نهج الحقّ وكشف الصدق

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهج الحقّ وكشف الصدق

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٠

٥ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا تعدى في الوديعة وأخرجها من الحرز وانتفع بها ثم ردها إلى الحرز لم يزل الضمان وكذا العارية المضمونة مع التعدي.

وقال أبو حنيفة يبرأ (١) وقد تقدم بيان الغلط.

٦ ـ ذهبت الإمامية إلى أن الجناية على حمار القاضي كالجناية على حمار الشوكي.

وقال مالك إذا قطع ذنب حمار القاضي ضمن كمال قيمته وإذا قطع ذنب حمار الشوكي ضمن الأرش (٢).

وقد خالف المعقول والمنقول :

قال الله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٣) (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٤).

ولأن القيم تختلف باختلاف الأعيان لا باختلاف الملاك.

٧ ـ ذهبت الإمامية إلى أن المنافع تضمن بالغصب كزراعة الأرض وسكنى الدار.

__________________

(١) الهداية ج ٣ ص ١٥٨ و ١٦٠ و ١٦٣ وبداية المجتهد ج ٢ ص ٢٦٥

(٢) قال صاحب كتاب «الينابيع» ، في كتاب الغصب منه : ومذهبه (أي مذهب مالك) في قطع ذنب حمار القاضي تمام القيمة ، لأن فيه وهنا في الدين ، ولأنه أتلف عليه غرضه ، لأنه لا يركبه غالبا ، انتهى.

أقول : ما ذكره من الوهن في الدين ، وهتك حرمة القاضي إنما يوجب العقوبة الزائدة لو كان القاطع قاصدا للوهن والهتك ، وإذا لم يكن شيء من ذلك ، بأن وقع الحمار في مزرعته ونحو ذلك ، فلا ، وأما إتلاف غرض الركوب من ذلك الحمار بخصوصه ، فسهل جدا إذ لا يبقى القاضي بمجرد ذلك راجلا في مدة عمره ، لإمكان تحصيل غرض الركوب ببيع ذاك وشراء غيره.

(٣) البقرة : ١٩٤

(٤) الشورى : ٤٠

٥٠١

وقال أبو حنيفة لا يضمن فإن غصب أرضا فزرعها بيده فلا أجرة عليه فإن نقصت الأرض فالأرش وإلا فلا وقال أيضا لو أجرها الغاصب ملك الأجرة دون المالك (١).

وقد خالف العقل والنقل :

فإن العقل قاض بقبح التصرف في مال الغير وعدم إباحته فيجب العوض.

وقال تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).

٨ ـ ذهبت الإمامية إلى أن المقبوض بالبيع الفاسد لا يملك بالعقد ولا بالقبض.

وقال أبو حنيفة يملك بالقبض (٢) وقد خالف العقل والنقل :

فإن الفاسد وجوده في السببية كالعدم.

وقال الله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ).

٩ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا غصب جارية حاملا ضمن الولد كالأم.

وقال أبو حنيفة لا يضمن الولد بل الأم خاصة (٣).

وقد خالف العقل والنقل :

__________________

(١) الهداية ج ٤ ص ١٠ و ١٤ و ١٦ وبداية المجتهد ج ٢ ص ٢٦٩

ولنعم ما قاله ابن حزم ، في كتابه الفقه : من أن ما ذهب إليه أبو حنيفة في هذه المسألة من عجائب الدنيا ، لأن الغاصب إذا حال بين صاحبه ، وبين عين ماله ، حال بينه وبين منافعه ، فضمنها ، ولزمه أداء ما منعه في حقه بأمر رسول الله (ص) : أن يعطي كل ذي حق حقه ، وكراء متاعه من حقه ، ففرض على مانعه إعطاء حقه.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ج ٢ ص ٢٢٤ ، والهداية ج ٢ ص ٣١

(٣) الهداية ج ٣ ص ١٤

٥٠٢

فإن العقل قاض بوجوب العوض عن الظلم.

وقال تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)

وَقَالَ ص عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ.

١٠ ـ ذهبت الإمامية إلى أن السارق يجب عليه القطع والغرم. وقال أبو حنيفة لا يجتمعان بل يجب أحدهما فإن غرم لم يقطع وإن قطع لم يغرم (١).

وقد خالف العقل والنقل :

قال الله تعالى (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٢)

وَقَالَ النَّبِيُّ ص عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ.

١١ ـ ذهبت الإمامية إلى إمكان غصب العقار ويضمن.

وقال أبو حنيفة لا يتحقق ولا يضمن (٣) وقد خالف العقل والنقل :

قال تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)

والعقل دل على وجوب الانتصاف والتحقيق يمكن بالاستيلاء ومنع المالك منه كغيره.

١٢ ـ ذهبت الإمامية إلى أن الغاصب إذا صبغ الثوب كان له أجر صبغه وعليه أرش نقص الثوب.

