تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢

١
٢

٣
٤

الباب الثاني فيما يجب في باقي المحظورات‌

وفيه مباحث :

الأوّل : فيما يجب باللّبس‌

مسألة ٣٨٢ : من لبس ثوبا لا يحلّ له لبسه وجب عليه دم شاة ، وهو قول العلماء.

سأل سليمان بن العيص (١) الصادق عليه‌السلام : عن المحرم يلبس القميص متعمّدا ، قال : « عليه دم » (٢).

ولأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه ، فلزمه الفدية ، كما لو ترفّه بحلق شعره.

ولا فرق في وجوب الدم بين قليل اللّبس وكثيره ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ لأنّ صدق اللّبس المطلق على القليل والكثير‌

__________________

(١) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : محمد بن مسلم. وما أثبتناه من المصدر ، علما بأنّ « محمد بن مسلم » في المصدر واقع في سند الحديث اللاحق.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٣٩.

(٣) الام ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٩ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

٥

واحد ، فلا يتخصّص الحكم المتعلّق عليه بأحد جزئيّاته.

وقال أبو حنيفة : إنّما يجب الدم بلباس يوم وليلة ، ولا يجب فيما دون ذلك ، لأنّه لم يلبس لبسا معتادا ، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص (١).

ونمنع عدم اعتياده. ولأنّ ما ذكره تقدير ، والتقديرات إنّما تثبت بالنصّ. والتقدير بيوم وليلة تحكّم محض.

مسألة ٣٨٣ : استدامة اللّبس كابتدائه ، فلو لبس المحرم قميصا ناسيا ثم ذكر ، وجب عليه خلعه إجماعا ، لأنّه فعل محظور ، فلزمه إزالته وقطع استدامته ، كسائر المحظورات.

وينزعه من أسفل ، ولو لم ينزعه ، وجب الفداء ، لأنّه ترفّه بمحظور في إحرامه ، فوجبت الفدية.

وقال الشافعي : ينزعه من رأسه (٢).

وهو غلط ، لاشتماله على تغطية الرأس ، المحرّمة. ولأنّه قول بعض التابعين (٣).

ويجب به الفدية إن قلنا : إنّه تغطية.

ولو لبس ذاكرا ، وجبت الفدية بنفس اللّبس ، سواء استدامة أو لم يستدمه ، وبه قال الشافعي (٤).

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٥ ، وانظر : المجموع ٧ : ٣٤٠ ، وحلية العلماء ٣ : ٣٠١.

(٤) الام ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

٦

وقال أبو حنيفة أوّلا : إن استدام اللّبس أكثر النهار ، وجبت الفدية ، وإن كان أقلّ ، فلا.

وقال أخيرا : إن استدامة طول النهار ، وجبت الفدية ، وإلاّ فلا ، لكن فيه صدقة (١).

وعن أبي يوسف روايتان (٢) ، كقولي أبي حنيفة.

والحقّ ما قلناه ، لقوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٣) معناه : فمن كان منكم مريضا فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف ، فعلّق الفدية بنفس الفعل دون الاستدامة.

مسألة ٣٨٤ : لو لبس عامدا ، وجبت الفدية على ما تقدّم ، سواء كان مختارا أو مضطرّا ، لأنّه ترفّه بمحظور لحاجته ، فكان عليه الفداء ، كما لو حلق لأذى.

أمّا لو اضطرّ إلى لبس الخفّين والجور بين ، فليلبسهما ، ولا شي‌ء عليه ، لقول الصادق عليه‌السلام : « وأيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لبسهما » (٤).

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ ـ ١٨٧ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦١ ، وحكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠١ ، المسألة ٨٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٤١.

٧

ولو لبس قميصا وعمامة وخفّين وسراويل ، وجب عليه لكلّ واحد فدية ، لأنّ الأصل عدم التداخل ، خلافا لأحمد (١).

ولو لبس ثم صبر ساعة ، ثم لبس شيئا آخر ، ثم لبس بعد ساعة أخرى ، وجب عليه عن كلّ لبسة كفّارة ، سواء كفّر عن المتقدّم أو لم يكفّر ، قاله الشيخ (٢) ، لأنّ كلّ لبسة تستلزم كفّارة إجماعا ، والتداخل يحتاج إلى دليل.

وقال الشافعي : إن كفّر عن الأول لزمه كفّارة ثانية قولا واحدا ، وإن لم يكفّر ، فقولان : في القديم : تتداخل ، وبه قال محمّد ، والجديد : تتعدّد ، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف (٣).

