علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-3-1
الصفحات: ٨٧٨

ـ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (١) ـ.

وقيل لمحمّد بن على بن موسى عليهم‌السلام : «ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت»؟

فقال (٢) : «لأنّهم جهلوه وكرهوه ، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله حقّا لأحبّوه ، وليعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا».

ـ ثمّ قال : ـ «يا عبد الله ـ ما بال الصبيّ والمجنون يمتنع من الدواء المشفي لبدنه والمنافي للألم عنه»؟

فقال : «لجهلهم بنفع الدواء».

وقال (٣) : «والذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ـ إنّ من استعدّ للموت حقّ الاستعداد إنّه أنفع لهم من هذا الدواء لهذا المتعالج ؛ إنّهم لو علموا ما يؤدّي إليه الموت من النعم ، لاستدعوه أشدّ ممّا يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات».

ودخل عليّ بن محمّد عليهما‌السلام على مريض من أصحابه ، وهو يبكي ويجزع عن الموت ؛ فقال له (٤) :

«يا عبد الله ـ تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه ، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت بما عليك من الوسخ والقذرة ، وأصابك قروح وجرب ، وعلمت أنّ الغسل في الحمّام يزيل عنك ذلك كلّه ، أما تريد أن

__________________

(١) ـ راجع تمام الحديث في البحار : ٦ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ، ح ٤٥ ، عن دعوات الراوندي.

(٢) ـ معاني الأخبار : ٢٩٠.

(٣) ـ كذا في النسخة والمصدر. معاني الأخبار : ـ و.

(٤) ـ نفس المصدر.

٣٤١

تدخله فتغسل ذلك عنك؟ أو تكره أن تدخله فيبقى ذلك عليك»؟

قال : «بلى ـ يا ابن رسول الله».

قال : «فذلك الموت هو ذلك الحمّام ، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك عن سيّئاتك ؛ فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذى ، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح».

فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله.

وسئل الحسن بن عليّ عليهما‌السلام عن الموت ما هو؟ فقال (١) :

«هو التصديق بما لا يكون (٢) ؛ إنّ أبي حدّثني بذلك عن أبيه ، عن جدّه ، عن الصادق عليهم‌السلام أنّه قال : إنّ المؤمن إذا مات لم يكن ميّتا ، وإنّ الكافر هو الميّت ؛ إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) [٣٠ / ١٩] ، يعني المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن».

وجاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : «يا رسول الله ـ ما بالى لا أحبّ الموت»؟ فقال (٣) : «لك مال»؟

قال : «نعم».

قال : «قدّمته»؟

__________________

(١) ـ نفس المصدر.

(٢) ـ يعني أنّ المؤمن إذا مات على ما هو المشهود ، لم يمت حقيقة وهو حيّ ؛ وكذا الكافر أيضا ، لأنه كان ميّتا ، والحاصل لا يحصّل ؛ فتصديق موتهما تصديق بما لم يكن. هذا ما يظهر من التأمل في تتمة الحديث.

(٣) ـ الخصال : باب الواحد ، ح ٤٧ ، ١ / ١٣.

٣٤٢

قال : «لا».

قال : «فمن ثمّة لا تحبّ الموت».

وقال رجل لأبي ذر ـ رحمة الله عليه ـ : «ما بالنا نكره الموت»؟

فقال (١) : «لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة ، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب».

وقيل له : «كيف ترى قدومنا على الله»؟

قال : «أما المحسن : فكالغائب ، يقدم على أهله ؛ وأمّا المسيء : فكالآبق ، يقدم على مولاه».

قيل : «فكيف حالنا عند الله»؟

قال : «اعرضوا أعمالكم على الكتاب ؛ إنّ الله عزوجل يقول : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [٨٢ / ١٣ ـ ١٤].

قال الرجل : «فاين (رَحْمَةِ اللهِ)؟

قال : (رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [٧ / ٥٦]» (٢).

* * *

__________________

(١) ـ جامع الأخبار : الفصل الثالث والثلاثون والمائة ، ح ٤ ، ٤٧٨.

(٢) ـ إلى هنا تم المنقول من عقائد الصدوق.

٣٤٣

[٢]

باب

البرزخ وعذاب القبر وسؤاله

(وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [٢٣ / ١٠٠]

فصل [١]

[البرزخ في الأحاديث]

البرزخ هي الحالة التي تكون بين الموت والبعث (١) ، وهو مدّة اضمحلال هذا البدن المحسوس إلى وقت العود ـ أعني زمان القبر ـ ويكون الروح في هذه المدّة في بدنها المثالي الذي يرى الإنسان نفسه فيه في النوم : «النوم أخ الموت» (٢).

