البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-4-2
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٥٦٨

١
٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا

ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله

على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين

اما بعد ...

فلا يخفى على اهل الفن والفقهاء الكرام والاصوليين العظام أن مفتاح العلم لاستنباط الاحكام الشرعية هو العلم باصول الفقه ، وفي هذا الفن الشريف صنفت كتب قيّمة ولكن عميقها كتاب كفاية الاصول وهو الاثر الدائم للمرحوم الآخوند الخراساني وهو بحر عميق يستخرج الغواصون منه اللؤلؤ والمرجان وهو محور دروس الخارج في الحوزات العلمية وفي طول التاريخ صنفت عليه الشروح المتعددة وكل واحد منها حاو لابحاث منها ريح التحقيق تفوح ولكن من جملتها الشرح الذي ألّفه الشيخ علي العارفي المسمى ب (البداية في توضيح الكفاية) وقد أمعنت النظر فيه ووجدته حاويا لنكات وامثلة متنوعة بل وجدته قليل النظير وهو مفيد للطلاب والمحصلين زادهم الله توفيقا وأرجو من الله تعالى أن يزيد في توفيق المؤلف لما تجشمه من صعاب في تنظيم هذا الشرح الدقيق والتوضيح الشافي وأدعو الله ان يزيد من امثاله انه سميع مجيب ...

قم المقدسة

علي محمدي خراساني

٤

شكر وتقدير

لما كان الاعتراف بالجميل من

اقدس الواجبات وأوجب

الفرائض ، فانى ارفع آيات الشكر

والثناء والتقدير الى الاستاذ

العلّامة سيد اسماعيل الگوهري

ايده الله تعالى لقيامه بطبع هذا

الكتاب. وهذه الكلمة وان لم آت

فيها بما يستحقه من تكريم ، إلّا انها

رمز لاعترافى بحسن صنيعه.

المؤلف

٥
٦

موضوع علم الاصول

مسألة الضد

قوله : فصل الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أو لا فيه أقوال.

الكلام في بيان ان الامر بالشيء على نحو الايجاب هل يقتضي النهي عن ضده او لا يقتضي فيه اقوال :

وتحقيق الحال يقتضي رسم أمور :

الأول : ان الاقتضاء في عنوان البحث اعم من الاقتضاء على نحو العينية ، بان يكون الأمر بالشيء عين النهي عن ضده العام ، فمعنى (صلّ) يكون عين (لا تتركها) فالمراد من الضد العام هو الترك ، أي ترك المأمور به وهو أمر عدمي كما ان المراد من ضده الخاص كل فعل ينافي فعل المأمور به كالنوم.

مثلا للصلاة ، وهو امر وجودي ، فلكل مأمور به اضداد ثلاثة :

أوّلها : هو الضد العام بمعنى الترك.

وثانيها : هو الضد الخاص بعينه كالنوم والتكلم وامثالهما.

وثالثها : هو احد الاضداد الخاصّة لا بعينه وهو يشمل على نحو البدل كل فرد من افراد الضد الخاص كالرجل الذي يشمل على نحو البدل مثل زيد وعمرو وبكر ونحوها.

فالثالث يرجع إلى الثاني لأنه : لا يكون لفرد لا بعينه مصداق في الخارج ، فالمصداق ينحصر في الفرد بعينه ، فالثالث هو الثاني ، فيصير الضدّ قسمين الضد العام بمعنى الترك والضد الخاص الوجودي.

البحث في وجه التسمية : وهو انه متى تحقق النوم والأكل تحقق الترك ، أي ترك المأمور به وليس العكس بموجود ، كما أنه متى تحقق الانسان في ضمن فرد