تذنيب : لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة ، وجب عليه فداء واحد. ولو كان في مرّات متعدّدة ، وجب عليه لكلّ ثوب دم ، لأنّ لبس كلّ ثوب يغاير لبس الثوب الآخر ، فيقتضي كلّ واحد مقتضاه من غير تداخل.

ولأنّ محمد بن مسلم سأل الباقر عليه‌السلام : عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء » (٤).

مسألة ٣٨٥ : لو لبس ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم فنزع ، لم يكن عليه شي‌ء ، قاله علماؤنا ، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر (٥).

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٩ ، المسألة ٨٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٧٩ ، الوجيز ١ : ١٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، وحكى الأقوال الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، المسألة ٨٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٤٠.

(٥) المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣ ، الام ٢ : ٢٠٣ ، المجموع ٧ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠.

٨

لما رواه العامّة عن يعلى بن أميّة أنّ رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو بالجعرانة وعليه جبّة وعليه أثر خلوق ، أو قال : أثر صفرة ، فقال : يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال : ( اخلع عنك هذه الجبّة ، واغسل عنك أثر الخلوق ـ أو قال : أثر الصفرة ـ وأصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك ) (١).

وفي رواية أخرى : يا رسول الله أحرمت بالعمرة وعليّ هذه الجبّة (٢) ، فلم يأمره بالفدية.

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمّدا فعليه دم شاة » (٣).

ولأنّ الحجّ عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فكان من محظوراته ما يفرّق بين عمده وسهوه ، كالصوم.

ولأنّ الكفّارة عقوبة تستدعي ذنبا ، ولا ذنب مع النسيان.

وقال أبو حنيفة والليث والثوري ومالك وأحمد في رواية : عليه الفدية ، لأنّه هتك حرمة الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كحلق الشعر وتقليم الأظفار وقتل الصيد (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ ـ ١١٨٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٤ ـ ١٨١٩ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٤.

(٢) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ ـ ٨٣٧ ـ ٧ بتفاوت.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٢٨٧.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٨ ، المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠.

٩

ونمنع الهتك ووجود الحكم في غير الصيد.

والفرق : بأنّ الأصل يضمن ، للإتلاف ، بخلاف صورة النزاع ، فإنّه ترفّه يمكن إزالته.

والمكره حكمه حكم الناسي والجاهل ، لأنّه غير مكلّف ، فلا يحصل منه ذنب ، فلا يستحقّ عقوبة.

ولقوله عليه‌السلام : ( رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (١) ولو علم الجاهل ، كان حكمه حكم الناسي إذا ذكر.

ولو اضطرّ المحرم إلى لبس المخيط لاتّقاء الحرّ أو البرد ، لبس ، وعليه شاة ، للضرورة الداعية إليه ، فلو لا إباحته ، لزم الحرج ، وأمّا الكفّارة : فللترفّه بالمحظور ، فكان كحلق الرأس لأذى.

ولقول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : في المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب فلبسها ، قال : « عليه لكلّ صنف منها فداء » (٢).

مسألة ٣٨٦ : من غطّى رأسه وجب عليه دم شاة إجماعا‌ ، وكذا لو ظلّل على نفسه حال سيره ـ خلافا لبعض العامّة ، وقد تقدّم (٣) ـ لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق رأسه.

ولأنّ محمد بن إسماعيل روى ـ في الصحيح ـ قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس ، فقال : « أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى » (٤).

__________________

(١) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ ـ ١٠٣٠٧ نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٤٠.

(٣) تقدّم في ج ٧ ص ٣٤١ ذيل المسألة ٢٥٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥١.

١٠

ولو فعل ذلك للحاجة أو للضرورة ، وجب عليه الفداء ، لأنّه ترفّه بمحظور ، فأشبه حلق الرأس لأذى.

ولا فرق بين أن يغطّي رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو غيره ، كالعمامة والخرقة ولو بطين ، أو يستره بستر وغيره.

ولو فعل ذلك ناسيا ، أزاله إذا ذكر ، ولا شي‌ء عليه ، لأنّ حريزا سأل الصادق عليه‌السلام : عن محرم غطّى رأسه ناسيا ، قال : « يلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شي‌ء عليه » (١).

ولا فرق بين أن تمسّ المظلّة رأسه أو لا.

ولو توسّد بوسادة أو بعمامة مكورة ، فلا بأس.

البحث الثاني : فيما يجب بالطيب والادّهان.

مسألة ٣٨٧ : أجمع العلماء على أنّ المحرم إذا تطيّب عامدا ، وجب عليه دم ، لأنّه ترفّه بمحظور ، فلزمه الدم ، كما لو ترفّه بالحلق.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب إليه » (٢).

