مجموع السيّد حميدان

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي

مجموع السيّد حميدان

المؤلف:

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي


المحقق: أحمد أحسن علي الحمزي و هادي حسن هادي الحمزي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مركز أهل البيت (ع) للدراسات الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

[لا (١)] يكون بين ذاته سبحانه وبين سائر الذوات فرق في أنه يحاط بها علما أو أنه لا يحاط بها علما.

والذي يدل على بطلان قولهم (٢) بأن مقدورات الباري سبحانه ثابتة فيما لم يزل ، وأنه (٣) لا نهاية لها : إقرارهم بأن ذوات العالم هي بعض المقدورات التي زعموا أنها ثابتة فيما لم يزل ، وأنها لا نهاية لها ، وإقرارهم بأن للعالم نهاية فيلزمهم بالاضطرار أن يكون لكلها نهاية ؛ لأن كل ما له بعض فبعضه لا يخلو من (٤) أن يكون مثله أو أقل [منه (٥)] أو أكثر ، وكل موصوف بالتساوي والقلة والكثرة متناه [وكل متناه] (٦) محدث ، والحدث نقيض الأزل.

ومما يؤيد هذه الجملة ، ويشهد بصحتها من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة [ـ عليهم‌السلام ـ (٧)] :

أما [من (٨)] الكتاب : فقول الله سبحانه : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (٩) [مريم] ، وقوله [تعالى (٩)] : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (١) [الإنسان] ، وفي قوله سبحانه : (مذكورا) من التأكيد لنفي كون المعدوم

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ في (ب) : أقوالهم.

(٣) ـ نخ (ب) : وأنها.

(٤) ـ نخ : إما.

(٥) ـ زيادة من نخ (ب).

(٦) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).

(٧) ـ زيادة من نخ (ب).

(٨) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٩) ـ زيادة من نخ (ب).

٢٤١

شيئا ما لا يجوز [لمسلم (١)] إنكاره.

وأما [من (٢)] السنة : فما روي عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنه قال : ((كان الله ولا شيء)) وأنه ذكر في بعض خطبه أن الله سبحانه مشيئ الأشياء.

وأما أقوال (٣) الأئمة : فقول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ فيما تقدم ذكره من خطبه (٤) : (الحمد لله الذي دل على وجوده بخلقه ، وبحدوث خلقه على أزليته).

وقوله : (كذب العادلون ، وخاب المفترون ، وخسر الواصفون ، بل هو الواصف لنفسه ، والملهم لربوبيته ، والمظهر لآياته إذ كان ولا شيء كائن).

وقوله : (والذي الحدث يلحقه فالأزل يباينه).

وقوله : (عالم إذ لا معلوم ، ورب إذ لا مربوب ، وقادر إذ لا مقدور).

وقول علي بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ في توحيده : (فسبحان من ابتدع البرايا فأحارها وأنشأها فأمارها (٥) ، وشيأها فأصارها) (٦).

وقوله : (كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث) ، وقوله : (له جل جلاله معنى

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ).

(٣) ـ نخ (أ) : قول.

(٤) ـ نخ (ب) : خطبته.

(٥) ـ نخ (أ) : وأمارها.

(٦) ـ قال في هامش نخ (ج) : قوله : البرايا جمع برية وهم الخلق ، أحارها : أعادها ونقصها أيضا من الحور وهو النقصان يقال : أعوذ بالله من الحور بعد الكور من النقصان بعد الزيادة ، وأنشأها : خلقها أمارها ورزقها أخذ من الميرة قال تعالى : (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) [يوسف : ٦٥] ، أي جعلها أشياء والمعنى أحدثها بعد العدم ، أصارها : قطعها وفرق مجتمعها قال تعالى : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) [البقرة : ٢٦٠] ، أي قطعهن. تمت ح توحيد رب العابدين.

٢٤٢

الربوبية إذ (١) لا مربوب ، وحقيقة الإلهية ولا مألوه ، ومعنى العلم ولا معلوم).

وقول جعفر بن محمد الصادق ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الإهليلجة : (في كل [شيء(٢)] أثر تدبير وتركيب شاهد يدل على صنعه ، والدلالة على من صنعه ولم يك شيئا).

وقول القاسم بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرد على النصارى : (جل جلاله عن(٣) أن يصح عليه تشبيه شيء أو يناله في أزلية قديمة أو ذوات (٤) أو صفة ما كانت من الصفات إذ في ذلك لو كان كذلك إشراك غيره معه في الإلهية ، إذ كان شريكا له في القدم والأزلية).

وقوله في كتاب الرد على ابن المقفع : (الأشياء ليست إلا قديما أو حادثا ، لا يتوهم متوهم فيها وجها ثالثا).

وقول محمد بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الوصية : (الحمد لله الحي القيوم ، ذي العظمة والجلال ، الذي لم يزل ولا شيء غيره).

وقول الهادي إلى الحق ـ عليه‌السلام ـ في كتاب المسترشد : (ولم يزل سبحانه قبل كل شيء ، وهو المشيّئ لكل الأشياء).

