كنت أميريّاً

محمّد عبد المحسن آل شيخ

كنت أميريّاً

المؤلف:

محمّد عبد المحسن آل شيخ


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤

فهرعتُ إليه قبل كلّ شيء وبدأتُ أتصفّحه.

فوجدت مؤلّفه قد استوعب المشكلة من جذورها ، وتتبّع أدلّة من يقول بطاعة الامراء ، وتفسيرات علماء السلفيّة ، حرفاً بحرف ، وكلمة بكلمة ، وجملة بجملة.

تأخّرتُ عن الغداء ، ولم أذق غير الشاي ، الذي كانت تسعفني به زوجتي ، وانهمكتُ في المطالعة.

فالكتابُ يخاطبني ويغذّيني بما تحتاجه نفسي وما يريده عقلي ، بكلّ هدوء ، وقد جاءَ موثّقاً بالمصادر الإسلاميّة القيّمة وأهمّها الصحاح عندنا أهل السنّة ، يُقارن بينها ويضع النتائج الواضحة أمامي.

أخرجني ما فيه من عالم الوهم والظلمات والجدل العقيم ، إلى عالم الحقائق الناصعة ، والآفاق البعيدة ، والمعاني الدقيقة ، وبدأ بالعناوين التالية :

إنّ الرسول الأمين (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لم يقصّر في تعريف الامّة بالحق الذي يرتبط بالخلفاء والحكّام

٤١

والامراء الذين سيأتون من بعده.

وأنذر الرسول المنذر (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) امّته عن سيطرة «الأحداث» وإمارتهم ، وأخبر عن هلاك امّته على أيديهم.

وأظهر تخوّفه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) من الأئمّة المضلّين!.

وبالرغم من أنّه أمر بالسمع والطاعة للحكّام ، لأنّ ذلك أمر لا بدّ منه لسير الحياة الاجتماعية ، إلّا أنّه لم يوجب ذلك بإطلاقه بل قيّده فقال (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإنّما الطاعة في المعروف».

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «على المرء المسلم السمع والطاعة إلّا أن يؤمر بمعصية ، فإذا امر بمعصية ، فلا سمع ولا طاعة».

وسأل معاذ بن جبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) :

٤٢

أرأيت إن كان علينا الامراء لا يستنّون بسنّتك ولا يأخذون بأمرك ، فما تأمرني أن أفعل؟

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «لا طاعة لمن لم يطع الله».

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وسلم): «ألا من ولي عليكم فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فلينكر ما يأتي به من معصية الله ، ولا ينزعنّ يداً من طاعة الله عزوجل»

. وهكذا سرد أحاديث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وأقواله وتوجيهاته ونصائحه للُامّة.

ومع هذه الرأفة والحنان والرعاية التامّة التي كانت عند الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) تجاه الامّة ، فهل من المعقول أو من المتصوّر ، أو من المتوقّع أن يهمل أمراً مهمّاً مثل شئون الامراء والخلفاء من بعده؟

ولا يوضّح لُامّته كيف يكون الامراء؟

وكيف يجب على الامّة أن يتعاملوا معهم؟

٤٣

وما هي حقوق الراعي والرعيّة؟.

كلّا ، وألف كلّا؟

بل إنّ الرسول الأمين الصادق المنذر الهادي ، قد حدّد كلّ ذلك ، وأرشد الامّة في نصوص صريحة صحيحة واضحة :

أنّ طاعة الامراء ليست مطلقة ؛ بل هي محدودة بحدّ طاعة الله تعالى ، ولو عصى الأمير أوامر الله ، فلا طاعة للأمير في معصية الله.

فهل بعد رأي الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وحكمه هناك رأيٌ مقبولٌ لأحد من الناس؟.

ثمّ أورد في الكتاب مواقف الصحابة الكرام من الامراء :

مثل موقف عبادة بن الصامت من معاوية ، في الشام ، وكيف كان يمزّق قِرَبَ الخمر المحمول لمعاوية.

