علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-3-1
الصفحات: ٨٧٨

كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) [٤٥ / ٢٨] ، فيقضى الله بين خلقه ، ويقضى بين الوحوش والبهائم ، حتّى أنّه ليقتصّ الجمّاء من ذات القرن ، ثمّ يقول : «كوني ترابا» ، فعند ذلك يقول الكافر : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) ـ ثمّ يقضى بين العباد».

وعن ابن عمر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) قال : «يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم أمّهاتهم حفاة عراة».

فقالت عائشة : «الرجال والنساء»؟ قال : «نعم».

قالت : «وا سوأتاه ـ فينظر بعضهم إلى بعض»؟

فضرب على منكبها ، قال : «يا ابنة أبي قحافة ـ يشتغل الناس يومئذ عن النظر ، وشخصوا بأبصارهم إلى السماء موقفين أربعين سنة ، لا يأكلون ولا يشربون ؛ فمنهم من يبلغ العرق قدميه ، ومنهم من يبلغ ساقيه ، ومنهم من يبلغ بطنه ، ومنهم من يلجمه العرق من طول الوقوف ؛ ثمّ يقوم الملائكة حافّين من حول العرش ، فيأمر الله مناديا فينادي : «أين فلان بن فلان»؟ فيشرئبّ الناس ـ أي رفعوا رءوسهم ـ لذلك الصوت ، ويخرج ذلك المنادي من الموقف ، فإذا وقف بين يدي ربّ العالمين فيسأل : «أين أصحاب المظالم»؟

فينادون رجلا رجلا ، فيؤخذ من حسناته ويدفع إلى مظلمته ، يومئذ لا دينار ولا درهم ، إلّا أخذ من الحسنات وردّ من السيّئات ؛ فلا يزالون يستوفون من حسناته حتّى لا تبقى له حسنة ، ويؤخذ من

__________________

(١) ـ جاء ما يقرب منه في الدر المنثور (غافر / ١٧ ، ٧ / ٢٨٠) : «أخرج الخطيب في تاريخه بسند واه عن عمر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم ...».

٤٠١

سيّئاته فيردّ عليه ، فإذا فرغ من حسناته قيل له : «ارجع إلى أمّك الهاوية» ، فإنّه لا ظلم اليوم إنّ الله سريع الحساب ـ يعني سريع المجازاة ـ فلا يبقى يومئذ ملك ولا نبيّ ولا شهيد إلّا ظنّ ـ لما يرى من الشدّة ـ أن لا ينجو ، إلّا من عصمه الله ـ تعالى ـ».

وعن عكرمة ، قال (١) : إنّ الوالد يتعلّق بولده يوم القيامة ، فيقول : «يا بنيّ ـ إنّي كنت في الدنيا والدك» ، فيثني عليه خيرا.

فيقول له : «يا بنيّ ـ إنّي قد احتجت إلى مثقال حبّة من حسناتك ، لعلّي أنجو ممّا ترى».

فيقول له ولده : «إنّي أتخوّف مثل الذي تخوّفت ، فلا اطيق أن اعطيك شيئا».

ثمّ يتعلّق بزوجته ، فيقول لها : «يا فلانة ـ إنّي كنت زوجك في الدنيا» ، فتثني عليه خيرا.

فيقول لها : «إنّي أطلب منك حسنة واحدة تهبها لي ، لعلّي أنجو ممّا ترين».

فتقول : «لا اطيق على ذلك ، فإنّي أتخوّف مثل الذي تخوّفت».

فيقول الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [٣٥ / ١٨].

يعني الذي أثقله الذنوب لا يحمل أحد منه شيئا من ذنوبه.

__________________

(١) ـ حكى السيوطي ما يقرب منه في الدر المنثور (فاطر / ١٧ ، ٧ / ١٧) ، قال : أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة ...

٤٠٢

وعن ابن مسعود : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) قال : «إنّ الكافر ليلجم بعرقه من طول ذلك اليوم حتّى يقول : ربّ ـ أرحني ولو إلى النار».

وروي (٢) أنّ أعظم الساعة ترد عليه في الدنيا : عند خروج روحه ، إذا شخصت عيناه ، وانتشرت منخراه ، وتساقطت شفتاه ، واصفرّت وجهاه ، وعرق جبينه ، واشتدّ أنينه ، وانعقد لسانه ؛ ولا يجيب جوابا ، ولا يقدر أن يردّ كلاما ؛ وقد عاين ما قدّم ، واسترخت مفاصله ، وانقطعت أعضاؤه ، وجفاه أحبّاؤه ، وتفرّق عنه أقرباؤه ، وودّعه المكان ؛ فيبقى متحيّرا قد تغيّر عقله ، وتمكّن الشيطان من اختلاسه.

