علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

علم اليقين في أصول الدين - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
ISBN: 964-90800-3-1
الصفحات: ٨٧٨

ويخطر بالبال أنّ المراد بالسبعين الكثرة ، فمعنى الحديث : أنّ أمّة موسى افترقوا فرقا كثيرة هالكة ، وواحدة ناجية ؛ ثمّ لمّا جاء عيسى اختلفت الفرقة الناجية الموسويّة عليه بالتصديق والتكذيب ـ كغيرهم ـ فافترقت فرقتين : فرقة التحقت بالفرق الكثيرة الهالكة ـ فصارت الهالكة من أمّته إحدى وسبعين ، وفرقة نجت مع من نجت ـ فصارت أمّته اثنتين وسبعين فرقة ؛ ثمّ لمّا جاء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختلفت الفرقة الناجية العيسويّة عليه بالتصديق والتكذيب ـ كغيرهم ـ فافترقت فرقتين : فرقة التحقت بالكثيرة الهالكة ، فصارت الهالكة من أمّته اثنتين وسبعين ، وفرقة نجت مع من نجت ، فصارت أمّته ثلاثا وسبعين فرقة.

ومن رام الحصر العقلي في هذا العدد أو الحصر الحقيقي فقد ركب شططا وأتى تعسّفا ـ والعلم عند الله ـ.

* * *

__________________

والحديث ورد في الترمذي (كتاب الإيمان ، الباب (١٨) : ٥ / ٢٦ ، ح ٢٦٤١) : بلفظ «... وتفترق امتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا : ومن هي ـ يا رسول الله ـ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي».

١٠١

فصل [٢]

روى ابن أبي الحديد (١) منهم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ معتمدا ـ على صحّتها أنّه قال :

«اللهم إنّي استعديك على قريش ، فإنّهم أضمروا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضروبا من الشرّ والغدر ، فعجزوا عنها ، فحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليّ ؛ اللهمّ احفظ حسنا وحسينا ، ولا تمكّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّا ، فإذا توفّيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كلّ شيء شهيد».

قال له قائل (٢) : «يا أمير المؤمنين ـ أرأيت لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك ولدا ذكرا قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد أكانت العرب ، تسلم إليه أمرها»؟

قال : «لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلته ، إنّ العرب كرهت أمر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحسدته على ما آتاه الله من فضله واستطالت أيّامه حتّى قذفت زوجته ونفرت ناقته ، مع عظيم إحسانه كان إليها ، وجسيم منّه عندها ؛ واجتمعت مذ كان حيّا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته.

ولو لا أنّ قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرئاسة ، وسلّما إلى العزّ

__________________

(١) ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢٠ / ٢٩٨ ، الكلمة (٤١٣) من الكلمات التي انتخبها ابن أبي الحديد من كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام وألحقها بآخر شرحه.

(٢) ـ نفس المصدر : الكلمة (٤١٤).

١٠٢

والأثرة (١) ، لما عبدت الله ـ تعالى ـ بعد موته يوما واحدا ، ولارتدّت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا وبازلها بكرا.

ثمّ فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقة ، وتموّلت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا ، وقالت : لو لا أنّه حقّ لما كان كذا.

ثمّ نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الامراء القائمين بها ، فتأكّد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ؛ فكنّا ـ نحن ـ ممّن خمل ذكره وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتّى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب ـ بما فيها ـ ومات كثير ممّن يعرف ، ونشأ كثير ممّن لا يعرف.

وما عسى أن يكون الولد ـ لو كان ـ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقرّبني ما يعلمونه من القرب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ؛ أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت؟ وكذاك (٢) يقرب ما قربت.

ثمّ لم يكن ذلك عند قريش والعرب سببا للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة.

اللهم إنّك تعلم أنّي لم أرد الإمرة ولا علوّ الملك والرئاسة ، وإنّما أردت القيام بحدودك والأداء بشرعك ووضع الامور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها ، والمضيّ على منهاج نبيّك وإرشاد الضالّ إلى أنوار هدايتك».

__________________

(١) ـ المصدر : الإمرة.

(٢) ـ اضيف في المصدر : لم يكن.

١٠٣

قال عليه‌السلام (١) : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك ، وإلّا فألصق كلكلك بالأرض».

فلمّا تفرّقوا جررت على المكروه ذيلي ، وأغضيت على القذى جفني ، وألصقت بالأرض كلكلي (٢).

أما ـ والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ـ إنّه لعهد النبيّ الاميّ إليّ : أنّ الامّة ستغدر بك من بعدي» (٣).

قيل : لامته فاطمة عليها‌السلام على قعوده وأطالت تعنيفه ـ وهو ساكت ـ حتّى أذّن المؤذّن ، فلمّا بلغ إلى قوله : «أشهد أنّ محمّدا رسول الله» ، قال لها : «أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا»؟

قالت : «لا». قال : «فهو ما أقول».