وقوله : (نريد بقولنا شيء إثبات الموجود ، ونفي العدم (٥) المفقود ؛ لأن الإثبات أن نقول شيء ، والعدم ألا نثبت شيئا).

وقول ابنه المرتضى ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الشرح والبيان : (الأشياء محدثة مجعولة ،

__________________

(١) ـ في (ب) : ولا مربوب.

(٢) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٣) ـ نخ (أ) : على.

(٤) ـ نخ (ج) وذات أو صفة.

(٥) ـ نخ : المعدوم.

٢٤٣

مبتدعة مخلوقة ؛ لأن الله سبحانه كان ولا شيء).

وقول الحسين بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب شواهد الصنع : (إذا كان هذا المحدث عدما قبل حدوثه ؛ فالعدم لا شيء ، ولا شيء لا يكون شيئا بغير شيء).

وقول الإمام أبي الفتح بن الحسين الديلمي ـ عليه‌السلام ـ في تفسيره لقول الله سبحانه: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] ، قال : (إنما بين الله تعالى للإنسان تنقل أحواله ، حتى استكمل خلقه ، ليعلم نعمته عليه ، وحكمته فيه ، وأن بعثه بعد الموت أهون من إنشائه ولم يك شيئا).

[ذكر ما ليس لله سبحانه فيه تأثير وما ليس هو له في الأزل بمعلوم]

وأما الفصل الرابع :

وهو في ذكر ما ليس لله [سبحانه (١)] فيه تأثير (وما ليس هو له في الأزل بمعلوم (٢))

فمذهب العترة [ـ عليهم‌السلام ـ (٣)] [فيه (٤)] : أن معنى كون الباري سبحانه مؤثرا في العالم ، هو كونه خالقا لذواته وصفاته التي علم سبحانه فيما لم يزل أنه سيجعلها (٥) أشياء بعد أن لم تكن ، وأن كونها أشياء [و (٦)] موجودة ليس بأمر زائد على ذواتها ، وأن استمرار (٧) بقاء العالم كائن باختيار الله سبحانه لا لأمر أثر (٨) فيه.

ومذهب بعض المعتزلة : أن معنى كونه سبحانه مؤثرا في العالم هو أنه أوجد ذواته

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ب).

(٢) ـ نخ (ب) ك وما ليس هو له معلوم في الأزل.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب).

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٥) ـ نخ (ب) : يجعلها.

(٦) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٧) ـ في (ب) : استقرار.

(٨) نخ (ب) : مؤثر.

٢٤٤

المعدومة الثابتة فيما لم يزل ، وأخرجها من حالة العدم إلى حالة الوجود الذي هو مؤثر فيه ، وليس هو له بمعلوم فيما لم يزل لكونه بزعمهم صفة ، والصفة [عندهم (١)] ليست بشيء يتعلق به علمه سبحانه فيما لم يزل ، وأن استمرار بقاء العالم قالوا [حاصل (٢)] لأمر أوجبه [و (٣)] أثر فيه ، وهو داعي حكمة الباري سبحانه.

والذي يدل على صحة مذهب العترة في ذلك ، وبطلان مذهب المعتزلة : هو أن قولهم : إن الله سبحانه مؤثر في الصفة التي هي عندهم لا شيء ولا لا شيء [هو (٤)] قول مجهول غير معقول ؛ لأن الصفة التي قالوا هي لا شيء ولا لا شيء غير معقولة ولا معلومة بإجماعهم ، وكل ما لا (٥) يعقل فالتأثير فيه لا يعقل ، ولأن قولهم بذلك مذهب حادث ، وكل حادث في الدين بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، ولأن الله سبحانه أمر أن (٦) يدعى بأسمائه الحسنى ، ونهى عن اتباع من يلحد فيها.

و [الذي] (٧) يدل عليه : أنه قد ثبت بإجماعهم كون الباري سبحانه صانعا للعالم فلا يخلو : إما أن يكون صنعه هو ذوات العالم أو صفاته أو هو الذات والصفات معا.

فإن قالوا [إن (٨)] صنعه هو الذات (٩) بطل قولهم [بثبوتها (١٠)] فيما لم يزل وإن قالوا :

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ زيادة من نخ (ب).

(٥) ـ نخ (أ) : لم.

(٦) ـ في (ب) : بأن.

(٧) ـ زيادة من نخ (ج).

(٨) ـ زيادة من نخ (ب).

(٩) ـ نخ (ب) : الذوات.

(١٠) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

٢٤٥

إن صنعه [هو (١)] الصفة التي هي الوجود وتوابعه بطل إقرارهم بأن الباري سبحانه صانع للعالم ؛ لأن ذوات العالم هي العالم بإجماعهم ؛ فإذا (٢) لم يكن صانعا للذوات بمعنى أنه جعلها ذواتا فليس بصانع للعالم.

وإن قالوا : إنه صانع للذوات والصفات خرجوا من مذهبهم.