وتلك الساعة عظيمة عليه ، واغلق عليه باب التوبة ، فأفضل ما تكلم العبد في ذلك الوقت كلمة الشهادة.

وأمّا أعظم الساعة (٣) ترد عليه في الآخرة : فإذا نفخ في الصور ويبعث ما في القبور ، وتعلّق المظلوم بالظالم ؛ وكان الشهود الملائكة والسائل هو الله ، وأهل العذاب في جهنّم ، وأهل النعيم في الجنّة ؛ ووضع كلّ ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، ورأيت الولدان شيبا في ذلك اليوم.

__________________

(١) ـ قال في الترغيب والترهيب (كتاب البعث ، ذكر الحشر وغيره ، ح ٥١٥٨ : ٦ / ١٨٢) : رواه الطبراني في الكبير [١٠ / ١٠٠ ، ح ١٠٠٨٣] بإسناد جيد [بلفظ : إن الرجل] ، وأبو يعلي ، ومن طريقه ابن حبان [بلفظ : إن الكافر].

(٢) ـ في الخصال (١ / ١١٩ ، باب الثلاثة ، ح ١٠٨) عن الإمام السجاد عليه‌السلام : «أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات : الساعة التي يعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقوم فيها من قبره ، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى ...».

عنه البحار : ٦ / ١٥٩ ، ح ١٩.

(٣) ـ كتب على الهامش : ساعة ـ ظ.

٤٠٣

قال الله ـ تعالى ـ : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ـ الآية ـ [٣٦ / ٢٩] و (سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) [٣٩ / ٧١] و (سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) [٣٩ / ٧٣].

ويقال : يشهد عليكم سبعة شهود :

المكان والأرض (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [٩٩ / ٤].

والزمان كما ورد في الخبر (١) ينادي كلّ يوم : «أنا يوم جديد ، وأنا على ما تعمل شهيد».

واللسان : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) [٢٤ / ٢٤].

والملكان : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ) [٨٢ / ١٠ ـ ١١].

والديوان : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [٤٥ / ٢٩].

والرحمن : (كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) [١٠ / ٦١].

فكيف يكون حالك ـ يا عاصي ـ

بعد ما شهد عليكم هؤلاء الشهود.

* * *

__________________

(١) ـ في أمالي الصدوق (المجلس ٢٣ ، ح ٢ ، ١٦٩) عن علي عليه‌السلام : «ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم : يا ابن آدم ، أنا يوم جديد ، وأنا عليك شهيد ...».

عنه البحار : ٧١ / ١٨١. وورد فيه (٨٦ / ١٢٩ و ٧ / ٣٢٥) عن فلاح السائل ومحاسبة النفس أيضا.

٤٠٤

[٥]

باب

الخصماء والمظالم

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) [١٤ / ٤٣]

فصل [١]

روي في الكافي (١) بإسناده عن سيّد العابدين عليه‌السلام أنّه قال : حدّثني أبي ، أنّه سمع أباه علي بن أبي طالب عليه‌السلام يحدّث الناس ، قال :

«إذا كان يوم القيامة بعث الله ـ تعالى ـ الناس من حفرهم عزلا بهما جردا مردا (٢) في صعيد واحد ، يسوقهم النور ، وتجمعهم الظلمة ؛

__________________

(١) ـ الكافي : الروضة ، ح ٧٩ ، ٨ / ١٠٤ ـ ١٠٥. عنه البحار : ٧ / ٢٦٨ ـ ٢٧٠ ، ح ٣٥.

(٢) ـ عزلا : لا سلاح لهم ـ بضم العين وسكون الزاء ، جمع أعزل. بهما : ليس معهم شيء.

جرد : لا ثياب لهم. (الوافي). مرد : جمع أمرد.

قال ابن الأثير (النهاية : بهم ، ١ / ١٦٧) : «فيه «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما» ، البهم : جمع بهيم ؛ وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه ، يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا ، كالعمى والعور ـ

٤٠٥

حتّى يقفوا على عقبة في المحشر ، فيركب بعضهم بعضا ، ويزدحمون دونها ، فيمنعون من المضيّ ، فيشتدّ أنفاسهم ، ويكثر عرقهم ، ويضيق بهم امورهم ، ويشتدّ ضجيجهم ، وترتفع أصواتهم».

