تفسير غريب القرآن

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير غريب القرآن

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ إبراهيم محمّد رمضان
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

سورة الزخرف

مكية كلها

٤ ـ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ) أي في اصل الكتب عند الله.

٥ ـ (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) أي نمسك عنكم فلا نذكركم صفحا ، اي إعراضا. يقال : صفحت عن فلان ، إذا أعرضت عنه. والأصل في ذلك : انك توليه صفحة عنقك. قال كثير يصف امرأة :

صفوحا فما تلقاك إلا بحيلة

فمن مل منها ذلك الوصل ملت

أي معرضة بوجهها.

ويقال : ضربت عن فلان كذا ، أي أمسكته وأضربت عنه.

(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) أي لأن كنتم قوما مسرفين.

١٣ ـ (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) اي مطيقين. يقال : انا مقرن لك ، اي مطيق لك.

ويقال : هو من قولهم : انا قرن لفلان ، إذا كنت مثله في الشدة.

وإن فتحت. فقلت : انا قرن لفلان. ـ أردت : انا مثله في السن.

١٥ ـ (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) أي نصيبا.

٣٤١

ويقال : شبها ومثلا ، إذ عبدوا الملائكة والجن.

وقال ابو إسحاق [الزجاج] : «إن معنى (جزأ) هاهنا : بنات. يقال : له جزء من عيال ، اي بنات».

قال : «وانشدني بعض اهل اللغة بيتا يدل على ان معنى «جزء» معنى «إناث» ـ قال : ولا ادري : البيت قديم؟ أم مصنوع؟ ـ :

إن أجزأت حرة يوما ، فلا عجب

قد تجزي الحرة المذكار أحيانا

فمعنى «إن أجزأت» أي آنثت ، اي أتت بأنثى».

وقال المفضل بن سلمة : «حكي لي بعض اهل اللغة : أجزأ الرجل ، إذا كان يولد له بنات. وأجزأت المرأة : إذا ولدت البنات». وانشد المفضل :

زوجتها من بنات الأوس مجزئة

للعوسج اللدن في أبياتها زجل

١٧ ـ [(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) يريد] : جعلتهم البنات لله : وأنتم إذا ولد لأحدكم بنت ، (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا ، وَهُوَ كَظِيمٌ) أي حزين؟!.

١٨ ـ (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ؟) اي ربي في الحلي ، يعني : البنات.

و (الْخِصامِ) : جمع «خصيم». ويكون مصدرا ل «خاصمت».

(غَيْرُ مُبِينٍ) للحجة.

١٩ ـ (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) اي عبيده يقال : عبد وعبيد وعباد (١).

٢٢ و ٢٣ ـ (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) أي على دين واحد.

__________________

(١) أخرج ابن المنذر عن قتادة قال : قال ناس من المنافقين إن الله صاهر الجن فخرجت من بينهم الملائكة فنزل فيهم : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً).

٣٤٢

٢٨ ـ (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) يعني : «لا إله إلا الله».

٣٣ ـ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) اي كفارا كلهم.

و (الْمَعارِجِ) : الدرج. يقال : عرج ، اي صعد. ومنه «المعراج» ، كأنه سبب إلى السماء او طريق.

(عَلَيْها يَظْهَرُونَ) أي يعلون. يقال : ظهرت على البيت ، إذا علوت سطحه.

٣٥ ـ (والزخرف) : الذهب.

٣٦ ـ (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) اي يظلم بصره. هذا قول ابي عبيدة (١).

قال الفراء : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) اي يعرض عنه. ومن قرأ : (وَمَنْ يَعْشُ) بنصب الشين أراد : [من] يعم عنه. وقال في موضع آخر : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) [سورة الكهف آية ١٠١].

ولا أرى القول إلا قول أبي عبيدة. ولم ار أحدا يجيز «عشوت عن الشيء» : أعرضت عنه ، إنما يقال : «تعاشيت عن كذا» ، اي تغافلت عنه ، كأني لم أره. ومثله : «تعاميت».

