الأسماء والصفات

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

الأسماء والصفات

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

وليس السّخريّ من الله كمعناه من العباد ، وكذلك قوله (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (١) ليس ذلك من الله كمعناه من العباد ، وفي هذا بيان الكسر لقول شريح وإن كان جائزا لأن المفسرين قالوا بل عجبت يا محمد ويسخرون هم ، فهذا وجه النصب. قال الشيخ : وتمام ما قال الفراء في قول غيره وهو أن قوله بل عجبت ويسخرون بالرفع أي جازيتهم على عجبهم لأن الله سبحانه أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الحق ، فقال : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) (٢) فأخبر عنهم أيضا أنهم قالوا (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٣) فقال تعالى : بل (عَجِبْتَ) أي بل جازيت على التعجب وقد قيل : إن قل مضمر فيه ومعناه قل يا محمد بل عجبت أنا من قدرة الله ، والأول أصح ، وقد يكون العجب بمعنى الرضا في مثل ما مضى من قصة الإيثار وحديث الاستغفار ، وقد يكون العجب بمعنى وقوع ذلك العمل عند الله عظيما ، فيكون معنى قوله بل عجبت أي بل عظم فعلهم عندي ، ويشبه أن يكون هذا معنى ما حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان أنا أبو سهل بشر بن أبي يحيى المهرجاني الأسفرايني أنا إبراهيم بن علي الذهلي نا يحيى بن يحيى أنا ابن لهيعة عن أبي عشانة قال : سمعت عقبة بن عامر يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يعجب ربك للشاب ليس له صبوة» (٤).

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار نا أبو بكر النرسي نا شبابة بن سوار نا شعبة نا محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «عجب الله عزوجل من قوم بأيديهم السلاسل حتى يدخلوا الجنة» (٥) أخرجه البخاري في الصحيح من حديث غندر عن شعبة ، وقد يكون

__________________

(١) سورة البقرة آية ١٥.

(٢) سورة ص آية ٤.

(٣) سورة ص آية ٥.

(٤) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند ٤ : ١٥١ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

(٥) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجهاد ١٤٤ باب الأسارى في السلاسل ٣٠١٠ عن محمد ابن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد ١١٤ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٣٠٢ ، ٤٠٦ ، ٤٤٨ ، ٤٥٧ ، ٥ : ٢٤٩ (حلبي).

٦٤١

المعنى في هذا الحديث وما ورد من أمثاله أنه يعجب ملائكته من كرمه ورأفته بعباده حين حملهم على الإيمان به بالقتل والأسر في السلاسل ، حتى إذا آمنوا أدخلهم الجنة».

٦٤٢

باب

ما جاء في الفرح وما في معناه

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا الحسين بن علي بن عفان العامري نا أبو أسامة عن الأعمش عن عمارة بن عمير قال : سمعت الحارث بن سويد يقول : أتينا عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ فحدثنا بحديثين أحدهما عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والآخر عن نفسه ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل قال بأرض فلاة دوية ومهلكة ، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فنزل عنها فنام وراحلته عند رأسه ، فاستيقظ وقد ذهبت ، فذهب في طلبها فلم يقدر عليها حتى أدركه الموت من العطش ، فقال : والله لأرجعن فلأموتن حيث كان رحلي ، فرجع فنام فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه» (١) قال : ثم قال عبد الله : «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخاف أن ينقلب عليه ، وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال له : هكذا فذهب ، وأمرّ بيده على أنفه ، أخرجه البخاري في الصحيح من أوجه. ثم قال : وقال أبو أسامة عن إسحاق بن منصور عن أبي أسامة.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو بكر بن بالويه نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا هدبة بن خالد نا همام بن يحيى نا قتادة عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يستيقظ على بعيره قد أضله بأرض فلاة» رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن هدبة بن خالد ، وقال

__________________

(١) الحديث أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد مختصرا ٣٠ باب ذكر التوبة ٤٢٤٧ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره.

٦٤٣

البخاري في روايته : «سقط على بعيره» يريد عثر عليه ، وقوله يستيقظ على بعيره ، يريد يستيقظ وإذا بعيره عنده (١).

حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه‌الله أنا أبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم بن بابويه المزكي نا أحمد بن يوسف نا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيفرح أحدكم براحلته إذا ضلت منه ثم وجدها؟ قالوا نعم يا رسول الله ، قال : والذي نفس محمد بيده لله أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب من أحدكم براحلته إذا وجدها».

رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن الرزاق ، وأخرجه أيضا من حديث أبي صالح والأعرج عن أبي هريرة ، ومن حديث النعمان بن بشير والبراء بن عازب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٢).

قال أبو سليمان قوله «لله أفرح» معناه أرضى بالتوبة وأقبل لها ، والفرح التي يتعارفه الناس من نعوف بني آدم غير جائز على الله عزوجل ، إنما معناه الرضا ، كقوله (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣) أي راضون والله أعلم.

وقال أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري فيما كتب لي أبو نصر بن قتادة من كتابه : الفرح في كلام العرب على وجوه منها الفرح بمعنى السرور ، ومنه قوله عزوجل : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ

__________________

(١) رواية الإمام مسلم في كتاب التوبة ١ باب الحض على التوبة والفرح بها ٣ (٢٧٤٤) بسنده عن الحارث بن سويد قال : دخلت على عبد الله أعوده ـ وهو مريض ـ فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه وحديثا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : وذكره. ورواية الإمام البخاري في كتاب الدعوات ٣ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٣٨٣ ، ٢ : ٣١٦ (حلبي).

(٢) رواية الإمام مسلم في كتاب التوبة (١) باب في الحض على التوبة والفرح بها ١ ـ (٦٧٥) عن طريق سويد بن سعيد بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : وذكره ، وفيه زيادة والثاني في كتاب التوبة ٢ عن طريق عبد الله بن سلمة بن قعنب القعنبي عن الأعرج عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

(٣) سورة الروم آية ٣٢.

٦٤٤

وَفَرِحُوا بِها) (١) أي سروا ، وهذا الوصف غير لائق بالقديم ، لأن ذلك خفة تعتري الإنسان إذا كبر قدر شيء عنده فناله فرح لموضع ذلك ، ولا يوصف القديم أيضا بالسرور لأنه سكون لوضع القلب على الأمر إما لمنفعة في عاجل أو آجل ، وكل ذلك منفي عن الله سبحانه.

(ومنها) الفرح بمعنى البطر والأشر ومنه قول الله سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (٢) ومنه قوله (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) (٣) ومنه الفرح بمعنى الرضا ومنه قول الله عزوجل (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٤) أي راضون. ومعنى قوله : لله أفرح أي أرضى والرضا من صفات الله سبحانه ، لأن الرضى هو القبول للشيء والمدح له والثناء عليه ، والقديم سبحانه قابل للإيمان من مزك ومادح له ومن على المرء بالإيمان ليجوز وصفه بذلك.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار نا ابن ملحان نا يحيى بن بكير نا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي عبيدة كذا قال عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله به كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته» قال أبو الحسن بن مهدي قوله «تبشبش الله» بمعنى رضي الله ، وللعرب استعارات في الكلام ، ألا ترى إلى قوله (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) (٥) بمعنى الاختبار ، وإن كان أصل الذوق بالفم ، والعرب تقول ناظر فلانا وذق ما عنده ، أي تعرف واختبر ، واركب الفرس وذقه.

قال الشيخ وقد مضى في حديث أبي الدرداء «يستبشر» وروى ذلك أيضا في حديث أبي ذر ومعناه يرضى أفعالهم ويقبل نيتهم فيها.

والله أعلم

__________________

(١) سورة يونس آية ٢٢.

(٢) سورة القصص آية ٧٦.

(٣) سورة هود آية ١٠.

(٤) سورة الروم آية ٣٢.

(٥) سورة النحل آية ١١٢.

٦٤٥

باب

ما جاء في النظر

قال الله عزوجل (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١) وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).

أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال البزار نا أحمد بن حفص قال حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا وفتنة النساء» (٣).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النصر الفقيه نا عثمان بن سعيد الدارمي نا بندار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن أبي سلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكره إلا أنه قال «لينظر

__________________

(١) سورة الأعراف آية ١٢٩.

(٢) سورة آل عمران آية ٧٧.

(٣) هذا جزء من حديث طويل رواه الترمذي في كتاب الفتن باب ٢٦ ما أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة ٢١٩١ بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما صلاة العصر بنهار ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون الى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وكان فيما قال : وذكره. وأخرجه ابن ماجة في الفتن ١٩ وأحمد بن حنبل في المسند ٣ : ٧ ، ١٩ ، ٢٢ (حلبي).