فشكاه معاوية إلى أبي هريرة ، فقال أبو هريرة

٤٤

لعبادة : يا عبادة ، ما لك ولمعاوية ، ذرْهُ؟ وما حمل!.

فقال عبادة : لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألّا تأخذنا في الله لومة لائم؟!

فسكت أبو هريرة.

وشكا معاوية إلى عثمان : إنّ عبادة بن الصامت قد أفسد عليَّ الشام وأهله.

فرحّله إلى المدينة ، فقال له : ما لنا؟ ولك؟

فقام عبادة بين ظهرانيّ الناس ، فقال : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يقول : سيلي اموركم بعدي رجال يعرّفونكم ما تنكرون؟ وينكرون عليكم ما تعرفون؟

فلا طاعة لمن عصى ، ولا تضارّوا ربّكم.

هكذا أمر رسول الله أصحابه وأمته ، وهكذا أرشدهم.

٤٥

وهكذا عمل الصحابة امتثالا لأوامر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وإرشاداته.

وهل أحدٌ أهدى من الصحابة الكرام ، وأعرف بمراد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) من الذين خاطبهم؟

ثمّ مواقف أهل البيت (رضي الله عنهم) الذين تعلّموا الدين من النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) مباشرة وفي بيته ،

فهذا الحسين سبط الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) روى عن جدّه أنه قال : «من رأى سلطاناً جائراً ، مستحلاً لمحارم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسوله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا بقول ، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله».

وهكذا ، وبهذه الصراحة ، نقل أهل البيت (رضي الله عنهم) الموقف الصحيح تجاه الولاة الظلمة.

٤٦

وهذا هو الذي فهمه التابعون من الدين ،

فلمّا قال ابن الخليفة عبد الملك بن مروان ، لأبي حازم : ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله : (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)؟.

فأجابه أبو حازم : أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحقّ بقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ).

وإذا كانت إرشادات الرسول هكذا تحدّد الموقف من الامراء ، وترفع الطاعة عند عصيانهم لله ، فهي أولى بالاتّباع ، لأنّ خير الهدى هدي محمّد.

وهكذا فهم الصحابة الكرام وأهل البيت الأعلام ، والتابعون لهم بإحسان.

فلما ذا؟ وما الحاجة؟ إلى أن نتّبع رأي غيرهم ممّن جاءوا بعده وسمّوا أنفسهم «الفقهاء».

وقد أجمع المسلمون أنّه لا رأي لأحد ، بعد قول

٤٧

الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

ووقفتُ هنا ، لأتأمّل وضعي وموقفي وحالتي فقلتُ ـ وأنا احدّث نفسي ـ :

إذا كنتُ من أهل السنّة ، فلا بدّ أن يكون اتّباعي للرسول وأوامره ونواهيه ، وتفسير الصحابة لكلام الرسول ، وكذلك أهل البيت.

إذن فما هي قيمة آراء الآخرين المعارضة والمتنافية مع نصوص أحاديث النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

أحدث هذا الذي قرأته في الكتاب زلزالاً في نفسي ، ورحتُ أتساءلُ :

لما ذا لم يقرأ المشايخ ـ أبي وغيره ـ هذه الأحاديث؟.

ولما ذا لم أرها أنا في ما تلوتُ وقرأتُ وطالعتُ من كتب؟.

وهل أنا قد قرأتُها ، ولكنّي لم أفهمها؟ لأنّ عقلي كان محجوزاً ومملوءاً بآراء الآخرين؟

٤٨

أو أنّ النظارات التي وضعها الآخرون على عيني وعقلي ، وصبغوها بصبغة غير صبغة الله؟ هي التي جعلتني أرى شيئاً آخر؟.

وما ذا عن الأحاديث التي حفظتُها على خاطري عن السمع والطاعة المطلقة للحكّام والأمراء؟ وهي التي يستدلّ بها السلفيّة في محافلهم وكتبهم؟

هل تركها هذا الكاتب ، كما تركنا نحن تلك الروايات النبويّة الصريحة في عدم الطاعة إذا عصى الحاكم؟!.

