علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-3-1
الصفحات: ٨٧٨

وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى عليه‌السلام لحفظ الله ـ تبارك وتعالى ـ إيّاه. وكذلك بنو اميّة وبنوا العبّاس لمّا وقفوا على أنّ زوال ملكهم والامراء الجبابرة منهم على يد القائم منّا ، ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادة نسله ؛ طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه‌السلام ؛ ويأبى الله ـ عزوجل ـ أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلّا (١) أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

وأمّا غيبة عيسى عليه‌السلام : فإنّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قتل ، فكذّبهم الله ـ جلّ ذكره ـ بقوله : ـ عزوجل ـ (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [٤ / ١٥٧] كذلك غيبة القائم ـ صلوات الله عليه ـ فإنّ الامّة ستنكره (٢) لطولها : فمن قائل يهذي بأنّه : «لم يلد» ، وقائل يقول : «إنّه ولد ومات». وقائل يكفر بأنّ (٣) : «حادي عشرنا كان عقيما» وقائل يمرق بقوله : «إنّه يتعدّى إلى ثالث عشر» ـ وما عدّى (٤) ـ. وقائل يعصي الله ـ عزوجل ـ بقوله : «إنّ روح القائم تنطق في هيكل غيره».

وأمّا إبطاء نوح عليه‌السلام : فإنّه لمّا استنزل العقوبة على قومه من السماء ، بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ جبرئيل ـ الروح الأمين ـ معه سبع نوايات فقال : «يا نبيّ الله ـ إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول لك : «إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي ، ولست ابيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة ، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك ـ فإنّي

__________________

(١) ـ هامش النسخة : الى ـ خ ل.

(٢) ـ المصدر : ستنكرها.

(٣) ـ هامش النسخة : بقوله ان.

(٤) ـ المصدر : وصاعدا.

٢٤١

مثيبك عليه ـ واغرس هذه (١) النوى ، فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص فبشّر بذلك من اتّبعك من المؤمنين».

فلمّا نبتت الأشجار وتأزرت وتسوّقت وغصّنت وأثمرت وزهى الثمر عليها بعد زمان طويل ، استنجز من الله العدة. فأمره الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يغرس من نوى تلك الأشجار ، ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكّد الحجّة على قومه ، وأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به ؛ فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل ، وقالوا : «لو كان ما يدّعيه نوح حقّا ، لما وقع في وعد ربّه خلف».

ثمّ إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها تارة بعد اخرى ـ إلى أن غرسها سبع مرّات ـ فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين يرتدّ منهم طائفة بعد طائفة ـ إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلا ـ فأوحي الله ـ تبارك وتعالى عند ذلك إليه وقال : «يا نوح ـ الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك ، حين صرح الحقّ عن محضه ، وصفى من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة ، فلو أنّى أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك ، لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين ـ الذين أخلصوا التوحيد من قومك ، واعتصموا بحبل نبوّتك ـ بأنّي استخلفهم في الأرض ، وامكّن لهم دينهم ، وابدّل خوفهم بالأمن ، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم ؛ وكيف يكون الاستخلاص والتمكين وبذل الأمن منّى لهم ، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا وخبث طينتهم

__________________

(١) ـ النسخة : هذا. (التصحيح من المصدر).

٢٤٢

وسوء سرائرهم ، التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة ، فلو أنّهم تنسّموا منّى الملك الذي اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم ، لنشقوا روائح صفاته ، ولاستحكمت مرائر نفاقهم ، وثارت (١) خبال ضلالة قلوبهم ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة والتفرّد بالأمر والنهي ؛ وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين ، مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب

ـ كلّا ـ ف (اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) [١١ / ٣٧]».

ـ قال الصادق صلوات الله عليه ـ : وكذلك القائم عليه‌السلام ؛ فإنّه يمتدّ أيّام غيبته ليصرح الحقّ عن محضه ، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة ، الذين يخشى عليهم النفاق ، إذ أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمر المنتشر في عهد القائم ـ صلوات الله عليه ـ.

ـ قال المفضّل : ـ فقلت : «يا بن رسول الله ـ فإنّ النواصب تزعم أنّ هذه الآية (٢) نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلى عليه‌السلام».

فقال : لا ـ لا يهدي الله قلوب الناصبة ـ متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكّنا بانتشار الأمر في الامّة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشكّ من صدورها في عهد واحد من هؤلاء ، وفي عهد عليّ ـ صلوات الله عليه ـ؟ مع ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيّامهم ، والحروب التي كانت تنشبّ بين الكفّار وبينهم»؟

__________________

(١) ـ هامش النسخة : تابد ـ خ ل.

(٢) ـ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...).

٢٤٣

ـ ثمّ تلا الصادق عليه‌السلام : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) [١٢ / ١١٠].

