أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي
المحقق: أحمد أحسن علي الحمزي و هادي حسن هادي الحمزي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مركز أهل البيت (ع) للدراسات الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦) [الأحزاب] ، وصدق الله سبحانه ؛ لقد ضل من اختار سوى خيرته ، وقضى بخلاف قضائه ، وحكم بضد حكمه.
وقال في جوابه لأهل صنعاء : لست بزنديق ولا دهري ، ولا ممن يقول بالطبع ولا ثنوي ، ولا مجبر قدري ، ولا حشوي ولا خارجي ، وإلى الله أبرأ من كل رافضي غوي ، ومن كل حروري ناصبي ، ومن كل معتزلي غال ، ومن جميع الفرق الشاذة ، ونعوذ بالله من كل مقالة غالية ، ولا بدّ من فرقة ناجية عالية ، وهذه الفرق كلها عندي حجتهم (١) داحضة ، والحمد لله.
وقال في كتاب القياس : وقع هذا الاختلاف ، وكان ما سألت عنه من قلة الايتلاف ، لفساد هذه الأمة وافتراقها ، وقلة نظرها لأنفسها (٢) في أمورها ، وتركها لمن أمرها الله باتباعه ، والاقتباس من علمه ، ورفضها لأئمتها وقادتها ؛ الذين أمرت بالتعلم منهم ، والسؤال لهم.
ثم قال : فإن قال (٣) : كيف لا تقع الفرقة ، ولا يقع بين أولئك ـ عليهمالسلام ـ خلفة؟
قيل : لأنهم (٤) أخذوا علمهم من الكتاب والسنة ، ولم يحتاجوا إلى إحداث رأي ولا بدعة.
ثم قال : [ثم] (٥) اعلم من بعد كل علم وقبله ، وعند استعمالك لعقلك في فهمه ، أن الذين أمرنا باتباعهم ؛ من آل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، وحضضنا على
__________________
(١) ـ نخ (ب) : حجتها.
(٢) ـ نخ (ب) : لنفسها.
(٣) ـ نخ (ج) : فإن قيل.
(٤) ـ نخ (ب) : إنهم.
(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
التعلم منهم ، وذكرنا ما ذكرنا من أمر الله برد الأمور إليهم ، هم الذين احتذوا بالكتاب من آل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، واقتدوا بسنة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ الذين اقتبسوا علمهم من علم آبائهم وأجدادهم جدا عن جد ، وأبا فأبا (١) ؛ حتى انتهوا إلى مدينة العلم ، وحصن الحلم (٢) ، الصادق المصدق ، الأمين الموفق ، الطاهر [المطهر (٣)] ، المطاع عند الله سبحانه [المقدم] (٤) محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فمن كان (٥) من آل رسول الله على ما ذكرنا ناقلا عن آبائه ، مقتبسا عن أجداده ، لم يزغ عنهم ، ولم يقصد غيرهم ، ولم يتعلم من سواهم ؛ فعلمه ثابت صحيح.
وقال في رفضة الأئمة : لا يجهل فضلهم إلا جهول معاند ، ولا ينكر حقهم إلا معطل جاحد ، ولا ينازعهم معرفة ما أتوا به عن الله سبحانه إلا ظلوم ، ولا يكابرهم فيما ادعوه عن الله إلا غشوم.
وقال في الأحكام ، أيضا وأوثق وثائق الإسلام : إن آل محمد لا يختلفون إلا من جهة التفريط ؛ فمن فرط في علم آبائه ، ولم يتبع علم أهل بيته ، أبا فأبا حتى ينتهي إلى علي بن أبي طالب ـ رحمة الله عليه ـ والنبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ شارك العامة في أقاويلها ، وتابعها في سيئ تأويلها ، ولزمه الاختلاف لا سيما إذا لم يكن ذا نظر وتمييز ، ورد لما ورد عليه إلى الكتاب ، ورد كل متشابه إلى المحكم.
وقال الناصر للحق الحسن بن علي ـ عليهالسلام ـ فيما حكاه عنه مصنف المسفر في ذكر علي ـ عليهالسلام ـ : كان وصي رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وخليفته ، وخير هذه الأمة بعده ، وأحق الناس بمجلسه ؛ لأنه خص بالدعاء إلى الإيمان قبل
__________________
(١) ـ في (ب) : عن أب.
(٢) ـ في (ب) : العلم.
(٣) ـ زيادة من (أ ، ج).
(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٥) ـ في (د) : كان علمه.
البلوغ فضيلة له دون (١) غيره ، وأن من حاربه وظلمه كافر تجب البراءة منه.
وقال : لا إيمان إلا بالبراءة من أعداء الله وأعداء رسوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهم الذين ظلموا آل محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأخذوا ميراثهم ، وغصبوا خمسهم ، وهموا بإحراق منازلهم.
وحكى ـ عليهالسلام ـ أن أبا بكر وعمر اختلفا في المشورة على النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فيمن يرأس على بني تميم فأشار أبو بكر بالأقرع بن حابس ، وأشار عمر بغيره ؛ حتى علت أصواتهما فوق صوت النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فأنزل الله فيهما : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٢) [الحجرات].
