مجموع السيّد حميدان

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي

مجموع السيّد حميدان

المؤلف:

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي


المحقق: أحمد أحسن علي الحمزي و هادي حسن هادي الحمزي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مركز أهل البيت (ع) للدراسات الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

حرمت الخمر استؤذن في تحليل (١) خمر كانت لأيتام فلم يأذن ، وأمر بإهراقها ، وهو لا يبلّغ إلا ما يوحى إليه ، فلو كان ذلك جائزا لما أمر بإضاعة مال الأيتام ، وتحريمه لذلك نص لا تجوز مخالفته بالاجتهاد.

وكذلك ما حكي عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : لو أن صبيين ارتضعا من لبن شاة لثبتت بينهما الأخوة ، وإنما كان هذا القياس غير صحيح لأجل كونه مخالفا للإجماع ، ونظائر ذلك كثير.

والضرب الرابع : مسائل كان الخلاف فيها بين الخاصة ، وهم أئمة العترة ـ عليهم‌السلام ـ ، ومن قال بقولهم ، وبين العامة ، وهم سائر علماء الفرق ، واحتجت الخاصة فيها بالنص ، واحتجت العامة بالرأي ثم نسبت (٢) إلى بعض الأئمة أنه استحسن القول بالرأي.

ومن أمثلة ذلك :

مسألة القراءة فيما زاد على ركعتين (٣) من الصلوات [الخمس (٤)] المفروضة ، ومسألة الطلاق الثلاث بلفظة واحدة أو بثلاث تطليقات متتابعة لا رجعة بينهما (٥) ، وذلك لأن الهادي ـ عليه‌السلام ـ احتج على أنه لا يقرأ في الركعتين الأخريين من كل أربع ، وفي الثالثة من صلاة المغرب بما (٦) صح له عن جميع من قبله من علماء العترة أنهم رووا أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ كان يسبح فيها ، وأنه لا يصلي إلا كما رأى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يصلي لقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).

__________________

(١) ـ في (ب) : تخليل.

(٢) ـ نخ (أ) : تنسب. ونخ (ب) : نسب.

(٣) ـ نخ (ج) : على كل ركعتين.

(٤) ـ زيادة من نخ (ب).

(٥) ـ نخ (أ) : بينها.

(٦) ـ نخ (أ) : لما صح.

٤٠١

وكذلك روى ـ عليه‌السلام ـ أن الثلاث (١) التطليقات بلفظة واحدة أو بثلاث لا رجعة بينهما (٢) كانت في وقت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ تطليقة واحدة وفي أيام أبي بكر وفي بعض أيام عمر ثم جعلها بعد ذلك عمر ثلاثا ، ثم اختلف (٣) الناس فيها بعد ذلك.

والضرب الخامس : مسائل اختلفت لأجل اختلاف الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ في الترخيص والتشديد ، [و (٤)] من أمثلة ذلك :

ما روي عن القاسم ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : حكم القليل من النجاسة في الماء القليل (٥) إذا لم تغير شيئا من أوصافه [كحكم النجاسة الكثيرة في الماء الكثير إذا لم تغير شيئا من أوصافه (٦)] ، وذلك لأن عنده ـ عليه‌السلام ـ أنها مستهلكة لا تستعمل باستعماله.

وروي عن الهادي ـ عليه‌السلام ـ أن النجاسة القليلة لا تصير مستهلكة في الماء القليل ، وأنه يغلب في الظن أنها مستعملة باستعماله ، وقس على ذلك كل ما اشبهه من الرخص التي يجوز العمل بها عند الضرورة إليها ، والشدائد التي العمل بها أحوط عند عدم الضرورة ، ولا يجوز أن ينسب من عمل بذلك أو أفتى به إلى أن له مذهبا مخالفا لأحد من جميع الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ إذ لا خلاف بينهم (٧) في جواز العمل بالرخصة (٨) الجائزة

__________________

(١) ـ في (ب) : التطليقات الثلاث.

(٢) ـ نخ (أ ، ب) : بينها.

(٣) ـ نخ (أ) : اختلفت.

(٤) ـ زيادة من نخ (ب).

(٥) ـ نخ (أ) : حكم القليل من النجاسة الكثيرة في الماء الكثير.

(٦) ـ زيادة من نخ (ب).

(٧) ـ نخ (ج) : عندهم.

(٨) ـ نخ (ب) : بالرخص.

٤٠٢

عند الضرورة إليها ، ولا في كون العمل (١) بالأحوط هو الأفضل عند عدم الضرورة ؛ فأما من تتبع الرخص لغير ضرورة فهو زاهد في دينه غير مقتد في ذلك بأحد من أئمة الهدى.

والضرب السادس : مسائل قيل إنها متعارضة المعاني ، وليست كذلك ؛ لأن لكل واحدة معنى غير [معنى (٢)] الثانية.