والعرب تقول : «عشوت الى النار» : إذا استدللت إليها ببصر ضعيف (٢) قال الخطيئة :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار ، عندها خير موقد

__________________

(١) قال الطبري : ومن يعرض عن ذكر الله ولا ينظر في حججه إلّا نظرا ضعيفا كنظر من عشي بصره فنجعل له شيطانا.

(٢) كما قاله ابن عباس وعكرمة.

٣٤٣

ومنه حديث ابن المسيب : «ان إحدى عينيه ذهبت ، وهو يعشو بالأخرى» ، اي يبصر بها بصرا ضعيفا.

٤٤ ـ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) اي شرف لكم ، يعني القرآن (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) عن الشكر عليه.

٤٥ ـ (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) أي سل من أرسلنا إليه رسولا ـ من رسلنا ـ قبلك ، يعني : اهل الكتاب.

٥٢ ـ (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) قال ابو عبيدة : «أراد : بل انا خير».

وقال الفراء : «أخبرني بعض المشيخة : أنه بلغه القراء قرأ : اما أنا خير. وقال لي هذا الشيخ : لو حفظت الأثر لقرأت به ، وهو جيد في المعنى».

٥٥ ـ (فَلَمَّا آسَفُونا) اي أغضبونا. و «الأسف» : الغضب. يقال : اسفت آسف أسفا ، اي غضبت.

٥٦ ـ (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) : قوما تقدموا ، (وَمَثَلاً) : عبرة.

وقرأها الأعرج : سلفا ، كأن واحدته : «سلفة» [اي عصبة وفرقة متقدمة] من الناس ، مثل القطعة. تقول : تقدمت سلفة من الناس.

وقرئت : (سَلَفاً) ، كما قيل : خشب وخشب ، وثمر وثمر. ويقال : هو جمع «سليف». وكله من التقدم.

٥٧ ـ (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) : يضجون. يقال : صددت أصدّ صدّا ، إذا ضججت.

و «التّصدية» منه ، وهو : التصفيق. والياء فيه مبدلة من دال ، كأن الأصل فيه : «صددت» بثلاث دالات ، فقبلت الأخرى ياء ، فقالوا :

٣٤٤

«صديت» كما قالوا : قصيت اظفاري ، والأصل : قصصت.

ومن قرأ : يصدون ، أراد : يعدلون ويعرضون.

٦١ ـ (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) أي نزول المسيح ـ عليه‌السلام ـ يعلم به قرب الساعة ومن قرأ : (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) فإنه يعني العلامة والدليل.

٧٠ ـ (تُحْبَرُونَ) اي تسرون. و «الحبرة» : السرور.

٧١ ـ (الأكواب) : الأباريق لا عرى لها ، ويقال : ولا خراطيم. واحدها : «كوب».

٧٥ ـ (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) اي يائسون من رحمة الله.

٧٩ ـ (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) اي أحكموه.

٨١ ـ (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي : أول من عبده بالتوحيد.

ويقال : (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : أول الآنفين الغضاب. يقال : عبدت من كذا أعبد عبدا ، فأنا عبد وعابد. قال الشاعر :

وأعبد ان تهجي تميم بدارم

أي : آنف.

٨٩ ـ (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) اي اعرض عنهم.

٣٤٥

سورة الدخان

مكية كلها

٤ ـ (يُفْرَقُ) أي يفصل.

١٠ ـ (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) اي بجدب ، يقال : «إن الجائع فيه كان يرى بينه وبين السماء دخانا ، من شدة الجوع».

ويقال : «بل قيل للجوع : دخان ليبس الأرض في سنة الجدب ، وانقطاع النبات ، وارتفاع الغبار. فشبه ما يرتفع منه بالدخان. كما قيل لسنة المجاعة : غبراء ، وقيل : جوع اغبر ، وربما وضعت العرب الدخان موضع الشر إذا علا ، فيقولون : كان بيننا امر ارتفع له دخان».

