مجموع السيّد حميدان

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي

مجموع السيّد حميدان

المؤلف:

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي


المحقق: أحمد أحسن علي الحمزي و هادي حسن هادي الحمزي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مركز أهل البيت (ع) للدراسات الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

من خالفهم في ذلك من علماء العامة ؛ فإن وضعهم للخلاف الذي سموه علما تكلف منهم وتعاط يدل على أنهم قصدوا به الفساد وإن أظهروا أنهم قصدوا به الصلاح.

ومما يؤيد ذلك : قول القاسم بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرد على ابن المقفع (١) بعد ذكره لما اشتبه على أهل القول بالظلمة والنور لأجل اغترارهم بعلماء العامة وتركهم لطلب العلم من أهله ؛ فلما عموا عن حكمة الله في ذلك ورسله ، وما حكم به سبحانه من أحكام عدله.

.. إلى قوله : ولم يلقوا فيما اشتبه عليهم منه من جعلهم الله معدنه فيكشفوا لهم الأغطية عن (٢) محكم نوره ، ويظهروا لهم الأخفية من مشتبه أموره ، الذين جعلهم الله الأمناء عليها ، ومنّ عليهم بأن جعلهم الأئمة فيها ، ولم يجدوا عند علماء هذه العامة فيما اشتبه عليهم منه شفاء ، ولم يرجوا منهم في مسألة لو كانت لهم عنه (٣) اكتفاء ، ازدادوا بذلك إلى حيرتهم فيه حيرة ، ولم تفدهم أقوال العلماء فيه بصيرة).

[الفرق الثالث : اختلاف علومهم فيما طريق معرفته النظر والاستدلال]

والفرق الثالث : باختلاف علومهم فيما طريق معرفته النظر والاستدلال ، وذلك لأن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ مخصوصون من زكاء العقل ، وذكاء الفطنة ، وخصائص التوفيق ، ومواد التأييد ، بحسب ما خصوا به من التكليف بالقيام مقام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في هداية العباد ، إلى طريق الرشاد ، وحفظ علوم الدين ، عن تلبيسات (٤) الملحدين ، وتحريفات المعاندين ، بخلاف مخالفيهم من علماء العامة فإنهم لأجل

__________________

(١) ـ ابن المقفع : اسمه روزبه ، كنيته أبو عمرو ، زنديق مرتد ، ضربه الحجاج حتى تفقئ جسده ، تسمى بعبد الله ، وكان مقربا إلى الحجاج.

(٢) ـ نخ (ب) : من.

(٣) ـ نخ (أ) : عند.

(٤) ـ في (ب) : تلبيس.

٢٠١

مخالفتهم لأئمتهم (١) ، وسلوكهم لغير طريقهم ، من جملة الضالين (٢) المتحيرين (٣) ، السالكين لغير سبيل المؤمنين ، الذين جمعوا بين اسم العقل ومعنى الجهل ، وخاضوا بالوهم فيما وراء حد العقل.

ومما يؤيد ذلك : قول زيد بن علي ـ عليه‌السلام ـ في رسالته إلى علماء الأمصار : (فنحن أعلم الأمة بالله ، وأوعى الخلق للحكمة ، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل ـ عليه‌السلام ـ ، ومن عندنا اقتبس الخير ؛ فمن علم خيرا فمنا اقتبسه ، ومن قال خيرا فنحن أصله ، ونحن أهل المعروف ، ونحن الناهون عن المنكر ، ونحن الحافظون لحدود الله).

وقول الحسين بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب التوفيق والتسديد : (وسألت عن العقول هل هي مستوية أم بينها اختلاف؟ .. إلى قوله : فأفضل (٤) العقول عقول الملائكة الأكرمين ، ثم عقول الأنبياء أكمل من عقول الأوصياء ، ثم الأوصياء أكمل من الأئمة في العقول ، وأفضل في الاعتقاد والقول ، ثم للسابقين (٥) من الفضيلة على المقتصدين ؛ كمثل فضيلة (٦) الأنبياء على الوصيين ، وللأئمة المقتصدين من الفضل ما لا يكون لفضلاء المؤمنين ، وأفضل الناس كلهم فضلا ، وأكملهم دينا وعقلا ، محمد خاتم النبيين ـ صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ـ).

وقوله في كتاب نبأ الحكمة : (وجميع العقول مفتقرة إلى عقول الأئمة ـ عليهم‌السلام

__________________

(١) ـ نخ (ج) : الأئمة.

(٢) ـ نخ (أ ، ب) : الظالمين.

(٣) ـ في (ب) : المتجبرين.

(٤) ـ نخ (ب) : وأفضل.

(٥) ـ نخ (أ) : السابقين.

(٦) ـ في (ب) : فضل.

٢٠٢

ـ ، ولو لا ذلك لما احتاج أحد إلى إمام ، ولسقط فرض الإمامة (١) عن (٢) جميع الأنام).