قال ـ عليهالسلام ـ : فإذا كانت طاعتهم تحبط برفع الصوت ، فما ظنك بمن قلّت طاعته ، وعظم خلافه للنبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
وقال : ولله أدلة على الحوادث على المكلف إصابتها التي الأمة فيها (على) (٢) سواء ؛ فأما سوى هذه الأصول والأحكام في الحوادث النازلة التي يسوغ فيها الاجتهاد إذ لا (٣) نص فيها من كتاب ولا سنة ، ولا إجماع من الأمة والأئمة ؛ فالاجتهاد فيها إلى علماء آل الرسول ـ عليهمالسلام ـ دون غيرهم لقوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء : ٥٩] ، ولقوله [تعالى] (أيضا) (٤) : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ ...) الآية [النساء : ٨٣].
قال : فإذا نظر الطالب للحق في اختلاف علماء آل الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ ،
__________________
(١) ـ نخ (ج) : على غيره.
(٢) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).
(٣) ـ نخ (ج) : ولا نص.
(٤) ـ زيادة من نخ (ب).
فله أن يتبع قول أحدهم ، إذا وقع له الحق فيه بدليل من غير طعن ولا تخطئة للباقين.
وذكر ـ عليهالسلام ـ أن المعتزلة وأصحاب الرأي يرون الاجتهاد ويقولون : إن أول من اجتهد عمر.
ومن شعره ـ عليهالسلام ـ في معنى ذلك قوله :
لا تبتغوا غير آل المصطفى علما |
|
لهديكم فهمو خير الورى آل |
آل النبي وعنه إرث علمهم |
|
القائمون بنصح الخلق لم يألوا |
وقولهم مسند عن قول جدهم |
|
عن جبرئيل عن الباري إذا قالوا |
وقوله :
أشكو إلى الله أن الحق مترك (١) |
|
بين العباد وأن الشر (٢) مقبول |
إلى قوله :
وأن أمتنا أبدت عداوتنا |
|
أن خصنا من عطاء الله تفضيل |
إذا ذكرنا بعلم أو بعارفة |
|
صاروا كأنهم من غيظهم حول |
وقال المرتضى لدين الله محمد بن يحيى ـ عليهالسلام ـ في كتاب مسائل الطبريين : فأمر الله عزوجل أمة محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أن يجعلوا مكافأته (٣) المحبة لولده ، وأوجب عليهم بذلك طاعتهم ، وافترض محبتهم ، كما افترض الصلاة ، وذلك
__________________
(١) ـ في (ب ، ج) : متروك.
(٢) ـ نخ (ج) : الشرك.
(٣) ـ نخ (أ ، ب) : من مكافأته.
لإقامة الحجة في رقابهم ، وقطع عللهم ؛ لما قد علم سبحانه بما (١) سيكون من أمة محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ [فيهم (٢)] ولهم من العداوة والبغضة.
وقال في كتاب الشرح والبيان : ولسنا نطلق في أهل الفضل والدين ، والتصديق لذي القوة المتين ، من أصحاب [محمد] (٣) خاتم النبيين ، الذين آمنوا به واتبعوه ، وجاهدوا معه وصدقوه ، ولا نقول فيهم إنهم اختلفوا ولا تضادوا ، ولكن كان معه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ منافقون قد ذكرهم الله في كتابه في غير موضع.
وقال في الرسالة السابعة : قد حكم الله سبحانه بهذا الأمر لقوم سماهم ، ودل عليهم ونصبهم ، وحظره على غيرهم ؛ فجعله لهم فضيلة على سواهم (٤) ، وذلك قوله سبحانه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ...) الآية [فاطر : ٣٢] ، ثم ذكر كثيرا من الآيات والأخبار.
وقال بعد ذلك : فمن (٥) غدا بهذا الأمر في غير أهل بيت نبيه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فقد عبث بنفسه ، وتمرد في دين خالقه.
وقال في جوابه للقرامطة : ودل على أولي الأمر بما ذكر في كتابه [حيث يقول عز ذكره] (٦) : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ثم قال : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] ، فدل على طاعة ثالثة ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩) [التوبة] ، فجمعت هذه الكلمة (٧) جميع (٨) من آمن ثم [استثنى منهم
__________________
(١) ـ نخ (أ ، ب) : مما سيكون.
(٢) ـ زيادة من (أ ، ج).
(٣) ـ زيادة من (أ ، ج).
(٤) ـ نخ (ج) : على من سواهم.
(٥) ـ نخ (ب) : من.
(٦) زيادة من نخ (أ ، ج).
(٧) ـ في (ب) : الآية.
قوما فقال : كونوا مع الصادقين ؛ فإذا به] (١) استثنى قوما من المؤمنين (٢) أمر المؤمنين بتبعهم والكينونة معهم ، ثم قال عزوجل : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) [فاطر : ٣٢] ، فدل على قوم أورثهم الكتاب وهم آل الرسول المذكورون أولا وآخرا.
