مجموع السيّد حميدان

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي

مجموع السيّد حميدان

المؤلف:

أبي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي


المحقق: أحمد أحسن علي الحمزي و هادي حسن هادي الحمزي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مركز أهل البيت (ع) للدراسات الإسلاميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

المسلمين ولوني على أنفسهم ؛ فإذا قرأت كتابي [هذا] (١) فاقدم أنت ومن معك).

أجابه [أسامة بن زيد] (٢) بكتابه الذي يقول فيه : (من أسامة بن زيد [مولى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (٣)] إلى أبي بكر بن أبي قحافة ، أما بعد فإنك كتبت إلي (٤) كتابا ينقض آخره أوله فلو كنت خليفة رسول الله لم تحتج إلى ولاية [من (٥)] المسلمين ، ورسول الله توفي وقد أمّرني عليك ؛ فمن أمّرك عليّ بعده ؛ فخل المكان لأهله ، والحق بموضعك الذي أمرك به رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ).

ومنها : أن أفعال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ حجة كأقواله ؛ فإن كان لم يستخلف وجب الاقتداء به في ترك الاستخلاف ، وإن كان استخلف وجب اتباع خليفته.

ومنها : أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لم يهمل أمته في حال حضوره ولا يتركهم بلا زعيم يختاره لهم في كل غيبة يغيبونها عنه ، وذلك يدل بطريقة الأولى على أنه لا يجوز أن يهملهم بعد وفاته ـ صلّى الله عليه وعلى آله ـ.

[ذكر إجماع الأمة مع العترة على جواز الإمامة في العترة]

وأما إجماع الأمة مع العترة على جواز الإمامة فيهم ؛ ففائدة الاستدلال به : التنبيه على أن كل الناس وكل قريش لم يجمعوا على دعوى الإمامة كما أجمعت العترة ، وعلى أن العترة لم يجمعوا معهم على جوازها فيهم ؛ فدل ذلك على أن الإجماع لم ينعقد إلا على جواز الإمامة في العترة ، وعلى أن دعوى الخوارج ودعوى المعتزلة باطلة لكونها دعوى

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ في (ب) : عليّ.

(٥) ـ زيادة من نخ (أ).

١٤١

للغير بغير دليل.

[ذكر إجماع الصحابة مع العترة على أن الأفضل أولى بالإمامة وبعض فضائل أمير المؤمنين (ع)]

وأما إجماع الصحابة مع العترة على أن الأفضل أولى بالإمامة ؛ ففائدة الاستدلال به :

التنبيه على أن ذلك يكون حجة عليهم ؛ لأنه قد اجتمع لعلي ـ عليه‌السلام ـ من الفضائل ما لا يمكنهم جحدها ، ولا يوجد لغيره مجتمعا مثلها.

ومن مشهور فضائله ـ عليه‌السلام ـ : فضيلة القربى ، وفضيلة النجابة ، وفضيلة طيب المنشأ ، وفضيلة السبق ، وفضيلة العلم ، وفضيلة الصبر ، وفضيلة الصدق والوفاء ، وفضيلة التخصيص بالكرامات المنبهة على علو منزلته عند الله سبحانه.

أما فضيلة القربى : فلأنه ابن عم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لأبيه وأمه ، وشاهد ذلك قول أبي طالب (١) ، شعرا :

__________________

(١) ـ أبو طالب : هو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ، عم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وأبو علي بن أبي طالب ، وكان كبير قومه ، وله السيادة والوجاهة في قريش ، أجمع أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ على إسلامه وعلى أنه مات مؤمنا.

قال الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي ـ أيده الله تعالى وعافاه ـ في كتابه (التحف شرح الزلف) في شأن إيمان أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : (وقد حكى الإجماع على إيمانه خمسة من أعلام أهل البيت وأوليائهم منهم الإمام الأعظم المنصور بالله عبد الله بن حمزة ـ عليهما‌السلام ـ .. إلى قوله ـ أيده الله تعالى ـ : والقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام والشيخ الحسن ـ أي الرصاص ـ والفقيه حميد الشهيد ، والحاكم صاحب التهذيب ـ أي الجشمي ـ ، وقال أبو القاسم البلخي يعني ممن ذهب إلى إيمانه أبو جعفر الإسكافي والقرطبي والشعراني وغيرهم .. إلى قوله ـ أيده الله تعالى ـ : فأما ما ترويه العامة مما يفيد عدم إيمانه فانحرافهم عن الطالبيين وميلهم إلى موافقة غرض الدولتين مما يحملهم على الوضع وقبول ما وضع وتزييف ما خالف هواهم فعليكم بالثقل الأصغر تنجوا يوم الفزع الأكبر والله المستعان). انتهى المراد.