٧

نحو زيد فقد تحقق الحيوان في ضمنه إذ تحقّق الخاص مستلزم لتحقق العام ، وليس كلما تحقق الحيوان تحقق الانسان كما في الفرس ، فكذا فيما نحن فيه ، لأنه كلما تحقق الضد الخاص تحقق الضد العام ، وليس كلما تحقق الضد العام تحقق الضد الخاص ، إذ الترك يتحقق في ضمن فعل من الافعال ، وفي ضمن الضد من الاضداد الخاصّة ، ولا ينحصر في فعل دون فعل وفي ضدّ دون ضدّ ، ومن الاقتضاء على نحو الجزئية بان تكون صيغة الأمر دالة بالتضمن على النهي عن الضد العام لأنها تدل على طلب الفعل مع المنع من الترك ، فالنهي عنه يكون جزء من مدلول صيغة الأمر فهي تدل عليه بالتضمن ، ومن الاقتضاء على نحو الدلالة الالتزامية واللزوم والالتزام ، قال بعض بالالتزام اللفظي ، وقال بعض آخر بالالتزام العقلي ، وسيأتي توضيح هذا إن شاء الله. فانه لو لا عموم الاقتضاء كما ذكر كانت الاقوال المذكورة خارجة عن محل النزاع ، ويعتبر في الدلالة الالتزامية من اللزوم عقلا كما في العمى والبصر ، أو عرفا كما في حاتم الطائي والجود ، وإلا يلزم دلالة لفظ واحد على المعاني غير المتناهية لو دلّ على جميع الخارج عن الموضوع له ، او يلزم ترجيح بلا مرجح لو دلّ على بعض الخارج عنه.

إذا علم ما ذكر فالملازمة العقلية ثابتة بين طلب الشيء وبين طلب ترك اضداده ، أو انها تكون من جهة المقدمية ، أي مقدمية ترك الضد لفعل ضد الضد ، كمقدمية ترك الصلاة لفعل الإزالة ، لأن العقل حاكم بالملازمة بين طلب فعل كالازالة وبين طلب مقدمته. فطلب الازالة ملازم لترك الصلاة وترك النوم ، وكذا المراد من الضد في عنوان المسألة مطلق معاند المأمور به ، سواء كان أمرا وجوديا كالضد الخاص أم كان امرا عدميا كترك المأمور به ، فيشمل الضد للترك الذي يعبر عنه في عرفهم بالضد العام ، والأكل والنوم اللذين يعبّر عنهما بالضد الخاص.

قوله : الثاني : محصّل البحث في الأمر الأول في هذه انه ان كان محل البحث في هذه المسألة مطلق الاقتضاء سواء كان على نحو العينية أم كان

٨

على نحو التضمن أم كان على نحو الالتزام ، أي يكون الامر بالشيء عين النهي عن ضده.

قال به بعض الأعاظم قدّس سرهم : أي تدل صيغة الامر بالتضمن على النهي عن ضد الشيء المأمور به من باب دلالة الصيغة على جزء الموضوع له ، قال به صاحب المعالم رضى الله عنه.

أي تدل بالالتزام عليه من باب دلالتها على لازم الموضوع له كدلالة لفظ العمى على البصر ، وكدلالة لفظ حاتم على الجود ، لكن عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص انما ذهبوا اليه لأجل توهم مقدّمية ترك الضد لفعل الضد الآخر كمقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة.

ان المهم صرف عنان الكلام في المقام إلى بيان الحال وتحقيق المقدمية وعدمها فنقول وعلى الله الاتكال والاعتماد والتوكل :

ان منشأ توهم مقدّمية ترك احد الضدين لفعل ضده مضادة بين الضدين اللذين لا يجتمعان في زمان واحد وفي آن فارد ، وإلا لم يكونا ضدين ، والحال ان لازم عدم اجتماعهما مانعية وجود احدهما عن وجود الآخر ، فيترتب القياس هنا على الشكل الاول ، وهو ان فعل الصلاة وفعل الازالة متمانعان ، وكل متمانعين يمنع وجود احدهما عن وجود الآخر.

ففعل الصلاة والازالة يمنع وجود احدهما عن وجود الآخر ، فهذان (الصغرى والكبرى) ينتجان مقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة ، لأن المقدّمة عبارة عن وجود الشرط وعن عدم المانع كقطع الطريق الذي يكون مقدّمة للحج ، وهو عبارة عن وجود الشرط ، وهو التمكن منه لوجود الزاد والراحلة ، وعن عدم المانع عنه ، أي عن قطع الطريق لفقدان قطاع الطريق ، وكذا وجود الشرط وهو التمكن من فعل الازالة وعدم المانع عنه.

المانع عنه من مقدماته :

٩

فظهر ان عدم المانع من المقدمات ، فاذا ثبتت مقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة فهو واجب بناء على الملازمة بين وجوب الشيء وبين وجوب مقدمته فيكون فعلها منهيا عنه ، والحال ان النهي في العبادات يقتضي فساد المنهي عنه فتكون فاسدة.