وقال أبو حنيفة إن صبغ الأبيض بغير السواد تخير المالك بين دفع

__________________

(١) بداية المجتهد ج ٢ ص ٣٧٧ والتفسير الكبير ج ١١ ص ٢٢٦

(٢) المائدة : ٤٠

(٣) الهداية ج ٤ ص ١٠ وبداية المجتهد ج ٣ ص ٢٦٥

٥٠٣

الثوب إليه ومطالبته بقيمته أبيض وبين أخذ ثوبه ودفع قيمة صبغه إليه وإن كان قد صبغه بالسواد تخير المالك بين دفع الثوب ومطالبته بقيمته أبيض وأخذ الثوب مصبوغا ولا شيء عليه (١).

وقد خالف العقل والنقل :

فإن العقل قاض بوجوب المقاصة وإنما يتم بما قلناه لا بدفع الثوب وإلزامه بقيمته.

وكذا النقل لِأَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ فكان للغاصب أخذ صبغه وللمالك أخذ ثوبه.

والعقل مانع من أخذ كل واحد منهما مال صاحبه.

ثم أي فرق بين السواد وغيره من الألوان.

١٣ ـ ذهبت الإمامية إلى أن الغاصب لا يملك الغصب بتغيير الصفة.

وقال أبو حنيفة إذا غيرها تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة بفعله ملكها فلو دخل لص دار رجل فوجد فيها دابة وطعاما ورحى فطحن ذلك الطعام على تلك الرحى بتلك الدابة ملك الدقيق وكان للسارق دفع المالك عن الطحن وقتاله عليه فإن قتل اللص المالك فهو هدر وإن قتل المالك اللص ضمنه (٢).

وهو خلاف العقل والنقل قال تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ

__________________

(١) الهداية ج ٤ ص ١٣ و ١٤

(٢) الهداية ج ٤ ص ١١ وذكره الفضل في المقام ، وحاول توجيهه ، ويكفي في شناعته ما قاله ابن حزم في كتابه.

وقال ابن رشد ، في بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٧١ : وقال أبو حنيفة ، والثوري : لا يضمن قيمته على كل حال ، وعمدة من لم ير الضمان القياس على من قصد رجلا فأراد قتله ، فدافع المقصود عن نفسه ، فقتل في المدافعة القاصد المتعدي : إنه ليس عليه قود.

٥٠٤

بِالْباطِلِ) وَقَالَ ص عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ وَقَالَ ص لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ (١).

١٤ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا غصب خشبة فبنى عليها وجب عليه ردها على مالكها وإن افتقر إلى تخريب ما بناه على جداره.

وقال أبو حنيفة إن كان قد بنى عليها خاصة ردها وإن كان البناء مع طرفها ولا يمكنه ردها إلا رفع هذا لم يلزم الرد (٢).

وقد خالف المنقول والمعقول على ما تقدم.

وَقَالَ ص وَلَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ جَادّاً وَلَا لَاعِباً مَنْ أَخَذَ عَيْناً فَلْيَرُدَّهَا (٣).

١٥ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا حل دابة أو فتح قفص الطائر فذهب عقيب ذلك ضمن.

وقال أبو حنيفة لا يضمن (٤) وقد خالف العقل والنقل :

لأنه ذهب بسببه فهو متعد.

وقال الله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ).

١٦ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا جنى الغاصب على الغصب الذي فيه الربا مثل سبك الدراهم وبل الطعام وجب عليه رده على المالك وأرشه.

وقال أبو حنيفة يتخير المالك بين رده على الغاصب والمطالبة

__________________

(١) رواه فخر الدين الرازي في التفسير الكبير ج ١٠ ص ٢٣٢

(٢) الهداية ج ٤ ص ١٣

(٣) منتخب كنز العمال ج ٤ ص ٩٠ ورواه عن أبي داود ، وأحمد ، وابن ماجة.

(٤) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٦٥ و ٢٧١

٥٠٥

بالبدل وبين الإمساك مجانا بغير أرش (١).

وقد خالف قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ).

والعقل الدال على عدم التسليط على الغير بغير موجب وبأي وجه يتسلط المالك على الغاصب بأخذ البدل.

١٧ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا غصب جارية فاتت بولد مملوك ونقصت قيمتها بالولادة فعليه ردها ورد ولدها وأرش النقص.

وقال أبو حنيفة يجبر الولد نقص الوالدة إن ساواها أو زاد ولو نقص ضمن النقصان (٢).

وقد خالف المعقول والمنقول على ما تقدم.

١٨ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا غصب من كل واحد ألفا ومزجهما فإن ألفين مشتركة بين المالكين ولا ينتقل إلى الغاصب.

وقال أبو حنيفة تنتقل ولكل منهما بدل ألفه بناء على أن الغاصب يملك بالتغيير (٣).

وقد تقدم بطلانه.

١٩ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه ليس للعامل ما في القراض أن يبيع بالدين.

وقال أبو حنيفة له ذلك (٤).

وقد خالف قَوْلَ النَّبِيِّ ص لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ (٥).

