الشيخ علي البحراني
المحقق: السيد عبدالزهراء الخطيب
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار المنتظر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٠
رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الذكور أيهم كان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) له أشد حبا فقال : علي بن أبي طالب فقلت سألتك عن بنيه ، فقال : انه كان أحب إليه من بنيه جميعا وأرأف ما رأيناه زايله (١) يوما من الدهر منذ كان طفلا إلا ان يكون في سفر لخديجة ، وما رأينا أبا أبرّ بابن منه بعلي ولا ابنا اطوع لأب من علي له (٢).
وروى ابن ابي الحديد عن ابي مخنف قال جاءت عائشة الى أمّ سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها : يا بنت أبي امية أنت أول مهاجرة في ازواج رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، وانت كبيرة امهات المؤمنين ، وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يقسم لنا من بيتك ، وكان جبرئيل (عليهالسلام) اكثر ما يكون في منزلك ، فقالت أمّ سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة ، فقالت عائشة : ان عبد الله اخبرني ان القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام ، وقد عزمت على الخروج الى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا ، فقالت أم سلمة ، انك بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه اخبث القول ، وما كان اسمه عندك الا نعثلا ، وانك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب اي منزلة كانت عند رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، فاذكرك؟ قالت : نعم ، أتذكرين يوم اقبل (عليهالسلام) ونحن معه حتى اذا هبط من قديد (٣) ذات الشمال خلا بعلي (عليهالسلام) يناجيه فاطال فاردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما ، فما لبثت ان رجعت باكية فقلت : ما شأنك فقلت اني هجمت عليهما وهما يتناجيان
__________________
(١) زايلة : فارقة.
(٢) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٠٠.
(٣) قديد ـ بالتصغير ـ : موضع قيل نزله تبع فهبت ريح قدت خيام اصحابه فسمى قديد.
فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الا يوم من تسعة ايام أفما تدعني يا ابن ابي طالب ويومي؟ فاقبل رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) علي وهو غضبان محمر الوجه ، فقال : (ارجعي وراءك والله لا يبغضه احد من اهل بيتي ولا من غيرهم من الناس الا وهو خارج من الايمان) فرجعت نادمة ساقطة؟ فقالت عائشة : نعم اذكر ذلك ، ثم ذكرتها أيضا حديث : (ايتكن صاحبة الجمل الأزب تنبحها كلاب الحوأب) (١) وقول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لها : (اياك ان تكونيها يا حميراء) قالت عائشة : نعم اذكر هذا فهذا الخبر يدل على اختصاص النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وخلواته بعلي (عليهالسلام) دون جميع اصحابه واكثر من خلواته بازواجه ، ويصرح بان مبغض علي (عليهالسلام) كائنا من كان خارج من الايمان ، وان عائشة كانت منطوية على بغضه من ذلك الزمان ، وبالجملة فشدة تقريب النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عليا وأدنائه منه وتخصيصه اياه بالخلوات دون الأباعد والأقارب امر معلوم لا يحتاج الى كثرة الاستدلال عليه ، ولصوق علي (عليهالسلام) بالنبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) من حين كان طفلا الى ان اختار الله لنبيه دار البقاء معروف ، قال ابو جعفر الإسكافي في ذكر اسلام علي (عليهالسلام) : «وما بال هذا الطفل لم يأنس باقرانه» ـ الى ان قال ـ : «بل ما رأيناه الا ماضيا على اسلامه مصمما في امره محققا لقوله بفعله ، قد صدق اسلامه بعفافه وزهده ولصق برسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) من بين جميع من بحضرته ، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته ، فاسلامه هو السبيل الذي لم يسلم عليه احد غيره ، وما سبيله في ذلك الا كسبيل الأنبياء ليعلم ان منزلته من النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) كمنزلة هارون من موسى ، وانه وان لم يكن نبيا فقد كان في سبيل
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٧.
الأنبياء سالكا ، ولمنهاجهم متبعا ، وكانت حاله كحال ابراهيم (عليهالسلام) الى آخر ما قال (١) ، ولقد أجاد وأتى من فضل امير المؤمنين ببعض ما يجب ان يقال فيه ، ومن الطف الأشياء واطرفها معتزلي يقول في على هذا القول حتى يبلغ به الى مساواته لإبراهيم الخليل ، وهذا من عظيم نعمة الله على امير المؤمنين بان اظهر فضله على لسان كل ناطق من اهل ولايته واهل ولاية غيره ، وهذه الأفعال كلها مشيرة الى تقديم النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عليا (عليهالسلام) على جميع الصحابة من الأقارب والأجانب ، فهو المخصوص بالتعظيم والتفخيم والمقصود بالرئاسة والتقديم ، مع ما يضاف الى ذلك من مواقفه المشهودة ومشاهده المحمودة ، افترى يحق مقام الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لغيره؟ وهل تظن الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ان يحل محله سواه؟ كلا ورب الراقصات (٢) ان هذا ما لا يذهب إليه وهم عاقل لبيب ولا يظنه فطن اريب.
