدهم الحيتان

__________________

(١) أخرج ابن أبي حاتم والعدني في مسنده من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : قال سلمان : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكرت من صلاتهم وعبادتهم فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا).

٥١

في السبت. وهو قول قتادة. والأول أعجب إليّ.

٦٨ ـ (لا فارِضٌ) أي : لا مسنّة. يقال : فرضت البقرة فهي فارض ، إذا أسنّت. قال الشاعر :

يا ربّ ذي ضغن وضب فارض

له كقروء قروء الحائض

أي ضغن قديم.

(وَلا بِكْرٌ) أي ولا صغيرة لم تلد ، ولكنها (عَوانٌ) بين تينك. ومنه يقال في المثل : «العوان : لا تعلّم الخمرة». يراد أنها ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تختمر.

٦٩ ـ (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) أي ناصع صاف.

وقد ذهب قوم إلى أن الصفراء : السوداء. وهذا غلط في نعوت البقر. وإنما يكون ذلك في نعوت الإبل. يقال : بعير أصفر ، أي أسود. وذلك أن السّود من الإبل يشوب سوادها صفرة. قال الشاعر :

تلك خيلي منه وتلك ركابي

هنّ صفر أولادها كالزّبيب

أي سود.

ومما يدلك على أنه أراد الصفرة بعينها ـ قوله «فاقع لونها» والعرب لا تقول : أسود فاقع ـ فيما أعلم ـ إنما تقول : أسود حالك ، وأحمر قاني. وأصفر فاقع.

* * *

٧١ ـ (لا ذَلُولٌ) يقال في الدّواب : دابّة ذلول بيّنة الذل ـ بكسر الذال وفي الناس : رجل ذليل بيّن الذّل. بضم الذال.

(تُثِيرُ الْأَرْضَ) أي تقلّبها للزراعة. ويقال للبقرة : المثيرة. (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي لا يسنى عليها فيستقي بها الماء لسقي الزرع. (مُسَلَّمَةٌ) من العمل.

٥٢

(لا شِيَةَ فِيها) أي : لا لون فيها يخالف معظم لونها ـ كالقرحة ، والرثمة ، والتحجيل ، وأشباه ذلك.

والشّية : مأخوذة من وشيت الثوب فأنا أشيه وهي من المنقوص أصلها وشية. مثل زنة ، وعدة.

* * *

٧٢ ـ (فَادَّارَأْتُمْ فِيها) اختلفتم. والأصل : تدارأتم. فأدغمت التاء في الدال ، وأدخلت الألف ليسلم السكون للدال الأولى. يقال : كان بينهم تدارؤ في كذا. أي اختلاف. ومنه قول القائل في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان شريكي فكان خير شريك : لا يماري ولا يداري» أي لا يخالف.

* * *

٧٣ ـ (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) أي اضربوا القتيل ببعض البقرة. قال بعض المفسرين : فضربوه بالذّنب. وقال بعضهم : بالفخذ فحيي.

٧٤ ـ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) أي اشتدت وصلبت.

٧٨ ـ (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) أي لا يعلمون الكتاب إلّا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء ، فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو كذب. ومنه قول عثمان ـ رضي الله عنه ـ : «ما تغنّيت ولا تمنّيت» أي ما اختلقت الباطل.

وتكون الأمانيّ : التّلاوة. قال الله عزوجل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) يريد إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.

يقول : فهم لا يعلمون الكتاب إلّا تلاوة ولا يعلمون به ، وليسوا كمن يتلوه حقّ تلاوته : فيحلّ حلاله ويحرّم حرامه ، ولا يحرفه عن مواضعه.

* * *

٧٩ ـ (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ

٥٣

اللهِ) (١) أي يزيدون في كتب الله ما ليس منها ، لينالوا بذلك غرضا حقيرا من الدنيا.

* * *

٨٠ ـ (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) (٢) قالوا : إنما نعذّب أربعين يوما قدر ما عبد أصحابنا العجل.

(قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أي أتخذتم بذلك من الله وعدا؟.

* * *

٨٣ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) أمرناهم بذلك فقبلوه ، وهو أخذ الميثاق عليهم.

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وصّيناهم بالوالدين إحسانا. مختصر كما قال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [سورة الإسراء الآية : ٢٣] أي ووصى بالوالدين.

* * *

٨٤ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) أي لا يسفك بعضكم دم بعض.

__________________

(١) أخرج النسائي عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أهل الكتاب. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : نزلت في أحبار اليهود ، وجدوا صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكتوبة في التوراة : أكحل ، أعين ، ريعة ، جعد الشعر ، حسن الوجه ، فمحوه حسدا وبغيا وقالوا : نجده طويلا أزرق سبط الشعر.