وأمّا العبد الصالح ـ أعني الخضر عليه‌السلام ـ فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له ، ولا لكتاب نزّله عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها له ؛ بل إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم في أيّام غيبته ما قدّر ، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول : طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك ؛ إلّا لعلّة الاستدلال به على عمر القائم ـ صلوات الله عليه ـ وليقطع بذلك حجّة المعاندين ، لئلّا يكون للناس على الله حجّة».

وبإسناده (١) عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ سنن الأنبياء عليهم‌السلام ـ بما وقع بهم من الغيبات ـ جارية (٢) في القائم منّا أهل البيت ، حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة (٣).

وبإسناده (٤) عنه أيضا ـ قال : ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ في صاحب

__________________

(١) ـ كمال الدين : الباب السابق : ٣٤٥ ، ح ٣١. عنه البحار : ٥١ / ١٤٦ ، ح ١٤.

(٢) ـ كذا في النسخة والبحار. في المصدر : حادثة.

(٣) ـ قال ابن الأثير (النهاية : ٤ / ٢٨ ـ قذذ) : «القذذ : ريش السهم ، واحدتها : قذة. ومنه الحديث : «لتركبن سنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة» أي كما تقدّر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع. يضرب مثلا للشيئان يستويان».

(٤) ـ كمال الدين : الباب السابق : ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، ح ٤٦. عنه البحار : ٥١ / ٢٢٣ ، ح ١٠.

٢٤٤

هذا الأمر سنن من الأنبياء عليهم‌السلام : سنّة من موسى بن عمران ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من يوسف ، وسنّة من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأمّا سنّة من موسى بن عمران : فخائف يترقّب. وأمّا سنّة من عيسى : فيقال فيه ما قيل في عيسى صلوات الله عليه. وأمّا سنّة من يوسف : فالستر ، يجعل الله بينه وبين الخلق حجابا ، يرونه ولا يعرفونه. وأمّا سنّة من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيهتدي بهداه ويسير بسيرته».

وفي رواية اخرى (١) عن [عليّ بن] (٢) الحسين عليه‌السلام قال : في القائم منّا سنن من الأنبياء عليهم‌السلام : سنّة من نوح ، وسنّة من إبراهيم ، وسنّة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من أيّوب ، وسنّة من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فأمّا من نوح : فطول العمر ؛ وأمّا من إبراهيم : فخفاء الولادة واعتزال الناس ؛ وأمّا من موسى : فالخوف والغيبة ؛ وأمّا من عيسى : فاختلاف الناس فيه ؛ وأمّا من أيّوب : فالفرج بعد البلوى ؛ وأمّا من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فالخروج بالسيف.

وبإسناده (٣) عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ قال : ـ «إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها».

فقلت له : «ولم ذلك ـ يا ابن رسول الله»؟

__________________

(١) ـ كمال الدين : الباب الرابع والخمسون ، ٥٧٧ ، عنه البحار : ٥١ / ٢١٧ ، ح ٤.

(٢) ـ إضافة من المصدر ساقطة من النسخة.

(٣) ـ كمال الدين : الباب الرابع والأربعون ، في علة الغيبة ، ٤٨٠ ، ح ٦.

علل الشرائع : باب (١٧٩) علة الغيبة ، ح ٧ ، ١ / ٢٤٥. عنه البحار : ٥١ / ١٤٢ ، ح ٢. ٥٢ / ٩٠ ، ح ٣.

٢٤٥

قال : «لأنّ الله ـ عزوجل ـ أبى إلّا أن يجري فيه سنن الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ في غيباتهم ، وأنّه لا بدّ له ـ يا سدير ـ من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله ـ تعالى ـ : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) [٨٤ / ١٩] أي سنن من كان قبلكم».

وبإسناده (١) عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ قال : ـ «صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق ، لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ويصلح الله ـ عزوجل ـ أمره في ليلة».

وبإسناده (٢) عن مولانا الرضا عليه‌السلام ـ قال : ـ «كأنّي بالشيعة عند فقدهم الرابع من ولدي (٣) يطلبون المرعى فلا يجدونه».

قلت له : «ولم ذاك ـ يا ابن رسول الله»؟

قال : «لأنّ إمامهم يغيب عنهم». فقلت : «ولم»؟

قال : «لئلّا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف».

وبإسناده (٤) عن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول :

«إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم».

ـ قال : ـ قلت : «ولم»؟

قال : «يخاف» وأومى بيده إلى بطنه.

__________________

(١) ـ كمال الدين : الصفحة السابقة. ٤٨٠ ، ح ٥. عنه البحار : ٥٢ / ٩٦ ، ح ١٥.

(٢) ـ كمال الدين : الصفحة السابقة ، ح ٤. عنه البحار : ٥٢ / ٩٦ ، ح ١٤.