ـ قال : ـ «وهو أوّل هول من أهوال يوم القيامة».

ـ قال : ـ «فيشرف الجبّار ـ تعالى ـ عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم : «يا معشر الخلائق ـ انصتوا واستمعوا منادي الجبّار».

ـ قال : ـ «فيسمع آخرهم ، كما يسمع أوّلهم».

ـ قال : ـ «فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، وتخشع أبصارهم ، وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم ، ويرفعون رءوسهم إلى ناحية الصوت ، (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ)».

ـ قال : ـ «فعند ذلك يقول الكافر : (هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) [٥٤ / ٨].

ـ قال : ـ «فيشرف الجبّار ـ تعالى ذكره ـ الحكم العدل عليهم ، فيقول : «أنا الله لا إله إلّا أنا ، الحكم العدل الذي لا يجور ، اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يظلم اليوم عندى أحد ؛ اليوم آخذ للضعيف من القويّ بحقّه ، وبصاحب المظلمة بالمظلمة ، بالقصاص من الحسنات والسيّئات ، واثيب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ـ ولأحد عنده مظلمة ، إلّا مظلمة ، إلّا مظلمة يهبها صاحبها ، واثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ـ وتلازموا أيّها الخلائق ،

__________________

ـ والعرج وغير ذلك ؛ وإنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة أو النار. وقال بعضهم في تمام الحديث : «قيل : وما البهم؟ قال : ليس معهم شيء» ، يعني من أعراض الدنيا. وهذا يخالف الأول من حيث المعنى».

٤٠٦

واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، وأنا شاهد لكم بها عليهم ـ وكفى بي شهيدا ـ».

ـ قال : ـ «فيتعارفون ويتلازمون ، فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حقّ إلّا لزمه بها».

ـ قال : ـ «فيمكثون ما شاء الله ، فيشتدّ حالهم ويكثر عرقهم (١) وترتفع أصواتهم بضجيج شديد ، فيتمنّون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها».

ـ قال : ـ «ويطّلع الله ـ تعالى ـ على جهدهم ، فينادي مناد من عند الله ـ تعالى ـ يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم : «يا معشر الخلائق ـ انصتوا لداعي الله ـ تعالى ـ واسمعوا ، إنّ الله ـ تعالى ـ يقول : أنا الوهّاب إن أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا ، وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم».

ـ قال : ـ «فيفرحون بذلك لشدّة جهدهم وضيق مسلكهم وتزاحمهم»

ـ قال : ـ «فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلّصوا ممّا هم فيه ، ويبقى بعضهم فيقول : «يا ربّ ـ مظالمنا أعظم من أن نهبها».

ـ قال : ـ فينادي مناد من تلقاء العرش : «أين رضوان خازن الجنان ؛ جنان الفردوس»؟

ـ قال : ـ «فيأمره الله ـ تعالى ـ أن يطلع من الفردوس قصرا من فضّة بما فيه من الآنية والخدم».

ـ قال : ـ «فيطلعه عليهم ، في ضافة القصر الوصائف والخدم».

__________________

(١) ـ اضيف في المصدر : ويشتدّ غمّهم.

٤٠٧

ـ قال : ـ «فينادي مناد من عند الله ـ تعالى ـ : يا معشر الخلائق ، ارفعوا رءوسكم ، فانظروا إلى هذا القصر».

ـ قال : ـ «فيرفعون رءوسهم ، فكلّهم يتمنّاه».

ـ قال : ـ «فينادي مناد من عند الله ـ تعالى ـ : يا معشر الخلائق ، هذا لكلّ من عفا عن مؤمن».

ـ قال : ـ «فيعفون كلّهم إلّا القليل».

ـ قال : ـ «فيقول تعالى : لا يجوز إلى جنّتي اليوم ظالم ، ولا يجوز إلى ناري اليوم ظالم ولأحد من المسلمين عنده مظلمة ، حتّى يأخذها منه عند الحساب ؛ أيّها الخلائق استعدّوا للحساب».

ـ قال : ـ «ثمّ يخلّى سبيلهم ، فينطلقون إلى العقبة ، فيكرد بعضهم بعضا حتّى ينتهوا إلى العرصة ـ والجبّار تعالى على العرش ـ قد نشرت الدواوين ، ونصبت الموازين واحضر النبيّون والشهداء ـ وهم الأئمّة ـ يشهد كلّ إمام على أهل عالمه بأنّه قد قام فيهم بأمر الله ـ تعالى ـ ودعاهم إلى سبيل الله».

