مناهج اليقين في أصول الدين

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

مناهج اليقين في أصول الدين

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: يعقوب الجعفري المراغي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
المطبعة: اسوة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٧

إنه يجددها حالا فحالا (١).

والدليل لنا في ذلك : إنها ممكنة الوجود في الزمان الأول واستمر (٢) على ذلك والّا لزم انقلاب الحقائق ، ولو رجع في هذا المطلب الى دعوى الضرورة كما رجع إليه الاوائل كان أولى.

مسألة : التداخل محال ، فإن بعدين اذا اجتمعا حكم صريح العقل بأن مجموعهما أزيد من أحدهما ، وجماهير المتكلمين اعتمدوا في ذلك على أنها متماثلة فلو تداخلت لم يقع بينهما الامتياز الذاتي والعارضي فيفضي الى الاتحاد ، ونقل عن النظام إنه جوز التداخل وكذلك نقل عن بعض الاوائل.

مسألة : الأجسام مرئية (٣) ، وقد سلم الأوائل ذلك غير أنهم قالوا : إن المرئي بالذات هو اللون والضوء وما عداهما فهو مرئي بسببهما ، ولا حاجه في هذا المقام الى الاستدلال.

واحتج المتكلمون : بأنا نرى الطويل العريض العميق وهو عبارة عن الجسم ، فإن الطول لو حل في جزء واحد لزم انقسامه وإن كان في أكثر لزم قيام العرض بمحلين.

مسألة : الأجسام متناهية ، وخالف فيه بعض الأوائل ومحققوهم ، استدلوا بساق المثلث إذا امتد الى غير النهاية ، فإن البعد بينهما لا يتناهى ،

__________________

(١) ان اراد النظام تجدد الاجسام حالا فحالا ، فهذا هو القول بالحركة الجوهرية التي عنونها المتأخرون من الفلاسفة كصدر المتألهين ومن تبعه ، فانهم يقولون ان الاجسام ليست باقية وهي متجددة آنا فآنا والجامع المحافظ لاجزاء الاجسام هو الحركة ، انظر عن البحث من الحركة الجوهرية : الاسفار الاربعة ج ٣ ص ٦١ وج ٥ ص ١٩٤.

(٢) ب وج : فيستمر.

(٣) نقل الاشعري عن النظام قوله بان لا جسم يراه الرائي إلّا لون ، ونقل عن جماعة منهم ابو الحسين الصالحي ان الاجسام لا ترى ولا يرى الّا اللون والالوان اعراض (الاشعري ، مقالات الاسلاميين ج ٢ ص ٤٧).

١٠١

فيكون (١) محصورا بين حاصرين ، ونفرض خطين أحدهما لا يتناهى والآخر يتناهى ، زال المتناهي من الموازاة الى المسامتة فحدثت نقطة المسامتة هي أوّل النقطة ولا أوّل لأن كل مسامتة تحتانية مسبوقة بأخرى فوقانية ، ولا يتمشى هذا البرهان الّا بعدم الجوهر وثبوته (٢).

ومن استدلالاتهم برهان التطبيق (٣) ، وهو فرض خط يتناهى من جهة دون أخرى قد قطع من الجانب المتناهي منه قطعة ثم فرض انطباق الأول من الخط الكامل على الأول من الناقص ، فإن امتدا متساويين تساوى وجود الزائد وعدمه ، وإن تفاوتا تناهيا.

وصاحب المعتبر (٤) لبلادته تحيّر في التطبيق فقال : كيف يمكن التطبيق مع انه يستحيل جزء الغير المتناهي الناقص بحيث يحاذي طرفه طرف الكامل.

احتج المخالف بأن خارج العالم يتميز فيه جانب عن جانب ، فإنّ الذي يلي القطب الشمالي يغاير الذي يلي القطب الجنوبي والعدم المحض لا امتياز فيه. وأيضا لو فرضنا هذا العالم أكثر (٥) مما هو عليه وجب أن يكون ثم من الاحياز أكثر مما هي الآن ، وكذلك لو فرضنا العالم أكثر (٦) من هذا المفروض بذراع كانت

__________________

(١) ج : مع كونه.

(٢) ب : هذه الكلمة ساقطة.

(٣) هذا البرهان والذي قبله اي برهان المسامتة جاء في شرح الاشارات ج ٢ ص ٧٣ ، وتفرع الشيخ على مسألة تناهي الاجسام مسألة اخرى ، وهي امتناع انفكاك الصورة عن الهيولى ، واتى ببرهان هذا صورته : كل جسم متناه وكل متناه مشكّل فالجسمية لا تنفك عن الشكل والشكل لا يحصل الا مع المادة فالجسمية لا تنفك عنها وهذه حجة عول عليها افلاطون ، انظر : شرح الاشارات ج ٢ ص ٦١ ، انظر أيضا : إلهيات الشفاء ص ٣١١.

(٤) وهو ابو البركات البغدادي ، ذكرنا ترجمته في تراجم الاعلام في آخر الكتاب ، فراجع.

(٥) ج : اكبر.

(٦) ج : اكبر.

١٠٢

الأحياز أكثر بذراع فثم أحياز متقدرة فهي كمّ ، وأيضا الجسم حقيقة كلية لا يمنع نفس تصورها من الشركة الغير المتناهية (١) فدخول ما لا نهاية له من الأجسام ممكن.