(٣) ـ اضيف في المصدر : «كالنعم». وليس في البحار أيضا.

(٤) ـ كمال الدين : الباب السابق ، ٤٨١ ، ح ٨. الغيبة للنعماني : ١٦٦ ، ح ٦.

عنه البحار : ٥٢ / ٩٨ ، ح ٢٣.

٢٤٦

وفي رواية اخرى (١) : قال زرارة : «يعني القتل».

وفي لفظ آخر (٢) : ـ قال : ـ «يخاف على نفسه الذبح».

وبإسناده (٣) عن عبد الله بن الفضل الهاشمي (٤) قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد ـ صلوات الله عليه ـ يقول :

«إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها ، يرتاب فيها كلّ مبطل».

فقلت له : «ولم ـ جعلت فداك ـ»؟

قال : «لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم».

قلت : «فما وجه الحكمة في غيبته»؟

قال : «وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله ـ تعالى ذكره ـ إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه‌السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه‌السلام إلّا وقت افتراقهما.

يا بن الفضل ـ إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله ـ عزوجل ـ وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ؛ ومتى علمنا أنّه ـ عزوجل ـ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة ـ وإن كان وجهها غير منكشف لنا».

__________________

(١) ـ كمال الدين : الصفحة السابقة ، ح ٩. عنه البحار : ٥٢ / ٩١ ، ح ٥.

(٢) ـ كمال الدين : الصفحة السابقة ، ح ١٠. عنه البحار : ٥٢ / ٩٧ ، ح ١٨.

(٣) ـ كمال الدين : الباب السابق ، ٤٨٢ ، ح ١١. عنه البحار : ٥٢ / ٩١ ، ح ٤.

(٤) ـ قال النجاشي (٢٢٣ ، الرقم ٥٨٥) : «عبد الله بن الفضل بن عبد الله ببة بن الحارث ...

روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثقة له كتاب».

راجع معجم الرجال : ١٠ / ٢٧٦ ، الرقم ٧٠٥٢ و ٧٠٥٣.

٢٤٧

وبإسناده (١) عن إبراهيم الكرخي (٢) قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه ـ أو قال له رجل ـ : «أصلحك الله ـ ألم يكن عليّ ـ صلوات الله عليه ـ قويّا في دين الله»؟ قال : «بلى».

قال : «وكيف ظهر عليه القوم؟ وكيف لم يدفعهم؟ وما منعه من ذلك»؟

قال : «آية في كتاب الله ـ عزوجل ـ منعته».

ـ قال : ـ قلت : «وأيّة آية هي»؟

قال : «قوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [٤٨ / ٢٥] ، وأنّه كان لله ـ عزوجل ـ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم منافقين ، ولم يكن عليّ ـ صلوات الله عليه ـ ليقتل الآباء حتّى تخرج الودائع ، فلمّا خرج الودائع ظهر على من ظهر ، فقاتله ؛ وكذلك قائمنا أهل البيت ، لن يظهر أبدا حتّى تظهر ودائع الله ـ عزوجل ـ فإذا ظهرت ، ظهر ـ صلوات الله عليه ـ على من ظهر فيقتلهم».

وبإسناده (٣) عن إسحاق بن يعقوب (٤) ، في التوقيع الذي ورد إليه عن مولانا صاحب الزمان ـ صلوات الله عليه ـ :

«وأمّا علّة ما وقع من الغيبة : فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (يا

__________________

(١) ـ كمال الدين : الباب الرابع والخمسون ، ٦٤٢. وما يقرب منه : ٦٤١. علل الشرائع : باب (١٢٢) العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين عليه‌السلام مجاهدة أهل الخلاف ، ١ / ١٤٧ ، ح ٣. عنهما البحار : ٥٢ / ٩٧ ، ح ١٩. تفسير القمي : ٢ / ٣٢٣.

(٢) ـ ابراهيم بن أبي زياد الكرخي ، من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، لم يذكر له مدحا ولا ذمّا.

راجع معجم الرجال : ١ / ١٩٥ ، الرقم ٨٣. تنقيح المقال : ١ / ١١ ، الرقم ٤٦.

(٣) ـ كمال الدين : باب ذكر التوقيعات ، ٤٨٥ ، ح ٤. الغيبة للطوسي : ٢٩٢ ، الحديث ٢٤٧.

(٤) ـ لم يرد ذكره في غير هذه الرواية ، واستفادوا منه مدحه ، غير أن الراوي نفسه.

٢٤٨

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [٥ / ١٠١] ؛ إنّه لم يكن أحد من آبائي ـ صلوات الله عليهم ـ إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج ـ حين أخرج ـ ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأمّا وجه الانتفاع بى في غيبتي : فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم. والسّلام عليك ـ يا إسحاق بن يعقوب ـ وعلى من اتّبع الهدى».