فصل [٣]

[الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم]

وليعلم أنّه لمّا أختار الله ـ عزوجل ـ للخلافة والإمارة من أختار ، واخذت له البيعة في الغدير عمّن شهد من الأقطار ـ كما تواترت به وبكيفيّته الأخبار ـ وغلب على أراذل العرب حبّ الرئاسة والهوى ، واشتعل في قلوبهم نائرة الحسد والبغضاء ، فعادوا إلى الجاهليّة الاولى ،

__________________

(١) ـ شرح ابن أبي الحديد : ٢٠ / ٣٢٦ ، الكلمة (٧٣٦).

(٢) ـ الكلكل : منتهى عجز الظهر.

(٣) ـ نفس المصدر : ٢٠ / ٣٢٦ ، الكلمة (٧٣٤).

١٠٤

وصار الناس أصنافا : صنفا من أهل التدليس والتلبيس ـ وهم الذين شيّدوا أركان هذه الضلالة ـ وصنفا من أهل العمى والتقليد قد شبّه لهم الأمر ، فدخلوا فيه على غير بصيرة ، وصنفا اتّبعوهم خوفا وتقيّة.

فارتدّ أكثر الناس بسبب ارتداد المدلّسين ، وخرجوا عن زمرة المسلمين ـ كسنّة الله في امم سائر النبيّين ـ.

وذلك لأنّه لمّا استتمّ الأمر لأبي بكر ، صعد المنبر وقام خطيبا ، فقام إليه جماعة من المهاجرين والأنصار فأنكروا عليه أشدّ الإنكار ، وذكّروه حديث يوم الغدير ؛ فقال :

«أيّها الناس ـ أقيلوني ، أقيلوني ، فلست بخيركم وعليّ فيكم» (١).

فقام إليه عمر وقال له : «والله ما أقلناك ، ولا يلي هذا الأمر غيرك».

وكان في جملة من أنكر عليه مالك بن نويرة (٢) حين دخل المدينة ورآه على المنبر ، فتعجّب من نبذهم حديث يوم الغدير مع تلك التأكيدات. فخافوا أن يصيبهم من قبله فتق ، إذ كانت له قبيلة وكان من شجعان العرب يعدّ بمائة فارس ، فلمّا دخل إلى أهله بعثوا إليه خالد بن الوليد في جيش ليأخذ منه زكاة ماله ، فأخذ من خالد العهود والمواثيق

__________________

(١) ـ جاء في المعجم الأوسط (٩ / ٢٧١ ، ح ٨٥٩١) : «قام أبو بكر الغد حين بويع ، فخطب الناس فقال : أيها الناس إني قد أقلتكم رأيكم ، إني لست بخيركم ، فبايعوا خيركم».

وقد أشار إلى قوله هذا أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته المعروفة بالشقشقية : «... فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ...».

راجع أيضا ما أورده ابن أبي الحديد شرحا لهذا الكلام : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٢) ـ راجع تفصيل القضية والروايات الواردة فيها في النص والاجتهاد : ١١٦ ـ ١٣٨. الغدير : ٧ / ١٥٨ ـ ١٦٩. وغيرها من كتب السير.

١٠٥

على أن لا يتعرّض له بمكروه فيعطيه الزكاة. فلمّا جنّ عليهم الليل ونام مالك وأصحابه بيّت عليهم خالد وأصحابه فقتلوهم غدرا ودخل بامرأته في ليلته ، وطبخ رأسه في وليمة عرسه وسبى حريمه ، وسمّاهم أهل الردة افتراء وكذبا.

فلمّا رأى الناس أمثال ذلك دخلوا تحت سلطنتهم الجابرة كما كانت الناس يدخلون تحت سلطان الملوك الجبابرة ، وما بقى إلّا شرذمة قليلون ، وكانوا أذلّاء خائفين متّقين.

فصل [٤]

روى العامّة في صحاحهم (١) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال حين وفاته :

«ائتوني بدواة وبيضاء اكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي».

ـ وفي رواية (٢) : «لازيل عنكم مشكل الأمر ، واذكر لكم من المستحقّ بعدي» ـ

__________________

(١) ـ ورد الحديث بألفاظ مختلفة ، راجع البخاري : الجهاد ، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ، ٤ / ١٢١. الغزوات ، باب مرض النبي ووفاته ، ٦ / ١١.

المعجم الكبير : ١١ / ٣٠ و ١٢٢٦١ ، ح ١٠٩٦١ ـ ١٠٩٦٢ و ١٢٢٦١.

المسند : ١ / ٢٢٢ و ٢٩٣. حلية الأولياء : ذكر طلحة بن مصرف ، ٥ / ٢٥.

