أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي
المحقق: أحمد أحسن علي الحمزي و هادي حسن هادي الحمزي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مركز أهل البيت (ع) للدراسات الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠
كان عبدا حبشيا)).
أما آية الأمر بالجهاد ؛ فأجاب ـ عليهالسلام ـ عن ذلك : بأنه خطاب لبعض (١) أمرهم الله سبحانه بالجهاد خاصة ؛ لأجل قوله : (منكم) ومن حرف تبعيض ، وهم (٢) العترة بالأدلة الواضحة.
وأما آيتا المسابقة ؛ فأجاب ـ عليهالسلام ـ عن ذلك بجملة منها قوله : إن جعلوا الخطاب بالمسابقة دليلا على الإمامة عاما وجب تناولها لأهل العاهات والنساء والمماليك ، وذلك خلاف ما وقع عليه الإجماع ، وإن رجعوا إلى التأويل لم يكونوا أولى به من غيرهم ، من غير دليل.
وأما الخبر : فأجاب عنه ـ عليهالسلام ـ بجملة منها قوله : لفظ السلطان لا يفيد الإمام مطلقا بغير قرينة لكونه مشتركا ، وكذلك (٣) لفظ العبد إذا أطلق أفاد في الشريعة (٤) نقيض الحر ، والمملوك لا يصلح للإمامة ؛ لأنه لا يملك التصرف في نفسه فضلا عن غيره ؛ فبطل تعلقهم بظاهر الخبر لو صح ، وإن رجعوا إلى التأويل لم يكونوا أولى به من غيرهم.
قال ـ عليهالسلام ـ : وإن صح الخبر فالمراد به الحض على طاعة أمير البلدة (٥) أو الجيش وإن كان عبدا حبشيا كما أمر النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ زيدا ، وكان فيما تقدم عبدا.
[شبه المعتزلة في الإمامة والجواب عليها]
ومن شبه المعتزلة : استدلالهم بقول (٦) النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((الأئمة
__________________
(١) ـ في (ب) : لبعض من أمرهم الله بالجهاد.
(٢) ـ نخ (ب) : فهم.
(٣) ـ نخ (ب) : وكذا.
(٤) ـ في (ب) : إذا أطلق في الشريعة أفاد.
(٥) ـ في (ب) : البلد.
(٦) ـ في (ب) : بقوله.
من قريش)) وبادعائهم لإجماع الأمة على اختيار أبي بكر والعقد له.
أما الخبر ؛ فأجاب عنه : بأن الاحتجاج به للعترة أولى لأن قوله : ((من قريش)) يدل على بعض منهم دون كلهم ؛ لكون (من) للتبعيض ، ولبيان الجنس.
وأما دعوى الإجماع ؛ فأجاب ـ عليهالسلام ـ عنها : بأنها دعوى باطلة ؛ لأن الإجماع لم يقع على إمامة أبي بكر وقتا واحدا بل وقع النزاع في الابتداء على أبلغ الوجوه وذلك ظاهر.
قال ـ عليهالسلام ـ : وأما العقد والاختيار فلا يجوز أن يكونا طريقا إلى الإمامة لكون ذلك بدعة لا دليل على صحتها من عقل ولا سمع ، ولأنهما لا يوصلان إلى العلم بصحة الإمامة لمن عقدت له ؛ لأن أكثر ما قيل يعقد ويختار خمسة ، وليس تجويز نصيحتهم أولى في العقل من تجويز خيانتهم ؛ لأنه لا قائل بعصمتهم ، ولا مانع من خطئهم كما قد وقع (١) ـ يعني كما قد أخطأ من قدم المشايخ على علي ؛ عليهالسلام ؛ ـ.
قال ـ عليهالسلام ـ : ولأن الإمامة مصلحة في الدين ، والمصالح غيوب لا يعلمها إلا الله سبحانه ؛ فلا يجوز أن تكون الأدلة عليها إلا من جهته سبحانه.
[اعتراضات المخالفين في أدلة إمامة أمير المؤمنين (ع) والجواب عليها]
[وأما ما ورد من اعتراضات المخالفين :]
فمن ذلك (٢) : إذا قيل : إن القول بالنص مطلقا يقتضي إمامة علي ـ عليهالسلام ـ والحسن والحسين ـ عليهماالسلام ـ في أيام النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : أما الاستحقاق للإمامة فهو ثابت في كل وقت ، وأما التصرف على الكافة فهو مخصوص بدلالة الإجماع الذي هو آكد الدلالة ،
__________________
(١) ـ في (د) : قدح.
(٢) ـ انظر في الإجابة عن هذه الشبهة (شرح الرسالة الناصحة) للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ـ عليهالسلام ـ.
ويجوز تخصيص الكتاب والسنة به.
فإن قيل : إن زيد بن حارثة (١) قال لعلي ـ عليهالسلام ـ : لست مولاي ، فقال النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : هذا اعتراض ظاهر البطلان ؛ لأن زيدا ـ رضي الله عنه ـ استشهد بمؤتة (٢) ، والخبر كان في منصرف النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ من حجة الوداع.
فإن قيل : يجوز أن يكون المراد بقوله تعالى : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥) [المائدة] ، أي والركوع من شأنهم لا أن التصدق كان في حال الركوع.
