مناهج اليقين في أصول الدين

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

مناهج اليقين في أصول الدين

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: يعقوب الجعفري المراغي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٧

البحث السابع في بقية الأجناس

الأين نسبة الشيء الى المكان ، ولا شك في زيادته على الجسم.

والمتى نسبة الشيء الى الزمان ، وهو مغاير للزمان ، والمتكلمون أنكروا ثبوته والّا لزم التسلسل.

والوضع وهو الهيئة الحاصلة للجسم بسبب اعتبار نسبة أجزائه بعضها الى بعض والى الأمور الخارجة.

والملك وهو نسبة التملك للشيء.

وأن يفعل وهو المؤثرية.

وان ينفعل وهو المتأثرية ، والمتكلمون أنكروهما للزوم التسلسل.

وبعض الناس جعل المقولات اربعا : الجوهر والكم والكيف والنسبة.

واعلم أن حصر اجناس الموجودات في هذه وان هذه أجناس مما يمتنع اثباته بالحجّة.

٢٤١
٢٤٢

المنهج الثالث

في احكام الموجودات

وفيه أربعة مطالب

٢٤٣
٢٤٤

الأول

في العلة والمعلول

العلة هي ما يحتاج إليه الشيء ، وهي مادية وصورية وفاعلة وغائية ، وأيضا فهي إما قريبة أو بعيدة ، وأيضا فهي إما عامة أو خاصة ، وأيضا فهي إما بالعرض أو بالذات.

والحق أن العلية من الصفات الاعتبارية حكمها في الوجود والعدم واحد ، فممكن أن يكون بعض الأعدام علة لبعض آخر لعدم العلة والشرط وإن كان قد يوزع فيه بناء على أن العلية أمر ثبوتي يستحيل اتصاف المعدوم به ، وهو خطأ والّا لزم التسلسل.

مسألة : قد وقع الاصطلاح بين البصريين أن الموجب على قسمين : معنى وصفة.

والمعنى على ضربين : علة وسبب ، فالعلة ما أوجبت صفة لغيرها ، والسبب ما أوجبت ذاتا.

والصفة إذا أوجبت صفة ككون الحيّ حيّا فإنه يوجب له كونه مدركا إذا وجد المدرك ، فإن الموجب يسمّى مقتضيا والموجب مقتضي.

والبغداديون يسمون السبب علة والعلة معنى ، وذلك لا مشاحة فيه ، قالوا : والصفة على ضربين :

واجبة ، إما على الإطلاق وهي التي تستند الى الذات وبها تقع المخالفة والمماثلة وتكون حالة حالتي الوجود والعدم كالجوهرية ، وإما بشرط ، إما متصل كالتحيز الواجب بالذات التي هي جوهر بشرط الوجود الذي هو متصل بالجوهر

٢٤٥

وإمّا منفصل نحو كون المدرك مدركا الواجب عند وجود المدرك لكونه حيا ، وقد يسمى هذه الصفة لا للنفس ولا للمعنى.

وجائزة ، تتعلق إما بالفاعل وهو قسمان : أحدهما المؤثر فيه كونه قادرا وهو الحدوث لا غير.

والثاني المؤثر فيه كونه عالما كالأفعال المحكمة او مريدا ككون الكلام أمرا ونهيا وخبرا.

وإما بالمعنى ، وهو كل صفة يتجدد مع جواز ان لا يتجدد ، والأحوال واحدة فإنها تستند الى معنى ، قالوا : والصفات على ضربين : احدهما يرجع الى الآحاد كرجوعه الى الجملة وهي صفات الأجناس كالجوهرية.

والثاني يرجع الى الجملة دون الأجزاء ، إما باعتبار استحالة رجوعها الى الآحاد كالقادر والعالم ، وإما باعتبار المواضعة كالأمر الموضوع للجملة لا لآحاد الحروف ، ولقد كان يمكن وضعه لغة للآحاد.