(٢) ـ راجع الروايات الواردة حول هذه القضية ـ المعروفة برزية يوم الخميس ـ في طبقات ابن سعد : ٢ / ٢٤٢ ـ ٢٤٥. مسلم : كتاب الوصية ، باب (٥) ترك الوصية ... ، ٣ / ١٢٥٧ ـ ١٢٥٩ ، ح ٢٠ ـ ٢٢. المسند : ١ / ٢٢٢ و ٣٢٥ و ٣٥٥. البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب جوائز الوفد ، ٤ / ٨٥. وكتاب الطب باب قول المريض قوموا عني ، ٧ / ١٥٦. نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد : ٦ / ٥١. وغيرها من التواريخ.

راجع أيضا : النص والاجتهاد : ١٤٨ ـ ١٦٣ ، وما مضى في التعليقة السابقة.

١٠٦

فقال عمر : «دعوا الرجل ، فإنّه ليهجر ـ أو قال : ليهذي ـ حسبنا كتاب الله».

فتنازعوا عنده ، فأعرض بوجهه عنهم وقال : «قوموا عنّى ، لا ينبغي عند نبيّ تنازع».

وروى من هو منهم عن عمر أنّه قال (١) : «كان يريد أن يصرّح باسمه ، فحلت بينه وبين ما أراد».

وكان ذلك بعد ما قصد جماعة منهم قتله ، واحتالوا لذلك حيلا فلم يظفروا به ، كما يشهد له قصّه عقبة هرشي وإلقاء الدباب ومن ارتقاها من الأصحاب ـ وهي مشهورة وفي كتبهم مسطورة (٢) ـ.

فعند ذلك تعاقدوا صرف الأمر عن أهل بيته وكتبوا لذلك كتابا وتعاهدوا عليه وكانت بواطنهم مشحونة بعداوته وعداوة أهل بيته ـ كما اشير إليه في آية تبليغ الوصيّة بقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [٥ / ٦٧].

وكان يبدو من أفواههم البغضاء أحيانا وكان ما في صدورهم أكبر.

__________________

(١) ـ حكى ابن أبي الحديد (شرح النهج : ١٢ / ٢١ ، الخطبة ٢٢٣ بترقيم الشرح) قول عمر لابن عباس : «ولقد أراد [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] في مرضه أن يصرّح باسمه ، فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام ...». ثم قال ابن أبي الحديد : «ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسندا». راجع أيضا ١٢ / ٧٩ من الشرح.

(٢) ـ أشير إلى القضية فيما نقل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في الفصل الثاني من هذا الباب : «... حتى قذفت زوجته ونفرت ناقته».

١٠٧

وتمام الكلام في تلبيساتهم يطلب من كتاب :

«التهاب نيران الأحزان»

فإنه كاف في هذا المعنى (١).

* * *

__________________

(١) ـ ذكر صاحب الذريعة ـ قدس‌سره ـ (٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨) : «التهاب نيران الأحزان ومثير كتائب الأشجان ـ الأكتاب والأشجان ـ» وقال بعد ذكر النسخ التي رآه من الكتاب :

«فيظهر من منقولاته أنه الف بعد القرن السابع إلى العاشر ، لأنه أورد المحقق الفيض في كتابه علم اليقين المطبوع مختصر التهاب النيران المذكور في عدة فصول ... وطبع تمام الكتاب في مطبعة البحرين ، الكائنة في منامة ...».

أقول : وطبع الكتاب في النجف (منشورات المكتبة الحيدرية ١٣٨٥ ه‍) واعيد طبعه مصورة منه أخيرا في قم (منشورات الشريف الرضي) وكتب عليه : «تأليف العلامة الجليل الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد ابن عصفور الدرازي البحراني»

ومن العجيب أن صاحب الرياض قال في ترجمة الشيخ جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي (رياض العلماء : ١ / ١١١) : «... وله كتب ، منها كتاب «مثير الأحزان» وكتاب «شرح الثار» المشتمل على أحوال المختار ، نسبهما إليه الاستاد الاستناد في فهرست بحار الأنوار ؛ ولعل «مثير الأحزان» بعينه هو «التهاب نيران الأحزان ومثير اكتئاب الأشجان فيما جرى على آل الرسول» ، الذي رأينا منه نسخا عديدة في أستراباد ومازندران وغيرهما ، ينقل منه العارف القاساني في بحث الإمامة من «علم اليقين» ، وفي أواخر «المحجة البيضاء في إحياء الأحياء» ، وعندنا منه نسخة أيضا».