ومن أمثلتها : قول الهادي ـ عليه‌السلام ـ في الأحكام : لا يجوز أن يشهد الإنسان على خطه إذا لم يذكر (٣) ، قيل إنه مخالف لقوله في المنتخب : يجوز أن يشهد على خطه إذا تيقن أنه خطه ، وذلك لأنه (٤) إذا تيقن حصل له العلم بصحة شهادته ، وإذا لم يذكر وقع معه الشك في شهادته ، وبين اليقين والشك فرق ظاهر.

وكذلك قوله ـ عليه‌السلام ـ في الأحكام [الأرض البيضاء لمن أحياها ، قيل إنه مخالف لقوله في المنتخب (٥)] : الأرض البيضاء التي لا مالك لها أمرها إلى الإمام ، وذلك لأن فحوى قوله ـ عليه‌السلام ـ : لا مالك لها يدل على أنها قد كانت ملكت ثم صارت بعد ذلك أرضا (٦) بيضاء لا مالك لها بخلاف الأرض التي ذكرها في الأحكام.

والضرب السابع : مسائل اختلفت لأجل زيادة في لفظ إحدى المسألتين لا يفيد معنى يوجب (٧) الاختلاف.

ومن أمثلة ذلك : ما روي عن الهادي ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : (المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة).

__________________

(١) ـ نخ (أ) : ولا في كون جواز العمل.

(٢) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٣) ـ في (ب) : لم يذكره.

(٤) ـ في (ب ، ج) : أنه.

(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٦) ـ في (ب) : الأرض بيضاء.

(٧) ـ نخ (ج) : بوجوب.

٤٠٣

قيل : إنه مخالف لقول جده القاسم بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (إنها تتوضأ (١) لكل صلاة) ؛ لأجل ذكر الهادي ـ عليه‌السلام ـ للوقت ، وذكره لذلك لا يفيد معنى زائدا على معنى ما ذكره القاسم ـ عليه‌السلام ـ إذ لا خلاف بينهما في أن الوضوء لا يكون إلا للصلاة دون الوقت ، وذلك ظاهر ، وكذلك كلما أشبهه من المسائل المختلفة الألفاظ بالزيادة والنقصان والإجمال والتبيين والحقيقة والمجاز.

والضرب الثامن : مسائل لكثير من الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ حملت على غير معناها ثم خرج من المسائل المحمولة مسائل بطريقة القياس عليها ، والمخرجة والمحمولة كلها مخالفة لمعنى المسألة [المحمولة (٢)] التي حملت على غير معناها.

ومن أمثلة ذلك : ما حكاه السيد أبو طالب (٣) ـ عليه‌السلام ـ من تخريجات أخيه المؤيد بالله ـ عليه‌السلام ـ التي منها تخريجه لجواز تولية القضاء من جهة الظلمة من قول الهادي ـ عليه‌السلام ـ في الأحكام : يقر من أحكام البغاة ما وافق الحق ، ومن قوله في

__________________

(١) ـ نخ (ب) : توضؤ.

(٢) ـ زيادة من نخ (أ).

(٣) الإمام أبو طالب هو : يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ ولد سنة (٣٤٠) وهو أخو الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني ـ عليه‌السلام ـ.

دعا إلى الله عزوجل بعد وفاة أخيه المؤيد بالله سنة (٤١١) وبايعه العلماء والفضلاء في جهات الجيل والديلم ، ولم يتخلف عنه أحد لمعرفتهم بكماله ، ولم يزل مشتغلا بنشر العلم وتجديد رسوم الإسلام ، وإصلاح أمر الأمة ، وإنفاذ أحكام الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجهاد الظالمين ، ومنابذة الفاسقين ، وعبادة الله حتى أتاه اليقين ، بلغ ـ عليه‌السلام ـ في العلم مرتبة عالية كما قال الإمام المنصور بالله ـ عليه‌السلام ـ : لم يبق فن من فنون العلم إلا طار في أرجائه ، وسبح في أثنائه. انتهى.

وله الكثير من المؤلفات في الأصول والفروع وغيرها مثل المجزي في أصول الفقه ، وكتاب جامع الأدلة ، وكتاب التحرير في الفقه وشرحه اثنا عشر مجلدا ، وكتاب الدعامة في الإمامة ، وكتاب الإفادة في تاريخ الأئمة السادة ، والأمالي المشهورة. وتوفي ـ عليه‌السلام ـ سنة (٤٢٤) عن نيف وثمانين سنة.

٤٠٤

المنتخب : إنه يجوز قيام الكبير بإخوته الصغار إذا أمره بذلك بعض أمراء الظلمة.

قال السيد أبو طالب ـ عليه‌السلام ـ : وهذا تخريج غير واضح عندي.

وكذلك ما حكاه (١) من تخريجات علي بن بلال (٢) التي منها :

قوله : [و (٣)] إذا وجد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته تخريجا.

قال أبو طالب ـ عليه‌السلام ـ : وما قاله ابن بلال رحمه‌الله ليس بواضح عندي ، وكذلك أكثر مسائل (٤) الجمل والتخريج ؛ فتأمل ذلك واعرفه.

والضرب التاسع : مسائل اختلفت لأجل اختلاف الحكم في ظاهر الشرع ، والحكم فيما بين الإنسان وبين ربه.