٦٤٦

كيف تعملون» وزاد «فإن أول فتنة بني اسرائيل في النساء» رواه مسلم في الصحيح عن بندار ومحمد بن بشار.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا إسماعيل بن أحمد أنا محمد بن الحسن ـ هو ابن قتيبة ـ نا حرملة بن يحيى نا ابن وهب حدثني أسامة بن زيد أنه سمع أبا سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث ذكره «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ، التقوى هاهنا ـ وأشار إلى صدره» (١) رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر عن ابن وهب.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن إسحاق الصاغاني نا كثير بن هشام ح.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ بنيسابور وأبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمود بن داود الرزاز ببغداد قالوا : أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ح.

وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا أبو سهل بن زياد القطان قالا : نا أبو عوف عبد الرحمن بن مرزوق نا كثير بن هشام نا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم. ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» لفظ حديث ابن السماك ، وفي رواية الصاغاني نا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة يرفعه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكذلك في رواية القطان رفعه ، رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد عن كثير بن هشام (٢).

وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار نا تمتام نا

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة ٣٣ عن طريق أبو الطاهر بسنده عن أبي هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. وابن ماجة في كتاب الزهد ٩ واحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٢٨٥ ، ٥٣٩ (حلبي).

(٢) رواية الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ٣٤ عن طريق عمرو الناقد بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

٦٤٧

قبيصة نا سفيان الثوري عن جعفر بن يرقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أحسابكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» هذا هو الصحيح المحفوظ بين الحفاظ ، وأما الذي جرى على ألسنة جماعة من أهل العلم وغيرهم «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم» فهذا لم يبلغنا من وجه يثبت مثله ، وهو خلاف ما في الحديث الصحيح. والثابت في الرواية أولى بنا وبجميع المسلمين ، وخاصة بمن صار رأسا في العلم يقتدى به. وبالله التوفيق.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن إسحاق نا أبو النضر هاشم بن القاسم نا أبو سعيد المؤدب عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : «إن لله عزوجل لوحا محفوظا من درة بيضاء حفافه ياقوتة حمراء ، قلمه نور وكتابه نور ، عرضه ما بين السماء والأرض ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق بكل نظرة ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء. قال الشيخ : هذا موقوف وأبو حمزة الثمالي ينفرد بروايته ، وروي عن ابن مسعود من قوله في النظر.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو النصر الفقيه نا هارون بن موسى نا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم كلهم يخبره عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ ثوبه خيلاء» (١) رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى. ورواه البخاري عن ابن أبي أويس عن مالك.

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي نا أبو بكر أحمد بن سليمان بن

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام مسلم في اللباس ٩ باب تحرير جر الثوب خيلاء ٤٢ (٢٠٨٥) عن طريق يحيى بن يحيى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه البخاري في كتاب اللباس ١ باب قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) ٥٧٨٣ بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه أبو داود في كتاب اللباس ٢٥ ـ ٢٧ والترمذي في اللباس ٨ ـ ٩ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٥ ، ١٠ ، ٢٣ ، ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٦ (حلبي).

٦٤٨

الحسن الفقيه أنا جعفر الصائغ نا عفان نا شعبة حدثني علي بن مدرك قال : سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير يحدث عن فرشة بن الحر عن أبي ذر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قلت : يا رسول الله من هؤلاء خابوا وخسروا؟ فأعادها ثلاث مرات قال : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ، أو الفاجر» (١) أخرجه مسلم في الصحيح من حديث غندر عن شعبة ، والأخبار في أمثال هذا كثيرة ، وفيما ذكرناه غنية لما قصدناه. قال أبو الحسن بن مهدي الطبري فيما كتب إلى أبو النصر بن قتادة من كتابه : النظر في كلام العرب منصرف على وجوه (منها) نظر عيان (ومنها) نظر انتظار (ومنها) نظر الدلائل والاعتبار (ومنها) نظر التعطف والرحمة ، فمعنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا ينظر إليهم» أي لا يرحمهم ، والنظر من الله تعالى لعباده في هذا الموضع رحمته لهم ، ورأفته بهم ، وعائدته عليهم ، فمن ذلك قول القائل انظر إليّ نظر الله إليك ، أي ارحمني رحمك الله. قال الشيخ : والنظر في الآية الأولى والخبر الأول يشبه أن يكون بمعنى العلم والاختبار ، ولو حمل فيهما على الرؤية لم يمتنع ، قال الله عزوجل : (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (٢) فالتأقيت يكون في المرئي لا في الرؤية يعني إذا كان عملكم مرئيا له كما أن التأقيت يكون في المعلوم ، لا في العلم.

