ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين

ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة

المؤلف:

السيد الأمير الحسين بن بدر الدين


المحقق: د. المرتضى بن زيد المحطوري الحسني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٩

سند الكتاب :

ينابيع النصيحة في العقيدة الصحيحة ، مشهور في الأوساط العلمية بأن مؤلفه الأمير الحسين. وأنا أروي الينابيع عن شيخي الوالد العلامة السيد / محمد ابن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل المنصور بن مطهّر بن إسماعيل بن يحيى بن الحسين ـ صاحب الغاية بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد. قراءة عليه ، وقد أجازني في ينابيع النصيحة ، وفي جميع مقروءاته من المعقول والمنقول عن مشايخه الأعلام. ولا أخفي عجبي ببراعة الوالد المنصور ، وهو يتلاعب بالألفاظ ، ويتفنن في العبارات حتى يزيل غموض المباحث المشكلة ويزرع في القلب برد اليقين رضي الله عنه ، ومدّ في عمره.

ومن طريق مفتي الجمهورية الوالد العلامة النحرير السيد أحمد بن محمد زبارة ـ ولي منه إجازة عامة عن والده محمد بن محمد زبارة عن الإمام المتوكل على الله يحيى بن محمد حميد الدين ، عن محمد عبد الله بن علي الغالبي ، عن أبيه ، عن السيد أحمد بن يوسف زبارة ، عن أخيه الحسين بن يوسف ، عن أبيه يوسف بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن أحمد بن صلاح زبارة ، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم ، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد.

وأروي بالسند المتقدم إلى أحمد بن يوسف زبارة عن أبيه الحسين بن أحمد زبارة ، عن السيد عبد الله بن عامر الشهيد ، عن القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري ، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم ، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد. وأيضا بالسند المتقدم إلى الحسين بن أحمد زبارة ، عن القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال ، عن القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري ، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم ، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد. وأيضا عن عبد الله بن علي الغالبي عن أحمد بن زيد الكبسي ، عن محمد بن عبد الرب بن محمد بن زيد بن المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم ، عن عمه إسماعيل بن محمد بن زيد ، عن أبيه محمد بن زيد ، عن أبيه زيد بن المتوكل على الله إسماعيل ، عن المتوكل على الله إسماعيل ، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد.

١

وعن الوالد الزاهد التقي الولي السيد حمود بن عباس المؤيد نائب المفتي ، عن القاضي عبد الواسع بن يحيى الواسعي ، عن القاضي العلامة محمد بن عبد الله الغالبي عن أبيه عبد الله بن علي الغالبي بإسناده المتقدم.

والقاضي العلامة شيخي المحقق عبد الحميد بن أحمد معياد.

والقاضي العلامة محمد بن أحمد بن أحمد الجرافي ، عن عبد الله بن عبد الكريم الجرافي عن الحسين بن علي العمري ، عن عبد الملك بن حسين الآنسي ، عن عبد الله بن علي الغالبي بإسناده المتقدم.

ومن علماء صعدة أرويها عن عالم اليمن خاتمة المحققين السيد الوالد مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي ، وهو يرويها عن المؤلف بسندين : ـ

الأول : عن أبيه عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي عن الإمام محمد بن عبد الله الوزير ، عن أحمد بن زيد الكبسي ، وأحمد بن يوسف زبارة ، ويحيى بن عبد الله الوزير ، عن الحسين بن يوسف زبارة ، عن أبيه يوسف ابن الحسن ، عن أبيه السيد الإمام الحافظ الحسين بن أحمد ، عن السيد عامر بن عبد الله ، عن الإمام المؤيد بالله ، عن أبيه القاسم بن محمد.

الثاني : عن أبيه محمد بن منصور ، عن محمد بن القاسم الحوثي ، عن السيد محمد بن محمد بن عبد الله الكبسي ، وأحمد بن زيد الكبسي ، عن محمد ابن عبد الرب ، عن عمه إسماعيل بن محمد ، عن أبيه محمد بن زيد عن أبيه زيد ابن الإمام المتوكل على الله إسماعيل ، عن أبيه ، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.

والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد يرويها عن أمير الدين بن عبد الله ، وعن السيد إبراهيم بن المهدي القاسمي ، وعن السيد صلاح بن أحمد ابن عبد الله الوزير ، ثلاثتهم عن الإمام يحيى شرف الدين ، عن الإمام محمد بن علي السراجي ، عن الإمام عز الدين بن الحسن ، عن الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان ، عن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى

٢

المرتضى ، عن الإمام محمد بن سليمان ، عن الإمام الواثق بالله المطهر ، عن والده المهدي لدين الله محمد ، عن والده الإمام (المظل بالغمام) المطهر بن يحيى ، عن المؤلف الحسين بن بدر الدين.

وعن الوالد العالم المحقق المجاهد السيد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي. وقد أجازني إجازة عامة.

كلمة عن الكتاب :

من المعروف أن المذهب الزيدي يتربّع على قمة المذاهب والمدارس الإسلامية المتسامحة والمنفتحة ، وهو المذهب الفاتح لباب الاجتهاد ، رغم إغلاقه في العصور المظلمة ، بل هو الموجب للاجتهاد على كل قادر عليه ، وهو مذهب يحافظ على حرية الفكر والبحث في الحدود التي سمح بها الإسلام ، أي في المسائل التي لها دليل أو شبهة دليل. وها هي عبارة الإمام المهدي في مقدمة الأزهار تقول :

التقليد في المسائل الفرعية العلمية الظنية والقطعية جائز لغير المجتهد لا له ، ولو وقف على نص أعلم منه ، ولا في عملي يترتب على علمي كالموالاة والمعاداة.

ومما يميز علماء الزيدية عن غيرهم خصوصيتهم بأئمة آل البيت وحفظ تراثهم وعدم إغفالهم آراء واجتهادات أئمة المذاهب المشهورة ، وغيرهم من سلف الأمة وخلفها. وقد استوعبت خزائن كتبهم مؤلفات العلماء المشهورين قاطبة ؛ لكن تراث الزيدية وكنوز مخطوطاتهم لم يتيسر لعلماء المسلمين الاطّلاع عليه ، إلا القليل النادر ؛ للأسباب التالية : ـ

١ ـ ملاحقة أئمة المذهب الزيدي وشيعتهم من قبل الدولة الأموية ثم العباسية بسبب مناهضتهم للانحراف ، وخروجهم على الظلمة ؛ فتسبب ذلك في قتلهم وتشريدهم واختفائهم ، وصاروا جبهة معارضة يكرهها الملوك ، ويرونها خطرا عليهم ، وتنغيصا للذاتهم ، وكبحا لجماع شهواتهم ؛ فتعاملوا مع الزيدية بقسوة ووحشية ، ونفّروا العامة عنهم ، ورسّخوا في أذهانهم كراهة هؤلاء حتى وإن

٣

كانوا أولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والشاهد على ذلك ما جرى لسلفهم : عليّ في مجزرة صفين مع معاوية ، والحسين بن علي ومذبحة كربلاء بعناية يزيد (١) ، وزيد بن علي وصلبه وتحريقه (٢) ، بأمر هشام بن عبد الملك بن مروان ، وقتل ولده يحيى ، بأمر الوليد بن يزيد (٣). ومصرع العشرات من كبار أئمة بيت النبوة كالنفس الزكية وإخوانه قتلا بسيف أبي جعفر المنصور العباسي (٤) ، وخنقا في سراديب تحت الأرض (٥). يروى أن هارون الرشيد كان لا يطيق سماع رجل لامع من أولاد علي (ع) فتتبعهم حتى كاد يفنيهم.

٢ ـ انحصار وانحسار المذهب الزيدي في جبال اليمن الشاهقة وشعابه البعيدة حتى كأنّ أبناء هذا المذهب خلف سد ذي القرنين أو في جزر واق الواق.

٣ ـ مقاومة اليمنيين للغزاة من الأكراد والأتراك الذين كانوا يدينون ويتقربون إلى الله بقتل الزيدية ، وظلّ هذا الصراع قرونا.

٤ ـ الفقر المدقع الذي ابتليت به اليمن أسهم في تأخير نشر التراث الثمين.