ويدل عليه : إجماعهم مع العترة على أن الذي يدل على كون الباري سبحانه عالما هو وجود فعله محكما ، والعلم بالإحكام فرع على العلم بالإيجاد ، فلو لم يكن سبحانه عالما فيما لم يزل بالإيجاد والإحكام ؛ لبطل كون الإحكام دليلا على كونه سبحانه عالما ، وللزم مع ذلك أن يقف صحة كونه عالما بالإحكام على وجود الإحكام ، ويقف وجود الإحكام على صحة كونه عالما به ، وذلك باطل.

ويدل عليه : أن القول بثبوت ذوات مقدورات الباري فيما لم يزل ، وأنه لا تأثير له في كونها ذواتا يؤدي إلى القول بتعجيزه عن خلق العالم ، والقول بأنه سبحانه لا يعلم الإيجاد فيما لم يزل يؤدي إلى القول بأنه سبحانه جاهل بتأثيره قبل أن يؤثر فيه ، وكل قول يؤدي إلى تعجيزه وتجهيله فهو ظاهر البطلان.

ويدل عليه : أن القول بأن الله سبحانه لا (٣) يعلم فيما لم يزل إلا ذات الموجود دون الوجود يؤدي إلى تكذيب أخبار الله سبحانه قبل أن يوجد آدم ـ عليه‌السلام ـ بأنه يوجده لأنه سبحانه أخبر عما سيكون ولم يخبر عن الذوات الثابتة في ما لم يزل ، وكل قول يؤدي إلى تكذيب الباري سبحانه فهو باطل.

ويدل عليه أن قولهم بأن الذوات المعدومة الثابتة بزعمهم فيما لم يزل [تخرج (٤)] إذا

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٢) ـ نخ (ب) : وإذا.

(٣) ـ نخ (ب ، ج) : لم.

(٤) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

٢٤٦

أوجدت من حالة العدم إلى حالة الوجود يوجب (١) كون العدم (٢) صفة كالوجود ، وذلك باطل بإجماعهم.

ويدل عليه : إجماعهم مع العترة على إنكار قول من زعم أن أعيان العالم قديمة ولا فرق بين ذلك وبين قولهم : إن ذوات العالم ثابتة فيما لم يزل.

بدليل : أنه ما من دليل يصح أن يستدل به [على] (٣) (أن أعيان العالم قديمة (٤)) إلا ويصح أن يستدل به على أن ذوات العالم ثابتة فيما لم يزل ، وأنه ما من دليل يصح أن يستدل به على بطلان قدم أعيان العالم إلا ويصح أن يستدل به على بطلان ثبوت ذوات العالم فيما لم يزل.

ويدل على بطلان قولهم : إن المؤثر في استمرار بقاء العالم هو داعي حكمة الباري سبحانه هو كون ذلك موجبا لتوهم ثبوت حكيم وحكمة ، وداعي حكمة ، وذلك تقسيم وتعديد وتحديد لا يجوز وصف الله سبحانه به ، ولا إضافته إليه.

ومما يشهد بصحة هذه الجملة من أقوال الأئمة مع ما تقدّم :

قول القاسم بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الدليل الكبير : (ولما ثبت اضطرارا بما لا مرية فيه ، وبما جميع العقول كلها مجمعة عليه أن لكل ما يرى أو يسمع أو يشم أو يذاق أو يلمس أو يتخيل فيتوهم ؛ مدبرا لا يخفى تدبيره ، ومؤثرا بينا لكل عقل (٥) تأثيره ، ثبت وجود خلاف المدبّر ؛ مدبّرا غير مدبّر ، ووجود خلاف المؤثر ؛ مؤثرا غير مؤثر).

وقوله في كتاب الرد على النصارى : (فكل ما سواه فخلق ابتدعه وابتداه ، فوجدنا لله خلقا بدءا بعد عدمه ، بريئا من مشاركة الله في قدرته وقدمه).

__________________

(١) ـ نخ (ب) : ويوجب.

(٢) ـ نخ (أ) : المعدوم.

(٣) ـ زيادة من نخ (ج).

(٤) ـ نخ (أ) : على بطلان قدم أن أعيان العالم قديمة.

(٥) ـ نخ (ب) : عاقل.

٢٤٧

وقوله في كتاب مسألة الملحد : (أما قولك ما دعاه فمحال ، وذلك أنه (١) لم يزل عالما بلا سهو ولا غفلة ، فقولك ما دعاه محال (٢) ؛ لأن الدعاء والتنبيه والتذكير إنما يحتاج إليها الغافل (٣) ؛ فأما الذي لا يجوز أن يغفل (٤) فمحال أن يدعوه شيء إلى شيء إذ لا غفلة هناك ولا سهو).

وقول الحسين بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرد على الملحدين : (لم يزل عالما بجميع فعله ، عالما بما سيريد كينونيته (٥)).

[ذكر الجوهر]

وأما الفصل الخامس : وهو [في] (٦) الكلام في الجوهر

فمذهب العترة : أن كل شيء يشغل الجهة ، ويحله العرض ؛ فهو جسم سواء كان مما يدرك لكثافته ، أو لا يدرك لقلته ، أو للطافته.