ـ قال الراوي : ـ فقال له رجل من قريش : «يا ابن رسول الله ـ إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة ، أيّ شيء يأخذ من الكافر ـ وهو من أهل النار»؟

ـ قال : ـ «فقال له عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : «يطرح عن المسلم من سيّئاته بقدر ما له على الكافر ، فيعذّب الكافر بها مع عذابه بكفره ، عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة».

ـ قال : ـ «فقال له القرشي : فإذا كانت المظلمة للمسلم عند مسلم كيف يؤخذ مظلمته من المسلم»؟

٤٠٨

ـ قال : ـ يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حقّ المظلوم فتزاد على حسنات المظلوم.

ـ قال : ـ «فقال له القرشي : فإن لم يكن للظالم حسنات»؟

قال : «إن لم يكن للظالم حسنات ، فإن كان للمظلوم سيّئات ، يؤخذ من سيّئات المظلوم فتزاد على سيّئات الظالم».

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : «هل تدرون من المفلس»؟

قالوا : «المفلس فينا ـ يا رسول الله ـ من لا درهم له ولا متاع».

فقال : «المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ؛ فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ، وإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثمّ يطرح في النار».

* * *

سؤال :

الحسنات والسيّئات عبارة عن أعمال هي حركات قد انقضت ، فكيف ينقل المعدوم الذي لو كان موجودا لكان عرضا لا يبقى لينتقل؟

جواب :

هذا النقل واقع في الدنيا عند جريان الظلم ، لكنّه ينكشف في

__________________

(١) ـ مسلم : كتاب البر والصلة ، باب تحريم الظلم ، ٤ / ١٩٩٧ ، ح ٥٩. المسند : ٢ / ٣٠٣ و ٣٣٤ و ٣٧٢.

٤٠٩

القيامة ، فيرى طاعات نفسه في ديوان غيره ـ كما علمت في نظائره ـ وما لم ينكشف بعد للإنسان فليس بموجود له ، وإن كان موجودا في نفسه ؛ فإذا انكشف له وعلمه ، صار موجودا له وكأنّه وجد الآن في حقّه.

ثمّ المنقول ليس نفس الحسنات والسيّئات ، بل الأثر الذي يترتّب عليهما من تنوير القلب وإظلامه ؛ وإنّما عبّر بهما عن الأثر لأنّه المقصود والغاية منهما ، وبين آثارهما تعاقب وتضادّ.

ولذلك قال تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [١١ / ١١٤].

وفي الحديث (١) : «أتبع السيئة بالحسنة تمحها».

و : «الآلام تمحيصات للذنوب» (٢).

ولذلك قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : «إنّ الرجل ليثاب حتّى بالشوكة تصيب رجله».

__________________

(١) ـ الترمذي : ٤ / ٣٥٥ ، كتاب البر والصلة ، باب (٥٥) في معاشرة الناس ، ح ١٩٨٧ : «أتبع السيئة الحسنة تمحها».

وفي أمالي الطوسي (المجلس السابع ، ح ١٤ ، ١٨٦) : «إذا عملت سيّئة فاعمل حسنة تمحوها». البحار عنه وعن تفسير القمي ٧١ / ٢٤٢ ، ح ٢ ـ ٣.

(٢) ـ في أمالي الطوسي (المجلس ٢٧ ، ح ٢ ، ٦٠٢) : «المرض لا أجر فيه ، ولكنّه لا يدع على العبد ذنبا إلّا حطّه». البحار : ٥ / ٣١٧ ، ح ١٥.

وفي التمحيص : (باب التمحيص بالعلل والأمراض : ٤٣) : «لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة إلا حطّ الله به من خطاياه».

(٣) ـ في مسلم (كتاب البر والصلة ، باب (١٤) ثواب المؤمن فيما يصيبه ... ، ٤ / ١٩٩٢ ، ح ٥١) : «ما من شيء يصيب المؤمن ، حتّى الشوكة تصيبه ، إلا كتب الله بها حسنة ، أو حطّت عنه بها خطيئة». وفي الباب أحاديث اخر يقرب منه.

٤١٠

وقال (١) : «الحدود كفّارت لأهلها».

فالظالم يتبع شهوته بالظلم ، وفيه ما يقسي قلبه ويسوّده ، فيمحو أثر النور الذي في قلبه من طاعته ـ وكأنّه أحبط طاعته ـ.