١٤٢

إن عليا وجعفرا ثقة

عند شداد الأمور والكرب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

ولذلك فإنه ـ عليه‌السلام ـ لما علم باحتجاج (١) قريش على الأنصار بالقربى ، قال : (احتجوا بالشجرة ، وأضاعوا الثمرة) ، وقال في معنى ذلك ، شعرا :

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف تليها والمشيرون غيّب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وأما فضيلة النجابة : فلأن نسبه هو نسب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لم يفرق بينهما من الأمهات إلا فاطمة (٢) بنت أسد بن هاشم أم علي ـ عليه‌السلام ـ

__________________

وأشعاره وأخباره في ذلك مشهورة.

دافع عن الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ دفاع الأبطال ، وحماه من الكفار ، وهو مربي الرسول وكافله بعد وفاة جده عبد المطلب.

توفي بعد حصار الشعب قبل الهجرة بستة أشهر في العام الذي توفيت فيه خديجة وسمي ذلك العام بعام الحزن.

(١) ـ نخ (ب) : احتجاج.

(٢) ـ فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أول هاشمية ولدت هاشميا ، أم أمير المؤمنين ـ عليهما‌السلام ـ ومربية رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، كانت من السابقات إلى الإسلام ، بدرية ، وأول مبايعة ، أوصت إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وقبل وصيتها ، توفيت في السنة الرابعة وكفنها الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم ـ في قميصه وقال : ((إنما ألبستها لتكسى من حلل الجنة)) وغسلها علي ـ عليه‌السلام ـ وصلى عليها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وكبر عليها أربعين تكبيرة وقيل له في ذلك ؛ فقال : ((كان ورائي أربعون صفا من الملائكة فكبرت لكل صف تكبيرة)). رواه الإمام أبو طالب ـ عليه‌السلام ـ. انظر : لوامع الأنوار للإمام الحجة / مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى (ط ٢) (٣ / ٢٣٠).

١٤٣

ففضائلها (١) مشهورة.

ومما يؤيد ذلك : حكاية الحاكم رحمه‌الله في كتاب تنبيه الغافلين (٢) عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنه قال : ((إن الله تعالى خلق روحي وروح علي قبل أن يخلق آدم [ـ عليه‌السلام ـ (٣)] بما شاء الله ؛ فلما خلق آدم [ـ عليه‌السلام ـ (٤)] أودع أرواحنا صلبه ، فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر لم يصبها دنس الشرك ، ولا عهر الجاهلية حتى أقرها في صلب عبد المطلب ، ثم أخرجها من صلبه فقسمها قسمين فجعل روحي في صلب عبد الله ، وروح علي في صلب أبي طالب ؛ فعلي مني وأنا من علي ، نفسه كنفسي ، وطاعته كطاعتي لا يحبني من يبغضه ، ولا يبغضني من يحبه)) (٥).

وأما فضيلة طيب المنشأ : فلأن النبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله ـ هو الذي كفله وآواه ، وأدبه ورباه ، فلم يسجد ـ عليه‌السلام ـ لصنم ، ولم (٦) يقع في مأثم ، وقد بين علي (٧) ذلك في بعض خطبه المذكورة في [كتاب (٨)] نهج البلاغة ؛ فقال : (وقد علمتم موضعي من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالقرابة القريبة ، والمزية الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني عرقه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل).

وأما فضيلة السبق : فلأنه ـ عليه‌السلام ـ أول ذكر آمن بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) ـ نخ (ب) : وفضائلها.

(٢) ـ كتاب تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين في الآيات النازلة في أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ.

(٣) ـ زيادة من نخ (أ).

(٤) ـ زيادة من نخ (أ).

(٥) ـ تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين (١٧٥).

(٦) ـ في (أ ، ج) : لا.

(٧) ـ في (ب ، ج): ـ عليه‌السلام ـ.

(٨) زيادة من نخ (أ ، ج).

١٤٤

ـ وصلى معه ، وله ـ عليه‌السلام ـ [في ذلك (١)] مع فضيلة السبق فضيلة العصمة ، وفضيلة إيتاء الحكمة في حال الصغر (٢) ، ومن شعره ـ عليه‌السلام ـ في معنى ذلك [قوله (٣)] :

سبقتكم إلى الإسلام طرا

صغيرا (٤) ما بلغت أوان حلمي

وآتاني ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمّ

وأما فضيلة العلم : فلأنه ـ عليه‌السلام ـ وارث علم النبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله ـ والمخصوص بمكنون سره ، ولذلك قال النبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله ـ : ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) وكان كل الصحابة محتاجا (٥) إلى علمه ـ عليه‌السلام ـ ولم يكن محتاجا إلى علم أحد منهم.

ومما يؤيد ذلك : حكاية الحاكم ـ رحمه‌الله ـ عنه ـ عليه‌السلام ـ في كتاب تنبيه الغافلين أنه قال : (لو كسرت (٦) لي الوسادة ، ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، و [بين (٧)] أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما من آية نزلت في بر ولا بحر ، ولا سماء ولا أرض ، ولا سهل ولا جبل ، ولا ليل ولا نهار ؛ إلا وأنا أعلم متى نزلت وفي أي شيء (٨) نزلت ، وما من رجل من

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ نخ (ج) : صغره.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب).