وأما الأقوال المشيرة الى إمامة امير المؤمنين :
فمنها : ما رواه ابن ابي الحديد عن احمد بن حنبل في مسنده واحمد البيهقي في صحيحه عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) انه قال : (من اراد ان ينظر الى نوح في عزمه ، والى آدم في علمه ، والى ابراهيم في حمله ، والى موسى في فطنته ، والى عيسى في زهده ، فلينظر الى علي بن ابي طالب) (٣) وهذا الحديث دال بظاهره على افضلية علي (عليهالسلام) على
__________________
(١) نفس المصدر ١٣ / ٢٤٩.
(٢) الراقصات : الابل ومنه قول الناصر العباسي :
قسما بمكة والحطيم وزمزم |
|
والراقصات ومشيهن الى منى |
بغض الوصيّ علامه بين الورى |
|
كتبت على جبهات اولاد الزنا |
من لم يوالي في البرية حيدرا |
|
سيان عند الله صلى أم زنى |
(٣) هذا الحديث يعرف بحديث الاشباه وما ذكره المؤلف رحمهالله هنا منقول عن شرح
الأنبياء لأنه اذا جمع خصال الكل كان افضل من كل واحد البتة ، وهو يكاد يصرح بالنص اذ المقصد من تشبيه علي (عليهالسلام) بالأنبياء اظهار ماله من الفضل الفائق على جميع الورى وإرادة تعظيمه من الأمة وتقديمه على من لم يكن فيه خصلة من تلك الخصال ، وهذا ينافي ما قاله ابن ابي الحديد من جواز جعله سوقة يحكم عليه من لا يساويه ولا يدانيه في فضله فسبحان الله ما اوهن هذا المقال.
ومنها قول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لعلي : (والذي نفسي بيده لو لا ان تقول طوائف من امتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملإ من المسلمين إلا اخذوا التراب من تحت قدميك للبركة) رواه ابن الحديد عن احمد بن حنبل في المسند (١).
أقول : انظر ايها الناظر المتقن الى ما احتوى عليه هذا الحديث من الفضل الذي لا يدرك العقل معناه ولا يبلغ الادراك الى الاحاطة بادناه ، حيث دل على ان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قد خاف من اظهار ذلك المقال في علي (عليهالسلام) ذهاب طوائف من الأمة الى القول بربوبيته ، والمصير الى اعتقاد إلهيته ، كما قالت النصارى في ابن مريم ، مع انه قال فيه من الأقوال الجليلة ما شاع ذكره في الآفاق ، ورواه على كثرته كل قوم على اختلاف
__________________
نهج البلاغة لابن ابي الحديد ٩ / ١٦٨ ، ونضيف الى ذلك ان هذا الحديث مشهور بين المحدثين ورواة الأخبار على اختلاف في بعض الألفاظ ففي كفاية الطالب للكنجي ص ٤٥ (والى نوح في حكمته) ورواية المحب في الرياض ٢ / ٢١٨ (والى يحيى بن زكريا في زهده والى موسى في بطشه) والمظنون ان «بطشه» اقرب وفي نزهة المجالس للصفوري ٢ / ٢٤٠ (والى محمد في بهائه) ولأبي عبد الله محمد بن احمد بن عبيد الله المصري المعروف بالمفجع قصيدة تعرف بالاشباه لاشتمالها على هذا الحديث كما في معجم الأدباء للحموي ١٧ / ٢٠٠.
(١) شرح نهج البلاغة ٥ / ٤ و ٩ / ١٦٨ عن مسند أحمد.
مذاهبهم ، فصرح الحديث ان قدر علي (عليهالسلام) فوق ما ظهر له من الفضل ، وان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يقل فيه مقدار ما هو حقه من المنزلة الرفيعة عند الله تعالى : ولم يبين من كراماته حقيقة ما له من الفضيلة الجليلة ، بل بقي بعد ذكر تلك الفضائل العظام ، وبيان تلك المناقب الجسام ، ما لو قاله فيه لذهب اكثر الأمة فيه الى الغلو ، فليت شعري ما هذا المقال بعد تلك الأقوال ، ثم اعظم من ذا أنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يقل ان ذلك المقال الذي أخفاه في علي (عليهالسلام) هو منتهى فضله ولا غاية مجده فيكون له فيه فوق ذلك المقال اقوال ، وعلى ذلك الفضل افضال ، فاين مبلغ العقول من معرفة حقيقة هذا النور القدسي؟ واين محل الإدراك من الاحاطة بكنه هذا الجوهر العلوي؟ أفيسوغ لعاقل يروى هذا الخبر ويدريه أدنى دراية ان يشك في ان المراد منه الاشارة الى نصب علي إماما ، وانه لا يجوز لأحد ان يتقدمه بعد الرسول ولا يخالفه فيما يقول؟ ولا شك ان من رواه ولم يقل ما قلناه ، وما عرف معناه ولا دراه ولا فهم اشارته ولا معزاه كابن ابي الحديد واصحابه والقوشجي وقبيله وغيرهم فجوزوا ان يتقدم على المنصوص عليه بهذا التبجيل من يقول (وليتكم ولست بخيركم وعليّ فيكم فاقيلوني) (١) وتارة يقول (ان لي شيطانا يعتريني فاذا
__________________
(١) نفس المصدر ١ / ١٦٩ وفي مواضع اخرى من الشرح كذلك كما رواها ابن هشام في السيرة ٤ / ٣٤٠ والطبري في التاريخ ٢ / ٢٠٣ وابن كثير في البداية والنهاية ٥ / ٢٤٧ وليس فيما ذكروه «وعلي فيكم» قال ابن ابي الحديد ١ / ١٦٩ : «وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة فكثير من الناس رواها : «أقيلوني ولست بخيركم» ومن الناس من انكر هذه اللفظة ولم يروها وانما روى قوله : «وليتكم ولست بخيركم» واحتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الامامة» وقال ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٥٨ معلقا على قوله : «ولست بخيركم» : فقد صدق عند كثير من اصحابنا لأن خيرهم علي بن ابي طالب (عليهالسلام).