فصل [٥]

[طول الغيبة]

لا تعجّب في غيبة القائم عليه‌السلام وطولها وطول عمره ـ صلوات الله عليه ـ بعد ما أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوصياء من بعده عليهم‌السلام بذلك في أخبار تكاد تبلغ حدّ التواتر ؛ مع إمكان ذلك ، ووقوع مثله بنظرائه من الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام ؛ فإنّ كثيرا منهم كانت لهم غيبات طويلة وأعمار مديدة ؛ وكذلك كانت كثير من الملوك السالفة ـ كما جاءت به الأخبار ونطقت به الآثار ـ.

وقد ذكر طرفا من ذلك شيخنا الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة ، من أراد الاطلاع عليه فليرجع إليه (١).

__________________

(١) ـ كمال الدين : الباب (١ ـ ٧) ، ١٢٧ ـ ١٥٩. و (٤٦) : ٥٢٣ ـ ٥٢٥. البحار : ٥١ / ٢١٥ ـ ٢٩٣.

٢٤٩

وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال (١) : «كلّ ما كان في الامم السالفة يكون في هذه الامّة مثله ، حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة».

وقد نطق القرآن بأنّ نوحا عليه‌السلام لبث في قومه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [٢٩ / ١٤].

وروى الصدوق ـ رحمه‌الله ـ بإسناده (٢) عن الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«عاش أبو البشر آدم عليه‌السلام سبعمائة وثلاثين (٣) سنة. وعاش نوح عليه‌السلام ألفي سنة وأربعمائة سنة وخمسين. وعاش ابراهيم عليه‌السلام مائة وخمسة وسبعين سنة. وعاش إسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام مائة وعشرين سنة. وعاش إسحاق

__________________

(١) ـ كمال الدين : الباب الرابع والخمسون ، ٥٧٦. عنه البحار : ٢٨ / ١٠ ، ح ١٥.

وفي المسند (٤ / ١٢٥) : «ليحملن شرار هذه الامّة على سنن الذين خلوا من قبلهم ، أهل الكتاب ، حذو القذّة بالقذّة».

وفي الترمذي (كتاب الإيمان ، باب (١٨) ما جاء في افتراق هذه الامّة ، ٥ / ٢٦ ، ح ٢٦٤١) وكنز العمال (١١ / ١١٥ ، ح ٣٠٨٣٧) : «ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل ، حذو النعل بالنعل ...».

وفي البخاري (كتاب الاعتصام ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتتبعن سنن ... ، ٩ / ١٢٦) : «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمّتي بأخذ القرون قبلها ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع». وفيه (نفس الصفحة ؛ وكتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، ٤ / ٢٠٦) ومسلم (كتاب العلم ، باب اتّباع سنن اليهود والنصارى ، ٤ / ٢٠٥٤ ، ح ٦) والمسند (٢ / ٥١١ و ٣ / ٨٤ و ٨٩ و ٩٤). كنز العمال (١١ / ١٣٣ ، ح ٣٠٩٢٣) : «لتتبعنّ سنن من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ؛ حتّى لو سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه». ومثله في ابن ماجة (كتاب الفتن ، باب (١٧) افتراق الامم ، ٢ / ١٣٢٢ ، ح ٣٩٩٤) والمسند (٢ / ٣٢٧ و ٤٥٠) مع فرق يسير في اللفظ. كنز العمال (١١ / ١٣٣ ، ح ٣٠٩١٩) : «لا تترك هذه الامّة شيئا من سنن الأولين حتّى تأتيه».

(٢) ـ كمال الدين : باب (٤٦) ما جاء في التعمير ٥٢٣ ـ ٥٢٤ ، ح ٣. عنه البحار ١١ / ٦٥ ، ح ١٠.

(٣) ـ المصدر : تسعمائة وثلاثين.

٢٥٠

بن إبراهيم عليه‌السلام مائة وثمانين سنة. وعاش يعقوب بن إسحاق عليهما‌السلام مائة وأربعين سنة (١). وعاش يوسف بن يعقوب عليهما‌السلام مائة وعشرين سنة. وعاش موسى بن عمران عليه‌السلام مائة وستّ وعشرين سنة. وعاش هارون عليه‌السلام مائة وثلاث وثلاثين سنة. وعاش داود عليه‌السلام مائة سنة ، منها أربعون سنة ملكه. وعاش سليمان بن داود عليهما‌السلام سبعمائة سنة واثنتا عشرة سنة».

* * *

وبإسناده (٢) عن محمّد بن صالح البزّاز (٣) ، قال : سمعت الحسن بن عليّ بن محمّد العسكري ـ صلوات الله عليهم ـ يقول : «إنّ ابني هو القائم من بعدي ، والذي تجري فيه سنن الأنبياء عليهم‌السلام بالتعمير والغيبة ، حتّى تقسو قلوب لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلّا من كتب الله ـ عزوجل ـ في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه».