[الفرق الرابع : باختلاف تأويلهم للكتاب]

والفرق الرابع : باختلاف تأويلهم للكتاب ، وذلك لأن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ هم أهل الكتاب ، ولا معنى (٣) لكونهم أهلا له إلا كونهم ورثة لعلمه ، وأنهم أعلم الأمة بمحكمه ومتشابهه ، ومجمله ومبينه ، وخاصه وعامه ، وأمره ونهيه ، وناسخه ومنسوخه ، وإيجابه وحظره ، وإباحته وزجره وندبه ، ومقدمه ومؤخره ، ومجموعه ومفصله ، وصريحه وكنايته ، وقصصه وأمثاله ، ونحو ذلك مما لا يجوز [لأحد] (٤) تأويله إلا بعد معرفته ومعرفة كون (٥) محكمه أصلا لتأويل ما عداه ، وكل مخالف لهم في ذلك من علماء العامة فإنه مخالف للمحكم ومتعلق بالمتشابه ونحوه مما يوافق هوى نفسه ، وآراء (٦) شيوخه.

[أقوال الأئمة في أنهم أهل التأويل]

ومما يؤيد ذلك : قول القاسم بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرد على ابن المقفع : (وكلما ذكره الله في السور فله وجوه متصرفة يعرفها من عرفه الله إياها .. إلى قوله : فليسأل عنها ، وليطلب ما خفي عليه منها ، عند ورثة الكتاب ، الذين جعلهم الله معدن ما خفي فيه من الأسباب ؛ فإنه يقول سبحانه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢) [فاطر] ، ولتكن مسألته منهم للسابقين بالخيرات ؛ فإن أولئك

__________________

(١) ـ نخ (أ ، ب) : الإمام.

(٢) ـ نخ (ب) : على.

(٣) ـ في (ب) : ولا معنى كونهم.

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).

(٥) ـ في (ب) : كونه محكما.

(٦) ـ نخ (ب) : ورأي.

٢٠٣

أمناء الله على سرائر (١) الخفيات ، من منزل وحي كتابه ، وما فيه من خفي عجائبه ؛ فقد سمعت قول الله سبحانه : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) [النحل].

وجواب المرتضى لدين الله محمد بن يحيى ـ عليه‌السلام ـ لمن سأله عن الفرق بين [تفسير] (٢) الأئمة والعامة الذي منه قوله : (وفي الحديث الذي ترويه العامة ما لا تقوم به حجة ، ولا تتضح به بينة ، ولا يشهد له كتاب ولا سنة ، وكلما قلنا به ، وأجبنا عليه ، فشاهده في كتاب الله عزوجل وفي السنة المجمع عليها عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أو حجة من العقل يصدقها الكتاب ؛ فكل ما كان من هذا فهو أصح (٣) مطلوب ، وأنور حجة في القلوب ، وليس يجوز تفسيره إلا لأهله ، الذين خصهم الله بعلمه ، من أهل بيت نبيئه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ).

[الفرق الخامس : باختلاف علومهم في أصول الفقه وفروعه]

والفرق الخامس : باختلاف (٤) علومهم في أصول الفقه وفروعه ، وذلك لأن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ جعلوا محكم الكتاب وموافقه من السنة وقضايا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أصولا يفرعون عنها الأحكام ، ويحفظونها عن تحريف علماء العوام ، الذين عدلوا عن كثير من النصوص ، وعن الاقتداء بأمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ إلى القول بالرأي والاقتداء بالشيوخ.

ومما يؤيد ذلك : ما حكي (٥) في [كتاب (٦)] نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ من وصفه للمحقّ من العترة ، وذمه لمن يخالفه من العامة بقوله الذي منه :

__________________

(١) ـ نخ (ج) : سائر الخفيات.

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).

(٣) ـ في (ب) : أوضح.

(٤) ـ في (ب) : اختلاف.

(٥) ـ في (ب) : ذكر.

(٦) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

٢٠٤

(يعطف الهوى على الهدى ، إذا عطفوا الهدى على الهوى ، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي).

وقول جعفر بن محمد الصادق ـ عليه‌السلام ـ الذي روي أنه قال لأبي حنيفة ـ وقيل اسمه النعمان بن ثابت لما قدم من العراق إلى المدينة ـ الذي منه : (اتق الله ولا تقس الدين (١) فإن أول من قاس إبليس إذ أمره الله بالسجود لآدم ، فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١٢) [الأعراف].

ثم قال (٢) : ويحك أيهما أعظم (٣) عند الله عزوجل قتل النفس التي حرم الله أم الزنا؟ قال : [لا] (٤) ، بل قتل النفس ، قال : فإن الله تعالى قد رضي وقبل في قتل النفس شاهدين ، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة ؛ فكيف يقوم لك قياس.

ثم قال : أيهما أعظم عند الله عزوجل الصلاة أم الصوم (٥)؟ قال : بل الصلاة ، قال : فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ اتق الله يا عبد الله ولا تقس فإنا نقف نحن غدا وأنت (٦) ومن خالفنا بين يدي الله عزوجل ، فنقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال الله عز وتعالى (٧) ، وتقول أنت وأصحابك : سمعنا ورأينا ، فيفعل بنا وبكم ما يشاء).

[الفرق السادس : باختلاف علومهم على الجملة في الصحة والبيان]

__________________

(١) ـ في (ب) : ولا تقس الأمور برأيك ، وفي (ج) : ولا تقس الدين برأيك.

(٢) ـ نخ (أ ، ج) : إلى قوله.

(٣) ـ في (ب) : المعظم.

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).

(٥) ـ نخ (ب) : الصوم أم الصلاة.

(٦) ـ نخ (ب ، ج) : نحن وأنت غدا.