١٥ ـ (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) إلى شرككم. ويقال : إلى الآخرة.

١٦ ـ (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) يعني : يوم بدر.

٢٠ ـ (عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) أي تقتلون.

٢١ ـ (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أي دعوني كفافا لا عليّ ولا لي.

٢٤ ـ (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) أي ساكنا.

٢٩ ـ (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ ، وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) مبين في كتاب «تأويل المشكل».

٣٤٦

٣٣ ـ (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) أي نعم بينة عظام.

٣٥ ـ (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) اي بمحيين.

٤١ ـ (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) أي ولي عن وليه بالقرابة او غيرها.

٤٤ ـ (طَعامُ الْأَثِيمِ) اي طعام الفاجر.

٤٥ ـ (كَالْمُهْلِ) قد تقدم تفسيره.

٤٦ ـ و (الْحَمِيمِ) : الماء الحار.

٤٧ ـ (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) ، وتقرأ : واعتلوه

(خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) ، أي فردوه بالعنف. وتقرأ : (فَاعْتِلُوهُ) ، يقال : جيء بفلان يعتل إلى السلطان ، أي يقاد. (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) وسط النار.

أي يقاد. (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) وسط النار.

٥٣ ـ و (الإستبرق) : ما غلظ من الديباج. و (السندس) : ما رق منه.

٥٤ ـ (كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي قرناهم بهن.

ـ و [قوله] : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) ، مبين في كتاب «تأويل المشكل».

٥٩ ـ (فَارْتَقِبْ) اي انتظر ، (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) اي منتظرون.

٣٤٧

سورة الجاثية

مكية كلها

١٠ ـ (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) أي امامهم.

١٨ ـ (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ) أي على ملة ومذهب. ومنه يقال : شرعت لك كذا ، وشرع فلان في كذا : إذا أخذ فيه. ومنه «مشارع الماء» [وهي] : الفرض التي يشرع فيها الناس والواردة.

٢١ ـ (اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) أي اكتسبوها. ومنه قيل لكلاب الصيد : جوارح.

٢٤ ـ (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) : مرور السنين والأيام.

٢٨ ـ (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) : [باركة] على الركب. يراد : انها غير مطمئنة.

(تُدْعى إِلى كِتابِهَا) اي إلى حسابها.

٢٩ ـ (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) يريد : انهم يقرءونه فيدلهم ويذكرهم ، فكأنه ينطق عليهم.

(إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي نكتب (١).

__________________

(١) قال بذلك مجاهد أيضا.

٣٤٨

٣٢ ـ (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا ، وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) اي ما نعلم ذلك إلا ظنا وحدسا وما نستيقنه.

و «الظن» قد يكون بمعنى «العلم» قال : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) [سورة الكهف آية : ٥٣] ، وقال دريد :

فقلت لهم : ظنوا بألفي مدجج.

سراتهم في الفارسي المسرد

أي أيقنوا [بإتيانهم إياكم].

٣٣ ـ [قوله : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، هو مثل قوله] : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [سورة الزمر آية : ٤٧] ، يعيرون انهم عملوا في الدنيا أعمالا كانوا يظنون انها تنفعهم ، فلم تنفعهم مع شركهم.

٣٤ ـ (وَقِيلَ : الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) اي نترككم.

٣٤٩

سورة الأحقاف (١)

مكية كلها

٤ ـ (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) أي بقية من علم تؤثر عن الأولين (٢).

ويقرأ : (اثرة) ، اسم مبني على «فعلة» من ذلك. والأول على «فعالة».

٩ ـ (قُلْ : ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) اي بدءا منهم ولا اولا.

١٥ ـ (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً) أي مشقة ، (وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) أي مشقة.

(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (٣) قد ذكرناه فيما تقدم.

(قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي ألهمني. والأصل في «الإيزاع» : الإغراء بالشيء ، يقال : فلان موزع بكذا ومولع.

٢١ ـ (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) واحدها : «حقف» وهو من الرمل ما

__________________

(١) وتسمى أيضا سورة حم الأحقاف ، وقيل أنها مكية إلّا الآيات ١٠ / ١٥ / ٣٥ فمدنية وآياتها ٣٤ أو ٣٥.

(٢) قاله الطبري أيضا.

(٣) قال مجاهد وقتادة : سن الثالثة والثلاثون من العمر وفي الأربعين يكون نهاية اكتمال العقل والرشد ولذلك لم يبعث نبي قبل الأربعين.

٣٥٠

أشرف من كثبانه واستطال وانحنى (١).

٢٢ ـ (أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) : لتصرفنا.

٢٤ ـ (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً) و «العارض» : السحاب (٢).

٢٦ ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) أي : فيما لم نمكنكم (٣) (فيه) و «إن» بمعنى «لم».

ويقال : بل هي زائدة ، والمعنى : مكناهم فيما مكناكم فيه.

٢٨ ـ (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) أي اتخذوهم آلهة يتقربون بهم إلى الله.

٢٩ ـ (فَلَمَّا قُضِيَ) أي فرغ [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] من [قراءة القرآن و] تأويله (٤).

__________________

(١) وكانت منازل قوم هود الرمال العالية المستطيلة. (قاله الطبري).

(٢) قال الطبري : فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه فرأوه سحابا عارضا في ناحية السماء متجها نحو أوديتهم (قالوا هذا عارض ممطرنا).

(٣) قال الطبري : ولقد مكنا عادا فيما لم نمكنكم فيه يا أهل مكة من الدنيا وأعطيناهم الذي لم نعطكم منها من كثرة الأموال وبسطة الأجسام وشدة الأبدان.

(٤) أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن الجن هبطوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقراء القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا : أنصتوا وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) إلى قوله : (ضَلالٍ مُبِينٍ).

٣٥١

سورة محمد

مدنية كلها

١ ـ (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) : أبطلها و [أصل «الضلال» : الغيبوبة]. يقال ضل الماء في اللبن ، إذا [غاب] وغلب عليه ، فلم يتبين.

(كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي سترها ، (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) أي حالهم.

٤ ـ (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أي يضع اهل الحرب السلاح.

قال الأعشى :

وأعددت للحرب أوزارها

رماحا طوالا ، وخيلا ذكورا

ومن نسج داود يحدي بها

على أثر الحي ، عيرا فعيرا

وأصل «الوزر» ما حملته ، فسمي السلاح «أوزارا» لأنه يحمل.

٦ ـ (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) يقال في التفسير : «بينها لهم ، وعرفهم منازلهم منها».

وقال أصحاب اللغة. «عرفها لهم» : طيبها. يقال : طعام معرف ، أي مطيب. قال الشاعر :

فتدخل أيد في حناجر ، أقنعت

لعادتها من الخزير المعرف

٣٥٢

٨ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) من قولك : تعست ، أي عثرت وسقطت.

١١ ـ (مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي وليهم. (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) : لا ولي لهم.

١٢ ـ (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي منزل لهم.

١٣ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي كم من أهل قرية : (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) يريد : [اخرجك] أهلها.

١٥ ـ (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) أي غير متغير الريح والطعم و «الآجن» نحوه.

(وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أي : لذيذة. يقال : شراب لذّ ، إذا كان طبيبا.

١٨ ـ (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي هل ينظرون؟! (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) أي علاماتها.

(فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ؟) فكيف لهم منفعة الذكرى إذا جاءت ، والتوبة ـ حينئذ ـ لا تقبل؟!

٢٠ و ٢١ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا : لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ). هذا مفسر في كتاب «تأويل المشكل».

