مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

ابن القيّم الجوزيّة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة

المؤلف:

ابن القيّم الجوزيّة


المحقق: رضوان جامع رضوان
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٨٧

تاب إليه العباد ، ونداؤه لموسى حين أتى الشجرة ، ونداؤه للأبوين حين أكلا من الشجرة ، ونداؤه لعباده يوم القيامة ، ومحبته لمن كان يبغضه حال كفره ثم صار يحبه بعد إيمانه وربوبيته التي هو بها كل يوم في شأن ـ حوادث ، وقلتم هو منزه عن حلول الحوادث ، وحقيقة هذا التنزيه أنه منزه عن الوجود وعن الربوبية وعن الملك وعن كونه فعالا لما يريد ، بل عن الحياة والقيومية.

فانظر ما ذا تحت تنزيه المعطلة المنفاة بقولهم : ليس بجسم ولا جوهر ولا مركب ، ولا تقوم به الأعراض ، ولا يوصف بالأبعاض ، ولا يفعل بالأغراض ، ولا تحله الحوادث ، ولا تحيط به الجهات ، ولا يقال في حقه أين ، وليس بمتحيز ، كيف كسوا حقائق أسمائه وصفاته ، وعلوه على خلقه ، واستواءه على عرشه ، وتكليمه لخلقه ، ورؤيتهم له بالأبصار في دار كرامته ، هذه الألفاظ ، ثم توسلوا إلى نفيها بواستطها. وكفروا وضللوا من أثبتها ، واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله من اليهود والنصارى. فإلى الله الموعد وإليه الملتجأ ، وإليه التحاكم ، وبين يديه التخاصم.

نحن وإياهم نموت ولا

أفلح يوم الحساب من ندما

* * *

(فصل)

(في تحريف اسمه تعالى : العدل)

ومن ذلك لفظ «العدل» ، جعلته القدرية اسما لإنكار قدرة الرب على أفعال العباد وخلقه لها ومشيئته ، فجعلوا إخراجها عن قدرته ومشيئته هو العدل ، وجعل سلفهم إخراجها عن تقدم علمه وكتابته من العدل ، وسموا أنفسهم بالعدلية ، وعمدوا إلى إثبات عموم قدرته على كل شيء من الأعيان والأفعال وخلقه لكل شيء وشمول مشيئته ، فسموه جبرا ، ثم نفوا هذا المعنى الصحيح وعبروا عنه بهذا الاسم ثم سموا أنفسهم أهل العدل وسموا من أثبت صفات الرب وأثبت قدره وقضاءه أهل التشبيه والحيز.

٢٠١

كذلك قول الرافضة سموا موالاة الصحابة «نصبا» ، ومعاداتهم موالاة لأهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكذلك المرجئة سموا من قال في الإيمان بقول الصحابة والتابعين واستثنى فيه فقال : أنا مؤمن إن شاء الله : «شاكا».

وهذا شأن كل مبطل ومبتدع ، ويلقب الحق وأهله بالألقاب الشنيعة المنفردة. فإذا أطلقوا لفظ الجسم صوروا في ذهن السامع خشبة من الخشب الكثيف ، أو بدنا له حامل يحمله. وإذا قالوا مركب صوروا في ذهنه أجزاء متفرقة فركبها ، وهذا حقيقة المركب لغة وعرفا ، وإذا قالوا : يلزم أن تحله الحوادث صوروا في ذهنه ذاتا تنزل به الأعراض النازلة بالمخلوقين كما مثل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن آدم امله وأجله والأعراض إلى جانبه إن أخطأه هذا أصابه هذا (١). وإذا قالوا : يقولون بالحيز والجهة : صوروا فى الذهن موجودا محسورا بالأحياز وإذا قالوا لزم الحيز : صوروا في الذهن قادرا ظالما يجبر الخلق على ما لا يريدون ويعاقبهم على ما لا يفعلون.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٦٤١٧) عن عبد الله بن مسعود قال : خط النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خططا صغارا إلى هذا الّذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال : هذا الإنسان وهذا أجله محيط به ـ أو قد أحاط به ـ وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن والجهة ، وصوروا في الذهن موجودا محسورا بالأحياز وإذا قالوا لزم الحيز أخطأه هذا نهشه هذا.

قال الحافظ ابن حجر : قيل هذه صفة الخط :

وقيل صفته :

وقيل صفته :

وقيل صفته :

ورسمه ابن التين هكذا :

ثم قال الحافظ : والأول المعتمد ، وسياق الحديث يتنزل عليه ، فالإشارة بقوله : «هذا الإنسان» : إلى النقطة الداخلة ، وبقوله : «وهذا أجله محيط به» إلى المربع ، وبقوله :

«وهذا الذي هو خارج أملة» : إلى الخط المستطيل المنفرد ، وبقوله : «وهذه إلى الخطوط» وهى مذكورة على سبيل المثال لا أن المراد انحصارها في عدد معين أه (الفتح : ١١ / ٢٤١).

٢٠٢

وإذا قالوا «حشوية» : صوروا في ذهن السامع إنهم حشوا في الدين ما ليس منه ؛ فتنفر القلوب من هذه الألقاب. ولو ذكروا حقيقة قولهم لما قبلت القلوب السليمة والفطر المستقيمة سواه. فكيف يترك الحق لأسماء سموها هم وأسلافهم ما أنزل الله بها من سلطان ، وألقاب وضعوها من تلقاء أنفسهم لم يأت بها سنة ولا قرآن. وشبهات قذفت بها قلوب ما استنارت بنور الوحي (ولا) خالطها بشاشة الإيمان. وخيالات هي بتخيلات الممردين وأصحاب الهوس أشبه منها بقضايا العقل والبرهان. ووهميات نسبتها إلى العقل الصحيح كنسبة السراب في الأبصار في القيعان. وألفاظ مجملة ومعان مشتبه قد لبس فيها الحق بالباطل فصارت ذا خفاء وكتمان.