(٤) ـ في (ب) : غلاما.

(٥) ـ نخ (ب) : محتاج.

(٦) ـ في (ب) : لو ثنيت.

(٧) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٨) نخ (أ) : وقت.

١٤٥

قريش جرت عليه المواسي إلا وأنا أعلم [أي (١)] آية نزلت فيه تسوقه إلى جنة أو نار).

وأما فضيلة الصبر : فلأنه ـ عليه‌السلام ـ ذكر في كتاب المحن أن الله سبحانه ابتلى صبره في أربعة عشر موطنا ، سبعة في حياة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وسبعة بعد وفاته.

وجملة ذلك : أنه ـ عليه‌السلام ـ بلي من المحن بما لم يبل به [أحد (٢)] غيره من الصحابة ، وظهر من صبره عليها (٣) ما لم يظهر من غيره مثله على ما هو دونها ، وذلك منذ مبيته على فراش النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ موطّنا لنفسه على الصبر للقتل إلى ما كان من صبره في مواطن الزحف التي تزل فيها الأقدام ، وتبلغ القلوب الحناجر ، إلى ما كان من صبره على ما ابتلي به من وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وإجماع أكثر الصحابة في ذلك (٤) الحال على استغنام الفرصة في ظلمه ، والاستئثار بالأمر دونه ، وعظم الصبر على قدر عظم البلوى ، وعظم البلوى على قدر عظم حال المبتلى.

وقد مدح الله الصابرين ، وجعل من ثواب بعضهم استحقاق الإمامة ؛ فقال سبحانه: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا ...) الآية [السجدة : ٢٤].

وأما فضيلة الصدق والوفاء : فلأنه ـ عليه‌السلام ـ لم ينكث عهدا ، ولم يخلف موعدا ، وشاهده في ذلك قول الله سبحانه : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ...) الآية [الأحزاب : ٢٣] ، وقد تقدم ذكرها ، وقوله سبحانه : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٧) [الإنسان].

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٢) ـ زيادة من نخ (ب).

(٣) ـ نخ (ب): ـ عليه‌السلام ـ.

(٤) ـ نخ (ج) : تلك الحال على اغتنام.

١٤٦

وأما فضيلة التخصيص بالكرامات المنبهة على علو منزلته (١) عند الله سبحانه : فهي أكثر من أن تحصر (٢) وقد (٣) نظم ذلك الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في شعره الذي يقول فيه :

ردت له شمس الضحى وردها

من أعظم الآيات والفضائل

ولو عددت ما قضيت حقه

ومن يعدّ حبّ رمل هائل

فصرّفت عنه لغير موجب

بل لهنات قيل أو دغائل (٤)

[فائدة الاستدلال بإجماع المعتزلة مع العترة على القول بإمامة علي (ع) والمشهور من مذهبه (ع)]

وإما إجماع المعتزلة مع العترة على القول بإمامة علي (٥) ـ عليه‌السلام ـ ؛ ففائدة الاستدلال به التنبيه على أنه يلزمهم تصديقه ـ عليه‌السلام ـ والسلوك لمذهبه ، والاقتفاء لآثاره في الدين قولا وعملا واعتقادا ؛ إذ لا يجوز لمن يعتقد صحة إمامته ترك الائتمام به إلا على وجه الرفض والمعصية ، ولا يصح الجمع بين الإقرار بصحة إمامته ومخالفته إلا على وجه التدليس والنفاق.

ومن مشهور مذهبه الذي لا يمكنهم كتمه ولا جحده إلا على وجه المكابرة توبيخه ـ عليه‌السلام ـ للمشايخ وأتباعهم على ما أقدموا عليه من ظلمه ، وعلى مخالفتهم لما أوجب الله له عليهم من المودة والطاعة ، وعلى نكثهم للعهد (٦) ، ورجوعهم على

__________________

(١) ـ نخ (ج) : مرتبته.

(٢) ـ نخ (ج) : تحصى.

(٣) ـ نخ (أ ، ج) : كما قد.

(٤) ـ نخ (ب) : وصرفنا.

(٥) ـ نخ (ب) : بإمامته.

(٦) ـ نخ (ب) : العهد.

١٤٧

الأعقاب ، ولذلك هجرهم وامتنع من نصرتهم ، ومعاونتهم ، ومن البيعة لهم إلا ما ذكر (١) من إكراههم له على البيعة لأبي بكر بعد جمعهم لحزم الحطب على داره ليحرقوها بمن فيها إن لم يخرج ، وعزمهم بعد خروجه على قتله إن لم يبايع ؛ فذلك لم يفرق بينهم وبين معاوية في الحسد [له (٢)] والبغي عليه بل جعلهم له أولا ، وجعله لهم آخرا ، وذلك ظاهر في قوله ـ عليه‌السلام ـ المحكي عنه في [كتاب (٣)] نهج البلاغة :

(أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو لا حضور الحاضر ، وقيام (٤) الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقارّوا على كظّة ظالم ، ولا [على] (٥) سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها).