والجواب عن الأول والثاني : أنها مجرد أوهام كاذبة.

وعن الثالث : أن الشركة وإن احتملتها ماهية الجسم لكن الامتناع منها حصل من خارج المفهوم.

مسألة : ذهب جمهور الأشاعرة الى امتناع خلو الأجسام عن الألوان والطعوم والروائح ، والحق خلاف هذا فإن الهواء لا لون له وإلّا لرأيناه ولا طعم ولا رائحة والّا لأدركناه كذلك.

والأشاعرة لمّا جوزوا عدم الرؤية عند اجتماع الشرائط لم يلزمهم هذا ، فنحن نحتاج أن نطعن في أصلهم هذا حتى يتم استدلالنا ، وسيأتي إبطال أصلهم.

احتجوا بأن الجسم قابل للألوان فيجب اتصافه بها او بضدها ويقاس اللون على الكون ويقاس (٢) ما قبل الاتصاف على ما بعده.

والجواب عن الأول : الطعن في كلية قولهم : الجسم قابل للألوان ، سلمنا لكن قولهم : يجب الاتصاف بالقبول او بضده ، ممنوع.

وعن الثاني : المطالبة بالجامع ، وكذلك عن الثالث والمنع في الأصل.

مسألة : كل جسم منتقل فإنا نشاهد انتقاله ونعلم بالضرورة أنه ينتقل من جهة الى جهة ومن مكان إلى مكان ، فالمنتقل إليه وعنه يطلق عليه الجمهور المكان والحيز ، فمكان الشيء هو الذي يكون فيه الشيء ويفارقه بالحركة ويستقر عليه ،

__________________

(١) ب : المتناهي.

(٢) الف : بقياس.

١٠٣

فيجعلون الأرض مكانا للمستقر عليه (١).

والمتكلمون قالوا : هو (٢) الفضاء والبعد (٣) وهو عدم محض ونفي صرف ، وجماعة من الأوائل نفوا وجود المكان ، وآخرون منهم حكموا بوجوده.

احتج النفاة بأنه لو كان موجودا ، لكان إما أن يكون جوهرا أو عرضا ، فإن كان جوهرا ، فإن كان متحيزا لزم التداخل وعدم تناهي الأمكنة أو الدور إن كان كل من المتحيزين مكانا لصاحبه فإن الحاجة حينئذ دائرة بينهما ، وإن كان مفارقا استحال ان يوصف الجسم بالانتقال عنه وإليه فإن المجرد ليس بذي وضع حتى يحصل له القرب من الأجسام والبعد عنها.

وان كان عرضا لزم الدور ، فإن المكان حينئذ يفتقر الى المتمكن والمتمكن يفتقر الى المكان ، ولأن العرض ينتقل بانتقال محله والمكان لا ينتقل بانتقال المتمكن.

وأيضا المكان إن كان جسما لزم التداخل ، وإن كان غير جسم استحال مساواته للجسم ، وهو خلاف ما عليه المثبتون للمكان.

وأيضا الانتقال كما يكون للجسم فكذلك للخط والسطح والنقطة ، فإن كان الانتقال هو الموجب لوجود المكان وجب أن يكون لهذه الأعراض مكان ، ومكان النقطة نقطة فلم كانت إحدى النقطتين أولى بأن يكون مكانا للأخرى من العكس (٤)؟

__________________

(١) ج : عليها.

(٢) ج : المكان هو.

(٣) سيأتي الكلام عن الاقوال في ماهية المكان وانه هل هو بعد أم سطح؟

(٤) وأيضا كل ما له مكان فلا بد وان يكون له مكان طبيعي ومكان غريب ويكون له لا محالة ميل الى المكان الملائم وميل عن المكان الغريب ، والميل هو الثقل والخفة فيلزم ان يكون للنقطة ثقل او خفة وذلك محال. انظر : المباحث المشرقية ج ١ ص ٢١٩.

١٠٤

والمثبتون قالوا : نحن نعلم بالضرورة انتقال الجسم من شيء الى غيره حين الحركة ، وليس ذلك الشيء جوهرا ولا كيفا ولا كمّا في ذاته ولا شيئا من المعاني الباقية حال الحركة ، فلا بد من شيء آخر كان الجسم حاصلا فيه أوّلا ثم استبدل ثانيا وهو المسمى بالمكان.

وأيضا فإنا نجد الجسم يفارق ويعقبه آخر ، والبديهة حاكمة بأن هذا المعاقب عاقب هذا الشيء في الحيز الذي ثبت للأول.

ثم أجابوا عن الأول : بأن المكان عرض حالّ في غير المتمكن فلا يلزم المحذور.

وعن الثاني : أن المساواة في الحقيقة غير معتبرة بل هي مستعملة هاهنا على سبيل المجاز والمعنى بها اختصاص المكان بالمتمكن حتى يكون مساويا لنهايته.

وعن الثالث : أن الشك إنما يلزم لو قيل الانتقال سواء كان بالذات او بالعرض يحوج الى المكان وليس كذلك.