ومن أمثلة ذلك : قول الهادي ـ عليه‌السلام ـ في الأحكام : (للصحيح أن يفعل في ماله(٥) ما شاء).

قيل : إنه مخالف لقوله ـ عليه‌السلام ـ في المنتخب : (لا يجوز للإنسان أن يهب جميع ماله ، ويجحف بنفسه وعياله).

وليس كذلك لأنه ـ عليه‌السلام ـ بين في الأحكام ما يثبت به (٦) الحكم في ظاهر الشرع ، وإن كان فيه المأثم ، وبين في المنتخب ما لا يجوز للإنسان فيما بينه وبين الله

__________________

(١) ـ نخ (ب) : حكى.

(٢) ـ علي بن بلال : هو مولى السيدين والأخوين والإمامين المؤيد بالله أحمد بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ وأخوه أبو طالب يحيى بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ ، وهو من العلماء والفضلاء المؤلفين على مذهب الهادي ـ عليه‌السلام ـ ؛ فمن مؤلفاته ـ رحمه‌الله ـ : كتاب شرح الأحكام ، وتتمة المصابيح في علم التاريخ الذي ألّفه أبو العباس الحسني إلى وقته ، وله خلاف كثير في كتب الفروع.

(٣) ـ زيادة من نخ (أ).

(٤) ـ نخ (ج) : أكثر جميع مسائل.

(٥) ـ في (ب) : في ملكه.

(٦) ـ نخ (أ) : من الحكم.

٤٠٥

سبحانه ؛ وكذلك حكم كثير من الأحكام الشرعية التي ظاهرها بخلاف باطنها ؛ فتأمل ذلك.

والضرب العاشر : مسائل اختلفت لأجل كون بعضها إما واقعا على سبيل السهو والغلط ، وإما مكذوبا كما تقدم ، وإما قول من سلك غير طريقة سلفه من العترة وأشباه ذلك مما لا يحتمل التأويل ولا يجوز نسبته (١) إلى أحد من أئمة الهدى ـ عليهم‌السلام ـ ، ومن هاهنا (٢) يعلم غلط من ادعى أنه على مذهب بعض الأئمة في مسألة لا يجوز نسبتها إلى ذلك الإمام الذي زعم أنه على مذهبه ، ولذلك التبس المحق بالمبطل في كثير من المسائل.

[ذكر صفة من يجوز له الاجتهاد]

وأما الفصل الخامس : وهو في ذكر صفة من يجوز له الاجتهاد

فاعلم ، أن من أظهر صفاته التي لا خلاف فيها : أن يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة الدالة على أصول الشريعة وفروعها التي لا يصح (٣) معارضتها بالاجتهاد ؛ لأن من شرط صحة الاجتهاد ألا يكون إلا في حادثة لا نص عليها ، ولا يعلم كونها حادثة إلا من أحاط بعلم خطاب (٤) الله سبحانه ، وخطاب رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، ويعلم كيفية الاستدلال به ، وما هو منه معلوم لا يحتاج إلى تأويل ، وما يحتاج في تأويله إلى العقل ، أو إلى اللغة العربية ، أو إلى الإجماع.

ولا يحيط بعلم ذلك إلا من عرف الفرق بين المحكم والمتشابه ، والمجمل والمبين ، والناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام ، وعرف ما هو مجمع عليه من الأخبار ، وما هو منها موافق

__________________

(١) ـ نخ (ج) : نسبتها.

(٢) ـ نخ (ج) : ومن هنا.

(٣) ـ نخ (ج) : لا يصلح.

(٤) ـ في (ب) : كتاب.

٤٠٦

لمحكم الكتاب ، وما هو منها موافق لمتشابهه ، وعرف ما يصح قياسه والقياس عليه ، وأشباه ذلك مما لا خلاف في وجوب معرفته على الجملة.

فأما على التفصيل : فاعلم أن أئمة العترة ـ عليهم‌السلام ـ وعلماء العامة قد اختلفوا في كثير من نصوص الكتاب والسنة الدالة على الإمامة وغيرها لأجل اختلافهم في تأويلها حتى جعل كثير من محكمها متشابها ، وكثير من مبينها مجملا ، وكثير من خاصها عاما.

[بيان أن أئمة العترة (ع) أعلم الأئمة بنصوص الكتاب]

واعلم ، أن أئمة العترة ـ عليهم‌السلام ـ يدعون أنهم [هم (١)] أهل الكتاب الذين اصطفاهم الله سبحانه لإرثه ، وأهل الذكر الذين أمر بسؤالهم ، وأولو الأمر الذين أوجب الله تعالى على جميع المؤمنين طاعتهم ، والرد إليهم ، وأنهم هم عترة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الذين افترض على الأمة مودتهم ، والصلاة في كل صلاة عليهم ؛ لأجل علمه سبحانه بصلاحهم ، ولذلك اختارهم لحفظ دينه ، وخلافة نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ.