(٢) أخرج الطبراني في الكبير وابن جرير وابن أبي حاتم عن طريق ابن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة يوهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الناس بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة فإن هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله في ذلك : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) إلى قوله (فِيها خالِدُونَ).

٥٤

(وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره ويغلبه عليها.

(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) أي ثمّ قبلتم ذلك وأقررتم به.

(وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) على ذلك.

* * *

٨٥ ـ (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) وقد بينت معنى هذه الآية في المشكل.

(تَظاهَرُونَ) تعاونون. والتّظاهر : التعاون. ومنه قوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) [سورة التحريم آية : ٤] أي تعاونا عليه. والله ظهير أي عون.

وأصل التّظاهر من الظّهر. فكأنّ التظاهر : أن يجعل كلّ واحد من الرجلين أو من القوم ، الآخر له ظهرا يتقوّى به ويستند إليه.

* * *

٨٧ ـ (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) أي أتبعناه بهم وأردفناه إيّاهم وهو من القفا مأخوذ. ومنه يقال : قفوت الرجل : إذا سرت في أثره.

* * *

٨٨ ـ (قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف. أي كأنّها في غلاف لا تفهم عنك ولا تعقل شيئا مما تقول. وهو مثل قوله : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) [سورة فصلت آية : ٥]. يقال : غلّفت السيف : إذا جعلته في غلاف ، فهو سيف أغلف. ومنه قيل لمن لم يختن : أغلف.

ومن قرأه (غلف). أراد جمع غلاف. أي هي أوعية للعلم.

* * *

٥٥

٨٩ ـ (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) يقول : كانت اليهود إذا قاتلت أهل الشرك استفتحوا عليهم ، أي استنصروا الله عليهم. فقالوا : اللهم انصرنا بالنّبي المبعوث إلينا. فلما جاءهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعرفوه كفروا به. والاستفتاح : الاستنصار.

* * *

٩٣ ـ (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) أي حبّ العلج.

٩٦ ـ (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) يعني اليهود.

(وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) يعني المجوس. وشركهم : أنهم قالوا بإلهين : النور والظلمة.

(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) أراد معنى قولهم لملوكهم في تحيتهم : «عش ألف سنة وألف نوروز».

(وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) أي بمباعده من العذاب طول عمره ، لأن عمره ينقضي وإن طال ، ويصير إلى عذاب الله.

__________________

(١) أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن ابن عباس قال : كانت يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلما التقوا هزموا يهود ، فعاذت يهود بهذا الدعاء : اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلّا نصرتنا عليهم ، فكانوا إذا التقوا دعوا ـ بهذا فيهزمون غطفان فلما بعث النبي عليه‌السلام كن دأبه.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا وكانوا يقولون فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء وداود بن سلمة : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته ، فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ...) الآية.

٥٦

٩٧ ـ (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) من اليهود. وكانوا قالوا : لا نتبع محمدا وجبريل يأتيه ، لأنّه يأتي بالعذاب.

(فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) يعني : فإن جبريل نزل القرآن (عَلى قَلْبِكَ).

* * *

١٠٠ ـ (نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) تركه ولم يعمل به.

* * *

١٠٢ ـ (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (١) أي ما ترويه الشياطين على ملك سليمان. والتلاوة والرواية شيء واحد. وكانت الشياطين دفنت سحرا تحت كرسيّه ، وقالت للناس بعد وفاته : إنما هلك بالحسر. يقول : فاليهود تتبع السحر وتعمل به.

(إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) أي اختبار وابتلاء.

(والخلاق) : الحظّ من الخير ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليؤيّدن الله هذا الدين بقوم لا خلاق لهم» أي لا حظّ لهم في الخير.

(شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي باعوها. يقال : شريت الشيء. وأنت تريد اشتريته وبعته. وهو حرف من حروف الأضداد.

* * *

__________________

(١) أخرج ابن جرير عن سقر بن حوشب قال : قالت اليهود : انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان مع الأنبياء ، أفما كان ساحرا يركب الريح ، فأنزل الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ...) الآية

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية أن اليهود سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زمانا عن أمور من التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلّا أنزل الله عليه ما سألوا عنه فيخصمهم ، فلما رأو ذلك قالوا : هذا أعلم بما أنزل إليمنا منا وأنهم سألوه عن السحر وخصاموه به فأنزل الله : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ).

٥٧

١٠٣ ـ (المثوبة) الثواب. والثواب والأجر : هما الجزاء على العمل.