تذنيب : المثبتون للمكان من الأوائل اختلفوا في ماهيته ، فذهب بعضهم إلى أنه الهيولى فإن الهيولى قابلة للتعاقب والمكان كذلك ، وذهب بعضهم الى أنه الصورة فإن الصورة حاوية والمكان كذلك.

وهذان المذهبان فاسدان ، فإنّ المكان يفارقه المتمكن بالحركة والشيء لا يفارق أجزائه ، وما احتجوا به فهو عقيم فإن الموجبتين في الشكل الثاني لا ينتج.

والمحققون من الأوائل اختلفوا ، فذهب قوم الى أنه البعد (١) ، فان بين طرفي

__________________

(١) وقد عبر عنهم الرازي باصحاب البعد وقال : ان اصحاب البعد منهم من زعم ان العلم بذلك ضروري ومنهم من احتج على اثباته ، ولهم في هذا الاحتجاج طريقان : اولهما ان يدلوا على اثبات مذهبهم بان المكان هو البعد ، وآخرهما ان يحتجوا على فساد قول اصحاب السطح ثم

١٠٥

الإناء الحاوي للماء أبعادا مفطورة (١) ثابتة وأن الأجسام تتعاقب (٢) عليها ، وتمادى بهم الأمر الى ان قالوا : هذا مشهور مفطور عليه البديهة.

وذهب آخرون منهم إلى أنه السطح (٣) الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي ، قال اصحاب البعد : لو كان المكان سطحا لكان الحجر الواقف في الماء والطائر الواقف في الهواء متحركا والتالي باطل فالمقدم مثله ، والشرطية ظاهرة فإن الحركة انتقال من مكان الى مكان وأيضا المكان لا يتحرك ونهايات الأجسام تتحرك.

وأيضا فالمشهور عند الجمهور وصف المكان بالفراغ والامتلاء ولا يوصف السطح بذلك.

وأيضا القول بالبعد يقتضي أن يكون كل جسم في مكان ولا كذلك القول بالسطح.

أجاب الشيخ عن الأولى (٤) : بأن الحركة ليست (٥) استبدال مكان مطلقا ، بل هي عبارة عن استبدال المكان ويكون المتحرك مبدئا للاستبدال ، فالحجر والطير ليسا بمتحركين وليسا بساكنين إن عني بالسكون ملازمة الجسم لسطح

__________________

يلزمون من ذلك صحة القول بالابعاد. (المباحث المشرقية ج ١ ص ٢٢٢) ، انظر أيضا عن نظرية البعد في المكان : التفتازاني ، شرح المقاصد ج ٢ ص ٢٠٢.

(١) البعد المفطور هو الخلاء الذي يكون بين الاجسام ، كذا عرفه المحقق الطوسي في شرحه للاشارات (شرح الاشارات ج ٢ ص ١٦٥).

(٢) الف : تعاقب.

(٣) القول بالسطح في ماهية المكان هو قول ارسطو وابن سينا ، والقول بالبعد هو قول افلاطون واختاره المحقق الطوسي وأبو البركات ومذهب المتكلمين قريب منه. انظر : كشف المراد ص ١٥٢.

(٤) ب : الاول.

(٥) ب : كالمحيط.

١٠٦

واحد ، ولا استبعاد في أن يكون جسم غير متحرك ولا ساكن فإن المحيط ليس بمتحرك ولا ساكن والجسم المأخوذ في آن ليس بمتحرك ولا ساكن.

وإن عني بالحركة ما يكون مستبدلا بالأمكنة سواء كان هو مبدأ الاستبدال أو غيره ، قلنا هذا الجسم متحرك.

وإن عني بالسكون النسبة الحاصلة للجسم الى الأجسام الثابتة ، كان هذا ساكنا ، وبالجملة هذا يختلف باختلاف الاصطلاح.

وعن الثانية : أن الصغرى ممنوعة ، اللهم الّا أن يعني بالحركة الحركة الذاتية فيكون الكبرى كاذبة.

وعن الثالثة : أنها مبنية على عادات الجمهور وهي غير حجة في العقليات.

وعن الرابعة : أنها تامة على تقدير وجوب أن يكون كل جسم في مكان وهو ممنوع ، سلمنا ذلك لكن لم قلتم : إن المكان هو البعد حينئذ ولم لا يكون أمرا ملازما للمكان؟

ثم احتج الشيخ (١) على إبطال البعد بأن البعد الذي بين طرفي الإناء إن كان باقيا حال وجود المتمكن فيه لزم التداخل أو أن يكون البعد الشخصي متعددا ، لأنه لا معنى للبعد الشخصي الّا هذا الذي بين طرفي الإناء ، فلو أخذ يتشكك فيه العقل لجاز أن يكون الجسم الواحد ليس بواحد ، وإن لم يبق كان المتمكن غير متمكن ، لأنه ليس بموجود في المكان فإن الوجود في المكان يستدعي وجود المكان.

تذنيب : القائلون بأن المكان بعد اختلفوا ، فمنهم من جوز خلوه عن الأجسام ووافقهم على ذلك أكثر المتكلمين ، ومنهم من منع.

احتج المجوزون بوجهين : الأول : إن الجسم إذا تحرك ، فإن تحرك الى مكان

__________________

(١) انظر عن نظرية الشيخ في ابطال البعد والخلاء : شرح الاشارات ج ٢ ص ١٦٥.