__________________

(١) رواه الفضل في كتابه ، والهداية ج ٤ ص ١٢

(٢) الهداية ج ٤ ص ١٥

(٣) الهداية ج ٤ ص ١١ وقال الفضل في كتابه : وما نقل من أبي حنيفة فقد بناه على إن مملك عنده.

(٤) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٠٢

(٥) انظر ما سبق منا.

٥٠٦

الفصل التاسع : في الإجارات وتوابعها

وفيه مسائل :

١ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا استأجر دابة إلى موضع يوصل إليه وتجاوزه إلى آخر فإنه يضمن الأجرة المسماة إلى ذلك الموضع وأجرة المثل في الزيادة التي تعدى فيها.

وقال أبو حنيفة لا يلزمه أجرة الزيادة التي تعدى فيها (١).

وقد خالف العقل والنقل :

قال الله تعالى (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٢).

وَقَالَ ص عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ والعقل أوجب القصاص.

٢ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز الاستئجار إلى أي وقت شاء.

وقال الشافعي لا يجوز أكثر من سنة وله قول آخر إلى ثلاثين سنة (٣)

وقد خالف قوله تعالى (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ).

ودلالة العقل الدال على الجواز.

٣ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز أن يستأجر رجلا ليبيع له شيئا بعينه ويشتريه وإجارة الدفاتر ما لم يكن فيها كفر.

وقال أبو حنيفة لا يجوز ذلك (٤).

وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز.

٤ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز أن يستأجر دارا على أن يتخذها

__________________

(١) بداية المجتهد ج ٢ ص ١٩٣ والأم للشافعي ج ٤ ص ٣٢ وج ٧ ص ١٣٩

(٢) الشورى : ٤٠

(٣) بداية المجتهد ج ٢ ص ١٨٢

(٤) وقد أغمض الفضل في المقام عنه بالتسليم لمؤلفنا ، وكأنه جعله من المسلمات عن أبي حنيفة.

٥٠٧

مسجدا يصلي فيه ولا يجوز أن يستأجرها ليتخذها ماخورا أو يبيع فيها خمرا أو يتخذها كنيسة أو بيت نار.

وقال أبو حنيفة لا يجوز في الأول ويجوز في الثاني ولكن يعمل غير ذلك (١).

وقد خالف العقل حيث منع من الاستئجار للطاعة وجوز في صورة الاستئجار للمعصية.

٥ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا استأجر رجلا لينقل له الخمر إلى موضع بعينه للشرب لم يجز.

وقال أبو حنيفة يجوز (٢) وقد خالف النبي ص حيث لعن ناقلها (٣).

٦ ـ ذهبت الإمامية إلى جواز المساقاة.

وقال أبو حنيفة لا يجوز (٤) وقد خالف في ذلك فعل النبي ص فإنه عامل أهل خيبر بشرط ما يخرج من ثمر وزرع.

وجماعة الصحابة والتابعين على ذلك (٥).

٧ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز اختلاف الحصة بالنسبة إلى الثمار المختلفة.

وقال مالك يجب التساوي في الكل (٦).

وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز.

__________________

(١) أقول : إن الفضل بعد تصديق قول أبي حنيفة ، شرع في توجيه ذلك بما لا ينفع

(٢) كما ذكر الحنفية في كتبهم المطولة ، فراجع.

(٣) منتخب كنز العمال ج ٣ ص ٢٣٣

(٤) التاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٢٣٢ وتفسير الخازن ج ٤ ص ١٦٤

(٥) منتخب كنز العمال ج ٤ ص ١٣١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٧

(٦) ذكره الفضل في المقام ، وراجع أيضا كتب المالكية.

٥٠٨

وَقَوْلَهُ ص الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ (١).

٨ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز أن يشترط العامل أن يعمل معه غلام رب النخل سواء كان الغلام موسوما بعمل هذا الحائط أو لا.

وقال مالك لا يجوز إلا إذا كان الغلام موسوما بالعمل فيه (٢).

وقد خالف العقل والنقل

فإن العقل يدل على أصالة الجواز وعدم الفرق.

والنقل قَوْلُهُ ص الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.

٩ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز المزارعة بالنصف أو الثلث وغيرهما.

وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز (٣).

وقد خالفا العقل الدال على أصالة الجواز.

والنقل وهو أن النبي ص عامل أهل خيبر بشرط ما يخرج من ثمر أو زرع.

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص دَفَعَ خَيْبَرَ زَرْعَهَا وَنَخْلَهَا إِلَى أَهْلِهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ (٤).

١٠ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يصح إجارة الأرض بالطعام.

وقال مالك لا يجوز (٥) وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز.

وقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٦).

__________________

(١) رواه ابن رشد في بداية المجتهد.