كنت افكّر في أجوبة لهذه الأسئلة؟

وعُدت إلى الكتاب : لأجد أمامي جميع ما حفظتُ من الأحاديث ، مفسّرةً مشروحةً ، معروضةً عرضاً جميلاً ، مع شواهد واضحة على دلالاتها أو ما يفيد القارئ منها.

ولم يفلت من الكاتب ما قاله علماء السلفيّة في

٤٩

الموضوع ، وما احتجّ به كبارهم على عقيدتهم : مثل ابن تيمية ، وابن القيّم ، وابن حزم ، والشوكاني.

وأخيراً أورد الكاتب نماذج من أقوالهم التي خالفوا بها نصوص الكتاب والسنّة ، أو أساءوا فهمها ، أو حرّفوها وفسّروها بما يغاير مراد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ذلك الذي فهمه أهل البيت الكرام والصحابة رضوان الله عليهم ، أورد الجميع بكلّ موضوعيّة وهدوء.

وأهمّ ما في الكتاب تلك النماذج الموحشة من الامراء والسلاطين الذين تولّوا حكم البلاد الإسلاميّة في أدوار عصيبة من تاريخ الإسلام ، فعاثوا في الأرض فساداً ، وقتلوا الأبرياء والصلحاء ، وأهلكوا الحرث والنسل ، وفعلوا المنكرات وأمروا بها ، ونهوا عن المعروف ، ومنعوا العلم وهو الحديث الشريف وأحرقوا كتبه وحبسوا رواته :

٥٠

كمروان بن الحكم ،

والوليد بن عقبة ،

والحجّاج الثقفي ،

وأمثالهم ممّن سوّدوا وجه التاريخ الإسلامي ، وألحقوا به خسارة لا تعوّض.

وإلى عصرنا الحاضر الذي جرّت فيه فكرة الأميرية على الامّة الويلات والمصائب ، التي أخيرها ـ وليس آخرها ـ إدخال الكفّار الأمريكان إلى الأرض الإسلاميّة المقدّسة ، وتدنيس بلادنا الطاهرة بأرجلهم.

وما رأينا تلك الليلة ليس إلّا قصّةً من قصصهم ، ودوراً من أدوار مسرحيتهم الطويلة العريضة.

ومضيتُ أقرأ :

ومع كلّ فقرة وصفحة أشعر أنّي أنزعُ من بدني ثوباً من الوهم ، وأزيحُ عن جسمي ثقلاً من الخيال الباطل ، وأقلعُ من عقلي وقلبي شبهةً سوداء.

٥١

ولمّا انتهيتُ من الكتاب ، وجدتُ نفسي خفيفاً حرّاً طليقاً ، كأنّما أطير بجناحين من نور ومعرفة ، وأجد في نفسي نور الحقّ قد داخلني ، وأزاح عنّي كلّ الظلمات المتراكمة عليّ طوال السنين.

لقد استطاع عبد الحسين أنْ ينتصر لمّا تخلّى عن مناقشتي ، وتركني مع الكتاب الحاوي لأطيب الخطاب ، كلام الرسول الصادق الأمين ، حبيب القلوب وطبيب النفوس ، سيّدنا محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

وتركني مع معلّمي الخير والهدى : الصحابة الكرام وأهل البيت رضي الله عنهم ، يعلّموني معنى ما قاله الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بكلّ دقّة ، ويوضحون تطبيق كلامه حرفيّاً.

انكشفت لي الحقيقة جليّةً نيّرةً :

فقمتُ لصلاة الصبح وشكرتُ الله على هذا الفتح الذي فتح قلبي عليه ، فأخرجني من ظلمات الأميريّة

٥٢

العمياء إلى أنوار الحقّ واليقين ، ببركة سيّد المرسلين وصحابته وآله الكرام.