فأجاب عنه المصنف قدس‌سره : ان التضاد بين فعل الصلاة وبين فعل الازالة لا يقتضي إلا عدم اجتماعهما من حيث الوجود في زمان واحد وفي آن فارد ، فالضدان لا يجتمعان في زمان واحد ولكن حيث لا منافاة اصلا بين احد العينين كفعل الإزالة وترك الصلاة بل يكون بينهما كمال الملاءمة والمناسبة ، لأن المكلف حين الإزالة يترك الصلاة ، كما انه حين الصلاة يترك الإزالة ، فيكونان في مرتبة واحدة بلا تقدم احدهما على الآخر من حيث الزمان ، والحال انه لا بد في المقدمة ان تكون سابقة على ذي المقدمة زمانا.

فالنتيجة لا يكون ترك احد الضدين مقدمة لفعل الضد الآخر كما توهمت مقدّمية ترك الصلاة لفعل الازالة ، وهو فاسد جدا.

فهذه الملاءمة تقتضي شرطية عدم احد الضدين لفعل الضد الآخر ، ولا تقتضي مقدمية نقيض احد الضدين لعين الضد الآخر لكونهما في مرتبة واحدة بلا تقدم في البين كما ان المنافاة بين النقيضين ، كالوجود والعدم ، لا تقتضي تقدم ارتفاع احدهما في حين ثبوت الآخر.

مثلا : إذا كان زيد موجودا فوجوده وعدمه متناقضان ، فلا يصح أن يكون عدمه مقدمة لوجوده لأجل اتحاد الرتبة ، إذ نقيض وجود زيد يكون عدمه ، لأن نقيض كل شيء رفعه ، فعدم وجوده ليس بمقدمة لوجوده ؛ كما ان عدم عدمه ليس بمقدمة لوجوده لأن وجوده وعدمه يكونان في رتبة واحدة بلا تقدم عدم الوجود على عدمه حتى يكون عدم الوجود مقدمة للعدم ـ فعدم العدم والوجود يكونان في رتبة واحدة من دون ان يكون عدم العدم مقدما زمانا على الوجود كي يكون مقدمة له ، والحال انه لا بد في المقدمة ان تكون مقدّمية على ذيها تقدم الرتبي والزماني.

١٠

فظهر مما ذكر : ان عدمه ليس بمقدمة لوجوده ، فكذا عدم احد الضدين لا يكون مقدمة لوجود الضد الآخر ، فلا يكون ترك ضد الخاص وعدمه مقدمة لوجود الضد الآخر ، فيكون الضدان كالنقيضين من هذه الناحية والجهة كما لا يخفى.

وفي ضوء هذا فلا يكون ترك الصلاة مقدمة للازالة ومن مقدماته حتى يجب وجوبا تبعيا ، ويكون فعلها منهيا عنه ، فلو فعلت كانت فاسدة إذ النهي في العبادات يدل على فساد المنهيّ عنه ، وليس الأمر كذلك ، بل تكون صحيحة إذا فعلت ، إلّا إذا دلّ دليل على فسادها.

فالمنافاة بين النقيضين لا يقتضي تقدم ارتفاع احدهما على ثبوت الآخر ، بل يكون ارتفاع احدهما وثبوت الآخر في رتبة واحدة لكمال الملاءمة بين عدم احدهما ووجود الآخر ، يعني يجتمعان معا في زمان واحد وفي آن فارد ، فكذا الأمر بين عدم احد الضدين وبين وجود الضد الآخر كاجتماع ترك الصلاة وفعل الازالة في زمان واحد ، وهو واضح لا غبار عليه كما لا يخفى.

قوله : كيف ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء على عدم ضده ...

فاستدلّ المصنف قدس‌سره استدلالا عقليا على المدعى ثانيا بانه لو توقف وجود احد الضدين في الخارج على عدم الضد الآخر في الخارج على نحو توقف الشيء على عدم مانعة لاقتضى توقف عدم ذاك الضد في الخارج على وجود الضد الآخر فيه على نوع توقف عدم الشيء فيه على وجود المانع ضرورة ثبوت المانعية في الطرفين ، وكون المطاردة من الجانبين ، وهذا دور واضح.

مثلا : لو توقف فعل الازالة على ترك الصلاة من باب توقف الشيء على عدم المانع لأن فعل الصلاة مانع عن فعل الازالة لتوقف ترك الصلاة على فعل الازالة من باب توقف عدم الشيء على وجود المانع ، إذ فعل الازالة مانع عن فعل الصلاة لأن الممانعة من الطرفين لأنه كما يمنع فعل الازالة عن فعل الصلاة فكذا يمنع فعل الصلاة عن فعل الازالة ، فينبغي ان يقال ان فعل الازالة لا يتوقف على ترك الصلاة

١١

من باب توقف ذي المقدمة على مقدمته ، لأنه ليس بمقدمة له لاتحاد الرتبة ، وان كان ترك الصلاة يتوقف على فعل الازالة لأجل المعاندة بينهما.