__________________

(١) ـ في الكافي (الجنائز ، باب ما ينطق به موضع القبر : ٣ / ٢٤٢ ، ح ٣) عن الصادق عليه‌السلام في الجواب عمن سأله : «وما البرزخ»؟ قال : «القبر ، منذ حين موته إلى يوم القيامة».

(٢) ـ في حلية الأولياء (٧ / ٩٠) : «النوم أخو الموت ، وأهل الجنة لا ينامون». وفي الكامل لابن عدي (٤ / ٢١٨ ، ترجمة عبد الله بن محمد بن المغيرة) : «النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة». وفيه (٦ / ٣٦٦ ، ترجمة مصعب بن إبراهيم) بلفظ «... وأهل الجنة لا يموتون». ومع فرق يسير في شعب الإيمان : باب ٣٣ ، فصل في ذم كثرة النوم ، ٤ / ١٨٣ ، ح ٤٧٤٥. وكنز العمال : ١٤ / ٤٧٥ ، ح ٣٩٣٢١. راجع أيضا مصباح الشريعة : الباب ٤٤ ، في النوم : ٢٩. عنه البحار : ٧٦ / ١٨٩ ، ح ١٨.

٣٤٤

(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [٣٩ / ٤٢].

وقد مضى وصف ذلك البدن ، وأنّه هو الذي تتصرّف فيه النفس أوّلا في هذه النشأة ـ أيضا ـ إذ هو معها الآن ، وحياته كحياة النفس ذاتيّة ، بل هو عين النفس ، وهذا البدن بمنزلة قشر وغلاف له ، وإنّما تتصرّف النفس فيه بواسطته ، وهو أعلى رتبة من هذه الأجسام المشفّة التي توجد هاهنا ومن التي تسمّى بالروح الحيواني ، فإنّه من الدنيا ، وإن كان شريفا لطيفا بالإضافة ـ ولهذا يستحيل سريعا ويضمحل ـ.

روي في الكافي (١) بإسناده عن مولانا الكاظم عليه‌السلام ، أنّه قال :

«إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق ، وإنّما حدثت».

قيل : «وما العلّة في ذلك»؟

فقال : «إنّ الله بعث رسولا إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته ، فقالوا : «إن فعلنا ذلك فما لنا؟ فو الله ما أنت بأكثرنا مالا ، ولا بأعزّنا عشيرة».

فقال : «إن اطعتموني أدخلكم الله الجنّة ، وإن عصيتم أدخلكم الله النار».

__________________

(١) ـ الكافي : الروضة ، حديث الأحلام ... ، ٨ / ٩٠ ، ح ٥٧. عنه البحار : ٦ / ٢٤٣ ، ح ٦٨.

١٤ / ٤٨٤. ح ٣٨. ٦١ / ١٨٩ ، ح ٥٥.

ولا يخفى أنّ مضمون الرواية مستبعد جدا ؛ ويؤيّد عدم صحة صدوره ضعف سنده ، إذ فيه علي بن العباس الخراذيني ـ أو الجراذيني ، الذي قال فيه النجاشي (٢٥٥ ، الترجمة ٦٦٨) : «عليّ بن العبّاس ... ؛ رمي بالغلوّ وغمز عليه ؛ ضعيف جدا».

معجم الرجال : ١٢ / ٦٨ ـ ٦٩.

٣٤٥

فقالوا : «وما الجنّة والنار»؟

فوصف لهم ذلك ، فقالوا : «متى نصير إلى ذلك»؟

فقال : «إذا متم».

فقالوا : «فقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا» ؛ فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا ، فأحدث الله ـ تعالى ـ فيهم الأحلام ، فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك. فقال : «إنّ الله ـ تعالى ـ أراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متم ، وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان».

وبإسناده (١) الصحيح عن أبيه الصادق عليه‌السلام : إنّه قيل له : «جعلت فداك ، يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر حول العرش».

فقال : «لا ـ المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، ولكن في أبدان كأبدانهم».

وفي رواية اخرى عنه عليه‌السلام (٢) : «... فإذا قبضه الله صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ؛ فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا».

وفي لفظ آخر (٣) : «إنّهم في الجنّة على صور أبدانهم ، لو رأيته لقلت : فلان».

__________________

(١) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ٣ / ٢٤٤ ، ح ١.

عنه البحار : ٦ / ٢٦٨ ، ح ١١٩.