زغت فقوموني) (١) ويترأس عليه من يقول : (كل الناس افقه من عمر حتى ربات الحجال) (٢) وكل ذا رواه المذكور ولا شك ان الشبهات اغشت افهامهم ، والفتنة اعمت قلوبهم كما قيل : الفتنة اذا اقبلت اعمت عين البصير ، فان قيل : ان الحديث دال على ان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) اخفى ذلك القول في علي خوفا من القول بالغلو فيه مع ان هذا القول بالغلو فيه قد حصل ، فذهب قوم الى القول بربوبيته وهم الغلاة عليهم لعاين الله وقريب منهم المفوضة ، فما خاف منه النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قد وقع؟ :
قلت : ان الحديث دال على ان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يخف من ابداء ذلك المقال في علي (عليهالسلام) ذهاب قوم قليلين من الأمة الى الغلو فيه ، وانما خاف من ذهاب معظم الأمة الى ذلك ، الا تراه يقول : (لو لا ان تقول طوائف الأمة من امتي) ولم يقل طائفة ولا قوم ، ومن البين ان الغلاة اقل طوائف الأمة فما وقع لم يخفه النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وما خافه واخفى لخوفه ذلك المقال لم يقع ، وكيف يريد النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الخوف من حدوث هذا القول مطلقا وهو يقول لعلي (عليهالسلام) : (يهلك فيك اثنان محب غال وعدو قال) (٣) وغيره مما يشبهه فاخبر ان قوما يغلون فيه ، كما اخبر ان قوما سيعادونه ، فمراد النبي (صلى الله
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٥٨.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٨٢ ، وسبب هذا القول انه نهى الناس عن زيادة مهور النساء على أربعمائة درهم وان كل زيادة على ذلك يردها الى بيت المال فهابه الناس ان يردوا عليه فقامت إليه امرأة فقالت : الله يعطينا وانت تمنعنا وتلت قوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) فقال : (كل الناس افقه من عمر) انظر تفسير القرطبي ٥ / ٩٩ وتفسير الخازن ١ / ٣٥٣.
(٣) هذا الحديث مشهور بل متواتر عنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
عليه وآله وسلم) ما ذكرناه فلا تناقض ولله الحمد.
ومنها ما رواه ابن ابي الحديد عن احمد بن حنبل في كتاب الفضائل عن انس بن مالك انه لما كانت ليلة بدر قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) (من يستقي لنا ماء؟) فاحجم الناس فقام علي (عليهالسلام) فاحتضن قربة ثم اتى بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فاوحى الله الى جبرئيل وميكائيل واسرافيل ان تأهبوا لنصر محمد واخيه وحزبه ، فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من يسمعه ، فلما حاذوا البئر سلموا عليه من عند آخرهم اكراما له واجلالا ، فقال له رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : (لتؤتين يا علي يوم القيامة بناقة من نوق الجنة فتركبها وركبتك مع ركبتي حتى تدخل الجنة) (١).
قلت : ولهذا قال عبد الله بن العباس لما سئل عن علي (عليهالسلام) : ما اقول في رجل كانت له في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة ، او قال : فضيلة ، (٢) اراد بذلك تسليم الملائكة عليه تلك الليلة وهم كانوا ثلاثة آلاف ملك بنص القرآن ، وتسليم كل ملك عليه منقبة فلله درّ ابن عباس في فطنته ومعرفته بالتأويل ، ويا له فضلا حازه امير المؤمنين (عليهالسلام) لا يسبقه فيه سابق ولا يلحقه لاحق وهو به لحقيق وبنيله لخليق فهو المؤهل من الله للامارة كما يشير إليه تسليم الملائكة عليه لا من قال فيه ابن ابي الحديد الذي هو من شيعته ومواليه حيث قال مشيرا الى علي (عليهالسلام) وإليه.
ولا كان يوم الغار يهفو جنانه |
|
حذارا ولا يوم العريش تسترا (٣) |
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧٢.
(٢) نفس المصدر ١ /.