(٢) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٠٠ والموطأ ج ٢ ص ١٧٧

(٣) الهداية ج ٤ ص ٤٠ والفقه على المذاهب ج ٣ ص ٣ و ٤

(٤) تاريخ الكامل ج ٢ ص ١٥٠ وتفسير الخازن ج ٤ ص ١٦٤

(٥) بداية المجتهد ج ٢ ص ١٨٤ والموطأ ج ٢ ص ١٩٢

(٦) المائدة : ١

٥٠٩

١١ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز إجارة أرضه ليزرع الطعام كالحنطة.

وقال الفقهاء الأربعة إذا عين الطعام بطل (١).

وقد خالفوا العقل الدال على الجواز.

وقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

الفصل العاشر : في الهبات وتوابعها

وفيه مسائل :

١ ـ ذهبت الإمامية إلى أن القبض بدون إذن الواهب يكون فاسدا.

وقال أبو حنيفة إن قبضه في المجلس صح (٢).

وقد خالف العقل الدال على التسوية.

٢ ـ ذهبت الإمامية إلى صحة هبة المشاع.

وقال أبو حنيفة لا يجوز إلا أن يحكم الحاكم فيما يقسم (٣).

وقد خالف العقل الدال على الجواز والتسوية.

وَقَالَ النَّبِيُّ ص لِلْوَازِنِ زِنْ وَأَرْجِحْ والرجحان هبة مشاع.

٣ ـ ذهبت الإمامية إلى لزوم الوقف بالعقد والإقباض.

وقال أبو حنيفة لا يلزم إلا أن يحكم الحاكم (٤).

وقد خالف قَوْلَهُ ص حَبِّسِ الْأَصْلَ وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ وإجماع الصحابة وعملهم عليه (٥).

__________________

(١) الموطأ ج ٢ ص ١٩٢ وبداية المجتهد ج ٢ ص ١٨٤

(٢) الهداية ج ٣ ص ١٦٤ والفقه على المذاهب ج ٣ ص ٢٩٦

(٣) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٧٦ والهداية ج ٣ ص ١٦٤ والفقه على المذاهب ج ٣ ص ٢٩٥

(٤) الهداية ج ٣ ص ١١

(٥) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٠١ والأم للشافعي ج ٤ ص ٥٨

٥١٠

٤ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه يصح الوقف على بني هاشم وبني تميم.

وقال الشافعي لا يجوز لعدم حصرهم (١).

وقد خالف الإجماع الدال على جواز الوقف على الفقراء والمساكين.

٥ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا بنى مسجدا أو مقبرة وأذن للناس في الصلاة والدفن ولم يقل إنه وقف أو وقفته لم يزل ملكه عنه.

وقال أبو حنيفة إذا صلوا ودفنوا زال ملكه (٢).

وقد خالف العقل الدال على أصالة بقاء الملك.

وَقَوْلَهُ ص لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ (٣)

الفصل الحادي عشر : في المواريث وتوابعها

وفيه مسائل :

١ ـ ذهبت الإمامية إلى توريث خمسة عشر أولاد البنات وأولاد الأخوات وأولاد الإخوة من الأم وبنات الإخوة من الأب والعمة وأولادها والخال وأولاده الخالة وأولادها والعم أخو الأب للأم وأولاده وبنات العم وأولادهن والجد أبو الأم والجدة أم الأم وأولادها على الترتيب المذكور في تصانيفهم (٤) ولا يرث مع

__________________

(١) رواه النووي في الروضة ، على ما رواه السيد في إحقاق الحق .. أقول : قال العلامة في التذكرة ج ٢ ص ٤٤٥ : وهو أحد قولي الشافعي.

(٢) الهداية ج ٣ ص ١٥ و ١٦

(٣) التفسير الكبير ج ١٠ ص ٢٣٢

(٤) أقول : أسباب الإرث شيئان : نسب ، وسبب ، فالنسب : هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر ، كالأب والابن ، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق اسم النسب عرفا على الوجه الشرعي ، وهو ثلاث مراتب ، لا يرث أحد من المرتبة التالية ، مع وجود واحد من المرتبة السابقة خال من الموانع : الأولى : الآباء دون آبائهم ، والأولاد وإن نزلوا. والثانية : الاخوة والأخوات من الأبوين ، أو أحدهما وإن نزلوا ذكورا وإناثا ، ـ

٥١١

واحد مولى نعمة ويحجب بعضهم بعضا على ترتيب ذكروه في كتبهم (١).

وعليه جماعة من الصحابة والتابعين.

وقال أبو حنيفة إن ذوي الأرحام يرثون إلا أنه يقدم المولى ومن يأخذ بالرد عليهم فلو مات وترك بنتا وعمة فالمال للبنت نصفه بالفرض والآخر بالرد كما نقول نحن إلا أنهم يقدمون المولى على ذوي الأرحام ويوافقوننا في أن من يأخذ بالرد أولى من أولي الأرحام ويقولون إذا لم يكن هناك مولى ولا يرث بالفرض ولا بالرد كان لذوي الأرحام فخالفونا في توريث المولى معهم والباقي وفاق (٢). وقال الشافعي إنهم لا يرثون ولا يحجبون وإن كان للميت قرابة فالمال له وإن كان مولى كان له وإن لم يكن مولى ولا قرابة فميراثه لبيت المال (٣).