(٢) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٤٥ ، ٦. عنه البحار : ٦ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، ح ١٢٤.

(٣) ـ لم أعثر عليه في الكافي ، ولكنه في التهذيب : باب تلقين المحتضرين ، ح ١٧٢ ، ١ / ٤٦٦.

٣٤٦

وفي خبر آخر (١) : «إنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنّة تتعارف وتتساءل ، فإذا قدمت الروح على الأرواح تقول : «دعوها فإنّها قد أقبلت (٢) من هول عظيم» ، ثمّ يسألونها : «ما فعل فلان ، وما فعل فلان»؟ فإن قالت لهم : «تركته حيّا» ارتجوه ؛ وإن قالت لهم : «قد هلك» ، قالوا : «قد هوى هوى (٣)».

وفي لفظ آخر (٤) : «في روضة كهيئة الأجساد في الجنّة».

وزاد في بعضها (٥) : يقولون : «ربّنا أقم لنا الساعة ، وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأوّلنا».

وسئل عن أرواح المشركين فقال (٦) : «في النار يعذّبون ، يقولون : ربّنا لا تقم لنا الساعة (٧) ، ولا تلحق آخرنا بأوّلنا».

وبإسناده عنه عليه‌السلام (٨) : «إنّ الميّت يزور أهله في كلّ يوم ، أو يومين ،

__________________

(١) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٤٤ ، ح ٣. عنه البحار : ٦ / ٢٦٩ ، ح ١٢١.

(٢) ـ المصدر : أفلتت.

(٣) ـ هوى ، يهوي ، هويا : سقط من علو إلى سفل. والمعنى أنهم لو سمعوا أن المسئول عنه في الدنيا ، ارتجوا وصوله إليهم بعدا ؛ ولكن لو سمعوا أنه مات ، يقولون إنه سقط إلى الأسفل ، إذ لو كان من السعداء لوصل إليهم.

(٤) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٤٥ ، ح ٧. عنه البحار : ٦ / ٢٧٠ ، ح ١٢٥.

(٥) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٤٤ ، ح ٤. عنه البحار : ٦ / ٢٦٩ ، ح ١٢٢.

(٦) ـ الكافي : باب في أرواح الكفار ، ٣ / ٢٤٥ ، ح ١. عنه البحار : ٦ / ٢٧٠ ، ح ١٢٦.

(٧) ـ اضيف في المصدر : ولا تنجز لنا ما وعدتنا.

(٨) ـ ظاهر النقل أنه رواية واحدة عن الصادق عليه‌السلام ؛ ولم أعثر عليها ، والأظهر أنها ملتقطة من خمس روايات عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، رويت في الكافي : باب أنّ الميت يزور أهله ، ٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، ح ١ ـ ٥). البحار : ٦ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، ح ٨٩ ـ ٩٣.

٣٤٧

أو ثلاث ، أو جمعة ، أو شهر أو سنة ـ على قدر منزلته وعمله ـ فينظر إليهم ويسمع كلامهم ، ويرى المؤمن ما يحبّ ، ويستر عنه ما يكره ، ويرى الكافر ما يكره ويستر عنه ما يحبّ».

فصل [٢]

[ظهور الملكات في البرزخ]

قيل : النفوس في هذه الأجساد القبريّة واجدون للّذات والآلام التي تستصحبها الصور الحاصلة لهم من العلم والعمل في الخير والشرّ ، وتصير فيها محكمة ، ذاتيّة ، مثمرة ؛ فحالهم فيها كحال النطفة في الرحم ، والبذر في الأرض ، تنبت فيها وتثمر على ما في أصلها ، جاءت من ظهر أبيها ، حتّى اتّصلت بها القوّة الإسرافيليّة ، فصار حكمها وحالها إلى لون آخر ، كأنّهم يفيقون من سكرة وينتبهون من صعقة ـ انتهى ـ.

وروى الصدوق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال (١) : «يا بني عبد المطّلب إنّ الرائد لا يكذب أهله ، والذي بعثني بالحقّ لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثنّ كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار إلّا جنّة أو نار».

__________________

(١) ـ الاعتقادات : باب الاعتقاد في البعث بعد الموت ، مع فرق يسير.

عنه البحار : ٧ / ٤٧ ، ح ٣١.

