المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي

المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي


المحقق: الشيخ أحمد المحمودي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الثقافة الإسلاميّة لكوشانبور
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٩٠

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كلمة المؤسّسة :

تعتزّ مؤسّسة الثّقافة الإسلاميّة لكوشانبور ؛ أن تقوم لتقديم كتاب هو من أقدم الكتب التي ألّفت حول إمامة أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛

ألا وهو : «المسترشد في الإمامة» للحافظ الكبير أبو جعفر محمّد بن جرير ابن رستم الطّبري (الإمامي) من أعلام القرن الثّالث والرّابع ، وإنّه لسفر عميق وتحقيق رشيق ، وبديع في موضوعه ؛

قام بتحقيق هذا الكتاب العالم التّقي فضيلة الأستاذ الحاج الشّيخ أحمد المحمودي سلّمه الله ووفّقه ، فزيّنه بالهوامش القيّمة والتّعاليق الثّمينة وأخرجه بحلّة تناسب أذواق أهل العصر ، فلله أجره وعليه درّه ؛

فنرجو من المولى عزوجل أن يوفّق المحقق دام علاه ، وأن يوفّقنا ويجعل عملنا من مصاديق كلام الإمام الباقر عليه‌السلام إذ يقول : «رحم الله عبدا أحيا أمرنا» (الكافي ج ٢ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ١٧٦) إن شاء الله.

مؤسّسة الثّقافة الإسلاميّة لكوشانبور

طهران «١٤١٥ ه‍»

٣

ألإهداء :

إلى صاحب اللّواء والولاية العظمى ؛

إلى باب مدينة علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إلى محطّم الأصنام ومبيدها

إلى من أمر بقتال النّاكثين والقاسطين والمارقين ؛ إلى من أقام الصّلاة وآتى الزّكاة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ؛

(وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى)

إلى من جاهد في سبيل الله حقّ جهاده ولم يخف لومة لائم ؛

إلى من عبد الله حتّى أتاه اليقين ، وقال :

فزت وربّ الكعبة ، وهو وليد الكعبة ؛

أقدّم جهدى المتواضع رجاء القبول ؛

سيّدى ، يا أمير المؤمنين ، عبدك الرّاجي

أحمد المحمودي.

٤

الحمد لله الّذي منّ علينا بجلائل نعمائه ، وفواضل كرمه

وآلائه وأرشدنا إلى دينه برسله وأنبيائه ، وأكمل لناديننا ، وأتمّ

علينا نعمه بولاية أوليائه.

ثمّ الصّلاة والسّلام على سيّد رسله وخاتم النّبيّين محمّد بن

عبد الله ، وعلى آله المعصومين ، وأصحابه المنتجبين

المخلصين

واللّعن على ظالميهم وباغضيهم إلى يوم الدّين.

وبعد فقد إطّلعت على هذا الكتاب للمرّة الأولى أيّام الدّراسة حيث كنت ملتجأ إلى باب مدينة العلم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (النّجف الأشرف) معتكفا لتحصيل العلم ، مستلهما من سدّته الشّريفة ، فوجدته كتابا فائقا شيّقا رائقا ، ولمّا أجبرنا على مغادرة العراق وحططنا رحالنا في مدينة العلم بقم المقدّسة وإتّخذناها مسكنا بجوار السيّدة الجليلة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه‌السلام ، عمدنا إلى متابعة الجهود العلميّة والدّراسيّة ، وهنا كانت إشارة سماحة شيخنا العمّ بالسّعي في إحياء هذا الكتاب بالتّحقيق والتّخريج ، فكانت عودتي إليه بالمطالعة الدّقيقة فوجدته كنزا حاويا على مضامين عالية وترتيب علميّ دقيق ومنهجيّة

٥

واضحة ، إلّا أنّ نسخته المطبوعة كانت مشحونة بالتّصحيفات والأخطاء المطبعيّة الفضيعة والكثيرة ، مضافا إلى عدم إخراجه ولا تنقيطه بما يليق وشأنه العلميّ والتّراثي.