(٣) هذا البيت من علوية ابن ابي الحديد التي مطلعها :
ومنها ما رواه ابن ابي الحديد عن احمد بن حنبل في كتاب الفضائل عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) انه قال : (الصديقون ثلاثة ، حبيب النجار الذي جاء من اقصى المدينة يسعى ، ومؤمن آل فرعون الذي كان يكتم ايمانه ، وعلي بن أبي طالب (عليهالسلام) وهو افضلهم) (١) وهذا الحديث يصدق ما قاله امير المؤمنين (عليهالسلام) : (انا الصديق الأكبر وانا الفاروق الأعظم) ويبطل ما قاله القوم في تسمية غيره بالصديق ولو كان ما قالوه حقا لقال النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الصديقون أربعة وعده منهم.
ومنها ما رواه ابن ابي الحديد عن ابي جعفر الإسكافي قال : روى ابو صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي (عليهالسلام) قال : قال لي رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : أن فيك لشبها من عيسى بن مريم احبته النصارى حتى انزلته بالمنزلة التي ليست له وابغضته اليهود حتى بهتت أمه) (٢).
ومنها ما قال ابن ابي الحديد : روى الناس كافة ان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قال لعلي (عليهالسلام) : (هذا وليي وانا وليه عاديت من عاداه وسالمت من سالمه) (٣) ونحو هذا اللفظ وهو يدل على ان موالاته هي الإيمان ولذا قال ابو سعيد الخدري فيما رواه ابن ابي الحديد عن ابراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات ، كنّا نبور ابناءنا بحب علي ابن ابي طالب
__________________
جللت فلما دق في عينك الورى |
|
نهضت الى أمّ القرى أيد القرا |
وأيد بوزن جيد : اي قوي القرا بالفتح ـ الظهر.
(١) شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧٢.
(٢) نفس المصدر ٣ / ١٠٥ و ٥ / ٥.
(٣) كذلك ٤ / ١٠٧.
(عليهالسلام) فمن احبه عرفنا انه منا ، وعن علي في ذلك الكتاب (لا يحبني كافر ولا ولد زنا) (١).
ومنها ما رواه ابن ابي الحديد عن ابراهيم بن ديزيل في كتاب صفين مسندا عن ابي سعيد الخدري ، قال : كنا مع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فانقطع شسع نعله فالقاها الى علي (عليهالسلام) يصلحها ثم قال : (ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله) فقال ابو بكر انا هو يا رسول الله؟ فقال : لا ، فقال عمر بن الخطاب : انا هو يا رسول الله؟ قال : (لا ولكنه ذاكم خاصف النعل) ويد علي (عليهالسلام) على نعل النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يصلحها ، قال ابو سعيد : فأتيت عليا فبشرته بذلك فلم يحفل به كأنه شيء قد كان علمه من قبل (٢) ، وهذا الحديث مشهور وهو ظاهر أي ظهور في النص على إمامة علي (عليهالسلام) لأن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) جعله التالي له في المنزلة ، وذلك لأن المنازل ثلاث منزلة النبوة وهو مقام الوحي ، ومنزلة الامامة وهي مقام التأدية عن الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وتبليغ احكام الكتاب الى الأمة ومنزلة القبول والطاعة وهي منزلة الرعية فبين النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ان منزلة التأدية عنه ، والتبليغ وتبيين معاني الكتاب لعلي (عليهالسلام) فهو الامام بعده المبلغ امته احكام التنزيل ، والمفصل لهم مجملات الوحي ، وهو المقاتل الناس على قبولهم تأويل القرآن منه ، وتصديقهم ما يقول عنه ، كما ان النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قاتل الناس ليقروا بأن القرآن منزل من الله تعالى عليه ويصدقوا بانه كلام الله ليس بمختلق ولا مكذوب ، فرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) مؤسس
__________________
(١) أيضا ٤ / ١٦٠.
(٢) أيضا ٣ / ٢٠٧.
الملة وعلي (عليهالسلام) موضح احكام الشريعة ، ومبين تأويل الكتاب والسنة ، فهو الخليفة بعده على الأمة ، فاين يذهب بابن ابي الحديد عن هذا ولقد فهم شيخاه ما أشار إليه النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في هذا الحديث من الامامة؟ فكل تمناها وطلبها ولو لم يعقلوا ذلك من قصد النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ما تطاول كل واحد منهما الى ذلك ، وسأل : النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) انا هو يا رسول الله فوا عجباه كيف كان الشيخان افهم من هذا المعتزلي الجدلي المحقق والخبر رواه اكثر المحدثين.
ومنها ما رواه ابن ابي الحديد من قول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) (ان الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين ولم تصل على احد من الناس) (١) وذلك انهما كانا يعبدان الله ولم يكن على وجه الأرض من يصلي لله غيرهما فشريك النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في صلاة الملائكة عليه هو الأحق بمقامه.
