إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي

إلى المجمع العلمي العربي بدمشق

المؤلف:

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٨

أن نطقوا وإن صمتوا ، ولو قيل لهم هل تثبت صحاحكم لعليّ هذه الخصيصة ، خصيصة سد الأبواب غير بابه لما وسعهم إلا الاقرار ببعض المأثور من صحاحها ، وربما اقتصروا على ما اقتصر عليه القسطلاني ، إذ يقول : وقد وقع في حديث سعد بن ابي وقاص عند الإمام أحمد والنسائي بإسناد قوي ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بسد الابواب الشارعة في المسجد وترك باب علي (قال) وفي رواية للطبراني في الأوسط برجال ثقات مع زيادة فقالوا : يا رسول الله سددت أبوابنا. فقال : ما أنا سددتها ولكن الله سدّها (قال) ونحوه عند احمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات عن زيد بن أرقم وابن عباس ، وزاد فكان عليّ يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره ، رواه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات قال : ونحوه من حديث

١٠١

جابر بن سمرة عند الطبراني (قال) وبالجملة فهي كما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني احاديث يقوي بعضها بعضاً وكل طريق منها صالح للاحتجاج بنفسه فضلاً عن مجموعها هذا كلامه بنصه.

قلت : ان هذا المقدار لأقل ما يقال في الصحاح المأثورة في سد الأبواب غير باب علي وكفى به حجة على ثبوت ذلك.

وإليك تفصيل حديث واحد من السنن التي أشار اليها القسطلاني بإجمال أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في الجزء الأول من مسنده (١) والحاكم في الجزء الثالث من المستدرك (٢) والنسائي في خصائصه العلوية (٣) كلهم عن عمرو بن ميمون. قال : إني لجالس عند ابن عباس إذ اتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء.

__________________

(١) آخر ص ٣٣٠.

(٢) ص ١٣٣.

(٣) ص ٦.

١٠٢

فقال ابن عباس : بل أقوم معكم. قال وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى : فابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا. قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ، وقعوا في رجل قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأبعثن رجلا لا يخزيه الله ابداً ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فاستشرف لها من استشرف. فقال : أين علي فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر فنفث في عينيه ثمّ هز الراية ثلاثا فأعطاها إياه ، فجاء علي بصفية (١) بنت حيي. قال ابن عباس : ثمّ بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلاناً بسورة التوبة فبعث علياً خلفه فأخذها منه. وقال : لا يذهب

__________________

(١) لا يخفى دلالة ما أشار اليه ابن عباس بكلامه هذا من سرعة الفتح وعظمته بسبي بنت الملك حي.

١٠٣

بها إلا رجل هو مني وانا منه. قال ابن عباس : وقال النبي لبني عمه : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة. قال : وعلي جالس معه ، فأبوا. فقال علي : انا أواليك في الدنيا والآخرة. قال : أنت وليي في الدنيا والآخرة. قال : فتركه ثمّ قال أيكم يواليني في الدنيا والآخره ، فأبوا. وقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال لعلي : انت وليي في الدنيا والآخرة ، قال ابن عباس : وكان عليّ اول من آمن من الناس بعد خديجة. قال ابن عباس : وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين. وقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. قال ابن عباس : وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ نام مكانه ، وكان المشركون يرمون رسول الله ، إلى أن قال : وخرج

١٠٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة تبوك فقال له عليّ أخرج معك؟ فقال : لا ، فبكى عليّ. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي ، لا ينبغي أن أذهب إلا وانت خليفتي. وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة. قال ابن عباس : وسدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبواب المسجد غير باب علي ، فكان يدخل المجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره. قال ابن عباس : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فإن مولاه علي ، الحديث.

قال الحاكم بعد إخراجه : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. قلت : وأورده

١٠٥

الذهبي في التلخيص مصرحاً بصحته على مزيد تعنته.

ولا يخفى ما فيه من الأدلة القاطعة على ان علياً ولي عهد والقائم مقامه من بعده جعله وليه في الدنيا والآخرة ، وأنزله منه منزلة هاون من موسى ، ولم يستثن إلا النبوة ، واستثناؤها دليل على العموم ، والمسلمون والكتابيون يعلمون أن أظهر المنازل التي كانت لهارون من موسى وزارته له وشدّ أزره به ومشاركته في أمره ، وخلافته عنه ، وفرض طاعته على أمته بدليل قوله تعالى :

(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي).