فدعونا من هذه الدعاوى الباطلة التي لا تفيد (إلا) إتعاب الإنسان. وكثرة الهذيان. وحاكمونا إلى الوحى والقرآن. لا إلى منطق يونان. ولا إلى قول فلان ورأى فلان فهذا كتاب الله ليس فوق بيانه مرتبة في البيان ، وهذه سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مطابقة له أعظم من مطابقة البيان للسان. وهذه أقوال أعقل الأمم بعده والتابعين لهم بإحسان لا يختلف منهم في هذا الباب اثنان ولا يوجد عنهم فيه قولان متنافيان ، بل قد تتابعوا كلهم على إثبات الصفات وعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه ، وإثبات تكلمه وتكليمه وسائر ما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتتابع الأسنان. وقالوا للأمة هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم وإلى من بعدكم إلى آخر الزمان وهذا هو الذي نادى به المنادي وأذن على رءوس الملأ في السر والإعلان. فحي على الصلاة وراء هذا الإمام يا أهل الإيمان وحي على الفلاح بمتابعته يا أهل القرآن. والصلاة خير من النوم في ظلمة ليل الشرك والإفك والكفران فلا تصح القدوة بمن أقر على نفسه وصدقه المؤمنون بأنه تائه في بيداء الآراء والمذاهب حيران ، وأنه لم يصل إلى اليقين بشيء منها لا وهو ولا من قبله على تطاول الزمان. وإن غاية ما وصلوا إليه الشك والتشكيك ولقلقة اللسان.

فالحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخصهم بكمال العقول وصحة الفطرة ونور البرهان. وجعلهم هداة مهتدين مستبصرين مبصرين أئمة للمتقين يهدون بأمره ، ويبصرون بنوره ويدعون إلى داره ؛ ويجادلون كل مفتن فتان.

٢٠٣

فحى على خير العمل بمتابعة المبعوث بالفرقان. وتحكيمه وتلقي حكمه بالتسليم والقبول والإذعان ، ومقابلة ما خالف حكمه بالإنكار والرد والهوان. ومطاعنة المعارضين له بقولهم بالسيف والسنان. وإلا بالعلم واللسان ، فالعقول السليمة والفطر المستقيمة لنصوص الوحي يسجدان. ويصدقان بما شهدت به ولا يكذبان ، ويقران أن لها عليهما أعظم سلطان. وأنهما إن خرجا عنها غلبا ولا ينتصران والله المتسعان وعليه التكلان.

السابع والعشرون : أن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي لا تتأتى على قواعد المسلمين المؤمنين بالنبوة حقا. ولا على أصول أحد من أهل الملل المصدقين بحقيقة النبوة ، ليست هذه المعارضة من الإيمان بالنبوة في شيء ، وإنما تتأتى هذه المعارضة ممن يقر بالنبوة على قواعد الفلسفة ويجريها على أوضاعهم ، وأن الإيمان بالنبوة عندهم ، والاعتراف بموجود حليم له طالع مخصوص يقتضي طالعه أن يكون متبوعا ، فإذا أخبرهم بما لا تدركه (عقولهم) عارضوا خبره (بعقولهم وقدموها على خبره).

فهؤلاء الذين عارضوا بين العقل ونصوص الأنبياء ، فعارضوا نصوص الأنبياء في باب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر في هذه الأصول الخمسة بعقولهم ، فلم يصدقوا بشيء منها على طريقة الرسل. ثم سرت معارضتهم في المنتسبين إلى الرسل ، فتقاسموها تقاسم الوارث لتركه مورثهم ؛ فكل طائفة كانت نصوص الوحي على خلاف مذهبهم لجئوا إلى هذه المعارضة ومعلوم أن هذا يناقض الإيمان بالنبوة ، وإن تناقض القائل به فغلبته أن يثبت كون النبي رسولا في العمليات ولا في العلميات ، أو في بعض العلميات التي أخبر بها دون البعض. وهذا أسوأ حالا ممن جعله رسولا إلى بعض الناس دون بعض. فإن القائل بهذا يجعله رسولا في العمليات والعلميات ، ولا يعارض بين خبره وبين العقل ، وإن تناقض جحده عموم رسالته بالنسبة إلى كل مكلف فهذا أحد عموم رسالته إلى المدعوين وذاك جحد عموم رسالته في المدعو إليه المخبر به ، ولم يؤمن في الحقيقة برسالته لا هذا ولا هذا. فإنه يقال لهذا : إن كان رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هؤلاء حقا فهو رسوله إلى آخرين قطعا ؛ لأنه أخبر بذلك ومن

٢٠٤

ضرورة تصديقه الإيمان بعموم رسالته. ويقال للآخر : إن كان رسول الله في العمليات وأنها حق من عند الله ، فهو رسوله في العلميات ؛ فإنه أخبر عنه بهذا وهذا.

الثامن والعشرون : وهو إنك إذا جعلت العقل ميزانا ، ووضعت في إحدى كفتيه كثيرا من الأمور المشاهدة المحسوسة التي ينالها العيان ، ووضعت في الكفة الأخرى الأمور التي أخبرت بها الرسل عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وجدت ترجيحه لهذه الكفة فوق ترجيحه للتي قبلها وتصديقه بها أقوى ، ولو لا الحس والمشاهدة يمنعه من إنكار ذلك لأنكره ؛ هذه دعوى نعلم أنك تتعجب ممن يدعيها وتنسبه إلى المجازفة وقلة التحصيل. ولعمر الله أن مدعيها ليعجب من إنكارك لها وتوقفك فيها بعد البيان.

فنقول ، وبالله التوفيق : أنسب إلى العقل ، حيوان يرى ويسمع ويحس ويتكلم ويعمل ، فغشيه أمر ألفاه كأنه خشبة لا روح فيها وزال إحساسه وإدراكه ، وتوارى عنه سمعه وبصره وعقله ، بحيث لا يعلم شيئا ، فأدرك في هذه الحالة من العلوم العجيبة والأمور الغائبة ما لم يدركه حال حضور ذهنه ، واجتماع حواسه ووفور عقله ، وعلم من أمور الغيب المستقبلة ما لم يكن له دليل ولا طريق إلى العلم به.

وانسب إليه أيضا حيوان خرج من إحليله مجة ماء مستحيلة عن حصول الطعام والشراب كالمخطة ؛ فامتزجت بمثلها في مكان ضيق فأقامت هناك برهة من الدهر فانقلبت دما قد تغير لونها وشكلها وصفاتها ، فأقامت كذلك مدة ، ثم انقلبت بعد ذلك قطعة لحم ؛ فأقامت كذلك مدة ، ثم انقلبت عظاما وأعصابا وعروقا وأظفارا مختلفة الأشكال والأوضاع ، وهي جماد لا إحساس بها ، ثم عادت حيوانا يتحرك ويتغذى وينقلب. ثم أقام ذلك الحيوان في مكانه لا يجد فيه منفسا وهو داخل أوعية بعضها فوق بعض ، ثم انفتح له باب يضيق عنه مسلك الذكر لا يسلكه إلا بضغطة ، فوسع له ذلك الباب حتى خرج منه.