وروى أحمد (٦) بن موسى الطبري رحمه‌الله أن رجلا قال يوم الجمل : ما أعظم هذه الفتنة!! فقال [علي (٧)] ـ عليه‌السلام ـ : (وأي فتنة وأنا قائدها وأميرها؟! وإنما بدء

__________________

(١) ـ نخ (أ) : ذكره.

(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٣) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٤) ـ في (ب) : ووجوب.

(٥) ـ زيادة من نخ (ج).

(٦) ـ أحمد بن موسى الطبري : علامة الشيعة ، الفقيه الرباني الراجح أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري ـ رحمه‌الله ـ حافظ السنن ، الماضي على أقوم سنن.

كان له من العناية بإحياء الملة بعد موت ابني الهادي إلى الحق ـ عليهما‌السلام ـ أضعاف ما كان في حياتهم وكان أحمد بن موسى من الطبريين القادمين إلى اليمن ، وكان متحليا بالخصال الحميدة من قوة الاصطبار والحلم والسخاء وغيرها من مكارم الأخلاق ، ولبث في صنعاء ينشر مذهب أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ ويدرس معتقداتهما.

توفي ـ رضي الله عنه ـ ما بين سنة (٣٣٥ ه‍) إلى (٣٥٠ ه‍) من مؤلفاته : كتاب المنير ، ومجالس أحمد بن موسى الطبري. انظر : مطلع البدور (خ) ، المستطاب (خ).

(٧) ـ زيادة من نخ (ب).

١٤٨

الفتنة من يوم السقيفة ثم يوم الشورى ويوم الدار) (١).

ومن صريح ما ذكر ـ عليه‌السلام ـ في النص والحصر قوله : (إن الإمامة من قريش في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم).

وقوله : ([و (٢)] لا يعادل بآل محمد من هذه الأمة أحد ، ولا يساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة).

ومن شعره ـ عليه‌السلام ـ في معنى ذلك قوله :

أنا علي صاحب الصمصامه

أخو نبي الله ذي العلامة

قد قال إذ عممني العمامة

أنت الذي بعدي لك (٣) الإمامة

[الكلام في إجماع العترة هل هو حجة؟ وهل يصح أن يستدل به على صحة حصر الإمامة فيهم]

ولا خلاف في إجماع العترة على دعوى النص والحصر ، وإنما الخلاف في إجماعهم هل هو حجة أم لا؟ وإذا ثبت كونه حجة هل يصح أن يستدل به على صحة حصر الإمامة فيهم أم لا؟

والذي يدل على كون إجماعهم حجة هو ما تقدم من بيان كونهم خيرة الله سبحانه اصطفاهم لإرث كتابه والجهاد فيه حق الجهاد ، والشهادة على العباد ، وأمر بطاعتهم وسؤالهم والرد إليهم ، وهو سبحانه حكيم ، والحكيم لا يختار لذلك إلا من يجب قبول قوله ، وكلما أوجب الله قبوله فهو حجة.

__________________

(١) ـ انظر كتاب المنير لأحمد بن موسى الطبري ـ رحمه‌الله ـ (٢٤٧).

(٢) ـ زيادة من نخ (ب).

(٣) ـ نخ (أ) : له.

١٤٩

والذي يدل على أنه يصح الاستدلال بإجماعهم على صحة حصر الإمامة فيهم : هو أن الله سبحانه قد أمر بالرد إليهم وسؤالهم عن كل مختلف فيه والإمامة من جملة ما وقع فيه الاختلاف فيجب قبول قولهم فيها ، والتمسك بهم ، والترك لمخالفتهم لعدم المخصص لمختلف فيه دون غيره مع كونهم أعلم بما يجب لهم وعليهم ؛ لأجل كونهم خيرة لله سبحانه وورثة لكتابه (١) كما أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أعلم بما يجب له وعليه لأجل كونه خيرة لله سبحانه.

__________________

(١) ـ نخ (ب) : للكتاب.

١٥٠

[ذكر صفة الإمام الذي تجب طاعته]

وأما الفصل الثالث

وهو (١) في صفة الإمام الذي تجب طاعته :

فمذهب العترة ومن شايعهم أن من صفة من يستحق الإمامة من ولد الحسن والحسين ـ عليهما (٢) السلام ـ أن يكون بالغا في العلم إلى درجة السبق ، وهي الإحاطة بما يحتاج إلى معرفته من علم الكتاب والسنة ، والتمكن من استنباط غامضهما ، وأن يكون فيه مع ذلك من السخاء والقوة والزهد والورع وحسن التدبير ما يصلح لأجله أن يكون ممن يعتمد عليه ويركن إليه (٣) ، ويوثق به لسد الثغور ، وتدبير الأمور ، وجمع كلمة المسلمين ، ومنعهم بالدليل عن التفرق في الدين ، ونحو ذلك مما لا يصلح للقيام به إلا السابق بالخيرات من العترة ؛ خلافا للمعتزلة ومن شايعهم فإنه يجوز عندهم أن يكون في رعية الإمام من هو مثله في العلم أو أعلم منه قياسا على قلة علم أئمتهم ، واختلاف آرائهم ، ورجوعهم في المشكلات إلى غيرهم.