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥ : ١٤٨ ، ١٥٨ (حلبي) وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ١٧١ (١٠٦) عن طريق أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي ذر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأبو داود في كتاب اللباس ٢٥ والنسائي في البيوع ٥ والزكاة ٦٩.

(٢) سورة التوبة آية ١٠٥.

٦٤٩

باب

ما جاء في الغيرة

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا الحسن بن علي بن عفان نا ابن نمير عن الأعمش عن شقيق قال قال عبد الله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما أحد أغير من الله» ولذلك حرم الفواحش ، وما أحد أحب إليه المدح من الله» (١) رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن شعبة عن عبد الله ابن نمير ، وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الأعمش.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقري بن الحماس ببغداد ، أنا أحمد بن سلمان نا إسحاق بن الحسن حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكر حديث صلاة الخسوف وخطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال ـ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «يا أمة محمد والله ما أحد أغير من الله عزوجل أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» (٢). رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي.

حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر نا يونس

__________________

(١) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ١٥ باب (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ٧٤٠٣ بسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه الإمام مسلم في كتاب التوبة ٣٢ (٢٧٦٠) عن طريق عثمان بن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. والترمذي في الدعوات ٩٥ والنسائي في الكسوف ١١ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٣٨١ ، ٤٢٦ (حلبي).

(٢) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الكسوف ٢ باب الصدقة في الكسوف ١٠٢٤ بسنده عن عائشة رضي الله عنهم قالت : وذكره. وأخرجه أيضا في التفسير سورة ٥ ، ٢ والنكاح ١٠٧ والرقاق ٢٧ وسلم في الصلاة ١١٢ والكسوف ١ وابن ماجة في الزهد ١٩.

٦٥٠

ابن حبيب نا أبو داود نا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة أن عروة بن الزبير أخبره أن اسماء بنت أبي بكر أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول على المنبر : «ليس شيء أغير من الله عزوجل».

وأخبرنا أبو بكر أنا عبد الله نا يونس نا أبو داود نا حرب بن شداد عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تبارك وتعالى يغار ، وأن المؤمن يغار ، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه» (١). رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن المثنى عن أبي داود ، وأخرج ما قبله من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير ، وأخرجهما البخاري من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير ، قال أبو سليمان الخطابي رحمه‌الله : وهذا ـ يعني حديث أبي هريرة ـ أحسن ما يكون من تفسير غيره وأثبته.

وقال أبو الحسن بن مهدي فيما كتب إلى أبو نصر بن قتادة من كتابه معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أحد أغير من الله» أي أزجر من الله ، والغيرة من الله الزجر ، والله غيور بمعنى زجور ، يزجر عن المعاصي.

__________________

(١) رواية الإمام مسلم في كتاب التوبة ٣٦ (٢٧٦١) عن طريق عمرو الناقد بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. والترمذي في الرضاع ١٤ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٥٢٠ ، ٥٣٦ ، ٥٣٩ (حلبي).

٦٥١

باب

ما جاء في الملال

حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان في آخرين قالوا : نا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف اوصم أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا أنس بن عياض نا هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة رضي الله عنها كانت عندها امرأة من بني أسد فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال من هذه؟ فقالت فلانة لا تنام الليل قالت فذكرت من صلاتها ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليكم بما تطيقون ، فو الله لا يمل الله حتى تملوا ، وقالت : كان أحب الدين إليه الذي يدوم عليه صاحبه» أخرجاه في الصحيح من حديث هشام بن عروة.

قال أبو سليمان الخطابي رحمه‌الله : الملال لا يجوز على الله سبحانه بحال ، ولا يدخل في صفاته بوجه ، وإنما معناه أنه لا يترك الثواب والجزاء على العمل ما لم تتركوه ، وذلك أن من ملّ شيئا تركه ، فكنّى عن الترك بالملال الذي هو سبب الترك ، وقد قيل معناه أنه لا يمل إذا مللتم ، كقول الشنفري :

صليت مني هذيل بخرق

لا يمل الشر حتى يملوا

(أي لا يمله إذا ملوه) ولو كان المعنى إذا ملوا مل ، لم يكن له عليهم في ذلك مزية وفضل ، وفيه وجه آخر أن يكون المعنى إن الله عزوجل لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم قبل ذلك ، فلا تكفلوا ما لا تطيقونه من العمل ، كنى بالملال عنه لأن من تناهت قوته في أمر وعجز عن فعله مله وتركه ، وأرادت بالدين الطاعة.