ومذهب من تقدم ذكره من المعتزلة : أن أقل ما يمكن أن ينقسم إليه الجسم جوهر وليس بجسم ، وأنه جزء لا يتجزأ ، وأنه يشغل الحيز ، ويحله العرض ؛ وأنه ليس له إلا جهة واحدة يحاذيها ما لاقاه [من الجواهر] (٧) ، وأن الجواهر إذا ائتلفت طولا فهي خط ، وإذا ائتلفت طولا وعرضا فهو سطح ، وإذا ائتلفت طولا وعرضا وعمقا فهي (٨) جسم.

والذي يدل على صحة ما ذهبت إليه العترة وبطلان أقوال المعتزلة : هو كون أقوال

__________________

(١) ـ في (ب) : لأنه.

(٢) ـ نخ (ج) : فمحال.

(٣) ـ نخ (أ) : العاقل.

(٤) ـ نخ (أ) : يعقل.

(٥) ـ نخ (ب ، ج) : كينونته.

(٦) ـ زيادة من نخ (ج).

(٧) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).

(٨) ـ نخ (ب ، ج) : فهو.

٢٤٨

المعتزلة في ذلك مبتدعة (١) في الدين ، [و (٢)] خارجة عن حد العقل ، ومتناقضة.

أما كونها مبتدعة في الدين فلأنه لم يرد بها تعبد ، ولا دل على صحتها من السمع دليل ، وكل مبتدع في الدين ليس له أصل في الكتاب والسنة ؛ فهو من جملة ما حكاه الله سبحانه بقوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) [النجم : ٢٣] ، (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨) [الأنعام].

وأما (٣) كونها خارجة عن حد العقل : فلأنه لا طريق لهم إلى معرفة الجوهر إلا التوهم ، لأقل ما يمكن أن ينقسم إليه الجسم ، والتوهم خارج عن حد العقل ؛ لأن عقول المكلفين من البشر تقصر عن معرفة أجسام الملائكة ـ عليهم‌السلام ـ وكثير مما خلق الله سبحانه ، فضلا عن معرفة أصغر جسم أو أكبره.

وأما كونها متناقضة : فذلك ظاهر في قولهم : إن الجوهر أقل الجسم ، وليس بجسم ، وكذلك قولهم : العرض يحل الجوهر وليس بجسم ؛ لأن حد ما يعلم به كون الجسم جسما [جواز] (٤) حلول العرض فيه ، ولذلك يجوز (٥) أن يقال كل شيء حله العرض فهو جسم ، ولأنه يستحيل في العقل والحس ثبوت طويل لا عرض ولا عمق له وإن قل.

وكذلك قولهم : الجوهر يشغل الحيز وليس بجسم ؛ لأن كل شيء يشغل الجهة فقد أحاطت الجهة بجوانبه ، وما كانت له جوانب فهو جسم.

وكذلك قولهم : ليس للجوهر إلا حد واحد وهو يشغل الحيز ؛ لأن ما يشغل الحيز فله

__________________

(١) ـ نخ (أ ، ج) : مبدعة.

(٢) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٣) ـ نخ (ب) : فأما.

(٤) ـ زيادة من نخ (ج).

(٥) ـ في (ب) : ولذلك صح.

٢٤٩

جوانب وإلا لم يعقل كونه شاغلا ، والذي ليس له إلا جانب واحد يكون مجاورا ، ولا يصح(١) كونه شاغلا.

وكذلك قولهم : الجواهر تأتلف طولا ينقض قولهم : ليس للجوهر إلا حد واحد ؛ لأن ائتلاف الجواهر طولا لا يعقل إلا إذا كان بعضها متوسطا ، وتوسط الجوهر لا يعقل إلا إذا كان بين جوهرين ، وكونه بينهما لا يعقل إلا إذا كان محادا لهما بحدين.

ولأنه إذا لم يكن للجوهر إلا حد واحد ؛ فإنه لا يصح أن يأتلف أكثر من جوهرين إذ لا سبيل لجوهر ثالث إلى مشاركتهما في حديهما ، ولا إلى أن يحادهما بغير ما قد تحادا به.

ومما يؤيد هذه [الجملة (٢)] من [أقوال الأئمة (٣)] مع ما تقدم :

قول الحسين بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب مهج الحكمة : (قد أنزل الله [سبحانه و (٤)] تبارك اسمه كتابا ، وأرسل رسولا ، وركب عقولا ، ولم يعلم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أحدا من أمته جسما ولا عرضا ، ولا جوهرا ولا جزءا لا يتجزأ ، وإني لأعلم من ذلك ما لم تعلموا ، وأفهم من خللهم ما لم تفهموا من ذلك قولهم : إن ثم جزء لا يتجزأ ، وإنه واحد [في نفسه (٥)] بزعمهم ، وهذا والحمد لله أفسد الفساد ، وأقبحه عند من يعقل من العباد ، ألا ترى أن هذا الجزء الذي هو عندهم واحد بنفسه لا يخلو من (٦) أن يكون لابثا ساكنا ، أو متحركا سائرا.