قالوا : وكل صفة لا بد لها من حكم كما ان كل ذات لا بد لها من صفة ، فحكم صفة النفس التماثل والاختلاف والمتضادة ، وحكم الحيّ رفع استحالة كون القادر قادرا عالما (١) ، وحكم القادر صحة الفعل على بعض الوجوه ، وحكم العالم صحة الأحكام ، وحكم المريد صحة تأثير أحد الوجهين.

مسألة : لا شك في أن المعلول واجب عند علته ممتنع عند عدمها والّا لكان نسبة الوجود والعدم عند وجودها إليه بالسوية ، فترجيح أحد الطرفين في وقت يستلزم الترجيح من غير مرجح (٢) ، فيستحيل استناد معلول شخصي الى علتين

__________________

(١) ب : كلمة «عالما» ساقطة.

(٢) وقد ذكر التفتازاني هنا دليلا آخر ، وهو ان الاحتياج الى المؤثر التام من لوازم الامكان والامكان من لوازم المعلول ، فلو لم يجب وجود المؤثر التام عند وجود المعلول لزم جواز وجود الملزوم بدون اللازم هذا خلف. (شرح المقاصد ج ٢ ص ٨٣).

٢٤٦

تامتين والّا لاستغنى بكل واحدة منهما عن كل واحدة منهما فتقع الحاجة حالة الاستغناء هذا خلف.

مسألة : المعلولان اذا اتحدا بالنوع يجوز تعليلهما بالمختلفين فيه كالحرارة الصادرة عن النار وعن الحركة وعن الشعاع وعن الحمى ، وخالف فيه بعض الأشاعرة ، لأن المعلول ان افتقر الى العلة لماهيته افتقر الآخر إليها والّا لم يجز استناده إليها.

والجواب الحاجة الى علة مطلقة وتعيينها انما جاء من جانب العلة.

مسألة : يجوز التركيب في العلل العقلية اتفاقها (١) على شروط ، وخالف الأشاعرة فيهما.

واستدل الأولون بأن تأثير الشمس في الإضاءة مشروط بزوال الغيم والنتيجة انما تحصل عقيب المقدمتين.

واستدل الأشاعرة بأن تركيب العلة يستلزم استناد المعلول الشخصي الى العلل الكثيرة ، والتالي باطل لما مرّ فالمقدم مثله.

بيان الشرطية ، أن عدم العلة قد يكون لعدم بعض أجزائها وحينئذ يعدم المعلول ويستند الى علتين عند عدم الجزءين.

والجواب النقض والحل ، أما الأول فلأنه يلزم منه عدم الماهيات المركبة رأسا ، وهو مكابرة.

وأما الثاني فلأن عدم المعلول يستند الى عدم العلة لا غير الحاصل بعدم أحد (٢) اجزائها لا على التعيين.

مسألة : منع الأوائل والمعتزلة من صدور المعلولين عن البسيط والّا لزم

__________________

(١) ب : ايقافها.

(٢) ب : كلمة «احد» ساقطة.

٢٤٧

التكثر او التسلسل ، وأيضا يلزم التناقض ، فإن صدور «أ» و «ب» يستلزم صدور «أ» ولا صدور «أ» ، (١) وأيضا اختلاف الآثار يدل على اختلاف المؤثرات كالبرودة والحرارة فعلى تعددها أولى.

والجواب عن الأول أنه مبني على أن العلية امر ثبوتي ، وهو ضعيف لما مرّ.

وينتقض بالسلب عن البسيط والاضافة إليه ، وما اعتذر به بعض المحققين فقد أبطلناه في كتاب الأسرار (٢).

وعن الثاني أنه مغالطة ، فان اللازم منه صدور «آ» وما ليس «آ» لا صدور «آ» وعدم صدور «آ» فان بينهما مغايرة.

وعن الثالث أن الاستدلال أنما هو بتخلف الآثار لا باختلافها.