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : لو كان كذلك لم يكن للآية معنى ، مثاله : لو قيل : فلان يلقط الرمح من الأرض وهو راكب ، ولأنه تعالى خاطب المؤمنين فيجب أن يكون المخاطب من أجله غير المخاطب ، وإلا كان معنى الآية : إنما وليكم الله ورسوله وأنتم ، وذلك مما (٣) لا يجوز في كلام المخلوق مثله فضلا عن الخالق تعالى.
فإن قيل : لو تصدق في حال الصلاة لفسدت.
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : لو كان مفسدا لصلاته لما مدحه الله سبحانه ، ولأنه يجوز أن يكون ذلك قبل النهي عن الأفعال في الصلاة ، ويجوز أن يكون ذلك فعلا قليلا مما رخص في مثله (٤) نحو درء المار و (٥) تسوية الثياب والتأخر (٦) من صف إلى صف ،
__________________
(١) ـ زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي اليماني أبو أسامة بن زيد ، وكان زيد حب رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ من عليه فأعتقه وامرأته أم أيمن مولاة النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وصلى بعد علي عليهالسلام وشهد بدرا وقتل شهيدا بمؤتة سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين.
(٢) ـ كانت غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة ، وحجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة ، فبين قتل زيد وحجة الوداع سنتين ، وهذا ظاهر.
(٣) ـ نخ (أ) : ما.
(٤) ـ في (ب) : فعله.
ويجوز أن يكون ذلك خاصا له ـ عليهالسلام ـ لبعض ما يعلمه الله سبحانه من المصالح.
فإن قيل : إن الله سبحانه نهى قبل هذه الآية عن موالاة اليهود والنصارى ، ثم عقب(١) ذلك بتولي (٢) المؤمنين.
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : ذلك مما يؤكد قولنا ؛ لأن الله تعالى نهى عن موالاة بعض من الخلق مخصوصين ، وولى على المؤمنين بعضا منهم مخصوصا ، ذكره بلفظ الجمع للتعظيم.
[الجواب على من قال بلزوم وجوب الإمامة لجميع أولاد أمير المؤمنين (ع)]
فإن قيل : لو صحّ ذلك وما أشبهه من الأدلة للزم وجوب الإمامة لجميع أولاد علي ـ عليهالسلام ـ.
قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : الجواب عن ذلك من وجهين : جدلي وعلمي.
أما الجدلي : فهو أن أحدا من أولاد علي ـ عليهالسلام ـ سوى الحسن والحسين ـ على جميعهم السلام (٣) ـ لم يدعها لنفسه مع بلوغهم الغاية (٤) القصوى في الفضل والعلم ، وكل دعوى للغير في الشرع لا تسمع إذا كانت من غير ولاية ولا وكالة.
وأما العلمي : فهو أن عموم الآية مخصص بإجماع العترة ، وإجماعهم حجة ؛ لما ثبت بالدليل من كونهم خيرة الله سبحانه اصطفاهم لإرث كتابه ، وللشهادة على الناس ، وهو سبحانه لحكمته لا يختار إلا العدول ، والعدول لا يقولون إلا الحق ، والحق لا يجوز خلافه ،
__________________
(٥) ـ في (ب) : أو.
(٦) ـ في (ب) : أو تأخر.
(١) ـ في (ب) : أعقب.
(٢) ـ في (ب) : بولاية.
(٣) ـ في (ب) : عليهماالسلام.
(٤) ـ في (ب) : في الغاية.
[وكلما لا يجوز خلافه (١)] فهو حجة.
[الجواب على من قال : لا يصح إجماع العترة فيما يرجع إليهم]
فإن قيل : لا يصح إجماع العترة فيما يرجع إليهم ؛ لأنه يكون مثل شهادة الجارّ إلى نفسه.
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : ذلك تخصيص بغير دليل ، وهو لا يجوز.
قال : ولأن الشاهد لهم بذلك هو النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، ولأنه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أمر باتباعهم عموما في الأقوال والأفعال ، ولم يخص حالا من حال ، وأمّن في اتباعهم من مواقعة الضلال.
قال : ولأن هذا الاعتراض يفتح باب الجهالات ، ويسد طريقة الإجماع ، وذلك باطل ؛ لأن أكثر ما أجمعت عليه الأمة إنما وقع في أمور ترجع إليها ، فكما لا يجوز الاعتراض (٢) بذلك على الأمة لا يجوز على العترة ـ عليهمالسلام ـ.
[بيان وجوب اتباع أهل البيت (ع)]
فإن قيل : من أين يجوز لكم إطلاق القول بأنه يجب إتباع أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ وفيهم الظالم لنفسه إما بمعصية ظاهرة ، وإما بضلال في الدين كما يقولون فيمن خالفهم(٣).
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : قلنا : جاز ذلك كما جاز إطلاق القول بوجوب اتباع القرآن مع أن فيه المنسوخ والمتشابه.
[وقال ـ عليهالسلام ـ في موضع غير هذا من الكتاب : (٤)] ولأن في الكتاب المحكم
__________________
(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٢) ـ في (ب) : فكما لا يجوز بذلك الاعتراض.
(٣) ـ نخ (ب) : كما تقولون فيمن خالفكم.
(٤) ـ ما بين القوسين ساقط في (ب).