(٧) ـ في (ب) : عزوجل.

٢٠٥

والفرق السادس : باختلاف (١) علومهم على الجملة في الصحة والبيان ، وذلك لأن علوم الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ، مبنية على أصول صحيحة معلومة ، وموضوعة بألفاظ فصيحة مفهومة ، سلكوا فيها (٢) طريقة العرب في الخطاب بالمجاز ، واقتدوا بألفاظ الكتاب والسنة في السجع والإيجاز ، وليس كذلك أكثر علوم مخالفيهم من علماء العامة ؛ فإنها مبنية على أصول أكثرها مجهولة ومختلفة وموضوعة ، بألفاظ أكثرها متكلفة ومزخرفة ، سلكوا بها طريقة الفلاسفة ، في استعمال (٣) الموضوعات المنطقية ، والتأصيل للمقدمات المغلطة الاصطلاحية ، والتفريع عنها بالقياسات المبدعة الوهمية ، التي تميل إلى سماعها النفوس ، وتنفر عن مغالطها العقول.

ومما ينبه على معرفة الفرق بين الأئمة والعامة من الكتاب قول الله سبحانه : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥) [يونس].

ذكر الحاكم [رحمه‌الله (٤)] في كتاب تنبيه الغافلين : أن المراد بالهادي في هذه الآية أمير المؤمنين [ـ عليه‌السلام ـ (٥)] واحتج بقول الله سبحانه : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧) [الرعد] ، وبأخبار رواها في معنى ذلك ، وقد ذكر الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ أن هذه الآية تدل على أن لكل قوم في عصر هاديا من العترة ـ عليهم‌السلام ـ.

[الفرق السابع : بقلة ألفاظ علوم الأئمة مع البيان وكثرة ألفاظ مخالفيهم مع الالتباس]

__________________

(١) ـ في (ب) : اختلاف.

(٢) ـ نخ (أ ، ج) : بها.

(٣) ـ في (ب) : استعمالات.

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٥) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

٢٠٦

والفرق السابع : بقلة ألفاظ علوم الأئمة مع البيان ، وكثرة ألفاظ [علوم (١)] مخالفيهم من العامة مع الالتباس ، وذلك لأن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ اكتفوا بما قد أغناهم الله [سبحانه (٢)] به ، عن تكلف غيره ، وهو العلم الذي كان كافيا لأهل عصر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولم يزيدوا عليه إلا ما تدعو الحاجة إلى تبيينه نحو حل شبهة ، أو تبيين مجمل (٣) ، أو تفريع حكم ، أو حكاية ما يريدون إبطاله من أقوال المخالفين ، وليس كذلك علوم أكثر مخالفيهم من علماء العامة ؛ فإنهم كثروها بشروح يقل عن الإحاطة بكلها العمر ، وتضل في طريق مغالطها الفكر ، وطولوها بحكاياتهم لكثير من الأقوال المتعارضة ، التي لا فائدة في ذكرها ، من غير تبيين للفرق بينها ، إلا توصلهم إلى من خافوه ، أو أحبوه بما يوافقه منها ، أو (٤) إيهامهم أن لمن حكاها ، فضلا في العلم على من لم يحك مثلها.

والفرق بين علوم الأئمة وعلوم العامة في ذلك جلي ، لو لا تلبيس من ينظر في كتب الأئمة بعين الاستزراء ، ويعبر عنها بلسان الاستهزاء ، ليتوصل بالتشكيك في علوم الأئمة ، إلى الترغيب في علوم العامة.

[الفرق الثامن : باختلافهم في الايتلاف]

والفرق الثامن : باختلافهم في الايتلاف ، وذلك لأن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ فرقة واحدة لأجل تمسكهم بالكتاب وكل واحد منهم متبع لسبيل من قبله من الأئمة ، وحاذ حذوهم ، ومبين لما اختلف فيه من أقوالهم وسيرهم ، ولما حرف من كلامهم ، أو زيد عليه أو نقص منه ، ومنكر على من خالفهم أو خالف بينهم ، بخلاف علماء العامة ؛ فإنهم فرق ولكل فرقة منهم مذهب يعتزون إليه ، وشيخ يعتمدون فيه عليه.

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ نخ (ج) : جملة.

(٤) ـ نخ (ب) : وإيهامهم.

٢٠٧

ومما يؤيد ذلك : قول أمير المؤمنين [ـ عليه‌السلام ـ (١)] المحكي عنه في نهج البلاغة (٢) الذي [منه قوله (٣)] في ذم المختلفين : (أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا له شركاء ، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله دينا تاما فقصر الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن تبليغه وأدائه؟).

وكذلك ما حكاه الناصر للحق الحسن بن علي ـ عليه‌السلام ـ ، ـ فيما رواه عنه مصنف المسفر ـ من اختلاف كثير من شيوخ المعتزلة في علوم الدين حتى تبرأ بعضهم من بعض لأجل ذلك.

[ذكر جملة مما يكشف عن أسرار المتشيعين]

وأما الفصل العاشر

وهو في ذكر جملة مما يكشف عن أسرار المتشيعين

فلأن من صفة شيعي العترة عندهم : أن يكون متبعا لسبيلهم في الدين قولا وعملا واعتقادا لا [يخالفهم (٤)] ولا يخالف بينهم ، ولا يوالي من خالفهم ، ولا ينكر كون إجماع العترة حجة لازمة ، ولا كون التمسك بهم واجبا.