ولا فرق بين أن يستعمل الطيب أكلا أو إطلاء أو صبغا أو بخورا ، أو في طعام إجماعاً.

ولا بأس بخلوق الكعبة وإن كان فيه زعفران ، لأنّ يعقوب بن شعيب سأل ـ في الصحيح ـ الصادق عليه‌السلام : المحرم يصيب ثيابه الزعفران من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٥٠ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٦.

١١

الكعبة ، قال : « لا يضرّه ولا يغسله » (١).

مسألة ٣٨٨ : لا فرق بين الابتداء والاستدامة في وجوب الكفّارة ، فلو تطيّب ناسيا ثم ذكر ، وجب عليه إزالة الطيب ، فإن لم يفعل مع القدرة ، وجب عليه الدم ، لأنّ الترفّه يحصل بالاستدامة كالابتداء.

والكفّارة تجب بنفس الفعل ، فلو تطيّب عامدا ثم أزاله بسرعة ، وجبت الكفّارة وإن لم يستدم الطيب ، ولا نعلم فيه خلافا ، ووافقنا هنا (٢) أبو حنيفة وإن كان قد نازعنا في اللّبس (٣).

ولا فرق في وجوب الكفّارة بين الطعام الذي فيه طيب مسّته النار أو لم تمسّه.

وقال مالك : إن مسّته النار ، فلا فدية (٤).

وسواء بقي الطعام على وصفه من طعم أو لون أو ريح أو لم يبق.

وقال الشافعي : إن كانت أوصافه باقية من طعم أو لون أو رائحة ، فعليه الفدية ، وإن بقي له وصف ومعه رائحة ، ففيه الفدية قولا واحدا ، وإن لم يبق غير لونه ولم يبق ريح ولا طعم ، قولان : أحدهما كما قلناه ، والثاني : لا فدية فيه (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٢٢٦.

(٢) في « ف » والطبعة الحجرية : فيه ، بدل هنا.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٠ و ١٦١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ و ١٨٩ ، الاختيار ١ : ٢١٢ و ٢١٣ ، المغني ٣ : ٥٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٤ ، المسألة ٩١ ، وانظر : الموطأ ١ : ٣٣٠ ، والمدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٧ ، والمنتقى ٣ : ٣٠٤ ، والتفريع ١ : ٣٢٧ ، والمغني ٣ : ٣٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٩ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٨٩.

(٥) حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، المسألة ٩١ ، وانظر : المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٦ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، والمغني ٣ : ٣٠٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

١٢

وإذا تطيّب عامدا أو ناسيا وذكر ، وجب عليه غسله ، ويستحب له أن يستعين في غسله بحلال ، ولو غسله بيده ، جاز ، لأنّه ليس بمتطيّب ، بل تارك للطيب ، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة على عزم الترك للغصب.

ولأنّ النبي عليه‌السلام قال للذي رأى عليه طيبا : ( اغسل عنك الطيب ) (١) ولو لم يجد ماء يغسله به ووجد ترابا ، مسحه به أو بشي‌ء من الحشيش أو ورق الشجر ، لأنّ الواجب إزالته بقدر الإمكان.

ويقدّم غسل الطيب على الطهارة لو قصر عنهما وتيمّم ، لأنّ للطهارة بدلا.

ولو أمكنه قطع رائحة الطيب بشي‌ء غير الماء ، فعله وتوضّأ بالماء.

ويجوز له شراء الطيب وبيعه إذا لم يشمّه ، ولا يلمسه ، كما يجوز له شراء المخيط والإماء.

مسألة ٣٨٩ : إنّما تجب الفدية باستعمال الطيب عمدا ، فلو استعمله ناسيا أو جاهلا بالتحريم ، لم يكن عليه فدية ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال الشافعي (٢) ، لما رواه العامّة : أنّ أعرابيّا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجعرانة وعليه مقطّعة (٣) له وهو متضمّخ بالخلوق ، فقال : يا رسول الله أحرمت وعليّ هذه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( انزع الجبّة واغسل الصفرة ) (٤) ولم يأمره بالفدية.

__________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٥٣.

(٢) الام ٢ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣.

(٣) مقطعة : أي ثوب قصير ، النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٨١.

(٤) سنن النسائي ٥ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٣ : ٥٣٦ بتفاوت في اللفظ.

١٣

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام : « من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ، ويتوب إليه » (١).

مسألة ٣٩٠ : لو استعمل دهنا طيّبا ، وجب عليه دم شاة ، ولا شي‌ء على الناسي ، لأنّ معاوية بن عمّار روى ـ في الصحيح ـ في محرم كانت به قرحة ، فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه » (٢) ومعاوية ثقة لا يقول ذلك إلاّ تلقينا.