والمتشابه والمنسوخ فكذلك فيهم السابق إلى الخيرات ، والظالم لنفسه ، والمخطئ في التأويل ؛ فالسابق (١) بالخيرات (٢) هو الإمام ومن اقتدى به منهم ؛ وهو بمنزلة المحكم يجب الرجوع إلى أوامره ، والانزجار عن مناهيه ، وذلك معنى الإمامة ، والظالم لنفسه بمنزلة المنسوخ وهو المصرح بالمعصية ، والمخطئ في التأويل هو الداخل في المذاهب الخارجة عن الحق ، وهو بمنزلة المتشابه.
__________________
(١) ـ نخ (ب) : والسابق.
(٢) ـ في (ب) : إلى الخيرات.
[الجواب على من قال بأن الأدلة مقصورة على الحسن والحسين وبيان دخول الذرية]
فإن قيل : ما المانع أن تكون الأدلة مقصورة على الحسن والحسين ـ عليهمالسلام ـ؟
فالجواب : قول الإمام ـ عليهالسلام ـ بعد استدلاله على ذلك بقول النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لفاطمة ـ عليهاالسلام ـ : ((ائتيني بزوجك وابنيك)) فجاءت بهم ؛ فألقى عليهم كساء فدكيا ثم قال : ((اللهم إن هؤلاء آل محمد (١) فاجعل شرائف صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).
ثم قال ـ عليهالسلام ـ : وأولاد الحسن والحسين ـ عليهمالسلام ـ داخلون تحت هذا الحكم (٢) لثلاثة أوجه :
أحدها : أن أحدا من الأمة لم يفرق بينهم فلا يجوز إحداث الفرق ؛ لأنه يكون اتباعا لغير سبيلهم.
والثاني : إجماع العترة [الطاهرة (٣)] ـ عليهمالسلام ـ على أنهم داخلون تحته.
والثالث : أن إخراجهم من هذا الظاهر يؤدي القائل به إلى الكفر والإلحاد ، ولا يبعد الله إلا من كفر.
بيان ذلك : أنا نقول : لأي معنى أخرجتهم؟
فإن قال : لأن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ خص أولئك بالذكر فلا أدخل معهم من لم يذكره ـ عليه وآله والسّلام ـ.
__________________
(١) ـ نخ (ب) : إن هؤلاء أهل بيت محمد.
(٢) ـ للاستزادة انظر كتاب (الأنموذج الخطير فيما يرد من الإشكال على آية التطهير) للإمام الناصر لدين الله عبد الله بن الحسن الأخير ـ مطبوع ـ ، ولوامع الأنوار (ط ٢) (١ / ٨٧).
(٣) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).
قلنا له : ما ترى (١) في رجل تزوج بنت بنته أو بنت أخيه أو أخته ما يكون حكمه؟
فإن قال : كافرا (٢) ، صدق لأن الحكم الوارد من الله تعالى ومن رسوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يجب طرده (٣) ولا يجوز قصره على الإطلاق ، وإن قال : مؤمنا مصيبا في فعله ـ لأن الله تعالى خص البنت والأخت بالذكر ، وطرد القول في ذلك حراسة لمذهبه الفاسد ـ كفر بإجماع الأمة.
[الجواب على من قال بأن الأمر باتباع أئمة العترة (ع) يكون أمرا بالتقليد]
فإن قيل : الأمر باتباع أئمة العترة [ـ عليهمالسلام ـ (٤)] يكون أمرا بالتقليد.
والجواب (٥) : قول الإمام ـ عليهالسلام ـ : وكيف نرخص في التقليد ، ونحن أشد الناس ذما للمقلدين ، فما أمرنا العباد بالرجوع إلينا ، واتباع آثارنا ، إلا بما أمرهم به أحكم الحاكمين ، وذلك ظاهر في قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) [النحل] ، والذكر هو الرسول ـ صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين ـ بدلالة قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً ...) الآية [الطلاق] ، فكان مما تلاه على الكافة من الآيات ، وبينه لهم من الدلالات ، وأخرجهم به من الظلمات ، أمره لهم باتباع عترته ، والاقتداء بذريته ، وأمّنهم مع التمسك بهم من الضلال ، وهو صادق مصدوق ، وذلك ثابت فيما رويناه بالإسناد الموثوق به من قوله ـ عليهالسلام ـ : ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا
__________________
(١) ـ نخ (ج) : ما تقول.
(٢) ـ نخ (ب) : كافر.
(٣) ـ أي اطراده أي كلما وجد السبب وجد الحكم. تمت.
(٤) ـ زيادة من نخ (ب).
(٥) ـ نخ (ب) : فالجواب.
عليّ الحوض)).
قال ـ عليهالسلام ـ : وهذا كما ترون أمر للكافة بالاتباع ، وردّ على من ادعا من الرفضة(١) والنواصب مفارقة العترة الطاهرة ـ عليهمالسلام ـ للكتاب.
إلى قوله ـ عليهالسلام ـ : لما روينا عن آبائنا الطاهرين ـ سلام الله عليهم ـ عن جدهم خاتم النبيين ، الشفيع المشفع يوم الدين ، صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين ، أنه قال : ((قدموهم ولا تقدموهم ، وتعلموا منهم ولا تعلموهم ، ولا تخالفوهم فتضلوا ، ولا تشتموهم فتكفروا)).