وبيان ذلك بطريقة التقسيم والإلزام يقع في ثلاث مسائل مما أجمعت عليه العترة كافية في التنبيه على ما عداها :

الأولى : إجماعهم على أن معرفة مسائل الإمامة من أصول الدين المفروضة المعينة التي

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٢) ـ انظر نهج البلاغة خطبة رقم (١٨) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا (١ / ٧٥).

(٣) ـ زيادة من نخ (أ).

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

٢٠٨

يستحق [كل] (١) من أخل بها الذم والعقاب.

والثانية : إجماعهم على أن كل مدع للإمامة لا يخلو إما أن يكون إمام هدى أو إمام ضلال.

والثالثة : إجماعهم على أن الإمام السابق قائم في أهل عصره مقام رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فيما يجب له عليهم من الطاعة والتسليم ، ويجب لهم عليه من الحياطة والتعظيم.

[الإجماع على أن معرفة مسائل الإمامة من أصول الدين المفروضة]

أما إجماعهم في المسألة الأولى على أن معرفة مسائل الإمامة ، واعتقاد صحتها من الفروض المعينة ؛ فمدعي التشيع لا يخلو إما أن يقر بما أجمعوا عليه ويعترف بصحته ، أو لا.

فإن أنكر ذلك أو تأوله ، فليس بشيعي ، وإن اعترف بصحة ذلك لزمه أن يعتقد أن كل من خالف في وجوب تقديم علي ـ عليه‌السلام ـ مستحق للذم والعقاب سواء كان صحابيا أو معتزليا (٢) أو غيرهما لعدم المخصص لمخلّ بفرض دون غيره ؛ فإن اعترض على ذلك بتوقف من توقف من العترة في معصية الشيخين هل هي صغيرة أم كبيرة؟

فالجواب : أن التوقف ليس بمذهب يجب سلوكه ؛ لأن المتوقف في ذلك منهم لا يخلو إما أن يكون مشكا أو متاقيا أو متألفا.

فإن كان مشكا فهو منتظر للدليل ومجوز لحصوله ، إما له وإما لغيره ، وإن كان متاقيا أو متألفا فهو منتظر للنصر والفرج.

ولأن المتوقف في ذلك من العترة لا يتوقف عن وصف فعل الشيخين بأنه ظلم ومعصية على الجملة ، وإن توقف عن سبهما ، ولأنه لا يتوقف عن وصف النبي ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ج).

(٢) ـ نخ (ب) : أم.

٢٠٩

وآله وسلّم ـ بأنه قد بين لأصحابه (١) ما أمره الله بتبليغه إليهم ، ولأنه لا يتوقف عن تفسيق من فعل مثل فعلهما مع من هو دون علي ـ عليه‌السلام ـ في الفضل من سائر من بعده من الأئمة ، ولأنه لا يوجب التوقف على غيره ولا يبطل عدالة من لم يتوقف من أئمة العترة.

ومما يؤيد ذلك من أقوال الأئمة [مع (٢)] ما تقدم ذكر بعضه :

قول الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (٣) ـ عليه‌السلام ـ في جوابه لأهل صنعاء :

__________________

(١) ـ نخ (ج) : للصحابة.

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، ولد بالمدينة المطهرة سنة خمس وأربعين ومائتين ، وقد ذكر الإمام قصة حمله إلى جده القاسم ، وكان ـ عليه‌السلام ـ أسديا ، أنجل العينين ، غليظ الساعدين ، بعيد ما بين المنكبين والصدر ، خفيف الساقين والعجز وكان قيامه ـ عليه‌السلام ـ سنة ثمانين ومائتين وكانت له خرجتان إلى اليمن ، الخرجة الأولى في عام قيامه ، والخرجة الثانية في عام أربعة وثمانين ومائتين ؛ لأنه عاد في الخرجة الأولى ؛ لأنه شاهد من بعض الجند أخذ شيء يسير من أموال الناس ، فلما عاد نزل بأهل اليمن الفتن والشدائد ، ثم عاودوا في الطلب وتضرعوا إليه فساعدهم إلى ذلك ، وكان له مع القرامطة نيف وسبعون وقعة كانت له اليد فيها كلها وخطب له بمكة سبع سنين ، ووردت فيه آثار نبوية وأخبار علوية تدل على فضله :

منها : قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وقد أشار بيده إلى اليمن : ((سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة اسمه يحيى الهادي يحيي الله به الدين)) ، وقد شهد المؤالف والمخالف بفضله ، وأجمع جميع العترة على إمامته ونهايته في الفضل والعلم ، كيف لا وقد يسر الله له علم الجفر ، وكان له من الشجاعة وقوة القلب ما يقهر به الأبطال ويصد به الشجعان ، وقد كان معه سيف أمير المؤمنين ذو الفقار ، وظهرت بركته باليمن ، وأحيا الفرائض والسنن ، وأقام عمود الدين وزلزل عروش الظالمين ، وأباد الطغاة والمشركين ، وفتح صعدة ونجران وخيوان وصنعاء وذمار وحيسان وبعث عماله إلى عدن ودوخ ملوك اليمن ، وطرد الجنود العباسية من صنعاء ومخاليف اليمن ، ونزل إلى تهامة ، وكان عابدا زاهدا يحيي الليل ـ

٢١٠

(ولا أسب إلا من نقض العهد والعزيمة ، وفي كل وقت له هزيمة ، من الذين بالنفاق تفردوا ، وعلى الرسول مرة بعد أخرى تمردوا ، وعلى أهل بيته اجتروا وطعنوا).