أقول : يظهر أنه ـ رحمه‌الله ـ لم يظفر على كتاب ابن نما ، كما أنّه لم يطابق بين ما نقل عنه في البحار من النصوص وبين ما كانت عنده من نسخة الكتاب ، فإنّ بينهما بون بعيد ؛ فكتاب ابن نما في ذكر مقتل سيد الشهداء حسين بن علي عليهما‌السلام بينما كتاب التهاب نيران الأحزان يذكر فيه ما جرى بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمر السقيفة وغصب الخلافة ، وما كان قبل ارتحاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قضايا غدير خم وإعلام إمامة أمير المؤمنين ومؤامرات المنافقين.

١٠٨

فصل [٥]

قال أبو حامد الغزالي ـ الملقّب عندهم بحجّة الإسلام ـ في كتابه المسمّى ب «سر العالمين وكشف [ما في] الدارين» (١) ، في مقالته الرابعة التي وضعها لتحقيق أمر الخلافة بعد الأبحاث ، وذكر الاختلافات فيها ما هذه عبارته :

«لكن أسفرت الحجّة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته يوم غدير خمّ ، وهو يقول (٢) : «من كنت مولاه فعليّ مولاه».

فقال عمر : «بخّ بخّ لك ـ يا أبا الحسن ـ لقد أصبحت مولاي ، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة».

«فهذا تسليم ورضاء وتحكيم ، ثمّ بعد هذا غلب الهوى وحبّ الرئاسة ، وحمل عمود الخلافة وعقود النبوذ في خفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار والأمر والنهي. فعادوا إلى الخلاف الأوّل ، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا ، فبئس ما يشترون!

__________________

(١) ـ راجع ما مضى من القول حول هذا الكتاب ونسبته إلى الغزالي في تعليقة الصفحة ٣٤٦.

والنص المنقول يوجد في (٢٠ ـ ٢٢) منه ، وقد أورده ـ قدس‌سره ـ في كتابه المحجة البيضاء (١ / ٢٣٥) أيضا.

(٢) ـ الحديث متواتر رواه جم غفير من المحدثين ، راجع تفصيل الكلام في رواته وتخريج مصادره في الغدير : ١ / ٩ ـ ١٥١.

تعليقات إحقاق الحق : ٢ / ٤١٥ ـ ٤٦٥ و ٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٧ و ٦ / ٢٢٥ ـ ٣٦٨.

١٠٩

ولمّا مات رسول الله عليه‌السلام قال وقت وفاته (١) :

«ائتوني بدواة وبيضاء ، لازيل عنكم مشكل الأمر وأذكر لكم من المستحقّ لها بعدي».

قال عمر : «دعوا الرجل فإنّه ليهجر» ـ وقيل : يهذي ـ».

ـ ثمّ قال : ـ «فإذا بطل تعلّقكم بتأويل النصوص فعدتم إلى الإجماع ، وهذا منقوض ـ أيضا ـ فإنّ العبّاس وأولاده وعليّا وزوجته لم يحضروا حلقة البيعة ، وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي.

ودخل محمّد بن أبي بكر على أبيه في مرض موته ، فقال : «يا بنيّ ائت بعمّك عمر لأوصي له».

فقال : «يا أبت ـ كنت على حقّ أو باطل»؟

فقال : «على حقّ».

فقال : «وصّ بها لأولادك إن كان حقّا» ؛ ثمّ خرج إلى عليّ عليه‌السلام وجرى ما جرى.

وقوله على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقيلوني ، أقيلوني ، فلست بخيركم وعليّ فيكم»(٢).

أفقاله هزلا ، أو جدّا ، أو امتحانا؟

فإن كان هزلا فالخلفاء منزّهون عن الهزل ، وإن قاله جدّا فهو

__________________

(١) ـ مضى في الفصل السابق.

(٢) ـ مضى في الفصل السابق.

١١٠

نقض الخلافة ، وإن قاله امتحانا فالصحابة لا يليق بهم الامتحان» (١).

فصل (٢) [٦]

اعلم أنّ مطاعن الثلاثة أكثر من أن تحصى ، وأشهر من أن تخفى ، وكفاك منها تخلّفهم من جيش اسامة مع علمهم بقصد التنفيذ وتأكيد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك باللعن (٣).

__________________

(١) ـ هنا ورد في الطبعة القديمة فصول مطولة ـ ص ١٤٢ ـ ١٥٩ ـ تحتوي على ما كان في غدير خم ومؤامرات المخالفين لذلك في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أمر السقيفة والقضايا التي بعدها. وقال المؤلف في أولها : «قد صنف بعض أصحابنا رحمهم‌الله في بيان وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما تقدم منه النص المتواتر على أهل بيته في وصايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والاختلاف في الخلافة بعد وفاته ، فإنه بترتيب حسن وسياق لطيف ، سماه ب «التهاب نيران الأحزان» ، رأيت أن اورد خلاصة ما تضمّنه في هذا الكتاب في فصول لتعتبر أولو الأبصار وليذّكر أولو الألباب ؛ وأكثره مما استفاض به الأخبار من الطرفين».