١٠٧

فارغ فهو المطلوب ، وإن كان الى مكان مملوء ، فالجسم المالي للمكان إن لم يتحرك لزم التداخل ، وإن تحرك الى مكان الأول لزم الدور ، أو الى غيره لزم أن يتحرك العالم بكليته عند حركة البقية.

الثاني : إن السطحين المتلاقيين إذا رفع أحدهما عن الآخر كان الوسط خاليا حال الرفع.

أجاب المانعون عن الوجهين : بثبوت التخلخل والتكاثف (١) الحقيقيين ، واحتجوا على الاستحالة بوجوه :

أحدها : إن الخلاء مقدر ، فإن البعد الذي بين طرفي الطاس أقل من الذي بين طرفي البلدة ، فهو اما كمّ او ذو كمّ وكيف كان فلا بد من جسم.

الثاني : إن البعد الخالي متناه وكل متناه مشكّل والشكل لا يعرض لطبيعته والّا لتساوى ، بل انما يعرض له من خارج طبيعته فتكون طبيعة البعد منفصلة والانفصال إنما يكون للمادة فيكون الخلاء ملاء ، وهذه الحجة (٢) عول عليها (٣) افلاطون.

الثالث : ان الخلاء على تقدير أن يكون بعدا متشابها او عدما صرفا استحال أن يكون فيه اختلاف ، وإذا كان كذلك استحال أن يتحرك الجسم من مكان الى مكان غيره (٤) ، وإن يسكن في مكان دون غيره والّا لكان ترجيحا لأحد

__________________

(١) التخلخل كون الشيء ذات خلل وفرج ، يقال متخلخل اي غير متضام كأنّ فيه منافذ (لسان العرب ج ١١ ص ٢١٥) ، والتكاثف بمعنى الغلظة ، يقال : تكاثف السحاب اذا تراكب وغلظ (تاج العروس ج ٦ ص ٢٣١).

ولقائل ان يقول : ان الالتزام بتخلخل الاجسام يلزم منه القول بالخلاء لتحقق الخلاء في خلل الجسم المتخلخل ، فتامل.

(٢) الف : كلمة الحجة ساقطة.

(٣) ذكر الرازي هذه الحجة في : المباحث المشرقية ج ١ ص ٢٣٠.

(٤) الف وج : الى غيره.

١٠٨

طرفي الممكن من غير مرجّح.

الرابع : لو كان الخلاء موجودا لكانت الحركة فيه واقعة لا في زمان والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الشرطية إن الحركة في الخلاء لو وقعت في زمان ما ، فلنفرض ملاء يتحرك فيه ذلك المتحرك بعينه فيجب أن يقطع تلك المسافة المعينة في زمان أكثر ، ولنفرض ملاء آخر أرق من الملاء الأول تكون نسبته إليه نسبة الحركة في الملاء الى الحركة في الخلاء فيتحرك المسافة بزمان مساو للحركة في الخلاء ، وإن فرضناه أرق من هذا كانت الحركة أسرع فتكون الحركة مع المعاوق كهي لا مع المعاوق أو أسرع منها وهذا خلف ، وبيان بطلان التالي ما بيناه في مسألة الجزء (١).

أجاب المجوزون عن الأول : بأن التقدير فرضيّ فإن العقل يفرض وجود جسم بين طرفي الطاس ووجود آخر بين طرفي البلدة فيحكم بأن أحدهما أكبر من الآخر ، فالتقدير للجسم المفروض لا الخلاء الذي بين الأجسام.

وعن الثاني : إن الشكل يعرض للبعد بسبب الجسم الحاوي له أو بسبب الفاعل المختار ، وقولهم : الانفعال انما يكون للمادة ، لم يقم عليه برهان.

وعن الثالث : إن الخلاء يختلف بحسب نسبته الى الأجسام الحاوية له ، فإن الخلاء الذي يلي السماء مغاير للذي يلي الأرض.

وعن الرابع : إن الحركة بنفسها تستدعي قدرا من الزمان ومع المعاوق قدرا آخر والمحال الذي ذكرتموه إنما يلزم على تقدير أن يكون استحقاق الزمان بسبب المعاوق لا غير ، أما اذا جعلنا بعضه بسبب الحركة والآخر بسبب المعاوق سقط

__________________

(١) اي : في مسألة الجزء الذي لا يتجزى ، وهو البحث عن ابطال الجوهر الفرد فراجع. واعلم لنفاة الخلاء وجوها اخرى لم يذكرها العلامة هنا ، راجع عن تلك الوجوه : المباحث المشرقية ج ١ ص ٢٢٨ فبعد ، والشهرزوري ، شرح حكمة الاشراق ص ٢٤٢ ، والتفتازاني ، شرح المقاصد ج ٢ ص ٢١٠.

١٠٩

الكلام بالكلية.

مسألة : قال الأوائل : الجهة مقصد المتحرك ومتعلق الاشارة فتكون موجودة ذات وضع ، وهي غير منقسمة والّا لكان المتحرك الواصل الى منتصفها إن قطع الجهة فالجهة ما ورائه وإن كان طالبا لها فالخلف ليس بجهة فهي طرف الامتداد.