٣٤٨

فصل [٣]

[نعيم القبر وعذابه]

إنّ من الأحكام التي تجري مجرى الضرورة من الدين عذاب القبر وثوابه والمساءلة فيه ، وقد تظافرت الأخبار في ذلك من طرقنا وطرق العامّة ، بحيث لا مجال للشكّ فيه والريب :

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في الخبر المشهور (١) ـ : «القبر إمّا حفرة من حفر النيران ، أو روضة من رياض الجنّة».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوة وعشيّة ـ إن كان من أهل الجنّة فمن الجنّة ، وإن كان من أهل النار فمن النار ـ يقال : هذا مقعدك حتّى يبعثك الله إليه يوم القيامة».

__________________

(١) ـ الخرائج والجرائح : الباب الثاني ، ١ / ١٧٢ ، ح ٢. الدعوات : ٢٤٤ ، ح ٦٩١.

البحار : ٤١ / ٢٤٩ ، ح ٢.

الترمذي : كتاب صفة القيامة ، باب ٢٦ ، ٤ / ٦٤٠ ، ح ٢٦٦٠. المعجم الأوسط : ٩ / ٢٧٩ ، ح ٨٦٠٨. كنز العمال : ١٥ / ٦٠٣ ، ح ٤٢٣٩٧.

وعن الإمام السجاد عليه‌السلام في الخصال : باب الثلاثة ، ح ١٠٨ ، ١ / ١٢٠.

تفسير القمي : تفسير المؤمنون / ١٠٠ ، ٢ / ٩٤. البحار : ٦ / ٢١٥.

(٢) ـ البخاري : الجنائز ، باب الميت يعرض عليه بالغداة والعشي : ٢ / ١٢٤. وكتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة : ٤ / ١٤٢.

مسلم : كتاب الجنة ... ، باب (١٧) عرض مقعد الميت من الجنة أو النار ... ، ٤ / ٢١٩٩ ، ح ٦٥. المسند : ٢ / ٥١ ،.

الترمذي : كتاب الجنائز ، باب (٧٠) ما جاء في عذاب القبر ، ٣ / ٣٨٤ ، ح ١٠٧٢.

ابن ماجة : كتاب الزهد ، باب (٣٢) ذكر القبر والبلى ، ٢ / ١٤٢٧ ، ح ٤١٧٠.

٣٤٩

وفي القرآن المجيد : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [٤٠ / ٤٦]. قال الصادق عليه‌السلام (١) : «إنّ هذا في نار البرزخ قبل القيامة ، إذ لا غدوّ ولا عشيّ في القيامة» ـ ثمّ قال عليه‌السلام : «ألم تسمع قول الله عزوجل : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [٤٠ / ٤٦].

وقال عليّ بن إبراهيم ـ رحمه‌الله ـ (٢) في تفسير قوله عزوجل :

(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [١١ / ١٠٥ ـ ١٠٨] :

«فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ؛ وأمّا قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) يعني في جنان الدنيا ، التي تنقل إليها أرواح المؤمنين (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنّة ، يكون متّصلا به ؛ وهو ردّ على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب في الدنيا ـ في البرزخ قبل يوم القيامة ـ».

وقال الشيخ الصدوق ـ رحمه‌الله ـ (٣) :

«اعتقادنا في المساءلة في القبر أنّها حقّ لا بدّ منها ، فمن

__________________

(١) ـ جاء ما يقرب منه في تفسير القمي : قوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) :

٢ / ٢٦١. عنه البحار : ٦ / ٢١٨ ، ح ١٢.

(٢) ـ تفسير القمي : ١ / ٣٦٦.

(٣) ـ الاعتقادات : باب الاعتقاد في المساءلة في القبر.

٣٥٠

أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره وبجنّة نعيم في الآخرة ؛ ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة. وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة وسوء الخلق والاستخفاف بالبول ، وأشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمنين من مثل اختلاج العين أو شرطة حجّام ؛ ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من الذنوب ، التي تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت» ـ انتهى.

وروى بإسناده (١) عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة».

وفي الكافي (٢) بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا يسأل في القبر إلّا من محض الإيمان محضا ، أو محض الكفر محضا».

وفي رواية اخرى (٣) : «والآخرون يلهون عنهم».

وفي لفظ آخر (٤) : «وما يعبؤ بهم».

وبإسناده (٥) عنه عليه‌السلام قال : «يسأل وهو مضغوط».

__________________

(١) ـ أمالي الصدوق : المجلس التاسع والأربعون ، ٣٧٠ ، ح ٥.

عنه البحار : ٦ / ٢٢٣ ، ح ٢٣. ٨ / ٣٧ ، ح ١٣. ١٨ / ٣٤٠ ، ح ٤٤.

(٢) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب المساءلة في القبر ، ٣ / ٢٣٦ ، ح ٤.