وانسب إليه أيضا : بقدر الحبة ترسله في مدينة عظيمة من أعظم المدن فيأكل المدينة وكل من فيها ثم يقبل على نفسه فيأكلها ؛ وهو النار.

٢٠٥

وانسب إليه شيئا بقدر بذر الخشخاش يحمله الإنسان بين ثيابه مدة فينقلب حيوانا يتغذى بورق الشجر برهة ، ثم إنه يبني على نفسه قبابا مختلفة الألوان من أبيض وأصفر وأحمر بناء محكما متقنا ، فيقيم في ذلك البناء مدة من الزمان لا يتغذى بشيء البتة. فينقلب في القبة طائرا له أجنحة يطير بها بعد أن كان دودا يمشى على بطنه فيفتح عن نفسه باب القبة ، وذلك دود القز.

إلى أضعاف أضعاف ما ذكرناه ، مما يشاهد بالعيان ؛ مما لو حكى لمن لم يره لعجب من عقل من حكاه له وقال : وهل يصدق بهذا عاقل ؛ وضرورة العقل تدفع هذا ، وأقام الأدلة العقلية على استحالته فقال في النائم مثلا : القوى الحساسة سبب الإدراك للأمور الوجودية وآلة لها ، فمن لم يدرك الأشياء مع وجودها واستجماعها ووفورها ؛ فلأن يتعذر عليه عدم إدراكها مع عدمها وبطلان أفعالها أولى وأحرى. وهذا قياس أنت تجده أقوى من الأقيسة التي يعارض بها خبر الأنبياء ، والحس والعيان يدفعه ، ومن له خبرة بمواد الأدلة وترتيب مقدماتها ؛ وله أدنى بيان يمكنه أن ينظم أدلة عقلية على استحالة كثير من الأمور المشاهدة المحسوسة ، وتكون مقدمات تلك الأدلة من جنس مقدمات الأدلة التي تعارض بها النصوص أو أصح منها.

وانسب إلى العقل : وجود ما أخبرت به الرسل عن الله وصفاته وأفعاله وملائكته واليوم الآخر ؛ وثبوت هذه الأمور التي ذكرنا اليسير منها ؛ وما لم تذكره ولم يخطر لنا ببال أعجب من ذلك بكثير ؛ تجد تصديق العقل بما أخبرت به الرسل أقرب إليه من تصديقه بهذه الأمور ؛ ولو لا المشاهدة لكذب بها فيا لله العجب ، كيف يستجيز العقل تكذيب ما أخبرت به الرسل بعد أن سمع ورأى وعاين ما لو لا الحس لأنكره غاية الإنكار؟ ومن هاهنا قال من صح عقله وإيمانه : أن نسبة العقل إلى الوحى أقل وأدق بكثير من نسبة مبادي التمييز إلى العقل.

التاسع والعشرون : أن هؤلاء المعارضين بين العقل والوحي لا يمكنهم إثبات الصانع ، بل يلزم من قولهم نفيه بالكلية لزوما بينا ؛ ولأن العالم مخلوق له ؛ ولا يمكنهم إقامة دليل على استحالة إلهين ، ولا إقامة دليل واحد على استحالة

٢٠٦

كون الصانع جسما ، ولا اثبات كونه عالما ولا قادرا ولا ربا. ونقتصر من هذه الجملة على بيان عجزهم عن إثبات وجوده سبحانه وتعالى ، فضلا عن تنزيهه عن صفات كماله فنقول :

المعارض بين العقل والنقل في الأصل هم الزنادقة المنكرون للنبوة وحدوث العالم والمعاد ؛ ووافقهم في هذا الأصل الجهمية المعطلة لصفات الرب تعالى وأفعاله ، والطائفتان لم تثبت للعالم صانعا البته. فإن الصانع الذي أثبتوه وجوده مستحيل فضلا عن كونه واجب الوجود قديما. أما الزنادقة الفلاسفة فإنهم أثبتوا للعالم صانعا لفظا لا معنى ، ثم لبسوا على الناس وقالوا إن العالم صنعه وفعله وخلقه ثم وهو في الحقيقة عندهم غير مصنوع ولا مخلوق ولا مفعول ، ولا يمكن على أصلهم أن يكون العالم مخلوقا ولا مفعولا.

قال أبو حامد : وذلك لثلاثة أوجه ، وجه في الفاعل ، ووجه في الفعل ، ووجه في نسبة مشتركة بين الفعل والفاعل. أما الذي في الفاعل فهو أنه لا بد أن يكون مريدا مختارا عالما بما يريده حين يكون فاعلا لما يريده ، والله تعالى عندهم ليس مريدا ، بل لا صنعة له أصلا ، وما يصدر عنه فيلزم لزوما ضروريا. والثاني أن العالم قديم عندهم والفعل هو الحادث. والثالث أن الله تعالى واحد من كل وجه ، والواحد عندهم لا يصدر عنه إلا واحدا ، والعالم مركب من خلفات ، فكيف يصدر عنه؟

قال : ولنحقق وجه كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة مع حالهم في دفعة فنقول الفاعل عبارة عما يصدر عنه الفعل مع الإرادة للفعل على سبيل الاختيار ، مع العلم بالمراد ، وعندهم أن العالم مع الله كالمعلول مع العلة ، يلزم لزوما ضروريا لا يتصور مع الله تعالى دفعه ، لزوم الظل للشخص والنور للشمس ، وليس هذا من الفعل في شيء. بل من قال إن السراج يفعل الضوء ، والشخص يفعل الظل ، فقد جاوز وتوسع في التجاوز توسعا خارجا عن الحد ، واستعار اللفظ واكتفى بوقوع المشاركة بين المستعار منه في صف واحد ، وهو أن الفاعل سبب على الجملة والسراج سبب للضوء والشمس سبب للنور ، والفاعل

٢٠٧

لم يسم فاعلا صانعا بمجرد كونه سببا ، بل لكونه سببا على وجه الإرادة والاختيار ، حتى لو قال قائل : الجدار ليس بفاعل ، والحجر ليس بفاعل ، والجماد ليس بفاعل ، وإنما الفعل للحيوان ، لم ينكر ذلك عليه ولم يكن قوله كذبا. وللحجر فعل عندهم ، وهو الهوي إلى أسفل والميل إلى المركز ، كما أن للنار فعلا ، وهو التسخين ، وللحائط فعلا وهو الميل إلى المركز ووقوع الظل ، لأن ذلك صادر عنه ، وهذا محال.