٥ ـ بعد ١٩٦٢ م دخلت اليمن في حرب أهليّة ، لكن المؤسف حقا أن يعامل الفكر والتراث الزيدي من قبل الثوار معاملة النظام الذي قامت عليه الثورة ، علما أن الثورة استمدت شرعيتها من المذهب الزيدي القائل بالخروج على الظالم ، والثوار زيدية في الغالب ، وكان المنطق يقتضي بأن يعترف رجال الثورة بعظمة مذهبهم لا أن يقلبوا له ظهر المجن!

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٩٥ ـ ١٢٢. وتاريخ الطبري ٥ / ٤٠٠ ـ ٤٦٧.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ١٤٣ ، ١٤٤. وتاريخ الطبري ٧ / ١٨٨.

(٣) مقاتل الطالبيين ص ١٥٧ ، ١٥٨. والطبري ٧ / ٢٣٠.

(٤) مقاتل الطالبيين ص ٢٦٠ ـ ٢٧٦ ، في أمر محمد بن عبد الله ، وأما إخوته وأبناء عمه الذي قتلهم أبي جعفر فانظر ص ٢٧٨ من نفس المصدر.

(٥) مقاتل الطالبيين ص ١٧٩ ـ ٢٠١

٤

أما قضية الإمامة وحصرها في أولاد الحسن والحسين بشروط بعيدة المنال ، فليست الزيدية وحدهم تكلموا في هذا ، فالمذهب الجعفري يحصرها في اثني عشر ، وأهل الحديث يحصرونها في قريش. وفي العصر الحديث ، نرى اليابان تجعل أسرة الامبراطور آلهة. وفي الدول الملكية يحصرون الملك في أسر معينة ، وينتظرون الطفل في بطن أمه ، ولا يجوز الخروج عن الأسرة التي حددها الدستور.

فلما ذا لا يحترم المذهب الزيدي في رأيه ، ولا سيما وهو بصدد حصر الإمامة في أسرة عريقة في الإسلام ، وقدمت خدمات أجل من أن توصف بل هي أسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم إنا نعرف أن النظريات غير الواقع ، فما عرف التأريخ إلا منطق الغلبة والقوة منذ وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليوم. والمستبعد هم آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغالب ، وليس لهم حظ سوى في عقائد بعض الفرق كالزيدية ، أفلا نترك هذه الفرقة العظيمة لتحمل الذكريات على الأقل.

وإذا كان هناك ما يستدعي التعديل حسب المنطق الثوري ، وهو مسألة حصر الإمامة في البطنين فقد حسمها الدستور حيث ساوى بين اليمنين في الحقوق والواجبات ، لكن غرابة المذهب الزيدي وضياعه في داره لم يكن فقط في إدخاله في قفص الاتهام بجوار آل حميد الدين ونبز من يدرسه بالملكي والرجعي والإمامي! وما شابه ذلك ، إنما الغرابة في إزالته من المناهج الدراسية الابتدائية والاعدادية والثانوية والجامعة ، وأصبح مألوفا تدريس الجبر والتشبيه والتجسيم ، وصار بطل الساحة في الدراسات الإسلامية هو ابن تيمية! ولم يعد للإمام الشهيد زيد بن علي عليه‌السلام مكان! ولا للإمام العادل يحيى بن الحسين محل! ، وقد نجد المدرّس في الجامعة يشير في بحثه إلى الظاهرية والخوارج وابن القيم ، ولا يخطر المذهب الزيدي له ببال ولو من باب الوطنية! وبعضهم ممن لا تلتقي بذمه الشفتان استحقارا له ، يشتم المذهب وينتقصه ، ولو وجد من الطلاب من يحثي في أفواه مثل هؤلاء المرضى والمعقدين لما تجرءوا على التطاول على مذهب العدل والاجتهاد والحرية.

٥

وهكذا توالت المحن على الزيدية في كل نواحي حياتهم. واليوم ونحن في عصر الذرة والكمبيوتر والفضاء لا تزال كتب هذا المذهب العظيم أو ما تبقى منها حبيسة تلاحقها عصابات تهريب المخطوطات وتتلفها دابة الأرض.

تنبيهات :

١ ـ ربما وردت الآيات على قراءة نافع حسب اختيار المؤلف ؛ فأثبتناها على قراءة حفص. ٢ ـ قد نكمل شيئا من الآية لا بد منه كأن يكون كلمة أو حرف.