وهي طبيعية وغير طبيعية ، والطبيعية ثنتان : الفوق والسفل ، وغير الطبيعية كثيرة بحسب فرض الأطراف (١) ، فلا بد من محدد يتميز فيه الجهتان الطبيعيتان ويكون محيطا ، لأن المجرد يتساوى نسبته وغير المحيط يتحدد القرب دون البعد ، فبالمحيط يتحدد القرب وبالمركز يتحدد البعد.

وأصول هذا الدليل فاسدة ، فإنه على تقدير تسليم الجهات وتميز (٢) بعضها من بعض يكون المميز هو الفاعل المختار.

تذنيب : قالوا : ويجب أن يكون هذا بسيطا ، لأن المركب تتقدم الجهة على أجزائه المتقدمة عليه فيدور ، وإذا كان بسيطا لم يتعين وضعه فيجب حركته على الاستدارة ويمتنع أن يكون حركة مستديرة طبيعية لأنها تطلب ما تنفر عنه فليست قسرية فتعينت الإرادية ، ونحن لما نازعنا في إثبات المحدد سقط عنا هذا التفريع.

تذنيب : كل إرادة لا بد لها من غاية وهذا صحيح ، قالوا : فالغاية التي

__________________

(١) قال الرازي : اعلم ان الفوق والسفل بالطبع يوجدان للنبات والحيوان ، فان للنبات جهة اغصان وجهة اصول واحدهما بالطبع فوق والاخر اسفل .... واما القدام والخلف فهما حاصلان للحيوان حالتي الحركة والسكون ، واما غير الحيوان فانما تعرض له هاتان الجهتان عند الحركة ، فان الجهة التي إليها الحركة تكون قدام والتي عنها الحركة تكون خلف ومتى تغيرت الحركة تغير القدام والخلف ، ولا كذلك الحيوان فان قدامه وخلفه متعينان بالطبع. (المباحث المشرقية ج ١ ص ٢٥٤).

(٢) ب : تمييز.

١١٠

للحركة الدورية لا يجوز أن تكون حاصلة والّا لكان المتحرك طالبا للمحال ، وكذلك لا يجوز ان تكون ممتنعة الحصول فيجب أن يكون مما يحصل لكن لا دفعة واحدة والّا لتوقفت (١) بل يجب أن تكون حاصلة (٢) على التدريج.

قلنا : مع تسليمنا أن حركة السماء إرادية لم لا يكون الغاية حاصلة ويكون جاهلة (٣) بالحصول أو يكون ممتنعة الحصول وهي جاهلة (٤) بذلك ولم لا يكون مما يحصل وتقف الحركة ، وسنبطل قولهم بأبدية الزمان.

تذنيب : قالوا : فالمحدد للجهات يستحيل أن يتحرك بالاستقامة لوجهين :

الأول : أنه ذو ميل مستدير ، وسنبين استحالة اجتماع ميلي الاستدارة والاستقامة.

الثاني : أنه لو تحرك بالاستقامة لخرج عن موضعه ، وبعد خروجه يصير طالبا له فيكون ذا جهة حالتي الخروج والمعاودة متقدمة عليه فلا يكون هو المحدد الأول للجهات ، فليس بثقيل ولا خفيف ولا موضع له وله تقدم ما على ذوات الجهة المستقيمة ويستحيل عليه الخرق والالتيام ، وليس بحار ولا بارد ولا رطب ولا يابس ، هذه كلها عندنا فاسدة وقد تقدم إبطال بعضها وسيأتي إبطال الباقي.

مسألة : لكل جسم مكان طبيعي قد اتفق عليه المشّاءون ، واستدلوا بأنا لو فرضنا خلو الجسم عن الأمور الغريبة فإما أن يحصل في كل الأمكنة وهو محال ، أو في بعضها من غير مخصص وهو محال ، أو بمخصص وليس إلّا طبيعة الجسم الخاصة به.

تذنيب : يستحيل أن يكون لجسم مكانان طبيعيان ، لأنه حال مفارقة أحدهما إذا طلب الآخر يكون تاركا بالطبع للمطلوب بالطبع ، ولأنه لو كان في

__________________

(١) ج : وقفت.

(٢) ج : هذه الكلمة ساقطة.

(٣) ب : حاصلة.

(٤) ب : حاصلة.

١١١

مكان غريب نسبتهما إليه بالسوية استحال أن يطلب أحدهما دون الآخر.

وقالوا أيضا : يستحيل أن يكون جسمان يطلبان بالطبع مكانا واحدا.

قال بعضهم : وإلّا لكان المعلولات (١) المتساوية يستند الى علل مختلفة من حيث هي كذلك وهو (٢) باطل ، وبطلان هذا مشكل على رايهم.

تذنيب : البسيط مكانه الذي (٣) يقتضيه طبعه ، ومكان المركب ما يغلب فيه أحد البسائط فإن استوت وقف في الوسط هذا إن تركب من بسيطين وكذلك إن تركب من أربعة العناصر المتساوية في المشهور ، ومنع بعضهم من وجوده بأنه مكان له ، والشيخ اضطرب في هذا (٤) ، فتارة جوّز وجوده وتارة منع.

__________________

(١) الف : المعلومات.

(٢) ب : ولكن هو.

(٣) ب : هو الذي.