الفقيه : باب التعزية ، ١ / ١٧٨ ، ح ٥٣٠. عنه البحار : ٦ / ٢٦٠ ، ح ١٠٠.

(٣) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٣٥ ، ح ١. عنه البحار : ٦ / ٢٦٠ ، ح ٩٧.

(٤) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٣٧ ، ح ٨.

(٥) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٣٦ ، ح ٥. عنه البحار : ٦ / ٢٦٠ ، ح ١٠١.

٣٥١

وسئل عليه‌السلام (١) : «أيفلت من ضغطة القبر أحد»؟

قال : «نعوذ بالله منها ، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر!

إنّ رقيّة لمّا قتلها عثمان ، وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قبرها ، فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه ، وقال للناس : «إنّي ذكرت هذه وما لقيت ، فرققت لها ، فاستوهبتها من ضمّة القبر» ـ قال : ـ فقال : «اللهمّ هب لي رقيّة من ضمّة القبر»؟ فوهبها الله له».

قال : «وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في جنازة سعد ، وقد شيّعه سبعون ألف ملك ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه إلى السماء ثم قال : «مثل سعد يضمّ»؟

ـ قال : ـ قلت : «جعلت فداك ـ إنّا نحدّث أنّه كان يستخفّ بالبول». فقال : «معاذ الله ـ إنّما كان من زعارّة (٢) في خلقه على أهله».

وروى عمر بن يزيد (٣) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّي سمعتك

__________________

(١) ـ الكافي : الباب السابق ، ٣ / ٢٣٦ ، ح ٦. عنه البحار : ٦ / ٢٦١ ، ح ١٠٢. وجاء ما يقرب منه في الزهد للأهوازي : باب المساءلة في القبر ... ، ٨٧ ـ ٨٨ ، ح ٢٣٤. عنه البحار : ٦ / ٢١٧ ، ح ١٠.

(٢) ـ الزعارة : شكاسة في الخلق.

(٣) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب ما ينطق به موضع القبر ، ٣ / ٢٤٢ ، ح ٣. عنه البحار : ٦ / ٢٦٧ ، ح ١١٦.

والراوي عمر بن يزيد بياع السابري ، كما هو في النسخة ومرآة العقول وبقرينة الراوي عنه : حماد بن عثمان. قال النجاشي (٢٨٣ ، رقم ٧٥١) : «عمر بن محمد بن يزيد أبو الأسود ، بيّاع السابري ، مولى ثقيف ، كوفي ثقة جليل ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ...».

راجع معجم الرجال : ١٣ / ٦٠ ـ ٦٤ ، رقم ٨٨١٧ ـ ٨٨١٩.

وما جاء في المصدر والمحكي عنه في البحار : «عمرو بن يزيد» سهو على الأظهر.

٣٥٢

وأنت تقول : «كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان منهم».

قال : «صدقتك ـ كلّهم والله في الجنّة».

ـ قال : ـ قلت : «جعلت فداك ـ إنّ الذنوب كثيرة كبار».

فقال : «أمّا في القيامة ، فكلّكم في الجنّة بشفاعة النبيّ المطاع أو وصيّ النبيّ ؛ ولكنّي ـ والله ـ أتخوّف عليكم في البرزخ».

قلت : «وما البرزخ»؟

قال : «القبر ؛ منذ حين موته إلى يوم القيامة».

فصل [٤]

قال بعض العلماء

«والذي يوضح لك كيفيّة ضغطة القبر ـ وإن كان جسد الميّت ساكنا أو كان في الهواء أو الماء ـ أنّ من كان في ضيق شديد أو تفرّق اتّصال بالنار وغيرها ، أو وقع بين حجرين عظيمين : فإنّ الذي يؤلمه ويؤثّر في نفسه بالذات ليس هذه الامور الواقعة على بدنه ؛ بل صورتها الواصلة إلى نفسه لعلاقة لها مع البدن ، حتّى أنّه لو فرض حصول تلك الصور إلى النفس من سبيل آخر ـ لا من جهة هذه الأسباب الماديّة ـ لكان التأثير بحالها ما دامت النفس ذات علاقة بهذا البدن ـ سواء كان البدن بعينه باقيا أم لا ـ فضغطة القبر وعذابه من هذا القبيل الذي ذكرناه ، وكذلك ثوابه وراحته ، فسعة القبر وضيقه تابعان لانشراح الصدر وضيقه».