٣ ـ الأحاديث أبقيناها بدون تعديل ؛ لجواز اختلاف اللفظ في الحديث مع اتحاد المعنى وقد أشرنا لما في كتب الحديث بالهامش.

٤ ـ قد توجد في الكتاب كلمة عليهما‌السلام أو عليهم‌السلام أو عليها‌السلام فنجعلها (ع) للاختصار ، وأيضا قد توجد كلمة رضي الله عنهما أو رضي الله عنهم أو رضي الله عنها فنجعلها (رض).

٥ ـ الأحاديث الواردة في كتاب الينابيع متفاوتة شأنها شأن أي كتاب فمنها الأحاديث المتواترة ، ومنها الصحيحة ، ومنها الحسنة ... إلى آخر الدرجات.

وقد حاولنا إسنادها إلى المصادر الحديثية من طرق أئمة آل البيت (ع) وغيرهم من أئمة الحديث ، غير أن أمزجة الناس مختلفة ولا سيما في باب الفضائل.

فالمحبون لأهل البيت لا يتسرعون في رد الروايات الواردة في فضلهم ، والمنحرفون عنهم يتمحلون تضعيف المتواتر ؛ ولهذا سأترك المطّلع الكريم ليقرر بنفسه ما يراه براءة لذمته ، إلا أن أئمة الزيدية وضعوا للأحاديث معيارا للقبول صار ما يتلخص فيما يلي : ١ ـ وجوب العرض على القرآن فلا يقبل ما ناقضه وعارضه مطلقا ، ٢ ـ وأن يقبله العقل. ٣ ـ أن يكون مجمعا على صحته ، وقبله أئمة أهل البيت ، أو تلقته الأمة بالقبول. وقد استطاعوا بهذه القاعدة الصارمة قاعدة العرض على القرآن والعقل أن يكشفوا الأحاديث التي دسها الزنادقة

٦

ومجسمة اليهود التي تصور الله سبحانه بأنه جسم ذو أعضاء! ومن الغريب أن ينبري شيخ من كبار المحدثين لتصنيف كتاب في توحيد الله سبحانه ، أو بالأحرى في تشريح الله سبحانه! ولم يتورع أن يكثر من العناوين المسيئة لله عزوجل : باب إثبات الوجه لله والعين واليد والرجل ولم يبق سوى اللحية والعورة! كما قيل عن بعضهم : سلوني عما شئتم يقصد من أعضاء الله سبحانه ما عدا اللحية والعورة!

إنها للأسف سوءة فكرية وعورة اعتقادية أظهرتها سذاجة التفكير وشؤم الجمود والتقليد ، أما إذا حكى لنا القرآن أن آدم لمّا أخطأ ؛ قال : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ولما أخطأ إبليس ؛ قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) ويأتي من أمة محمد من يزعم أن الله هو الذي خلق المعاصي في عباده ، فهذا شيء عجب ، والأعجب من ذاك أن يعذبهم عليها! والأعجب من ذلك أن تروى أحاديث لدعم هذا الهراء في كتب شتى ، حتى أن البخاري صنف كتابا في خلق الأفعال! ثم يطلب من الأمة أن تصدق أن مذهب إبليس أصبح مذهبا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن خلق الأفعال يعني خلق الغواية فيكون إبليس صادقا في دعواه! حقّا لقد أعجز هؤلاء حب التسليم وأصابهم الجبر بالشلل وقعد بهم التوكل.

هذه القضايا الخطيرة وأمثالها ناقشها علماء الزيدية وقدموا حلولا لاشكالاتها ، وأحراهم إن وصلت كتبهم إلى العامة وسلمت من حملات التشويه أن يحملوهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم ، ورحم الله امرأ تجرد للحق وعمل بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها» ، والرجوع إلى الحق فضيلة.

تنويه : هناك تعقيبات لاحظها العلماء ، ومآخذ يسيرة على الكتاب لا تقلل من قيمته العلمية ، وقد أشار الوالد الفاضل مجد الدين المؤيدي إليها كقصة البساط ، والمنجنيق ، وقتل عامر بن الطفيل ، وأن عليّا عليه‌السلام قتل (٦٧) رجلا يوم بدر ... ونبهنا عليها في مواضعها.