ويظهر من الدقة في نسخة المؤلف ـ قدس‌سره ـ أنه أورد هذه الفصول أولا ، كما أشار إليها في كتابه «المحجة البيضاء» أيضا (١ / ٢٣٦) حيث قال بعد إيراد النص المذكور بلفظه : «أوردنا شطرا صالحا منه في كتابنا الموسوم بعلم اليقين ، من أراد الاطلاع عليه فيرجع إليه». ثم لم ير التفصيل مناسبا لسياق كتابه هذا ، فأعرض عنه بالمرة وأسقط الأوراق المكتوبة من النسخة ، وكتب بدلا منها الفصول الثلاثة الآتية ووضعها مكان الفصول المحذوفة.

ثم إنّي أيضا لم أر في إيراد هذه الفصول بعد إعراض المؤلف عنها هنا فائدة ، لأن المنقولات مفصلة ، والكتاب المذكور مطبوعة موجودة بمتناول المراجعين ثانيا. وقد مضى القول في تعريف الكتاب وطبعاته في تعليقات الفصل السابق.

(٢) ـ أورد المؤلف هذا الفصل مع زيادات في المحجة البيضاء : ١ / ٢٣٦ ـ ٢٤٠.

(٣) ـ راجع البحث حول تنفيذ جيش اسامة وتخلف المتخلفين عنه في كتاب النص والاجتهاد : المورد الرابع ، ٣٠ / ـ ٤٢.

١١١

ومنع أبي بكر فاطمة عليه‌السلام فدك ، مع ادّعائها النحلة لها ، وشهادة عليّ عليه‌السلام وأمّ أيمن بذلك ، وعدم تصديقه لهم ، وتصديق الأزواج في ادّعاء الحجرة لهنّ من غير شاهد (١).

وقوله أنّ له شيطانا يعتريه (٢).

وقول عمر : «كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه»(٣).

وشكّه عند موته في استحقاقه للخلافة» (٤).

وعدم معرفته بالأحكام (٥).

__________________

(١) ـ راجع البحث حول فدك في النص والاجتهاد للسيد شرف الدين الموسوي ـ قدس‌سره ـ : ٦٦ ـ ٨٧.

(٢) ـ تاريخ الطبري : ٣ / ٢٢٤ ، وقائع سنة ١١. طبقات ابن سعد : ذكر وصية أبي بكر ، ٣ / ٢١٢. كنز العمال : ٥ / ٥٩٠ ، الحديث ١٤٠٥٠.

(٣) ـ في البخاري (كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا ، ٨ / ٢١٠) عن عمر : «... ثم إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول : «والله لو مات عمر بايعت فلانا. فلا تغترنّ امرؤ أن يقول ، إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت. ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرّها ... من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا ...».

وما يقرب منه في تاريخ الطبري : ٣ / ٢٠٥ ، وقائع سنة ١١. المسند : ١ / ٥٥. راجع أيضا كنز العمال : ٥ / ٦٥١ ، ح ١٤١٣٧.

الفلتة : البغتة وكل أمر يحصل فجأة لا عن تدبير.

(٤) ـ المعروف أن هذا الشك كان من أبي بكر ، فقد روي عنه أنه قال عند موته : «... وأما الثلاث اللاتي وددت أنّي سألت عنهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فوددت أنّي سألته فيمن هذا الأمر ، فلا ينازعه أهله ...» (كنز العمال : ٥ / ٦٣٢ ، الحديث ١٤١١٣).

(٥) ـ راجع الغدير : ٦ / ٨٣ ـ ٣٢٨. و ٨ / ٦٣ ـ ٦٤.

١١٢

وإضرامه النار في بيت عليّ ليحرقه ـ وفيه فاطمة وجماعة من بني هاشم (١).

وقوله : «كلّ الناس أفقه من عمر ، حتّى المخدّرات في الحجال» حين أوقفته امرأة على خطائه (٢).

وتولية عثمان من ظهر فسقه ـ حتّى أحدثوا ما أحدثوا ـ (٣).

وردّه طلقاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

وايثاره أهله بالأموال العظيمة (٥).

وضربه ابن مسعود (٦) وعمّارا (٧) وأبا ذرّ ، ونفيه إيّاه إلى الربذة (٨).

__________________

(١) ـ شرح ابن أبي الحديد : ٦ / ٤٨. راجع تفصيل ما ورد في القضية والروايات الواردة فيها في دلائل الصدق : ٣ / ٨٧ ـ ٩٢.

(٢) ـ أورده الفخر الرازي في أربعينه (الفصل الخامس من المسألة التاسعة والثلاثون ، ٤٦٧) بلفظ : «كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت».