ومن أدلّتهم على ذلك على الجملة : تعيين الله سبحانه لهم بالذكر في آية المباهلة ، وكذلك تعيين النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لهم في خبر الكساء مع ما يؤيد ذلك من نصوص الكتاب ومن أقوال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وأفعاله ، ومع إجماع [جميع (٢)] فرق الأمة على تجويز الإمامة في العترة [ـ عليهم‌السلام ـ (٣)] ، وعلى تصويب كل مجتهد منهم.

ولم تجمع العترة مع العامة على أن الإمامة تجوز في غيرهم ، ولا على تصويب اجتهاد من خالف إجماعهم ؛ فصح بهذه الأدلة أن أئمة العترة ـ عليهم‌السلام ـ هم أعلم الأمة

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ زيادة من نخ (ب).

٤٠٧

بنصوص الكتاب والسنة ، وبكيفية الاستدلال والقياس لأجل عدم [وجود (١)] صفة من يجوز له الاجتهاد في كل من خالفهم ؛ فلذلك لزم ألّا يعتمد على اجتهاد أحد من المخالفين لهم ، ولا أن يلتفت إلى خلافه.

[ذكر الفرق بين الشيعي والمتشيع]

وأما الفصل السادس : وهو في ذكر الفرق بين الشيعي والمتشيع :

فاعلم أن كل من يعتزي إلى مذهب من جميع فرق الأمة ثلاثة أصناف لا رابع لها :

فالصنف الأول : هم الذين جمعوا بين اسم التشيع ومعناه ظاهرا وباطنا ، واعترفوا بصحة النص والحصر ، وبالفضل وبوجوب المودة لجميع الأئمة ، وبوجوب طاعة أهل كل عصر منهم لمن في عصرهم من الأئمة لا يخالفونه ، ولا يخالفون بينه وبين أحد من آبائه ، ولا يعترضون على سيرته بسيرة أحد منهم ؛ لأجل كونه أعلم منهم بما يأتي وما يذر ، وهم الذين عناهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بقوله : ((شيعتنا منا)) وبقوله (٢) : ((من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا)) وذلك لأجل (٣) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ((الدنيا حبس المؤمن)) ولأجل كون أكثر نعيم الدنيا مع أئمة الضلال.

وكذلك هم الذين ذكرهم (٤) أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في من كان في أيامه منهم بقوله : (آه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه ، وتدبروا الفرض فأقاموه ، وأحيوا السنة وأماتوا البدعة ، دعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائم فاتبعوا).

واعلم ، أنه لا يوجد من الشيعة في جميع أعصار الأئمة من هو كما وصف أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ إلا القليل لأجل مشقة القيام بفرض الولاء والبراء ، وقلة الصبر

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ).

(٢) ـ نخ (ب) : وقوله.

(٣) ـ نخ (ب) : وذلك لقوله.

(٤) ـ نخ (أ) : ذكر.

٤٠٨

على ذلك وما أشبهه.

والصنف الثاني : ليسوا بشيعة لا ظاهرا ولا باطنا ، وهم كل من أنكر القول بالنص والحصر وجحد الفضل ، وجوز الإمامة في غير العترة من جميع الناس عامة ، ومن (١) قريش خاصة ، ولأجل كونهم بهذه (٢) الصفة هانت مضرتهم على كل من عرف كونهم مخالفين للحق وأهله ، لأنهم لم يظهروا في ذلك خلاف ما أبطنوا فيغتر بهم أحد من الشيعة المخلصين.

والصنف الثالث : هم الذين جمعوا بين اسم التشيع ومعنى الرفض ، وحرفوا نصوص الكتاب المحكم بالتأويلات الباطلة ، وتعلقوا بكثير من الأخبار المشكلة ، وفرقوا بين العترة ، وخالفوا بين الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ؛ فلذلك كانت عداوتهم للمسترشدين فوق كل عداوة ، ومكيدتهم للمحقين أدق [كل (٣)] مكيدة ، وذلك لأنهم لما تحلوا باسم التشيع ، ودعوى العلم استمالوا بذلك قلوب المتعلمين والأغنياء الذين يحبون أن يتصدقوا على المتعلمين ، فصاروا لأجل ذلك من جملة من حكى الله سبحانه ضلاله من علماء السوء بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [التوبة : ٣٤] ، وهذا الصنف الثالث ينقسمون على الجملة إلى أربع فرق لكل فرقة منهم مذاهب (٤) متعارضة ، وأقوال متناقضة ، وهم : الباطنية ، والإمامية ، والجامعون (٥) بين التشيع والاعتزال ، والمطرفية.

وذكر تفاصيل مذاهبهم وأقوالهم مما لا حاجة في هذا الموضع إلى ذكرها ، وإنما الحاجة إلى ذكر جملة من حيلهم ومكائدهم :

__________________

(١) ـ نخ (ب ، ج) : أو من.

(٢) ـ في (ب) : على هذه.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب).

(٤) ـ نخ (أ) : مذهب.

(٥) ـ في (ب) : الجامع.

٤٠٩

فمن حيل الباطنية والإمامية تعلّقهم بإمامة ولد الحسين دون ولد الحسن ، وبالغائب من ولد الحسين دون الحاضر ، وادعاء كلهم لعلوم باطنة.