وبإسناده (٤) عن سعيد بن جبير ، قال : سمعت سيّد العابدين عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ يقول : «في القائم سنّة من نوح عليه‌السلام ، وهو طول العمر».

وأيضا فإنّ عيسى عليه‌السلام والخضر من أولياء الله باقيان إلى الآن باتّفاق أكثر الامّة ؛ وكذلك إبليس اللعين ، والدجّال.

__________________

(١) ـ المصدر : مائة وعشرين سنة.

(٢) ـ كمال الدين : الباب السابق ، ٥٢٤ ، ح ٤. عنه البحار : ٥١ / ٢٢٤ ، ح ١١.

(٣) ـ كذا. ولكن في المصدر والمنقول عنه في البحار : «حسن بن محمد بن صالح». وأيهما كان فهو مجهول لم يرد عنه غير هذه الرواية.

(٤) ـ كمال الدين : باب ما أخبر به عليّ بن الحسين عليه‌السلام من وقوع الغيبة ، ٣٢٢ ، ح ٣.

٢٥١

وأمّا عيسى وإبليس : فبنصّ الكتاب والسنّة في غير موضع ، وأمّا الخضر والدجّال فبالنصوص المستفيضة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

قال الله عزوجل في عيسى عليه‌السلام : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [٤ / ١٥٩] ، ولم يؤمن به منذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا أحد ، ولا بدّ من أن يكون هذا في آخر الزمان ؛ كما ورد به النصّ في أخبار كثيرة وقد مرّ بعضها.

وروى مسلم في صحيحه (١) عن النواس بن سمعان (٢) ـ في حديث طويل ـ قصّة الدجّال ، قال : فينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء بشرقي دمشق بين مهرودتين (٣) واضعا كفّيه على أجنحة ملكين». وفي حديث آخر (٤) : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم».

وعن ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال (٥) : «لن تهلك أمّة أنا في أوّلها ، وعيسى في آخرها ، والمهديّ في وسطها».

__________________

(١) ـ مسلم : كتاب الفتن ، الباب (٢٠) ذكر الدجال وصفة ما معه ، ٤ / ٢٢٥٣ ، ح ١١٠.

(٢) ـ قال في الإصابة (٣ / ٥٧٩ ، رقم ٨٨٢٢) : «نواس بن سمعان بن خالد بن عمرو ... له ولأبيه صحبة وحديثه عند مسلم في صحيحه».

(٣) ـ قال النووي (شرح صحيح مسلم : ١٨ / ٦٧) : «أما المنارة فبفتح الميم ، وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق ... وأمّا المهرودتان : فروي بالدال المهملة والذال المعجمة ، والمهملة أكثر ... ومعناه لابس مهرودتين ؛ أي ثوبين مصبوغين بورس ثمّ بزعفران.

وقيل هما شقتان ، والشقة نصف الملاءة».

(٤) ـ مسلم : كتاب الإيمان ، الباب (٧١) باب نزول عيسى بن مريم ... ، ١ / ١٣٦ ، ح ٢٢٤.

راجع ملحقات الإحقاق : ١٣ / ١٩٥.

(٥) ـ فرائد السمطين : السمط الثاني ، الباب الحادي والستون ، ٢ / ٣٣٩. كنز العمال : ١٤ / ٢٦٦ ، ح ٣٨٦٧١. راجع تخريج الحديث أيضا في ملحقات الإحقاق : ١٣ / ٢٠٠ ـ ٢٠٣ و ١٩ / ٦٨٢ ـ ٦٨٣.

٢٥٢

وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره (١) بإسناده عن شهر بن حوشب (٢) قال : قال لي الحجّاج : «يا شهر ـ آية في كتاب الله قد أعيتني».

فقلت : «أيّها الأمير ـ أيّة آية هي»؟

فقال : «قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [٤ / ١٥٩] ، والله لأنّي آمر باليهوديّ والنصرانيّ ، فيضرب عنقه ، ثمّ أرمقه بعيني ، فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد».

فقلت : «أصلح الله الأمير ليس على ما تأوّلت». قال : «كيف هو»؟

قلت : «إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملّة يهوديّ ولا غيره إلّا آمن به قبل موته ويصلّي خلف المهدي».

قال : «ويحك ـ أنّى لك هذا ، ومن أين جئت به»؟

فقلت : «حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام». فقال : «جئت ـ والله بها من عين صافية ـ».

__________________

(١) ـ تفسير القمي : ١ / ١٨٦. في تفسير الآية. البحار : ٩ / ١٩٥ ، ح ٤٥ ، و ١٤ / ٣٤٩ ، ح ١٣.