ومما يشهد بصدق حكاية مذهب العترة في ذلك من أقوال أئمتهم ـ عليهم‌السلام ـ على وجه التنبيه بالقليل على الكثير قول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ فيما حكي عنه في كتاب نهج البلاغة في وصفه (٤) لأئمة العترة : (هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ، ولا يختلفون فيه).

وقول زيد بن علي ـ عليه‌السلام ـ فيما روي عنه : (اعلم أنه لا ينبغي لأحد منا أن

__________________

(١) ـ نخ (ب) : فهو.

(٢) ـ نخ (ب) : عليه.

(٣) ـ في (ب) : عليه.

(٤) ـ في (ب ، ج) : صفته.

١٥١

يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه (١) الخلال ، حتى يعلم التنزيل والتأويل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، وعلم الحلال والحرام ، والسنة الناسخة ما كان قبلها ، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان بما فيه وله ، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي ، والسيرة في أهل الشرك ، ويكون قويا على جهاد عدو المؤمنين يدافع عنهم ، ويبذل نفسه لهم ، [و (٢)] لا يسلمهم حذار دائرة ، ولا يخالف فيهم حكم الله ؛ فهذه صفة من تجب طاعته من آل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ).

وذكر القاسم بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في كتاب تثبيت الإمامة ما خص الله به الأنبياء من المعجز (٣) ، والأوصياء من مكنون العلم ، وذكر بعد ذلك ما خص به الأئمة بعدهم ؛ فقال : (ثم أبان الأئمة من بعدهم ، ودل الأمة فيهم على رشدهم ، بدليلين مبينين ، وعلمين مضيئين ، لا يحتملان لبس تغليط ، ولا زيغ شبه تخليط ، لا يطيق خلقهما متقن (٤) ، ولا يحسن تخلقهما (٥) محسن ، ولي ذلك منهما ، ومظهر دلالة صنعه فيهما ، الله رب العالمين ، وخالق جميع المحدثين ، وهما ما لا يدفعه عن الله دافع ، ولا ينتحل صنعه مع الله صانع ، من القرابة بالرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما جعل من احتمال (٦) كمال الحكمة فيمن الإمامة فيه ، وحدّ الحكمة ، وحقيقة تأويلها درك حقائق الأحكام كلها).

وذكر الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ في كتاب القياس ما خص الله به السابقين من العترة بعد ذكره لما أوجب الله من سؤال العترة على الجملة ؛ فقال : (ثم ذكر السابقين منهم بالخيرات ، المقيمين لدعائم البركات ، وهم الأئمة الطاهرون ،

__________________

(١) ـ نخ (أ) : هذا.

(٢) ـ زيادة من نخ (ب).

(٣) ـ في (ب ، ج) : المعجزات.

(٤) نخ (أ) : محسن.

(٥) ـ نخ (ب) : لخلقهما.

(٦) ـ في (أ) : إجمال.

١٥٢

المجاهدون (١) السابقون ، القائمون بحق الله ، المنابذون لأعداء الله ، المنفذون لأحكام الله ، الراضون لرضاه (٢) ، الساخطون لسخطه ، والحجة بينه وبين خلقه ، المستاهلون لتأييده ، المستوجبون لتوفيقه ، المخصوصون بتسديده ، في كل حكم حكموا به ، وقياس في شيء من الأحكام قاسوا به ، حجة الله الكبرى ، ونعمته العظمى ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

وقال (٣) ابنه المرتضى ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الرد على الروافض : (وجرى الأمر في ولد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الصفوة بعد الصفوة ، وإنما الصفوة لا يكون إلا خير (٤) أهل زمانه أكثرهم اجتهادا (٥) ، وأكثرهم تعبدا ، وأطوعهم لله سبحانه ، وأعرفهم لحلال (٦) الله وحرامه ، وأقومهم بحق الله ، وأزهدهم في الدنيا ، وأرغبهم في الآخرة ، وأشوقهم للقاء ربه ؛ فهذه صفة الإمام).

وقال في جوابه للطبريين : (فالواجب على الرعية إذا وثقت بعدالة إمامها ، وصحت عندهم إمامته ، أن يعلموا أن علمهم يقصر عن علمه ، ولا يقعون من الغامض على ما يقع عليه ؛ فإذا علموا ذلك وجب عليهم التسليم).

[ذكر حكم من يخالف أئمة العترة في علوم الدين]

وأما الفصل الرابع

وهو في ذكر حكم من يخالف أئمة العترة في علوم الدين التي يجب العلم

__________________

(١) ـ نخ (ج) : والمجاهدون.