ومنها ما رواه ابن ابي الحديد عن ابي عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد ، وعن محمد بن حبيب في أماليه وقال بعد نقله : روى هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الأخبار المشهورة ، وأنه وجده في بعض نسخ مغازي محمد بن اسحاق ، قال : وسألت شيخي عبد الله بن سكينة عن هذا الخبر فقال : خبر صحيح (٢) وهو انه لما انهزم الناس عن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يوم احد وافردوه فوقاه علي بنفسه وفداه بمهجته وجالد الكتائب دونه حتى قتل من قتل منهم ورجعوا ناكصين ، فقال جبرئيل لرسول
__________________
(١) أيضا ١٣ / ٢٣٠.
(٢) أيضا ١٤ / ٢٥١ قال ابن ابي الحديد : «فقلت له : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال : أو كلما كان صحيحا تشتمل عليه الصحاح ، كم قد اهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة»!
الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : (ان هذه المواساة عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى) فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : (وما يمنعه وهو مني وأنا منه) فقال جبرئيل (عليهالسلام) : (وأنا منكما) فانظر الى هذا المقام وعظم هذا المرام بحيث ان الملائكة الكرام عجبت من صبره وبلائه ومواساته النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في ذلك الموقف المهول الذي ذهلت فيه العقول ، وان جبرئيل سيد الملائكة يطلب الاضافة إليه كما يطلب ذلك من النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، ويعد ذلك من جملة مفاخره وقول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) (هو مني وانا منه) أليس في هذا كله ما يدل او يشير الى ان عليا هو المستحق لمقام النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) والأولى به دون كل احد (١).
ومنها ما في الخبر المذكور أيضا قال وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا (لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي (عليهالسلام) فسئل رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عنه فقال (هذا جبرئيل) (٢) فانظر أيضا الى هذه المنقبة الجليلة التي لا يشك من سمعها ان عليا هو المخصوص بعناية الله بعد النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، والمستحق لمنزلته دون غيره من الصحابة ، وكيف يتوهم رشيد أن الرجل الذي كان بالأمس نوه الله بذكره ، وامر الملائكة ان تعلن بمدحه لمشاركته الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في صعاب الأمور ، وخوضه دونه غمرات الحروب والذي لا فتى في نصرة الدين وجهاد المشركين واعزاز الاسلام وحماية الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وطاعة الله مثله ، ولا سيف في كل ذلك كسيفه ، والمخصوص من الرسول (صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) أيضا ٩ / ١٨٢.
(٢) أيضا ٩ / ١٨٢ و ١٤ / ٢٥١.
وسلم) بالتقديم في كل شأنه ، والتفضيل على اقاربه واعوانه ، والمعدود عنده للنوائب والمدخر لكشف الشدائد يكون بعده مؤخرا عن مقامه ، ومباعدا عن محله يحكم البعداء عليه في ماله ودمه او يتصور ان الله بذلك راض ورسوله! ـ حاشا وكلا ، بل كل ما ذكرناه من تنويه الله ورسوله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) باسم علي (عليهالسلام) واعلان الملائكة بمدحه لبيان انه خليفة الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بعده في امته ، كما انه الباذل نفسه في حياته في طاعة الله وطاعته ، والصابر المجاهد في اعلاء كلمته ، وهذا ظاهر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ، وهذا الحديث وما قبله يبطلان ما رواه بعض الخصوم من ان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بكت (١) عليا (عليهالسلام) ذلك اليوم حين قال لفاطمة : امسكي هذا السيف غير ذميم فنظر إليه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) مختضبا بالدم فقال : (لئن كنت احسنت القتال اليوم فلقد احسن عاصم بن ثابت ، والحارث بن الصمة ، وسهل بن حنيف ، وسيف ابي دجانة غير ذميم) (٢) فان هؤلاء وان كانوا ثبتوا ولم يفروا كما فر غيرهم لكن ليس جهادهم في ذلك اليوم وغيره يشبه جهاد امير المؤمنين او يدانيه كما علمت من قول جبرئيل (عليهالسلام) في امر المواساة حتى يقول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لعلي ان كنت فعلت كذا فلقد فعل فلان وفلان مثل فعلك ، ومن هذا الوجه يضعف حمل الخبر على إرادة اظهار فضل المذكورين دون تبكيت علي (عليهالسلام) ليرتفع التعارض اللهم الّا على وجه بعيد والله اعلم.
ومنها قول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في علي (عليهالسلام) يوم برز لعمرو بن عبد ود (برز الايمان كل الى الكفر كله) رواه ابن ابي
__________________
(١) التبكيت : التقريع والتعنيف.
(٢) شرح نهج البلاغة ١٥ / ٣٥.