(٢) ـ شهر بن حوشب أبو سعيد الأشعري الشامي من التابعين. كان مولده زمن عثمان وتوفى سنة مائة ، أو ثمان وتسعين ، أو إحدى عشرة ومائة ، أو اثنتى عشرة ومائة ـ على ما قيل فيه من الأقوال. حكى الطبري (تاريخ الطبري : ٦ / ٥٣٨) : «كان شهر بن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب ، فرفعوا عليه أنه أخذ خريطة ، فسأله يزيد عنها ، فأتاه بها ؛ فدعا يزيد الذي رفع عليه ، فشتمه ، وقال لشهر : هي لك. قال :

لا حاجة لي فيها ؛ فقال القطامي الكلبي ـ ويقال : سنان بن مكمل النميري ـ :

لقد باع شهر دينه بخريطة

فمن يأمن القرّاء بعدك ـ يا شهر

أخذت به شيئا طفيفا وبعته

من ابن جونبوذ إن هذا من الغدر

الواقدي (الطبقات : ٧ / ٤٤٩) : «وكان ضعيفا في الحديث». راجع أيضا : سير أعلام النبلاء : ٤ / ٣٧٢ ـ ٣٧٨. المعارف : ٤٤٨. وغيرها من التراجم.

٢٥٣

والصدوق ـ رحمه‌الله ـ أوّل نزول عيسى عليه‌السلام برجعته بعد موته ـ كما يأتي ذكره في آخر المقصد (١) ـ فإن صحّ تأويله لم يصر حجّة لإثبات الغيبة والتعمير ، إلّا أنّه يصير حجّة لإثبات الرجعة ؛ فعلى كلا التقديرين يثبت أحد الأمرين لا محالة.

وأمّا الخضر :

فقد قال ابن جرير الطبري (٢) : «الخضر والياس باقيان يسيران في الأرض».

وروى مسلم في صحيحه (٣) عن أبي سعيد الخدري ، قال : حدّثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثا طويلا عن الدجّال ، فكان فيما حدّثنا أن قال :

«يأتي ، وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة (٤) ، فينتهي إلى بعض السباخ الذي يلي المدينة (٥) ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس ـ أو من خير الناس ـ فيقول له : «أشهد أنّك الدجّال الذي حدّثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثه».

فيقول الدجّال : «أرأيتم إن قتلت هذا ثمّ أحييته أتشكّون بي الأمر»

__________________

(١) ـ راجع الفصل الأخير من هذا المقصد.

(٢) ـ لم أعثر عليه في مظانه من تفسير الطبري ، وجاء في التاريخ (١ / ٣٦٥) : «الخضر من ولد فارس ، وإلياس من بني إسرائيل ، يلتقيان في كل عام بالموسم».

(٣) ـ مسلم : كتاب الفتن ، باب في صفة الدجال ... ، ٤ / ٢٢٥٦ ، ح ١١٢.

(٤) ـ نقاب المدينة ـ بكسر النون ـ : أي طرقها وفجاجها ؛ وهو جمع «نقب» ، وهو الطريق بين جبلين (شرح النووي : ١٨ / ٧١).

(٥) ـ المصدر : بعض السباخ التي تلي المدينة.

٢٥٤

فيقولون : «لا» ـ قال : ـ «فيقتله ، ثمّ يحييه (١) ، فيقول حين يحييه : «والله ـ ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة منّي الآن».

ـ قال : ـ «فيريد الدجّال أن يقتله فلا يسلط عليه».

قال أبو اسحاق إبراهيم بن سعد (٢) : «يقال : إنّ هذا الرجل هو الخضر عليه‌السلام».

هذا لفظ مسلم في صحيحه. وأمّا قصص الخضر عليه‌السلام عن أئمّتنا عليهم‌السلام وملاقاتهم إيّاه : فكثيرة جدّا (٣).

* * *

وأمّا الدجّال :

فقد روى الصدوق (٤) بإسناده عن طرق العامّة من ابن عمر ، قال :

__________________

(١) ـ هذا قرينة على عدم صحة صدور الحديث ، فإنّ الله تعالى لا يمكّن أحدا من أعدائه مما أتى به عيسى عليه‌السلام معجزة وبرهانا على نبوته ؛ إلا أن يدعى بأنه من قبيل الشعبذة ـ ولا يحتمله لفظ الرواية.

(٢) ـ كذا في النسخ. ولكن في صحيح مسلم : «قال أبو إسحاق» وليس فيه «إبراهيم بن سعد» فلعله كان في نسخة المؤلف ـ قدس‌سره ـ.

ولكن قال النووي (شرح : ١٨ / ٧٢) : «أبو إسحاق ـ هذا ـ هو إبراهيم بن سفيان ، راوي الكتاب عن مسلم. وكذا قال معمر في جامعه في إثر هذا الحديث : كما ذكره ابن سفيان ...» راجع أيضا ما أورده النووي في مقدمة شرحه حول أبي إسحاق هذا : ١ / ١٠ ـ ١١.