قال ـ عليهالسلام ـ : فهذا تصريح منه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بما قلنا ، وفوق ما قلنا من وجوب اتباعهم ، والاقتداء بهم ، وأخذ العلم عنهم ، وقلة المخالفة لهم ، وتحريم الطعن عليهم ؛ فكيف يسوغ لمسلم التخلف عنهم ، فضلا عن نسبته نفسه إلى الصواب والوفاق ، ونسبتهم بزعمه إلى الخلاف والشقاق ، لو لا اتباع الهوى ، وتغليب جنبة الضلال على جنبة الهدى.
فإن قيل : قد أكثرتم في أمرهم ، ونحن نعاين من أكثرهم المعاصي ، ومنهم عندكم من هو ضال في الدين ؛ فكيف يسوغ لكم تضيفون إليهم (٢) أسباب الهدى ووراثة الكتاب.
الجواب : قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : قلنا : هذا سؤال ممن استوضح سلسال فرات الدين من مد بصره ثم قام هناك ، ولم يزاحم على شرائعه بمنكبيه (٣) ؛ لأن ما ذكر لا يخرجهم من (٤) ذلك ، وكيف يخرجهم والله عز من قائل يقول : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٦)
__________________
(١) ـ نخ (ج) : الرافضة.
(٢) ـ نخ (أ) : إليه.
(٣) ـ في (ب) : بركبتيه.
(٤) ـ في (ب) : عن.
[الحديد] ، ففسق الفاسق كما ترى لم يسقط وجوب الرجوع إلى المهتدي.
وقال عز من قائل : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) [فاطر : ٣٢] ، فصرح عزوجل باصطفائه لهم مع أن فيهم الظالم لنفسه ؛ لأنه علام الغيوب ، وقد ذكره للبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ؛ فقد رأيت تهدم هذا السؤال من كل جانب ، بكلام الصادق الذي لا يجوز عليه الكذب.
[الجواب على من قال بأن لفظ عترة النبي (ص) يعم ذريته وغيرهم]
فإن قيل : إن لفظ عترة النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يعم ذريته وغيرهم.
الجواب : قول الإمام ـ عليهالسلام ـ : كون عترة النبي خاصا لذريته مجمع عليه ، وضم غيرهم إليهم مختلف فيه ؛ فالمجمع عليه يجب اتباعه ، والمختلف فيه ينتظر الدليل ، ولأن أهل الكتب الكبار في اللغة قد ذكروا أن العترة مأخوذة من العتيرة وهي (١) نبت متشعب (٢) على أصل واحد شبه به أولاد الرجل وأولاد أولاده لتشعبهم عنه ، ولأن اللفظ إذا أطلق سبق إليهم دون غيرهم ، وذلك (٣) دليل على أنهم عترة النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ دون غيرهم ؛ فإن عنى بذلك غيرهم كان مجازا ، ولأن إجماعهم منعقد على أنهم عترة النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ دون غيرهم.
إلى قوله : وهم ذوو أرحام النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لغة وعرفا وشرعا ، وقد قال الله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥] ، فهم أولى بالنبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
__________________
(١) ـ نخ (ب) : وهو.
(٢) ـ نخ (أ) : مشعب.
(٣) ـ نخ (ب) : وفي ذلك.
إلى قوله : فهم عترته بهذه الوجوه جميعها ، التي (١) يوصل النظر في بعضها إلى العلم ؛ فكيف بمجموعها ، فقد صار اتباعهم واجبا ، وقصر الإمامة فيهم أحد أصول أقوالهم المهمة.
وغيرهم من الأمة وقريش لم يرد في بابهم (٢) ما يوصل إلى الظن فضلا عن العلم ، ولأنه قد قيد الخبر في بابهم (٣) بقوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((أهل بيتي)) وحصرهم بما ذكر (٤) بلا اختلاف (٥) في حديث الكساء ، حتى أن أم سلمة (٦) ـ رحمة الله عليها ـ جاءت لتدخل معهم فدفعها ، وقال : ((مكانك وإنك على (٧) خير)) ثم قال : ((اللهم إن هؤلاء عترتي أهل بيتي (٨) فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)).
ومن احتج بهذا الخبر على وجه من الوجوه لم يفرق بينهم وبين أولاد الحسن والحسين
__________________
(١) ـ في (ب) : الذي.
(٢) ـ في (ب) : قائمهم عندهم ، وفي نخ (أ) : في قائمهم ما يوصل .. إلخ.
(٣) ـ نخ (أ ، ب) : في قائمهم.
(٤) ـ نخ (أ ، ب) : ظهر.
(٥) ـ في (ب) : بلا خلاف.
(٦) ـ أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية ، أم المؤمنين ، رأت جبريل ـ عليهالسلام ـ وهي وزوجها أبو سلمة أول من هاجر إلى الحبشة ، ويقال : إنها أول مهاجرة دخلت المدينة. تزوجها الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بعد وقعة بدر في شوال.