فصمّمت على تحقيقه وإخراجه بحلّة تناسب وأذواق أهل العصر ، معتمدا على الله ، فقمت باستنساخه بعد مقابلته بالنّسخ الّتى توفّرت لدىّ والّتى سأتحدّث عن مواصفاتها ؛

كما قمت بضبط أسماء الأعلام المذكورة فيه وخرّجت ما أمكنني تخريجه من أحاديثه وآثاره المنقولة فيه.

وكاد عملي يشرف على الكمال إلّا أنّ الأحداث الّتي حصلت على البلاد الإسلاميّة ، وعلى الحوزة العلميّة في قم خاصّة ، عاقت عن ذلك ، حتّى منّ الله على البلاد والعباد بانتصار الثّورة الإسلاميّة المباركة بقيادة زعيمها المظفّر ، سماحة المرجع الأعظم آية الله العظمى الإمام السيّد روح الله الموسوى الخميني قدّس الله سرّه الشّريف ، وإقتضت الضّرورات الملحّة إشتغالي ببعض المسؤليّات وتولّي بعض المهامّ الإداريّة والتّبليغيّة والثّقافيّة ، وخاصّة إبان الحرب الظّالمة المفروضة على بلاد الإسلام والأمّة الإسلاميّة ، فكان ذلك من أسباب تأخّر صدور هذا الكتاب وإنجازه بشكل نهائيّ ؛

وبعد إستقرار الأوضاع عدت إلى ما كنت أنجزته وأضفت عليه وأكملته ، فكان بهذا الشّكل الّذي أقدّم له وأقدّمه إلى العلماء ، معترفا بأنّ

٦

ما أقدّمه إنّما هو مبلغ جهدي ، وليس ما هو اللّازم عمله في مثل هذا الكتاب العظيم ، إلّا أنّي لم أدّخر ما في وسعي ، ولم أقصّر حسب إمكاناتي المتواضعة ؛

وقد حاولت بعد عملي في تحقيق النصّ ، وتخريج النّصوص من مصادرها ومظانّها ، أجمع ما قيل حول المؤلّف من كلمات الأعلام ، كما جمعت ما قيل حول مؤلّفاته ؛

أمّا عن هذا الكتاب فقد تحدّثت عن نسخه وما قمت فيه من أعمال كما سيأتي إن شاء الله.

وأنا شاكر لله على توفيقي لمثل هذا العمل الّذي أرجو أن يدّخره لي في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتى بقلب سليم.

والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ هو نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ وهو وليّ التّوفيق.

٧

التّمهيد :

ـ دور العلم ، والعلماء ، وعظمتهم

ـ المؤلّف : ترجمته :

ـ وكلمات العلماء في حقّه :

ـ تآليفه ، وآثاره :

ـ ألإطراء له :

٨

تمهيد :

للعلم شأن عظيم ، ودور كبير في حياة المجتمع الانسانى ، وقد اهتمّ به العقل والقرآن ، (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١).

وجعل لمن أوتى العلم درجات ، (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٢) ، والعلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، وطلبه فريضة على كلّ مسلم ، والله يحبّ بغاة العلم (٣).

والعلماء ، هم الأمناء الّذين يتفقّهون في الدّين وينذرون قومهم (إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (٤) ؛ ولكثير من علمائنا الأعلام ، وفقهائنا العظام رحمهم‌الله تعالى درجات رفيعة ومقامات منيعة ، وكرامات ومكارم عالية ، ومع ذلك كلّه بقيت شخصّياتهم متروكة في زوايا النّسيان ، وخبايا الفقدان ، وإنّه من هوان الدّهر!.

ولذلك وقع جمع كثير من المؤلّفين والمصنّفين من علمائنا موقع

__________________

(١) سورة الزمر ؛ الآية : ٩.

(٢) سورة المجادلة ؛ الآية : ١١.

(٣) كتاب الكافي ج ١ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٣٠ ، ط طهران باب فضل العلم ، ح ١ ج ١ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٥.

(٤) الكافي ج ١ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٣١ ، ح ٦ ، اقتباسا من آية النّفر.

٩

طعن المخالفين ، ومحلّ توقّف الموافقين والمؤالفين.