وقول الإمام المنصور بالله ـ عليه‌السلام ـ في شرح الرسالة الناصحة : (ولا أتم رئاسة ، ولا أعظم نفاسة ، مما حكم الله سبحانه [به (١)] لآبائنا ـ عليهم‌السلام ـ ، وأورثنا إياه إلى يوم نشر العظام ، من ولاية خاص خلقه والعام ، وإلحاق الكفر والفسق بمن أنكر حقنا في ذلك من جميع الأنام).

وقوله في الشافي : (اعلم أن كافة أهل البيت الطاهرين ـ عليهم‌السلام ـ ذرية (٢) خاتم النبيين ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ـ يدينون ويعتقدون أنه لا نجاة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا بخلوص ولايتهم فيهم ؛ لأن الله تعالى أوجب محبتهم على جميع المكلفين وهم منهم).

وقوله في بعض أجوبته الموجودة بخطه في ذكر توقف من توقف من العترة : (وأكثر ما نقل وصح عن السلف فهو (٤) ما قلنا على تلفيق واجتهاد وإن كان الطعن والسب من بعض الجارودية ظاهرا).

[الإجماع على أن مدّع الإمامة إما إمام هدى أو ضلال]

__________________

ـ بالصلاة والعبادة ، وتوفي ـ عليه‌السلام ـ شهيدا وهو في ثلاث وخمسين سنة ليلة الأحد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين ، ودفن يوم الاثنين في قبره الشريف المقابل لمحراب جامعه الذي أسسه بصعدة.

انظر الشافي ١ / ٣٠٣ ، التحف شرح الزلف للإمام الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى ١٦٧ ، الحدائق الوردية ـ خ ـ ، اللآلي المضيئة ـ خ ـ ، الزحيف ـ خ ـ ، تتمة المصابيح لعلي بن بلال.

(١) ـ زيادة من نخ (ب).

(٢) ـ نخ (ب) : وذرية.

(٣) ـ نخ (ب) : صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

(٤) ـ في (ب ، ج) : هو.

٢١١

وأما إجماع العترة في المسألة الثانية ، [على (١)] أن كل مدع [للإمامة] (٢) لا يخلو إما أن يكون إمام هدى أو إمام ضلال.

فمدعي التشيع لا يخلو إما أن يلتزم ذلك لكون هذه القسمة دائرة بين النفي والإثبات ، أو لا يلتزم ؛ فإن لم يلتزم فليس بشيعي ، وإن التزمه لزمه أن يدين الله تعالى بأن المشايخ أئمة ضلال (٣) ، وأن كل متبع لهم ضال ؛ لأن الحق إذا تعين مع علي ـ عليه‌السلام ـ لزم أن يكون الضلال مع مخالفته (٤) لقول الله سبحانه : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [يونس : ٣٢].

فإن ادعى بعض المتشيعين أو تأول بأن (٥) المشايخ لم يعلموا ما أراد الله تعالى بقوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية [المائدة : ٥٥] ، و [لا (٦)] ما أراد النبي بقوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) وقوله : ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وأبوهما خير منهما)) ونحو ذلك من الآيات والأخبار ، لزمه أن يكون باهتا لهم بما لم يدعوه ، ولا ادعاه لهم أحد من أتباعهم ؛ لأنهم لا يسلمون أنهم يجهلون خطاب الله [تعالى (٧)] وخطاب رسوله مع كونهم من صميم العرب الذي نزل القرآن بلسانهم ، ولا يسلمون أنهم يجهلون ما هو من أهم أصول الدين وفروضه مع كونهم من أفاضل الصحابة.

ومن المعلوم عقلا وشرعا أن المعصية تعظم على قدر عظم معرفة من أقدم عليها بما

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ نخ (ب) : الضلال.

(٤) ـ في (ب ، ج) : مخالفيه.

(٥) ـ في (ب ، ج) : أن.

(٦) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٧) ـ زيادة من نخ (ب).

٢١٢

يجب له وعليه ، ولا يجتمع لمنصف من المتشيعين أن يعتقد أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قد بين للمشايخ ما أمره الله بتبليغه إليهم ، وأن يعتقد أن المشايخ لم يفهموا بيانه وتقديمه (١) لعلي ـ عليه‌السلام ـ قولا وفعلا مع ما في ذلك من إبطال حجة التبليغ والبيان ، وإثبات (٢) حجة أهل الرفض والعصيان.

ومما يؤيد ذلك : قول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في خطبته المعروفة بالموضحة ذات البيان : (إنا أهل البيت قوم شيد الله فوق بناء قريش بناءنا ، وأعلى فوق رءوسهم رءوسنا ، اختارنا دونهم ، واصطفانا عليهم بعلمه ؛ فنقموا على الله أن اختارنا ، فسخطوا (٣) ما رضيه ، وأحبوا ما كرهه).

وقوله فيما حكي عنه في كتاب نهج البلاغة (٤) : (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا).