(٤) انظر : شرح الاشارات ج ٢ ص ٢٠١.

١١٢

البحث الرابع في الأكوان :

الكون عبارة عن حصول الجسم في الحيز ، وهو جنس يندرج تحته أربعة امور : الحركة والسكون والاجتماع والافتراق (١).

فههنا مطالب :

الأول :

في أن هذا الحصول هل هو معلل بمعنى أم لا؟ الحق أنه ليس كذلك ، وتحقيق المذهب أن نقول : إنّا حين نروم تحريك جسم أو تسكينه فإنا نفعل فيه الاعتماد نحو الجذب والدفع فيحصل التحرك والسكون ، فهل يفعل (٢) فيه معنى آخر نسميه حركة ذلك المعنى يوجب كون الجسم متحركا وأنه زائد على الاعتماد والتحرك أم لا؟

والدليل لنا أن ذلك المعنى الموجب للحصول في ذلك الحيز إما أن يصح وجوده قبل حصوله في ذلك الحيز أو لا ، فإن صح فإما أن يقتضي اندفاع ذلك الجوهر الى ذلك الحيز أو لا يقتضي ، فإن كان الأول كان ذلك هو الاعتماد ولا نزاع فيه كما إذا اعتمد حيوان على شيء فاندفع ذلك الشيء الى حيز آخر ، فإن لم يقتض اندفاعه لم يكن حصوله في حيز معين بسببه أولى من حصوله في غيره ، وأما إن لم

__________________

(١) قالوا في علة حصر الاكوان في الاربعة : ان حصول الجسم في الحيز اما يعتبر بالنسبة الى جوهر آخر او لا ، والثاني ان كان مسبوقا بحصوله في ذلك الحيز فسكون وان كان مسبوقا بحصوله في حيز آخر فحركة ، واما الاول فان كانت بحيث يمكن ان يتخلل بينه وبين ذلك الاخر ثالث فهو الافتراق والّا فهو الاجتماع ، ذكر هذا الوجه للحصر الايجي في : المواقف ص ١٦٢.

(٢) ج : نفعل.

١١٣

يصح وجوده قبل حصوله في الحيز (١) لزم الدور.

وأيضا لو كان القادر منا يفعل ذلك المعنى لوجب أن يعلمه على سبيل الاجمال أو التفصيل والتالي باطل فالمقدم مثله. بيان الشرطية : إن القادر يتساوى الضدان عنده فلا بد من القصد المتوجه إلى أحدهما دون الآخر حتى يوجده والقصد تابع للعلم ، وأما بطلان التالي فبالوجدان ، فإنا نجد من أنفسنا أنا لا تعلم ذلك المعنى ، هذا مذهب أبي الحسين وسائر الشيوخ.

وذهب أبو هاشم وأصحابه (٢) إلى إثبات هذا المعنى ، واستدل عليه بوجهين :

الأول : أنا لو قدرنا على جعل الجسم كائنا من غير واسطة المعنى ، لقدرنا على ذات الجسم وساير الصفات كالحياة والقدرة والتالي باطل فالمقدم مثله. بيان الشرطية : إن القادر (٣) على جعل الذات على بعض الصفات تكون الذات مقدورة له يتصرف فيها كيف شاء.

وأيضا الكلام لما كان القادر قادرا على جعله على صفة الخبر (٤) والأمر كان قادرا على ذاته ولما لم يقدر على كلام غيره لم يقدر على جعله على صفة الخبر ولا علة لذلك الّا كونه قادرا على بعض صفاته ، وبيان بطلان التالي ظاهر.

الوجه الثاني : أن صفة الكائنية يصح فيها التزايد وما يكون بالفاعل لا يصح فيه التزايد ، فصفة الكائنية ليست بالفاعل فلا بد لها من علة توجبها ، بيان الصغرى

__________________

(١) الف : الجزء.

(٢) انظر عن قول ابي هاشم وسائر شيوخ المعتزلة في الاكوان : الاشعري ، مقالات الاسلاميين ج ٢ ص ٤١ ـ ٤٢ ، وأيضا المحقق الطوسي ، تلخيص المحصل ص ١٣٩ ، وقد بحث القاضي عبد الجبار المعتزلي في الاكوان بالتفصيل في : شرح الاصول الخمسة ص ٩٦.

(٣) ب : ان القادر قادر.

(٤) الف : الحيز.

١١٤

من وجهين :

أحدهما : أن القوى إذا استفرغ جهده في تسكين جسم بيده لم يقدر الضعيف على تحريكه ، وإن لم يستفرغ قدر الضعيف على تحريكه ، فعلم أنه رام في الأول أزيد مما رامه في الثاني.

الثاني : أن الجوهر الواحد إذا التصق بكفي قادرين فدفعه أحدهما حال جذب الآخر تحرك ذلك الجوهر بهما ، ولا يكون ما فعله احدهما هو الذي فعله الاخر لاستحالة أن يقع مقدور بقادرين ، فعلم أن تحريكه قد تزايد ، وبيان الكبرى وجهان :

أحدهما : ان الفاعل كالعلة والعلة لا تؤثر في أزيد من صفة واحدة فكذا الفاعل.

الثاني : أن الوجود لما كان بالفاعل استحال فيه التزايد فكذلك هاهنا (١).