الحديد وهو خبر مشهور بل متواتر وما ظهر من شدة حب النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لعلي (عليهالسلام) فقد روى ابن ابي الحديد (١) وغيره ان رسول الله اذ ذاك ما زال رافعا يديه مقمحا رأسه نحو السماء داعيا ربه قائلا : (اللهم انك اخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم احد فاحفظ عليّ اليوم عليا (عليهالسلام) رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) قال ابن ابي الحديد : قال شيخنا ابو الهذيل وقد سأله سائل : ايما اعظم منزلة عند الله علي أم ابو بكر ، فقال : يا بن اخي والله لمبارزة علي (عليهالسلام) عمرا يوم الخندق تعدل اعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها وتربى عليها فضلا عن ابي بكر وحده ، قال : وروى قيس بن الربيع عن ابي هارون العبدي عن ربيعة بن مالك السعدي قال : اتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبد الله إنّ الناس ليتحدثون عن علي بن أبي طالب ومناقبه فيقول لهم اهل البصيرة : انكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل فهل انت محدثي بحديث عنه أذكره للناس؟ فقال : يا ربيعة وما الذي تسألني عن علي وما الذي أحدثك عنه ، والذي نفس حذيفة بيده لو وضع جميع اعمال امة محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا الى يوم الناس هذا ووضع عمل واحد من اعمال علي (عليهالسلام) في الكفة الأخرى لرجح على أعمالهم كلها ، فقال ربيعة : هذا المدح الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل اني لأظنه اسرافا يا أبا عبد الله ، فقال حذيفة ، يا لكع وكيف لا يحمل واين كان المسلمون يوم الخندق وقد عبر إليهم عمرو واصحابه فملكهم الهلع والجزع ، ودعا الى المبارزة فاحجموا عنه حتى برز إليه علي فقتله؟ والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم اعظم اجرا من اعمال امة محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الى هذا اليوم والى ان تقوم القيامة (٢) انتهى.
__________________
(١) نفس المصدر ١٣ / ٢٨٥ عن نقض العثمانية للإسكافي و ١٩ / ٦١.
(٢) المصدر السابق ١٣ / ٢٨٣ و ١٩ / ١٦٠ وانما قال حذيفة استنادا الى قول رسول الله (صلى
اقول وفي هذه القصة وقول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : (برز الايمان كله ...) (١) من الاشارة الى تقديمه على القوم ما لا يخفى علي ذي حجى ، ولا يحتاج الى تبيين وتوضيح ، وهل كان شبه علي (عليهالسلام) وعمرو ذلك اليوم الا داود وجالوت كما قاله جابر بن عبد الله أو غيره من الصحابة ، فهذه الأفعال والأقوال كلها شواهد حق على إمامة امير المؤمنين (عليهالسلام) ، وادلة صدق على انه خليفة رب العالمين ، لا يكاد يرتاب فيها الا من جانب الإنصاف ، وسلك فج الاعتساف.
ومما يقوى ما ندعيه ما رواه ابن أبي الحديد عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد (٢) عن مسلم الأعور عن حبة العرني ، ورواه أيضا عن ابراهيم بن ديزيل الهمداني في كتاب صفين ، بهذا الاسناد أيضا عن حبة العرني قال نصر : فروى حبة ان عليا لما نزل على الرقة نزل بموضع يقال له البلخ (٣) على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي (عليه
__________________
الله عليه وآله وسلم) : (لمبارزة علي بن ابي طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق افضل من اعمال امتي الى يوم القيامة) وقد تقدم تخريج هذا الحديث.
(١) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٨٥ عن نقض العثمانية للإسكافي.
(٢) هو عمر بن سعد بن ابي الصيد الأسدي وكثيرا ما يروى عنه نصر بن مزاحم في كتاب صفين وقد توهمه بعضهم عمر بن سعد بن ابي وقاص قاتل الحسين (عليهالسلام) ونسي ان من البعد بمكان ان يروى نصر بن مزاحم المتوفي سنة ٢٠٢ عن عمر بن سعد المقتول سنة ٦٦ ، ونذكر بالمناسبة ان الذهبي في ميزان الاعتدال ذكر العمرين فقال عن ابن ابي الصيد : «شيعي بغيض متروك الحديث» وقال عن الثاني : «هو في نفسه غير متهم ولكنه باشر قتل الحسين وفعل الأفاعيل) انظر ج ٣ ص ٩٨ وص ١٩٩»!!
(٣) في شرح النهج «البليخ» وهو الصواب قال عبيد الله بن قيس الرقيات :
ذاك خير من البيلخ وم |
|
ن صوت ذئاب علي يدعون ذيبا |
وانظر معجم البلدان مادة البليخ.