وقال في جوابه للطبريين : إنما تختلف الأئمة في غير الحلال والحرام ، وفي الشرح والكلام ، ولكل إمام في عصره (٣) نوازل تنزل به ، وعليه أن (٤) يحكم فيها بما يوفقه الله [له] (٥) ، فيستنبطها من كتاب الله وسنة نبيه ، أو حجة العقل التي يستدل بها على غامض الكتاب ، ويستخرج بها الحق والصواب ، ولو نزلت هذه المسألة بالأول لاستخرجها كما يستخرجها الآخر.
والأئمة مؤتمنة على الخلق قد أمرهم الله عزوجل بحسن السيرة فيهم ، والنصح لهم ، فلعله أن يجري في عصر الإمام سبب من أسباب الرعية يحكم فيه بالصواب الذي يشهد له به الكتاب ، ثم تنزل تلك النازلة في عصر آخر من الأئمة لا يمكنه من إنفاذ الحكم فيها ما أمكن الأول فيكون بذلك عند الله معذورا.
وقال : فالواجب على الرعية إذا وثقت بعدالة إمامها وصحت عندهم (٦) إمامته أن يعلموا أن علمهم يقصر عن علمه ، ولا يقعون من الغامض على ما يقع عليه ؛ فإذا علموا ذلك وجب عليهم التسليم.
__________________
(٨) ـ نخ (ج) : كل.
(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٢) ـ في (ب) : باتباعهم أمر.
(٣) ـ نخ (ب) : عصر.
(٤) ـ نخ (أ) : وعلة يحكم ، ونخ (ب) : وعليه يحكم.
(٥) ـ زيادة من نخ (أ).
(٦) ـ نخ (ب) : عندها.
ومن شعره (١) ـ عليهالسلام ـ في معنى ذلك ، قوله :
بدعنا كل مكرمة ولما |
|
نزل للمجد مذ كنا سناما |
وما إن زال أولنا نبيا |
|
ولا ينفك آخرنا إماما |
يصلي كلّ محتلم علينا |
|
ولا ينفك آخرنا إماما |
وحسبك مفخرا أنا جعلنا |
|
لكل هدى ومكرمة تماما |
وقال (أخوه) (٢) الناصر لدين الله أحمد بن يحيى ـ عليهالسلام ـ في كتاب مسائل أبي إسحاق : وقد قال الله عزوجل : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٤٣) [العنكبوت] ، فأعلمك عزوجل أنه لا يعقلها إلا العالمون ، ولا علم لمن جهل معدن الحق ، وقدر النبوة ، وخيرة الإمامة.
وقال في كتاب النجاة : وتعاموا عن قوله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) [الأحزاب] ، والمطهّر من الرجس لا يكون في دينه زلل ، ولا في قوله ميل ، ولا في تأويله للقرآن خطل ؛ فلم يكن عزوجل ليطهر من يكذب عليه ؛ فيكون من عانده أولى بالحق منه ، وهو عزوجل أعلم بالمفسد من المصلح.
وقال القاسم بن علي العياني ـ عليهالسلام ـ في كتاب ذم الأهواء والوهوم : قد أتى الخبر أن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لم يفارق الدنيا حتى خولف أمره في جيش أسامة وغيره ، ومن قبل ما فعل القوم أخبر الله بفعلهم فقال عز من قائل : (وَما
__________________
(١) ـ المشهور أن هذه الأبيات من قصيدة الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام المختار القاسم بن الإمام الناصر أحمد بن الهادي ـ عليهمالسلام ـ من قصيدته المشهورة التي مطلعها :
علام اللوم يا سلمى علامالب الأثر في الجبر والقدر |
|
عداك اللوم فاطّرحي الملامالب الأثر في الجبر والقدر |
(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) [آل عمران] ، فلم يكن الشاكرون فيما بلغنا إلا علي وذرية رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وذرية (١) أمير المؤمنين ، ومن تبعهم من المؤمنين ؛ فكانت هذه أول فرقة أمة محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فكان الناس كلهم فرقة ، وكان علي وأصحابه أمة ثانية ؛ فلم يزل أمير المؤمنين مع الكتاب كما ذكر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ والقوم (٢) في دنياهم يخبطون خبط العشوى لا يهتدون إلا ما هداهم له ـ عليهالسلام ـ عند فزعهم في بعض الأمور [إليه] (٣) تثبيتا للحجة عليهم ، وهم يدوّلون ولايتهم إدوال من كان من أمم (٤) الأنبياء قبلهم.
وقال في كتاب التنبيه : وسألت عن السواد الأعظم ، وإرماله للحج إلى بيت الله (الحرام) (٥) ، وزيارة قبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يشهدون بالأمر والخلافة لصاحب الغار ، وينكرون قول رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
فالجواب (٦) : اعلم أيها الأخ ـ أكرمك الله ـ أن هؤلاء سامرية أمة محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لا فرق بينهم وبين سامرية [أمة] (٧) موسى ـ صلى الله عليه ـ كما لا فرق بين موسى ومحمد ، وكما لا فرق بين هارون وعلي إلا النبوة ؛ لقول النبي ـ صلّى الله
__________________
(١) ـ في (ب) : وذرية علي أمير المؤمنين.