فإن كان لابثا : فهو شيئان ولبثه متعلق به وهو ثانيه ، وإن كان متحركا فحركته

__________________

(١) ـ في (ب) : ولا يكون شاغلا.

(٢) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ زيادة من نخ (ب).

(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٦) ـ في (ب) : إما أن.

٢٥٠

متعلّقة به وفيه ، وإذا (١) كان لا يوجد إلا على أحد الحالين ، الحركة والسكون ؛ فله فوق وتحت ، وتحت الشيء أبدا غير فوقه ، وفوقه غير تحته ؛ فهذان جزءان جسميان.

وأيضا فله يمين وشمال ؛ فقد صار [له] (٢) أربعة أجزاء لا شك في ذلك ولا امتراء ، وإذا (٣) كان له يمين وشمال ، فله خلف وأمام ؛ فقد صار ستة أجزاء لا شك في ذلك ولا امتراء ، وحصل بأبين البيان جسما ؛ فكيف يكون الستة جزءا واحدا ، وفي تناقض قولهم والحمد لله أكثر مما ذكرنا ، ولم يأت محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بشيء من هذه الترهات.

[ذكر كيفية فناء ذوات العالم]

وأما الفصل السادس : وهو [في] (٤) الكلام في كيفية فناء ذوات العالم

فمذهب العترة : أن (٥) الله سبحانه قادر على أن يفني من ذوات العالم ما شاء (٦) ، ويبقي ما شاء (٧) باختياره.

والفناء عندهم على ثلاثة أضرب : فالضرب الأول : فناء الأوقات وسائر الأعراض ، وفناؤها هو عدمها ، والعدم ليس بشيء فيتوهم ، أو يعبر عنه بغير ما يرجع إلى النفي والبطلان.

والضرب الثاني : فناء الحيوانات البشرية ، وهو التفريق بين أرواحها وأجسامها (٨)

__________________

(١) ـ نخ (ج) : وإن.

(٢) ـ زيادة من نخ (ج).

(٣) ـ نخ (ب) : وإن.

(٤) ـ زيادة من نخ (ج).

(٥) ـ نخ (ب) : على أن.

(٦) ـ نخ (ب) : ما يشاء.

(٧) ـ نخ (ب) : ما يشاء.

(٨) في (ب ، ج) : وأجسادها.

٢٥١

بالموت.

والضرب الثالث : فناء الجمادات النامية والجامدة ، وهو التفريق بين مجموعها بالبلاء أو بالإحراق ونحوه.

ومذهب من يقول بالجوهر من المعتزلة : أنه لا يصح فناء بعض الجواهر دون بعض ؛ بل يجب بزعمهم إذا أراد الله سبحانه فناءها (١) أن يوجد عرضا لا في محل مضادا لها ، فيفنيها دفعة [واحدة (٢)] ثم يفنى بعدها.

والذي يدل على صحة مذهب العترة وبطلان مذهب المعتزلة : هو كون مذهب المعتزلة في ذلك متضمنا لمحالات ظاهرة :

منها : كون أقوالهم [فيه (٣)] متكلفة ؛ غير معقولة ولا مسموعة ممن يجب قبول إخباره عن الغيب.

ومنها : أن قولهم بفناء الجواهر (٤) إن أرادوا به مجرد ذواتها التي زعموا أنها قبل وجودها جواهر ثابتة فيما لم يزل ؛ فذلك باطل عندهم خاصة ؛ لأنهم لا يجوزون خروجها عن كونها ذواتا فيما لم يزل ، ولا فيما (٥) لا يزال.

وإن أرادوا به الصفة المتجددة التي هي الوجود فوصفها بأنها نفيا باطل لأنها عندهم ليست بشيء ولا لا شيء.

ومنها : جعلهم لفناء الجواهر موجبا عن علة ، ومنعهم من أن يكون الله ـ سبحانه ـ قادرا على إفناء بعض الجواهر دون بعض ، وإنكارهم لفناء ما قد فني من ذوات الأمم

__________________

(١) ـ في (ب ، ج) : إفناءها.

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ نخ (ب) : الجوهر ، ونخ (ج) : إذا أرادوا به.

(٥) ـ في (ب) : وفيما.

٢٥٢

الخالية والأجسام البالية.

ومنها : جعلهم للفناء عرضا موجودا لا في محل ، وهو محال على ما تقدم.

ومنها : مضادتهم بين الجواهر (١) والعرض بغير دليل معقول ولا مسموع.

ومنها : إيجابهم لفناء الفناء لا لأمر.

ومما يشهد بصحة هذه الجملة ويؤيدها من الكتاب : قول الله سبحانه (٢) : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢٧) [الرحمن] ، وأشباه ذلك مما يتضمن معنى الإفناء في الآيات التي ذكر فيها سبحانه التتبير والتدمير ، والهلاك للأمم التي أخبر أنه نفى عنها البقاء ، ولا واسطة بين الفناء والبقاء.

ومن السنة : قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ((اتقوا الله حق تقاته ، واسعوا في مرضاته ، وأيقنوا من الدنيا بالفناء ، ومن الآخرة بالبقاء)).