وقد خالفا في ذلك قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٤) وولد البنت ولد للإجماع على أن عيسى ولد

__________________

ـ والأجداد والجدات فصاعدا. الثالثة : الأعمام والأخوال من الأبوين ، أو أحدهما وإن علوا وأولادهم ، ذكورا وإناثا ، وإن نزلوا.

والسبب : هو الزوجية ، وولاء النعمة ، والزوجية تجامع جميع الوراث من النسب والسبب ، والولاء لا يجامع النسب أبدا ، وهو عبارة عن ولاء الإعتاق ، وضمان الجريرة ، والإمامة.

(١) والحجب تارة يكون عن أصل الإرث ، كحجب القريب البعيد في كل مرتبة ، والضابط : أنه إذا اجتمع في مرتبة واحدة طبقات يحجب الأقرب إلى الميت من هو بعيد منه ، بالنسبة إليه ، وكحجب المرتبة السابقة التالية من المراتب الثلاث وتارة يكون عن بعض الفرض والإرث ، كحجب ولد الميت الزوج ، أو الزوجة عن النصيب الأعلى إلى الأخفض ، وكحجب الولد من الأبوين عما زاد عن السدس ، على تفصيل حققه فقهاء الشيعة ، رضوان الله تعالى عليهم.

(٢) بداية المجتهد ج ٢ ص ٣٠٣

(٣) كتاب الأم للشافعي ج ٤ ص ٧٦ وقال الفضل في ذيل هذه المسألة : عند الشافعي : أن التوريث بالولاء مقدم على التوريث بالرحم.

(٤) النساء : ١١

٥١٢

آدم (١).

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص ابْنَايَ هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (٢).

وَقَالَ لَا تُزْرِمُوا عَلَى ابْنِي فَتَرَكَهُ حَتَّى قَضَى بَوْلَهُ (٣) أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ ع بَالَ فِي حَجْرِهِ فَأَرَادُوا أَخْذَهُ فَقَالَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ص ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ يُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٤) عَنَى بِهِ الْحَسَنَ ع.

وقال الله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (٥) وقال

__________________

(١) أقول : اتفق فقهاء أهل السنة على تخصيص قول الله تعالى : «(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الأولاد الصلبيين من الابن ، والبنت ، وعقب الأبناء ، دون عقب البنات (راجع : تفسير الخازن ، وفي هامشه تفسير النسفي ج ٣ ص ٢٤٩ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٧٤ والتفسير الكبير ج ٩ ص ٢٠٣ وروح المعاني ج ٤ ص ١٩٣

وقال ابن كثير في تفسيره ج ٢ ص ١٥٥ : قالوا : إذا أعطى الرجل بنيه ، أو وقف عليهم ، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه ، وبنو بنيه ، واحتجوا بقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فالاحتجاج بعدم شمول أحكام الأولاد في الفروض وغيرها لوليد بنت الرجل بهذا الشعر ، الذي لا يعرف قائله ، كما قال البغدادي في خزانة الأدب ج ١ ص ٣٠٠ ليس إلا لدخالة السياسة في دين الله ، سبحانك اللهم ما أجرأهم على هذا الرأي ـ السياسي ـ في دين الله!!. ما قيمة قول شاعر مجهول في قبال قول الله عزوجل في الآية المذكورة ، وآية المباهلة .. ولكن ذلك كله ليس إلا لإخراج الحسنين عليهما‌السلام عن بنوة رسول الله (ص) ، وقد نص الله تعالى في قوله : (أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) : أنهما ابني النبي الأقدس ، وقد سمى الله تعالى في الآية (٨٤ و ٨٥ من سورة الأنعام) أسباط نوح ذرية له وليست الذرية إلا ولد الرجل كما في القاموس ج ٢ ص ٣٥ فعد عيسى من ذريته ، وهو ابن بنته مريم.

(٢) منتخب كنز العمال ج ٥ ص ١٠٥ والروض الأزهر ص ١٩٩ (ط مصر) والإصابة ج ١ ص ٣٢٩

(٣) مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٨٥ ورواه الطبراني في الأوسط.

(٤) مسند أحمد ج ٥ ص ٤٤ و ٥١ وصحيح البخاري كتاب الصلح ، وبدء الخليفة ، وأسد الغابة ج ٢ ص ١١ والإصابة ج ١ ص ٣٣٠

(٥) الأنفال : ٥٧

٥١٣

تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) (١) ولم يفرق بين الرجال والنساء.

وَقَالَ ص وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ (٢).

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ص وَرَّثَ الْخَالَ (٣) والأخبار في ذلك كثيرة.

٢ ـ ذهبت الإمامية إلى أن الأم يرد عليها وكذا البنت.

وقال الشافعي للبنت النصف والباقي لبيت المال (٤).

وقد خالف قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ).