راجع مصادر الرواية وألفاظه المختلفة في الغدير : ٦ / ٩٥ ـ ٩٩.

(٣) ـ ولى عثمان الوليد بن عقبة الكوفة ، فشرب وصلى بالناس الصبح أربعا وهو سكران فقاء في المحراب ؛ راجع تفصيل الكلام ومصادره في الغدير : ٨ / ١٢٠ ـ ١٢٥.

(٤) ـ قال ابن قتيبة في المعارف (خلافة عثمان ، ١٩٤) : «ثم حصر عثمان ... وكان مما نقموا على عثمان أنه آوى الحكم بن العاص ، وأعطاه مائة ألف درهم ، وقد سيّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لم يؤوه أبو بكر وعمر. راجع تفصيل القضية وتخريج مصادرها في كتاب الغدير : ٨ / ٢٤١ ـ ٢٥٧.

(٥) ـ راجع عطايا عثمان للحكم والمروان والوليد وسائر بني أعمامه في الغدير : ٨ / ٢٣٦ ـ ٢٨٢.

(٦) ـ راجع الغدير : ٩ / ٣ ـ ١٤.

(٧) ـ راجع الغدير : ٩ / ١٤ ـ ٣٠.

(٨) ـ راجع التفصيل في الغدير : ٨ / ٢٩٢ ـ ٣٥٦.

١١٣

وإسقاط الحدّ عن الوليد ، والقود عن ابن عمر (١).

وخذلان الصحابة له ، حتّى قتل ولم يدفن إلى ثلاث (٢).

ـ إلى غير ذلك من المنكرات ـ!!

هذا مع كثرة فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام وتظلّمه منهم مرّة بعد اولى.

فصل [٧]

وليعلم أنّ تظلّم مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ممّن تقدّم ، عليه كثير في كلامه وخطبه ودعواته ، وسنذكر شيئا من ذلك :

فمنه ما رواه الكفعمي ـ رحمه‌الله ـ عن ابن عبّاس عن عليّ عليه‌السلام أنّه كان يقنت بهذا الدعاء في صلاته وقال (٣) : «إنّ الداعي به كالرامي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بدر واحد وحنين بألف ألف سهم» وهو :

«اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، والعن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وإفكيها ، الذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك ، وجحدا إنعامك ، وعصيا رسولك ، وقلّبا دينك ، وحرّفا كتابك ، وجحدا آلاءك وعطّلا أحكامك ، وأبطلا فرائضك ، وألحدا في آياتك ، وعاديا

__________________

(١) ـ قتل عبيد الله ابن عمر بعد اغتيال أبيه هرمزان وابنة أبي لؤلؤة بظن شركته في المؤامرة على قتل أبيه ، وأسقط عثمان عنه الحد. راجع الطبري : ٤ / ٢٣٩ ، وقائع سنة ٢٣. وأما الوليد فقد مضى الكلام عن فسقه وشربه الخمر.

(٢) ـ ثوار القوم على عثمان وقتله وخذلان الصحابة له معروف وفي كتب السير مذكور.

(٣) ـ جنة الأمان الواقية المعروف بالمصباح : ٥٥٢. مع اختلافات يسيرة.

البلد الامين : ذكر قنوتات الأئمة ، ٥٥١. والاختلافات اللفظية فيه أكثر.

١١٤

أولياءك ، وواليا أعداءك ، وخرّبا بلادك ، وأفسدا عبادك.

اللهمّ العنهما واتباعهما وأوليائهما وأشياعهما ومحبّيهما ، فقد أخربا بيت النبوّة ، وردما بابه ، ونقضا سقفه ، وألحقا سماءه بأرضه ، وعاليه بسافله ، وظاهره بباطنه ، واستأصلا أهله ، وأبادا أنصاره ، وقتلا أطفاله ، وأخليا منبره من وصيّه ووارث علمه ، وجحدا إمامته ، وأشركا بربّهما ؛ فعظّم ذنبهما ، وخلّدهما في سقر (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) [٧٤ / ٢٧ ـ ٢٩].

«اللهم العنهم بعدد كل منكر آتوه ، وحقّ أخفوه ، ومنبر علوه ، ومؤمن أرجوه ، ومنافق ولّوه ، ووليّ آذوه ، وطريد آووه ، وصادق طردوه ، وكافر نصروه ، وإمام قهروه ، وفرض غيّروه ، وأثر أنكروه ، وشرّ أثروه ، ودم أراقوه ، وخير بدّلوه ، وكفر نصبوه ، وإرث غصبوه ، وفيء اقتطعوه ، وسحت أكلوه ، وخمس استحلّوه ، وباطل أسّسوه ، وجور بسطوه ، ونفاق أسرّوه ، وغدر أضمروه ، وظلم أنشروه ، ووعد أخلفوه ، وأمان خانوه ، وعهد نقضوه ، وحلال حرّموه ، وحرام أحلّوه وبطن فتقوه ، وضلع دقّوه ، وصكّ مزّقوه ، وشمل بدّدوه ، وعزيز أذلّوه ، وذليل أعزّوه ، وحقّ منعوه ، وكذب دلّسوه ، وحكم قلّبوه.