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ((ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت (٣))).

ومن أقوال الأئمة : قول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ المحكي عنه في [كتاب (٤)] نهج البلاغة : (من كثرت نعم (٥) الله عليه ، كثرت حوائج الناس إليه ؛ فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء ، ومن لم يقم لله فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء) (٦).

وقول المرتضى لدين الله ـ عليه‌السلام ـ في جواب مسائل محمد بن إسحاق بن سوط الهمذاني : (وسألت عن قول الله سبحانه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها

__________________

(١) ـ نخ (ب) : الجوهر.

(٢) ـ نخ (ب ، ج) : تعالى.

(٣) ـ في (ب) : فأبقيت.

(٤) ـ زيادة من نخ (أ).

(٥) ـ في (ب) : نعمة.

(٦) ـ انظر نهج البلاغة خطبة رقم (٣٧١) (٤ / ٧١٠ ـ ٧١١).

٢٥٣

رَبِّي نَسْفاً) (١٠٥) [طه] ، فقلت : ما معنى النسف؟ والنسف فهو الإبادة لها والإفناء).

وقوله في جواب مسائل الطبريين : (وسألت عن قول الله سبحانه (١) : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٣١) [المؤمنون] ، فقلت : ما تأويل القرن؟ وذكرت أنه يقال عندكم [القرن (٢)] : ثمانون سنة ، والقرن : الخلف الذي يكون بعد الأول الفاني ، فأما ما يقال به من ثمانين سنة فليس ذلك بشيء ؛ لأنا قد رأينا قوما يزيدون على الثمانين في عصر واحد).

وقول الحسين بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب مهج الحكمة : (وسألت عن الفناء ما هو في نفسه؟ والفناء : يخرج على وجهين فناء الغيبوبة ، وفناء البطلان ، وسأبينهما لك إن شاء الله تعالى بأوضح (٣) البيان.

فأما فناء البطلان : فهو فناء الأعراض ، من ذلك زوال العافية والأمراض ، ومن ذلك بطلان السكون والحركات ، الذين هما حقيقة الساعات.

وأما فناء الغيبوبة : فهو عرض حادث في الجسم عند افتراقه ، وعند تفصله (٤) وانحراقه ، ألا ترى أنك لو ألقيت قطرة من دم في البحر لتفرقت ، ولما شوهدت بعد سقوطها ولا وجدت ، وهي موجودة في البحر ما برحت ، غير أنها غابت وافترقت ، وأما فناء العرض فليس بمعنى).

تم الكلام في الموضع الرابع.

__________________

(١) ـ نخ (ب) : تعالى.

(٢) ـ زيادة من نخ (ب).

(٣) ـ نخ (أ) : بواضح.

(٤) ـ في (ب) : نقصه.

٢٥٤

[ذكر جملة من أصول مغالط المعتزلة التي أوهموا أنها أدلة]

وأما الموضع الخامس :

[وهو (١)] في ذكر جملة من [أصول (٢)] مغالط المعتزلة التي أوهموا أنها أدلة

فجملة ما نحتاج إلى ذكره من أمثلتها ينقسم على عشرة فصول مما [قد (٣)] تقدم ذكره :

الأول : في أقوالهم في النظر.

والثاني : في ذكر جملة من الأسماء المترادفة التي اصطلحوا على الفرق بينها.

والثالث : في مشاركتهم بين الباري سبحانه وبين غيره.

والرابع : فيما أثبتوه من الصفات للباري سبحانه بطريقة (٤) القياس.

والخامس : في ذكر تحديدهم لذات الباري سبحانه وأوصافه بالحدود التي زعموا أنها مركبة من جنس يعم الباري وغيره عموم صفات الأجناس ، وفصل يخصه دون غيره بتخصيص (٥) صفات الأنواع.

والسادس : في ذكر جملة مما يستدلون به من القسم التي أوهموا أنها حاصرة.

والسابع : في ذكر فرقهم بين فوائد الصفات وترتيبهم لها.

والثامن : في استغلاطهم بالسؤال عن الفرق بين البياض والسواد.

والتاسع : في قولهم بتعلق القدرة والعلم.

والعاشر : في تسميتهم لبدعهم في الدين عدلا وتوحيدا.

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ب).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ).

(٣) ـ زيادة من نخ (أ).

(٤) ـ نخ (أ) : بطريق.

(٥) ـ نخ (ج) : تخصيص.

٢٥٥

[ذكر أقوالهم في النظر]

أما الفصل الأول : وهو في أقوالهم في النظر

فمن أمثلة مغالطهم فيها : إطلاقهم للقول بأن كل مكلف متعبد بنظره واستدلاله ، وبأن النظر على الوجه الصحيح سبب موجب للعلم ، وموضع الغلاط من ذلك ؛ في لبسهم لما يجب من النظر بما لا يجوز منه ، وبما يصح التفكر فيه بما لا يجوز التفكر فيه ، وبمن يجب عليه الرد والسؤال بمن يجب سؤاله والرد إليه.