البحث الثالث : فيما يجب بالحلق وقصّ الظفر.

مسألة ٣٩١ : أجمع العلماء على وجوب الفدية بحلق المحرم رأسه متعمّدا.

قال الله تعالى ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٣).

وروى العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لكعب بن عجرة : ( لعلّك آذاك هوامّك ) قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( احلق رأسك ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو أنسك شاة ) (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٨.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ـ ١٣ ، الموطّأ ١ : ٤١٧ ـ ٢٣٨ ، المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٩.

١٤

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، قال : فأنزلت هذه الآية ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (١) فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحلق رأسه ، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مدّان ، والنسك شاة » (٢).

مسألة ٣٩٢ : الفدية تتعلّق بحلق الرأس ، سواء كان لأذى أو غيره ، لدلالة الآية (٣) على وجوبها في الأذى ، ففي غيره أولى.

هذا إذا كان عالما عامدا ، وإن كان جاهلا أو ناسيا ، فلا شي‌ء عندنا ـ وبه قال إسحاق وابن المنذر (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (٥).

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمّدا فعليه دم شاة » (٦).

وقال الشافعي : تجب عليه الفدية ، لأنّه إتلاف ، فاستوى عمده‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

(٥) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ ـ ١٠٣٠٧ نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٢٨٧.

١٥

وخطؤه ، كقتل الصيد (١).

والفرق : أنّ قتل الصيد مشتمل ـ مع التحريم المشترك ـ على إضاعة المال وإتلاف الحيوان لغير فائدة.

إذا عرفت هذا ، فقد قال الشيخ : الجاهل يجب عليه الفداء (٢).

والمعتمد : ما قلناه ، لحديث الباقر عليه‌السلام (٣).

وأمّا النائم فهو كالساهي ، فلو قلع النائم شعره ، أو قرّبه من النار فأحرقه ، فلا شي‌ء عليه ، خلافا للشافعي (٤).

مسألة ٣٩٣ : الكفّارة إمّا صيام ثلاثة أيّام ، أو صدقة على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، وإمّا نسك ، وهو : شاة يذبحها ، ويتصدّق بلحمها على المساكين.

وهي مخيّرة عند علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي (٥) ـ للآية (٦).

وقال أبو حنيفة : إنّها مخيّرة إن كان الحلق لأذى ، وإن كان لغيره ، وجب الدم عينا ـ وعن أحمد روايتان ـ لأنّ الله تعالى خيّر بشرط العذر ، فإذا عدم الشرط ، وجب زوال التخيير (٧).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٠٥ و ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٨ ، المغني ٣ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٠.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ ، المسألة ١٠٢.

(٣) تقدّم في ص ١٥.

(٤) لم نعثر عليه ، والقول موجود في المغني ٣ : ٥٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٠ من دون نسبة.

(٥) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢١ ، المجموع ٧ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ و ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٢ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٦.

١٦

والجواب : الشرط لجواز الحلق لا للتخيير.

ولأنّ الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له ، والتبع لا يخالف أصله.

ولا تجب الزيادة في الصيام على ثلاثة أيّام عند عامّة أهل العلم (١) ، لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة : ( احلق رأسك وصم ثلاثة أيّام ) (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « فالصيام ثلاثة أيّام » (٣).

وقال الحسن البصري وعكرمة : الصيام عشرة أيّام. وهو قول الثوري وأصحاب الرأي (٤).

وأمّا الصدقة : فهو إطعام البرّ أو الشعير أو الزبيب أو التمر على ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع في المشهور ـ وبه قال مجاهد والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي (٥) ـ لما رواه العامّة في حديث كعب بن عجرة ( أو أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ) (٦).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « أو يتصدّق على ستّة مساكين ، والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين » (٧).

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٨١ ، زاد المسير في علم التفسير ١ : ٢٠٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣.

(٢) الموطأ ١ : ٤١٧ ـ ٢٣٨ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢ ـ ١٣ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٩ : ١٠٩ ـ ٢٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١٥٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٥٧.

(٤) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٨١ ، زاد المسير في علم التفسير ١ : ٢٠٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣ ، المحلّى ٧ : ٢١٢.

(٥) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٣ ، المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ٦٥٨.

١٧

وفي رواية أخرى لنا ـ وهو قول بعض علمائنا (١) ، والحسن وعكرمة والثوري وأصحاب الرأي (٢) ـ أنّ الصدقة على عشرة مساكين ، لقول الصادق عليه‌السلام : « والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام » (٣).

والرواية مرسلة (٤).

ولا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية وإن اختلف مقدارها على ما يأتي ، وبه قال الشافعي (٥).