فمراده من هذا الكلام يكون دفع مقدمية عدم احد الضدين لوجود الضد الآخر ، ولا يكون مراده انكار التوقف مطلقا حتى على نحو الشرطية ، إذ التوقف على نحو الشرطية مسلّم لا يقبل الانكار.

بيانه : أنه من البديهي انه يكون ترك الصلاة من شرائط فعل الازالة فيتوقف عليه من باب توقف المشروط على شرطه ، كتوقف الصلاة على الطهارة ، وكتوقف الحج على قطع الطريق. كما انه يكون فعل الازالة من شرائط ترك الصلاة حين الازالة ، فالتوقف من حيث الشرطية مسلّم ، ولكن المصنف ردّ التوقف من حيث المقدّمية ، كما ادعيت من قبل القائل باقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده الخاص.

توضيح لا يخلو من فائدة : ان عمدة الأقوال في الاقتضاء ، أي اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده اربعة :

الأول : القول بالعينية.

والثاني : القول بالتضمن.

والثالث : القول بالالتزام اللفظي.

والرابع : القول بالالتزام العقلي.

فالأول والثاني واضحان ، والثالث والرابع خفيان يحتاجان إلى التوضيح ، فلذا يبيّن الفرق بينهما ، وهو ان المراد من الثالث هو اللزوم البين بالمعنى الأخصّ الذي يلزم من نفس تصور الملزوم تصور اللازم ، كما يلزم من نفس تصور العمى تصور البصر ، لأن العمى هو عدم البصر ، لا العدم المطلق ، فكذا فيما نحن فيه ، لأنه يلزم من نفس تصور الأمر بالازالة تصور الأمر بترك الضد الخاص. وان المراد من الرابع هو اللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ الذي يلزم من تصور الملزوم ومن تصور اللازم الجزم باللزوم ، كما يلزم من تصور الاربعة ومن تصور الزوج الجزم بلزوم الزوجية للاربعة ،

١٢

فكذا فيما نحن فيه ، لأنه يلزم من تصور الامر بالازالة ومن تصور ترك الضد الخاص الجزم بلزوم الأمر بالشيء الأمر بترك ضده الخاص من باب حكم العقل.

وفي هذا المقام اقوال أخر لا جدوى للتعرض لها.

قوله : وما قيل في التفصي عن هذا الدور بان التوقف من طرف الوجود ...

فأجيب عن اشكال الدور «المجيب هو القائل بمقدمية عدم احد الضدين لوجود الضد الآخر كمقدمية ترك الصلاة وعدمها لفعل الازالة» ، بأن لو سلّمنا توقف الازالة ، أي إزالة النجاسة عن المسجد على عدم الصلاة للزم ان يتوقف عدم الصلاة على الازالة ، لأن التضاد بينهما : لو كان راجعا إلى التمانع المؤدي إلى توقف وجود احدهما على عدم الآخر لأدى ايضا إلى توقف عدم كل منهما على وجود الآخر ، لأن المانع يكون علة لعدم الممنوع ، كفعل الازالة الذي يكون مانعا عن فعل الصلاة فهو علة لعدمها ، وكفعل الصلاة الذي يكون مانعا عن فعل الازالة فهو علة لعدمها ، فيكون كل واحد منهما مانعا وممنوعا ، وحينئذ يلزم الدور لأن وجود احدهما متوقف على عدم الآخر الذي هو المؤدي الأول ، وعدم الآخر يتوقف على وجود الآخر الذي هو المؤدي الثاني.

ولكن توقف الازالة على عدم الصلاة يكون فعليا بمعنى ان مقتضيه موجود ، أي مقتضي فعل الازالة الذي هو ارادة المكلف له ، وشرطه الذي هو وجود الماء ، موجود ، فلا يبقى في البين شيء إلا عدم المانع الذي هو ترك الصلاة. أما توقف عدم الصلاة على الازالة فيكون شأنيا ، بمعنى ان مقتضي فعل الصلاة ليس بموجود بالفعل ، ولما لم يكن المقتضي له موجودا فلا محالة يكون عدمها مستندا إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع الذي هو فعل الازالة ، كما ان المراد من المقتضي هو ارادة المكلف فعل الصلاة واقامتها.