وزبدة غرضهم في ذلك التوصل به إلى مخالفة نصوص الكتاب والسنة ، وإجماع العترة ، بآرائهم في الإمامة وغيرها ، وإلى أن يتفكروا في ذات الباري سبحانه وصفاته ، ونحو ذلك مما لا يجوز التفكر فيه.

فطريق (١) النجاة من مغالطهم كلها على الجملة ، التمسك بمحكم الكتاب والسنة ، والرد لكل مختلف فيه إلى أولي الأمر من أهلهما ، وفي ترك المعارضة والمكابرة ، والتعاطي والتجاوز للحدود.

ومما يؤيد هذه الجملة من أقوال الأئمة مع ما تقدم :

قول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في وصيته (٢) لابنه الحسن ـ عليه‌السلام ـ : (ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلف (٣) ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلاله ؛ فإن الكف عند حيرة الضلال ، خير من ركوب الأهوال).

.. إلى قوله : (واعلم ـ أي بني ـ أن أحب ما أنت آخذ به من وصيتي تقوى الله ، والاقتصار على ما افترض الله عليك ، والأخذ بما مضى عليه أولوك من آبائك ، والصالحون

__________________

(١) ـ في (ب ، ج) : وطريق.

(٢) ـ انظر نهج البلاغة خطبة رقم (٢٦٩) (٣ / ٥٢٦).

(٣) ـ نخ (ج) : فيما لا تكلف.

٢٥٦

من أهل بيتك ، فإنهم لم يدعوا أن نظروا (١) لأنفسهم كما أنت ناظر ، وفكروا كما أنت مفكر ، ثم ردهم ذلك إلى الأخذ بما عرفوا (٢) ، والإمساك عما لم يكلفوا).

.. إلى قوله : (واعلم أن أحدا لم ينبئ عن الله عزوجل كما أنبأ محمد [ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (٣)] فارض به رائدا ، وإلى النجاة قائدا).

وقوله في غيرها من خطبه المذكورة في كتاب نهج البلاغة : (والملائكة المقربون على كمال البنية ، وصفاء الجوهرية ، وتقادم الابتداء ، وسوابق المعارف بالمعنى ، ومقاربة النجوى ؛ من الخلق الأول ، والنور الأفضل ، وعلو المنازل والمقامات المعلومة ، والآلاء المحمودة ، لا يعلمون منه إلا ما علمهم (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] ، فكيف من هو [من (٤)] بعدهم في الحلية ، ودونهم في المعرفة).

وقول محمد بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب شرح دعائم الإيمان : ([و (٥)] الكتاب والسنة والعترة الطاهرة ، إمام أهل الخشية ، الذين يلجئون إليه عند كل شبهة وفتنة ، وبذلك جاء الخبر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنه قال : ((إنها ستكون فتنة)) قلت : (يا رسول الله ، فما المخرج منها لمن فتن؟) قال : ((كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ، وحكم ما بينكم ؛ فمن ابتغى الهدى في غيره ، أو سأل عنه (٦) غير أهله أضله الله)).

.. إلى قوله : (وأهل (٧) الخشية ، لا يجاوز (٨) علمهم الكتاب والسنة ، والأعلام القائمة ،

__________________

(١) ـ نخ (أ) : أن ينظروا.

(٢) ـ نخ (ب) : عرفوه.

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٥) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٦) ـ في (ب) : عند.

(٧) ـ نخ (ب ، ج) : فأهل.

٢٥٧

الداعية إلى الله [تعالى] (١) من العترة الذين لا يتكلفون من العلم ما لم يكلفوا ، ولا يتكلمون فيما كلفوا إلا في موضعه ، ولا يضعونه إلا في أهله).

[ذكر جملة من الأسماء المترادفة التي اصطلحوا على الفرق بينها]

وأما الفصل الثاني :

وهو [الكلام (٢)] في ذكر جملة من الأسماء المترادفة التي اصطلحوا على الفرق بينها

فمن أمثلتها : فرقهم بين ذات الشيء وعينه ، وبين القدم والأزل ، والوجود والثبوت ؛ في وصفهم لذوات (٣) العالم بأنها ثابتة فيما لم يزل ، ونفيهم لقدم أعيان العالم ووجودها فيما لم يزل.

وموضع الغلاط من ذلك في إثباتهم لمذهب متوسط بين مذهب العترة ومذهب الفلاسفة ؛ لأنهم لو لم يقولوا بثبوت ذوات العالم فيما لم يزل ؛ لكان ذلك دخولا في الجملة التي عابوها على العترة وهي قولهم : إنه لا شيء فيما لم يزل إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ ، ولو قالوا بقدمها لكان ذلك لحوقا بما أظهروا إنكاره من مذهب الفلاسفة ، وهو قولهم بقدم أعيان العالم ووجودها بالقوة فيما لم يزل.