٦٥٢

باب

ما جاء في الاستحياء

قال الله عزوجل (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (١)

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا العباس بن محمد الدوري نا عبيد الله بن موسى نا أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير عن اسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي مرة عن أبي واقد الليثي قال : «بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعد في أصحابه إذ جاءه ثلاثة نفر فأما رجل فوجد فرجة في الحلقة فجلس ، وأما رجل فجلس ـ يعني خلفهم ـ وأما رجل فانطلق ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم عن هؤلاء النفر؟ أما الرجل الذي جلس في الحلقة فرجل آوى ـ يعني إلى الله ـ فآواه الله ، وأما الرجل الذي جلس خلف الحلقة فاستحيى فاستحى الله منه ، وأما الرجل الذي انطلق فرجل أعرض فأعرض الله عنه» (٢) أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن أبان ، وأخرجاه من حديث مالك عن إسحاق.

أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد نا إسماعيل بن محمد الصفار نا

__________________

(١) سورة البقرة آية ٢٦.

(٢) رواية الإمام مسلم في كتاب السلام ١٠ باب من أتى مجلسا فوجد فرجة مجلس فيها ٢٦ (٢١٧٦) بسنده عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه البخاري في كتاب العلم ٨ باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ٦٦ بسندي عن أبي واقد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال وذكره. وأخرجه الترمذي في كتاب الاستئذان ٢٩ وصاحب الموطأ في السلام ٤ وأحمد ابن حنبل في المسند ٥ : ٢١٩ (حلبي).

٦٥٣

محمد بن عبد الملك الدقيقي نا يزيد بن هارون أنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان «إن الله عزوجل يستحي أن يبسط العبد يديه إليه يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبين» هذا موقوف.

أخبرنا أبو الحسين أنا إسماعيل نا محمد بن عبد الملك نا يزيد بن هارون أنا شيخ في مجلس عمرو بن عبيد زعموا أنه جعفر بن ميمون عن أبي عثمان عن سلمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه ، ورواه أيضا محمد بن الزبرقان الأهوازي عن سليمان التيمي مرفوعا. قال أبو الحسن بن مهدي فيما كتب لي أبو نصر بن قتادة من كتابه : قوله إن الله لا يستحي ، أي لا يترك ، لأن الحياء سبب للترك ، ألا ترى المعصية تترك للحياء كما تترك للإيمان ، فمراده بهذا القول إن شاء الله أنه لا يترك يدي العبد صفرا إذا رفعهما إليه ، ولا يخليهما من خير ، لا على معنى الاستحياء الذي يعرض للمخلوقين ، تعالى الله سبحانه.

قال الشيخ : وقوله في الحديث الأول «فاستحيى فاستحى الله منه» أي جازاه على استحيائه بأن ترك عقوبته على ذنوبه.

والله أعلم

٦٥٤

باب

قول الله عزوجل (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ* اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١) وقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٢). وقوله : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣)

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني الحسن بن حليم المروزي أنا أبو الموجه أنا عبدان أنا عبد الله ـ يعني ابن المبارك ـ أنا صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر قال خرجنا في جنازة على باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي ، فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة : يا أيها الناس ، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى المنزل الآخر ، وهو هذا ـ يشير إلى القبر ـ بيت الوحدة ، وبيت الظلمة ، وبيت الدود ، وبيت الضيق إلا ما وسع الله ، ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ، فإنكم لفي بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسودّ وجوه ، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر ، فيغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا ، ويترك الكافر والمنافق ، فلا يعطيان شيئا ، وهو المثل الذي ضرب الله في كتابه (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ، إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ

__________________

(١) سورة البقرة الآيتان ١٤ ـ ١٥.

(٢) سورة النساء آية ١٤٢.

(٣) سورة الأنفال آية ٣٠.