(٢) ـ في (ب) : والناس.
(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).
(٤) ـ في (ب) : من الأمم قبلهم.
(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٦) ـ نخ (ج) : الجواب.
(٧) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
عليه وآله وسلّم ـ : ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).
وقال في رسالته إلى أهل طبرستان : أصل التأويل أول الخبال ، والاختلاف في الأئمة أول الضلال ، والاعتماد على غير العترة أول الوبال ، أصل العلم مع السؤال ، وأصل الجهل مع الجدال ، العالم في غير علمنا كالجاهل بحقنا ، الراغب في عدونا كالزاهد فينا ، المحسن إلى عدونا كالمسيء إلينا ، الشاكر لعدونا كالذام لنا ، المعترض لنحلتنا كالغازي (١) علينا ، معارضنا في التأويل كمعارض جدنا في التنزيل ، الراعي لما لم يسترع كالمضيع لما استرعي ، القائم بما لم (٢) يستأمن عليه كالمعتدي فيما استحفظ (عليه) (٣) ، الخاذل لنا كالمعين علينا ، المتخلف عن داعينا كالمجيب لعدونا ، معارضنا في الحكم كالحاكم بغير الحق ، المفرق بين العترة الهادين كالمفرق بين النبيين ، هنا (٤) أصل الفتنة يا جماعة الشيعة.
وقال ابنه الحسين بن القاسم ـ عليهالسلام ـ في كتاب الرد على الملحدين : فيما أيتها (٥) الأمة الضالة عن رشدها ، الجاهدة في هلاك أنفسها ، أمرتم بمودة آل النبي ، أم فرض عليكم مودة تيم وعدي؟
وقال في كتاب التوحيد : ولو تمسكوا بسفن النجاة (٦) لما غرقوا في بحار العمى ، ولو شربوا من علم آل نبيهم لشفوا من الظمأ ، ولظفروا بالغنائم العظمى ، ولأنارت قلوبهم لموافقة الحكماء ، ولكنهم اكتفوا بعلم أنفسهم ، واستقلوا آل (٧) نبيهم ؛ فلا يبعد الله إلا من ظلم ، وعلى نفسه السوء اجترم.
__________________
(١) ـ نخ (ج) : كالعادي.
(٢) ـ نخ (ج) : بما لا يستأمن.
(٣) ـ زيادة من نخ (ب).
(٤) ـ نخ (ج) : هاهنا.
(٥) ـ نخ (أ ، ب) : فيا أيها.
(٦) ـ نخ (أ ، ب) : النجاة.
(٧) ـ في (ب) : آل محمد نبيهم.
وقال في مختصر الأحكام : وجميع العقول مفتقرة إلى عقول الأئمة ـ عليهمالسلام ـ ولو لا ذلك لما احتاج أحد إلى إمام ، ولسقط فرض الإمامة عن (١) جميع الأنام ، ولو سقط ذلك عنهم لما فرضه الله عليهم.
وقال في كتاب الرد على الملحدين : الإمامة فرض من الله لا يسع أحدا جهلها ؛ لأن الحكيم لا يهمل خلقه (٢) مع ما يرى من اختلافهم ، من الحجة على من عند عن الحق منهم ، والهداية لمن طلب النجاة من أوليائه ، والبيان لتلبيس (٣) أعدائه ، وإلا فقد ساوى بين حقهم وباطلهم.
وفي ذلك ما يقول النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((من مات لا يعرف إمامه (٤) مات ميتة جاهلية)) وقول الله عزوجل : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧) [الرعد] ، فأخبر أن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ منذر للعباد ، وأن لكل قوم هاديا إلى الحق في كل زمان ، يوضح ما التبس من الأديان ، ويرد على من دان بغير دين الإسلام.
وقال (٥) أبو الفتح بن الحسين الديلمي ـ عليهالسلام ـ في تفسيره في معنى قول الله سبحانه : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) [القصص : ٦٨] ، قال : أي يخلق ما يشاء من الخلق ويختار من يشاء للنبوة والإمامة.
وفي معنى قوله سبحانه : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] ، قال : عنى بالأزواج من بانت خيرتها ، وصحت سريرتها ؛ كخديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ أم الأئمة ـ عليها وعليهمالسلام ـ ، وكأم سلمة ـ رضي الله عنها ـ فأما من عند منهن عن الحق ،
__________________
(١) ـ في (ب ، ج) : على.
(٢) ـ في (ب) : الخلق.
(٣) ـ نخ (ج) : للبس.
(٤) ـ في (ب) : إمام زمانه.
(٥) ـ نخ (ج) : وقول أبي الفتح.
وشق عصا المسلمين فلسن بأمهات المسلمين (١) ، ولا هن (٢) بأهل (كرامة) (٣) عند الله رب العالمين.