(٢) ـ في (ب) : برضاه.

(٣) ـ نخ (ب) : وقول.

(٤) ـ نخ (ج) : خيرة.

(٥) ـ نخ (ب) : جهادا.

(٦) ـ في (ب ، ج) : بحلال.

١٥٣

بها

فحكمه عندهم في الضلال (١) كحكم من شاق الله ورسوله ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ؛ خلافا للشيعة (٢) المعتزلة ، وذلك لأن الله سبحانه قد أمر باتباعهم ، ونهى عن مخالفتهم ، وقال لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ...) الآية [يوسف : ١٠٨] ، والذين اتبعوا سبيله في الدعاء إلى الله سبحانه على بصيرة هم الأئمة الذين أوجب الله طاعتهم مع طاعته ، وطاعة رسوله ، وأمر بسؤالهم ، والرد لما اختلف (٣) فيه إليهم ، وذلك يدل على أن من خالفهم في علوم الدين فليس على بصيرة ، وإن أظهر أنه يدعو إلى الله سبحانه.

ولأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو لا ينطق عن الهوى قد قرن العترة بالكتاب وأمر بالتمسك به وبهم معا ؛ فدل بذلك (٤) على أنه لا يصح دعوى التمسك بالكتاب مع رفضهم ، كما لا يصح دعوى التمسك بهم مع رفض الكتاب ، ولأنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قد صرح بتهليك من خالفهم في قوله : (([و (٥)] ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها هالكة إلا فرقة واحدة)) (٦).

__________________

(١) ـ في (ب) : الهلاك ، وفي (ج) : فحكمه في الهلاك عندهم كحكم ...

(٢) ـ في (ب) : لشيعة.

(٣) ـ نخ (ج) : اختلفوا.

(٤) ـ في (ب) : ذلك.

(٥) ـ زيادة من نخ (أ).

(٦) ـ قال الإمام المهدي في الملل والنحل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ستفترق أمتي ...) الخ رواه ابن مسعود وأنس وابن عباس ، قال الإمام يحيى : وتلقته الأمة بالقبول. انتهى. وقال الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام : والأمة مجمعة على صحة هذا الخبر ، ورواه الحاكم عن عوف بن مالك ، ورواه السيوطي عن أبي هريرة. وقال : أخرجه أبو يعلى في مسنده. وقال أيضا : أخرجه الطبراني وابن عدي وابن عساكر والخطيب عن عوف بن مالك وعبد بن حميد عن سعد بن أبي وقاص وأبو داود والترمذي ـ

١٥٤

وقوله : ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)) وهذا بيان لا يحتمل التأويل ، ولا يصح معه التجويز لسلامة من يخالف العترة ؛ لما في تجويزها من التعريض بالمشاقة والمعارضة والمخالفة والرد لقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

__________________

ـ وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة. قال في الإقبال : قال في الكشاف : وفي الحديث افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة .. الخ. وقال في الإقبال في أثناء ذكر حديث الافتراق تلقته فرق الإسلام بالقبول على ما ذكره الإمام يحيى وغيره من أهل البيت عليهم‌السلام وهذا حق حتى أنه تلقاه من ينتحل الإسلام .. الخ انتهى من تخريج الشافي وذكر فيه ما كتبه القاضي شيخ الإسلام محمد بن عبد الله الغالبي رضي الله عنهما ، وهو ما لفظه : حديث الافتراق رواه جماعة من الأئمة وذكر قول الإمام يحيى والإمام المهدي السابقين هنا. ثم قال : نعم ، وقد روى عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وعوف بن مالك وأنس وجابر وأبي أمامة وابن عمرو وابن مسعود وعلي عليه‌السلام وعمر وابن عوف وعويمر أبي الدرداء ومعاوية وواثلة وفي جامع آل محمد قال محمد بن منصور : بلغنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال : (تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ..) الخ ، وكذلك رواه الشهرستاني في كتاب الملل ، وكذلك العضد في المواقف وصاحب الكشاف والبيضاوي كلاهما في تفسير سورة الأنعام ، وابن حجر في شرح الهمزية وأما في كتب الحديث فابن كثير البغوي وفي تفسيرهما والسخاوي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وأبو داود والترمذي والديبع في التيسير وعبد العظيم المنذري والسيوطي في زيادة الجامع فقول الإمام محمد بن إبراهيم الوزير أن زيادة قوله : (كلها هالكة) زيادة منكرة لا أصل له مع كثرة من رواها حتى قال الإمام يحيى : تلقته الأمة بالقبول. يعلم ذلك. كتب محمد بن عبد الله الغالبي شهر ربيع سنة ١٢٧٩ ه‍ انتهى ، وكتب حسن بن حسين الحوثي شهر الحجة سنة ١٣٥٨ ه‍ والحمد لله نعم ثم اطلعت على مجموعة في هذا المقصد للعلامة محمد بن إبراهيم بن المفضل رحمه‌الله وسماه بالإشارة المهمة إلى صحة حديث افتراق الأمة فإذا ما كتبه القاضي محمد بن عبد الله الغالبي رحمه‌الله مأخوذ منها ثم ساق ما سبق إلى قوله : نعم الذي ذكره ابن الجوزي في الموضوعات هو الحديث بلفظ كلها في الجنة إلا فرقة ، فذكر له ثلاث طرق عن أنس وقال أهل الصناعة : وضعه الأبرد ولا أصل له بهذا اللفظ. انتهى المراد نقله والله ولي التوفيق ، تمت من مولانا الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى.

