مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٦

١
٢

٣

٤

سورة البقرة

الآية ٢٢٨ ـ ٢٢٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨) الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩))

الآيتان في بيان بعض أحكام الطلاق فإنّه لما ذكر سبحانه أنّ المولي من زوجته مكلّف بأحد أمرين : إمّا الفئة أو الطلاق عقّب عزوجل ذلك ببعض أحكام الطلاق وأقسامه ، فذكر سبحانه عدة المطلقة ورجوع الزوج في العدة ثم قسم الطلاق إلى البائن وغيره خلافا لما كان عليه العرف السائد في الجاهلية في أمر الطلاق.

وتتضمن الآيات المباركة أصلا من أصول نظام الزوجية والأحوال الشخصية في الإسلام بأحسن بيان وأجمع كلام ، كما تتضمن قانونا من قوانين النظام الاجتماعي المشتمل على العدل والإنصاف في جميع الأحوال.

٥

التّفسير

٢٢٨ ـ قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).

الطلاق معروف وهو بمعنى الفراق والسراح ، والتخلية عن الوثاق ، وفي اصطلاح الشرع هو : الفراق بين الزوجين والتخلية عن وثاق الزوجية بشرائط خاصة.

وإنّما ذكر سبحانه المطلّقات لبيان تلبسهنّ بالطلاق المشروع والمراد من المطلّقات هنا بيان حكم صنف خاص منهنّ أي : خصوص المدخول بها ، غير اليائسة وغير الحامل ، لأنّ غير المدخول بها واليائسة لا عدة لهما حتّى يجب عليهما التربص ثلاثة قروء. والحامل عدتها وضع الحمل كما يأتي في قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق ـ ٤].

والتربص : هو الانتظار والإمساك. ويتربصن بأنفسهنّ أي : يمسكن بأنفسهنّ ويحبسنها عن الازدواج والتمكين وهو يفيد معنى الاعتداد.

وجملة (يتربصن) خبرية يراد بها الإنشاء لأنّها أبلغ في الطلب من غيرها كما هو مذكور في أصول الفقه.

وقروء جمع القرء ويجمع على الأقراء أيضا ، فعن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «اقعدي عن الصلاة أيام إقرائك» ومادة (قرء) تدل على الجمع والاجتماع الذي يعقبه التحويل والتفرق ، فتطلق على القراءة. وسمي القرآن

٦

قرآنا لأجل أنّه جمع في حروفه.

ويطلق هذا اللفظ على نفس الحيض كما مرّ في قول نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما يطلق على حالة الانتقال من الحيض إلى الطهر بحسب الوضع كما عن جمع من اللغويين ، ولا يطلق على نفس الطهر ، لأنّ المرأة الطاهر التي لا ترى أثر الحيض لا يقال لها ذات قرء فهو من الأضداد.

وكيف كان فالمراد به في المقام الطهر لما ذكرنا وعليه إجماع الإمامية ، ووردت فيه أحاديث كثيرة وبه يقول المالكية والشافعية وجمع كثير من الفقهاء.

ولكن عن الحنفية والحنابلة وجمع آخرين أنّ القرء في الآية المباركة هو الحيض ، لقول نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «دعي الصلاة أيام إقرائك» وبما روي عن عليّ (عليه‌السلام) : «إنّ القرء هو الحيض».

ولكن المناقشة فيه ظاهرة لأنّ اللفظ المشترك إذا وقع في استعمال مقرونا بقرينة تدل على أحد معنييه لا يكون ذلك دليلا على أنّه كلّ ما استعمل فيه هذا المشترك ـ ولو بلا قرينة على التعيين ـ يكون المراد منه ما استعمل فيه مع القرينة ، وهو خلاف المحاورات العرفية ، ولا يقول به أحد في نظائر المقام.

والقرينة في الحديث المروي عن نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في أنّ المراد من الإقراء الحيض ظاهرة ، وأما قول عليّ (عليه‌السلام) فهو ـ مضافا إلى كونه قاصرا سندا ـ إنّه معارض بغيره مما هو أقوى منه من جهات.

ودعوى : أنّه لو دار تكليف بين القصير والطويل يكون الأول معلوما والثاني مرفوعا لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «رفع ما لا يعلمون» المتفق عليه بين الأمة غير صحيحة لوجود النص الخاص والبحث مذكور بالتفصيل في كتب الفقه.