نعم ، إذا كان المقتضي له موجودا فحينئذ عدمها مستند إلى وجود المانع ، فتوقف وجود احد الضدين على عدم الآخر فعليّ غير تقديري ، بخلاف توقف عدم

١٣

احدهما على وجود الآخر فانه تقديري ، إذ هو معلّق على وجود تمام اجزاء العلة التامة عدا عدم المانع إذ في ظرف اجتماعها ووجود المانع يستند العدم إلى وجود المانع ، اما لو فقد المقتضي للوجود او الشرط يكون العدم مستندا إلى عدم المقتضي او إلى فقد الشرط لا إلى وجود المانع ، وإذن لا يستند العدم إلى وجود المانع ، فلا يكون العدم متوقفا على وجود المانع ، وإذا اختص التوقف بتوقف العدم بحال وجود سائر اجزاء العلة التامة عدا عدم المانع فيقال ان وجود سائر اجزاء العلة من المقتضي والشرط ربما يكون ممتنعا. فالتوقف ، أي توقف عدم احد الضدين على وجود الضد الآخر ، ممتنع.

والوجه في امتناع وجوده ان المقتضي لفعل الضد هو الارادة ، ويمتنع تعلقها به في ظرف ارادة المكلف الضد الآخر.

مثلا : في حال فعل الصلاة عن ارادة تمتنع ارادة الازالة لامتناع اجتماع ارادتي الضدين في آن واحد فعدم الازالة حين فعل الصلاة عن ارادة يستند إلى عدم المقتضي وإلى عدم ارادة الازالة ، لا إلى وجود الصلاة ، ولا إلى وجود المانع. فالتوقّف من طرف عدم احدهما على تقدير ثبوت المقتضي مع شرائطه في جميعها غير وجود ضده ، كعدم الصلاة ، حيث اراد المكلف فعل الصلاة مع وجود شرائطه من الطهارة والستر والمكان المباح يتوقف حينئذ على فعل الازالة الذي هو مانع عن فعل الصلاة لأن المقتضي والشرط موجودان ، والمانع ايضا موجود فهو يمنع عن تأثير المقتضي في المقتضى ، نحو رطوبة الحطب المانعة من احتراقه ، والمقتضي للاحتراق هو النار موجود ، والشرط ، أي شرط الاحتراق هو لصوق الحطب بالنار ، أي قربه منه موجود ، ولكن المانع ايضا موجود ويمنع عن تأثير النار في احراق الحطب ، فعدم الاحراق في ظرف وجود النار يستند إلى وجود المانع وهو رطوبة الحطب ، واما إذا لم تكن النار موجودة في الخارج فعدم الاحتراق يستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع ، فكذا فيما نحن فيه ، لأن عدم الصلاة يتوقف فعلا على

١٤

فعل الازالة متى كان المقتضي لفعلها موجودا مع وجود الشرائط كلها ، ويلزم الدور الواضح ، إذ فعل الازالة موقوف على عدم الصلاة ، وعدم الصلاة يتوقف على فعل الازالة ، واما لو لم يكن المقتضي لفعل الازالة موجودا أو لفعل الصلاة موجودا.

يعني لم يرده المكلف فلا يتوقف عدم الصلاة فعلا حينئذ على فعل الازالة لأن الصلاة معدومة على تقدير عدم المقتضي لها سواء فعل الازالة أم لم يفعلها فلا يلزم الدور ، نعم يكون التوقف من طرف العدم شأنيا.

فخلاصة الجواب عن اشكال الدور : ان توقف الازالة على عدم الصلاة فعلي للمعاندة بينهما ، وتوقف عدم الصلاة على الازالة شأني مربوط بفرض وجود المقتضي لفعلها ، فلا محالة يكون التوقف من طرف العدم ايضا فعليا ، ولكن فعلا ارادة الله تبارك وتعالى لم تتعلق بفعل الصلاة في ظرف ارادته عزوجل فعل ضد الآخر حسب ما اقتضته الحكمة البالغة الالهية ، فارادة العبادة تابع لارادة الخالق الغني ، فهو لو اراد الازالة ولم يرد الصلاة ، فالعدم ، أي عدم الصلاة ، مستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع كي يلزم الدور.