اللهم العنهم بكلّ آية حرّفوها ، وفريضة تركوها ، وسنّة غيّروها ورسوم منعوها ، وأحكام عطّلوها ، وبيعة نكثوها ، ودعوى أبطلوها ، وبيّنة أنكروها ، وحيلة أحدثوها ، وخيانة أوردوها ، وعقبة ارتقوها ، ودباب دحرجوها ، وأزياف لزموها ، وشهادات كتموها ، ووصيّة ضيّعوها.

اللهم العنهما في مكنون السرّ وظاهر العلانية ، لعنا كثيرا أبدا دائما

١١٥

دائبا سرمدا ، لا انقطاع لأمده ، ولا نفاد لعدده ، لعنا يغدو أوّله ولا يروح آخره ، لهم ولأعوانهم وأنصارهم ومحبّيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم ، والناهضين بأجنحتهم ، والمقيّدين بكلامهم ، والمصدّقين بأحكامهم.

ـ ثمّ قال أربع مرّات : ـ «اللهم عذّبهم عذابا يستغيث منه أهل النار ـ آمين يا ربّ العالمين».

* * *

قال الكفعمي (١) :

«الضمير في «جبتيها وطاغوتيها وإفكيها» راجع إلى قريش ، ومن قرأ : «جبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما» ـ على التثنية ـ فليس بصحيح ، لأن الضمير حينئذ يكون راجعا في اللعنة إلى جبتي الصنمين وطاغوتيهما وإفكيهما ؛ وذلك ليس مراد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنّما مراده عليه‌السلام لعن نفس صنمي قريش ، ووصفه عليه‌السلام لهذين الصنمين ب «الجبتين والطاغوتين والإفكين» تفخيما لفسادهما ، وتعظيما لعنادهما ، وإشارة إلى ما أبطلاه من فرائض الله ، وعطّلاه من أحكام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والصنمان هما الفحشاء والمنكر.

قال الشيخ العالم أبو السعادات أسعد بن عبد القاهر في

__________________

(١) ـ حاشية المصباح : ٥٥١.

١١٦

كتابه «رشح الولاء» (١) في شرح هذا الدعاء :

«وإنّما شبّههما بالجبت والطاغوت لوجهين : إمّا لكون المنافقين يتّبعونهما في الأوامر والنواهي غير المشروعة ، كما اتّبع الكفّار هذين الصنمين ؛ وإمّا لكون البراءة منهما واجبة ، لقوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) [٢ / ٢٥٦]».

ثمّ فسّر (٢) تلك الإشارات مفصّلة ، وإنّما طويناها مخافة التطويل ، مع أنّه يعرف أكثره من تضاعيف ما ذكرناه ، ومن أراد تمامها فليرجع إلى الشرح المذكور.

ومطاعن هؤلاء أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى ،

وقد صنّف فيها العلماء كتبا ودفاتر (٣).

* * *

__________________

(١) ـ المنقول من تتمة ما أورده صاحب المصباح.

في أمل الآمل (٢ / ٣٢) : «أسعد بن عبد القاهر بن أسعد الأصفهاني أبو السعادات ؛ كان عالما فاضلا محققا ، له كتب منها كتاب رشح الولاء ... وروى عنه علي بن موسى بن طاوس ، وقرء عنده نصير الدين الطوسي ، وميثم بن علي البحراني».

راجع الذريعة : ٢ / ٢٣٦. أعيان الشيعة : ٣ / ٢٩٧.

(٢) ـ أي صاحب المصباح. أو صاحب شرح الدعاء.

(٣) ـ راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٧ / ١٥٤ ـ ٢٢٤. ١٢ / ١٩٥ ـ ٢٨٩. ٣ / ١١ ـ ٦٨.

١١٧

فصل [٨]

قال السيّد بن طاوس ـ رحمه‌الله ـ (١) في جواب من اعترض على الإماميّة بتعرّضهم للصحابة :

«وأمّا ما ذكرتم من تعرّض من أشرتم إليه بذمّ بعض الصحابة ، فأنتم تعلمون أنّ كثيرا من الصحابة استحلّ بعضهم دماء بعض في حرب طلحة والزبير وعائشة لمولانا عليّ ، وفي حرب معاوية له أيضا ، واستباحوا أعراض بعضهم لبعض ؛ حتّى لعن بعضهم بعضا على منابر الإسلام ؛ فاولئك هم الذين طرقوا للناس الطعن عليهم ، وبهم اقتدى من ذمّهم أو نسب القبح إليهم ، فإن كان لهم عذر في الذي عملوه ـ من استحلال الدماء واستباحة الأعراض ـ فالذين اقتدوا بهم أعذر وأبعد من أن تنسبوهم إلى سوء التعصّب».