(٣) ـ راجع بعض ما ورد فيه في البحار : ١٠ / ١٢٠ ـ ١٢١ و ١٣ / ٢٩٩.

(٤) ـ كمال الدين : باب حديث الدجال ، ٥٢٨ ، ح ٢. عنه البحار : ٥٢ / ١٩٥ ـ ١٩٧ ، ح ٢٧. وقد ورد أحاديث يقرب مما حكاه الصدوق ـ قدس‌سره ـ في كتب العامة ، راجع مسلم : كتاب الفتن ، باب (١٩) ذكر ابن صياد ، ٤ / ٢٢٤٠ ـ ٢٢٤٧. أبا داود : كتاب الملاحم ، باب في خبر ابن صائد : ٤ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، ح ٤٣٢٩. راجع أيضا ما أورده المجلسي ـ قدس‌سره ـ حول الحديث في البحار : ٥٢ / ١٩٧ ـ ١٩٩.

٢٥٥

إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى ذات يوم بأصحابه الفجر ، ثمّ قام مع أصحابه حتّى أتى باب دار بالمدينة ، فطرق الباب. فخرجت إليه امرأة فقالت : «ما تريد ـ يا أبا القاسم»؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أمّ عبد الله ـ استأذني لي على عبد الله»؟

فقالت : «يا أبا القاسم ـ وما تصنع بعبد الله؟ فو الله إنّه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه ، وإنّه ليراودني على الأمر العظيم».

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «استأذني لي عليه».

فقالت : «أعلى ذمّتك»؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم». فقالت : «ادخل».

فدخل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا هو في قطيفة له يهمهم فيها ، فقالت أمّه : «اسكت ، واجلس ؛ هذا محمّد قد أتاك» ؛ فسكت وجلس.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما لها ـ لعنها الله ـ لو تركتني لأخبرتكم أهو هو». ثمّ قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما ترى»؟

قال : «أرى حقّا وباطلا ، وأرى عرشا على الماء».

فقال : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله».

فقال : «بل تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحقّ منّي».

فلمّا كان في اليوم الثاني صلّى بأصحابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفجر ، ثمّ نهض ونهضوا معه حتّى طرق الباب ، فقالت أمّه : «ادخل». فدخل ، فإذا هو في نخلة يغرّد فيها. فقالت له أمّه: «اسكت وانزل ، هذا محمّد قد أتاك» ؛ فسكت.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما لها قاتلها الله ، لو تركتني لأخبرتكم أهو هو».

فلمّا كان في اليوم الثالث صلّى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بأصحابه

٢٥٦

الفجر ، ثمّ نهض ونهض القوم معه حتّى أتى ذلك المكان ، فإذا هو في غنم ينعق بها. فقالت له أمّه : «اسكت واجلس ، هذا محمّد قد أتاك» ؛ فسكت.

وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان ، فقرأها بهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاة الغداة ، ثمّ قال : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله». فقال : «بل تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحقّ منّي».

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي قد خبأت لك خبيئا».

فقال : «الدخّ الدخّ» (١).

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إخسأ ـ إنّك لن تعدو أجلك ، ولن تبلغ أملك ، ولن تنال إلّا ما قدّر لك».

ثمّ قال لأصحابه : «أيّها الناس ما بعث الله ـ عزوجل ـ نبيّا إلّا وقد أنذر قومه الدجّال ، وإنّ الله ـ عزوجل ـ قد أخّره إلى يومكم هذا ؛ فمهما تشابه عليكم من أمره ، فإنّ ربّكم ليس بأعور ؛ إنّه يخرج على حمار عرض ما بين اذنيه ميل ، يخرج ومعه جنّة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء ؛ أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب ؛ يدخل آفاق الأرض كلّها إلّا مكّة ولابتيها ، والمدينة ولابتيها».

__________________

(١) ـ قال النووي (شرح صحيح مسلم : ١٨ / ٤٨ ـ ٤٩) في شرح هذا اللفظ : «هو بضم الدال وتشديد الخاء. والمشهور أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضمر له آية الدخان ـ وهي قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ... قال القاضي : وأصحّ الأقوال أنّه لم يهتد من الآية التي أضمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا لهذا اللفظ الناقص ، على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب ..».

٢٥٧

[خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام في الملاحم]

وبإسناده (١) إلى النزال بن سبرة (٢) قال :

خطبنا عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال :

«سلوني أيّها الناس قبل أن تفقدوني» ـ ثلاثا ـ. فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال : «يا أمير المؤمنين ـ متى يخرج الدجّال»؟

فقال له ـ صلوات الله عليه : «اقعد ، فقد سمع الله كلامك ، وعلم ما أردت ؛ والله ما المسئول عنه بأعلم من السائل ، ولكن لذلك علامات وهيآت يتبع بعضها بعضا كحذو النعل بالنعل ، فإن شئت أنبأتك بها».