السلام) : ان عندنا كتابا توارثناه من آبائنا كتبه اصحاب عيسى بن مريم اعرضه عليك فقرأ الراهب الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما كتب انه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل الله ، لا فظا ولا غليظا ولا صخابا في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة السيئة ، بل يعفو ويصفح امته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز وفي كل صعود وهبوط تدل ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح ، وينصره الله على من ناواه فاذا توفاه الله اختلفت امته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمرّ رجل من امته على شاطئ الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقضي بالحق ولا يركس (١) الحكم ، الدنيا اهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح ، والموت عنده اهون من شرب الماء على الظمآن ، يخاف الله في السر وينصح له في العلانية ، لا يخاف في الله لومة لائم ، فمن ادرك ذلك النبي من اهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ، ومن ادرك ذلك العبد الصالح فلينصره ، فان القتل معه شهادة ثم قال : انا مصاحبك فلا افارقك حتى يصيبني ما اصابك ، فبكى (عليهالسلام) ثم قال : (الحمد لله الذي لم اكن عنده منسيا ، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار) فمضى الراهب معه ثم ذكر انه اصيب بصفين ، وان عليا (عليهالسلام) صلى عليه ودفنه ، وقال : (هذا منا اهل البيت) واستغفر له مرارا (٢) ، فهذا الحديث مصرح بان عليا (عليهالسلام) هو المخصوص بالذكر بعد النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بتعيينه في كتب الله السابقة المنزلة على الأنبياء فيكون هو الخليفة من بعده ، لأن ذكره معه يشير الى انه وصيه والقائم مقامه من بعده ، ثم انظر
__________________
(١) الركس : رد الشيء مقلوبا وفي كتاب صفين «ولا يرتشي في الحكم».
(٢) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٠٦ وكتاب صفين ص ١٦٤.
الى ما وصفه الله به في هذا الكتاب مما لا يوازن به وصف ولا يبلغه الا الأنبياء المرسلون ، وهو ادل دليل على كون المراد من الكتاب بيان انه (عليهالسلام) خليفة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ووصيه اذ لم يذكر غيره على الخصوص بشيء مما يشير الى معنى الامامة بالمرة ، فليسوا عند الله بخلفاء النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يقينا ، وانت اذا نظرت ما رسمناه وتدبرت في جميع ما حررناه نظر متأمل متبصر قطعت وجزمت بأنها نصوص صراح متضحة أي اتضاح في إمامة امير المؤمنين (عليهالسلام) ، وعلمت يقينا ان انكار النص عليه ممن روى تلك الروايات او اطلع عليها في الكتب الصحيحة عنده ناش عن رأي غير سديد ، وعقل غير رشيد ، كما صدر من امثال ابن ابي الحديد ونحن نسأل الله التوفيق الى ولاية مولانا امير المؤمنين (عليهالسلام) ونرغب الى الله في التسديد.
فان قيل : انكم رويتم هذه الأحاديث من كتب خصومكم واعتمدتم عليها في مطلبكم ، فان يكن ذلك لوثاقتهم عندكم فيلزمكم قبول روايتهم في ائمتهم ، وان لم يكونوا عندكم موثوقا بهم فليس لكم ان تعتمدوا على شيء مما رووه ، وليس لكم أن تأخذوا من روايتهم ما يوافق مطلوبكم دون ما يخالفه لأن ترجيح بلا مرجح ، ومن قبلته لك لا بد أن تقبله عليك.
قلنا : أما اعتمادنا على الروايات المروية في كتب خصومنا الواردة في مناقب ائمتنا عليهمالسلام فليس لأنهم عندنا ثقات ، ولا ان روايتهم مقبولة ، ولا لأنها موافقة لمطلوبنا ، بل لأنها مذكورة بألفاظها ومعانيها وامثال امثالها مما لا يحصى كثرة في كتب اصحابنا المعتبرة من الطرق الموثوق بها ، والأسانيد الموثوق برجالها ، ولو لم تكن موجودة عندنا ، ومروية من طرقنا ، ومثبتة في صحاح اخبارنا ، وكثير منها منقول بالتواتر لضربنا عنها الذكر صفحا ، ولما عرجنا عليها ، ولا التفتنا إليها ، وهذا بخلاف روايتهم في
ائمتهم فانهم يختصون بنقلها ، وليس في رواية اصحابنا منها عين ولا اثر ، فلذا نحن لا نقبلها لعلمنا بعدم وثاقة ناقليها ، بل علمنا باصطناعهم اياها ، على ان اكثرها او جميعها ينتهي اسناده الى من علمت منهم العداوة لأمير المؤمنين (عليهالسلام) واولاده وذويه ، وتزويره الأحاديث في عيبهم وذمهم ، فهو يضيف إليها اختلاق اخبار في فضائل المتقدمين عليهم لتكون معارضة لروايات فضائلهم ومناقبهم ، ليبلغ غرضه من تهجينها عند الرعاع والغوغاء وينال بذلك الأنعام الوافر عند اعدائهم كأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وابن عمر وعروة بن الزبير وسمرة بن جندب واضرابهم وكل هؤلاء مصرحون ببغض امير المؤمنين (عليهالسلام) والانحراف عنه ، وقد ذكر ابن ابي الحديد في بيان المنحرفين عن علي (عليهالسلام) هؤلاء وجماعة كثيرة من امثالهم وذكر اقوالهم الشنيعة فيه كل ذلك في شرح النهج (١) وذكر تفصيل ذلك وبيانه قبله أبو جعفر الاسكافي (٢) ، ومنها ما اصطنعه اتباعهم من القرّاء والفقهاء والمحدثين لمثل اغراضهم كما اسلفنا بيانه في رد حجة القوشجي ، فمن هذه حالهم كيف يصح الثقة برواياتهم؟ على ان كثيرا منها مدخول فيه ، وكثير منها لائح عليه آثار الوضع ، وجلها مخالف لصريح القرآن ، وقد أمرنا من النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) برد ما خالف القرآن من الأخبار المروية عنه ، وقد طعن فيها جماعة من الخصوم بالوضع بعضهم صريحا وبعضهم لزوما من حيث لا يشعرون ، وطعن ابن ابي الحديد في بعضها صريحا ، والكلام في هذا قدمنا منه ما فيه الكفاية في ابطال احتجاج القوشجي بجملة منها ، فهذا هو الفارق بين قبولنا رواية الخصوم في فضائل ائمتنا (عليهالسلام) دون روايتهم في فضائل اصحابهم وهو المرجح للقبول
__________________
(١) نفس المصدر ٤ / ٧٤ ـ ١٠٣.