ومن حيل الجامعين بين التشيع والاعتزال : تجويز كثير منهم لكون الإمامة من مسائل الاجتهاد ، وإنكارهم لفضل العترة ، ولكون إجماعهم حجة ، وتفضيلهم لكثير من علوم رفضة الأئمة على علوم الأئمة ، وتجويزهم لمخالفة كل عالم منهم لإمام عصره في مسائل الاجتهاد ، وإنكارهم لما روي من شدة عداوة المشايخ لمن كان في عصرهم من آل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، وتزهيدهم (١) في علوم أئمة العترة ، واعتذارهم لهم بأنهم اشتغلوا بالجهاد عن تدقيق النظر في العلوم الدينية ، وما أشبه ذلك.

ومن حيل المطرفية : تعلقهم بعلوم الميت من الأئمة دون الحي ، ومعارضتهم لسيرة الحي بسيرة الميت ، وإظهارهم للدرس في كتب كثير من الأئمة (٢) الماضين ليتأولوا مجملها على موافقة (٣) بدعهم ، ونحو ذلك مما تحلوا به من محاسن (٤) الأخلاق.

واعلم أنه لا يعدم من جميع هذه الأصناف من يتصل بإمام الحق الظاهر أمره ليكون من جملة شياطين الإنس الذين حكى الله سبحانه أن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غرورا.

فهذه (٥) جملة مما تجري مجرى المحك للشيعة ، ولمعرفتهم بما يشكل من أقوال الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ في مسائل (٦) الشريعة.

__________________

(١) ـ نخ (ب) : وتزهدهم.

(٢) ـ نخ (أ) : في كتب كثير من كتب الأئمة الماضين.

(٣) ـ نخ (ب) : موافق.

(٤) ـ في (ب) : مكارم.

(٥) ـ في (ب) : فهذا ما يجري.

(٦) ـ في (ب) : باب.

٤١٠

والحمد لله وحده ، وصلى الله على محمد وآله وسلم (١).

__________________

(١) ـ نخ (ب) : والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين.

ونخ (ج) : والحمد لله حق حمده وصلواته على خير خلقه وعلى آله وسلامه آمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الحمد لله وحده :

قال في المنقول ما لفظه : وجدت بخط سيدنا العلم العلامة عز الدين محمد بن يحيى بن سلامة ـ رحمه‌الله تعالى ـ ما لفظه : نقل هذا الكتاب المبارك من كتاب قال فيه : نسخ من النسخة التي نسخت بخط الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ وقال ـ قدس الله روحه ـ في جوابه لكتاب الأمير الحسن بن القاسم القاسمي : وما ذكره ـ أبقاه الله ـ من الأمر بما وقع الغنى عنه من الكتب فلم يستعر إلا الكتاب الذي للسيد الأمجد حميدان ، وقد صدر إلى بين يديه صحبة صالح ، وقد وقع الإطلال عليه وهو حسن يتضمن تجديد ما درس من علم الآباء ـ عليهم‌السلام ـ وقد عملنا بحسب ما ذكره والمنع للغير عن الإطلال عليه لما في نفوس بعض من محبة مذاهب المخالفين لأهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ وقد تضاعف شكر ...... على الاهتمام بذلك والتعني به واستبطان دخلته التي من تمسك بها أمن ومن تخلف عنها غبن تصديقا لما روي عن الصادق الأمين من قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ((أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)) وهذا لعمر الله هو الاعتقاد الصحيح والدين الصريح الذي يعضده الكتاب وتشهد له أدلة الألباب والسبب في كثير مما رأيت من تنكب الناس عن هذا المذهب الشريف قلّة العالم من أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ. تمت كلامه (ع).

٤١١

كتاب

بيان الإشكال فيما حكي عن المهدي (ع) من الأقوال

تأليف السيد الإمام / أبي عبد الله نور الدين حميدان بن يحيى

رضي الله عنه وأرضاه

٤١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

[وبه نستعين] (١)

[ديباجة الكتاب]

أما بعد حمد الله تعالى على جزيل آلائه ، والصلاة على [محمد] (٢) خاتم أنبيائه ، وعلى السابقين والمقتصدين من أبنائه ، والسلام على جميع الصالحين من أوليائه.

فإنه لما صحّت لنا إمامة الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم [بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل] (٣) ـ عليهم‌السلام ـ لأجل تكامل شروط الإمامة المعتبرة في كل إمام ، ولما خصه الله تعالى [به] (٤) من الفضائل والخصائص المشهورة ، ولما وضع على حداثة سنه من العلوم الباهرة الكثيرة ، ولحسن سياسته وسيرته ، وظهور عدله ولطفه برعيته ، واستظهاره بما أوضح من الأدلة الدامغة لجميع مخالفيه.

ولما روي من إشارة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى قيامه في الوقت الذي قام فيه ، وأشباه (٥) ذلك مما عجز رفضته عن (٦) إنكاره لاشتهاره ، حتى التجئوا إلى التحيل بأن يكون بعضهم من خواصه وأنصاره ، ليتوصلوا بذلك إلى اللبس والتدليس في كتبه ، والصد بالكذب والتحريف عن سلوك مذهبه ، وحتى أن من الناس من نسبه لأجل ذلك إلى الجهل ، ومنهم من وصفه بزوال العقل ، ومنهم من غلا ففضله على السلف ، ورفض من بعده من أئمة الخلف.