وفي معنى قول الله سبحانه : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) [البقرة : ٢٧] ، قال: هم الذين لا يوجبون محبة آل محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وينكرون فضلهم.
وفي معنى [قوله سبحانه : (فَسْئَلُوا]) (٤) أَهْلَ الذِّكْرِ ، [قال] (٥) : هم العلماء من آل الرسول ـ عليهمالسلام ـ.
وفي معنى قول الله سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) [النور : ٥٥] ، قال : نزلت في رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأمير المؤمنين علي ـ عليهالسلام (٦) ـ [والحسن والحسين] (٧) وخيار أهل بيتهما ، ومن سار بسيرتهما ، وتبع طريقتهما إلى يوم القيامة لأنهم ورثة الكتاب والعالمون به ، ولهم الخلافة في الأرض ، إلى يوم العرض.
وفي معنى قوله سبحانه : (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) [النور : ٥٥] ، قال : يعني دين الإسلام ، وذلك عند ظهور حجة الله القائم.
وروي عنه ـ عليهالسلام ـ أنه قال : أما فروع الشريعة فإن وقع بين الأئمة ـ
__________________
(١) ـ نخ (أ) : للمسلمين.
(٢) ـ نخ (ب) : ولا هي.
(٣) ـ نخ (أ) : كرامات.
(٤) ـ زيادة من نخ (ج).
(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٦) ـ في (ب) : عليه الصلاة والسلام.
(٧) ـ زيادة من نخ (ب).
عليهمالسلام ـ في ذلك اختلاف (١) فليس ذلك مما ينقص من علمهم وفضلهم لأن الاجتهاد في الدين واجب ، والاحتياط لازم ، والرجوع إلى الكتاب والسنة مما تعم به البلوى ، ولكل في عصره نظر واستدلال وبحث وكشف ، وقد ينكشف للمتأخر ما لم ينكشف للمتقدم ، لا بأن (٢) المتقدم قصر عما بان للمتأخر.
وقال : وليس من الدين تخطئة واحد منهم ، والحكم عليه بأنه خالف الشريعة والأئمة.
وقال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان ـ عليهالسلام ـ في كتاب الحكمة : وقد أجمع ذوو قربى (الرسول) (٣) ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ على أن الإمامة خاصة في الحسن والحسين وأولادهما ؛ فكان إجماعهم حجة ؛ لأن خلافهم خلاف المودة ، ولم يودهم من خالفهم ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣١) [آل عمران] ، فقرن المحبة بالاتباع ؛ فمن لم يتبعهم لم يحبهم ؛ فصح ما قلناه (٤).
وقال فيه يحكي قصة السقيفة : فلما اشتغل أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ بما ينبغي له أن يشتغل به ، اجتمع المهاجرون والأنصار إلى سقيفة بني ساعدة ، وتنافسوا في الملك ، ونسوا ما أوصاهم به رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ من أمره لهم باتباعهم لعلي ـ عليهالسلام ـ في مواقف كثيرة ، وأكاليم شهيرة.
وقال : وكان من جملة الظالمين من غصب عليا ـ عليهالسلام ـ حقه ، وأنكر (٥) سبقه ، واستولى على الأمر الذي كان أولى به ؛ كأبي بكر وعمر وعثمان ، ومن أعانهم
__________________
(١) ـ نخ (ج) : خلاف.
(٢) ـ نخ (ج) : لا أن.
(٣) ـ نخ (أ) : رسول الله.
(٤) ـ نخ (ب ، ج) : قلنا.
(٥) ـ نخ (ب ، ج) : وأنكره.
على أمرهم واحتج على نكثهم لأيمانهم [وإيمانهم] (١) بقول الله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ...) الآية [المائدة : ٥٤] ، وذكر أنها نزلت فيهم.
وقال في جوابه لمسائل الأمراء السليمانيين : سمي المعتزلة معتزلة حيث اعتزلوا عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ منهم سعد بن مالك بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة الأنصاري ، وأسامة بن زيد بن حارثة الكلبي ، والأحنف بن قيس ، (وسموا نفوسهم) (٢) أهل العدل والتوحيد.
وقال فيه : وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ((ستفترق أمتي من بعدي على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة)) وقد بينها [النبي] (٣) ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأوضحها في أهل بيته ـ عليهمالسلام ـ ومن تبعهم في مواضع كثيرة منها ما قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)).
وقال الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين ، عبد الله بن حمزة بن سليمان ـ عليهالسلام ـ ، في [كتاب] (٤) شرح الرسالة الناصحة : انظر (٥) ـ أيدك الله ـ بفكر ثاقب ، كيف يسوغ لمسلم إنكار فضل قوم تبدأ بذكرهم الخطب ، وتختم بذكرهم الصلاة ، حتى لا تتم صلاة مسلم إلا بذكرهم ، وذكرهم مقرون بذكر الله سبحانه وذكر رسوله (٦) ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أين العقول السليمة ، والأفكار الصافية من هذا.