والمعنى : إنّ المطلقات ينتظرن ويمسكن بأنفسهنّ عن قبول الزوج حتّى يرين ثلاثة أطهار.

قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ).

الأرحام جمع رحم ، مثل كتف والأكتاف. والرحم في المرأة منشأ نمو

٧

النطفة وتربيتها ، كما أنّ الأرض منشأ نمو البذرة وتربيتها وتسمّى القرابة رحما لانتهائهم إلى رحم واحد.

وما خلقه الله في الرّحم أعم من الدم والحمل وإن كان الأصل هو الدم لأنّه أهم مادة في تكوين الجنين ، ويمكن اعتبار الأول كمادة والثاني كصورة متبادلة استعدادية للأول ، فلا فرق بين أخذ الموصول بمعنى الدم بما له من الأطوار ، أو بمعنى الحمل بما له من المنشأ فالجميع واحد ، وهذا مروي كما يأتي ، فلا وجه لاختلاف المفسرين في ذلك.

والمعنى : لا يحل للنساء أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ من الحيض أو الحمل استعجالا للخروج من العدة وإضرارا بالزوج في رجوعه أو تطويلها لأجل أخذ النفقة ونحو ذلك.

وفي تقييد ما في الأرحام بكونه مما خلقه الله للإعلام بأنّه عالم به وقادر على أن يفعل خلاف إرادتهنّ.

قوله تعالى : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

أي : إن كنّ مؤمنات بالله الذي ينزل الأحكام لمصالح العباد ويفعل مقتضى الحكمة ، واليوم الآخر الذي يجازى فيه كلّ عامل ، فلا يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ.

وفي التقييد بالإيمان بالله واليوم الآخر حث وترغيب إلى مطاوعة الحكم ، ولبيان أنّها من لوازم الإيمان بهما ، فالكتمان ليس من فعل أهل الإيمان ، وفيه من التوعيد الشديد والتهديد ما لا يخفى.

قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً).

البعولة جمع البعل مثل الفحولة والفحل : وهو الذكر من الزوجين سمي به لاستعلائه على المرأة ، ولأجل ذلك استعمل هذا اللفظ في كلّ ما فيه هذا المعنى فسمي الصنم بعلا قال تعالى : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) [الصّافات ـ ١٢٥] أي ربا.

٨

والبعال مباشرة النساء قال نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في أيام العيد : «إنّها أيام أكل وبعال» ولعلّ الوجه في التعبير به دون غيره ليترتب عليه أحقية الزوج برد الزوجة المطلقة أو لإخراج غير المدخول بها.

والضمير في بعولتهنّ يرجع إلى بعض المطلقات على سبيل الاستخدام هنّ الرجعيات دون جميع المطلقات.

والمعنى : إنّ بعل المرأة أحق بإرجاعها إلى الزوجية في العدة إن قصد الإصلاح والمعاشرة بالمعروف في رجوعه أما إذا كان قصده الإضرار والمضارة ومنعها من التزويج كما في قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) [البقرة ـ ٢٣١] فهو آثم.

ولفظ «أحق» أفعل التفضيل جيء به تأكيدا لثبوت الحق للزوج في الرجوع في العدة فتكون الآية المباركة مثل قوله تعالى : (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) [التوبة ـ ١٣] ، فالتعبير بصيغة أفعل التفضيل للمبالغة والاهتمام لاستيناف الحياة الزوجية وإعادتها ما دامت في العدة وهذه الأحقية تتحقق برد الزوج لها والرجوع بها إلى العصمة الأولى. وهذا الحكم مختص بالرجعيات فقط دون غيرها من المطلقات وليس للمرأة حق المعارضة في ظرف العدة.

وإنّما ثبتت هذه الأحقية للزوج باعتبار كونه معاشرا لها قبل الطلاق وقد أفضى بعضهم إلى بعض ، وفي هذا التعبير تحريض للزوج على المراجعة.

قوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

تتضمن هذه الآية الشريفة أتقن القوانين المتكفّلة لأهم ما يناط به النظام الاجتماعي بالنسبة إلى الفرد والنوع بأحسن بيان وأعذب أسلوب وأجمع كلام. تبتهج له النفوس ، وتطمئن إليه القلوب ويشعر الإنسان عند سماعه بلذة العدل والإنصاف في جميع الأحوال ويسعد الزوجان به في حياتهما الزوجية ، وترغب كلّ فتاة خلية بالزواج كرغبتها بلبس الحرير والدّيباج.

وتتجلّى من هذه الكلمة أهمية النظام العائلي في الإسلام وهي تنص على مساواة الرجل مع المرأة في الحقوق والمماثلة في الوظائف إلا ما اختص

٩

أحدهما بما ورد في الشريعة به ولا يمكن ابتغاء ما كتب في هذه الحياة المشتركة إلا باحترام كلّ واحد من الزوجين حقوق الآخر. وبقدر إتيان الوظائف تتم السعادة والرخاء.

فالآية المباركة ميزان الحق والعدل في جميع الشؤون والأحوال وبذلك امتاز الإسلام عن سائر الأديان الإلهية في شأن النساء والقوانين الوضعية التي لم تصل إلى ما تدعيه في مساواة النساء واحترامهنّ إلا بعد قرون عديدة وهي مع ذلك لم تبلغ إلى ما تريده بل جلبت الشقاء والفساد لهنّ.

والمعنى : إنّ لهنّ من الحقوق فيما تعارف بين الناس على الرجال مثل ما للرجال عليهنّ.

ولم يذكر سبحانه وتعالى ما هو الثابت على كلّ واحد منهما وإنّما أوكله إلى ما تعارف عليه الناس ليشمل جميع ما يتعلّق بحسن المعاشرة والخلق الحسن وما ورد في الشرع وما يحكم به العقل فإنّ جميع ذلك من المعروف.

وقد كرر سبحانه وتعالى هذا اللفظ في الآيات المتعلقة بالنكاح والطلاق اثنتي عشرة مرة لبيان أنّ جميع ذلك من سنن الفطرة وشؤون المجتمع الإنساني وهي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والمجتمعات.

قوله تعالى : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).

الدرجة : المنزلة والمراد بها الفضل والتفوّق والقيام بالمصالح الشرعية.

والإسلام مع أنّه سوّى بين النساء والرجال قد أعطى للرجال درجة عليهنّ. وقد بيّن سبحانه وتعالى تلك الدرجة في آية أخرى فقال عزّ شأنه : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) [النساء ـ ٣٤] ، وإعطاء هذه الدرجة للرجال من الأمور الفطرية التي بنى الإسلام عليها أحكامه ، فإنّ المجتمع يحتاج إلى من يعتمد عليه فيما يطرأ عليه من المخاطر والاختلاف ومن يحميه عنها ويقدر على تنفيذ ما يراه من المصلحة والإنفاق عليه ، والحياة الزوجية لا تخرج عن هذه السنة بل احتياجها إلى الرجل أشد فهو الذي يتحمل الصعاب في تحصيل النفقة والمطالب بحماية المرأة

١٠

والأولاد ، ولذا أمر الشارع المرأة بتنفيذ أوامره إلا ما حرّم حلالا أو حلّل حراما وإذا خرجت من هذه الطاعة تعتبر ناشزة فذاك موضوع آخر له أحكام خاصة تأتي في الآيات اللاحقة ومن ذلك يعرف سر التعبير ب «الرجال» في المقام دون الأزواج ، وفيه من الإشارة إلى وجه التفوق والمنزلة.

قوله تعالى : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

أي : والله قويّ لا منازع له ولا معترض عليه. حكيم في أفعاله يفعل وفق المصلحة.

وفيه من التوعيد والتهديد للمعترض على أحكامه والمخالف لما أنزله الله تعالى ما لا يخفى.

قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).

المرة من المرور بمعنى الاجتياز والمضي. ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم مفردة وتثنية وجمعا ، قال تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [يونس ـ ١٢] ، وقال تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) [التوبة ـ ١٠١] ، وقال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان ـ ٧٢].

والمراد بها في المقام : التكرار والوقوع مرة بعد أخرى.

ومادة (مسك) تأتى بمعنى التعلق والحفظ والاعتصام قال تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [الحج ـ ٦٥] ، وقال تعالى : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) [الزخرف ـ ٤٣] ، وقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل ـ ٧٩] ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) [الأعراف ـ ١٧٠].