فكم من عالم فقيه أتعب نفسه للصّلاح والإصلاح فرمي بسهم الكذب والتكذيب ، وهو صالح صادق ، وكم عادل موثّق بذل جهده للسّداد والتعديل ، فأصيب بالجرح والتّضعيف ، وهو فائق ، وكم من مؤلّف مصنّف لم يبق منه أثر التّأليف والتصنيف وكم له من نظير! لا أدرى أمن قلّة عناية المتأخّرين بشأن المتقدّمين؟ أم من شأن الزّمان وقلم التّقدير؟!.

فمن أولئك المصنّفين الأفذاذ ، أبو جعفر ، محمّد بن جرير بن رستم الطّبري الإماميّ الآملي (١) ، مؤلّف كتاب «المسترشد» في إمامة مولانا

__________________

(١) قال أبو سعد ، عبد الكريم بن محمّد السّمعاني ، المتوفّى (٥٦٢ ه‍) في كتاب الأنساب ، ج ٤ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٤٥ ، ط بيروت :

الطّبري : بفتح الطّاء المهملة ، والباء الموحدة ، بعدها راء مهملة.

هذه النّسبة إلى «طبرستان» وهي : آمل وولايتها. سمعت القاضي أبا بكر الأنصاري ببغداد : إنّما هي تبرستان لأنّ أهلها يحاربون بالتبر يعني «الفاس» فعرب ، وقيل : طبرستان ، والنّسبة ، إليها طبريّ. وخرج من آمل جماعة كثيرة من العلماء والفقهاء والمحدّثين.

منهم : ... أبو بكر الخوارزمي : طبريّ الأب ، من طبرستان آمل ، خوارزمي الأم ، فنسب إلى البلدتين جميعا ، وهو يذكر ذلك في «رسالة» وليس من طبريّة الشام ، غير أنّه أقام بالشّام مدّة : بحلب ونواحيها.

وأبو جعفر محمّد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطّبري ، من ساكنى بغداد ، استوطنها الى حين وفاته ...

أقول : لقد تعرّض السّمعاني ترجمة الطّبري العامي مفصّلا ولم يتعرّض للطّبري الإمامي أبدا. وليس هذا أوّل قارورة كسرت في الإسلام.

وقال ياقوت بن عبد الله الحموي البغدادي المتوفّى (٦٢٦ ه‍) ، في كتابه معجم البلدان ج ١ ط بيروت (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٥٧ :

١٠

أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

فلم يسلم هذا المؤلّف المنيف والمصنّف الشّريف من تبعات الزّمان وطوارق الحدثان ، فأصبحت شخصيّته بين ذين وذين ، وكيت وكيت! فلنطّلع على واقع هذا العالم الجليل وتحقيق شخصيّته الفذّة هلمّ معي إلى ما قال المترجمون في الرجّال ، من الخاصّة والعامّة ، ومن القدماء والمتأخرين في حقّه.

__________________

= آمل : بضمّ الميم واللّام : اسم أكبر مدينة بطبرستان في الإقليم الرّابع ، وطولها سبع وسبعون درجة وثلث وعرضها سبع وثلاثون درجة ونصف وربع. وبين آمل وسارية ثمانية عشر فرسخا ، وبين آمل وسالوس ، وهي من جهة الجيلان ، عشرون فرسخا ، وقد ذكرنا خبر فتحها بطبرستان.

١١

المؤلّف :

١ ـ قال الشّيخ الثّقة الثّبت الجليل ، النّقاد البصير ، أبو العبّاس أحمد بن عليّ النّجاشي المتوفّي (٤٥٠) في كتابه المعروف بالفهرست في الرّجال ؛ ط / بيروت ، ج ٢ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٢٨٩ ؛

هو : أبو جعفر ، محمّد بن جرير بن رستم الطّبري الآملي ، إنّه جليل من أصحابنا ، كثير العلم ، حسن الكلام ، ثقة في الحديث ، له كتاب ، «المسترشد» في الإمامة.

قال : أخبرنا به أحمد بن عليّ بن نوح ، عن الحسن بن حمزة الطّبري ، قال : حدّثنا محمّد بن جرير بن رستم بهذا الكتاب وبسائر كتبه.

٢ ـ وقال شيخ الطّائفة ، أبو جعفر الطّوسي رحمه‌الله المتوّفي (٤٦٠) في كتابه الفهرست ، ط النّجف ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ١٧٨ ، الرّقم (٦٥٤).