__________________

(١) ـ زيادة من (ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ زيادة من نخ (ج).

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٥) ـ نخ (ج) : ونحو ذلك.

(٦) ـ نخ (ب) : من.

٤١٣

أردت إذ ذلك (١) أن أعرف بما المعول (٢) عليه ، وما الذي يجب أن ينسب من الأقوال إليه ؛ فانتزعت من مشهور ألفاظه الصريحة المذكورة فيما أجمع عليه من كتبه الصحيحة أقوالا أخبر ـ عليه‌السلام ـ [فيها] (٣) أنه قد كذب عليه ، في كثير مما ينسب إليه ، وأقوالا حذر فيها من الاغترار ببعض المتنسكين ، وبما يصدر (٤) في الكتب من مشكل روايات المدلسين ، وأقوالا علم فيها كيف يعمل فيما يقع في بعض العترة من الإشكال ، وفي مشكل ما ينسب إلى الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ من الأقوال ، وأقوالا عارض بها ما ينسب إليه من البدع ، وكثر بها عليه من الشنع.

[ذكر أقوال الإمام المهدي (ع) التي أخبر فيها أنه قد كذب عليه]

أما الأقوال التي أخبر فيها أنه قد (٥) كذب عليه :

فمنه (٦) ؛ قوله في باب السّلم من كتاب مختصر الأحكام : ولست أصدق بكل ما روي عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لقلة الثقات ، وطول الزمان ، وها أنا أسمع في حياتي (٧) ، من الروايات الكاذبة عليّ ، ما لم أقل ولم أفعل ؛ فربما يسمع بذلك (٨) أولياء الله فيصدقون [به] (٩) ، والعهد قريب.

__________________

(١) ـ في (ب ، ج) : إذ ذاك.

(٢) ـ في (ب) : المعمول.

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ نخ (أ) : سطّر.

(٥) ـ في (ب) : أنه كذب.

(٦) ـ في (ب) : فمنها.

(٧) ـ في (ب) : في زماني.

(٨) ـ في (ب) : ذلك.

(٩) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

٤١٤

وقوله في بعض أجوبته لعبد الملك بن غطريف (١) : وذكرت أني فضلت نفسي على الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ وحاش (٢) لله ما قلت ذلك في شيء من الكلام.

.. إلى قوله : فمتى سمعت أني فضلت نفسي عليهم ، أو (٣) ذكرت أني أعلم وأبرع (٤) [منهم] (٥) ، ما أحسب إلا أن ذلك نقل إليك ، واشتبه اللفظ والكلام عليك.

وقوله في بعضها : فذكرت في كتابك أنك مسترشد معاتب ، ثم حرّفت قولي فصح أنك معاند كاذب ، وأنت والحمد لله من درك ما رجوت خائب ، والله سائلك عما حرفت من كلامنا ، ومناقشك على الكذب الذي أتيت به علينا ، والكلام الركيك الذي نسبته إلينا.

وقوله في بعض أدعيته التي ذكر فيها أصناف رفضته : ومنهم من هو مجتهد في إهلاك عرضي واغتيابي وانتقاصي.

وفي بعضها : اللهم طهرني من كذب الألفاف ، ونزهني من روايات الهمج السفساف.

وفي بعضها : يا رب أسألك الخلاص من عشرة من لا يعرفني ، فقد والله أقرحت عشرتهم قلبي ، إن أمرتهم بأمر لم يقبلوه ، وإن نهيتهم عن منكر لم يتركوه ، وإن أدبتهم بأدب لم يحفظوه ، وإن سمعوا مني رواية لم يأتوا بها على وجهها ، وإن رأوا حكمة لم يقفوا على فهمها .. إلى قوله : وإن رأوا مني علما حرّفوه جهلا.

[ذكر أربع مسائل تنبه على النظر فيما ذكر عن المهدي (ع)]

فصل :

__________________

(١) ـ عبد الملك بن غطريف من علماء المطرفية عارض الإمام القاسم بن علي العياني ـ عليه‌السلام ـ وكان شديد العداوة له ، وعارض بعده ولده الإمام الحسين بن القاسم.

(٢) ـ في (ب) : فحاش الله.

(٣) نخ (ب) : وذكرت.

(٤) ـ نخ (ج) : أورع.

(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

٤١٥

يشتمل على أربع مسائل مما تنبه على النظر :

الأولى : أن يقال إذا قد ثبت بالدليل كون المهدي ـ عليه‌السلام ـ إمام حق يجب تصديقه في كل ما قال وادّعى ، فهل يجب تصديقه فيما ذكر وأخبر به من أنه قد كذب عليه ، في بعض ما نسب من الأقوال إليه ، أم لا؟

الثانية : هل ذلك الكذب الذي أخبر به موجود الآن أم لا؟

الثالثة : إذا (١) كان ذلك الكذب موجودا هل هو الأقوال المختلف فيها أم الأقوال المجمع على صحتها؟

الرابعة : ما الفرق في التشنيع على المهدي ـ عليه‌السلام ـ بين قول من زعم أنه ترقى من القول بتفضيله للنبي على نفسه ، والتكذيب لمن نسب ذلك إليه إلى القول بتفضيله لنفسه على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، والرجوع إلى تصديق من كان نسب ذلك إليه ، وأي بدعة أفحش من هذه البدعة ، وهي جعل قول عبد الملك أصح وأشهر من قول المهدي ـ عليه‌السلام ـ.