وقال : هم أعلام الدين ، وقدوة المؤمنين ، والقادة إلى عليين ، والذادة عن سرح الإسلام
__________________
(١) ـ زيادة من نخ (أ).
(٢) ـ نخ (ب) : سموا أنفسهم.
(٣) ـ زيادة من (ب).
(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٥) ـ في (ب) : فانظر.
(٦) ـ نخ (ج) : رسول الله.
والمسلمين ، وبهم أقام الله الحجة على الفاسقين ، ورد كيد أعداء الدين ، وهم القائمون دون هذا الدين القويم ، حتى تقوم الساعة ، ينفون (١) عنه شبه الجاحدين ، وإلحاد الملحدين.
وفي ذلك ما روينا عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ [أنه قال] (٢) : ((أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم)) فكما أنا نعلم أنه لا يجوز أفول نجم إلا بطلوع نجم آخر حتى تقوم الساعة ، نعلم أنه لا يمضي منهم سلف صالح إلا وعقبه (٣) خلف صالح ، وقد قال الله سبحانه لنبيه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧) [الرعد] ، فمعنى هذه الآية ـ والله أعلم ـ : أن الله جل ذكره جعل في كل وقت من أهل بيت (٤) نبيه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ هاديا لقوم ذلك الوقت.
وقد روينا عن أبينا رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنه قال : ((من كان في قلبه مثقال حبة من خردل عداوة لي ولأهل بيتي لم يرح رائحة الجنة)) ولا نعلم أشد لهم عداوة ، ولا أعظم مكيدة لدين الله ونبيه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ممن أنكر فضل عترته ، وساوى (٥) بينهم وبين غيرهم.
وقال : ولا يرد الحوض إلا من خلصت مودته لهم ولا تخلص مودة من أنكر فضلهم ، وجحد حقهم ، وساوى بينهم وبين غيرهم.
وقال : كيف يكون شيعيا لآل محمد ـ عليهمالسلام ـ من أنكر فضلهم ، وجحد حقهم ، وقبس (٦) العلم بزعمه من غيرهم.
__________________
(١) ـ في (ب) : ينفون شبه.
(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).
(٣) ـ في (ب) : وعقبهم.
(٤) ـ نخ (أ ، ج) : من أهل بيته ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
(٥) ـ في (ب) : واقتبس العلم بزعمه من غيرهم.
(٦) ـ نخ (ج) : واقتبس.
وقال : منكر فضل أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ يشارك (١) قتلة زيد بن علي ـ عليهالسلام ـ وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ في سفك دمائهم ، ووزر قتالهم ؛ لأن علة قتالهم لزيد بن علي ـ عليهماالسلام ـ وأصحابه ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ إنكار فضله وفضل أهل بيته ـ صلوات الله عليهم ـ وما أوجب [الله] (٢) على الكافة من توقيرهم ، والرجوع إليهم ، وأخذ العلم عنهم ، والجهاد بين أيديهم.
وقال : واعلم أن من تأمل أدنى تأمل في أحد الأدلة فضلا عن مجموعها إما في دلالة العقل أو في كتاب الله سبحانه ، أو في سنة الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، أو في إجماع الأمة أو العترة ، أو تتبع أقوال الأئمة ـ عليهمالسلام ـ علم صدق ما قلناه (٣) ، ولكن وأين من يترك يصل إلى ذلك ، ويمنعه من ذلك إيجاب الرجوع إلى قول الشيخ.
وقال : أمر النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أمته باتباع عترته المطهرة ؛ فخالفوه (٤) في ذلك ، ولهم أتباع [في كل وقت (٥)] يقتفون آثارهم في خلاف العترة الطاهرة حذو النعل بالنعل ، بل قد تعدوا [في] (٦) ذلك إلى أن قالوا هم أولى بالحق واتباعهم أوجب (٧) من اتباع هداتهم فردوا بذلك قول النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((قدموهم ولا تقدموهم ، وتعلموا منهم ولا تعلموهم ، ولا تخالفوهم فتضلوا ، ولا تشتموهم فتكفروا)) وهذا نص في موضع الخلاف لا يجهل معناه إلا من خذل.
وقال في الشافي : قال الله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧) [الرعد]،
__________________
(١) ـ في (ب) : مشارك.
(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٣) ـ نخ (ج) : قلنا.
(٤) ـ نخ (ج) : فخالفوا.
(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٦) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).
(٧) ـ نخ (ج) : أولى.
فالمنذر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ والهادي هو الإمام من ذريته الطاهرة.
وقال : ألم تعلم أن المفرق بين العترة الهادين كالمفرق بين النبيين.
وقال في معنى ذلك : كيف تخالف الذرية أباها ، وقد شهد لهم النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بالاستقامة بقوله : ((إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وقال : اعلم أن كافة أهل البيت الطاهرين ، وذرية خاتم النبيين ـ صلى (١) الله عليه وآله وسلم ـ يدينون ويعتقدون أنه لا نجاة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا بخلوص ولايتهم فيهم ؛ لأن الله تعالى أوجب محبتهم على جميع المكلفين وهم منهم ، ولأنا روينا عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنه قال : ((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي)).