٣٥٣

فصل [٥]

روي في الكافي (١) بإسناده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال :

«إنّ ابن آدم ، إذا كان في آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة مثّل له ماله وولده وعمله ؛

فيلتفت إلى ماله فيقول : «والله إنّي كنت عليك حريصا شحيحا ، فما لي عندك»؟ فيقول : «خذ منّي كفنك».

ـ قال : ـ فيلتفت إلى ولده فيقول : «والله إنّي كنت لكم محبّا وإنّي كنت عليكم محاميا ، فما لي عندكم»؟

فيقولون : «نؤدّيك إلى حفرتك فنواريك فيها».

ـ قال : ـ فيلتفت إلى عمله فيقول : «والله إنّي كنت فيك لزاهدا ، وإن كنت عليّ لثقيلا ، فما لي عندك»؟

فيقول : «أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك ، حتّى اعرض أنا وأنت على ربك».

ـ قال : ـ فإن كان لله ، وليّا أتاه أطيب الناس ريحا وأحبّهم منظرا وأحسنهم رياشا(٢) ؛ فقال : «ابشر بروح وريحان وجنّة نعيم ، ومقدمك

__________________

(١) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب أن الميّت يمثّل له ماله وولده ، ٣ / ٢٣١ ، ح ١. أمالي الطوسي : المجلس الثاني عشر ، ح ٥٩ ، ٣٤٧ ـ ٣٤٩. تفسير القمي : قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ...) ، ١ / ٣٩٩. البحار : ٦ / ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ، ح ٢٦.

وورد صدر الرواية في الفقيه أيضا ، باب غسل الميت : ١ / ١٣٧ ، ح ٣٧٠.

(٢) ـ الرياش ـ بكسر الراء ـ : اللباس الفاخر.

٣٥٤

خير مقدم». فيقول له : «من أنت»؟

فيقول : «أنا عملك الصالح ، ارتحل من الدنيا إلى الجنّة».

وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يعجّله ؛ فإذا دخل قبره أتاه ملكا القبر ، يجرّان أشعار هما ويخدّان الأرض بأقدامهما ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، فيقولان له : «من ربّك ، وما دينك ، ومن نبيّك»؟

فيقول : «الله ربّي ، وديني الإسلام ، ونبيّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

فيقولان له : «ثبّتك الله فيما يحبّ ويرضى (١)» ـ وهو قول الله ـ عزوجل ـ : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) [١٤ / ٢٧] ـ ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره ، ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنّة ، ثمّ يقولان له : «نم قرير العين ، نوم الشابّ الناعم» ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [٢٥ / ٢٤].

ـ قال : ـ «وإذا كان لربّه عدوّا ، فإنّه يأتيه أقبح من خلق الله زيّا (٢) وأنتنه ريحا ؛ فيقول : «ابشر بنزل من حميم وتصلية جحيم».

وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حملته أن يحبسوه ؛ فإذا دخل القبر أتاه ممتحنا القبر ، فألقيا أكفانه ، ثمّ يقولان له : «من ربّك ، وما دينك ، ومن نبيّك»؟ فيقول : «لا أدري».

__________________

(١) ـ النسخة مهملة ، وفي الكافي : تحب وترضى. ولكن المؤلف ـ قدس‌سره ـ نص في الوافي على أنهما بصيغة الغائب.

(٢) ـ اضيف في الكافي والوافي : ورؤيا.

٣٥٥

فيقولان : «لا دريت ولا هديت» (١) ؛ فيضربان يافوخه بمرزبة (٢) معهما ، ضربة ما خلق الله ـ عزوجل ـ من دابّة إلّا تذعر لها ـ ما خلا الثقلين ـ. ثمّ يفتحان له بابا إلى النار ، يقولان له : «نم بشرّ حال (٣) ، ويسلّط الله عليه حيّات الأرض وعقاربها وهوامّها ، فتنهشه حتّى يبعثه الله من قبره».

وفي بعض الأخبار (٤) أنّه عليه‌السلام قال في المؤمن : «يقول : رأيك الحسن الذي كنت عليه ، وعملك الصالح الذي كنت تعمله». وفي الكافر : «أنا عملك السيّئ الذي كنت تعمله ورأيك الخبيث».

وهذا يدلّ على تجسّم الاعتقاد ـ أيضا ـ.

وفي بعض الروايات عن مولانا الصادق عليه‌السلام (٥) : «ويدخل في قبره ملكا القبر ـ وهما قعيدا القبر ـ منكر ونكير ، فيلقيان فيه الروح إلى حقويه (٦) ، فيقعدانه ويسألانه ...».

قيل : «جعلت فداك ـ يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة»؟ فقال : «لا».