.. إلى قوله ـ أيده الله تعالى ـ : وتوفيت سنة اثنتين وستين بعد مقتل الحسين ـ عليهالسلام ـ .. إلى قوله ـ أيده الله تعالى ـ : شديدة الولاء لأمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ وأهل البيت ، نهت عائشة عن الخروج وذكرتها بما سمعته من النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ وأخرجت ولدها عمر للجهاد معه. ودفنت بالبقيع ـ رضوان الله عليها وسلامه ـ وهي آخر أمهات المؤمنين موتا. انظر : لوامع الأنوار (ط ٢ ـ ٣ / ٢٣٧ ، ٢٣٩).
(٧) ـ في (ب) : لعلى.
(٨) ـ في (ب) : ساقط (أهل بيتي).
ـ عليهمالسلام ـ إلى سائر الأعصار ، ولم يدخل معهم أحدا من أولاد علي ـ عليهالسلام ـ ولا غيرهم من بني هاشم ، ولو لا هذا الخبر وكون أمير المؤمنين علي ـ عليهالسلام ـ معهم تحت الكساء وإشراك النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ له معهم لما قضينا بأن عليا ـ عليهالسلام ـ من العترة فاستعمال لفظ العترة في أولاد الحسن والحسين ـ عليهمالسلام ـ حقيقة لما قدمنا (١) ، مجاز في أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ بدلالة (٢) الخبر ، وقد صار في علي ـ عليهالسلام ـ لكثرة الاستعمال حقيقة ، وخطاب الحكيم بالمجاز جائز في الحكمة ، جواز الخطاب بالحقيقة ، وكذلك الكلام في لفظ (٣) القربى.
وروي عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنه سئل عن قرابته الذين أمر الله بمودتهم؟ فقال : ((علي وفاطمة وابناهما (٤))).
[ذكر شبهة للإمامية والجواب عليها وذكر بعض الأدلة على بطلان قولهم بالنص]
فإن قال بعض الإمامية : إن إجماع ولد الحسن مع ولد الحسين على جواز قصر الإمامة فيهم معا ، ومخالفة ولد الحسين لولد الحسن في جواز قصرها فيهم خاصة دليل يحج ولد الحسن.
قال الإمام ـ عليهالسلام ـ : الجواب عن ذلك من وجهين : أحدهما : أن الذي ادعوه من مخالفة ولد الحسين لولد الحسن في ذلك دعوى باطلة يعلم ذلك كل من علم قصص الصدر الأول وأخبارهم نحو قصة محمد بن عبد الله (٥) ـ عليهالسلام ـ ومن اتبعه
__________________
(١) ـ أي قوله ـ عليهالسلام ـ : من أن العترة في اللغة نبت متشعب من أصل واحد. تمت.
(٢) ـ في (ب) : هذا الخبر.
(٣) ـ نخ : ذكر.
(٤) ـ نخ (أ ، ب) : فاطمة وأبناؤها.
(٥) ـ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهمالسلام ـ ويكنى أبا القاسم ، وقيل : أبو عبد الله. كان جامعا لخصال الإمامة من العلم والورع والسخاء والزهد والقوة ـ
من ولد (١) الحسين.
والوجه الثاني : أن يجاب عن ذلك بمثل ما يجاب من زعم من اليهود أن إجماعنا معهم على نبوة موسى ـ صلى الله عليه (٢) ـ ومخالفتهم لنا في نبوة محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ دليل على بطلان ما اختلفنا فيه ؛ هذا مع ما ذكره ـ عليهالسلام ـ من الأدلة على بطلان قولهم بالنص.
من ذلك : قوله ـ عليهالسلام ـ : إنه لا دليل لهم [عليه (٣)] ؛ لأنه لو كان عليه دليل لاشتهر كما اشتهر الدليل على النص على علي ـ عليهالسلام ـ وولديه ؛ لأن كل تعبد
__________________
ـ والشجاعة والسياسة وحسن التدبير وكان خطيبا فصيحا بليغا.
وتسمى بالنفس الزكية ، ولقب بالمهدي لدين الله ، وهو أول من خوطب بأمير المؤمنين من العترة بعد الإمام علي ـ عليهالسلام ـ ، حكى ذلك الإمام أبو طالب ـ عليهالسلام ـ في الإفادة ، وهو أول من قام من أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ في عهد الدولة العباسية.
قيامه ـ عليهالسلام ـ سنة خمسة وأربعين ومائة ، في غرة رجب ، وخرج إلى مكة وبويع هناك وبايعه جميع أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ في عصره من أولاد الحسن والحسين ، ولم يتخلف منهم أحد عن بيعته ، وبايعه علماء عصره من الزيدية والمعتزلة وغيرهم من فقهاء الأمة.
فبعث عماله إلى الجهات والنواحي ، وعاصر من العباسيين أبو جعفر المنصور الدوانيقي ، فهابت منه بنو العباس واضطربوا اضطرابا شديدا ، ووجهوا إليه جيشا كثيفا ؛ فجاهد هو ومن معه جهاد الأبطال ، وفرق جيوش الأعداء حتى أتاه سهم غادر فسقط شهيدا إلى رحمة الله ، وسال دمه إلى أحجار الزيت ، واستشهد في السنة التي قام فيها ، وقبر جسده الشريف إلى جنب الحسن السبط ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال الإمام الحجة الحافظ الولي مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي ـ أيده الله تعالى ـ في هامش التحف الفاطمية : هذا على رواية في مقاتل الطالبيين ومصابيح أبي العباس ، والمشهور أن قبره بباب المدينة المنورة حيث قتل. انتهى.