وقال ـ أيضا ـ في موضع آخر (٢) :

«وليس بغريب من قوم قد بلغ اختلالهم وجهلهم وجنونهم إلى أن عرفوا متواترا لا يختلفون فيه أنّ جميع من يعتبر بأعماله من أهل المدينة ـ من الصحابة والتابعين والصالحين ومن حضرهم من سائر المسلمين ـ أجمعوا على أنّ عثمان بن عفّان حلال الدم ، يجب المبادرة إلى قتله ، ولا يحلّ تغسيله ولا الصلاة عليه

__________________

(١) ـ كشف المحجة : الفصل التاسع والسبعون ، ١٠٥.

(٢) ـ كشف المحجة : الفصل الثالث والستون ، ٩٤.

١١٨

ولا دفنه ، وقتلوه على هذه الحال ، وبقي ثلاثة أيّام لا يرى أحد منهم دفنه ، حتّى دفنه بعض بني اميّة سرّا من الصحابة والتابعين والصالحين.

ثمّ بعد الإجماع والتواتر والبراءة من عثمان وخروجه عن حكم الإسلام والإيمان عادوا إلى تكذيب الصحابة وأهل المدينة ومن حضرهم من المسلمين ، وطعنوا عليهم ، وفضحوهم في البلاد ، وشرعوا يمدحون عثمان بن عفّان ويشكرونه ويثنون عليه بالبهتان ، ويطعنون بذلك على أهل المدينة كافّة ، وأعيان الصحابة ؛ ويشهدون عليهم أنّهم قد يجمعون على المحال ، ويستحلّون ما حرّم من الدماء استحلالا ؛ وفي ذلك طعن على رواياتهم عنهم ، وهدم لما نقلوه من الإسلام الذي ظهر منهم.

وزاد حديث التعصّب لعثمان حتّى صار يذكر على المنابر بالمدح وتعظيم الشأن وافتضحنا مع اليهود والنصارى وأعداء الدين بهذه المناقضات البعيدة من صفات العقلاء والعارفين.

وقد كان الواجب قطع حديث عثمان بالكليّة ، وطمّ جيفة ذكره في الملّة النبويّة ؛ حتّى لا يبقى له ذكر ـ إن أمكن بحال من الأحوال ـ تزكية للصحابة والتابعين ، ومن وافقهم على استحلال دمه وموافقته لهم في العقل.

وهل يستبعد من مثل هؤلاء الجهّال المخالفة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتعصّب على عليّ ـ صلوات الله عليه ـ بما وقع بينهم من الاختلال».

* * *

١١٩

وقال ـ رحمه‌الله ـ (١) : «ومهما وجدت في الكتب شيئا منسوبا إلى أبي بكر وعمر وأعداء عليّ عليه‌السلام من الآداب والحكم والخطب والصواب ، فاعلم أنّها موضوعة وليست من ألفاظ أولئك المتغلّبين ، وأنّ أكثرها نسب إليهم في أيّام معاوية وابنه يزيد وأيّام بني أميّة ، وما كان منها في أيّامهم فهي من أهل الكتابة والخطابة من الصحابة ، الذين لهم عادة بالإصابة.

لأنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، ما عرفنا أبدا منهم في الجاهليّة مقاما ولا مقالا يقتضي تصديق نسبة الفصاحة إليهم ، ولا كانوا من هذا القبيل ، ولا عوّل فيها أحد عليهم.

فأمّا ما ذكر عنهم ـ من ألفاظ المكاتبات ـ أيّام خلافتهم ، فالعادة جارية في مثلهم ممّن لم يعرف الفصاحة أوقات ولايتهم أنّهم يستخدمون من ينشئ المكاتبات والجوابات ؛ كما ترى للمهاليك من الأمراء الترك عند ولايتهم كتبا وجوابات منسوبة إليهم ، ومن المعلوم أنّ نوّابهم وأصحابهم عوّلوا في إنشائها عليهم.

وأمّا ما يتعلّق بالخطب والحكمة : فإنّ بني اميّة لمّا تظاهروا بلعن أمير المؤمنينعليه‌السلام على المنابر ، تقرّب الطالبون للدنيا إليهم بوضع المناقب والفضائل لكلّ عدوّ له عليه‌السلام من الأواخر والأوائل ، تقيّة وطلبا للامور الدنيويّة ، وحسدا له على الشرف بالسعادة النبويّة».

__________________

(١) ـ كشف المحجة : الفصل السادس والتسعون ، ١٢٨.

١٢٠