وقوله فيه : (حتى إذا مضى الأول لسبيله أدلى بها إلى غيري بعده ؛ فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها (٥) لآخر بعد وفاته) وأشباه ذلك مما تقدم ذكر بعضه.

[الإجماع على أن الإمام السابق قائم مقام النبي]

وأما إجماع العترة في المسألة الثالثة : على أن الإمام السابق قائم مقام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما يجب له وعليه ؛ فإنما (٦) أجمعوا على ذلك لأجل أن الله سبحانه لم يفرق بين وجوب طاعته وطاعة رسوله ، وطاعة أولي الأمر ، وأن النبي ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) ـ نخ (ب) : وتقديم.

(٢) ـ نخ (ج) : واتباع.

(٣) ـ في (ب) : وسخطوا.

(٤) ـ انظر نهج البلاغة خطبة رقم (٣) وهي المعروفة بالشقشقية (١ / ٥٠) وهي بلفظ : (أما والله لقد تقمصها فلان) وأما في نسخة شرح البلاغة فهي على ما ذكر في الأصل.

(٥) ـ في (ب) : إذ أدلى ، وفي نخ (ج) : إذ عقد بها لآخر.

(٦) ـ نخ (ب) : وإنما.

٢١٣

وآله وسلّم ـ أوجب للأئمة من بعده مثل الذي يجب له في (١) قوله : ((قدموهم ولا تقدّموهم ، وتعلموا منهم ولا تعلموهم ، ولا تخالفوهم فتضلوا ، ولا تشتموهم فتكفروا)) ونحو ذلك من الآيات والأخبار.

[وإذا ثبت ذلك (٢)] فمدعي التشيع لا يخلو إما أن يلتزمه أو لا يلتزمه ؛ فإن (٣) لم يلتزمه فليس بشيعي ، وإن التزمه لزمه أن يعتقد أنه لا فرق في استحقاق الذم والعقاب بين من خالف النبي [ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (٤)] و [بين] (٥) من خالف الإمام السابق ، وأنه كما لا يجوز لمسلم أن يتوصل بنظره واستدلاله إلى مخالفة النبي لكونه متعديا (٦) بنظره واستدلاله ، فكذلك لا يجوز [له (٧)] أن يتوصل بنظره واستدلاله إلى مخالفة الإمام ، وكما لا يجوز له معارضة النبي في التنزيل ؛ فكذلك لا يجوز له معارضة الإمام في التأويل ، وكما لا ينفع مؤمنا إيمانه بجميع الأنبياء مع جحده لواحد منهم [فكذلك (٨)] لا ينفعه مع رفضه لإمام واحد ، وكما لا يجوز لأحد إنكار [فضل (٩)] النبي وكونه حجة لأجل كونه من جملة البشر المتعبدين ، فكذلك لا يجوز إنكار فضل الإمام وكونه حجة لأجل كونه من جملة البشر المتعبدين (١٠).

__________________

(١) ـ في (ب) : من.

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ نخ (ب) : إن.

(٤) ـ زيادة من نخ (ب).

(٥) ـ زيادة من نخ (ج).

(٦) ـ نخ (أ) : متعبدا.

(٧) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٨) زيادة من نخ (ب) ، وفي نخ (ج) : كذلك.

(٩) زيادة من نخ (أ ، ج).

(١٠) ـ نخ (أ) : لكونه من آحاد وكونه من جملة آحاد البشر المتعبدين.

٢١٤

وكما لا يصح ولا ينفع الإقرار بصحة نبوة النبي [ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (١)] مع اعتزاله أو موالاة من اعتزله ؛ فكذلك لا يصح ولا ينفع الإقرار بصحة إمامة الإمام مع اعتزاله أو موالاة من اعتزله.

ومما يؤيد ذلك (٢) من أقوال الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ :

قول محمد بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الشرح والتبيين : (ورأس النجاة لكم ، فيما اشتبه عليكم [من دينكم (٣)] ، أن لا يقبل بعضكم قول بعض ، ولكن ليرجع وليسأل فيما اشتبه عليه من جعله الله معدنه وموضعه من أهل الذكر ، قال الله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) [النحل] ، فافهموا يرحمكم الله هذا.

ثم افهموا ؛ فأنتم وجميع من له دين وورع ممن يتشيع لا ينبغي أن يسأل بعضكم بعضا ، وإنما ينبغي أن تسألوا من يعلم من آل نبيكم ، من هو عالم [حجة (٤)] منهم ، يفهم ما يحل وما جعله الله محرما ، ولا يتخذ بعضكم بعضا أربابا من دون الله).

وقول الناصر للحق الحسن بن علي ـ عليهما‌السلام ـ في شعره المحكي [عنه (٥)] في المسفر ، و [في (٦)] الشافي :

لا تبتغوا غير آل المصطفى علما

لهديكم فهم خير الورى آل

آل النبي وعنه إرث علمهم

القائمون بنصح الخلق لم يألوا (٧)

وقولهم مسند عن قول جدهم

عن جبرئيل عن الباري إذا قالوا

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ب).

(٢) ـ في (ب) : ومما يؤيد هذه الجملة.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٤) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٥) ـ زيادة من نخ (أ).

(٦) ـ زيادة من نخ (أ).

(٧) ـ نخ (ب) : القائمين.