١٥٥

[ذكر أقوال أئمة العترة (ع) في وجوب اتباعهم]

ومن صريح ما ذكره الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ في معنى ذلك : قول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ المذكور في كتاب نهج البلاغة : (فأين يتاه بكم ، بل كيف تعمهون؟ وبينكم عترة نبيكم ، وهم أزمة (١) الحق ، وألسنة الصدق).

وقول ابنه الحسن ـ عليهما‌السلام ـ المروي عنه : (ومن البلاء على هذه الأمة أنا إذا دعوناهم لم يجيبونا ، وإذا تركناهم لم يهتدوا إلا بنا).

وقول زين العابدين علي بن الحسين ـ عليهما‌السلام ـ في موشحته القافية : (فمن الأمان به على بلاغ الحجة وتأويل الكتاب إلا أهل الكتاب ، وأبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على خلقه [ولم يترك الخلق سدى (٢)]).

وحكى الحاكم عن زيد بن علي ـ عليهما‌السلام ـ أنه قال : (الرد إلينا ؛ نحن والكتاب الثقلان).

وقول الهادي إلى الحق ـ عليهما‌السلام ـ في جوابه (٣) لأهل صنعاء : (لست بزنديق ولا دهري ، ولا ممن يقول بالطبع ولا ثنوي ، ولا مجبر قدري ، ولا حشوي ولا خارجي ، وإلى الله أبرأ من كل رافض غوي ، ومن كل حروري ناصبي ، ومن كل معتزلي غال ، ومن جميع الفرق الشاذة ، ونعوذ بالله من كل مقالة غالية ، ولا بد من فرقة ناجية عالية ، وهذه الفرق كلها عندي حجتهم داحضة ، والحمد لله).

وقال (٤) ابنه المرتضى ـ عليهما‌السلام ـ في الرسالة السابقة : (فمن غدا بهذا الأمر في غير أهل بيت نبيه فقد عبث بنفسه ، وتمرد في دين خالقه).

__________________

(١) ـ في (ب) : أئمة.

(٢) ـ نخ (أ ، ج) : ولم يدع الخلق سدى.

(٣) ـ في (ب) : في جواب أهل صنعاء.

(٤) ـ نخ (ب ، ج) : وقول.

١٥٦

وقول الإمام القاسم بن علي ـ عليهما‌السلام ـ في رسالته إلى أهل طبرستان : (معارضنا في التأويل ، كمعارض جدنا في التنزيل).

وقول الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان ـ عليه‌السلام ـ في جوابه لمسائل الأمراء السليمانيين : (وقد قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة)) وقد بينها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وأوضحها في أهل بيته ـ عليهم‌السلام ـ ومن تبعهم).

وقول [الإمام (١)] المنصور بالله أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في شرح الرسالة الناصحة: (أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أمته باتباع عترته المطهرة فخالفوه في ذلك ، ولهم أتباع في كل وقت يقتفون (٢) آثارهم في خلاف العترة الطاهرة حذو النعل بالنعل ، بل قد تعدوا ذلك إلى أن قالوا : هم أولى بالحق [منهم (٣)] واتباعهم أوجب من اتباع هداتهم ، فردوا بذلك قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : ((قدموهم ولا تقدموهم ، وتعلموا منهم ولا تعلموهم ، ولا تخالفوهم فتضلوا ، ولا تشتموهم فتكفروا)).

[ذكر حكم من يخالف بين أئمة العترة]

وأما الفصل الخامس

وهو في ذكر حكم من يخالف بين أئمة العترة وينسبهم إلى التفرق في الدين

فحكمه عندهم في الضلال كحكم من يفرق بين الأنبياء ، وكحكم (٤) من يؤمن ببعض

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).

(٢) ـ نخ (أ) : يقفون.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٤) ـ نخ (أ) : وحكم.

١٥٧

الكتاب ويكفر ببعض ، وكحكم (١) من يلبس الحق بالباطل ؛ وبيان قبح التفريق بينهم ظاهر في الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.

[بيان قبح التفريق بين أئمة العترة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة]

أما الكتاب : فنحو قول الله سبحانه : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ...) الآية [الشورى : ١٣] ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام : ١٥٩].