وقوله سبحانه لهارون :

(اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).

١٠٦

وقوله عزوجل :

(قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى).

فعليّ بحكم هذه النصوص خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قومه ، ووزيره من أهله وشريكه في أمره على سبيل الخلافة ، عنه لا على سبيل النبوة ، وأفضل أمته وأولاهم به حيّاً وميتاً ، وله عليهم من فرض الطاعة حتى في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل الذي كان لهارون على أمة موسى زمن موسى ، ومن سمع حديث المنزلة تبادر إلى ذهنه كل هذه المنازل ، وقد أوضح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر جلياً بقوله : إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ، وهذا نص صريح في كونه خليفته ، بل نص جلي في أنه لو ذهب ولم يستخلفه كان قد فعل ما لا ينبغي أن يفعل ، وهذا

١٠٧

ليس إلا لأنه كان مأموراً من الله عزوجل باستخلافه كما ثبت في تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

ومن تدبر في قوله تعالى في هذه الآية (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ثمّ أمعن النظر في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هنا : إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ، وجدهما يرميان إلى غرض واحد كما ذكرناه في المراجعة ٢٦ من مراجعاتنا الأزهرية البشرية. ولا تنس قوله : أنت ولي كل مؤمن بعدي ، ولا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فإن مولاه علي ، فإنه نص في أنه ولي الأمر وواليه ، والقائم مقامه فيه. كما قال الكميت عليه الرحمة :

١٠٨

ونعم ولي الأمر بعد وليه

ومنتجع التقوى ونعم المؤدب

وقد جاء النص في سدّ الأبواب غير باب علي بطرق كثيرة عن كل من ابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن أرقم ، وصحابي من خثعم ، وأسماء بنت عميس ، وأم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحذيفة بن أسيد ، وسعيد بن أبي وقاص ، والبراء بن عازب ، وعلي بن ابي طالب ، وعمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وابي ذر ، وأبي الطفيل ، وبريدة الاسلمي ، وأبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجابر بن عبد الله (١) وغيرهم.

__________________

(١) من أراد الوقوف على المأثور من حديث هؤلاء كلهم بسد الأبواب غير باب علي ، فليستقص موارده من مسند احمد ومستدرك الحاكم وصحيح الترمذي وخصائص النسائي والاكبر والأوسط والصغير للطبراني ومسند أبي يعلى ومختارة الضياء وكنز العمال للمتقي الهندي ومناقب الامام احمد والمناقب لابن المغازلي الشافعي وغاية المراد للشريف الكتكاني.

١٠٩

فلا يعارضه حديث خوخة ابي بكر لشذوذه وسقوط راوييه الخارجيين عكرمة وفليح عن درجة العدالة والاعتدال والصدق ، ولحزازات متنه ، وعدم استقامته ، على انه صريح في أنه إنما صدر في مرض موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحينئذ كانت الابواب كلها مسدودة غير باب علي ، لتقدم الأمر بذلك على مرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأي معنى لقوله بعد ذلك : سدوا هذه الأبواب غير خوخة أبي بكر يا اولي الألباب؟؟.

وإذاً ، فليسقط عكرمة وفليح ، وليسقط روايتهما بسلطان البرهان الساطع ، ولتعطف على سائر المختلفات من الأحاديث الموضوعة ، لمعارضة عليّ وغيره من أهل البيت فيما اختصهم الله به من فضله ، وهي على أنواع وإنما نورد الآن منها ما تسعه هذه العجالة.

١١٠

فمنها ، معارضاً لحديث المنزلة ، كحديث قزعة بن سويد عن ابن ابي مليكة عن ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن الله اتخذ صاحبكم خليلاً ، ابو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

رواه غير واحد عن قزعة بن سويد الباهلي ، وأخرجوه في كتب المناقب ، وقد جاء في بعض طرقه : ما نفعني مال كما نفعني مال أبي بكر ، أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

لكن الذهبي وأورده بطريقيه ، تارة في ترجمة قزعة بن سويد ، فقال : منكر ، وتارة في ترجمة عمار بن هارون ، فقال : هذا كذب ، وقال ابن عدي : وقرعة ليس بشيء.