(فَأَوْلى لَهُمْ) وعيد وتهدد ، تقول للرجل ـ إذا أردت به سوءا ، ففاتك ـ : أولى لك.

ثم ابتدأ ، فقال : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ ...) قال قتادة : «يقول : لطاعة الله ، وقول بالمعروف ـ عند حقائق الأمور ـ خير لهم».

٢٥ ـ (سَوَّلَ لَهُمْ) : زين لهم ، (وَأَمْلى لَهُمْ) : أطال لهم الأمل.

٣٥٣

٣٠ ـ (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، في نحو كلامهم ومعناه.

٣٥ ـ (فَلا تَهِنُوا) أي لا تضعفوا. من «الوهن». (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي الصلح.

(وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) اي لن ينقصكم ، ولن يظلمكم. يقال : وثرثني حقي ، أي بخستنيه.

٣٧ ـ ([إِنْ يَسْئَلْكُمُوها] فَيُحْفِكُمْ) أي ان يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم. (تَبْخَلُوا) : يقال : احفاني بالمسألة والحف وألح.

٣٥٤

سورة الفتح (١)

مدنية كلها

١ ـ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (٢) أي قضينا لك قضاء عظيما. ويقال : للقاضي : الفتاح.

٤ ـ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) أي السكون والطمأنينة.

٩ ـ (وَتُعَزِّرُوهُ) أي تعظموه. وفي تفسير أبي صالح : تنصروه.

١٢ ـ (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي هلكي.

__________________

(١) أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبة من أولها إلى آخرها.

(٢) أخرج البخاري عن قتادة عن أنس رضي الله عنه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ، قال : الحديبية.

ورجح الإمام الطبري أن المراد بالفتح «صلح الحديبية» وهو ما اختاره أيضا ابن كثير لما ترتب عليه من الآثار العظيمة من بيعة الرضوان ومن الهدنة بينه وبين المشركين ومن دخول كثير من الناس في الإسلام وذهب بعض المفسرين إلى أنه فتح مكة لأنه هو الفتح الأكبر أن المعنى : سنفتح لك يا محمد فتحا مبينا بانتصارك على الكفار بفتح مكة.

وأخرج البخاري عن عبد الله بن مغفل قال : قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة سورة الفتح فرجع فيها قال معاوية : لو شئت أن أحكي لكم قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لفعلت.

٣٥٥

قال ابن عباس : «البور ـ في لغة أزد عمان ـ : الفاسد».

و «البور» ـ في كلام العرب ـ : لا شيء ، يقال : أصبحت أعمالهم بورا ، أي مبطلة. وأصبحت ديارهم بورا ، أي معطلة خرابا.

١٧ ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) أي إثم في ترك الغزو.

١٨ ـ و ١٩ ـ (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) أي جازاهم بفتح قريب ، (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها).

٢٠ ـ (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ) أي عن عيالكم ، ليكون كف ايدي الناس ـ اهل مكة ـ عن عيالهم ، (آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ).

٢١ ـ (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) : مكة.

٢٥ ـ (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً) أي محبوسا. يقال : عكفته عن كذا ، إذا حبسته ، ومنه : «العاكف في المسجد» إنما هو : الذي حبس نفسه فيه. (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) أي منحره.

(وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) ، مفسر في كتاب «التأويل».

٢٦ ـ (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) : قول «لا إله إلا الله».

٢٩ ـ (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) أي صفتهم.

ثم استأنف ، فقال : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ).

قال أبو عبيدة : «شطء الزرع : فراخه وصغاره ، يقال : قد أشطأ الزرع فهو مشطىء ، إذا أفرخ».

قال الفراء : «شطئه : السّنبل تنبت الحبة عشرا وسبعا وثمانيا».

(فَآزَرَهُ) أي أعانه وقواه ، (فَاسْتَغْلَظَ) أي غلظ ، (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) : جمع «ساق». [مثل دور ودار]. ومنه يقال : «قام كذا على سوقه

٣٥٦

وعلى السوق» ، لا يراد به السوق : التي يباع فيها ويشتري. إنما يراد : انه قد تناهي وبلغ الغاية ، كما ان الزرع إذا قام على السوق. فقد استحكم.