قال ، فإن قيل : كل موجود ليس بواجب الوجود لذاته بل هو موجود لغيره فإنا نسمى ذلك الشيء مفعولا ، ونسمى سببه فعلا ولا نبالي ، كان المسبب فاعلا بالطبع أو بالإرادة ، كما أنكم لا تبالون إن كان فاعلا بآلة أو بغير آلة ، بل الفعل جنس ينقسم إلى ما يقع بآلة وإلى ما يقع بغير آلة ، وكذلك هو جنس ينقسم إلى ما يقع بالطبع وإلى ما يقع بالاختيار ، بدليل أنا لو قلنا فعل بالطبع لم يكن قولنا فعل بالطبع ضدا لقولنا فعلا ، ولا رفعا له ، ولا نقضا له ، بل بيانا لنوع الفعل ، كما إذا قلنا : فعل مباشر بغير آلة لم يكن نقضا ، بل كان تنويعا وبيانا ، وإذا قلنا فعل بالاختيار لم يكن تكرارا بل كان بيانا لنوع الفعل. كقولنا فعل بآلة ، ولو كان قولنا فعل يتضمن الإرادة وكانت الإرادة ثابتة للفعل من حيث أنه فعل لكان قولنا فعل وما فعل.

قلنا هذه التسمية فاسدة ، فلا يجوز أن يسمى كل سبب بأي فعل كان فاعلا ولا كل سبب مفعولا. ولو كان ذلك ما صح أن يقال : الجماد لا فعل له وإنما الفعل للحيوان. وهذه من الكلمات المشهورة الصادقة. فإن سمي (الجماد) فاعلا فبالاستعارة كما يسمى طالبا مريدا على سبيل المجاز. ويقال : الحجر يهوي. لأنه يريد المركز ويطلبه ، والطلب والإرادة هنا حقيقة ، لأنه لا يتصور إلا مع العلم المراد المطلوب ، فلا يتصور إلا من الحيوان. وأما قولكم : إن قولنا فعل عام وينقسم إلى ما هو بالطبع وإلى ما هو بالإرادة غير مسلّم. وهو كقول القائل : قولنا أراد عام. وينقسم إلى من يريد مع العلم بالمراد. وإلى من يريد

٢٠٨

ولا يعلم ما يريد. وهو فاسد. إذ الإرادة تتضمن العلم بالضرورة. وكذلك الفعل يتضمن الإرادة بالضرورة.

وأما قولكم : إن قولنا فعل بالطبع ليس بنقض للأول فليس كذلك فإنه نقض له من حيث الحقيقة. ولكنه لا يسبق إلي الفهم التناقض ولا يشتد نفور الطبع عنه فإنه لما أن كان سببا موجبا والفاعل أيضا سببا سمى فعلا مجازا. وإذا قال فعل بالاختيار فهو تكوين على التحقيق. كقوله : أراد. وهو عالم بما أراد إلا أنه لما تصور أن يقال : فعل وهو مجاز ، ويقال : فعل وهو حقيقة لن تنفر النفس عن قوله : فعل بالاختيار. وكان معناه فعل حقيقيا لا مجازيا. كقول القائل : تكلم بلسانه ، ونظر بعينه ، فإنه لما جاز أن يستعمل النظر في القلب مجازا ، والكلام في تحريك الرأس واليد مجازا ، لم يستقبح أن يقال : قال بلسانه ونظر بعينه ، ويكون معناه نفي احتمال المجاز. فهذه مزلة القدم.

(فإن قيل) فتسمية الفاعل فاعلا إنما يعرف من اللغة ، وإلا فقد ظهر في العقل أن ما يكون سببا للشيء ينقسم إلى ما يكون مريدا وإلى ما لا يكون ، فوقع النزاع في أن اسم الفاعل يقع على كل من القسمين حقيقة أم لا ، إذ العرب تقول : النار تحرق ، والثلج يبرد ، والسيف يقطع ، والخبز يشبع ، والماء يروي وقولنا يقطع معناه يفعل القطع ، وقولنا يحرق معناه يفعل الإحراق. فإن قلتم ، إن ذلك مجاز ، فأنتم متحكمون (قال : والجواب) إن ذلك طريق ، إنما الفعل الحقيقي ما يكون بالإرادة ، والدليل عليه أنا لو فرضنا حادثا توقف حصوله على أمرين أحدهما إرادي والآخر غير إرادي ، أضاف العقل الفعل إلى الإرادي ، فكذا اللغة فإن من ألقى إنسانا في نار فمات يقال هو القاتل دون النار حتى إذا قيل ما قتله إلا فلان كان صدقا ، وإذا كان اسم الفاعل المريد وغير المريد على وجه واحد لا بطريق كون أحدهما أصلا والآخر مستعارا ، فلم يضف القتل إلى المريد لغة وعرفا وعقلا مع أن النار هي العلة القريبة في العقل ، وكان الملقي لم يتعاط إلا الجمع بينه وبين النار ولكن لما كان الجمع بالإرادة وتأثير النار بغير إرادة سمى قاتلا ولم تسم النار قاتلة إلا بمعنى الاستعارة ، فعلم أن الفاعل من يصدر الفعل عن إرادته. وإذا لم يكن الله مريدا عندهم ولا مختارا للفعل لم يكن صانعا ولا فاعلا إلا مجازا.

٢٠٩

(فإن قيل) نحن نعني بكون الله فاعلا أنه سبب لوجود كل موجود سواه وإن العالم قوامه به ، ولو لا وجود الباري لما تصور وجود العالم ، ولو قدر عدم الباري لانعدم العالم كما لو قدر عدم الشمس لانعدم الضوء. فهذا ما نعنيه بكونه فاعلا فإن كان الخصم يأبى أن يسمى هذا المعنى فعلا فلا مشاحة في الأسامي بعد ظهور المعنى.