والمظلوم يتألّم ويكسر شهوته ويستنير به قلبه ، وتفارقه الظلمة والقسوة التي حصلت له من اتّباع الشهوات.

ولقد كان قلب الظالم مستنيرا فكأنّه انتقل النور من قلب الظالم إلى قلب المظلوم ، وانتقل السواد من قلب المظلوم إلى قلب الظالم.

وهذا وإن لم يكن انتقالا حقيقيا ـ بل هو بطلان أمر من موضع وحدوث مثله في موضع آخر ـ إلّا أنّ إطلاق النقل على مثل ذلك استعارة شائعة كما يقال : «انتقل الظلّ ، أو نور الشمس من موضع إلى موضع ، أو ولاية القضاء من فلان إلى فلان» ونحو ذلك.

ـ كذا أفاد بعض العلماء ـ.

* * *

__________________

(١) ـ في الترمذي (كتاب الحدود ، الباب (١٢) ، ٤ / ٤٥ ، ح ١٤٣٩) : «من أصاب من ذلك شيئا فعوقب عليه فهو كفارته». وفي ابن ماجة (كتاب الحدود ، الباب ٣٣ ، ٢ / ٨٦٨ ، ح ٢٦٠٣) : «من أصاب منكم حدا ، فعجّلت عقوبته ، فهو كفّارته ...».

٤١١

[٦]

باب

المساءلة والشهداء

(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ* فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) [٧ / ٦ ـ ٧]

(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٥ / ٩٢ ـ ٩٣]

(وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) [٣٩ / ٦٩]

فصل [١]

[المساءلة العامّة]

روي عليّ بن إبراهيم (١) بإسناده عن مولانا الباقر عليه‌السلام في قوله ـ عزوجل ـ : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [٥ / ١١٩] ـ قال : ـ

«إذا كان يوم القيامة وحشر الناس بالحساب فيمرّون بأهوال يوم القيامة ولا ينتهون إلى العرصة ، ويشرف الجبّار عليهم حتّى يجهدوا جهدا شديدا»

__________________

(١) ـ تفسير القمي : قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ، ١ / ٢١٨ ـ ٢٢١.

٤١٢

ـ قال : ـ «يقفون بفناء العرصة ويشرف الجبّار عليهم ، وهو على عرشه ؛ فأوّل من يدعى بنداء يسمع الخلائق أجمعين ، بأن يهتف باسم محمّد بن عبد الله النبيّ القرشي العربي».

قال : «فيتقدّم حتّى يقف على يمين العرش».

ـ قال : ـ «ثمّ يدعى بصاحبكم ، فيتقدّم حتّى يقف على يسار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يدعى بامّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقفون عن يسار عليّ عليه‌السلام ، ثمّ يدعى بكلّ نبيّ وأمّته معه ـ من أوّل النبيين إلى آخرهم وأمّتهم معهم ـ فيقفون عن يسار العرش».

ـ قال : ـ «ثمّ أوّل من يدعى للمساءلة القلم» ـ قال : ـ «فيتقدّم ، فيقف بين يدي الله في صورة الآدميين ، فيقول الله : «هل سطرت في اللوح ما ألهمتك وأمرتك به من الوحي»؟

فيقول القلم : «نعم ـ يا ربّ ـ قد علمت أنّي قد سطرت في اللوح ما أمرتني وألهمتني به من وحيك».

فيقول الله : «فمن يشهد لك بذلك»؟

فيقول : «يا ربّ ـ وهل اطّلع على مكنون سرّك خلق غيرك»؟

ـ قال : ـ «فيقول له : «أفلحت حجّتك».

ـ قال : ـ «ثمّ يدعى باللوح ، فيتقدّم في صورة الآدميّين حتّى يقف مع القلم ، فيقول له : «هل سطر فيك القلم ما ألهمته وأمرته به من وحي (١)»؟

فيقول اللوح : «نعم يا ربّ ـ وبلّغته إسرافيل».

__________________

(١) ـ المصدر : من وحيى.

٤١٣

ثم يدعى بإسرافيل ، فيتقدّم إسرافيل مع القلم واللوح في صورة الآدميّين ، فيقول الله له: «هل بلّغك اللوح ما سطر فيه القلم من وحي (١)»؟ فيقول : «نعم يا ربّ ـ وبلّغته جبرئيل».