(٢) المصدر السابق ٤ / ص ٦٣ فما بعدها.
والرد ، واما ذكرنا اياها من كتبهم فلأنا في مقام خصام والحجة ما لم يعترف بصحتها الخصم لا تثبت بها الدعوى ولا يقطع بها العذر ، فلذا اخترنا نقلها من كتبهم من باب الزام كل انسان بما التزم به ، ولعدم قدرتهم على انكارها اذ لا سبيل لهم إليه الا بانكار تلك الكتب ، وفي انكارها ابطال مذهبهم واستئصال طريقتهم ، ونقض حجتهم ، وذلك هو المطلوب فاندفع الاعتراض بعون الله.
تتميم وتكميل
واذا قد انتهينا الى هنا فلنذكر طائفة من الأحاديث والأخبار الدالة على إمامة امير المؤمنين (عليهالسلام) والمشيرة الى ذلك والمصرحة بفضله مما لم يذكره ابن ابي الحديد ولا اشار إليه ، وننقلها من كتب الموافقين له في انكار النص على امير المؤمنين والمشاركين له في تقديم غيره عليه ومن رواياتهم لانا التزمنا في اوّل ايراد النصوص ان لا نورد منها الا ما رواه المعتزلي المذكور بلفظه وبمعناه ومضمونه أو اشار إليه فلذا لم نذكر في تلك المباحث الا ما كان كذلك على انا لم نقطع بانا قد استقصينا جميع ما ذكره المشار إليه في كتابه مما يدخل في تلك الأبواب ، ولم نجزم بان ما ذكرناه وما سنذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ في مواضعه الآتية جميع ذلك لطول الكتاب وتفرقها فيه فلعلنا اغفلنا ذكر شيء منه ان نسينا وقت جمع هذا الكتاب موضعه ، لكني ارجو انّ ما نذكره ـ ان كان ـ لا يكون خارجا عن حدود الأنواع المذكورة فنذكر هنا ما اشرنا إليه.
فمن ذلك ما رواه الطبراني سليمان بن احمد بسنده عن عبد الله بن حكيم الجهني قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : (ان الله تبارك وتعالى اوحى لي في علي ثلاثة أشياء ليلة اسرى بي بأنه سيد المؤمنين ، وامام المتقين ، وقائد الغر المحجلين) (١).
__________________
(١) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٢١ وقال : «رواه الطبراني في الصغير» كما رواه
وروى ابو اسحاق الثعلبي في تفسيره في حديث طويل عن ابي ذر انه قال : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا ابو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بهاتين والا صمتا يقول في علي بن ابي طالب : (قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره مخذول من خذله) (١).
وروى الترمذي والنسائي عن ابي سعيد الخدري قال : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله الا ببغضهم عليا (٢) (عليهالسلام).
وفي كتاب الخصائص عن العباس بن عبد المطلب ، قال : سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول : كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب الا بخير فاني سمعت رسول الله يقول في علي ثلاثة خصال وددت لو ان لي واحدة منها كل واحدة منهن احب الي مما طلعت عليه الشمس ، وذاك اني كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من اصحاب رسول الله اذ ضرب النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) على كف علي بن ابي طالب وقال : (يا علي انت اوّل المسلمين اسلاما وانت اوّل المؤمنين ايمانا ، وانت منى بمنزلة هارون من موسى ، كذب من زعم انه يحبني وهو يبغضك ، يا علي من أحبك فقد أحبني ، ومن أحبني احبه الله تعالى ، ومن احبه الله تعالى ادخله الجنة ، ومن ابغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد ابغضه الله تعالى وادخله النار) (٣).
اقول غير خفي على من له اطلاع ان الراوي من القسم الثاني وبيان ذلك
__________________
الحاكم في المستدرك ٣ / ١٣٧ والمحب في الرياض ٢ / ١٧٧ وغيرهم.
(١) نقله في نور الأبصار ص ١٧ عن تفسير الثعلبي.
(٢) رواه الصبان في اسعاف الراغبين ص ١٥٦ واشار الى ان الترمذي اخرجه عن ابي سعيد وانظر الترمذي ٢ / ٢٩٩.
(٣) وشرح نهج البلاغة ٣ / ٢٣٠ عن نقض العثمانية.