قال : «نعم ـ يا أمير المؤمنين».

فقال صلوات الله عليه : «احفظ ، فإنّ علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة ، وأضاعوا الأمانة ، واستحلّوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وأخذوا الرشا ، وشيّدوا البنيان ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء ، وقطعوا الأرحام ، واتّبعوا الأهواء ، واستخفّوا بالدماء ، وكان العلم ضعيفا (٣) ، والظلم فخرا ، وكانت الامراء فجرة

__________________

(١) ـ كمال الدين : باب حديث الدجال ... ، ٥٢٥ ، ح ١.

عنه البحار : ٥٢ / ١٩٢ ـ ١٩٥ ، ح ٢٦.

(٢) ـ قال ابن الأثير (اسد الغابة : ٤ / ٥٢٨) : «النزال بن سبرة الهلالي من بني عامر بن صعصعة.

ذكروه فيمن رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تعلم له رواية إلا عن علي وابن مسعود ، وهو معدود في كبار التابعين وفضلائهم ...».

راجع أيضا : الإصابة : ٣ / ٥٨٣ ، الترجمة : ٨٨٥٦. تهذيب التهذيب : ٥ / ٦١٣.

٢٥٨

والوزراء ظلمة والعرفاء خونة والقرّاء فسقة ، وظهرت شهادة الزور ، واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان ، وحلّيت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وطوّلت المنارات ، واكرمت الأشرار ، وازدحمت الصفوف ، واختلفت القلوب ، ونقضت العهود ، واقترب الموعود ، وشارك النساء أزواجهنّ في التجارة حرصا على الدنيا ، وعلت أصوات الزناديق (١) واستمع منهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، واتّقي الفاجر مخافة شرّه ، وصدّق الكاذب ، واؤتمن الخائن ، واتّخذت القينات والمعارف ، ولعن آخر هذه الامّة أوّلها ، وركب ذوات الفروج السروج ، وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد ، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير معرفة ، وتفقّه لغير الدين ، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف ، وأمرّ من الصبر.

فعند ذلك الوحا الوحا (٢) ، العجل العجل ؛ خير المساكن يومئذ بيت المقدّس ؛ ليأتينّ على الناس زمان يتمنّى أحدهم أنّه من سكّانه».

* * *

فقام إليه أصبغ بن نباتة فقال : «يا أمير المؤمنين ـ من الدجّال»؟

فقال : «ألا إنّ الدجّال صائد بن الصيد ، فالشقيّ من صدّقه ، والسعيد من كذّبه ، يخرج من بلدة يقال لها أصبهان ، من قرية تعرف باليهوديّة ، عينه اليمنى ممسوحة ، والعين الاخرى في جبهته تضيء كأنّها

__________________

ـ (٣) ـ على هامش النسخة : وكان الحلم ضعفا.

(١) ـ هامش النسخة : أصوات الفساق ـ خ ل.

(٢) ـ الوحى : العجلة. ويقال في الاستعجال : الوحى الوحى.

٢٥٩

كوكب الصبح ، فيها علقة كأنّها ممزوجة بالدم ، بين عينيه مكتوب : «كافر» ، يقرأه كلّ كاتب وأمّي ؛ يخوض البحار ، ويسير معه الشمس ؛ بين يديه جبل من دخان ، وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنّه طعام ؛ يخرج ـ حين يخرج ـ في قحط شديد ، تحته حمار أقمر ، خطوة حماره ميل ، تطوى له الأرض منهلا منهلا ، لا يمرّ بماء إلّا غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته ـ يسمع ما بين الخافقين من الجنّ والأنس والشياطين ـ يقول : «إليّ أوليائي ، أنا الذي خلق فسوّى ، وقدّر فهدى ، أنا ربّكم الأعلى».

وكذب عدوّ الله ، إنّه أعور يطعم الطعام ويمشي في الأسواق ، وإنّ ربّكم ـ عزوجل ـ ليس بأعور ولا يطعم ولا يمشي ، ولا يزول ـ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ـ.

ألا ـ وإنّ أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا وأصحاب الطيالسة الخضر ، يقتله الله ـ عزوجل ـ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق ، لثلاث ساعات من يوم الجمعة ، على يد من يصلّى المسيح عيسى بن مريم ـ صلوات الله عليه ـ خلفه.

* * *

«ألا إنّ بعد ذلك الطامّة الكبرى». قلنا : «وما ذلك ـ يا أمير المؤمنين»؟

قال : «خروج دابّة الأرض من عند الصفا ، معها خاتم سليمان وعصا موسىعليهم‌السلام ؛ تضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه : «هذا مؤمن حقّا» وتضع على وجه كلّ كافر فيكتب فيه : «هذا كافر حقّا» حتّى أنّ المؤمن لينادي : «الويل لك ـ يا كافر» ، وأنّ الكافر ينادي :

٢٦٠