٢١٥

.. إلى قوله :

كل يرى الحق ما فيه قد اختلفو

وهم بمفروض علم الحق جهال

أعني الأولى فقههم إشراك ضدهم

وسائر الناس بالإهمال عقال

وقول المرتضى لدين الله محمد بن يحيى (١) ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرد على الروافض : (لأن الله سبحانه ختم النبيين بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فلا نبي بعده ، ولا مرسل من الله سواه ، فلما أن كان ذلك كذلك لم يستغن الخلق عن قائم في كل وقت بأمرهم ، حاكم فيهم بكتاب الله ، يبين الأحكام ، ويوضح الإسلام ، فجعل سبحانه القائمين بذلك آل نبيه ، وافترض طاعتهم على خلقه ، وأمر باتباعهم).

وقوله في جوابه لمن سأله (٢) عن حكم من يخالف التنزيل بالتأويل : (وكيف يقر بالتنزيل من جحد ما فيه من الحلال والحرام ، والدين والأحكام ، ومن أنكر حكما واحدا من أحكام الله المفترضة كمن أنكر القرآن جميعا ، ومن أنكر صنع الله سبحانه في نملة أو

__________________

(١) ـ المرتضى لدين الله جبريل أهل الأرض محمد بن يحيى الهادي إلى الحق بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ ، ولد ـ عليه‌السلام ـ سنة ثمان وسبعين ومائتين ، وأمه فاطمة بنت الحسن بن القاسم كان عالما أصوليا متبحرا وفقيها بارعا ، دعا إلى الله تعالى بعد وفاة أبيه الهادي إلى الحق سنة ثمان وتسعين ومائتين ، وقام بحروب مع علي بن الفضل القرمطي ، ولما شاهد من أحوال الناس وتغير طرائقهم بعد موت الهادي عن طريق السداد والصلاح ومجاهرة كثير منهم بالمناكير وإظهار الفساد تخلى عن الأمر بعد قدوم أخيه الناصر أحمد بن يحيى من الحجاز ، فسلم له الأمر وتوفي ـ عليه‌السلام ـ سنة عشر وثلاثمائة ، وله اثنتان وثلاثون سنة ، ودفن إلى جنب أبيه ـ عليهما‌السلام ـ ، التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية للإمام الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى ١٩٠ ، الإفادة في تاريخ الأئمة السادة ١٦٩ ، الشافي ، الحدائق الوردية ـ خ ـ اللآلي المضيئة ـ خ ـ.

(٢) ـ نخ (أ) : سأل.

٢١٦

ذباب كمن أنكر صنعه في السماوات والأرضين (١)).

وقول أخيه الناصر لدين الله أحمد بن يحيى ـ عليه‌السلام ـ في كتاب النجاة : (وكذلك المؤمنون بعضهم أعلم من بعض ، ولذلك صارت الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ أولى بمقامات الأنبياء من الأمة لما علم الله عندهم من العلم والحكمة ، والمعرفة بالكتاب والسنة).

وقول القاسم بن علي ـ عليه‌السلام ـ في كتاب التفريع : (ومن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وكفر بذرية محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ولم يصدق بهم لم يمنع إيمانه من هلكه إلا أن يكون ممن قد جرت لأوله ذمة من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ).

وقوله في كتاب التنبيه : (فإن عليكم سؤالنا وعلينا جوابكم ، وقد أمركم الله جل اسمه ؛ فقال عز من قائل : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) [النحل] ، وقد سمى رسوله ذكرا ، وفي كل خلف من أهل بيته عدول ينفون عن الله تعالى الشبهات ، ويحكمون بآياته البينات ، هم حجج الله على خلقه في كل زمان ، وهم الهداة إليه في كل أوان.

إلى قوله : لأنا أهل البيت يتعلم بعضنا من بعض ، ونجتزي بذلك عن التعلم من غيرنا ، ولا يسعنا أن نتعلم من سوانا ، إلا ما يجيزه لنا علماؤنا ، وأنتم يا شيعتنا فلا يسعكم أن يتعلم بعضكم من بعض إلا ما يجيزه لكم علماء أهل بيت نبيكم ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ).

وقول (٢) ابنه الحسين بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الفرق بين الأفعال : (فلما قبضه الله إليه ، واختار له من الثواب ما لديه ، علم أن سيكون من عباده من يحتاج إلى الهدى ، ويكشف عنهم الضلالة والردى ، بذوي الدين والفضل والحجا ، ذرية الرسول أئمة

__________________

(١) ـ في (ب ، ج) : والأرض.

(٢) ـ نخ (أ) : وقال.

٢١٧

الهدى ، وأعلام الدين ومصابيح الدجى ؛ فكشف عنهم (١) أغطية الضلال ، وقمع بهم من عاند الحق من الجهال ، فمن طلب الحق عند غيرهم فقد جهل ، ومن عاندهم فقد ضل وخذل ؛ لأن الله لو علم أن العباد يكتفون بعقولهم ، لما فرض [الله] (٢) سؤال آل نبيهم ـ عليهم‌السلام ـ.

وقول الإمام المنصور بالله ـ عليه‌السلام ـ في شرح الرسالة الناصحة مع ما تقدم : (وورود الحوض لا يكون إلا لأتباع آل محمد ـ صلّى الله عليه وعليهم (٣) وسلم ـ وهم أشياعهم ، ولا يكون ذلك إلا بالاعتراف بفضلهم ، ومطابقتهم في قولهم واعتقادهم).