وقالت الظاهرية : لا فدية في شعر غير الرأس (٦) ، لقوله تعالى : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (٧).

وهو يدلّ بمفهوم اللقب ولا حجّة فيه ، والقياس يدلّ عليه ، وهو من أصول الأدلّة عندهم ، فإنّ إزالة شعر الرأس وشعر غيره اشتركا في الترفّه.

مسألة ٣٩٤ : لو نتف إبطيه جميعا ، وجب عليه دم شاة ، وفي نتف الواحد إطعام ثلاثة مساكين ، لأنّ الدم في الرأس إنّما يجب بحلقه أو بما يسمّى حلق الرأس ، وهو غالبا مساو للإبطين.

ولقول الباقر عليه‌السلام : « من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمّدا فعليه دم » (٨).

__________________

(١) المحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، المحلّى ٧ : ٢١٢ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٨٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ـ ١١٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ٦٥٧.

(٤) كذا ، والحديث مسند ، وانظر منتهى المطلب ٢ : ٨١٥.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ١١٥ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٣.

(٧) البقرة : ١٩٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٤ ، الاستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٢.

١٨

وقال الصادق عليه‌السلام : في محرم نتف إبطه : « يطعم ثلاثة مساكين » (١).

قال الشيخ : إنّه محمول على من نتف إبطا واحدا ، والأوّل على من نتف إبطيه جميعا (٢).

ولو مسّ رأسه أو لحيته فسقط منهما شي‌ء من الشعر ، أطعم كفّا من طعام ، ولو فعل ذلك في وضوء الصلاة ، فلا شي‌ء عليه ، لقول الصادق عليه‌السلام : في المحرم إذا مسّ لحيته ، فوقع منها شعر : « يطعم كفّا من طعام أو كفّين » (٣).

وسأل رجل الصادق عليه‌السلام : إنّ المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة والشعرتان ، فقال : « ليس عليه شي‌ء ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤) » (٥).

مسألة ٣٩٥ : لو حلق لأذى ، أبيح له ذلك ، ويتخيّر بين التكفير قبل الحلق وبعده ، لما رواه العامّة عن الحسين بن علي عليهما‌السلام : اشتكى رأسه فأتى علي عليه‌السلام ، فقيل له : هذا الحسين يشير إلى رأسه ، فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه وهو بالسعيا (٦) (٧).

ولأنّها كفّارة ، فجاز تقديمها ، كالظهار.

ولو خلّل شعره فسقطت شعرة ، فإن كانت ميتة ، فالوجه : عدم الفدية ، ولو كانت ثابتة ، وجبت الفدية ، ولو شكّ ، فالأصل عدم الضمان.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ ـ ٦٧٦.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٠٠ ذيل الحديث ٦٧٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٨ ـ ١١٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٦٧.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٨ ـ ٦٧٠.

(٦) السعيا ـ بوزن يحيى ـ : واد بتهامة قرب مكة. معجم البلدان ٣ : ٢٢١.

(٧) المغني ٣ : ٥٣١.

١٩

ولو قلع جلدة عليها شعر ، لم يكن عليه ضمان ، لأنّ زوال الشعر بالتبعية ، فلا يكون مضمونا ، كما لو قطع أشفار عيني غيره ، فإنّه لا يضمن أهدابهما.

مسألة ٣٩٦ : اختلف قول الشيخ ـ في المحرم هل له أن يحلق رأس المحلّ؟ فجوّزه في الخلاف‌ ولا ضمان ـ وبه قال الشافعي وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبو ثور (١) ـ لأصالة براءة الذمّة (٢).

وقال في التهذيب : لا يجوز ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وأوجبا عليه الضمان ، وهو عند أبي حنيفة صدقة (٣) ـ لقول الصادق عليه‌السلام : « لا يأخذ الحرام من شعر الحلال » (٤).

إذا عرفت هذا ، فالشاة تصرف إلى المساكين ، ولا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئا ، لأنّها كفّارة ، فيجب دفعها إلى المساكين ، كغيرها من الكفّارات.

ولما رواه ابن بابويه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث كعب ( والنسك شاة لا يطعم منها أحد إلاّ المساكين ) (٥).

مسألة ٣٩٧ : أجمع علماء الأمصار على أنّ المحرم ممنوع من قصّ أظفاره‌ ، وتجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم (٦) ـ وبه قال حمّاد ومالك‌

__________________

(١) الام ٢ : ٢٠٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ ـ ٣١٢ ، المسألة ١٠٣.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ ذيل الحديث ١١٧٨ والحديث ١١٧٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ذيل الحديث ١٠٨٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٣١ ـ ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢.

٢٠