وطريق النجاة من هذه المغلطة في الوقوف على حد العقل ، وعلى عرف أهل اللغة العربية في ذلك ، وهو أنه يجوز أن يعبر بالأزل بدلا عن القدم ، وبالوجود بدلا عن الثبوت ، وبالعين بدلا عن الذات ، وأنه لا يجوز أن يقال : إن الله [سبحانه (٤)] قديم غير أزلي ، ولا موجود غير ثابت ؛ بل هو كما قال أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : (دليله آياته ، ووجوده إثباته) وكل اسمين جاز أن يعبر بأحدهما بدلا عن الثاني فهما من الأسماء المترادفة على

__________________

(٨) ـ نخ (ب) : لا يتجاوز.

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ).

(٣) ـ نخ (ب ، ج) : لذات.

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

٢٥٨

مسمى واحد ، وفي ذلك دليل على أنه لا خلاف بين من قال بقدم أعيان العالم ، وبين من قال بثبوت ذواته فيما لم يزل ، إلا في اللفظ دون المعنى ، الذي أجمعوا فيه على مخالفة الموحدين المحقين (١).

ومنها : فرقهم بين الشيء والأمر في تسميتهم للصفات أمورا زائدة على الذات ، ومنعهم من تسميتها أشياء غير الذات (٢) ؛ لأنهم لو نفوا الصفات عن الباري سبحانه لدخلوا فيما عابوه من القنوع بالجمل ، ولو جعلوا صفات الباري سبحانه أشياء غير ذاته لدخلوا فيما أظهروا إنكاره على المشبهة ؛ فلذلك خالفوهم في العبارة ، وأجمعوا معهم على المعنى وهو إثبات كلهم للصفات الزائدة.

ومما يدل على بطلان فرقهم بين الشيء والأمر : قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ((أيها الناس إن الأشياء ثلاثة : أمر استبان رشده فاتبعوه ، وأمر استبان غيه فاجتنبوه ، وأمر اختلف عليكم فردوه إلى الله)) فانظر كيف عبر ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بالأمور بدلا عن الأشياء ، وهو ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مرسل بلسان قومه ليبين لهم.

ومنها : فرقهم بين المشاركة والمماثلة (٣) في وصفهم لله سبحانه بأنه مشارك في الذاتية غير مماثل فيها خلافا لما يعلم (٤) في الشاهد من عدم الفرق بين أن يقال : زيد مشارك لعمرو في الذاتية ، وبين أن يقال : هو مماثل له فيها ، وإنما فرقوا بينهما ؛ لأنهم لو قالوا بالمماثلة لصرحوا بالتشبيه ، ولو لم يقولوا بالمشاركة لم يمكنهم إثبات الصفات التي لأجل إثباتهم لها ادعوا أنهم لم يقنعوا بالجمل ، وقد تقدم من بيان بطلان القول بالمشاركة

__________________

(١) ـ نخ (ج) : المحققين.

(٢) ـ نخ (ج) : الذوات.

(٣) ـ نخ (ب) : بين المماثلة والمشاركة.

(٤) ـ في (ب) : لما علم.

٢٥٩

وأشباهها من البدع ما يدل على أن التوحيد دين مستقيم ، وتعبد مستمر لا تجوز الزيادة فيه ، ولا النقصان منه ، ولا التجاوز بالنظر فيه لحد المسموع منه ؛ لأن الله سبحانه أعلم بنفسه ، وهو المعلم لعباده ما لم يكونوا يعلمون.

[ذكر مشاركتهم بين الباري سبحانه وغيره]

وأما الفصل الثالث : وهو في ذكر مشاركتهم بين الباري سبحانه وغيره

فموضع الغلاط منها على الجملة في جعلهم لها مقدمة يتوصلون بها إلى إثبات دعواهم أن (١) الباري سبحانه لا يخالف ما خالفه إلا بأمر زائد على ذاته ، وإلى قياسهم له سبحانه على غيره ، وإلى تحديدهم له بالحد المركب من جنس وفصل ؛ لأن من شرط المماثلة والمخالفة في الشاهد بين الأجسام ؛ أن تكون بصفات زائدة على كونها ذواتا (٢) بزعمهم.

ومن شرط صحة القياس ؛ أن يشترك المقيس والمقيس عليه في علة توجب اشتراكهما في حكمهما ، ومن شرط صحة الحد المركب من جنس وفصل أن يوصف المحدود في أول الحد بما يعمه وغيره ؛ ليكون جنسا جامعا ، وأن يوصف [في (٣)] آخره بما يفصله عن غيره من أنواع ذلك الجنس ؛ فلو لم يقولوا بالمشاركة لم يمكنهم قياس الباري سبحانه ولا تحديده ، فإذا بطل القول بالمشاركة بطل جميع ما بنوه عليها وفرعوه منها.

ولذلك (٤) يحسن التكرار والمبالغة في بيان بطلانها ، ولو لم يدل على بطلانها إلا كونها مؤدية إلى إثبات أمور متوسطة بين النفي والإثبات لكان في ذلك كفاية ؛ لأن كل ما أدى إلى المحال فهو محال بإجماع كل عاقل.

__________________

(١) ـ نخ (ج) : إلى أن.

(٢) ـ نخ (أ) : ذاتا.

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ نخ (ج) : فلذلك.

٢٦٠