ووا أسفي على السنينَ العجاف التي قضيتها في تلك الظلمات.

ووا حزني على أهلي وأقربائي وأصدقائي الذين لا يزالون يخبطون خبط عشواء في تلك الظلمات.

لما ذا نقفل على أنفسنا أبواب النور ، وننوح على الظلمة؟

ولما ذا لا نقرأ ، ولا نتّصل ولا نتحاور مع الآخرين كي نجد نوافذ النور والحقّ واليقين.

لما ذا نعتقد أنّ ما نقوله هو الحقّ الذي لا محيص عنه ، ونحن لم نطّلع على ما يقوله الآخرون؟ فندور في حلقات مفرغة ،

ولا نسمح لآذاننا أن تسمع ،

ولا لأعيننا أن ترى ،

٥٣

ولا لقلوبنا أن تفقه!.

كانت زوجتي قريبةً منّي ، لكنّها لا تتدخّل في أمري ، ولا تسألني شيئاً عن مطالعتي وقراءتي ، لكنّها تراقبُ تصرّفاتي وانفعالي ، وما ينعكسُ على أسارير وجهي من فرح ونشاط وسرور.

ولمّا جلسنا صباحاً على مائدة الفطور ، خاطبتها :

هل تعلمين أنّي وجدتُ أمس كنزاً طالما أخفاهُ عنّي جميعُ من حولي من الأقارب والمشايخ ، ولم يُطلعوني عليه؟.

قالت : خيراً ، إن شاء الله ، ما هو؟ هل رأيت حُلُماً طيّباً؟.

قلتُ لها : كلّا ، بل في اليقظة طوال الليل ، وجدتُ ذلك الكنز في هذا الكتاب ، الذي أهدانيه عبد الحسين جارنا الشيعيّ!.

قالت متعجّبة : كيف؟ وأين؟.

٥٤

قلتُ : إنّه يحتوي على الحقيقة الواضحة ، المكشوفة ، من لسان أطيب الخلق وأهداهم وأعلمهم ، رسول ربّ العالمين سيّدنا محمّد الأمين (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

الحقيقة التي أعلنها الرسول والصحابة الأبطال وأهل البيت الكرام ،

وقد كُنّا في غفلة عن هذا! لأنّنا كنّا نقلّد الآباء والذين وجدناهم على امّة ودين ونحن على آثارهم نهرعُ ولدينهم نتبعُ ، فقط لأنّهم الأوّلون ، لأنّهم من خير القرون ، لأنّهم سلف.

وتركنا ما جاء من الهدى والنور واليقين على لسان سيّد المرسلين وأصحابه وأهل بيته الكرام؟!

كم يكون أسفنا كبيراً على تلك الخسارة التي أصابتنا في سالف عمرنا مع ذلك السلف.

ولكن نحمد الله على هذه النعمة التي جاءتنا على يد هذا العبد الصالح عبد الحسين ، فلا بدّ أن نزوره ونشكره.

٥٥

قالت : نعم ، والحمد لله كثيراً على هدايته لدينه والتوفيق لهذه المعرفة المحمّدية.

وأضافت : فإذا عزمتَ الذهاب إليه ، فلا بدّ أن نأخذ له هديّةً ، فإنّك قد عاملته طوال عمرك بقساوة ، ولكنّه أهدى إليك هذا الكنز ، أفلا يستحقّ أن تقدّم له هديّةً مناسبةً؟!

وافقتُ على فكرة الهديّة ، لكن لنفكّر أنا وزوجتي ما هو الشيء اللائق لنأخذه إليه.

وخرجتُ إلى العمل ، ولمّا رجعتُ ، استقبلتني زوجتي بفرح شديد.

قالت : لقد وجدتُ أفضل هديّة لجارنا عبد الحسين.

قلتُ : ما هي؟.

قالت : إمارة السفهاء؟.

قلتُ : وما إمارة السفهاء؟.