وَقَوْلَ النَّبِيِّ ص تَجُوزُ [تَحُوزُ] الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ مَوَارِيثَ عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا (٥).

وجعل ولد الملاعنة لأمه وَقَالَ النَّبِيُّ ص وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ أُمُّهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ (٦) فجعلها كالأبوين.

٣ ـ ذهبت الإمامية إلى أن المسلم يرث الكافر خلافا للفقهاء الأربعة (٧).

وقد خالفوا في ذلك عموم قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ)

__________________

(١) النساء : ٧

(٢) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٨٤ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩١٤

(٣) وفي منتخب كنز العمال ج ٤ ص ٢١٦ قال : كان علي وأصحابه إذا لم يجدوا ذا سهم أعطوا القرابة ، أعطوا بنت البنت المال كله ، والخال كله.

(٤) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٩٥ والأم للشافعي.

(٥) التاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٢٦٠ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩١٦ ومصابيح السنة ج ٢ ص ١٦

(٦) وفي سنن أبي داود ج ص ١٢٥ وجعل رسول الله (ص) ميراث ابن الملاعنة لأمه ، ولورثتها من بعدها.

(٧) تفسير الخازن ج ١ ص ٣٥٠ وبداية المجتهد ج ٢ ص ٢٩٥ والتفسير الكبير ج ٩ ص ٢٠٩

٥١٤

وَقَوْلَهُ ص الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ (١).

وَقَوْلَهُ ص الْإِسْلَامُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ (٢).

٤ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه لا ميراث بالتعصيب بل إنما يورثون بالفرض المسمى أو القرابة أو السبب من الزوجية والولاء.

قال الجمهور يرث بالتعصيب (٣).

وقد خالفوا قوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٤) فذكر سبحانه أن للنساء نصيبا مما ترك الوالدان والأقربون كما للرجال.

وقال جابر عن زيد بن ثابت من قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء (٥).

وقال الله تعالى (أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٦) وإنما أراد الأقرب فالأقرب إجماعا والبنت أقرب من ابن العم والعم.

وأيضا يلزمهم أن يكون ولد الصلب أضعف سببا من ابن ابن ابن العم كما لو ترك ابنا وثمانية وعشرين بنتا للابن سهمين من ثلثين ولكل بنت سهم ولو ترك عوض الولد ابن ابن عم لكان ابن ابن العم عشرة من ثلثين والباقي للبنات.

٥ ـ ذهبت الإمامية إلى بطلان العول.

__________________

(١) و (٢) التاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٢٥٢ والتفسير الكبير ج ٩ ص ٢٠٩ ومنتخب كنز العمال ج ١ ص ٥٦

(٣) تفسير الخازن ج ١ ص ٢٥٠ وبداية المجتهد ج ٢ ص ٢٨٤ وأحكام القرآن ج ٢ ص ٧٨

(٤) النساء : ٧

(٥) وقريب منه : ما رواه ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، كما في الدر المنثور ج ٢ ص ١٢٣ وبه اعتراف الجصاص في أحكام القرآن ج ٢ ص ٧٩

(٦) الأنفال : ٧٩

٥١٥

وخالف فيه الفقهاء الأربعة (١).

وقد خالفوا العقل والنقل

وقال ابن عباس سبحان الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في المال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النصفان لابن البنت فقيل له من أول من أعال الفرائض.

فقال عمر بن الخطاب قيل له هلا أشرت إليه

قال هبته (٢)

٦ ـ ذهبت الإمامية إلى جواز الوصية للوارث.

وخالف فيه الفقهاء الأربعة (٣).

وقد خالفوا كتاب الله حيث يقول (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٤) وقد نص في الباب أنه نوع من البر والأقارب أولى من الأباعد كَمَا قَالَ ص ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ (٥) وفيه صلة الرحم المأمور بها وقال تعالى (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (٦).

ولأن الوارث قد يستحق التفضيل إما بسبب شدة فاقته وفقره أو

__________________

(١) أحكام القرآن ج ٢ ص ٩٠ وبداية المجتهد ج ٢ ص ٢٩٢

(٢) منتخب كنز العمال ج ٤ ص ٢٠٧ و ٢١٤ وأحكام القرآن ج ٢ ص ٩٠ وهذا متواتر عن ابن عباس ، في كتب الحديث.

أقول : أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب ، ولم يكن في زمن النبي (ص) إلى أن مات من ذلك عين ولا أثر .. (راجع : تاريخ الخلفاء ص ١٣٧ وأحكام القرآن ج ٢ ص ٩١ والمستدرك ج ٤ ص ٣٤٠ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٢٥٣ وكنز العمال ج ٦ ص ٧

(٣) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٨٠ والتاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٢٦٦

(٤) البقرة : ١٨٠

(٥) النهاية لابن الأثير ج ٣ ص ٣٢١

(٦) البقرة : ١٨١

٥١٦

بسبب كثرة عياله دون غيره أو بسبب فضله وعلمه وقلة سعيه في الأمور الدنيوية فناسب العقل التفضيل ولا يمكن إلا بالوصية.