هو : أبو جعفر الآملي الطّبري الشّيعي ، له كتب ، منها : «المسترشد» في الإمامة.

وقال أيضا : محمّد بن جرير الطّبري الكبير ، يكنّى أبا جعفر ، ديّن ، فاضل ، وليس هو صاحب التّاريخ فإنّه عامّي المذهب.

وله كتب جمّة ، منها : «المسترشد».

١٢

وقال أيضا في كتاب الرّجال ط / النّجف (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٥١٤ في باب من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام.

محمّد بن جرير بن رستم الطّبري ، وليس بصاحب التّاريخ.

[وقال] : أمّا ابن جرير السنّي صاحب التّاريخ ، فهو أبو جعفر محمّد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطّبري ، المولود بآمل سنة (٢٢٤) والمتوفّى سنة (٣١٠ ه‍) وله سبع وثمانون سنة.

٣ ـ وقال عزّ الدّين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفّى (٥٦٦ ه‍) في شرح نهج البلاغة ، ج ٢ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٣٦ ، ط / مصر ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم :

وأما الأخبار الّتي رواها عن عمر ، فأخبار غريبة ، ما رأيناها في الكتب المدوّنة ، وما وقفنا عليها إلّا من كتاب المرتضى وكتاب آخر يعرف بكتاب «المسترشد» ، لمحمّد بن جرير الطّبري ، وليس هو محمّد بن جرير صاحب التّاريخ ، بل هو من رجال الشّيعة وأظنّ أنّ أمّه من بني جرير ، من مدينة آمل طبرستان ، وبنو جرير الآمليّون شيعة مستهترون بالتشيّع ، فنسب إلى أخواله ويدلّ على ذلك شعر مرويّ له وهو :

بآمل مولدي وبنو جرير

فأخوالي ويحكي المرء خاله

فمن يك رافضيّا عن أبيه

فإنّى رافضّي عن كلاله

٤ ـ وقال أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبى المتوفّى (٧٤٨) في كتاب سير أعلام النّبلاء ، ج ١٤ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٢٨٢ ، ط بيروت الرّقم ، ١٧٦ :

١٣

أبو جعفر الطّبري ، قال عبد العزيز الكتاني : هو من الرّوافض صنّف كتبا كثيرة في ضلالتهم ، له كتاب : الرّواة عن أهل البيت وكتاب «المسترشد» في الإمامة». [قال] : نقلته من خطّ الصّائن.

وقريبا منه أورده في ميزان الإعتدال ج ٣ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٤٩٩ ، ط بيروت قال :

محمّد بن جرير بن رستم ، أبو جعفر الطّبري ، رافضيّ.

٥ ـ وقال العلّامة تقيّ الدّين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي المتوفّي (٧٠٧) في كتاب الرّجال ط النّجف ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ١٦٧ ، في باب الثّقات ، الرّقم : ١٣٣٠ :

محمّد بن جرير ، بالجيم والرّاء المهملتين ، إبن رستم الطّبري الآملي أبو جعفر ، لم [جخ ، ست ، جش] جليل من أصحابنا كثير العلم حسن الكلام ، ثقة في الحديث ، صاحب كتاب «المسترشد» في الإمامة. رحمه‌الله وهو غير صاحب التّاريخ ، ذاك عاميّ.

٦ ـ وقال سيّد الأعيان (١) السّيد محسن الأمين رحمه‌الله المتوفّي (١٣٧١ ه‍)

__________________

(١) لا يخفى أنّ للعلماء دور كبير في تصعيد المستوى العلمي في المجالات الفكرية والقيم الأخلاقية ، وتحقيق الثّقافة المتميّزة بالأصول العلمية المدوّنة في الموسوعات الفقهيّة والأصوليّة والتّفسيريّة والرّجاليّة كالمقنعة للشّيخ المفيد ، والانتصار للسّيد المرتضى ، والتّبيان والنّهاية للشّيخ الطّوسي ، ومجمع البيان للطّبرسي ، والمختلف والمستند للحلّي والنّراقي ، واللّمعة الدّمشقيّة وشرحها للشّهيدين والرّسائل والمكاسب للشّيخ الانصاري ، وأعيان الشّيعة للسيّد الأمين ، والذّريعة للشّيخ الطّهراني ، والغدير للشّيخ الأميني ، والبحار للعلّامة المجلسي رحمهم‌الله والوسائل ومستدركه والجواهر ، والحدائق ، كما كانت تلمع الكتب الحديثيّة الأربعة بعد كتاب الله العزيز ، ونهج البلاغة ، والصّحيفة السّجادية.