__________________

(١) هذه هي القاعدة المعروفة بان الواحد لا يصدر عنه الا واحد ، والبرهان الذي اقامه المصنف متخذ من كلام الشيخ الرئيس قال صاحب الاسفار : «وكتب الشيخ الرئيس الى بهمنيار لما طلب عنه البرهان على هذا المطلب ، لو كان الواحد الحقيقي مصدرا لأمرين كألف وباء مثلا كان مصدرا لألف وما ليس الف ، لأن باء ليس الف فيلزم اجتماع النقيضين.

قال الامام الرازي : نقيض صدور الف لا صدور الف لا صدور لا الف اعني صدور باء ...» واجاب صدر المتالهين عن الرازي بانه اذا كان البسيط الحقيقي مصدرا لالف مثلا ولما ليس الف مثلا كانت مصدريته لما ليس الف غير مصدريته لالف التي هي نفس ذاته فتكون ذاته غير ذاته ، وهذا هو التناقض (الاسفار الاربعة ج ٢ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧) ، انظر أيضا : شرح الاشارات ج ٣ ص ٢٣.

(٢) اي كتاب «الاسرار الخفية في العلوم العقلية» الذي عرفناه فيما سبق.

٢٤٨

المطلب الثاني

في الواحد والكثير

الوحدة والكثرة من الامور الاعتبارية على المذهب الحق والّا لزم التسلسل ، والقائلون بوجودهما وهم أوائل القدماء قالوا : إنهما عرضان ، أما الوحدة فلأنها إن كانت جوهرا استحال حلولها في العرض ، والعدد المركب من الوحدات يستحيل أن يكون جوهرا ، فان مجموع المفتقرات الى المحل مفتقر إليه بالضرورة ، وفي هذه الحجة حوالة على أن وحدتي الجوهر والعرض متحدتان في المفهوم وعليه منع.

واعلم أن الواحد مقول بالتشكيك على ما تحته ، فأولاها به مجرد الوحدة ثم الواحد بالشخص ثمّ بالنوع ثم بالجنس ، ويتفاوت الأولوية بتفاوت الأجناس قربا وبعدا ومن الواحد ما هو بالذات ومنه ما هو بالعرض.

مسألة : صدور المشائين استفادوا من معلمهم (١) أن ليس عدد مقوما لآخر ، فالعشرة متقومة بالآحاد لا بالخمستين ، لأنه ليس تقومها بخمستين اولى من تقومها بالسبعة والثلاثة والستة والاربعة ، ومن المحال تقوم الشيء بأجزاء مستقلة ثم تقومه بأجزاء اخرى مغايرة للأول (٢) مستقلة.

مسألة : قالوا : لا شك أن بين الواحد والكثير مقابلة ، وأصناف التقابل أربعة ، وليس ذلك التقابل تقابل الضدية ولا العدم والملكة ولا السلب والإيجاب ، لاستحالة تقوم أحد المتقابلين بهذه المعاني بالآخر ، ولا تقابل التضايف فان المضايف مصاحب والمقوم متقدم ، فاذن التقابل عارض من حيث إن الوحدة مكيال

__________________

(١) وهو ارسطو وسيجيء التعريف بالمشائين في آخر الكتاب.

(٢) ب : للأولى.

٢٤٩

والكثرة مكيل ، وهذا التقابل العارض تقابل التضايف.

مسألة : قد ذهب قوم من الأوائل لا تحقيق لهم الى (١) أن الوحدة والعدد مبادي الأشياء وأن الوحدة أمر مجرد ، فإذا قارنها شيء آخر مجرد حصل العدد ، وإن قارنها ذو وضع حصلت النقطة ، وإن قارنها نقطة أخرى حصل الخط ، وهكذا الى الجسم.

وهذا المذهب سخيف جدا ، أما على قولنا فظاهر ، وأما على قول الآخرين فلأنهما من قبيل الأعراض.

__________________

(١) ب : كلمة «الى» ساقطة.