والمسك ـ بالفتح ـ الإهاب لأنّه يمسك البدن ، والمسك ـ بفتحتين ـ الأسوار لاستمساكها باليد ، والمسك ـ بالكسر ـ دم الغزال ـ وهو عطر مخصوص ـ سمّي به لمساك عطره وبقائه مدة كثيرة ، وفي الحديث : «لخلوق فم الصائم أحب عند الله من ريح المسك».

١١

ومادة (سرح) تأتي بمعنى الإطلاق والإرسال قال تعالى : (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب ـ ٤٩] ، وقال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل ـ ٦].

والطلاق إذا وقع مستجمعا للشرائط المعتبرة وكان طلاقا صحيحا يوجب ارتفاع الزوجية وانقطاع العلقة بين الزّوجين وزوال العصمة بينهما فلا ترجع تلك العلقة إلا بالرجوع إليها في العدة أو بعقد جديد بعد انقضائها فقوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) يدل على الأول. وقوله تعالى : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) يدل على الثاني. وعلى هذا فيكون قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة ـ ٢٣٠] ، بيانا للطلاق الثالث.

وقيل : إنّ الآية المباركة في مقام بيان الطلاق الرجعي والطلاق البائن ، فإنّ الأول هو الذي يجوز فيه الإمساك بالمعروف والثاني هو التطليقة الثالثة ، ويدل عليه التفريع في قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) وحديث أبي رزين الأسدي أنّه سأل النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «سمعت الله تعالى يقول : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ). فأين الثالثة؟ فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ). وعلى هذا فيكون قوله تعالى بعد ذلك : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) بيانا تفصيليا بعد البيان الإجمالي. وسيأتي في البحث الفقهي ما يرتبط بذلك.

ثم إنّ تقييد الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان لبيان أنّ النكاح والمعاشرة والطلاق إنّما هي أمور عرفية فطرية فلا يجوز أن يتأتّى منها الإضرار أو المنكر أو الانتقام ، فالرد إلى الزوجية الذي يجوّزه الشرع المبين إنّما هو فيما إذا كان بقصد الالتثام والأنس وسكون النفس الذي كتبه الله تعالى في الحياة الزوجية.

وكذا التسريح الذي شرّعه الله تعالى إنّما يكون معتبرا فيما إذا لم يكن عن انتقام وسخط بل لا بد أن يكون مما تعارف عليه الناس وحسن المعاملة وأداء النفقة وهذا هو المراد من قوله تعالى في الآية الشريفة (فَإِمْساكٌ

١٢

بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).

ومن ذلك يعرف أنّ في هذين القيدين كمال العناية واللطف.

قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً).

بعد ما ذكر سبحانه وتعالى من أنّ التسريح لا بد أن يكون بإحسان حرّم في المقام أن يأخذ الزوج من الزوجة شيئا مما آتاها ، فإنّه من الظلم والغصب وهو خلاف الإحسان المأمور به ، بل الإحسان إليهنّ أن يمتعهنّ بشيء كما قال تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب ـ ٤٩] ، ليكون قد تدارك بذلك ما فات عن المرأة من مزايا الحياة الزوجية.

والمراد من (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَ) هو المهر أو ما ملّكها إياه.

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ).

أي : الوظائف المجعولة لهما. والخوف توقع وقوع المحذور ظنا أو علما ، كما أنّ الرجاء توقع المطلوب كذلك أي : أن لا يقيما أحكام الله تعالى فيخافا أن يقعا في المعصية بارتكاب المخالفة.

والمراد خوف الزوج وإنّما ذكر خوف الزوجة معه للاقتران بينهما في ذلك وتأكد تحقق الخوف وعدم كونه من مجرد دعواه فقط فجعل الله تعالى ذلك الحق لها إشفاقا عليها لعلّها ترجع عما يوجب الفرقة.

أو لبيان أنّ إقامة حق الله تعالى أهمّ من كلّ شيء بالنسبة إلى كلّ واحد من الزوجين بل بالنسبة إلى كلّ أحد.

قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).