١٤

في كتاب أعيان الشّيعة ج ٩ ، ط بيروت ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ١٩٩ :

أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم بن جرير الطّبري الآملي المعروف باسم أبي جعفر بن جرير الآملي الطّبري رجلان من كبار العلماء أحدهما : محمّد بن جرير بن يزيد المولود في آمل طبرستان ، والسّاكن في بغداد المفسّر المحدّث الفقيه المؤرّخ من أئمّة أهل السنّة المجتهدين ، وصاحب التّفسير والتّاريخ المشهورين ، وصاحب كتاب الغدير في مجلّدين كبيرين ، توفّي أوائل شوّال سنة (٣١٠ ه‍) في بغداد عن أربع وثمانين سنة.

والثّاني ، محمّد بن جرير بن رستم الطّبري الآملي من أكابر علماء الإماميّة في المائة الرّابعة ، ومن أجلّ الأصحاب ، ثقة جليل القدر ، وقد يشتبه أحدهما بالآخر.

ومن المواضع الّتي وقع فيها الاشتباه والاختلاف في أبي بكر الخوارزمي محمّد بن العبّاس إبن أخت محمّد بن جرير الطّبري الّذي يقال له : الطّبر خزي نسبة إلى طبريّة خوارزم ، فقيل : إنّ خاله الطّبري الأوّل ، وجماعة آخرون قالوا : إنّ خاله الطّبري الثّاني الإمامي وهو الأصح بدليل قول أبي بكر المذكور :

بآمل مولدي وبنو جرير

فأخوالي ويحكي المرء خاله

ومن يك رافضيّا عن تراث

فإنّي رافضيّ عن كلاله

ولمحمّد بن جرير بن رستم الإماميّ من المؤلّفات :

١ ـ الإيضاح.

١٥

٢ ـ «المسترشد» في الإمامة.

٣ ـ دلائل الإمامة الواضحة ، روى فيه في أحوال الزّهراء ، بإسناده إلى إبن مسعود ، أنّه قال : جاء رجل إلى فاطمة فقال : يا بنت رسول الله هل ترك رسول الله عندك شيئا تطوّقينيه؟ فقالت : يا جارية هات تلك الجريدة فطلبتها فلم تجدها فقالت : ويحك أطلبيها فإنّها تعدل عندي حسنا وحسينا فطلبتها فإذا هي قد قممتها فإذا فيها :

قال محمّد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه ، ومن كان يؤمن باليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت ، إنّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف ، ويبغض الفاحش البذاء السّائل الملحف ، إنّ الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة ، وإنّ الفحش من البذاء والبذاء في النّار (١).

٤ ـ كتاب مناقب فاطمة وولدها.

٥ ـ كتاب النّور المعجزات في مناقب الأئمّة الإثنى عشر وهو أخصر من الدّلائل.

٦ ـ كتاب الرّواة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، كما في ميزان الاعتدال. أقول : انتهى كلام السّيد الأمين.

٧ ـ وقال العلّامة المتتبّع الميرزا محمّد باقر الخوانسارى الإصبهانى المتوفّى (١٣١٤ ه‍) في كتابه روضات الجنّات في أحوال

__________________

(١) أنظر دلائل الإمامة ط النّجف (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ١. وذكر أيضا ابن حبّان في صحيحه ، كما في الاحسان ، ج ٢ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٢٥٩. ورواه المنذري في «التّرغيب والتّرهيب» ج ١ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٥٨٤.