(١) ـ في (ب) : أولاد.
(٢) ـ في (ب): ـ عليهالسلام ـ.
(٣) ـ زيادة من نخ (ب).
أوجبه الله سبحانه (١) ؛ فإنه لا بد أن يكون للمتعبدين طريق إلى معرفة وجوبه ، وإلا كان التعبد به تكليفا لما لا يعلم.
قال : ولأن النص الذي ادعوه لو كان معلوما لهم كما ادعوا لما اختلفوا فيه كما لم يختلفوا في النص على علي ـ عليهالسلام ـ وولديه ـ عليهماالسلام ـ ، ولأنهم وصفوا أئمتهم ، الذين ادعوا أنه منصوص عليهم ، بما لا يجوز أن يوصف به إلا الله سبحانه ، وبما لا يجوز (٢) إلا للأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، وكل ذلك تعد للحدود.
[حكاية أقوال منتزعة من كتب الإمام المنصور بالله (ع) متضمنة لمدح العترة (ع) وذم من خالفهم]
وأما الفصل الثالث : وهو (٣) في حكاية أقوال منتزعة من كتبه (ع) متضمنة لمدح العترة (ع) وذم من خالفهم ، وأنكر فضلهم ، واستغنى عنهم بغيرهم
فمن ذلك : قوله ـ عليهالسلام ـ في شرح الرسالة الناصحة : وإذ قد فرغنا من الكلام في بطلان مذاهب المخالفين ؛ من الخوارج والمعتزلة والإمامية ، ومن انضاف إليهم من شذاذ الأمة ، والمنتسبين إليها من الناصبين للإسلام المكائد ، بالدخول فيه إيهاما من غير حقيقة لإظهار الله سبحانه لدينه كما وعد ، (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [الصف : ٩] ، (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٨) [الصف] ، وكيف يتم مرام الكائدين ، وقد جعل الله في كل وقت من الأوقات من أهل بيت نبيه الصادقين ، وأتباعهم المستبصرين ، ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ، من يفل شباهم (٤) ، ويخبر الناس أنباءهم.
__________________
(١) ـ في (ب) : تعالى.
(٢) ـ في (ب) : ذلك.
(٣) ـ في (ب) : فهو.
(٤) ـ أي حدهم ، تمت.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : [و (١)] قد فسد القول بجواز الإمامة في جميع الناس ، وهو قول الخوارج ، وفسد القول بثبوت النص ، وهو قول الإمامية ومن تبعها ؛ فوجب اعتبار المنصب ، وأهل المنصب فرقتان (٢) :
فرقة هم القائلون بأن منصبها جميع قريش ، وهم المعتزلة ومن طابقهم ، وقد تبين فساد قولهم.
وفرقة قالوا : إنها مقصورة في ولد الحسن والحسين ـ عليهمالسلام ـ ، وهم الزيدية الجارودية ؛ فلو بطل قولهم أيضا لخرج الحق عن أيدي جميع الأمة ، وذلك لا يجوز لأنهم الأمة المختارة الوسطى ، والله سبحانه لحكمته لا يختار من يخرج الحق من يده.
[ذكر أنه لا يمر وقت من الأوقات إلا وفي أهل البيت (ع) من يجب اتباعه ويحرم خلافه]
وقوله ـ عليهالسلام ـ : واعلم أن مما يجب أن يعلمه كل مسلم أنه لا يمر عصر من الأعصار ، ولا وقت من الأوقات ، إلا وفيهم من يصلح للإمامة ، ويؤهل للزعامة ، وأن الأمة إنما أتيت من قبل أنفسها ، لا من قبل عترة نبيها ـ عليه وعليهم أفضل السلام ـ.
وكيف لا يكونون كذلك وأهل ذلك (٣) ، وهم أمناء الله في بلاده (٤) ، وشهوده على عباده ، وهم حفظة هذا الدين ورعاته ، وأمناؤه وثقاته ، وبهم يحرس الله هذه الأمة من عاجل النقمات ، وينزل عليهم نافع البركات.
وقوله : انظر أيّدك الله بفكر ثاقب كيف يسوغ إنكار فضل قوم تبدأ بذكرهم الخطب ، وتختم بذكرهم الصلاة ؛ حتى لا تتم صلاة مسلم إلا بذكرهم ، وذكرهم مقرون بذكر الله
__________________
(١) ـ زيادة من نخ (ب).
(٢) ـ في (ب) : فريقان.
(٣) ـ في (ب) : وأهل لذلك.
(٤) ـ نخ (ب) : في خلقه وبلاده.