٦٥٥

نُورٍ) (١) ، ولا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن ، كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير ، يقول المنافق للذين آمنوا (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) (٢) وهي خدعة الله التي خدع بها المنافق ، قال الله تبارك وتعالى (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٣) فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا ، فينصرفون إليهم وقد (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ* يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) (٤) نصلي صلاتكم ونغزو مغازيكم؟ (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) تلا إلى قوله (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٥).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي نا إبراهيم ابن الحسين نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) (٦) قال إن المنافقين كانوا مع المؤمنين في الدنيا يناكحونهم ويعاشرونهم ويكونون معهم أمواتا ويعطون النور جميعا يوم القيامة ، فيطفأ نور المنافقين ، إذا بلغوا السور يماز بينهم حينئذ ، والسور كالحجاب في الأعراف فيقولون (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) (٧).

أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم رحمه‌الله أنا عبد الخالق بن الحسن نا عبد الله بن ثابت قال أخبرني أبي عن الهذيل عن مقاتل في قوله (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (٨) قال وهم على

__________________

(١) سورة النور آية ٤٠.

(٢) سورة الحديد آية ١٣.

(٣) سورة النساء آية ١٤٢.

(٤) سورة الحديد الآيتان ١٣ ، ١٤.

(٥) سورة الحديد الآيتان ١٤ ، ١٥.

(٦) سورة الحديد آية ١٣.

(٧) سورة الحديد آية ١٣.

(٨) سورة الحديد آية ١٣.

٦٥٦

الصراط (انْظُرُونا) يقول ارقبونا (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) يعني نصب من نوركم فنمضي معكم (قيل) يعني قالت الملائكة لهم (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) (١) من حيث جئتم.

هذا من الاستهزاء بهم كما استهزءوا بالمؤمنين في الدنيا حين قالوا آمنا وليسوا بمؤمنين ، فذلك قوله (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٢) حين يقال لهم : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين (بِسُورٍ لَهُ بابٌ) يعني بالسور حائطا بين أهل الجنة والنار له باب (باطنه) يعني باطن السور (فِيهِ الرَّحْمَةُ) وهي مما يلي الجنة (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (٣) يعني جهنم ، وهو الحجاب الذي ضرب بين أهل الجنة وأهل النار.

أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبوب أنا الحسن بن محمد بن هارون أنا أحمد بن محمد بن نصر نا يوسف ابن بلال نا محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) وهم منافقو أهل الكتاب ، فذكرهم ، وذكر استهزاءهم (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) على دينكم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول الله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٤) في الآخرة يفتح لهم باب في جهنم من الجنة ، ثم يقال لهم تعالوا ، فيقبلون يسحبون في النار ، والمؤمنون على الأرائك وهي السرر في الحجال ينظرون إليهم ، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم فيضحك المؤمنون منهم ، فذلك قول الله عزوجل (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٥) في الآخرة ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب فذلك قوله (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ

__________________

(١) سورة الحديد آية ١٣.

(٢) سورة البقرة آية ١٥.

(٣) سورة الحديد آية ١٥.

(٤) سورة البقرة آية ١٥.

(٥) سورة البقرة آية ١٥.

٦٥٧

الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) (١) على السرر في الحجال ينظرون إلى أهل النار (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٢) وروينا في معنى هذا مختصرا عن خالد بن معدان وبلغني عن الحسن بن الفضل البجلي أنه قال أظهر الله للمنافقين في الدنيا من أحكامه التي عندهم خلافها في الآخرة ، كما أظهروا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلاف ما أضمروا من الكفر ، فسمى ذلك استهزاء بهم ، وعن قطرب قال (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي يجازيهم جزاء الاستهزاء ، وكذلك (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) (٣) (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (٤) (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) (٥) هي من المبتدى سيئة ومن الله جزاء ، وهو من الجزاء على الفعل بمثل لفظه ، ومثله قوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٦) فالعدوان الأول ظلم ، والثاني جزاء ، والجزاء لا يكون ظلما ، وكذلك قوله (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (٧) قال عمرو بن كلثوم :

الا لا يجهلن احد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وقال أبو الحسن بن مهدي فيما كتب إلى أبي نصر بن قتادة من كتابه : فيحتمل قوله فنجهل فوق جهل الجاهلينا معنى فنعاقبه بأغلظ عقوبة ، فسمى ذلك جهلا ، والجهل لا يفتخر به ذو عقل ، وإنما قاله ليزدوج اللفظان ، فيكون ذلك أخف على اللسان من المخالفة بينهما.

قال الشيخ : ومثله من الحديث ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار نا أحمد بن محمد بن عيسى البرني نا أبو نعيم نا سفيان

__________________

(١) سورة المطففين الآيتان ٣٤ ، ٣٥.