(قلنا) غرضنا أن نبين أن هذا المعنى لا يسمى فعلا وصنعا ، وإنما المعنى بالفعل والصنع ما يصدر عن الإرادة حقيقة. وقد نفيتم حقيقة معنى الفعل ، ونطقتم بلفظه تجملا بالإسلام ، ولا يتم الدين بإطلاق الألفاظ دون المعاني ، فصرحوا بأن الله لا فعل له حتّى يتضح أن معتقدكم مخالف لمذهب المسلمين ، ولا تلبسوا بقولكم إن الله صانع العالم ، فإن هذه لفظه أطلقتموها ونفيتم حقيقتها ، ومقصود هذه المسألة الكشف عن هذا التلبيس فقط ثم ساق الكلام ـ إلى أن قال : إن أصولهم التي عارضوا بها الوحى تنفي وجود الصانع فضلا عن كونه صانعا للعالم بل تجعله ممتنع الوجود فضلا عن كونه واجبا لأن الصفات التي وصفوه بها (صفات) معدومة ممتنعة في العقل والخارج ، فالعقل لا يتصوره إلا على سبيل الفرض الممتنع كما تفرض المستحيلات ، ولا يمكن في الخارج وجوده فإن ذاتا هي وجود مطلق لا ماهية لها سوى الوجود المطلق المجرد عن كل ماهية ولا صفة لها البتة ، ولا فيها معنيان متغايران في المفهوم ولا هي هذا العالم ، ولا صفة من صفاته ، ولا داخلة فيه ولا خارجة عنه ، ولا متصلة به ، ولا منفصلة عنه ، ولا محايثة له ، ولا مباينة ولا فوقه ، ولا تحته. ولا عن يمينه ، ولا يساره ، ولا ترى ، ولا يمكن أن ترى ولا تدرك شيئا. ولا تدرك هي بشيء من الحواس. ولا متحركة. ولا ساكنة. ولا توصف بغير السلوب والإضافات العدمية ، ولا تنعت بشيء من الأمور الثبوتية. هي بامتناع الوجود أحق منها بإمكان الوجود ، فضلا عن وجوبه ، وتكليف العقل الاعتراف بوجود هذه الذات ووجوبها كتكليفه الجمع بين النقيضين.

ومعلوم أن مثل هذه الذات لا تصلح لفعل ولا ربوبية ولا إلهية. فأي ذات فرضت في الوجود فهي أكمل منها فالذي جعلوه واجب الوجود هو أعظم استحالة من كل ما يقدر مستحيلا. فلا يكثر بعد هذا عليهم إنكارهم لصفاته

٢١٠

كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ، ولا إنكارهم لكلامه وتكليمه. فضلا عن استوائه على عرشه ونزوله إلى سماء الدنيا ، ومجيئه ، وإتيانه ، وفرحه ؛ وحبه ، وغضبه ، ورضاه ، فمن هدم قواعد البيت من أصلها ، كان عليهم هدم السقف والجدران أهون.

ولهذا كان حقيقة قول هؤلاء القوم بالدهر وإنكار الخالق بالكلية وقولهم (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤] وإنما صانعوا المسلمين ألفاظا لا حقيقة لها ؛ واشتق إخوانهم الجهمية النفي والتعطيل من أصولهم ، فسدّوا على أنفسهم طريق العلم بإثبات الخالق وتوحيده بمشاركتهم لهم في الأصل المذكور ، وإن باينوهم في بعض لوازمهم ، كإثباتهم كون الرب تعالى قادرا مريدا فاعلا بالاختيار وإثباتهم معاد الأبدان ، والنبوة ولكن لم يثبتوا ذلك على الوجه الذي جاءت به الرسل ، ولا نفوه نفي إخوانهم الملاحدة ؛ بل اشتقوا مذهبا بين المذهبين ، وسلكوا طريقا بين الطريقين ، لا للملاحدة فيه وافقوا ، ولا للرسل اتبعوا.

ولهذا عظمت بهم البلية على الإسلام وأهله بانتسابهم إليه ، وظهورهم في مظهر ينصرون به الإسلام. فلا للإسلام نصروا ولا لأعدائه كسروا ، فمرة يقولون : هي أدلة لفظية معزولة عن إفادة العلم واليقين ، ومرة يقولون هي مجازات واستعارات لا حقيقة لها عند العارفين ، ومرة يقولون لا سبيل إلى تحكيمها ، ولا التفات إليها. وقد عارضها العقل وقواطع البراهين ومرة يقولون أخبار آحاد فلا يحتج بها في المسائل القطعية التي يطلب منها اليقين. فأرضيتم بذلك اخوانكم من الملاحدة أعداء الدين. فهذه ثمرة عقولكم وحاصل معقولكم.

فعلى عقولكم العفاء فإنكم

عاديتم المعقول والمنقولا

وطلبتم أمرا محالا ، وهو إد

راك الهدى لا تتبعون رسولا

وزعمتم أن العقول كفيلة

بالحق ، أين العقل كان كفيلا

وهو الذي يقضي فينقض حكمه

عقل ، ترون كليهما معلولا

٢١١

وتراه يحزم بالقضاء وبعد ذا

يلقي لديه باطلا معقولا

لا يستقل العقل دون هداية

بالوحي تأصيلا ولا تفصيلا

كالطرف دون النور ليس بمدرك

حتّى تراه بكرة وأصيلا

فإذا الظلام تلاطمت أمواجه

وطمعت بالإبصار كنت محيلا

وإذا النبوة لم ينلك ضياؤها

فالعقل لا يهديك قط سبيلا

نور النبوة مثل نور الشمس لل

عين البصيرة فاتخذه دليلا

طرق الهدي مسدودة إلا على

من أم هذا الوحي والتنزيلا

فإذا عدلت عن الطريق

فاعلم بأنك ما أردت وصولا

تعمدا

ن النقل ، لن تلقى لذاك دليلا

يا طالبا درك الهدى بالعقل دو

حيران عاش مدى الزمان جهولا

كم رام قبلك ذاك من متلدد

حتى تشحط بينهن قتيلا

ما زالت الشبهات تغزو قلبه

ذاتي طول زمانه مشغولا

فتراه بالكلي والجزئي وال

ويقوم بين يدي عداه مثيلا

فإذا أتاه الوحي لن يأبه له

معزولة عن أن تكون دليلا

ويقول تلك أدلة لفظية

نحو المجسم أو خذي التأويلا

وإذا تمر عليه قال لها اذهبي

ن لها القرى التحريف والتبديلا

وإذا أبت إلا النزول عليه كا

كيد يكون لحقها تعطيلا

فيحل بالأعداء ما تلقاه من

في ظلمة لا يهتدون سبيلا

واضرب لهم مثلا بعميان خلوا

ضربا يدير رحى القتال طويلا

فتصادموا بأكفهم وعصيهم

مشجوج أو مبعوج أو مقتولا (١)

__________________

(١) مشجوج : شجه شجا : شق جلد رأسه أو وجهه ، وشج شججا : تبين أثر الشجة في جبينه فهو أمشج ، وهى شجاء ، والشجة : الجرح في الرأس أو الوجه والجمع ـ