٧

وفي الأخير أسأل الله العلي القدير أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه على ما يشاء قدير ، ولا ندعي الكمال فجلّ من لا يسهو.

وإن تجد عيبا فسد الخللا

فجل من لا عيب فيه وعلا

وأقدم شكري للجنود المجهولين الذين لهم الفضل في إخراج هذا الكتاب ، وهم فريق التحقيق بالمركز ، وفي مقدمتهم السيد عبد الله الشريف ، وكذا الطباعين. والحمد لله رب العالمين. وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ...

المرتضى بن زيد بن زيد بن علي المحطوري

٢٧ / رجب سنة ١٤١٩ ه‍ ـ ١٦ / ١١ / ١٩٩٨ م

* * *

٨

٩

١٠

١١

١٢

١٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القادر العليم ، الفاطر الحي القديم ، الذي خلق العالم بغير تعليم وسلك به في منهج الحكمة المستقيم.

الظاهر لعقول ذوي المعرفة ، الباطن عن أوهام ذوي التّيه والسفه ، الذي كفّت لهيبته كفّ كيف ، وقطعت شبه التصوير له براهين التوحيد بالسيف ؛ فلا يجوز عليه الكيف ، ولا الأين ، ولا الحيث ، ولا البين. تنزّه عن المشاركة في الصّمديّة ، فاختصّ بالوحدانيّة والإلهيّة ، لا يعرف بالحواس ؛ فترشقه قوس الآفات بالانتقاص ، ولا يقاس بالناس فينتظم في سلك العامّة والخواص (١) ، لا يعرفه المكلفون بالعيان ، فتحويه الجهة والمكان ، ولكن يعرفه أهل الإيمان بما ابتدعه من خلقه وأبان ، وجعله على ذاته أعظم برهان ، الغنيّ فلا تجوز عليه الفاقة ، والمكلّف لعباده دون الطاقة ، العدل الحكيم فلا يجوز ، ولا يقضي بالفساد في أمر من الأمور ، يكره القبيح ولا يريده ، ويتعالى عن أن ينسب إليه شيء ممّا يفعله عبيده ، المختصّ للمكلّفين منهم بهداه ، من أطاعه ومن عصاه ؛ كما قال عز وعلا فيمن أطاع : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] (٢) وقال فيمن عصى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧].

لا يضلّ المؤمنين بعقابه ، ولا يهدي المجرمين بتوفيقه وثوابه ، ركّب العقول في قلوب المكلفين لإقامة حججه ، وأرسل الرّسل لإيضاح الدين ومنهجه ، (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥].

__________________

(١) في (ب) : الخاص.

(٢) في (ب) : فيمن أطاع وعصى فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى.

١٤

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، ابتعثه على حين فترة من الرّسل ، وانقطاع من السّبل ، وطموس من الهدى ، وظهور من الكفر والردى ، فقام بنصر الحقّ وحزبه ، وأعلن بإهانة الباطل وسبّه ، وجاهد في الله حقّ جهاده ، وبلّغ ما أمره الله بتبليغه إلى عباده ؛ (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢] ؛ فبان الحقّ وظهر ، وتلألأ نور شموسه وانتشر ، وصار حندس (١) الكفر زائلا ، ونجم الضلالة بعد طلوعه (٢) آفلا ، وقدم الإسلام لقمّة الكفر عاليا (٣). وخصّنا باتّباعه ومحبّته ، كما اختصّنا بولادته (٤) وبنوّته (٥).

شهادة ثابتة الأعماد ، راسية الأوتاد ، باقية إلى يوم التناد ، صحيحة في القول والعمل والاعتقاد.

ولمّا قبض الله محمّدا عليه‌السلام وعلى الأئمة من ولده الكرام ـ ختم النبوة بالإمامة ، وجعلها عوضا منها إلى يوم القيامة ؛ فجعل الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا ، واجتباه أخا ووليّا ، واصطفاه وزيرا ووصيّا. شهد بذلك خبر

__________________

(١) الحندس ـ بكسر الحاء والدال ـ : الليل المظلم. القاموس ص ٦٩٥.

(٢) عبارة الإمام رحمه‌الله في قوله : ونجم الضلالة جرى على غير المشهور ؛ إذ الضلالة تناسبها الظلمة ، تمّت من هامش الأصل.