فيدعى بجبرئيل ، فيتقدّم حتّى يقف مع إسرافيل ، فيقول الله له : «هل بلّغك إسرافيل ما بلّغ»؟

فيقول : «نعم يا ربّ ـ وبلّغته جميع أنبيائك ، وأنفذت إليهم جميع ما انتهى إليّ من أمرك ، وأدّيت رسالاتك إلى نبيّ نبيّ ورسول رسول ، وبلّغتهم كلّ وحيك وحكمتك وكتبك ، وإنّ آخر من بلّغته رسالتك ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك : محمّد بن عبد الله العربيّ القرشيّ الحرميّ ، حبيبك».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فأوّل من يدعى من ولد آدم للمساءلة محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيدنيه الله حتّى لا يكون خلق أقرب إلى الله يومئذ منه ؛ فيقول الله : «يا محمّد ، هل بلّغك جبرئيل ما أوحيت إليك وأرسلته به إليك من كتابي وحكمتي وعلمي؟ وهل أوحى ذلك إليك»؟

فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم يا ربّ ـ قد بلّغني جبرئيل جميع ما أوحيته إليه وأرسلته به من كتابك وحكمتك وعلمك ، وأوحاه إليّ».

فيقول الله لمحمّد : «هل بلّغت أمّتك ما بلّغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي»؟

فيقول رسول الله : «نعم يا ربّ ـ قد بلّغت أمّتي جميع ما أوحيت إليّ من كتابك وحكمتك وعلمك ، وجاهدت في سبيلك».

__________________

(١) ـ المصدر : وحيى.

٤١٤

فيقول الله لمحمّد : «فمن يشهد لك بذلك»؟

فيقول محمّد : «يا ربّ أنت الشاهد لي بتبليغ الرسالة وملائكتك والأبرار من أمّتي ـ وكفى بك شهيدا ـ».

فيدعى بالملائكة ، فيشهدون لمحمّد بتبليغ الرسالة ، ثمّ يدعى بامّة محمّد فيسألون : «هل بلّغكم محمّد رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي ، وعلّمكم ذلك»؟ فيشهدون لمحمّد بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم.

فيقول الله لمحمّد : «فهل استخلفت في أمّتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي ، ويفسّر لهم كتابي ، ويبيّن لهم ما يختلفون فيه من بعدك ، حجّة لى وخليفة في الأرض»؟

فيقول محمّد : «نعم يا ربّ ، قد خلّفت فيهم عليّ بن أبي طالب ، أخي ووزيري ووصيّي وخير أمّتي ، ونصبته لهم علما في حياتي ، ودعوتهم إلى طاعته ، وجعلته خليفتي في أمّتي ، إماما تقتدي به الامّة بعدي إلى يوم القيامة». فيدعى بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام فيقال له : «هل أوصى إليك محمّد واستخلفك في أمّته ، ونصبك علما لامّته في حياته؟

وهل قمت فيهم من بعده مقامه»؟

فيقول له عليّ عليه‌السلام : «نعم يا ربّ ـ قد أوصى إليّ محمّد وخلّفني في أمّته ، ونصبني لهم علما في حياته ، فلمّا قبضت محمّدا إليك جحدتني أمّته ومكروا بي واستضعفوني وكادوا يقتلونني ، وقدّموا قدّامي من أخّرت ، وأخّروا من قدّمت ، ولم يسمعوا منّي ، ولم يطيعوا أمري ؛ فقاتلتهم في سبيلك حتّى قتلوني».

فيقال لعليّ عليه‌السلام : «هل خلّفت من بعدك في أمّة محمّد حجّة وخليفة في الأرض ، يدعو عبادي إلى ديني وإلى سبيلي»؟

٤١٥

فيقول علي عليه‌السلام : «نعم يا ربّ ـ قد خلّفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيّك». فيدعى بالحسن بن عليّ ، فيسأل عمّا سئل عنه عليّ بن أبي طالب». ـ قال : ـ «ثمّ يدعى بإمام إمام ، وبأهل عالمه ، فيحتجّون بحجّتهم ؛ فيقبل الله عذرهم ويجيز حجّتهم».

ـ قال : ـ «ثمّ يقول الله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [٥ / ١١٩].

ـ قال : ـ ثمّ انقطع حديث أبي جعفر ـ عليه وعلى آبائه السّلام ـ.