فبتغاير توقف الفعلي وتوقف الشأني تدفع غائلة الدور لأن الازالة موقوفة بالفعل على عدم الصلاة ، وأما عدم الصلاة فيتوقف على الازالة إذا كان المقتضي لفعل الصلاة مع وجود جميع الشرائط موجودا فيستند العدم إلى وجود المانع. وان لم يكن المقتضي والشرط موجودين فالعدم مستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع بل لا يكون المانع موجودا في ظرف عدم المقتضي والشرط كي يستند العدم اليه ، فالتوقف من طرف الوجود فعلي ، ومن طرف العدم شأني ، فعدم الصلاة موقوف عليه فعلا للازالة ، فالازالة تتوقف على عدم الصلاة ، واما عدم الصلاة فيتوقف شأنا وتقديرا على الازالة على فرض وجود المقتضي له ، وهو موقوف على الازالة شأنا ، فالازالة موقوف عليه شأنا لعدم الصلاة فلا دور في البين أصلا.

فلا يصح استناد العدم إلى وجود المانع إلا في ظرف وجود المقتضي ووجود

١٥

الشرط فاذن لا يلزم الدور ، فيصح القول بمقدمية عدم احد الضدين لوجود الضد الآخر.

قوله : ان قلت هذا إذا لوحظا منتهيين إلى ارادة شخص واحد ...

فاستشكل : في هذا المقام ان توقف الفعلي من طرف الوجود ، وتوقف الشأني من طرف العدم انما يصحان إذا كانت الارادة ، أي ارادة الضدين ، مستندة إلى ارادة شخص واحد ، ففي هذه الصورة يكون عدم احدهما مستندا إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع ، لاستحالة ارادة الضدين من شخص واحد في زمان واحد. وأما إذا كان أحد الضدين موجودا والآخر معدوما ، فوجود احدهما مستند إلى ارادة شخص ، ووجود الآخر مستند إلى ارادة شخص آخر ، فالمقتضي لكل من الضدين موجود ، وهو ارادة الشخصين ، كالحركة والسكون وهما ضدان ، فزيد اراد حركة الشيء واراد عمرو سكون هذا الشيء ، فتتوقف الحركة على عدم السكون ، ويتوقف السكون على عدم الحركة ، فيكون توقف وجود احد الضدين على عدم الآخر بالفعل على هذا الفرض ، لأن مقتضي وجود كل واحد منهما موجود ، وهو ارادة شخص زيد حركة الحجر مثلا ، وارادة شخص عمرو سكونه في زمان ارادة زيد حركته فيتوقف وجود الحركة بالفعل على عدم السكون ، ويتوقف السكون بالفعل على عدم الحركة ، فلو كان التوقف من الطرفين فلا يتم قول المشهور من اقتضاء الامر النهي عن ضده لأجل المقدمية ، أي مقدمية ترك احد الضدين لوجود الضد الآخر ، كمقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة للزوم الدور ، فلو كان المقتضي ، أي مقتضي وجودهما ، وهو ارادة الشخصين موجودا ، فلا محالة يستند عدم كل واحد منهما إلى وجود المانع ، وهو وجود الضد الآخر لا إلى عدم المقتضي ، إذ المفروض تحقق ارادة الوجود من شخص آخر ، فالتفصي عن اشكال الدور لا يصح في هذا المورد ، لاختصاص التفصي عنه ، بما إذا كانت ارادة الضدين ، أي ارادة وجودهما ، من شخص واحد فيصح استناد عدم احدهما في ظرف وجود الآخر إلى عدم المقتضي لا إلى وجود

١٦

المانع ، لأن زيدا إذا اراد حركة الجسم فلم يرد سكونه في زمان ارادة حركته فالسكون مستند إلى عدم المقتضي وهو ارادته ، والوجه كما سبق ، وهو استحالة ارادة وجود الضدين من شخص واحد في زمان واحد ، فالتوقف من طرف الوجود فعلي ، والتوقف من طرف العدم تقديري.

قوله : قلت هاهنا ايضا يكون مستندا إلى عدم قدرة المغلوب ...

فأجاب المصنف نيابة عن المتفصّي وهو المحقق الخونساري رحمه‌الله ان عدم احد الضدين في صورة تحقق الارادة من شخصين يستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع لأن المراد بالمقتضي هو الارادة المؤثرة في وجود المراد وفي تحققه ، ومن الواضح فقدان المقتضي الكذائي لامتناع تأثير كلتا الارادتين في الشيء الواحد ، فلا محالة تكون احدى الارادتين غالبة مؤثرة والاخرى مغلوبة ، ومع مغلوبيتها يتحقق عدم المقتضي الذي يوجب لاستناد عدم الضد اليه لا إلى وجود المانع وهو الضد الموجود حتى يكون التوقف من الطرفين ، أي من طرف الوجود ومن طرف العدم ، فعليا حتى يلزم الدور ، وحتى نستكشف من لزومه بطلان مقدّمية عدم احد الضدين لوجود الضد الآخر.