والاعتراض على الأول أنا نمنع من القدرة على الذات على تقدير القدرة على بعض الصفات. قوله : تكون الذات مقدورة يتصرف فيها كيف شاء ، قلنا : إن عنيتم أنها تكون مقدورة من هذه الجهة كان الموضوع والمحمول واحدا ، وإن عنيتم أنها تكون مقدورة من كل جهة نازعناكم ، واما القياس على الكلام فغير متين (٢) ، فإن الحكم جاز أن يستند الى خصوصية الأصل أو أن يكون في الفرع مانع منه.

ثم نقول : من شرط القياس أن يكون الأصل معلوما بالعلة التي ثبت بها الحكم ، وأن يعلم وجود العلة في الفرع حتى يمكن تعدية الحكم إليه ، وكل هذا غير معلوم عندكم ، فإن كل هذه صفات ، فإن كون الكلام خبرا أو حدوثه صفة ، وكون

__________________

(١) وقد لخص المحقق الطوسي الوجهين اللذين ذكرها المثبتون لمعنى زائد على الكائنية ، ثم قال : وضعف هذه الحجج غني عن الشرح. (تلخيص المحصل ص ١٤٠).

(٢) ب : فغير مبين.

١١٥

الجسم كائنا صفة ، واللازم من ذلك وهو القدرة على إحداث الذات أو ساير الصفات أيضا ، والصفة عندكم غير معلومة فيسقط كلامكم بالكلية.

فإن رجعوا الى اعتذارهم المشهور عندهم من أن الذات مع الصفة تكون معلومة ، قلنا : يعنون (١) به أن المجموع يكون معلوما فهذا يستلزم العلم بالأجزاء اعني الذات والصفة ، أو يعنون شيئا آخر فيجب عليكم بيانه.

ثم نقول أيضا : إن الخبرية والأمرية ليستا صفتين للكلام والّا لكان المتصف به إما كل واحد من الحروف أو بعضها أو المجموع ، والأولان باطلان وإلّا لكان حرف واحد خبرا وهو باطل بالضرورة ، والثالث باطل والّا لزم انقسام الصفة لانقسام المحل.

وأيضا فالمجموع لا وجود له ، وإنما الموجود جزء منه.

والاعتراض على الثاني أن نقول : قولكم صفة الكائنية يصح فيها التزايد ، قلنا : هذا مدفوع بالضرورة ، واستدلالكم في مقابلة الضرورة لا يسمع فإن حصول الجسم في الحيز أو محاذاة الجسم الآخر يعلم قطعا أنه لا يصح فيه التزايد.

ثم نقول : إن قولكم ، القوي اذا استفرغ جهده في تسكين جسم لم يقوى الضعيف على تحريكه ، ممنوع ، إنه إنما كان لزيادة في صفة الكائنية ، بل القوي يفعل زيادة المدافعة وتزايدها معقول.

ونقول على الثاني : لم لا يقع المقدور بقادرين؟ وسنبين جوازه.

والوجه الأول في بيان الكبرى ضعيف ، فإن القياس قد بينا بطلانه.

والثاني أضعف ، فإنه ينبني على أنه صفة زائدة وهم مطالبون بذلك ، على أنه لا علة في منع التزايد إلّا كونه بالفاعل ، وهذا لا يمكنهم اقامة برهان عليه أكثر من الدوران الضعيف. وإن سلمنا هذين المقامين ، فلم قلتم إن صفة الوجود لا يقع فيها

__________________

(١) ج : تعنون.

١١٦

التزايد؟ قالوا : لوجهين :

الأول : أنه لو تزايد الوجود يصح أن يحصل صفتا وجود بقادرين وفي ذلك كون مقدور بقادرين.

الثاني : لو تزايد يصح من القادر أن يجدد للفعل في حال البقاء صفة الوجود.

قلنا : أما الأول فباطل ، لأنكم إنما تنفون كون المقدور يقع بقادرين بعد أن تعلموا أنه لا تزايد في الوجود ، فلو جعلتم امتناع مقدور بقادرين مقدمة في عدم التزايد لزمكم الدور. قالوا : نحن نبين هذا بطريق آخر ونقول : لو تعلق بقادرين بأن يجددا (١) له صفة وجود لصح من احدهما أن يوجده دون الآخر فيكون موجودا معدوما.

قلنا : إن أردتم بكونه موجودا معدوما أنه يحصل له صفة وجود ولا يحصل له ما زاد عليها ، فذلك صحيح ، وإن أردتم بكونه معدوما أنه لا يحصل له صفة وجود اصلا ، فهو ظاهر المنع.

سلمنا امتناع وقوع (٢) مقدور بقادرين ، ولكن الكلام وقع في حصول وجود زائد لا في مقدور واحد لا يقبل الزيادة والنقصان.

واما الثاني فنمنع (٣) استحالة التجدد في حال البقاء.

استدلوا على المنع بوجهين :

أحدهما : أنه لو صح ذلك لصح منا.

الثاني : أنه يكون باقيا مبتدئا.

__________________

(١) ج : يجدد.

(٢) ب : وجود.

(٣) الف : فيمتنع.