تم الموضع الثاني

[الكلام في الصانع تعالى وما يستحق من الصفات لذاته أو لفعله]

وأما الموضع الثالث

وهو [في (٤)] الكلام في الصانع تعالى وما يستحق من الصفات لذاته أو لفعله

فهو ينقسم على أربعة فصول : الأول : في الذات ، والثاني : في صفات الذات ، والثالث : في الإرادة ، والرابع : في الإدراك.

[الكلام في الذات]

أمال الأول :

فمذهب العترة أن قول القائل : ذات الباري ، عبارة تفيد الإخبار عنه سبحانه على الجملة ، من غير توهم مشاركة ولا مجانسة بينه سبحانه وبين غيره ، ومعنى ذلك عندهم

__________________

(١) ـ نخ (ج) : بهم.

(٢) ـ زيادة من نخ (ج).

(٣) ـ في (ب) : وعليهم أجمعين.

(٤) ـ زيادة من نخ (أ).

٢١٨

كمعنى قوله سبحانه : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨] ، وقوله سبحانه : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] ، أي فثم الله بمعنى أنه لا يخفى عليه شيء من أمرهم ؛ فذاته سبحانه هي هو ، وكذلك نفسه ووجهه ، وهو سبحانه ليس بجنس فيوصف بأنه (١) مشارك لغيره.

ومذهب بعض المعتزلة أن لفظ ذات اسم جنس يشترك فيه ذات الباري سبحانه ، وذوات الجواهر (٢) وذوات الأعراض ، ولا يقع الفرق بينها إلا بأمور زائدة ، ويحتجون على ذلك بما يجمعها من الحد المنطقي الذي زعموا أنه مركب من جنس وفصل ، وأنه يجمع ويمنع ، وينعكس ويطرد (٣) ، وهو قولهم حقيقة الذات : هو ما يصح العلم به والخبر عنه بانفراده ، واحترزوا بذكر الانفراد عن الصفات التي زعموا أن الذوات تعلم عليها ولا تعلم بانفرادها (٤).

والذي يدل على صحة مذهب العترة وبطلان مذهب المعتزلة : أمور ؛

منها : أنه قد ثبت بأدلة العقل والسمع أن الله سبحانه (٥) واحد ليس كمثله شيء ، ولا له كفؤ ولا ند ولا شريك ، وأنه لا يحاط به علما ، ولا يجوز توهمه ، ولا تصوره ، ولا تكييفه ، ولا قياسه ، ولا التفكر فيه ، ولا يصح أن يجاب من سأل عن ذاته ، بمثل ما يجاب به من سأل عن ذات غيره.

ومنها : أن القول بالمشاركة في الذاتية قول مبدع متكلف ليس بمفروض ولا معقول ولا مسموع ، وكل [قول] (٦) مبدع في الدين فهو باطل.

__________________

(١) ـ نخ (ب) : أنه.

(٢) ـ في (ب) : وذات الجوهر.

(٣) ـ نخ (ب) : ويطرد وينعكس.

(٤) ـ في (ب) : على انفرادها.

(٥) ـ نخ (ب) : تعالى.

(٦) ـ زيادة من نخ (ج).

٢١٩

ومنها : أن المشاركة والجنس والنوع من خصائص [أوصاف (١)] المحدثات التي لا يجوز إضافتها إلى الله سبحانه لما فيها من لزوم التشبيه.

ومنها : أن ذات الباري [سبحانه (٢)] هي نفسه ، ونفسه هي هو ، ولا يجوز (٣) أن يوصف سبحانه بأنه مشارك في نفسه لعدم الفرق بين المشاركة في الذاتية ، والمشاركة في النفسية.

ومنها : أنه لا فرق في اللغة بين المشاركة في الذاتية ، والمماثلة فيها ، وقد ثبت بالدليل أنه لا مثل له سبحانه ؛ فكذلك (٤) يجب أن يكون لا مشارك له.

ومنها : أن لفظ ذات قد يعبّر به (٥) عن الشيء جملة كما يقال : فعل فلان كذا بذاته أي فعله هو ، وقد يعبر به عن محل العرض ، فيقال : ذات الجسم وعرضه ، وكل لفظ عبر به عن معنيين مختلفين فليس باسم جنس يصح فيه الاشتراك.

ومنها : أن تحديدهم لذات الباري سبحانه بالحد الذي زعموا أنه مركب من جنس وفصل لم يتضمن إلا نفس حكاية مذهبهم الذي ابتدعوه لفظا ومعنى ، ومجرد الحكاية لا تصح أن تكون دليلا على صحة المحكي ؛ فلذلك (٦) فإنه ما من دعوى باطلة إلا ويمكن أن تحد (٧) بحد مركب من جنس وفصل وذلك بين لمن تأمله.

ومنها : مخالفتهم بذلك (٨) للموحدين [في معنى التوحيد] (٩) ، ولأهل علم المنطق في

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ).

(٣) ـ نخ (ج) : ولا يصح.

(٤) ـ نخ (ب) : وكذلك.

(٥) ـ نخ (ب) : بها.

(٦) ـ نخ (ج) : فكذلك.

(٧) ـ نخ (ب) : تحدد.

(٨) في (ب) : في ذلك.

٢٢٠