٢١٢

وتسامع العميان حتى أقبلوا

للصلح فازداد الصياح عويلا

يوضحه : الوجه الثلاثون ، وهو أن الطرق التى سلكها هؤلاء المعارضون بين الوحي والعقل في إثبات الصانع هي بعينها تنفي وجوده لزوما ، فإن المعارضين صنفان ؛ الفلاسفة والجهمية ، أما الفلاسفة فأثبتوا الصانع بطريق التركيب وهو أن الأجسام مركبة ، والمركب يفتقر إلى أجزائه وكل مفتقر ممكن ، والممكن لا بد له من وجود واجب. ويستحيل الكثرة في ذات الواجب بوجه من الوجوه. إذ يلزم تركيبه وافتقاره. وذلك ينافي وجوبه. وهذا هو غاية توحيدهم. وبه أثبتوا الخالق على زعمهم.

ومعلوم أن هذا من أعظم الأدلة على نفي الخالق ، فإنه ينفي قدرته ومشيئته وعلمه وحياته ، إذا لو ثبت له هذه الصفات بزعمهم لكان مركبا ، والمركب مفتقر إلى غيره ، فلا يكون واجبا بنفسه. وفي هذه الشبهة من التلبيس والتدليس والألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة ما يطول وصفه. وقد انتدب لإفسادها (جنود الإسلام) على اختلاف مذاهبهم ، فإن المركب لفظ مجمل يراد به ما ركبه غيره ، وما كان متفرقا فاجتمعت أجزاؤه ، وما يمكن تفريق بعضه عن بعض. والله تعالى منزه عن هذه التراكيب ، ويراد به في اصطلاح هؤلاء ما له ماهية خاصة يتميز بها عن سائر الماهيات. وما له ذات وصفات بحيث يتميز بعض صفاته عن بعض ، وهذا ثابت للرب تعالى. وإنما سماه هؤلاء تركيبا على ما تقدم. وكذلك لفظ الافتقار لفظ مجمل يراد به فقر الماهية إلى موجود غيرها يتحقق وجودها به ، وأنه سبحانه غني عن هذا الافتقار. ويراد به أن الماهية مفتقرة في ذاتها ولا قوام لذاتها إلا بذاتها. وأن الصفة لا تقوم وإنما تقوم بالموصوف وهذا المعنى حق إن سماه هؤلاء الملبسون فقرا وكذلك لفظ الغير فيه إجمال. ويراد بالغيرين ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر. وهذا المعنى حق في ذاته سبحانه وصفاته وإن سماه هؤلاء أغيارا. فإن المخلوق يعلم من الخالق صفة دون صفة

__________________

ـ شجاج ، والمبعوج : بعج البطن بعجا : شقه فبرزت أحشاؤه أه (الوجيز).

٢١٣

قد قال أعلم الخلق به «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (١) وهذا لكثرة أسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله. وقال : «أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقوبتك» (٢) والمستعاذ به غير المستعاذ منه والمقصود أن تسمية هذا تركيبا وافتقارا وغيرا وضع وضعه هؤلاء وليس الشأن في الألفاظ إنما الشأن في المعاني.

وقولهم : أنه مفتقر إلى جزئه ؛ تلبيس. فإن القديم الموصوف بالصفات اللازمة له يمتنع أن تفارقه صفاته. وليست له حقيقة غير الذات الموصوفة حتى يقال أن تلك الحقيقة مفتقرة إلى غيرها. وإن سميت تلك الصفة غيرا ، فالذات والصفات متلازمان لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر. وهذا الالتزام يقتضي حاجة الذات والصفات إلى موجود أوجدها وفاعل فعلها ، والواجب بنفسه يمتنع أن يكون مفتقرا إلى ما هو خارج عن نفسه فأما أن لا يكون له صفة ولا ذات ولا يتميز منه أمر عن أمر فلا يلزم من وجوبه وكونه غنيا بنفسه عن كل ما سواه. فقول الملبس إنه مفتقر إلى ذلك كقوله لو كان له ماهية لكان مفتقرا إلى ماهيته. والله تعالى اسم للذات المتصفة بكمال العلم والقدرة والحياة والمشيئة وسائر صفات الكمال ، ليس اسما لذات مجردة عن الأوصاف والنعوت. فكل ذات أكمل من هذه الذات. تعالى الله عن قول الملحدين في أسمائه وصفاته علوا كبيرا.

والمقصود أن الطريق التي سلكها هؤلاء في إثبات الصانع هي أعظم الطرق في نفيه وإنكار وجوده. ولذلك كان سالكوها لا يؤمنون بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا باليوم الآخر وأن صانع من صانع منهم أهل الملل بألفاظ لا حاصل لها.

__________________

(١) أخرجه مسلم (الصلاة / ٤٨٦) وفي سنن أبي داود والترمذي وغيرهم.

(٢) المصدر السابق.

٢١٤

(فصل)

وأما المتكلمون فلما رأوا بطلان هذه الطريق عدلوا عنها إلى طريق الحركة والسكون والاجتماع والافتراق وتماثل الأجسام وتركبها من الجواهر المفردة. وأنها قابلة للحوادث. وما يقبل الحوادث فهو حادث فالأجسام كلها حادثة. فإذن يجب أن يكون لها محدث ليس بجسم ، فبنوا العلم بإثبات الصانع على حدوث الأجسام واستدلوا على حدوثها بأنها مستلزمة للحركة والسكون والاجتماع والافتراق. ثم قالوا : إن تلك أعراض. والأعراض حادثة. وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. واحتاجوا في هذه الطريق إلى إثبات الأعراض أولا. ثم إثبات لزومها للجسم ثانيا. ثم إبطال حوادث لا أول لها ثالثا. ثم إلزام بطلان حوادث لا نهاية لها رابعا عند فريق منهم. وإلزام الفرق عند فريق آخر. ثم إثبات الجوهر الفرد خامسا. ثم الزام كون العرض لا يبقى زمانين سادسا. فيلزم حدوثه والجسم لا يخلو منه وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث ، ثم إثبات الخالق سبحانه مبني على هذه الأمور السبعة فلزمهم من سلوك هذه الطريق إنكار كون الرب فاعلا في الحقيقة ، وإن سموه فاعلا بألسنتهم ، فإنه لا يقوم به عندهم فعل. وفاعل بلا فعل كقائم بلا قيام. وضارب بلا ضرب. وعالم بلا علم.