(٣) في (ب) : وربع الدين عن أهليه خاليا. وهو ساقط في الأصل. ولهذا لم نثبته.

(٤) في هامش (ب) تعليق هذا نصّه : بولايته ، وقال : كذا في نسخة ، وهي الأصح ؛ لأنه لا يستقيم بولادته ، إلا ويكون الضمير لآل محمد صلّى الله عليهم ، وهو لا يستقيم مع قوله : وخصنا باتّباعه ومحبته ، إذ الضمير فيه للأمة ؛ فتأمل والله ولي التوفيق. تمّت.

(٥) في (ب) : بالوجهين وبنويته ، وبولايته ونبوته.

١٥

الولاية يوم الغدير (١) ، كما لا ينكره الطّبّ البصير. وما خبر المنزلة بمغمور ، بل هو عند جميع الرّواة مشهور. وهل يعتري الشكّ فيمن شهدت له آية الولاية في التنزيل. وخدمه في قصّة السطل جبريل. وردّت له الشمس بعد المغيب. وقتل الجنّ في وسط القليب. أين يتاه بالعقول عمن زوّج في السماء بفاطمة الزهراء. وحملته الريح وصحبه (٢) في الهواء ، وكلّمته دونهم الموتى. وليتأمل الناظر ما في سورة هل أتى ، ولا يكن ممن عاند وعتى. وليتبين ما في قصّة الراية ، إن عرف تلك الرواية ؛ فإن لم ؛ فليسأل أهل المعرفة والدراية ؛ إن كان يطلب الهداية. وأين أنت أيها السامع عما أخبر به ربّ الأرباب في مباهلة أهل الكتاب. وابحث عن قصة سورة البراءة (٣) ، ومن خصّ دون الخلق بالتبليغ لها والقراءة ، وهكذا خبر تحية الرحمن الغني ، وما في خبر القطف يغني.

كم ذا أعدّد من مناقب حيدر

ربّ الفضائل والمقام الأكبر

ما إن أتيت بعشر عشر عشيرها

قولا صحيحا لست فيه بمفتري

ونصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامة الحسن والحسين ، وعصمتهما وأبويهما من السفه والشّين ، شهدت بذلك آية التطهير ، في تنزيل اللطيف الخبير ، فكان النص على إمامتهما من الرسول نصا جليا غير مجهول ، صلوات الله عليهم أجمعين وعلى أبنائهم الأكرمين. وأشهد أن الإمامة في أولاد (٤) الحسن والحسين محصورة ، وعلى من سواهم ما بقي التكليف محظورة ، والمخصوص بذلك من

__________________

(١) جاء في المقدمة فضائل جمة. وسيأتي تخريجها في مكانها.

(٢) صحبة لا توجد في (ب).

(٣) في (ب) : براءة.

(٤) في (ب) : ولد.

١٦

عترتهما من سار بسيرتهما (١) وانتمى بأبيه إليهما ، متى جمع شرائط الإمامة ، وكان ضليعا [قويّا] بحمل أثقال الزّعامة.

وأشهد لمبدئ الخلق ومعيده ، بصدقه في وعده ووعيده.

أما بعد : فقد سألني بعض من زكت محاتده (٢) وعناصره ، وسمت على العيّوق (٣) مناقبه ومفاخره ـ أن أرسم له في العقيدة زبدا كافية ، ونتفا (٤) من البراهين شافية ، وأن أورد من الأدلة الشرعية ما يكون مؤكّدا للأدلة العقليّة ، وأن أذكر جملة من متشابه الأخبار والآيات ، التي تعلّق بظاهرها أهل الجهالات ، وأبيّن ما صحّحه العلماء من معانيها ، ووجوهها التي تجوز فيها ، وأشير له إلى جملة من فروض الخمس الصلوات ، وتمييزها مما يتخللها من السنن والهيئات ، مجرّدة عن ذكر جميع الأدلة والخلافات.