(٢) سورة المطففين آية ٣٦.

(٣) سورة التوبة آية ٧٩.

(٤) سورة آل عمران آية ٥٤.

(٥) سورة الشورى آية ٤٠.

(٦) سورة البقرة آية ١٩٤.

(٧) سورة التوبة آية ٦٧.

٦٥٨

عن سلمة بن كهيل قال سمعت جنديا يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم أسمع أحدا يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيره فدنوت منه فسمعته يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يسمع يسمع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به» رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم (١). قال أبو سليمان يقول من عمل عملا على غير إخلاص ، وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعونه ، جوزي على ذلك بأن يشهده الله ويفضحه ، فيشهدوا عليه ما كان يبطنه ويسره من ذلك.

قال أبو الحسن بن مهدي : والخداع من الله سبحانه أن ينظر لهم ويعجل من الأموال والنعم ما يذخرونه ويؤخر عنهم عذابه وعقابه ، إذ كانوا يظهرون الإيمان به وبرسوله ويضمرون خلاف ما يظهرون ، فالله سبحانه يظهر لهم من الإحسان في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم ويستتر من عذاب الآخرة ، فيجتمع الفعلان لتساويهما من هذا الوجه. قال أبو الحسن : والخدع معناه في كلام العرب الفساد.

أخبرنا الأنباري عن أبي عباس النحوي عن ابن الأعرابي أنه قال : الخادع عند العرب الفاسد من الطعام وغيره ، وأنشد :

أبيض اللون لذيذا طعمه

طيب الريق اذا الريق خدع

معناه فسد ، فتأويل قوله (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٢) أي يفسدون ما يظهرون من الإيمان بما يضمرون من الكفر ، وهو خادعهم ، أي يفسد عليهم نعمهم في الدنيا بما يصيرهم إليه من عذاب الآخرة ، قال أبو الحسن : والمكر من الله سبحانه استدراجهم من حيث لا يعلمون. وقد يوصف الله سبحانه بالمكر عن هذا المعنى ، ولا يوصف بالاحتيال ، لأن المحتال هو الذي يقلب الفكرة حتى يهتدي بتقليب الفكرة إلى وجه ما أراد ، والماكر الذي

__________________

(١) رواية الامام البخاري في كتاب الرقاق ٣٦ باب الرياء والسمعة ٦٤٩٩ ـ بسنده عن جندب عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره : ورواه الإمام مسلم في كتاب الزهد ٤٧ ـ ٤٨ والترمذي في الزهد ٤٨ وابن ماجة في الزهد ٢١ والدارمى في الرقاق ٣٥.

(٢) سورة النساء آية ١٤٢.

٦٥٩

يستدرج فيأخذ من وجه غفلة المستدرج ، قال الله عزوجل (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١).

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار نا أبو إسماعيل الترمذي نا عبد الله بن صالح حدثني حرملة بن عمران النجيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا رأيت الله عزوجل يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك منه استدراج» (٢) ثم نزع بهذه الآية : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل نا أبو عثمان بن عبد الله البصري نا الفضل بن محمد البيهقي نا أبو صالح فذكره بإسناده نحوه غير أنه قال «وهو مقيم على معصيته فإنما ذلك له استدراج بمعنى مكر» ثم نزع بهذه الآية فذكرها.

أخبرنا أبو القاسم الحربي ببغداد أنا أحمد بن سلمان نا عبد الله بن أبي الدنيا حدثني علي بن الحسن عن شيخ له أن ثابتا البناني سئل عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله عزوجل بالعباد المضيعين. قال وقال يونس إن العبد إذا كانت له عند الله منزلة فحفظها وأبقى عليها ثم شكر الله عزوجل ما أعطاه ، أعطاه الله أشرف منهما ، وإذا ضيع الشكر استدرجه الله وكان تضييعه للشكر استدراجا.

أخبرنا أبو القاسم نا أحمد بن سلمان نا عبد الله بن أبي الدنيا حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم أنا عبد الله بن داود عن سفيان في قوله عزوجل

__________________

(١) سورة الأعراف آية ١٨٢.

(٢) الحديث أخرجه الامام أحمد بن حنبل في المسند عن طريق يحيى.

ابن غيلان قال : حدثنا رشد بن معين ابن سعد أبو الحجاج المهدي عن حرملة بن عمران التجيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره.

(٣) سورة الأنعام الآيتان ٤٤ ، ٤٥.

٦٦٠