وضم الجهمية إلى ذلك أنه لو كان به صفة لكان جسما ولو كان جسما لكان حادثا فيلزم من إثبات صفاته إنكار ذاته فعطلوا صفاته وأفعاله بالطريق التي أثبتوا بها وجوده فكانت أبلغ الطرق في تعطيل صفاته وأفعاله وعن هذه الطريق أنكروا علوه على عرشه وتكلمه بالقرآن وتكليمه لموسى. ورؤيته بالأبصار في الآخرة ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة. ومجيئه لفصل القضاء بين الخلائق ، وغضبه ذلك اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب مثله بعده. وجميع ما وصف به نفسه من وصف ذاتي أو معنوي أو فعلي. فأنكروا وجهه الأعلى. وأنكروا أن له يدين وأن له سمعا وبصرا وحياة. وأنه يفعل ما يشاء حقيقة ، وإن سمي فاعلا فلم يستحق ذلك لفعل قام به. بل فعله هو عين مفعوله.

٢١٥

وكذلك الطريق التي سلكوها في إثبات النبوة لم يثبتوا أنها نبوة في الحقيقة فإنهم بنوها على مجرد طريق العادة وهو مشترك بين النبي وغيره ، وحاروا في الفرق فلم يأتوا فيه بما تثلج له الصدور. مع أن النبوة التي أثبتوها لا ترجع إلى وصف وجودي بل هي تعلق الخطاب الأزلي بالنبي ، والتعلق عندهم أمر عدمي.

فعادت النبوة عندهم إلى أمر عدمي. وقد صرحوا بأنها لا ترجع إلى صفة ثبوتية قائمة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأيضا فحقيقة النبوة والرسالة إنباء الله لرسوله وأمره تبليغ كلامه إلى عباده. وعندهم أن الله يتكلم ولا يقوم به كلام.

أما اليوم الآخر فإن جمهورهم بنوه على إثبات الجوهر الفرد قالوا : لا ينافي التصديق بالمعاد إلا بإثباته ، وهو في الحقيقة باطل لا أصل له. والمثبتون له يعترفون أن القول به في غاية الإشكال وأدلته متعارضة ، وكثير منهم له قولان في إثباته ونفيه. وسلكوا في تقرير المعاد ما خالفوا فيه جمهور العقلاء ، ولم يوافقوا ما جاءت به الأنبياء ، فقالوا ، لو أن الله تعالى يعدم أجزاء العالم كلها حتى تصير عدما محضا ثم يعيد المعدوم ويقلبه موجودا حتى أنه يعيد زمنه بعينه وينشئه لا من مادة كما قالوا في المبدأ ، فجنوا على العقل والشرع وأغروا أعداء الشرع به ، وحالوا بينهم وبين تصديق الرسل.

وأما المبدأ فإنهم قالوا : إن الله تعالى كان معطلا في الأزل ، والفعل غير ممكن ، مع قولهم كان قادرا عليه ، ثم صار فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا من غير تجدد أمر أصلا ، وانقلب الفعل من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي ، وذات الفاعل قبل الفعل ومع الفعل وبعد الفعل واحدة.

فهذا غاية عقولهم التي عارضوا بها الوحي. وهذه طرقهم العقلية التي لم يثبتوا بها ربا ولا رسالة ولا مبدأ ولا معادا.

الوجه الحادي والثلاثون : إن معارضة الوحي بالعقل ميراث عن الشيخ أبي مرة (١) ؛ فهو أول من عارض السمع بالعقل وقدمه عليه ، فإن سبحانه لما أمره

__________________

(١) أبو مرة : هي كنية إبليس عليه لعنة الله.

٢١٦

بالسجود لآدم عارض أمره بقياس عقلي مركب من مقدمتين جملتين ، إحداهما قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) فهذه هى الصغرى ، والكبرى محذوفة تقديرها : والفاضل لا يسجد للمفضول. وذلك سند المقدمة الأولى ، وهو أيضا قياس حملي حذف إحدى مقدمتيه فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف : ١٢) المقدمة الثانية كلها معلومة ، أي ومن خلق من نار خير ممن خلق من طين. فهما قياسان متداخلان ، وهذه يسميها المنطقيون الأقيسة المتداخلة ، فالقياس الأول هكذا : أنا خير منه ، وخير المخلوقين لا يسجد لمن هو دونه. وهذا من الشكل الأول. والقياس الثاني هكذا : خلقتني من نار وخلقته من طين والمخلوق من النار خير من المخلوق من الطين. فنتيجة هذا القياس العقلي : أنا خير منه. ونتيجة الأول : فلا ينبغي أن أسجد له. وأنت إذا تأملت مادة هذا القياس وصورته رأيته أقوى من كثير من قياساتهم التي عارضوا بها الوحى والكل باطل.

وقد اعتذر أتباع الشيخ أبي مرة بأعذار (منها) أنه لما تعارض عنده العقل والنقل قدم العقل. (ومنها) أن الخطاب بصيغة الضمير في قوله : (اسْجُدُوا) ولا عموم له فإن الضمائر ليست من صيغ العموم. (ومنها) أنه وإن كان اللفظ عاما فإنه خصه بالقياس المذكور. (ومنها) أنه لم يعتقد أن الأمر للوجوب بل حمله على الاستحباب لأنه المتيقن ، أو على الرجحان دفعا للاشتراك والمجاز (ومنها) أنه حمله على التراخي ولم يحمله على الفور. (ومنها) أنه صان جناب الرب أن يسجد لغيره ورأى أنه لا يليق به السجود لسواه.

وبالله تأمل هذه التأويلات. وقابل بينها وبين كثير من التأويلات التي يذكرها كثير من الناس. وفي بني آدم من يصوب رأي إبليس وقياسه ، ولهم في ذلك تصانيف ، وكان بشار بن برد الشاعر الأعمى على هذا المذهب ، ولهذا يقول في قصيدته :

الأرض مظلمة سوداء معتمة

والنار معبودة مذ كانت النار

ولما علم الشيخ أنه قد أصيب من معارضة الوحي بالعقل ، وعلم أنه لا شيء

٢١٧

أبلغ في مناقضة الوحي والشرع وإبطاله من معارضاته بالمعقول أوحى إلى تلاميذه وإخوانه من الشبهات الخيالية ما يعارضون بها الوحي ، وأوهم أصحابه أنها قواطع عقلية ، وقال : إن قدمتم النقل عليها فسدت عقولكم (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام : ١٢١) وقال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً. وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ. أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (الأنعام : ١١٢ ـ ١١٧).