فأجبته إلى ما سأل ، رغبة في ثواب الله عزوجل ، وسأقصد في ذلك عين محبوبه ، وأقف على حد مطلوبه ، فإنّ تعدّي المراد مملول ، والاقتصار على الغرض مقبول ، بمشيئة الله ذي الجلال ، وتوفيقه في جميع الأحوال. وقد جعلت ما أوردته من الأخبار ، وذكرته من الآثار ، مما سمعته بالأسانيد الصحيحة (٥) ، وقصدت بذلك باب الهداية والنصيحة ، واتبعت في ذلك قول

__________________

(١) في (ب) : سيرتهما.

(٢) المحتد : الأصل والطبع. ينظر القاموس ٣٥٢.

(٣) نجم بعيد في السماء.

(٤) النتفة ما تنتفه بإصبعك من النبت وغيره ، والجمع كصرد وهمز : من ينتف من العلم شيئا ولا يستقصيه. القاموس ص ١١٠٤. وفي (ب) : نثفا ، وليس لها معنى.

(٥) يحمل هذا على ما ورد في العقيدة ، أما أحاديث الفضائل ففي بعضها تسامح ؛ ولعل المؤلف اكتفى بنقلها من كتب الحديث ، وبعضها من أصول الكافي وعمدة ابن البطريق بدون تمحيص ، فالعهدة على القارئ.

١٧

الله تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ١٧ ، ١٨] وقول أبينا ونبيّنا صلّى الله عليه وعلى آله الهداة : «بلغوا عني ولو آية (١)». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتب العلم لله ، وأراد به صلاح نفسه وصلاح المسلمين ، ولم يرد بذلك عوضا من الدنيا ، فأنا كفيله بالجنّة» (٢). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولمذاكرة العلم ساعة أحبّ إلى الله تعالى من عبادة عشرين ألف سنة» (٣). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من تعلّم بابا من العلم ليعلّم النّاس أعطي ثواب سبعين نبيا (٤)». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من يسأل (٥) عن علم يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار (٦)».

__________________

(١) أخرجه المرشد بالله في أماليه الخميسية ١ / ٦٥. والبخاري ٣ / ١٢٧٥ رقم ٣٢٧٤. والترمذي ٥ / ٣٩ رقم ٢٦٦٩. وابن حنبل ٢ / ٥٥٣ رقم ٦٤٩٦ في المسند.

(٢) السفينة ٣ / ٩.

(٣) في السفينة ٣ / ٩. ومسند شمس الأخبار ١ / ٢٢٤ عن ابن مسعود أنه قال : أيّما مؤمن مات وترك أربعين حديثا مما ينتفع به المؤمنون جعل الله مكافأته الجنة ، وكتب له بكل حديث ثواب ألف شهيد. والمؤمن إذا سمع أربعين حديثا وقف يوم القيامة مقام العالم ، وأعطاه الله ثواب اثني عشر شهيدا. والمؤمن والمؤمنة إذا أنفقا درهما أو دانقا في سبيل العلم أعطاهم الله ثواب أجر ستين حجة وعمرة. وتعليم حرف من العلم خير من عبادة ألف سنة. وتفكّر ساعة خير من عبادة ألف سنة».

(٤) سلوة العارفين للموفق بالله ص ١٥٧ ، وفي الترغيب والترهيب ١ / ٩٨ بلفظ : سبعين صديقا ، وعزاه إلى الديلمي في مسند الفردوس.

(٥) في (ب) : من سئل.

(٦) رواه المرشد بالله في أماليه ج ١ ص ٤٦. وأبو طالب في الأمالي ص ١٤٠. وسلوة العارفين ١٥٦ ، وروي بلفظ : «من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار». أحمد ٣ / ٥٨٢ رقم ١٠٦٠٢ ، وأبو داود رقم ٤ / ٦٨ رقم ٣٦٥٨ ، والترمذي ٥ / ٣٠ ، ورقم ٢٦٥١ ، وابن ماجة ١ / ٩٦ رقم ٢٦١.