__________________

(١) ـ قال ـ قدس‌سره ـ في الوافي : دعاء منهما عليه.

(٢) ـ اليافوخ : فراغ بين عظام جمجمة الرأس. المرزبة والمرزبّة : عصا من حديد.

(٣) ـ المصدر : نم بشرّ حال فيه من الضيق مثل ما فيه القنا من الزجّ ؛ حتّى أنّ دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه.

(٤) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب ما ينطق به موضع القبر ، ٣ / ٢٤٢ ، ح ١.

عنه البحار : ٦ / ٢٦٧ ، ح ١١٤.

(٥) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب المساءلة في القبر ، ٣ / ٢٣٩ ، ح ١٢.

البحار عنه وعن العياشي : ٦ / ٢٦٤ ، ح ١٠٨.

(٦) ـ الحقو : الخصر.

٣٥٦

وفي كثير من الأخبار (١) : أنّه يسأل عن إمامه ـ أيضا ـ.

قيل : «ولعلّ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يذكر ذلك اكتفاء بشهرته وهضما لنفسه المقدّسة ـ سلام الله عليه ـ».

وروي في الكافي ، وفي اعتقادات الصدوق ـ رحمه‌الله ـ (٢) : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا دفن فاطمة بنت أسد ، لقّنها وقال لها : «ابنك ابنك».

وفي آخر الرواية قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه ، وإنّما سئلت عن ربّها ، فقالت ؛ وسئلت عن نبيّها (٣) ، فأجابت ؛ وسئلت عن وليّها وإمامها ، فارتجّ عليها ، فقلت لها : «ابنك ابنك».

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ (٤) :

«قيل في بعض الأخبار : إنّ اسمي الملكين الذين ينزلان على الكافر : ناكر ونكير. واسمي الملكين الذين ينزلان على المؤمن : مبشّر وبشير.

قيل : إنّما سمّي ملكا الكافر «ناكرا» و «نكيرا» ، لأنّه ينكر الحقّ وينكر ما يأتيانه به ويكرهه ؛ وسمّي ملكا المؤمن «مبشّرا» و «بشيرا» ، لأنّهما يبشّرانه بالنعم ويبشّرانه من الله بالرضا والثواب المقيم ؛ وإنّ هذين الاسمين ليسا بلقب لهما ، وإنّما هو عبارة عن فعلهما» ـ انتهي كلامه ـ.

__________________

(١) ـ الكافي : الباب السابق : ٣ / ٢٣٨ ، ح ١١.

(٢) ـ الكافي : باب مولد أمير المؤمنين عليه‌السلام : ١ / ٤٥٣ ، ح ٢.

الاعتقادات : في سؤال القبر. عنه البحار : ٦ / ٢٧٩.

(٣) ـ الكافي : عن رسولها.

(٤) ـ شرح الاعتقادات : في المساءلة في القبر : ١٩٣.

٣٥٧

وفي بعض الروايات (١) : «يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين».

وفي بعضها (٢) : «سبعة أذرع».

ولعلّ اختلاف الفسحة لاختلاف الدرجات.

وفي رواية اخرى عن مولانا الصادق عليه‌السلام (٣) :

«وإذا كان الرجل كافرا دخلا عليه ، واقيم الشيطان بين يديه عيناه من نحاس ؛ فيقولان له : «من ربّك ، وما دينك؟ وما تقول في هذا الرجل الذي خرج من بين ظهرانيكم»؟

فيقول : «لا أدري».

فيخلّيان بينه وبين الشيطان ، ويسلّط عليه في قبره تسعة وتسعون تنّينا ـ لو أنّ واحدا منها نفخ على الأرض ما أنبتت شجرا أبدا ـ».

وروى العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) : «هل تدرون فيما ذا انزلت : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) [٢٠ / ١٢٤]؟ قالوا : «الله ورسوله أعلم».

قال : «عذاب الكافر في قبره ؛ يسلّط عليه تسعة وتسعون تنّينا ؛ هل تدرون ما التنين؟ : تسعة وتسعون حيّة ، لكلّ حيّة تسعة رءوس ، تنهشونه وتلحسون وتنفخون في جسمه إلى يوم القيامة».

__________________

(١) ـ سنن الترمذي : كتاب الجنائز ، باب ٧٠ ، ح ١٠٧١ ، ٣ / ٣٨٣.

(٢) ـ الكافي : باب المساءلة في القبر : ٣ / ٢٣٨ ، ح ٩. البحار : ٦ / ٢٣٧ ، ح ٥٦ و ١٠٥.