[ذكر الأقوال التي حذر فيها المهدي (ع) من الاغترار ببعض المتنسكين وبما يسطر في الكتب من مشكل الروايات]

رجع ، وأما الأقوال التي حذر فيها من الاغترار ببعض المتنسكين ، وبما يسطر في الكتب من مشكل الروايات ؛ فمن ذلك :

قوله ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرد على أهل التقليد والنفاق : ومن بان لك منه النفاق فلا تبسط إليه وإن تنسك ، وأعرض عن القبيح وأمسك ؛ لأنه لا يؤمن عند إظهاره لديانته(٢) ، أن يجعل ذلك سببا للخيانة.

__________________

(١) ـ في (ب) : إن.

(٢) ـ نخ (ج) : للديانة.

٤١٦

وقوله في كتاب الرد على الدعي (١) : ولم يدخل على أمة من الأمم إلا من مأمنها ، ولم تفتتن القرون الماضية إلا لمن يوهمها أنه من المودة على دينها.

وقوله في كتاب الرد على الدعي أيضا : ولو كان من خاف من شيء أو شك فيه عقده في رقبته ، وتقحم عليه ، ودعا جميع المسلمين إليه ؛ لحكم (٢) الشك على اليقين ، ولما فرق بين الباطل والحق المبين.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرحمة : وليس كل ما روي حقا ، ولا ما سطر (٣) كان صدقا ، مما يخالف علماء آل الرسول ، وتحيله ثواقب العقول.

وقوله في كتاب التوفيق والتسديد : فقد رأينا من يتكبر عن الجهل وهو لا يعلم ، ويحمله الكبر أن لا يقول : الله (٤) أعلم.

فصل :

انظركم بين قوله ـ عليه‌السلام ـ في هذا ، وبين [قول] (٥) من زعم أنه من قال في أمره الله أعلم كانت النار أولى به.

[ذكر أقواله (ع) التي علم فيها كيف يعمل فيمن أشكل أمره من العترة والأقوال المنسوبة إلى الأئمة]

وأما الأقوال التي علم (ع) فيها كيف يعمل فيمن أشكل أمره من العترة ، وفيما أشكل من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة (ع) فمن ذلك :

قوله في رسالته إلى شيعة أبيه ـ عليهما‌السلام ـ : ولا تقلدوا أحدا (٦) من آل نبيكم ،

__________________

(١) ـ نخ (ب) : الداعي.

(٢) ـ في (ب) : بحكم.

(٣) ـ نخ (ج) : ولا ما صدر.

(٤) ـ نخ (ب) : والله أعلم.

(٥) ـ زيادة من نخ (ب).

(٦) ـ نخ (ج) : واحدا.

٤١٧

ممن اشتبه عليكم أمره منهم ، وكلوه إلى ربكم ، ولا تقلدوه دينكم ، ولا تقاطعوا في الوقوف أحدا من إخوانكم ، ومن تبين لكم رشده فاتبعوه ، ومن بان لكم غيه فاجتنبوه ، ومن اشتبه عليكم حاله فارجوه ، وكلوه إلى خالقه ولا تعادوه ؛ فالمؤمنون وقافون عند الشبهات.

وقوله في كتاب تثبيت إمامة أبيه ـ عليهما‌السلام ـ بعد كلام : وإن قول أئمتنا لا يخالف محكم الكتاب ، ولا يحيد عن الحق والصواب ، وإنّ ما اختلف من أقاويلهم ، تمسكنا فيه بتأويلهم ، وتبرأنا إلى الله من تكذيبهم ، واعتمدنا على قول ربهم ، واتبعنا من ذلك أحسنه ، وأقربه إلى الحق وأبينه ، وما اشتبه علينا من كلامهم ، رجعنا فيه إلى أحكامهم ، كيلا نبوء بآثامهم ؛ لأن الله اللطيف (١) بنا ، أرحم من أن يعذبنا ، على ما يكون من وقوفنا وطلبنا لسبيل نجاتنا ، وما نرجو من عفوه لحسن ظنوننا ، واطراحنا لأهوى (٢) أنفسنا ، واعتمادنا على محكم كتاب ربنا ، وسنة نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، والله على ذلك المستعان ، وهو حسبنا وعليه التكلان.