مثلا : إذا اراد زيد حركة الحجر ، واراد عمرو سكونه في زمان ارادة حركته ، فلا يخلو إمّا أن يكون هذا الحجر متحركا فإرادة زيد مؤثرة وهي تكون مقتضيا كاملا تاما غالبا. وإما أن يكون ساكنا ، فإرادة عمرو مؤثرة وهي تكون مقتضيا تاما ، فلا تكون كلتا الارادتين مؤثرة وإلا لزم ان يكون متحركا وساكنا في زمان واحد وهو محال ، فعدم السكون مستند إلى عدم قدرة المغلوب من الشخصين ، والحال ان القدرة مما لا بد منه في وجود المراد ، ولا يوجد المراد بمجرد ارادته بدون القدرة كما لا يخفى. ولا يكون عدم السكون مستندا إلى وجود الضد الذي هو وجود الحركة ، لكون وجود الضد مسبوقا بعدم قدرة الشخص.

وقد يتوهم ورود اشكال في المقام ، وهو ان الشيء إذا كانت له مقدمات

١٧

متعددة ، وان كان يكفي في عدم هذا الشيء عدم واحدة منها كالصلاة التي تكون لها مقدمات عديدة من الطهارة والستر والمكان المباح والاستقبال ، فبعدم الطهارة تنعدم الصلاة شرعا ، إلا انه في ظرف عدم الجميع يستند عدمه إلى عدم الجميع ، لأن استناده إلى عدم واحدة بعينها ترجيح بلا مرجح ، ففي ظرف عدم المقتضي ، وعدم الشرط ، ووجود المانع ، يستند العدم إلى الجميع ، أي إلى عدم المقتضي وإلى عدم الشرط وإلى وجود المانع مثلا.

ولاحتراق الجسم مقدمات من وجود النار ومن محاذاته لها ، ومن عدم رطوبته. فالأول هو المقتضي ، والثاني هو الشرط ، والثالث هو عدم المانع ، فاذا كان الجميع موجودا يستند الاحراق إلى الجميع ، فاذا كان الجميع مفقودا يستند عدم الاحراق إلى الجميع ، فلا وجه لاستناد العدم إلى عدم المقتضي ، كاستناد عدم الاحراق إلى عدم النار ، او إلى عدم الشرط بعينه كاستناد عدم الاحراق إلى عدم محاذاته للنار أو إلى وجود المانع بعينه.

ففي فرض فعل الصلاة وترك الازالة يستند عدم الازالة إلى عدم ارادة الازالة وفعل الصلاة معا ، أي إلى عدم المقتضي وإلى عدم الشرط معا ، فيرجع الدور الذي ذكر سابقا.

فأجاب المصنف عن الاشكال المذكور : (ان ذلك مسلّم) أي قولكم صحيح حيث لا يكون عدم بعضها متقدما بحسب الرتبة على عدم بعضها الآخر ، وإلا كان عدم بعضها المتقدم رتبة هو المتعين في الاستناد ، وعدم الارادة وعدم القدرة متقدمان على وجود الضد لأن الضدين مسبوقان بإرادتين وقدرتين ، فارادة كل منهما في رتبة ارادة الآخر ، كما ان القدرة على كل منهما ، التي هي شرط له ، في رتبة القدرة على الآخر كذلك.

مثلا : كل واحد من حركة الضدين وسكونها يحتاج إلى العلة التي هي وجود المقتضي ، ووجود الشرط ، وفقد المانع ، والمراد من المقتضي الارادة ، والمراد من

١٨

وجود الشرط القدرة ، والمراد من فقد المانع عدم وجود احد الضدين.

إذا علم هذا فتحقق الشرط ، أي شرطية الشرط ، ومانعية المانع تكونان فرع تحقق المقتضي. فالقدرة على الحركة شرط لها إذا اراد المكلف حركة الجسم وإلا فلا ، وكذا وجود احد الضدين مانع إذا اراد ضد الآخر ، أي وجوده ، وإلا فلا.