وهذا مثل ضربه الله للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : : إذ خرج وحده ، فأيده بأصحابه ، كما قوّى الطاقة من الزرع بما نبت منها ، حتى كثرت وغلظت واستحكمت.

٣٥٧

سورة الحجرات

مدنية كلها (١)

١ ـ (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي لا تقولوا قبل أن يقول رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. يقال : «فلان يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه» ، أي يعجل بالأمر والنهي دونه.

٢ ـ (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ، كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي لا ترفعوا أصواتكم عليه. كما يرفع بعضكم صوته على بعض (٢). (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) أي لئلا تحبط أعمالكم.

٣ ـ (امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أي اخصلها للتقوى.

٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) واحدها : «حجرة» ، مثل ظلمة وظلمات.

__________________

(١) أخرج البخاري وغيره من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : بل الأقرع بن جابس ، فقال أبو بكر : ما أرادت إلّا خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا).

(٢) روي أن بعض الأعراب الجفاة جاءوا إلى حجرات أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلوا ينادونه : يا محمد ، يا محمد أخرج إلينا ، فنزلت الآية.

٣٥٨

ويقرأ (حجرات) ، كما قيل : ركبات وينشد هذا البيت :

ولما رأونا باديا ركباتنا

على موطن لا نخلط الجد بالهزل

٧ ـ (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) من «العنب» وهو : الضرر والفساد.

٩ ـ (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي ترجع.

(وَأَقْسِطُوا) : اعدلوا.

١١ ـ (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين.

(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أي لا تتداعوا بها و «الألقاب» و «الأنبار» واحد.

ومنه قيل في الحديث : «قوم نبزهم الرافضة» ، أي لقبهم. وقوم ـ من اصحاب الحديث ـ يغيرون اللفظ.

١٣ ـ و (الشعوب) اكبر من القبائل ، مثل «مضر» و «ربيعة».

١٤ ـ (قُولُوا أَسْلَمْنا) ، أي استسلمنا من خوف السيف ، وأنقذنا.

(لا يَلِتْكُمْ) أي لا ينقصكم وهو من «لات يليت [ويلوت]».

ومنها لغة أخرى : «ألت يألت [التا]».

وقد جاءت اللغتان جميعا في القرآن ، قال : (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [سورة الطور آية : ٢١].

والقرآن يأتي باللغتين المختلفتين ، كقوله [سورة الفرقان آية : ٥ وسورة البقرة آية : ٢٨٢] في موضع : (تُمْلى عَلَيْهِ) ، وفي موضع آخر : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ). لا «ظا «لاز الشعوب».

٣٥٩

سورة ق (١)

٣ ـ (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) يريدون : البعث بعد الموت ، أي لا يكون.

٤ ـ (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ، أي تأكل من لحومهم إذا ماتوا.

٥ ـ (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ، اي مختلط. يقال : مرج امر الناس ، ومرج الدين.

وأصل «المرج» : ان يقلق الشيء ، فلا يستقر. يقال : مرج الخاتم في يدي مرجا ، إذا قلق من الهزال.

٦ ـ (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي صدوع. وكذلك قوله : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ؟!) [سورة الملك آية : ٣].

٧ ـ (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي من كل جنس حسن يبتهج به.

٩ ـ (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) أراد : والحب الحصيد ، فأضاف الحب إلى الحصيد. كما يقال : صلاة الأولى ، يراد : الصلاة الأولى. ويقال : مسجد الجامع ، يراد : المسجد الجامع.

__________________

(١) عن عطاء والحسن وعكرمة وجابر أنها مكية ، وروي عن ابن عباس وقتادة أنها مكية باستثناء الآية : ٣٨ فمدنية.

٣٦٠