سبحانه وذكر رسوله (١) ـ صلّى الله عليه وعليهم ـ أين العقول السليمة والأفكار الصافية من هذا؟
وقد بلغنا عن بعض من ينفي [فضل (٢)] أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ أن الحجة إذا لزمته في ذلك ذهب إلى القسم الثالث ، وهو الظالم لنفسه ، وذكره وأراه العوام ، وقال : كيف يجب اتّباع هذا بل كيف يجوز؟ ليسقط الحجة عنه ، وذلك بعيد ؛ لأنه لا يجوز مرور وقت من الأوقات ، ولا عصر من الأعصار إلا وفيهم ـ سلام الله عليهم ـ من يجب اتباعه ، ويحرم خلافه من الصالحين ، الذين هم أعلام الدين ، وقدوة المؤمنين ، والقادة إلى عليين ، والذادة عن سرح الإسلام والمسلمين ، وبهم أقام [الله (٣)] الحجة على الفاسقين ، ورد كيد أعداء الدين ، وهم القائمون دون هذا الدين القويم ، حتى تقوم الساعة ، ينفون عنه شبه الجاحدين ، وإلحاد الملحدين.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : والأصل في تشعب هذه المقالات إهمال العقول ، واطراح الدليل ، ومخالفة آل الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في أمر هذه الأمة بالرجوع إلى أهل بيت نبيها (٤) الذين شهد لهم بملازمة الكتاب ، إلى يوم الحساب ، وأخبر أن فيهم العلم والصواب.
[حكم من أنكر فضل أهل البيت (ع)]
وقوله : ومن كان يدعي الإيمان وينكر فضلهم لم يكن له بد من أحد أمرين : إما أن يرجع إلى الحق في اعتقاد تفضيل الله لهم ، ووجوب طاعتهم ، والانقياد لأمرهم ، ولا شك
__________________
(١) ـ نخ (ب) : رسول الله.
(٢) ـ ما بين المعكوفين زيادة من نخ (ب ، ج).
(٣) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).
(٤) ـ في (ب) : عترة نبيها.
أن الرجوع إلى الحق خير (١) من التمادي في الباطل.
وإما الخروج عن هذه الدعوى الشريفة التي هي الإيمان ؛ لأن من خالفهم خرج من زمرة المؤمنين ، ولحق بأعداء الله الفاسقين.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : ولا شك في أن إنكار فضلهم ، وجحدان (٢) شرفهم يكون انسلاخا عن الدين جملة ؛ لأن المعلوم من إجماعهم ـ صلوات الله عليهم ـ أنهم أفضل البشر بعد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : من أنكر فضل العترة الطاهرين ـ عليهمالسلام ـ ومفاضلة الله تعالى بين عباده فسق بالاتفاق ، ولم يبعد تكفيره لرده نصوص الكتاب العزيز التي لا يصح تأويلها على ذلك إلا بالتعسف.
وقوله : ولو لا ادعاء فرعون الربوبية ومظاهرة هامان ـ لعنهما الله ـ له على ذلك لكان لقولنا إن منكر فضل آل محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أشد منهما ومن أتباعهما عذابا مساغ في الاستدلال.
وقوله : ولا أتمّ رئاسة ، ولا أعظم نفاسة ؛ مما حكم الله سبحانه وتعالى به لآبائنا ـ عليهمالسلام ـ ، وأورثنا إياه إلى يوم نشر العظام ، من ولاية خاص خلقه والعام ، وإلحاق الكفر والفسق بمن أنكر حقنا في ذلك من جميع الأنام.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : أمر النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أمته باتباع عترته المطهرة ؛ فخالفوه في ذلك ولهم أتباع في كل وقت يقتفون آثارهم في خلاف العترة الطاهرة حذو النعل بالنعل ، بل قد تعدوا ذلك إلى أن قالوا : هم أولى بالحق منهم ، واتباعهم أوجب من اتباع هداتهم ، فردوا بذلك قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ((قدموهم ولا تقدموهم ، وتعلموا منهم ولا تعلموهم ، ولا تخالفوهم فتضلوا ، ولا
__________________
(١) ـ في (ب) : أولى.
(٢) ـ في (ب) : وجحد.
تشتموهم فتكفروا)).
وقوله في جوابه لمن يزعم أنه مماثل للإمام في كثير مما أنعم الله به عليه بعد احتجاجه ـ عليهالسلام ـ بتفضيل (١) الله سبحانه للذهب على الرصاص ونحو ذلك ، ثم عقبه بقوله : وكذلك أنت أيها المخالف الطالب مماثلة العترة الطاهرة بزعمك بما ذكرت من الوجوه الفاتحة باب الجهالات ، وإن أنعم الله عليك بشيء من نعمه فإن من شكرها ألا تنكر تفضيله لما فضل من خلقه ابتداء ، ولمن فضل.
واعلم أن هذه مهواة دحضت فيها قدم إبليس ـ عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين من الملائكة والناس أجمعين ـ وذلك أنه أنكر تفضيل الله سبحانه لآدم ـ صلوات الله عليه ـ ابتداء ، وهذا كفر.
إلى قوله ـ عليهالسلام ـ : فتدبر موفقا ما ذكرت لك فإنه يفضي بك إلى برد اليقين ، ولذة العلم ، ويخرجك عن دائرة المقلدين ، وأهل الحيرة المتلددين ، الذين نبذوا هداتهم ، ولم يرضوا بهذه المصيبة حتى أضافوا إليها ما هو أعظم منها وهو أنهم مثلهم ، وربما يتعدا (٢) ذلك منهم من يختص بضرب من الصفاقة والوقاحة فيركب مركب إبليس ـ لعنه الله ـ في أنهم أفضل من أهل عصرهم من عترة نبيهم ، ويحتج لذلك بكثرة عبادته كما فعل الملعون.