العدول من التثنية إلى الجمع إما لأجل الإرشاد إلى حسن الاجتماع في الإصلاح والسعي في ذلك.

أو لبيان أنّ المدار على الخوف أن يكون معلوما يعرفه العرف لا أن

١٣

يكون من مجرد التوهم والوسوسة ونحو ذلك.

أو للإرشاد إلى أنّ ذلك من المصالح العامة فيطالب به المجتمع والأمة فيلزمهم مراعاة حال الزوجين ومساعدتهما في هذه الحالة ، ولأجل ذلك عدل عن الإضمار إلى التصريح فقال تعالى : (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) فإذا خافا عدم إقامة حدود الله فلا جناح على المرأة أن تبذل شيئا وتجعله فداء لها من الزوج. كما لا جناح على الزوج أخذ ما افتدت به الزوجة فيتوافقان على الطلاق بالفدية وهذا هو طلاق الخلع ولا يدخل في قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَ) لأنّ ذلك كان لأجل عدم رضاء الزوجة والإضرار بها وأما في المقام فقد تراضيا على ذلك وسيأتي في البحث الفقهي تتمة الكلام.

قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها).

أي : إنّ تلك الأحكام المتقدّمة من الحدود التي يلزم مراعاتها لتتم السعادة بين الزوجين ، ويرتفع التنافر والظلم ويسود العدل والإنصاف. وهذه الأحكام كما أنّها تشتمل على فروع فقهية تشتمل أيضا على أصول المعارف والأخلاق الفاضلة.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

أي : ومن يتجاوز أحكام الله بأن يخالفها ولا يهتم بمراعاتها فإنّ في ذلك إماتة للدين وهدما للسعادة وتخريبا للعمران وإبطالا لما أراده الله تعالى في إنزال الأحكام من المصالح.

١٤

بحوث المقام

بحث أدبي

قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) جملة خبرية في مقام الإنشاء ومثل هذا التعبير مألوف في القرآن الكريم ، وإنّما يستعمل في مقام التأكيد والاهتمام بالمراد.

وهو أبلغ من الإنشاء في الطلب والإيجاب ، لظهوره في وقوع المطلوب حتّى صار من شؤون المطلوب منه وليس في صيغة الأمر ما يفيد ذلك.

وفي كلمة (بِأَنْفُسِهِنَ) من البلاغة والإبداع ما لا يخفى ، فإنّها بإيجازها تشتمل على معان دقيقة بالإشارة والتلويح فإنّ فيها ترك التصريح إلى ما تتشوق النساء إليه والاكتفاء بالكناية عما يرغبن فيه ، وعدم إيئاسهنّ مع اجتناب إخجالهن وتوقي تنفيرهنّ أو التنفير منهنّ فإنّ الكلام في المطلّقات وهنّ معرّضات للزواج وخلوهنّ عن الأزواج ولا بد من ضبط النفس ومنعها أن تقع في غمرة الشهوة المحرمة.

ولو لا هذه الكلمة لما أفادت الجملة تلك اللطائف الدقيقة. ولا يبلغ إلى هذا الإعجاز سواه تبارك وتعالى.

مضافا إلى اشتمال الجملة على وجه الحكمة في تشريع هذا الحكم

١٥

وهو التحفظ عن اختلاط المياه وفساد الأنساب.

والتاء في (بُعُولَتُهُنَ) زائدة مؤكدة لتأنيث الجماعة وهو شاذ لا يقاس عليه ويعتبر فيه السماع.

وقوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) منصوب على أنّه مفعول به على تقدير مضيّ ثلاثة قروء ، وعلى أنّه مفعول فيه على تقدير مدة ثلاثة قروء.

وإنّما ذكر العدد مؤنثا «ثلاثة» باعتبار لفظ القرء المذكور سواء أريد به الطهر أو الحيض.