(٣) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب المساءلة في القبر : ٣ / ٢٣٧ ، ح ٧.

(٤) ـ أورده الغزالي في الإحياء : كتاب ذكر الموت ، بيان عذاب القبر ، ٤ / ٧٢٤. وجاء ما يقرب منه في تفسير الطبري في تفسير الآية طه / ١٢٤ ، ١٦ / ١٦٥. الدر المنثور : ٥ / ٦٠٨.

٣٥٨

قال بعض العلماء (١) :

«وليس التخصيص بهذا العدد بعجيب ، فلعلّ عددها بقدر الأخلاق المذمومة ـ من الكبر والريا والحسد والحقد وغيرها ـ فإنّها تنشعب وتتنوّع وتنقلب بعينها حيّات في تلك النشأة».

وقيل (٢) :

«لمّا كان لله سبحانه تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنّة (٣) ، وله تسعة وتسعون رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة ـ كما ورد في الحديث (٤) ـ والكافر لم يعرف الله بشيء من تلك الأسماء : جعل له في مقابلة كلّ اسم ورحمة تنّين تنهشه في قبره».

وفي الكافي (٥) عن مولانا الباقر عليه‌السلام ـ قال : ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي كنت لأنظر إلى الإبل والغنم وأنا أرعاها ـ وليس من نبيّ إلّا وقد رعى

__________________

(١) ـ الغزالي : إحياء علوم الدين ، الصفحة السابقة.

(٢) ـ لم أعثر على القائل ، وقد أورده الشيخ البهائي ـ قدس‌سره ـ أيضا في أربعينه (شرح الحديث ٣٩ ، ص ٤٨٥) قائلا : «ولبعض أصحاب الحديث في نكتة التخصيص بهذا العدد وجه ظاهري إقناعي ...».

(٣) ـ مضى الحديث في : ١٥٢.

(٤) ـ ابن ماجة : كتاب الزهد ، باب (٣٥) ما يرجى من رحمة الله ... ، ٢ / ١٤٣٥ ، ح ٤٢٩٣ ـ ٤٢٩٤. وجاء ما يقرب منه أيضا في الترمذي : كتاب الدعوات ، باب (١٠٠) خلق مائة رحمة : ٥ / ٥٤٩ ، ح ٣٥٤١.

(٥) ـ الكافي : كتاب الجنائز ، باب أنّ الميّت يمثّل له ماله ، ٣ / ٢٣٣ ، ح ١ ، مع فروق لفظية.

عنه البحار : ٦ / ٢٢٦ ، ح ٢٨.

٣٥٩

الغنم ـ فكنت أنظر إليها وهي ممتلئة من المكينة (١) ما حولها شيء يهيّجها حتّى تذعر وتطير ، فأقول : «ما هذا» ، وأعجب ، حتّى جاءني جبرئيل عليه‌السلام فقال : «إنّ الكافر يضرب ضربة ، ما خلق الله شيئا إلّا سمعها ويذعر لها ، إلّا الثقلين».

وعن زيد بن ثابت (٢) قال :

«بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ، ونحن معه إذ حادت به وكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستّة ـ أو خمسة (٣) ـ ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من يعرف أصحاب هذه الأقبر»؟ قال رجل : «أنا».

فقال : «متى ماتوا»؟ فقال : «في الشرك».

فقال : «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا ، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه (٤)».

__________________

(١) ـ في هامش النسخة : «المكينة : السكينة». وفي المصدر : وكنت أنظر إليها قبل النبوة وهي متمكنة في المكينة.

(٢) ـ مسلم : كتاب الجنة ... ، ح ٦٧ ، ٤ / ٢١٩٩ ، مع فرق يسير. عنه البحار : ٦٤ / ١٩١.

وجاء ما يقرب منه بألفاظ مختلفة في المسند : ٣ / ١٠٣ و ١١١ و ١١٤ و ١٥٣ و ١٧٥ و ٢٠١ و ٢٨٤ و ٥ / ١٩٠. وجاء ذيل الحديث في كنز العمال : ١٥ / ٦٣٨ ، ح ٤٢٥١٣.

(٣) ـ اضيف في مسلم : أو أربعة.

(٤) ـ في هامش النسخة : «أقول : لعل المراد أنهم لو سمعوا لماتوا جميعا ، فلم يبق من يدفنهم» منه.

واضيف في هامش نسخة علم الهدى : «ولعل المراد : أنّه لو لم أخف أن لا تدافنوا موتاكم خوفا عليهم من عذاب القبر ، لدعوت الله أن يسمعكم».

٣٦٠