١١١

ومنها ، ما كان لمعارضة نصوص الخلافة ، كحديث عمر بن ابراهيم بن خالد ، عن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، عن ابيه عن جده. أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال العباس : يا عم إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله فاسمعوا له واطيعوا تفلحوا ، أوردوه في المناقب ، وجهابذة الحديث مجمعون على بطلانه ، وممن صرح بذلك علامة عصره الذهبي في ترجمة ابراهيم من ميزان الاعتدال ، ونص الخطيب في ترجمة عمر بن ابراهيم بن خالد من تاريخ بغداد على انه كذاب ، ويروي المناكير عن الاثبات ، وأورد من حديثه عن زيد بن ثابت مرفوعاً : أول من يعطى كتابه بيمينه عمر بن الخطاب ، وله شعاع كشعاع الشمس ، قيل : عن ابي بكر؟ تزفه الملائكة إلى الجنة.

١١٢

منها ، ما كان لمعارضة عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي ، أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ـ الموجود في صحيح مسلم وغيره ـ كحديث عبد الرحمن بن مالك بن مغول ، بسنده إلى جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبغضنّ أبا بكر وعمر مؤمن ، ولا يحبهما منافق ، أوردوه في المناقب ، لكن عبد الرحمن بن مالك بن مغول هذا ترجمه الخطيب في صفحة ٢٣٦ والتي بعدها من الجزء العاشر من تاريخ بغداد ، فنقل ثمة عن أئمة الجرح والتعديل : أنه كذاب أفاك وضاع ، لا يشك فيه أحد ، وذكره الذهبي في ميزانه فنقل عنهم : أنه متروك وانه كذاب وانه يضع الحديث.

ومنها ما كان لمعارضة سيدي شباب أهل الجنة ، كحديث عبد الرحمن بن مالك بن مغول الآنف

١١٣

الذكر بسنده إلى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد رأى أبا بكر وعمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة. قلت : وقد علمت حال عبد الرحمن هذا وحال لهجته.

ومنا ما كان معارضاً للعترة في حديث الثقلين المجمع على صحته ، كحديث صالح بن موسى بن عبد الله بن اسحاق بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الطلحي بسنده إلى ابي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني قد خلفت فيكم ثنتين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض : قلت مضمون الحديث حق ، لكن صدوره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلفظ : وسنتي باطل ، ومرمى راويه تضليل ، والصحيح ـ الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا

١١٤

كلام وقد اخرجه مسلم وغيره ـ إنما هو بلفظ : كتاب الله وعترتي أهل بيتي باعتبار أنهم عليهم‌السلام عيبة سنته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها كالفرقان العظيم والذكر الحكيم.

والآفة في تحريف هذا الحديث ، وإنما هي ـ على رأي إخواننا الجماعيين ـ من صالح الطلحي ـ لأنه طالح بلا كلام ـ. قال يحيى : إنه ليس بشيء ولا يكتب حديثه. وقال البخاري : مكر الحديث. وقال النسائي : متروك. وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه احد. وقال ابن اسحاق الجوزجاني : ضعيف الحديث. وقال ابو حاتم : منكر الحديث جداً عن الثقات. وأرسل الذهبي ضعفه إذ اورده في الميزان إرسال المسلمات. ونقل عن أئمة الجرح والتعديل : كل ما نقلناه عنهم من جرحه.

١١٥

ولو أردنا استقصاء ما كان من الأحاديث مختلفاً لمعارضة عليّ وسائر أهل البيت لطال بنا المقام وخرجنا عن موضوع البحث ، وهذا القدر كافي لما أوردناه والحمد لله.