فاذا اراد زيد حركة الجسم وأراد عمرو سكونه فهو متحرك على الفرض ، ولا يكون ساكنا في زمان كونه متحركا للتضاد بينهما ، فعدم السكون مستند إلى عدم المقتضي ، لأن ارادة عمرو مغلوبة لارادة زيد لاستحالة تأثير كلتا الارادتين معا ، وعندئذ تسقط الارادة المغلوبة عن صفة الاقتضاء وعن عنوان المقتضية لاستحالة اقتضائها المحال وغير المقدور ، لفرض ان متعلقها ، أي متعلق الارادة المغلوبة ، خارج عن القدرة فلا تكون متّصفة بهذه الصفة ومعنونة بهذا العنوان.

فبالنتيجة وجودها وعدمها سيان ، أي مثلان ، ففي هذا المورد عدم احد الضدين مستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع ، فلا يلزم الدور ، إذ التوقف من طرف الوجود فعلي ومن طرف العدم شأني.

فتلخّص مما ذكر : ان مانعية المانع في مرتبة متأخرة عن مرتبة وجود المقتضي ووجود الشرط ، فيكون استناد عدم المعلول إلى وجود المانع في ظرف ثبوت المقتضي مع بقية الشرائط ، وإلا فالمانع لا يكون مانعا.

ومن هنا ظهر قول المصنف : (لكونه مسبوقا بعدم قدرته) أي لكون وجود السكون مسبوقا بعدم قدرة عمرو عليه ، لأنه إذا ضعفت ارادته على ايجاد المراد فقد ضعفت قدرته عليه حتى وصلت إلى مرتبة العدم كما لا يخفى ، فعدم احد الضدين مستند دائما إلى عدم المقتضي ، فاذا عدم المقتضي عدم الشرط ، وإذا عدما عدم المانع ، فاذا عدم المانع فلا يستند العدم إلى وجود المانع.

قوله : غير سديد ...

فانه وان كان قد ارتفع به الدور وهو خبر في التركيب لمبتدا الذي هو عبارة

١٩

عن الماء الموصولة مع صلتها في ما قيل في التفصّي ، لأن مجرّد التوقف الشأني من طرف العدم يكفي في بقاء ملاك الدور ، وهو تقدم الشيء على نفسه وتأخره عن نفسه برتبة ، فوجود أحد الضدين ، حيث يتوقف فعلا على عدم الضد الآخر كتوقف وجود الحركة بالفعل على عدم السكون ، متأخر عن عدم الضد برتبة تأخير المعلول عن العلة رتبة. وعدم ذلك الضد ، حيث يصلح ان يستند إلى وجود هذا الضد على فرض كون المقتضي له موجودا ، متأخر عن وجود هذا الضد برتبة. فوجود هذا الضد متأخر عن نفسه برتبة ، بل برتبتين.

مثلا : إذا توقف وجود الازالة بالفعل على عدم الصلاة فوجود الازالة متأخر عن عدم الصلاة برتبة ، إذ وجود الازالة معلول عدم الصلاة ، وهو علة له كوجود النهار بالاضافة إلى طلوع الشمس والمعلول متأخر عن علته برتبة.

أمّا عدم الصلاة ، إذا كان المقتضي لفعلها موجودا فيتوقف على الازالة بالفعل ، فيكون كل واحد من الازالة وعدم الصلاة علة وموقوفا عليه ، ومعلولا وموقوفا. فالازالة من حيث كونها علة لعدم الصلاة وموقوفا عليها مقدمة رتبة على عدم الصلاة ، على نحو تقدم العلّة على المعلول رتبة.

وهو من حيث كونه معلولا لعدم الصلاة وموقوفا متأخرا برتبة عن عدم الصلاة يلزم تقدم الازالة على الازالة وتأخر الازالة عن الازالة وهو تقدم الشيء على نفسه وتأخره عن نفسه. فالازالة من انها تتوقف على عدم الصلاة تكون ذا المقدمة ، وعدم الصلاة تكون مقدمة. واما عدم الصلاة فعلى فرض وجود المقتضي لفعلها مع وجود الشرائط يتوقف على فعل الازالة يكون ذا المقدمة ، وهي مقدمة له ، فيلزم ان يكون الشيء الواحد متقدما رتبة ومتأخرا رتبة وهذا محال.

فما ذكره المتفصّي ، وان كان يرفع استناد عدم الضد إلى وجود ضده بل يستند عدم الضد إلى عدم المقتضى ، لا يرفع صلاحية وجود الضد لاستناد العدم اليه ، لأن المفروض ان الوجود موجب للعدم بذاته كوجود الازالة الذي يوجب عدم الصلاة

٢٠