والقرء من الأضداد ويصح أن نقول : إنّه إذا كانت حقيقة واحدة ذات حالات مختلفة يصح وضع ألفاظ متعدّدة باعتبار تلك الحالات ، فدم الحيض حقيقة نوعية واحدة من حالاتها الاستعداد في عروق الرحم والجريان منه ، فتسمّى حيضا باعتبار الجمع والجريان أو هما معا ، ومن حالاتها تبادلها مع الطهر والانتهاء إليه أو البدء منه فتسمّى قرءا ، وباعتبار الافتضاض فتسمى طمثا قال تعالى : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) [الرحمن ـ ٥٦] ، وبانبساط الرحم تسمى ضحكا كما في قوله تعالى : ـ إن أريد به الحيض ـ (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) [هود ـ ٧١]. أي : حاضت. وأما إذا أريد منه التعجب بقرينة قوله تعالى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [هود ـ ٧٣] ، فلا ربط له بالمقام. ومثل ذلك كثير في القرآن الكريم ولغة العرب.

ولنا أن نجعل المقام من متحد المعنى وتلك الحالات من دواعي الاستعمال لا من خصوصيات الموضوع له أو المستعمل فيه وهذا هو المتيقّن والأخيران مشكوكان وإثباتهما يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

وفي قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) نوع من الاستخدام الذي هو من المحسنات الكلامية وهو عبارة عن أن تكون الكلمة لها معنيان فيذكر أحدهما ثم يراد بالضمير الراجع إليها معناه الآخر.

١٦

ففي المقام يراد من المطلّقات العموم ـ الأعم من البائن والرجعي ـ ومن الضمير الراجع إليها قسم خاص منها. وهو من الأساليب المعهودة في كلام العرب ووارد في القرآن الكريم كثيرا.

واختصاص الضمير بالبعض لا فرق فيه بين أن يكون لقرينة داخلية كما قيل في المقام من أنّ الأحقية إنّما تتحقق في الرجعيات دون البائنات التي لا رجوع فيها ، أو لأجل أخبار خاصة أو نحو ذلك فالضمير في جميع الحالات يرجع إلى بعض المطلّقات دون العموم.

وإنّما جيء بلفظ (إن) في قوله تعالى : (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) لذكر الحالة التي يتحقق بها الرد وإرادته كما في قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور ـ ٣٣].

ثم إنّ قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) التفات عن خطاب الجمع الوارد في قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ) وقوله تعالى : (فَلا تَعْتَدُوها) إلى خطاب المفرد بقوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) ثم إلى الجمع بقوله تعالى : (فَلا تَعْتَدُوها) ثم إلى المفرد في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) كلّ ذلك لتنبيه المخاطب ورفع الكسل في الإصغاء وتتشيط الذهن ليستعد لسماع الحكم من غير ملل.

وفي قوله تعالى : (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) التفات من الخطاب إلى الغيبة تكريما واستبعادا للمخاطب عن الوقوع في المخالفة وعدم إقامة حدود الله.

١٧

بحث دلالي

تدل الآيات الشريفة على أمور :

الأول : يدل قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) على وجوب الاعتداد على المطلّقة ووجه الحكمة في تشريع هذا الحكم وإن كانت الحكمة لا تطّرد ولا تنعكس.

الثاني : تدل جملة (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) على أنّ الأمر الذي لا بد منه في مدة التربص هو حفظ النساء أنفسهنّ فيمسكنها عما تقتضيه طبائعهنّ من الطموح إلى الزّواج.

وفيها دلالة على وجوب أن لا يخرجن من رعاية الزوج وحيطته.

وهذه الجملة من روائع الأسلوب في الدّلالة والفصاحة بإيجاز كما ذكرنا.

الثالث : يدل قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) بالملازمة على اعتبار قولهنّ إذا أخبرن بما في أرحامهنّ من الحيض ، والطهر ، والحمل.

ولعلّ ما ورد في الأحاديث : «إنّ الله فوض إلى النساء ثلاثة أشياء : الحيض ، والطهر ، والحمل» مستفاد من هذه الآية الشريفة.

وقد سيق ذلك مساق القاعدة الكلية ، وأجمع الفقهاء على اعتبار قولهنّ

١٨

في هذه الثلاثة ما لم يعلم الكذب وهو موافق للقاعدة النظامية المذكورة في الفقه من أنّ «كلّ من استولى على شيء فقوله معتبر فيما استولى عليه» ولهذه القاعدة موارد كثيرة في فقه المسلمين.

الرابع : قوله تعالى : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يدل على أنّ الحكم وهو وجوب حفظ أنفسهنّ في العدة وحرمة كتمانهنّ لما في الأرحام من لوازم الإيمان فلا استغناء عنه وفيه الزجر الشديد.