٢٥٠

المطلب الثالث

في التماثل والاختلاف والتضاد

المتغايران هما اللذان يمكن ان يفارق أحدهما الآخر ، وهما إما مثلان او مختلفان ، والمثلان هما اللذان يقوم كل واحد منهما مقام الآخر ويسدّ (١) مسده ، والمخالف بالعكس.

والمختلفان إما متضادان ، او غير متضادين وهما الوصفان الوجوديان الممتنع اجتماعهما لذاتيهما ، والأوائل زادوا فيه ، وبينهما غاية الاختلاف.

مسألة : المشهور عند الأشاعرة والأوائل امتناع اجتماع المثلين ، لاستحالة وقوع الامتياز بالذاتيان واللوازم وبالعوارض أيضا.

أما أوّلا فلأن العوارض انما تعرض بواسطة المادة والمادة واحدة.

وأما ثانيا فلأن نسبة العارض الى المثلين واحدة فلا امتياز ، والمعتزلة جوزوا ذلك.

مسألة : التقابل جنس للتضاد ويندرج تحته ثلاثة أنواع أخر وهي : تقابل السلب والايجاب والعدم والملكية والمتضائفين.

والمقابل من حيث هو مقابل وإن كان أعم من المضايف لكنه باعتبار الوصف كان أخص ، كحد الحد بالنسبة الى الحد وكالكلي بالنسبة الى الجنس.

مسألة : قال قوم : إن المتغايرين والمتضادين والمختلفين انما هي كذلك لمعان قائمة بها ، محتجين بأن السواد يضاد البياض والضدية أمر معقول مغاير لهما.

وذهب آخرون الى امتناع ذلك والّا لزم التسلسل.

ونحن نقول : إن عني القائل الأول أن التضاد والتماثل والاختلاف أمور

__________________

(١) الف : ليسد.

٢٥١

اعتبارية زائدة في التعقل على تعقل الذات فهو حق والتسلسل منقطع بانقطاع الاعتبار ، وإن عني أن هذه الأمور لا بد وان تكون ثابتة في الأعيان فهو خطأ والتسلسل لازم.

مسألة : قال الأوائل : الأجناس لا تتضاد وعولوا فيه على الاستقراء ، والخير والشر ليسا جنسين ومع ذلك فالضدية عارضة لهما من حيث إن أحدهما ملائم والاخر منافر ، وشرطوا في التضاد للأنواع الأخيرة دخولها تحت جنس واحد والتعويل هاهنا على ما عولوا عليه ثمّ.

مسألة : قالوا : ضد الواحد واحد ، وخالف فيه المتكلمون واستدلوا بأنه لو وجد شيئان في غاية البعد عن البياض لكانت جهة المخالفة ان كانت واحدة فضد الواحد هو تلك الجهة وان كانت متكثرة كانت جهة الضدية بين البياض واحدهما غير جهتها بينه وبين الاخر ، ولا منازعة في أن تكثر التضاد جائز عند تكثر الوجوه والاعتبارات.

مسألة : زعم المثبتون أن التضاد على ثلاثة أضرب :

تضاد على الوجود كتضاد الجوهر والفناء ، ولذلك فإن جزأ من الفناء يغني جميع الجواهر لفقد الاختصاص ثم يغني.

وتضاد على المحل كتضاد (١) السواد والبياض ، ولذلك يفني (٢) من البياض جميع ما في المحل من السواد وإن تكثرت أجزائه لعدم الاختصاص.

وتضاد على الجملة كتضاد العلم والجهل والإرادة والكراهة ، ولذلك جزء من الجهل ينفي أجزاء كثيرة من العلم إذا كان بالعكس من ذلك وإن تغايرت محلّهما (٣) ، لأن تضادهما على الجملة ، والجملة مع ذلك كالمحل مع ما يتضاد على المحل.

__________________

(١) الف : لتضاد.

(٢) ب : يغني.

(٣) الف : محالهما.