* * *

١٠٤ ـ (لا تَقُولُوا راعِنا) (١) من «رعيت الرجل» : إذا تأمّلته ، وعرّفت أحواله. يقال : أرعني سمعك. وكان المسلمون يقولون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرعني سمعك. وكان اليهود يقولون : راعنا ـ وهي بلغتهم سب

لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرّعونة

ـ وينوون بها السبّ ، فأمر الله المؤمنين أن لا يقولوها ، لئلا يقولها اليهود ، وأن يجعلوا مكانها (انْظُرْنا) أي انتظرنا. يقال : نظرتك وانتظرتك بمعنى.

ومن قرأها «راعنا» بالتنوين ، أراد : اسما مأخوذا من الرّعن والرّعونة ، أي لا تقولوا : حمقا ولا جهلا.

* * *

١٠٦ ـ (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) (٢) أراد : أو ننسكها. من النسيان.

__________________

(١) أخرج ابن المنذر عن السدي قال : كان رجلان من اليهود ، مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالا وهما يكلمانه : راعنا سمعك واسمع غير مسمع فظن المسلمون أن هذا الشيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم ، فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا).

وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : راعنا بلسان اليهود السب القبيح فلما سمعوا أصحابه يقولون : أعلنوا بها له فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم فسمعها منهم سعد بن معاذ فقال لليهود : يا أعداء الله لئن سمعتها من رجل منكم بعد هذا المجلس لأضربن عنقه.

(٢) أخرج البخاري عن ابن عباس قال : قال عمر رضي الله عنه : أقرؤنا أبي وأقضانا علي

٥٨

ومن قرأها : «أو ننسأها». بالهمز. أراد : نؤخّرها فلا ننسخها إلى مدة. ومنه النّسيئة في البيع ، إنما هو : البيع بالتّأخير. ومنه النّسيء في الشهور ، إنما هو : تأخير تحريم «المحرّم».

(نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أي بأفضل منها. ومعنى فضلها : سهولتها وخفتها.

* * *

١٠٧ ـ (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي ضلّ عن وسط الطريق وقصده.

١١٤ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (١) نزلت في «الرّوم» حين ظهروا على «بيت المقدس» فخرّبوه. فلا يدخله أحد أبدا منهم إلّا خائف.

(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي هوان. ذكر المفسرون : أنه فتح مدينتهم رومية.

* * *

١١٥ ـ (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) (٢) نزلت في ناس من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله ، كانوا في سفر فعميت عليهم القبلة : فصلّى

__________________

وإنا لندع من قول أبي وذاك أن أبيا يقول : لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال الله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها).

وأخرج ابن أبي حاتم عن طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كان ربما ينزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي بالليل ونسيه بالنهار ، فأنزل الله : (ما نَنْسَخْ ...) الآية.

(١)

أخرج ابن أبي حاتم أن قريشا منعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام ، فأنزل الله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) الآية.

(٢) أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به وهو آت من مكة إلى المدينة. ثم قرأ ابن عمر : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وقال في هذا نزلت هذه الآية.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابني عباس أن

٥٩

ناس قبل المشرق ، وآخرون قبل المغرب. وكان هذا قبل أن تحوّل القبلة إلى الكعبة.

* * *

١١٦ ـ (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) : مقرّون بالعبودية ، موجبون للطاعة.

والقنوت يتصرف على وجوه قد بينتها في «تأويل المشكل».

١١٧ ـ (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : مبتدعهما.

١١٨ ـ (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) (١) : هلّا يكلمنا.

(تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) : في الكفر والفسق والقسوة.

١٢٣ ـ (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) هذا للكافر. فليس له شافع فينفعه ، ولذلك قال الكافرون : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [سورة الشعراء آية : ١٠١] حين رأوا تشفيع الله في المسلمين.

* * *

١٢٤ ـ (ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) (٢) أي اختبر الله إبراهيم بكلمات يقال : هي عشر من السّنّة.

(فَأَتَمَّهُنَ) أي عمل بهن كلّهن.

__________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صاحب إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا ، وكان يحب قبلة إبراهيم وكان يدعو الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فارتاب اليهود في ذلك قالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فأنزل الله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ).

(١) أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال : قال رافع بن خزيمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن كنت رسولا من الله كما تقول ، فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه ، فأنزل الله في ذلك : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ ...) الآية.

(٢) أخرج الحاكم عن ابن عباس قال : ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد ، في الرأس : قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد : تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء. (انظر المستدرك للحاكم ٢ / ٢٦٦).

٦٠