وأما السنة : فنحو إخبار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على الجملة بأن عترته مع الكتاب لا يفارقهم ولا يفارقونه ، وذلك دليل الاتفاق على موافقة الكتاب ، وهو ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ صادق مصدوق (٢) ، وتصديقه واجب ، ومن شرط صحة تصديقه تكذيب المخالفين له في ذلك لأجل قبح الجمع بين تصديقه وتصديقهم فيه.

وأما أقوال الأئمة : فنحو ما تقدم من أقوال أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في وصفه للأئمة : (لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه).

وقول الهادي إلى الحق ـ عليه‌السلام ـ في كتاب القياس : (فإن قال [قائل (٣)] : فكيف لا تقع الفرقة ، ولا تقع بين أولئك ـ عليهم‌السلام ـ خلفة؟ قيل : لأنهم أخذوا علمهم من الكتاب والسنة ، ولم يحتاجوا إلى إحداث رأي ولا بدعة).

وقول ابنه المرتضى ـ عليهما‌السلام ـ في جواب مسائل الطبريين : (وقلت هل يجوز للأئمة الاختلاف في الديانة كما جاز للأنبياء الاختلاف في الشريعة؟ واعلم أعانك الله أن

__________________

(١) ـ نخ (أ) : وحكم.

(٢) ـ نخ (ب) : مصدق.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب).

١٥٨

الأئمة متبعة [للنبي (١)] لا مبتدعة ، محتذية لا مخترعة من نفوسها ، ولا مقتحمة بذلك على خالقها ، والأنبياء فإنما اختلفوا في الشريعة لأمر الله سبحانه لهم بذلك).

وقول القاسم بن علي ـ عليه‌السلام ـ في رسالته إلى أهل (٢) طبرستان : (المفرق بين العترة الهادين ، كالمفرق بين النبيين).

وقول ابنه الحسين ـ عليهما‌السلام ـ في كتاب تثبيت إمامة أبيه : (فكيف إلا أنه قد قال بإجماعهم ـ لو انتفعوا بقلوبهم وأسماعهم ـ : ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا [من (٣)] بعدي [أبدا (٤)] : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ولا يخلو قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : لن يفترقا ، من أن يكون باطلا أو حقا ؛ فنعوذ بالله من تكذيب الرسول ، ومكابرة حجج العقول).

وقول الإمام المنصور بالله ـ عليه‌السلام ـ في الشافي : (ألم تعلم أن المفرق بين العترة (٥) الهادين كالمفرق بين النبيين) ، وقوله : (وكيف تخالف الذرية (٦) أباها وقد شهد لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالاستقامة بقوله : ((لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))).

[ذكر جملة مما يجب أن يحمل عليه ما اختلف من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة (ع)]

وأما الفصل السادس

__________________

(١) زيادة من نخ (ب).

(٢) ـ في (ب) : لأهل.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب).

(٤) ـ زيادة من نخ (ب).

(٥) ـ في (ج) : الأئمة.

(٦) ـ في (ج) : الأئمة.

١٥٩

وهو في ذكر جملة مما يجب أن يحمل عليه ما اختلف[فيه] (١) من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ

فإذا (٢) لم يكن الخلاف [فيها (٣)] منسوبا إلى بعض من ظلم نفسه من العترة باتباعه لمذهب غير أهله ، وكان منسوبا إلى أئمة الهدى ؛ فهو لا يخلو إما أن يكون فيما يجوز الاختلاف (٤) فيه نحو السّير والحوادث التي لا نص عليها ، وما كان من الآيات والأخبار له في اللغة أكثر من معنى.

وإما أن يكون فيما الحق فيه واحد نحو الواجبات العقلية ، والفرائض السمعية.

فإن كان من السير والحوادث التي يختلف النظر فيها لاختلاف الأحوال ، أو كان مما له أكثر من معنى ، فنسبة الاختلاف فيه إلى الأئمة على الإطلاق من غير تبيين يكون تمويها وتشنيعا ، وموهمة للمساواة بين أئمة الهدى وعلماء السوء ، وأئمة الضلال المفرقين لأديانهم ، المختلفين (٥) في مذاهبهم ، وذلك مما ينفر المسترشدين من الأمة ، عن الإتباع لعلوم الأئمة.

وإن كان ذلك الاختلاف فيما الحق فيه واحد فنسبته إلى الأئمة على الإطلاق مع إمكان تأويله (٦) يكون قبيحا على ما تقدم.

ومن الوجوه التي يمكن (٧) حمله عليها تجويز أن يكون الإمام الذي نسب إليه ذلك

__________________

(١) ـ زيادة من نخ (أ ، ب).

(٢) ـ في (ب) : فإن لم.

(٣) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).

(٤) ـ في (ب) : فيه الاختلاف.

(٥) ـ نخ (أ ، ب) : والمختلفين في مذاهبهم.

(٦) ـ في (أ) : تأوله.

(٧) ـ في (ب) : يكون.

١٦٠