١٨

فشرعت لأجل جميع ما تقدم في الكتابة ، وأنا أسأل الله التوفيق للإصابة. وأنا أقدّم من ذلك ما يجب تقديمه : وهو علم التوحيد والعدل ؛ فإنه يجب تقديمه على الصلوات ؛ لأن بالتوحيد والعدل يعرف الله تعالى ورسوله دون غيرهما من العلوم. وما لم يعرف العابد المعبود لم يصح كونه عابدا له. ولا إشكال في أن العلم بصحة الفروع مبنيّ على تقدم (١) العلم بالأصول ؛ فمن لم يعرف الأصول ـ التي هي التوحيد والعدل ـ كان هالكا لكفره عند أهل العلم والفضل ، وكانت صلاته وصيامه عليه وبالا ، وذهبت سائر عباداته ضلالا ، كما قال تبارك وتعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف : ١٠٣ ، ١٠٤] فلهذا المعنى قلنا بوجوب تقديم الكلام في العقيدة ، ثم نتبعه الكلام في العبادة بمشيئة الله. ومنه تعالى نستمد التوفيق والتسديد والإعانة والتأييد ، ونسأله أن يأخذ بأزمّة قلوبنا إلى الهدى ، وأن يعصمنا عن الضلالة والردى ، إنه وليّ ذلك والقادر علي ما هنالك. فنقول وبالله التوفيق : «أما عقيدتنا أهل البيت فنحن نوردها على الوجه الذي يصلح».

فصل : فأوّل ذلك أنّا نعتقد أنّ أوّل ما يجب على البالغ العاقل من الأفعال الواجبات التي لا يعرى عن وجوبها مكلّف ـ هو التفكر في الأدلّة والبراهين الموصلة إلى معرفة ربّ العالمين. والواجب : هو ما للإخلال به مدخل في استحقاق الذم على بعض الوجوه. فإن قيل : دلّوا على أنه واجب ، ثم دلّوا على أنه أول الواجبات. قلنا : الذي يدل على ذلك أنّ العلم بالثواب والعقاب واجب ، والعلم بهما لا يتمّ إلا بعد العلم بالله تعالى ، وسائر المعارف المعبّر

__________________

(١) في (ب) : تقديم.

١٩

عنها بأصول الدين. والعلم بالله تعالى وسائر المعارف المذكورة متقدمة على سائر الواجبات سوى التفكر فيما ذكرناه. ومعرفته تعالى ، والعلم بهذه المعارف لا يتمّ إلا بالتفكر فكان واجبا ، وثبت أنه أوّل الواجبات.

فإن قيل : ما الدليل على أنّ العلم بالثواب والعقاب واجب؟ ـ قلنا : الذي يدل على ذلك أنه لطف للمكلفين في القيام (١) بما كلّفوه من الواجبات (٢) ؛ لأن اللّطف هو ما يكون المكلّف معه أقرب إلى فعل ما كلّف فعله ، وترك ما كلّف تركه ، أو إلى أحدهما مع تمكنه في الحالين جميعا (٣). وهذا المعنى حاصل في العلم بالثواب والعقاب ؛ فإنّ من علم بأن النفع العظيم وهو الثواب الدائم متعلّق بالطاعة ـ دعاه ذلك إلى فعلها طلبا لملاذّ الثواب. ومن علم بأن الضرر العظيم وهو العقاب الدائم متعلق بالمعصية ـ صرفه ذلك عن فعلها حذرا من ضرر العقاب ، كما أنّ من علم أنّ في التجارة ربحا عظيما ، وفي الطريق خوفا شديدا ، فإنه يكون أقرب إلى التمسك بالتجارة والتجنّب للطريق ممن لم يعلم ذلك. كذلك في مسألتنا. ولا شك أن تحصيل ما هو لطف في الواجب واجب ؛ لأنه يجري مجرى دفع الضرر عن النفس. ومعلوم بضرورة

__________________

(١) في (ب) : بالقيام.

(٢) الظاهر أن هذا يترتب على كون الثواب والعقاب واجبين ، وهو خلاف ما عليه البغدادية ومن تابعهم في كون الواجبات شكرا. فينظر. فالبغدادية تقول : يجب الثواب والعقاب. وقد حكى الإمام يحيى إجماع العدلية على الوجوب ، والبغدادية توجب الأصلح فهم أزيد في الوجوب.

(٣) في هامش نسخة المنصور : فائدة هذا فيه قول بثبوت الألطاف ، وهو الذي ذكره وهو اللطف المطلق. وأما لطف التوفيق فهو ما يفعل عنده الواجب لا محالة. ولطف العصمة ما يترك عنده القبيح لا محالة ، كما ذكر مقرر في مواضعه. تمت إملاء.

٢٠