وروى فيه عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنه قال : ((من ناصب عليا الخلافة (٢) بعدي فهو كافر وقد حارب الله ، ومن شك في علي فهو كافر)).
وقال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ((ويل لأعداء أهل بيتي المستأثرين عليهم لا نالتهم شفاعتي ، ولا رأوا جنة ربي)).
وقال : ولما قبض رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مرضي الفعل ، مشكور العمل قد أنقذ الخلائق (٣) من شفا الحفرة ، ونجاهم عن بحار (٤) الهلكة ، وأضفى عليهم ستر (٥) الإسلام الحسن الجميل ، ولم يبق عنق مكلف إلا فيه له ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ منة الهداية ، والمنة لله تعالى.
__________________
(١) ـ في (ب) : صلى الله عليهم أجمعين.
(٢) ـ نخ (أ ، ب) : في الخلافة.
(٣) ـ نخ (ب ، ج) : الخلق.
(٤) ـ في (ب) : من بحور.
(٥) ـ في (ب) : من سترة.
وكان من أمر فاطمة ـ عليهاالسلام ـ السلالة المرضية ، والنسمة الزكية ، والجمانة البحرية ، والياقوتة المضيئة ، ما كان من النزاع في أمر الإرث ، [وبعد ذلك في أمر النحلة] (١) لفدك وغيره ما شاع في الناس ذكره ، وعظم على بعضهم أمره ، حتى قال قائلهم :
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادعت |
|
وما ذا عليهم لو أطابوا جنانها |
وقد علموها بضعة من نبيهم |
|
فلم طلبوا فيما ادعته بيانها |
فمرضت سرا ، ودفنت ليلا ، وذلك بعد دفع الوصي عن مقامه ، واتفاق الأكثر على اهتضامه ، فتجرع أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ الرزية ، وصبروا على البلية ، علما بأن لله تعالى دارا غير هذه الدار ، يجبر فيها مصاب الأولياء ، ويضاعف لهم (٢) فيها المسار ، وهي دار الدوام ، ومحل القرار ، ويضاعف على الأعداء الخزي والبوار ، ويخلدون في أنواع العذاب التي إحداها النار.
وحكى ـ عليهالسلام ـ كلام فاطمة ـ عليهاالسلام ـ مع نساء المهاجرين والأنصار الذي عرضت فيه للمشايخ وأتباعهم بقول الله سبحانه : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) (٨٠) [المائدة].
ثم قال عقيب ذلك : فهذا كلام فاطمة ـ عليهاالسلام ـ الذي لقيت عليه الله سبحانه ، فلم نتعد طريقة من يجب الاقتداء به من الآباء والأمهات ـ عليهمالسلام ـ.
وقال : لو لم يتقلد الأمر أبو بكر ما تأهل له عمر ، ولو لم يتقلده عمر ما طمع فيه عثمان ، ولو لم يتقلده عثمان ما طمع (٣) فيه معاوية ومن تبعه من جبابرة بني أمية ، ولو لا
__________________
(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).
(٢) ـ في (ب) : لهم المسار.
(٣) ـ نخ (ج) : تطمع.
أخذه جبابرة بني أمية ما تقلده بنو العباس.
وقال في كتاب حديقة الحكمة في شرح التاسع عشر من الأخبار السيلقية : فأما حب الرفعة فقد هلك فيه قوم كثير ، والله بما تعملون بصير ، ألم تسمع إلى قول بعض الأنصار في معنى الافتتان برفعة الدنيا والحب لشرفها ، وذلك لما قتل سعد (١) بن عبادة بسهمين رمي بهما في الليل ، وقد خرج لقضاء حاجته ليلا ، وزعم من زعم أنه سمع من الجن قائلا يقول :
قلنا سيد الخزرج سعد بن عباده |
|
رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده |
فقال في ذلك بعض الأنصار ـ وكان سعد قبل مغاضبا لأبي بكر ممتنعا من بيعته ، وروي عنه أنه قال : لما رأينا قريشا عدلت بالأمر عن أهله طمعنا فيه في قصص طوال ،
__________________
(١) ـ سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي سيد الخزرج صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها ، وشهد بدرا ، وقيل لم يشهدها ، وهو من نقباء الأنصار ليلة العقبة ، وكان يسمى الكامل لكماله في أشياء كثيرة كالرمي وغيره ، وكان كثير الصدقات والجود ، وتخلف عن بيعة أبي بكر ، وخرج من المدينة ، ولم يرجع إليها حتى قتل سنة إحدى عشرة في خلافة أبي بكر ، وفي قتله ما يقول حسان بن ثابت :
يقولون سعدا شقّت الجنّ بطنه |
|
ألا ربما حققت أمرك بالعذر |
وما ذنب سعد أنه بال قائما |
|
ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر |
لأن سلمت من فتنة المال أنفس |
|
لما سلمت من فتنة النهي والأمر |
فيا عجبا للجن تقتل مسلما |
|
على غير ذنب ثم ترثيه بالشعر |
وروي في قتله : أن والي الشام جعل له كمينا ؛ فلما خرج إلى الصحراء قتله ذلك الكمين ، بسبب تخلّفه عن البيعة ، وروي أنه قتل بحوّارين من أعمال دمشق سنة (١٥ ه) تقريبا في خلافة عمر بن الخطاب ، انظر : شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٢٩٢ ، لوامع الأنوار ج ٣ ص ٨٥ ، الطبقات ـ خ ـ ، حاشية شرح الأزهار ج ١.