وقوله : واعلم أن الاستدلال على تفضيل أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ أسقط (٣) جميع الأقوال فلا وجه لإفراد كل فرقة منها بالذكر.
[الكلام في تفضيل أهل البيت (ع)]
وقوله ـ عليهالسلام ـ : ومما يؤيد ذلك ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى النبي ـ
__________________
(١) ـ نخ (أ) : بتفضل.
(٢) ـ في (ب) : يتعدوا.
(٣) ـ نخ (ج) : ليسقط.
صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنه قال : ((قال لي جبريل ـ عليهالسلام ـ : طفت مشارق الأرض ومغاربها ؛ فلم أر أهل بيت أفضل من بني هاشم)) ولا شك أن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أفضل بني هاشم ؛ فما ظنك بمذهب يؤدي إلى رد شهادة جبريل ـ عليهالسلام ـ ، ثقة الملك الجليل سبحانه وتعالى ، وإنكار فضل أفضل الخلق ؛ فنعوذ بالله من الزيغ بعد الهدى ، وموافقة أسباب الردى.
[ذكر إجماع أهل البيت (ع) أنهم أفضل الناس]
ولأن أهل البيت مجمعون بحيث لا يعلم خلافه أنهم أفضل الناس لو لا ذلك لما أوجبوا على الأمة الرجوع إلى أقوالهم ، والاقتداء بأفعالهم ، وإجماعهم حجة كما قدمنا ، وهذا ـ أعني اعتقاد فضل أهل البيت عليهمالسلام ـ مذهب الزيدية خصوصا ، وطبقات الشيعة عموما ، ولم يعرفوا من بين الفرق إلا بذلك ، وبما يؤدي إليه ، مما ينبني عليه.
وذلك أنهم اعتقدوا فضل أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ وأخذوا (١) الدين عنهم بالأدلة ، وأوجبوا على سائر الخلق مشايعتهم (٢) على ذلك ؛ فسموا شيعة ، وذلك ظاهر ، ولأنهم لو لم يعتقدوا فضلهم ، لم يصغوا إلى كلامهم ، كما فعل غيرهم من (٣) الناس ، ولا نعلم خلافا في عموم ذلك فيهم ـ عليهمالسلام ـ إلا مع الروافض الظالمين ، والنواصب الكافرين ؛ فنعوذ بالله من حالهم أجمعين.
وقد قال الله تعالى ردا عليهم : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ...) الآية [فاطر : ٣٢] ، وأهل البيت ـ عليهمالسلام ـ مجمعون بأنهم المرادون بهذه الآية ، وإجماعهم حجة كما قدمنا ؛ فأخبر تعالى أنهم صفوته من خلقه ، وصفوة كل شيء أفضله ، ولذلك قضينا بأنهم أفضل الخلق.
__________________
(١) ـ نخ (أ) : وأخذ.
(٢) ـ في (ب) : متابعتهم.
(٣) ـ في (ب) : من سائر الناس.
وقوله ـ عليهالسلام ـ : وقد روينا عن أبينا رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنه قال : ((من كان في قلبه مثقال حبة من خردل عداوة لي ولأهل بيتي لم يرح رائحة الجنة)) ولا نعلم أشد لهم عداوة ولا أعظم مكيدة لدين الله ونبيه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ممن أنكر فضل عترته وساوى بينهم وبين غيرهم.
وقوله : كيف يكون شيعيا لآل محمد ـ عليهمالسلام ـ من أنكر فضلهم ، وقبس (١) العلم بزعمه من غيرهم.
وقوله : فما ظنك بمن أنكر فضل ثمرة ؛ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أصلها ، وزعم مع ذلك أنه (٢) شيعي لها ، ما تنفع الدعوى بغير شهود.
وقال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((المرء مع من أحب ، وله ما اكتسب)).
إلى قوله : وورود الحوض لا يكون إلا لأتباع آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ فهم أشياعهم ، ولا يكون ذلك إلا بالاعتراف بفضلهم ، ومطابقتهم في قولهم وعملهم واعتقادهم ، ولا يرد الحوض إلا من خلصت مودته لهم ، ولا تخلص مودة من أنكر فضلهم ، وجحد حقهم ، وساوى بينهم وبين غيرهم.
وقوله : منكر فضل أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ يشارك قتلة زيد بن علي (٣) ـ عليه
__________________
(١) ـ في (ب) : واقتبس.
(٢) ـ في (ب) : بأنه.
(٣) ـ هو الإمام الأعظم فاتح باب الجهاد والاجتهاد ، الغاضب لله في الأرض ، مقيم أحكام السنة والفرض ، أبو الحسين زيد بن علي سيد العابدين بن الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليهمالسلام ـ.
ولد سنة (٧٥ ه) في أصح الأقوال ، وتربى ونشأ بين وسط أسرة علوية ، فأخذ العلوم على يد أبيه ، وأخيه الباقر ، وغيرهم من الفقهاء ، وعكف على القرآن ثلاث عشر سنة حتى سمي بحليف القرآن ، ففاق أقرانه ومشايخه ، وهو مجدد المائة الأولى.
فدعا الناس إلى طاعة الله عزوجل والخروج ضد الظلم والفساد ، لما سمع سب رسول الله ـ صلّى الله ـ