٢٥٢

المطلب الرابع

في الكلي والجزئي

وهما من المعقولات الثانية ، والكلي باعتبار وجوده في الخارج متعددة على ستة أقسام ، وللكلي نوع آخر من القسمة ، وهو إما أن يكون طبيعيا أو عقليا أو منطقيا ، وجزموا بوجود الأول ، وفي الباقين خلاف ، الحق أن وجودهما ذهني ، وأيضا من الكلي ما هو قبل الكثرة ، ومنه ما هو بعدها ، ومنه ما هو معها.

والجزئي لفظ مشترك بين معنيين : أحدهما الذي يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه وهو الحقيقي.

والثاني المندرج تحت غيره وهو الاضافي ، والثاني أعم.

مسألة : الكلي إما أن يكون نفس الماهية وهو النوع ، او جزئها وهو الجنس إن كان كمال المشترك بينها وبين نوع ما ، والّا فهو الفصل ، أو خارجا عنها وهو الخاصة إن اختص بماهية واحدة ، والّا فهو العرض العام.

٢٥٣
٢٥٤

المنهج الرابع

في إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته

وفيه مباحث

٢٥٥
٢٥٦

الأول

في إبطال الدور والتسلسل

أما الدور فمن المعلوم القطعي بطلانه ، وربما استدلوا باستحالة تقدم الشيء على نفسه على عدم تقدمه على المتقدم عليه فإن العلة متقدمة.

وأما التسلسل فقدماء المتكلمين استدلوا على بطلانه بأنه قابل للزيادة والنقصان ، ضرورة أن كل موجود كذلك وكل ما قبلهما فهو متناه ، وأيضا فهو ذو عدد وكل عدد إما زوج أو فرد وهما متناهيان ، وهذان ضعيفان.

والحق أن نقول : كل واحد من آحاد التسلسل ممكن فالمجموع كذلك ، فعلته إن كان هو الآحاد بأسرها كان الشيء مؤثرا في نفسه ، وإن كان بعضها كان الشيء مؤثرا في علته وعلة علته. وأيضا لا يلزم من وجود جزء تتقوم الماهية منه ومن غيره وجود تلك الماهية ، وإن كان أمرا خارجا عنها فهو واجب.

وللشيخ برهان آخر (١) ، وهو أن المعلولات قد تساوت في كونها وسطا ، وهاهنا طرف هو المعلول الأخير ، فلا بد من طرف آخر هو العلة الأولى ، ولبرهان التطبيق (٢) دلالة في هذا الموضع.

__________________

(١) انظر عن تناهي العلل في كلام الشيخ الرئيس الى : إلهيات الشفاء ص ٣٤٠.

(٢) مضى البحث عن برهان التطبيق في البحث عن الحدود والقدم فراجع.

٢٥٧

البحث الثاني

في بيان وجوده تعالى

لمّا بطل الدور والتسلسل قلنا : إن هاهنا موجودا بالضرورة ، فهو إما واجب او ممكن ، فان كان الأول فهو المطلوب ، وان كان الثاني فلا بد له من مؤثر ، فإما أن يدور او يتسلسل وهما باطلان ، او ينتهي الى الواجب.

وهذه الطريقة هي أشرف الطرق وأمتنها وهي طريقة الأوائل.

وللمتكلمين طريقة أخرى قوية هي أن الأجسام محدثة فلا بد لها من محدث ، فإن كان ذلك المحدث قديما فهو المطلوب ، والّا لزم تسلسل الحوادث وهو محال ، لأن حادثا ما إن كان أزليا لزم التناقض والّا فالكل حادث.

ولمشايخ المعتزلة طريقة أخرى ضعيفة هي أن أفعالنا كالقيام والقعود محتاجة إلينا لحدوثها فيكون مشاركها في الحدوث محتاجا الى المؤثر أما الأول فلحصولها عند خلوص الداعي وانتفائها عند خلوص الصارف فهي إذن محتاجة إلينا ، وعلة الحاجة هي الحدوث لأنها إما هو او العدم او البقاء ، والأخيران باطلان لأن العدم ليس بعلة ولا معلول والباقي مستغن.