ويستفاد منه الردع الأكيد عن عادة كانت متبعة بينهنّ قبل نزول الآية الشريفة وأنّها مخالفة للإيمان.

الخامس : يدل قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) على كمال عطفه وشدة اهتمامه عزوجل ببقاء العصمة الأولى حيث عبّر تعالى. «بردهن» دون غيره ، فجعل للزوج حق الرد باعتبار الحالة التي قبل الطلاق فكأنّها لم تقطع ، ولاحق للمرأة في المعارضة ولا منافاة في ذلك مع القول بأنّ للزوج حق في المطلقة ولسائر الخطاب حق أيضا ولكن الرد لا يتحقق إلا مع الزوج الأول في العدة.

ويستفاد من هذه الآية الشريفة رجحان المراجعة وحسنها ، ويدل عليه العدول عن التعبير بالزوج إلى البعولة لإخراج غير المدخول بها وللترغيب في المراجعة وتذكر الحالة السابقة والعصمة الأولى.

السادس : يستفاد من تعقيب الآية المتقدمة بقوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أنّ رد الرجل امرأته إلى حبالته وعصمته على ما يريده الله تعالى إنّما يتحقق بإرادة الإصلاح وهي القيام بحقوقها ويلازم ذلك قيام المرأة بحقوق الزّوج فذكر سبحانه وتعالى حقّ كلّ واحد منهما على الآخر وأجمل في ذلك بعبارة فصيحة وهي بإيجازها تشتمل على جميع ما ينبغي ذكره في هذه الحالة ثم أرجع ذلك إلى العرف المتداول في كلّ مجتمع.

السابع : يستفاد من تكرار المعروف في هذه الآيات المباركة ـ فقد ذكر فيها اثنتا عشر مرّة ـ حجية العرف كما عليه المحققون من الفقهاء (قدس الله أسرارهم).

١٩

الثامن : إنّما ذكر سبحانه وتعالى لفظ الرجال في قوله : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) للإشارة إلى وجه التفوق وأنّه كمال الرجولية وفضل قيامه بأمورها ورعايتها كما فسرت هذه الدرجة في آية أخرى على ما ذكرنا في التفسير فراجع.

التاسع : يدل قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) على مرجوحية الطلاق والفرقة يعني : أنّ أصل الطلاق مرجوح ولو أريد العمل بهذا المرجوح فمرّتان والا فسيرى أثر عمله في الدنيا والآخرة التي تظهر فيها منويات العبد فإنّها عالم الظهور والشهود ، وقد ذكر العلماء آثارا خطيرة على الطلاق حيث إنّه يوجب فساد الأخلاق بين الزوجين ، وسوء تربية الأولاد ويوجب الأمراض النفسية إلى غير ذلك ، فهذا الأمر من الأمور التي تترتب عليه آثار كثيرة ومتعددة الجوانب منها الصحية والأخلاقية والتربوية الفردية والاجتماعية ، ولذا لا بد من تقييده بقيود توجب الإقلال منه وحصره في موارد كما سنذكرها في بحث آخر.

العاشر : أنّ قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) يلهم الزوجين بأعذب أسلوب وألطف بيان وبعناية خاصة نبذ الفرقة والاختلاف ويلقي بينهما الايتلاف والانس وسكون النفس الذي جعله الله تعالى بين الرجل والمرأة ، ولذا اعتبر أن يكون الإمساك بمعروف وألغى الإمساك الواقع عن مضارّة وإضرار وهكذا التسريح.

الحادي عشر : إنّما قيّد سبحانه وتعالى الإمساك بمعروف ، لنفي الإمساك المضار كما في قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) [البقرة ـ ٢٣١] ، وقيد التسريح بالإحسان ليترتب عليه قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) لأنّه قد ينافي أخذ شيء من المرأة العرف الدائر بين الناس ، ولأنّ من الإحسان هو أداء النفقة والإسكان وحسن المعاشرة حتى تنقضي العدة وهذه مزية في الإحسان لم تكن في المعروف ، ولذا اختلف القيد في الموردين.

الثاني عشر : يستفاد من قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) أنّه لا بد من كراهة الزوجة لأنّ الافتداء إنّما

٢٠