٥٦

قالت : عجيب ، أما قرأتَ الكتاب ليلةَ أمس؟.

قلتُ : نعم ، قد قرأتُه!.

قالت : فكيف؟ أما رأيتَ فيه حديث إمارة السفهاء؟.

قلتُ : لا أذكر ، هات الكتاب لأرى.

فجاءت بالكتاب ، وبدأت تقرأ : عن جابر بن عبد الله :

أنّ النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قال لكعب بن عجرة : «أعاذك الله ـ يا كعب بن عجرة ـ من إمارة السفهاء؟».

قال : وما إمارة السفهاء؟.

قال (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «امراءٌ يكونون بعدي ، لا يهدون بهَدْيي ، ولا يستنّون بسُنّتي ، فمن صدّقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فاولئك ليسوا منّي ولستُ منهم ، ولا يردون عليَّ حوضي.

٥٧

ومَن لم يصدّقهم على كذبهم ، ولم يُعنهم على ظلمهم ، فاولئك منّي وأنا منهم ، وسيردون عليَّ حوضي.

يا كعب ، إنّه لا يدخل الجنّة لحمٌ نَبَتَ من سُحْت أبداً ، النارُ أولى به»

قلت لزوجتي : وأيّ شيء في هذا الحديث يخصّصه لأن يكون هديّةً غاليةً لعبد الحسين ، مع أنّ الكتاب كلّه يحتوي على أحاديث أصرح من هذا وأقوى من هذا.

قالت : ألم تنتبه ، إنّ الحديث يحتوي على قول الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عن الامراء : «فاولئك ليسوا منّي ولستُ منهم»؟.

قلت : ثُمَّ ما ذا؟.

قالت : أوه ، ألم تذكر أنّ عبد الحسين ، في تلك الليلة التي زرناه فيها ، أجاب عن استدلالك بآية (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فقال

٥٨

: إنّ كلمة «منكم» تدلّ على أنّ الأمير والوالي يجب أن يكون من المؤمنين أنفسهم ، وإذا خان وفسد ، فليس منهم ، فلا يدخل في (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) الذين يجب طاعتهم ، وتمسّك بحديث : «من غشّنا فليس منّا»؟.

قلتُ : نعم ، صحيح.

قالت : وهذا الحديث صريح في أنّ الامراء الفاسدين ليسوا من الرسول ، وإذا لم يكونوا من الرسول فليسوا من المؤمنين ، لأنّ الرسول سيّد المؤمنين.

قلت : نعم ، لكن الحديث يقول : «فمن صدّقهم ... وأعانهم ، فاولئك ليسوا منّي».

قالت : نعم ، لكن إذا كان المصدّقون والمعينون ليسوا من الرسول ، فاولئك الامراء ليسوا منه بالأولى والأقوى والأوضح.

وإذا لم يكونوا من الرسول ولا الرسول منهم ، فهم ليسوا من المؤمنين ولا المسلمين.

٥٩

قلتُ : بارك الله فيك ، فلنذهب بهذه الهديّة إلى عبد الحسين ، فإنّها تحفةٌ ثمينة.

وذهبنا ـ وأخذنا معنا أبا خالد ـ إلى بيت عبد الحسين ، ودخلنا عليه بوجوه مستبشرة. وعَرّفناه ما توصّلنا إليه ، فخرّ ساجداً لله.

وبدأنا الحديث وقلنا له : جئناك بهديّة سنيّة وشرحنا له الأمر.

فاستبشر ، لكنّه أضاف : إنّ هديّتي قد أخذتُها من الله ورسوله؟.

فتعجّبنا لكلامه ، فاستمرّ شارحاً :

إنّ الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لرأفته بالأمّة التي تحمّل في سبيل هدايتها ما تحمّل ، قد قال : «لأن يهدي الله بك رجلا خيرٌ لك من حمر النعم» أو «خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت».

إنّ هذا الخير الموعود من الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

٦٠