[مساءلة المؤمن والكافر]

وروي بإسناده (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «قال في خليلين مؤمنين وخليلين كافرين ، ومؤمن غنيّ ومؤمن فقير ، وكافر غنيّ وكافر فقير :

«فأمّا الخليلان المؤمنان فتخالّا حياتهما في طاعة الله ـ تبارك وتعالى ـ وتباذلا عليها وتوادّا عليها ، فمات أحدهما قبل صاحبه ، فأراه الله منزله في الجنّة ليشفع لصاحبه ، فقال : «يا ربّ ـ خليلي فلان كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها ، وينهاني عن معصيتك ؛ فثبّته على ما ثبّتني عليه من الهدى ، حتّى تريه ما أريتني». فيستجيب الله له ، حتّى يلتقيا عند الله ـ عزوجل ـ فيقول كلّ واحد منهما لصاحبه : «جزاك الله من خليل خيرا ، كنت تأمرني بطاعة الله وتنهاني عن معصية الله».

وأمّا الكافران : فتخالّا بمعصية الله وتباذلا عليها وتوادّا عليها ؛ فمات أحدهما قبل صاحبه ، فأراه الله ـ تبارك وتعالى ـ منزله في النار ؛

__________________

(١) ـ تفسير القمي : قوله تعالى (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ ...) : ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٣.

البحار : ٧ / ١٧٣ ، ح ٤.

٤١٦

فقال : «يا ربّ فلان خليلي ، كان يأمرني بمعصيتك وينهاني عن طاعتك ، فثبّته على ما ثبّتني عليه من المعاصي حتّى تريه ما أريتني من العذاب» فيلتقيان عند الله يوم القيامة ، يقول كل واحد منهما لصاحبه : «جزاك الله من خليل شرّا ، كنت تأمرني بمعصية الله وتنهاني عن طاعة الله».

ـ قال : ـ ثمّ قرأ : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [٤٣ / ٦٧].

* * *

ثمّ يؤمر بمؤمن غنيّ إلى الحساب ـ ولا غناء لغنيّ يوم القيامة ـ يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : «عبدي». قال : «لبّيك ـ يا ربّ».

قال : «ألم أجعلك سميعا بصيرا ، وجعلت لك مالا كثيرا»؟

قال : «بلى ـ يا ربّ». قال : «فما أعددت للقائي»؟

قال : «آمنت بك ، وصدّقت رسلك ، وجاهدت في سبيلك».

قال : «فما ذا فعلت فيما آتيتك»؟

فقال : «أنفقت في طاعتك». فقال : «ما ذا ورثت عقبك»؟

قال : «خلقتني وخلقتهم ، ورزقتني ورزقتهم ، وكنت قادرا على أن ترزقهم كما رزقتني ، فوكلت عقبي إليك». فيقول الله ـ عزوجل ـ : «صدقت ؛ اذهب فلو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا».

* * *

ثمّ دعى بالمؤمن الفقير ، فيقول : «يا ابن آدم».

فيقول : «لبيك ـ يا ربّ». فيقول : «ما ذا فعلت»؟

فيقول : «يا ربّ هديتني لدينك ، وأنعمت عليّ وكففت عنّي ما لو بسطته لخشيت أن يشغلني عمّا خلقتني له». فيقول الله ـ عزوجل ـ : «صدق عبدي ؛ لو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا».

٤١٧

ثمّ دعى بالكافر الغنيّ ، فيقول : «ما أعددت للقائي»؟

فيقول : «ما أعددت شيئا». فيقول : «ما ذا فعلت فيما أتيتك»؟

فيقول : «ورثته عقبي». فيقول له : «من خلقك»؟

فيقول : «أنت». فيقول : «من رزقك»؟

فيقول : «أنت». فيقول : «من خلق عقبك»؟

فيقول : «أنت». فيقول : «ألم أك قادرا على أن أرزق عقبك كما رزقتك»؟

فإن قال : «نسيت» هلك ، وإن قال : «لم أدر ما أنت» هلك.

فيقول الله ـ عزوجل ـ : «لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا».

ثمّ قال : «يدعى الكافر الفقير ؛ فيقول : «يا ابن آدم ـ ما فعلت فيما أمرتك»؟ فيقول : «ابتليتني ببلاء الدنيا حتّى أنسيتني ذكرك ، وشغلتني عمّا خلقتني له».

فيقول له : «فهلّا دعوتني فارزقك ، وسألتني فاعطيك»؟

فإن قال : «ربّ نسيت» ، هلك. وإن قال : «لم أدر ما أنت» ، هلك.

فيقول له : «لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا».