١٦

العلماء والسّادات ج ٧ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٢٩٣ ، ط طهران بعد ذكر الطّبري العامي :

وفي كتاب مقامع الفضل لولد سمّينا المروّج البهبهاني ، في جواب ، من سأله عن المراد بمحمّد بن جرير الطّبري المتكرّر ذكره في كتب أصحابنا ما يكون صورته :

محمّد بن جرير الطّبري رجلان ، أحدهما إبن جرير بن غالب الطّبري الّذي هو شافعيّ المذهب ، ومدحه النّووي الشّافعي في كتاب تهذيب الأسماء ، وهو صاحب التّاريخ والتّفسير المشهورين ،

والآخر محمّد بن جرير بن رستم الطّبري صاحب كتاب «المسترشد» وكتاب الايضاح ، ولا شبهة في كونه من الشّيعة ، وهو الّذي قال إبن أخته أبو بكر محمّد بن عبّاس الخوارزمي :

بآمل مولدي وبنو جرير

فأخوالي ويحكي المرء خاله

فها أنا رافضيّ عن تراث

وغيري رافضيّ عن كلاله

وقد إشتبه الأمر على صاحب «معجم البلدان» حيث كذّب الخوارزمي فيما نسبه إلى خاله ، تمّ كلامه (١).

قال : والظّاهر أنّ الإشتباه من صاحب «المعجم» إنّما هو من جهة زعمه الخوارزميّ المذكور ، إبن أخت طبريّهم المؤرّخ المشهور.

وأنت إذا تأمّلت في كتب رجال الشّيعة ، وفي تقدّم هذا الطّبريّ على الخوارزمي قريبا من مأة سنة ، علمت أنّ أبا بكر المذكور لم يكن إبن أخته ،

__________________

(١) أي كلام صاحب مقامع الفضل.

١٧

وإن ذكره إبن خلّكان أيضا لمنافاة هذا الكلام منه مع ما ذكره من تاريخ وفاة الخوارزمي ، وعليه فلا إشتباه في تكذيب من خال الرّجل خاله ، ثمّ كذّب من نسب إليه الرّفض وأحاله ، وحقّ فيما ذكره صاحب «المقامع» من كونه إبن أخت طبريّنا المحدّث الإمامي لأنّه متأخّر عن سميّه الأوّل بما يوافق خاليّة الثّاني ، فليتأمّل ولا يغفل.

أقول : ثمّ أطنب العلّامة الخوانساري الكلام بما يناسب المقام ، دون إعطاء رأيه لحلّ الإشكال فأعرضنا عن نقل ما أورده ، ونحيل القارىء المتتبّع إلى مصدر المذكور.

٨ ـ وقال سيّدنا الأستاذ ، فقيه العصر ، السيّد الخوئي دام ظلّه في كتابه «معجم رجال الحديث» ، ج ١٥ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ١٦٤ ، ط النّجف ، وص ١٤٨ ط بيروت ، بعد ذكر قول النّجاشي والشّيخ رحمه‌الله :

أقول : محمّد بن جرير بن رستم الطّبري الآملي ، أبو جعفر ، له كتاب «دلائل الإمامة» ، أو دلائل الأئمّة ، روى عن هذا الكتاب السيّد عليّ بن طاووس المتوفّى سنة (٦٦٤) ، روى عنه السيّد هاشم التوبلي المتوفّى سنة (١١٠٧) في كتاب مدينة المعاجز ، فقال في أوّل الكتاب عند ذكر مصادره : كتاب «إلامامة» للشّيخ الثّقة أبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطّبري الآملي ، كثير العلم ، حسن الكلام ، وذكر أنّ كلّما ينقل في كتابه مدينة المعاجز ، عن محمّد بن جرير الطّبري فهو من كتاب «دلائل الإمامة» له.

ثمّ إنّ محمّد بن جرير ، هذا مغاير لمحمّد بن جرير المتقدّم جزما ، فإنّ ذلك روى كتابه الحسن بن حمزة الطّبري الّذي هو من مشايخ

١٨

الصّدوق والمتوفّى سنة (٣٥٨) ، وهذا معاصر للنّجاشي والشّيخ قدس‌سرهما ، فإنّه روى في كتابه «دلائل الإمامة» ، وقال : نقلت هذا الخبر من أصل بخطّ شيخنا أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري ، وفي كتابه قرائن كثيرة ، وروايات عن مشايخ النّجاشي والشّيخ ومن في طبقتهم.