١١٧

قلنا : ولم قلتم إن الواحد منا لا يفعل تجدد الوجود؟ ثم لم قلتم : إن الواحد منا يوجد ذاتا وانتم لا تنازعون الّا في هذا ، فإن أفعالنا في الشاهد الأكوان وهي صفات وأنتم لا تثبتون للصفات صفة وجود ، وما عدا الأكوان من صفات القلوب والاعتمادات والتأليف والأصوات فهي أيضا صفات ومع ذلك فهي غير باقية فكيف ثبتت لها صفة حال البقاء.

وقولكم : يكون باقيا مبتدئا ، إن عنيتم به أنه لم يكن له وجود من قبل مع فرض ثبوت الوجود له فهو متناقض ، وإن عنيتم به تجدد صفة بعد ثبوت صفة أخرى من قبل فهو عين المتنازع في استحالته ، ولهم تطويلات اخرى في هذا الباب أعرضنا عنها لقلة الفائدة.

١١٨

المطلب الثاني في الحركة

المشهور عند المتكلمين أن الحركة عبارة عن حصول الجسم في حيز (١) ، بعد ان كان في حيز آخر (٢) ، والأوائل قالوا : الموجود يستحيل أن يكون بالقوة من كل وجه ، فإن كونه موجودا حاصل له بالفعل بل إن كان موجودا بالقوة فمن وجه دون آخر ، فخروجه من القوة الى الفعل إن كان على التدريج كان حركة ، وإن كان دفعة فهو الكون ، فالحركة كمال أول لما بالقوة من حيث هو بالقوة.

ثم جعلوا الحركة اسما لمعنيين :

أحدهما : الأمر المتصل المعقول للمتحرك من المبدأ إلى المنتهى وهو الحركة بمعنى القطع ، وبهذا المعنى ليس للحركة وجود إلّا في الأذهان لا في الأعيان ، لأنها إنما توجد بتمامها إذا انقطعت الحركة.

الثاني : كون الجسم متوسطا بين المبدأ والمنتهى الذين للمسافة وهو الوجود في الأعيان.

__________________

(١) ب : الحيز.

(٢) وقد عرف الغزالي الحركة بانها تطلق على الانتقال من مكان الى مكان فقط ، ولكن صارت باصطلاح القوم عبارة عن معنى اعم منه وهو السلوك من صفة الى صفة اخرى تصير إليه على التدريج ، كما جاء في : مقاصد الفلاسفة ص ٣٠٤.

وعرفها الرازي بانها هي الحدوث او الحصول او الخروج من القوة الى الفعل يسيرا يسيرا او بالتدريج او لا عن دفعة ، جاء ذلك في : المباحث المشرقية ج ١ ص ٥٤٧.

واورد على التعريف الاخير بانها تبتني على فهم معنى الزمان والزمان عبارة عن مقدار الحركة فيلزم الدور ، ثم نقل تعريفا آخر عن المتقدمين قريبا مما نقله العلامة هنا عن الاوائل (نفس المصدر ج ١ ص ٥٤٨).

انظر عن بحث الحركة بالتفصيل : الاسفار الاربعة ج ٣ ص ٢١.

١١٩

وبعض الأوائل نفى الحركة مطلقا (١) وقال : إن كانت غير منقسمة لزم الجوهر ، وان كانت منقسمة كان الماضي عين المستقبل ، هذا خلف وهذا تشكيك في الضروريات.

مسألة : شرط الأوائل للحركة ستة أمور : ما منه وما إليه وما فيه وما له وما به والزمان ، وأحالوا أن يتحرك الشيء لذاته لأنه قابل فلا يكون فاعلا ، ولأن المعلول باق ببقاء علته فيكون كل جزء من الحركة باقيا فلا تكون حركة.

وأما ما منه (٢) وما إليه ، فقد يكونان بالفرض كما في الحركات الدورية ، وقد يكونان بالفعل كما في المستقيمة.

مسألة : الحركة قد تكون واحدة بالشخص وقد تكون بالنوع وقد تكون بالجنس ، وشخصية الحركة تابعة لشخصية الموضوع والزمان وما فيه ، فإن الموضوع والزمان لو تكثرا لما اتحدت الحركة لاستحالة إعادة المعدوم وقيام العرض بمحلين. واما ما فيه ، فلأن الموضوع والزمان قد يتحدان وتتغاير الحركة كما يتحرك المتحرك في زمان ما حركتي أين واستحالته.

وقد تختلف الحركة في النوع تارة وفي الجنس أخرى لاختلاف ما هي فيه.

وأما تضاد الحركات فإنما هو لتضاد المبدأ والمقصد ، لأن المتحرك قد يتضاد والحركة واحدة بالنوع كحركتي القسر والطبع الى فوق والزمان غير متضاد فلا تتضاد بسببه الحركة ولا (٣) ما فيه فإن حركتي الصعود والهبوط متضادان مع وحدة ما فيه وكذا المتحرك قد يكون واحدا والحركة متضادة ، فلم يبق الّا ما منه وما إليه.

ولي في هذا نظر ، فإنهم ادعوا أن كل واحد مما عددوه ليس له مدخل في

__________________

(١) انظر : الاشعري ، مقالات الاسلاميين ج ٢ ص ٢٠.

(٢) الف : ما فيه.

(٣) كلمة لا ساقطة.

١٢٠