فصل [٢]

[مكالمة الله مع عباده بلا واسطة في القيامة]

وفي كتاب الحسين بن سعيد الأهوازي (١) عن أبي حمزة الثمالي ، قال ،

__________________

(١) ـ الزهد : باب الحشر والحساب ... ، ٩٣ ، ح ٢٥٠. وجاء في أمالي الطوسي مع فروق كثيرة :

المجلس الرابع ، ح ١٢ ، ١٠٣. عنهما البحار : ٧ / ١٧١ ـ ١٧٢ ، ح ١.

٤١٨

قال علي بن الحسين عليه‌السلام : «إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، ثمّ ينادي مناد : «أين أهل الفضل»؟

ـ قال : ـ «فيقوم عنق من الناس ، فتتلقّاهم الملائكة فتقولون : «ما كان فضلكم»؟

فيقولون : «كنّا نصل من قطعنا ، ونعطي من حرمنا ، ونعفو عمّن ظلمنا». فيقولون : «ادخلوا الجنّة».

ثمّ ينادي مناد : «أين جيران الله في داره»؟

فيقوم عنق آخر من الناس فتقول لهم الملائكة «بما جاورتم الله»؟

فيقولون : «كنّا نتبارّ في الله ، ونتحابّ في الله ، ونتباذل في الله» (١).

ثمّ ينادي مناد : «أين أهل الصبر»؟

قال : «فيقوم عنق من الناس ، فتتلقّاهم الملائكة ، فتقولون لهم : «على ما كنتم تصبرون»؟

فيقولون : «كنّا نصبر على طاعة الله ، ونصبر أنفسنا عن معاصيه».

فيقال لهم : «ادخلوا الجنّة».

وفيه (٢) عن علي بن رئاب (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«إنّ الله ليمنّ على عبده المؤمن يوم القيامة ويدنيه من كرامته ، ثمّ

__________________

(١) ـ لعله سقط من هنا فقرة بقرينة السابقة واللاحقة ، وهو : «فيقولون ادخلوا الجنّة».

(٢) ـ الزهد : الباب السابق ، ٩٠ ، ح ٢٤٣. تفسير القمي : قوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، ٢ / ٢٦٢. عنهما البحار : ٧ / ٢٨٩ ، ح ٨.

(٣) ـ علي بن رئاب ، أبو الحسن ، كوفي من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، ثقة جليل القدر.

راجع معجم الرجال : ١٢ / ١٧ ـ ٢٦.

٤١٩

يعرّفه ما أنعم به عليه ، يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : «ألم تدعني يوم كذا وكذا فاعطيتك مسألتك؟ ألم تستغث بي في يوم كذا وكذا ـ وبك ضرّ كذا وكذا ـ فكشفت ضرّك ورحمت صوتك؟ ألم تسألني مالا فملّكتك؟ ألم تستخدمني فأخدمتك؟ ألم تسألني أن ازوّجك فلانة فزوّجتك»؟

فيقول العبد : «بلى يا ربّ ـ قد أعطيتني كلّما كنت سألتك ، وقد سألتك الجنّة».

ـ قال : ـ فيقول الله ـ عزوجل ـ : «إنّي متمّم لك كلّ ما سألتنيه ؛ هذه الجنّة لك مباحة ، أرضيت»؟

فيقول المؤمن : «نعم يا ربّ ـ قد رضيت».

ـ قال : ـ فيقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : «إنّي كنت أرضى أعمالك ، وكنت أرضى لك حسن الجزاء ، وأفضل جزائك عندي أن أسكنتك الجنّة».

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : «ما منكم من أحد إلّا ويسائله ربّ العالمين ، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : «ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ـ عزوجل ـ ليس بينه وبينه حجاب ـ فيقول له : «ألم اوتك مالا؟ فيقول : «بلى».

__________________

(١) ـ مسلم : كتاب الزكاة ، باب الحثّ على الصدقة ، ٢ / ٧٠٣ ، ح ٦٧. وفيه «... إلا سيكلمه الله ... ليس بينه وبينه ترجمان» بدلا من «يسائله». وأورد في البحار (٩٦ / ١٣١ ، ح ٦٢. و ٧ / ١٨٣ ، ح ٢٩) عن نوادر الراوندي : «كلكم يكلم ربه يوم القيامة ، ليس بينه وبينه ترجمان».

(٢) ـ البخاري : كتاب الزكاة ، باب الصدقة قبل الرد ، ٢ / ١٣٥ مع فروق يسيرة.

٤٢٠