ولأنه كما جاز التفضيل حال الحياة كذا يجوز بعد الممات.

٧ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه إذا أوصى لأقاربه يدفع إلى من يعرف بين الناس أنه قريبه.

وقال أبو حنيفة يعطى ذوي الرحم المحرم خاصة ولا يدخل فيه من ليس بمحرم كبني العم.

وقال مالك هذه وصية للوارث من الأقارب لا غير (١).

وقد خالف العرف في ذلك من غير دليل.

٨ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه لا يصح الوصية للميت.

وقال مالك يصح ويكون للورثة (٢).

وهو خلاف العقل الدال على امتناع صحة ملكية الميت وأن تمليك واحد بعينه لا يكون تمليكا لغيره.

٩ ـ ذهبت الإمامية إلى أن ما تركه النبي ص ينتقل إلى ورثته.

وخالف الفقهاء الأربعة وقالوا ينتقل صدقة إلى غير ورثته (٣).

__________________

(١) الهداية ج ٤ ص ١٨٤ والفقه على المذاهب ج ٣ ص ٣٣٦ و ٣٤٠

(٢) بداية المجتهد ج ٢ ص ٢٨٠ والفقه على المذاهب ج ٣ ص ٣٢١

(٣) قال الآلوسي في تفسيره ج ٤ ص ١٩٤ : التخصيص بخبر الواحد لعمومات القرآن جائز على الصحيح ، والاحتجاج على عدم جواز التخصيص بخبر عمر مجاب عنه بأن عمر إنما رد خبر ابنة قيس ، لتردده في صدقها وكذبها.

أقول : تردد أبي بكر في حديثه يظهر من وجوه :

الأول : اعترافه بأن الوارث لميراث النبي (ص) أهله ، في حديث أبي الطفيل.

الثاني : دفعه آلة رسول الله (ص) ، ودابته ، وحذاءه إلى علي ميراثا.

الثالث : تردده في مصرفه بقوله : «فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين». فهو يرى هنا : أنه موكول إلى رأي الخليفة راجع : كنز العمال ج ٣ ص ١٢٩ رقم ٢٢٦ ، وشرح ـ

٥١٧

وقد خالفوا كتاب الله تعالى في قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) وهو عام وقوله (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية عام أيضا.

ومَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَوْلِهِ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ غير صحيح لقوله تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (١) وقال تعالى حكاية عن زكريا (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢) وقوله تعالى (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) (٣) وَقَوْلُ فَاطِمَةَ أَتَرِثُ أَبَاكَ وَلَا أَرِثُ أَبِي (٤).

__________________

ـ النهج ج ٤ ص ٨١) ولكن قوله : إنما ميراثه لفقراء المسلمين ، والمساكين ، يدل على أنه يرى : أنه منحصر بهم من دون أن يشركهم غيرهم (كنز العمال ج ٣ ص ١٢٥ رقم ٢٢٢٤) وله رأي ثالث بينه بقوله : سمعت رسول الله (ص) يقول : «إنما هي طعمة أطعمناها الله ، فإذا مت كانت بين المسلمين» من دون أن ينيط ذلك بنظر الخليفة راجع : (كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري ، وشرح النهج ج ٤ ص ٨١) ثم هناك اعترافه في حديث أبي الطفيل : بأن أهله يرثونه (ص) ، فهذا التحير منه في المصرف يدل على أن الكذاب نساء ، والاختلاق يوجب التحير .. أضف إلى ذلك ادعاء أزواج النبي (ص) إلا عائشة ميراثهن ، كما في (البداية لابن كثير ج ٤ ص ٢٠٣) وهذا صريح بأنهن لم يسمعن من النبي (ص) بل بعد وفاته إلى عشرة أيام.

الرابع : كما قال ابن المعلم : إنه بعد الاغماض عن سنده : إنما هو في قوله : ما تركناه صدقة نصب على الحال ، فيقتضي ذلك : أن ما تركه النبي (ص) على وجه الصدقة ، لا يورث عنه ، ونحن لا نمنع هذا (راجع تنوير الحوالك ج ٣ ص ١٥٥) وغيرها من أدلة ضعف خبر أبي بكر.

(١) النمل : ١٦

(٣) مريم : ٦ و ١٩

أقول : قد اعترف عدة من أعلام القوم ، بدلالة هذه الآيات على الميراث ، منهم : الزمخشري في الكشاف ، وربيع الأبرار ، والثعلبي في عرائس المجالس ص ٤٠٠ والفخر الرازي في التفسير الكبير ج ٩ ص ٢١٠ وغيرهم من الأعاظم.