الوجه الثاني والثلاثون : في بيان فساد معقول الشيخ الذي عارض به الوحي وذلك من وجود (أحدها) أنه قياس في مقابلة النص ، والقياس إذا صادم النص وقابله كان قياسا باطلا ، ويسمى قياسا إبليسيا ، فإنه (يتضمن) معارضة الحق بالباطل ، ولهذا كانت عقوبته أن أفسد عليه عقله ودنياه وآخرته. وقد بينا فيما تقدم أنه ما عارض أحد الوحى بعقله إلا أفسد الله عليه عقله حتى يقول ما يضحك العقلاء.

(الثاني) أن قوله (أنا خير منه) كذب ، ومستنده في ذلك باطل ، فإنه لا يلزم من تفضيل مادة على مادة تفضيل المخلوق منها على المخلوق من الأخرى ، فإن الله سبحانه يخلق من المادة المفضولة ما هو أفضل من المخلوق من غيرها ، وهذا من كمال قدرته فإن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإبراهيم وموسى وعيسى ونوحا ، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أفضل من الملائكة. ومذهب أهل السنة أن صالحي البشر أفضل من الملائكة ، وإن كانت مادتهم نورا ومادة البشر ترابا. فالتفضيل ليس بالمواد والأصول. ولهذا كان العبيد والموالي الذين آمنوا بالله ورسوله خير وأفضل عند الله ممن ليس مثلهم من (أشراف) قريش وبني هاشم ،

٢١٨

وهذه المعارضة الإبليسية صارت ميراثا في أتباعه في التقديم بالأصول والأنساب على الإيمان والتقوى ، وهي التي أبطلها الله تعالى بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات : ١٣) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن الله وضع عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس مؤمن تقي ، وفاجر شقي» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى. الناس من آدم وآدم من تراب» (٢) فانظر إلى سريان هذه النكتة الإبليسية في نفوس أكثر الناس ، من تفضيلهم بمجرد الأنساب والأصول.

(الثالث) أن ظنه أن النار خير من التراب باطل ، مستنده ما فيها من الإضاءة والخفة ، وما في التراب من الثقل والظلمة ، ونسي الشيخ ما في النار من الطيش والخفة ، وطلب العلو والإفساد بالطبع حتى لو وقع منها شواظ بقدر الحبة في مدينة عظيمة لأفسدها كلها ومن فيها ، بل التراب خير من النار وأفضل من وجوه متعددة : منها أن طبعه السكون والرزانة ، والنار بخلافه. ومنها : أنه مادة الحيوان والنبات والأقوات ، والنار بخلافه. ومنها : أنه لا يمكن لأحد أن يعيش بدونه ودون ما خلق منه البتة ، ويمكنه أن يعيش برهة بلا نار. قالت عائشة «كان يمر بنا الشهر والشهران ما يوقد في بيوتنا نار ولا نرى نارا» قال لها عروة : فما عيشكم؟! قالت «الأسودان : التمر والماء» (٣).

ومنها : أن الأرض تؤدي إليك بما فيها من البركة أضعاف أضعاف ما تودعه من الحب والنوى وتربية لك وتغذيه وتنميه ، والنار تفسده عليك وتمحق بركته. ومنها أن الأرض مهبط وحي الله ومسكن رسله وأنبيائه وأوليائه وكفاتهم أحياء وأمواتا.

__________________

(١) (صحيح) أخرجه الإمام أحمد (٢ / ٥٢٤) ، وأبو داود (٥١١٦) ، والترمذي (٣٩٥٥ ـ ٣٩٥٦) ، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» له وقال : صحيح.

(٢) أخرجه الإمام أحمد (٥ / ٤١١).

(٣) أخرجه البخاري (٢٥٦٧) ، ومسلم (٢٩٧٢) وغيرهما.

٢١٩

والنار مسكن أعدائه ومأواهم. ومنها أن في الأرض بيته الذي جعله إماما للناس وقياما لهم وجعل حجه محطا لأوزارهم ، ومكفرا لسيئاتهم ، وجالبا لهم مصالح معاشهم ومعادهم ، ومنها : أن النار طبعها العلو والفساد. والله لا يحب المستكبرين ولا يحب المفسدين ، والأرض طبعها الخشوع والإخبات ، والله يحب المخبتين الخاشعين.

وقد ظهر خلق إبراهيم ومحمد وموسى وعيسى والرسل من المادة الأرضية ، وخلق إبليس وجنوده من المادة النارية ، نعم وخلق من المادة الأرضية الكفار والمشركين ، ومن المادة النارية صالحوا الجن ، ولكن ليس في هؤلاء مثل إبليس وليس في أولئك مثل الرسل. فمعلم الخير من المادة الأرضية ، ومعلم الشر من المادة النارية.

ومنها : أن النار لا تقوم بنفسها بل لا بد لها من محل تقوم به لا تستغني عنه ، وهي محتاجة إلى المادة الترابية في قوامها وتأثيرها ، والأرض قائمة بنفسها لا تحتاج إلى محل تقوم به ولا تفتقر في قوامها ونفعها إلى النار ؛ ومنها أن التراب يفسد صورة النار ويبطلها ويقهرها وإن علت عليه ؛ ومنها أن الرحمة تنزل على الأرض فتقبلها وتحيا بها وتخرج زينتها وأقواتها وتشكر ربها ، وتنزل على النار فتأباها وتطفئها وتمحوها وتذهب بها ، فبينها وبين الرحمة معاداة ، وبين الأرض وبين الرحمة موالاة ، ومنها أن النار تطفأ عند التكبير وتضمحل عند ذكر كبرياء الرب ولهذا يهرب المخلوق منها عند الأذان حتى لا يسمعه ؛ والأرض تبتهج بذلك وتفرح به وتشهد به لصاحبه يوم القيامة. ويكفي في فضل المخلوق من الأرض أن الله تعالى خلقه بيده ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء ، فهل حصل للمخلوق من النار واحدة من هذه؟

فقد تبين لك حال هذه المعارضة العقلية للسمع وفسادها من هذه الوجوه وأكثر منها. وهي من شيخ القوم ورئيسهم ومعلمهم الأول. فما الظن بمعارضة التلامذة؟

ونحن نقول قولا نقدم بين يديه مشيئة الله وحوله والاعتراف بمنته علينا وفضله

٢٢٠