وأما الثانية فلولاها لزم نقض العلة وهو محال.

وهذه الحجة ضعيفة قد تعلمت ضعفها وضعف أمثالها فيما سلف (١).

واعلم أن الوجود عند مشايخ المعتزلة أمر زائد على الذات وأن المعدوم ثابت ، فهذه الحجة تدل على ثبوته لا على وجوده عندهم ، واستدلوا على وجوده بأنه تعالى قادر فله تعلق بالمقدور والمعنى بالتعلق أمر لأجله يختص كونه قادرا

__________________

(١) في البحث عن الحدوث والقدم.

٢٥٨

بمقدور دون مقدور وتعلقه بذلك المقدور لنفسه ، لأن المتعلق بالغير على ضربين : أحدهما المتعلق بغيره لأجل غيره كالأمر والنهي المتعلقين بالغير لأجل الوضع والاصطلاح وهما مغايران للأمر والنهي.

والثاني المتعلق بالغير لذاته كالقدرة والعلم ، ولا شك أنه تعالى ليس (١) من قبيل القسم الأول ، واذا ثبت أنه متعلق بالمقدور لنفسه كان موجودا ، لأن العدم يخرج المتعلق عن التعلق كالقدرة لما كانت متعلقة بالمقدور لنفسها كان عدمها يخرجها عن التعلق ، لأنها لو تعلقت وهي معدومة ، ولا شك أن في العدم ما لا نهاية له من القدر وما يختص به أحدنا من القدر المعدومة أيضا لا نهاية له ، لوجب أن يكون أحدنا قادرا على ما لا نهاية له وذلك يرفع التفاوت بين القادرين وهو محال أدى إليه صحة تعلق القدرة المعدومة ، فإذن العدم يخرج المتعلق عن التعلق ، فلو كان الله تعالى معدوما لم يتعلق والتالي باطل لما تقدم فالمقدم مثله.

واعلم أن ما بني عليه هذا الاستدلال من ثبوت المعدوم من أعظم المحالات والاستدلال المذكور من أضعف الأدلة.

__________________

(١) ب : كلمة «ليس» ساقطة.

٢٥٩

البحث الثالث

في الصفة الذاتية

اعلم أن أبا هاشم ذهب الى أن لله تعالى صفة ذاتية يخالف بها ما يخالف كالجوهرية للجوهر ، وأن له اربع صفات اخر ، وهو كونه : قديما ، حيّا ، وقادرا ، وعالما ، وأن هذه الصفات مقتضاة عن صفة الذات.

ثم لما اتصف بهذه الصفات وجب لكونه على صفة القادرية أن يصح منه الفعل ، ولكونه على صفة العالم أن يصح منه الإحكام ، ولكونه حيّا ان يصح منه الإدراك ويجب عند وجوده.

وقاضي القضاة قسم صفاته الى خمسة اقسام :

الأول : الصفة الذاتية.

الثاني : ما هو مقتضاها ، وهي الصفات الأربع المذكورة.

الثالث : ما يكون حكما للصفة المقتضاة ، وهو صفة الإدراك التي تجب لكونه حيا.

الرابع : ما ثبت له بالمعنى وهو كونه مريدا وكارها.

الخامس : صفات الأفعال.

احتج أبو هاشم على إثبات الصفة الذاتية بأنه تعالى قادر ، عالم ، حيّ ، قديم على سبيل الوجوب ، فقد خالف باقي الذوات في ذلك ، فعلّة المخالفة لا يجوز أن يكون هو مجرد الصفات الأربع لوقوع الاشتراك ولا وجوبها ، فإن البصر يدرك السواد الواجب فرضا في المحل مساويا للسواد الممكن فلا بد من حالة أخرى ذاتية تختص به حتى تقع المخالفة.

٢٦٠