(٤) شرح النهج ج ٤ ص ٧٩ و ٩٢ وأبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة ، وبلاغات النساء ص ١٤ وأعلام النساء ج ٣ ص ٢٠٨

وفيها : إلى أن قالت فاطمة (عليها‌السلام) : «ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي ، أفحكم ـ

٥١٨

ثم لما تنازع علي والعباس في بغلة لرسول الله ص ولَأْمَتِهِ وسيفه حكم أبو بكر بذلك لعلي أيضا من جهة الميراث (١) ولو كانت روايته صحيحة لما حكم بذلك بل كانت لجميع المسلمين المستحقين للصدقة وإنما قصد أمير المؤمنين ع بالمرافقة إليه في ذلك مع العباس ليظهر خطأ من حكم بهذه الرواية (٢).

١٠ ـ ذهبت الإمامية إلى أن الأسير إذا أخذ بعد تقضي الحرب يتخير الإمام فيه بين المن والفداء والاسترقاق.

وقال أبو حنيفة يتخير بين القتل والاسترقاق لا غير (٣).

وقد خالف قوله تعالى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (٤).

وَقَالَ ص فِي أُسَارَى بَدْرٍ لَوْ كَانَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيّاً وَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ السَّبْيِ لَأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ (٥).

وَبَعَثَ النَّبِيُّ ص سَرِيَّةً إِلَى قِبَلِ نَجْدٍ فَأَسَرُوا رَجُلاً يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ

__________________

الجاهلية تبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ... إيها معاشر المسلمين ، ابتز إرث أبي؟ أبالله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك ، ولا إرث لي ، لقد جئت شئيا فريا ، فدونكها مخطوطة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون.

(١) كتاب السقيفة للجوهري ، كما في شرح النهج ج ٤ ص ٧٩

(٢) أقول : أخرج الواقدي في الطبقات ج ٢ ص ٢١٥ كلاما لعلي (ع) ، يعرف منه قيمة هذا الحديث ، قال : قد جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها ، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه ، وجاء معهما علي ، فقال أبو بكر : قال رسول الله : لا نورث ما تركناه صدقة ، وما كان النبي يعيل فعلي ، فقال علي : ورث سليمان داود ، وقال زكريا : يرثني ويرث من آل يعقوب ، فقال أبو بكر : هو هكذا ، وأنت والله تعلم مثل ما أعلم ، فقال علي : على هذا كتاب الله ينطق؟ فسكتوا ، وانصرفوا (مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٢٩٧)

(٣) الهداية ج ٢ ص ١٠٥ وتفسير الخازن ج ٤ ص ١٤٣

(٤) محمد : ٤

(٥) رواه الواقدي ، كما في شرح النهج ج ٣ ص ٢٥٤

٥١٩

أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ سَيِّدُ ثُمَامَةَ فَأَتَوْا بِهِ وَشَدُّوهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ ص فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ إِنْ قَتَلْتَ قَتَلْتَ ذَا دَمٍ وَإِنْ مَنَنْتَ مَنَنْتَ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ أَرَدْتَ مَالاً فَسَلْ تُعْطَ مَا شِئْتَ فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً فَمَرَّ بِهِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَمَرَّ بِهِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً ثُمَّ قَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَأَطْلَقُوهُ فَمَرَّ وَاغْتَسَلَ وَجَاءَ وَأَسْلَمَ وَكَتَبَ إِلَى قَوْمِهِ فَجَاءُوا مُسْلِمِينَ (١) وهذا نص في جواز المن.

وَوَقَعَ أَبُو غُرَّةَ الْجُمَحِيُّ فِي الْأَسْرِ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي ذُو عَيْلَةٍ فَامْنُنْ عَلَيَّ فَمَنَّ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الْقِتَالِ فَمَرَّ إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ إِنِّي سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ وَعَادَ إِلَى الْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ ص أَلَّا يُفْلَتَ فَوَقَعَ فِي الْأَسْرِ فَقَالَ إِنِّي ذُو عَيْلَةٍ فَامْنُنْ عَلَيَّ فَقَالَ ص أَمُنُّ عَلَيْكَ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ وَتَقُولَ فِي نَادِي قُرَيْشٍ سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ لَا يُلْسَعُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ فَقَتَلَهُ بِيَدِهِ وَنَادَى ص رَجُلاً بِرَجُلَيْنِ وَفَادَى يَوْمَ بَدْرٍ جَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى مَالٍ (٢).

١١ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه سهم ذي القربى من الخمس لا يسقط بموت النبي ص.

وقال أبو حنيفة يسقط (٣) وقد خالف مقتضى قوله تعالى (وَلِذِي الْقُرْبى) (٤) أضاف بلام التمليك وعطف بواو التشريك.

١٢ ـ ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز إعطاء اليهود زكاة الفطرة والكفارة.

__________________

(١) أسد الغابة ج ١ ص ٢٤٦ والإصابة وفي هامشها الاستيعاب ج ١ ص ٢٠٣

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٠ وفي هامشها سيرة زيني دحلان ج ١ ص ٣١٤

(٣) الهداية ج ٢ ص ١١٠ وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٦٢

(٤) الأنفال : ٤١

٥٢٠