التاسع ، ما أخرجه مسلم في باب من فضائل أبي سفيان عن عكرمة بن عمار العجلي اليمامي عن سماك الحنفي عن ابن عباس : ان المسلمين كانوا لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه. فقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا نبي الله ثلاث أعطنيهن. قال : نعم. قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال : نعم. قال : ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال : نعم. وتأمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال : نعم الحديث (١)

__________________

(١) وضعه عكرمة بن عمار وجزم بذلك ابن حزم فيما نقله النوري عنه فراجع ما علقه النوري على هذا الحديث في شرحه.

١١٦

اقتصر عليه مسلم في باب فضائل أبي سفيان ، إذ لم يجد ـ والحمد ـ لله سواه ، على انه باطل بالاجماع ، لأن أبا سفيان إنما دخل في عداد المسلمين يوم فتح مكة إجماعاً وقولا واحداً ، وقبل الفتح كان حرباً لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولكن بنته أم حبيبة واسمها رملة اسلمت وحسن إسلامها قبل الهجرة ، وهاجرت مع المهاجرين إلى الحبشة هرباً من أبيها وقومها ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعض اصحابه إلى النجاشي فخطب عليه أم حبيبة فزوجه إياها واصدقها النجاشي من ماله عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واربعمائة دينار ، وابوها إذ ذاك ممعن في عداوة الله ورسوله ، وقدم بعد ذلك على المدينة ليزيد في هدنة الحديبية ، فدخل على بنته أم حبيبة ، وحين أراد أن يجلس طوت الفراش دونه.

١١٧

فقال : يا بنية أرغبت به عني؟ فقالت : هو فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانت امرؤ نجس مشرك. فقال : لقد اصابك يا بنية بعدي شر ، يص على هذا كله إثبات الأمة من حفظة السنن والآثار (١).

العاشر ، ما اسندوه إلى ابي هريرة من طريق صحيح. قال : دخلت على رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة عثمان وبيدها مشط. فقالت : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عندي آنفاً رجلت شعره. فقال لي : كيف تجدين ابا عبد الله ـ عثمان ـ؟. قلت : بخير. قال : اكرميه فإنه من أشبه أصحابي ، بي خلقاً.

أخرجه الحاكم في أحوال رقية من الجزء الرابع من

__________________

(١) وهو مما قاله الأستاذ محمد كرد علي في محاضرة القاها في مدرج الجامعة السورية واثبته في ص ٤١٦ من المجلد ١٦ من مجلة المجمع.

١١٨

صحيحه المستدرك. ثمّ قال : هذا حديث صحيح الأسناد واهي المتن ، فإن رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر ، وابو هريرة إنما اسلم بعد فتح خيبر سنة سبع. قلت : واورده الذهبي في احوال رقية من تلخيص المستدرك أيضاً. ثمّ قال : صحيح منكر المتن ، فإن رقية ماتت وقت بدر ، وابو هريرة أسلم وقت خيبر.

وفي صحيح البخاري ومسلم من الأسقاط أمثال هذه الأحاديث الشرة شيء كثير ، ولعل هؤلاء المرجفين إذا تمادوا في ارجافهم يضطروننا إلى أن نفرد لأسقاطهم وسخافاتهم كتابا على حدة يكون فذاً في بابه.

أما الآن فانا إنما نريد تنبيه الاستاذ إلى أن المآخذ التي أخذها على كتاب ابن شهرآشوب لا يسلم الصحيحان مما هو أفظع منها.

١١٩

مع أن الشيخين وسائر السنة من اصحاب الصحاح أخذوا على انفسهم شروطا ثقيلة فيما جمعوه من الحديث ما أخذ ابن شهرآشوب على نفسه شيئاً منها ، وإنما جرى في مناقبه على اسلوب الإمام احمد في مناقبه ، وإنه لأسلوب الأكثرين من حفظة الآثار كما اسلفناه.

التنبه الثاني

وإذ جاء الحق وزهق الباطل والحمد لله رب العالمين فلننبّه حضرة الاستاذ إلى ما قاله عنهم جماعة من أعلام الجماعيين ، والعهدة في ذلك عليهم ، فمنهم الفقيه الأصولي المتكلم الفيلسوف محمد بن احمد بن رشد الاندلسي في كتابه «الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة» إذ ذكر الاشعرية وهم اصحاب الإمام أبي الحسن على بن اسماعيل بن ابي اليسر الأشعري

١٢٠