وقوله في كتاب مهج (٣) الحكمة : من أراد أن يستفيد من خاتم النبيين ، ومن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ؛ فليقف على ما وضع الهادي إلى الحق ـ صلوات الله عليه ـ وكذلك ما وضع المرتضى لدين الله ـ عليه‌السلام ـ من العدل والتوحيد والحلال والحرام ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ؛ لأنهما أخذا العلم الذي جاء به رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ولا يلتفت إلى اختلاف المختلفين ، ولا يعتمد على أقاويل القائلين ، فإني وطئت من العلوم مهجها ، واعتزلت والحمد لله همجها ، فما رأيت علما أشفى ، ولا أبين ولا أكفى ، مما أتيا به من خالص الدين ، ومحض اليقين ، رواية عن خاتم

__________________

(١) ـ في (ب ، ج) : ألطف بنا وأرحم.

(٢) ـ نخ (ج) : أهوى أنفسنا.

(٣) ـ نخ (ب) : منهج.

٤١٨

النبيين ، وسيد الأولين والآخرين ، أخذاه عن آبائهما ، وحفظاه عن سلفهما ، أبا فأبا ، وجدا فجدا ؛ حتى ينتهي إلى الأصل أمير المؤمنين ، عن سيد المرسلين ، عن الروح الأمين ، وإخوانه الملائكة المقربين ، عن الله رب العالمين ، وفاطر السماوات والأرضين ؛ فالحمد لله الذي جعلنا من المقتدين (١) ، ومن علمهما مستفيدين ، فمن علمهما اشتفيت ، وبهداهما اهتديت ، وبهما في جميع الأمور اقتديت ، وفي آثارهما مشيت.

وقوله في كتاب الرحمة : وليعلم من سمع لنا قولا أنه منهما ، وإنا إن شاء الله لا نتكلم بخلاف قولهما ، ولا ندين الله بغير دينهما ، ودين من حذا بحذوهما من ذريتهما ؛ فمن سمع لنا كلاما فليعرضه (٢) على كلامهما ؛ فما خالف قولهما فليس منا (٣) ، وما وافق ذلك فهو منّا.

[ذكر حال الراوي عن الإمام المهدي (ع) تلك الروايات المكذوبة عليه]

فصل :

فإن قيل : إن الفضلاء من قرابة المهدي ـ عليه‌السلام ـ هم الذين رووا تلك الروايات ، وهي إلى الآن مشهورة في كتبهم.

فالجواب : أن فضل الفضلاء من قرابة المهدي ـ رحمة الله عليهم ـ ؛ لا يمنع من اغترارهم ، ووجود الخطأ في كتبهم ، وأن مخالفة ما يوجد من الخطأ في كتبهم ، لا ينقص من فضلهم ، وذلك لأن (٤) جميع الفضلاء من الأنبياء وغيرهم ؛ يجوز عليهم تصديق ما ليس بصحيح ، ولذلك قيل إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أذن ، ووصفه الله سبحانه (٥)

__________________

(١) ـ في (ب ، ج) : جعلنا بهما.

(٢) ـ نخ (ب) : فليعرض.

(٣) ـ نخ (أ ، ب) : لنا.

(٤) ـ في (ب) : أن.

(٥) ـ نخ (ب) : تعالى.

٤١٩

بأنه يؤمن للمؤمنين أي يصدقهم.

وقال المهدي ـ عليه‌السلام ـ عقيب ذكره للروايات الكاذبة عليه : فربما يسمع (١) بذلك أولياء الله فيصدقون به ، والعهد قريب ؛ فانظر كيف وصفهم بأنهم أولياء الله مع تجويزه لتصديقهم للكذب (٢) عليه.

فإن قيل : إن أولئك الفضلاء حكوا أنهم سمعوا تلك الروايات عن المهدي ـ عليه‌السلام ـ.

فالجواب (٣) : أنه إذا ثبت كونها خطأ فأكثر ما يجب من حقهم أن نتأول فيهم كما نتأول في المهدي ـ عليه‌السلام ـ لو صح أنهم قالوا ذلك ، ولم يصح بل في الرواية المشهورة أن علي بن القاسم ـ رحمة الله عليه ـ وهو أعلم إخوة المهدي وأخصهم به قال : ما صح عنده من كلام الناس إلا رواية روتها له امرأة المهدي اللّغويّة (٤).

[حكاية الأقوال التي عارض بها الإمام المهدي (ع) قول من زعم أنه فضّل نفسه على النبي (ص)]

رجع ، وأما الأقوال التي عارض بها ما شنع به عليه من الروايات ؛ فمما عارض به قول من زعم أنه فضل نفسه على النبي (٥) ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ :

قوله في كتاب الرد على من أنكر الوحي بالمنام : وليعلم من سمع قولنا (٦) ، أو فهم تأويلنا ؛ أن الوحي الذي ذكرنا ، فيما تقدم من كلامنا ، أن الله ختمه بنبينا ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) ـ نخ (ج) : سمع.

(٢) ـ نخ (ب) : الكذب.

(٣) ـ نخ (ب) : والجواب.

(٤) ـ في هامش نخ (ج) : منسوبة إلى قبيلة من الظاهر يقال لها نجم لغوة ، انتهى.

(٥) ـ في (ب) : الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ.

(٦) ـ نخ (ب ، ج) : وليعلم من سمع قولنا وفهم .. إلخ.

٤٢٠