ولقد إستوفى الشّيخ المتتبّع الماهر الشّيخ آقا بزرك الطّهراني عافاه الله تعالى في كتابه «الذّريعة» الجزء ٨ ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٢٤١ ، الكلام على ذلك ، فلا حاجة إلى التّطويل في المقام هذا.

أقول : إنتهى كلام السيّد الخوئي دام ظلّه ، فلنقم بذكر كلام الشّيخ الطّهراني مع طوله فإنّ فيه أمل النّاقدين ، وضالّة الفاقدين :

٩ ـ قال العلّامة الرّازي الشّيخ آغابزرك الطّهراني رحمه‌الله (١) في «نوابغ الرّواة» من طبقات أعلام الشّيعة في القرن الرّابع ، ط بيروت (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٢٥٠ ، وقد أطال فيه الكلام ، وأنا أنقل جميع ما ذكره ليكون القارىء على كمال التّبصر في المؤلّف والمترجم له ، وإليك النّص :

__________________

(١) توفّي العلّامة الطّهراني رحمه‌الله يوم الثّالث عشر من ذي الحجّة لسنة ألف وثلاثمأة وتسعة وثمانين عن عمر يناهز ستّة وتسعين ، في النّجف الأشرف ، ودفن في مكتبته العامرة الواقعة في محلّة الجديدة ، وكان رحمه‌الله كثير القراءة والكتابة ، وكنّا نذهب إلى بيته في بعض ليالي الجمعة لنشارك في المجلس الّذي يقام لذكر مصائب سيّد الشّهداء عليه‌السلام ، ولأوّل مرّة تشرّفت بزيارته كنت بصحبة صهره المرحوم الحاج الشّيخ حسين الطّهراني الّذي كنت نازلا في غرفته بدء ورودي في مدرسة القزوينية عام ألف وثلاثمأة وواحد وثمانين للهجرة ، ثمّ كنت أذهب إليه أيضا بصحبة عمّي الشّيخ محمّد باقر وهو أيضا كان يجلس معه للقراءة والمقابلة.

١٩

محمّد بن جرير بن رستم ، أبو جعفر الطّبري ، صاحب كتاب «غريب القرآن» كما ذكره إبن النّديم عند ذكره للكتب المؤلّفة في غريب القرآن (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٥٢ معبّرا عنه بأبي جعفر إبن رستم الطّبري. وحكى عنه في أوّل المقالة الثّانية ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ٥٩ ، أنّ أبا الأسود أخذ النّحو عن عليّ (عليه‌السلام) أيضا بعنوان : قال أبو جعفر بن رستم الطّبري.

[قال الرّازي :] أقول : وهو الآملي الإمامي صاحب كتاب «المسترشد» في الإمامة الّذي يرويه عنه الشّريف الحسن بن حمزة الطّبري المرعشي المتوفّى (٣٥٨). وقد ترجم في النّجاشي والفهرست مصرّحا في الأخير بأنّه الكبير ، وكأنّه إحتراز عن أبى جعفر بن محمّد بن جرير الطّبري الصّغير المتأخّر عن الكبير والمعاصر للنّجاشي والطّوسي ، والرّاوي عن جملة من مشايخهما كما يظهر من أسانيد كتابه «دلائل الإمامة» وصاحب الترجمة كبير ومتقدّم على النّجاشي والطّوسي بطبقتين فإنّه يروي النّجاشي «المسترشد» عنه بواسطتين. فيرويه عن شيخه أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن محمّد بن نوح عن الشّريف أبي محمّد الحسن بن حمزة الطّبري المرعشي المتوفّى (٣٥٨) عن مؤلّف «المسترشد» وبما أنّ النّجاشي يروي بعدّة طرق عن الكليني المتوفّى (٣٢٩) بواسطتين يظهر أنّ مؤلّف «المسترشد» كان متعاصرا مع الكليني تقريبا ، ولم يكن ممّن أدرك أحد الأئمّة ظاهرا ، فإنّه لو كان مدركا لكان النّجاشي والطّوسي يذكران ذلك كما هو ديدنهم ، وعلى هذا فالمترجم له غير ابن جرير الّذي خاطبه العسكري ثلاث مرّات ضمن قصّة المعجزات التّسع الواردة في

٢٠