فقال بعض الأنصار (١) في ذلك ـ :
يقولون سعدا شقّت الجن بطنه |
|
ألا ربما حققت فعلك بالعذر |
وما ذنب سعد أنه بال قائما |
|
ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر |
لئن صبرت عن فتنة المال أنفس |
|
لما صبرت عن فتنة (٢) النهي والأمر |
يعرض بأبي بكر في ذلك (٣) ، وأنه لم يصبر عن فتنة النهي والأمر ، وشرف الرئاسة.
وقال [يعني المنصور بالله (ع)] (٤) في بعض أجوبته الموجودة بخطه ـ عليهالسلام ـ : وسألت عمن يرضي عن الخلفاء ، ويحسن الظن فيهم (٥) وهو من الزيدية ويقول : أنا أقدم عليا ـ عليهالسلام ـ وأرضي عن المشايخ ، ما يكون حكمه ، وهل تجوز الصلاة خلفه؟
الجواب عن ذلك : أن هذه مسألة غير صحيحة فيتوجه (٦) الجواب عنها لأن الزيدية على الحقيقة هم الجارودية ، ولا يعلم في الأئمة ـ عليهمالسلام ـ بعد زيد بن علي ـ عليهالسلام ـ من ليس بجارودي ، وأتباعهم كذلك ، وأكثر ما نقل وصح عن السلف هو ما قلنا ـ يعني التوقف ـ على تلفيق واجتهاد ، وإن كان الطعن والسب من بعض الجارودية ظاهرا ، وإنما هذا رأي المحصلين منهم ، وإنما هذا القول قول بعض المعتزلة يفضلون عليا ـ عليهالسلام ـ ويرضون عن المشايخ ؛ فليس هذا يطلق على أحد من الزيدية.
لأنا نقول : قد صح النص على أمير المؤمنين [ـ عليهالسلام ـ] من الله تبارك وتعالى ورسوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وصحت معصية القوم وظلمهم وتعديهم لأمر
__________________
(١) ـ هو حسان بن ثابت الأنصاري.
(٢) ـ في (ب) : عن لذة.
(٣) ـ في (ب) : وقال أنه.
(٤) ـ هذه زيادة غير موجودة في الأصل لتوضيح الكلام.
(٥) ـ نخ (ج) : بهم.
(٦) ـ نخ (أ ، ب) : فيوجه.
الله سبحانه ، وإن كانت جائزة (١) المعصية والترضية ؛ فما أبعد الشاعر في قوله :
فويل تالي القرآن في ظلم الليـ |
|
لـل وطوبى لعابد الوثن |
ومن حاله ما ذكرت لا يعد في الزيدية رأسا ، وإنما هذا قول بعض المعتزلة ، وصاحب
هذا القول معتزلي لا شيعي ولا زيدي.
وأجمل من قال في أبي بكر وعمر وعثمان من آبائنا المتأخرين ـ عليهمالسلام ـ [إنما هو (٢)] المؤيد بالله ـ عليهالسلام ـ فنهاية ما ذكر أنهم لا يسبون ، وأن سبهم لا تصح روايته عن أحد من السلف الصالح ـ عليهمالسلام ـ.
فأما الترضية فهذا يوجب القطع على أن معصيتهم صغيرة فإن أوجدنا (٣) صاحب هذه المقالة البرهان على أن معصيتهم صغيرة تابعناه ؛ فليس على متبع الحق غضاضة ، ولكنه لا يجد السبيل إلى ذلك أبدا.
أو عصمتهم ولا قائل بذلك من الأمة (٤) ، وشاهد الحال لو ادعى ذلك لفضحه ؛ لأن طلحة والزبير من أفاضلهم وقد صح فسقهما بالخروج على إمام الحق ، وإنما رويت توبتهما ، ولم يرو من الثلاثة توبة عما أقدموا عليه من الإمامة وتأخير علي ـ عليهالسلام ـ عن مقامه الذي أقامه الله سبحانه فيه ورسوله.
وأما الصلاة خلف من ذكرت ففي الصلاة خلاف طويل ، وقد أجازها الأكثر خلف المخالفين ما لم يكن خلافهم كفرا ؛ فالأمر في ذلك يهون ، والاحتراز من الصلاة خلف من يقول بذلك أولى.
__________________
(١) ـ نخ (ب) : وإن كان جائز الترضية والمعصية.
(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٣) ـ في (ب) : وجد.
(٤) ـ نخ (ج) : الأئمة.