الأسماء والصفات

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

الأسماء والصفات

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

مِنْكُمْ) (١) وقال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٢) وإنما المراد بالعلم والقدرة لا قرب البقعة ، ونظيره من الحديث ما أخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق المزكي أنا أبو محمد بن عبد الله بن إسحاق الخراساني حدثنا يحيى ـ يعني ابن أبي جعفر بن الزبرقان ـ أنا علي بين عاصم أنا خالد الحذاء عن أبي عثمان عن أبي موسى رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفا ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا التكبير والتفت إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا أيها الناس ضعوا من أصواتكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذين تدعون دون ركابكم» ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عبد الله بن قيس ، قلت لبيك يا رسول الله ، قال ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت بلى. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حول ولا قوة إلا بالله» (٣) رواه عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء فقال في الحديث فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا ، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم» (٤).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل بن ابراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الوهاب الثقفي فذكره. رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم والطريقة الأولى في معنى الآية أصح والقائلون بها أكبر وأكثر ، وفي رواية عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما دل على صحتها ، أما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الربيع

__________________

(١) سورة الواقعة آية ٨٥.

(٢) سورة ق آية ١٦.

(٣) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ٥٨ ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد ٣٤٦١ بسنده عن أبي موسى الأشعري قال : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزاة فقال : وذكره. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة خيبر ، وكتاب الجهاد والسير باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير والدعوات ، والقدر باب لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكتاب التوحيد (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) وأخرجه الامام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب استحباب خفض الصوت بالذكر.

(٤) رواية الإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ٤٤ (٣٧٠٤) بسنده عن طريق أبي موسى الأشعري. قال : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد ٩ والمغازي ٣٨ والقدر ٧.

٦٠١

ابن سليمان المرادي حدثنا عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي حدثنا سليمان بن بلال حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يحدث حديثا عن ليلة أسرى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أهو هو؟ فقال أوسطهم هو خيرهم. فقال آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى جاءوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ـ والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل عليه‌السلام فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته ، حتى فرج عن صدره وجوفه وغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة ، فحشا صدره وجوفه وأعاده ثم أطبقه ، ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء من هذا؟ قال : هذا جبريل ، قالوا : ومن معك ، قال : محمد ، قالوا : وقد بعث إليه؟ قال نعم ، قالوا : فمرحبا به وأهلا ، يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء ما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم ، فوجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل : هذا أبوك فسلم عليه ، فسلم عليه فرد عليه وقال مرحبا بك وأهلا يا بني ، فنعم الابن أنت. فإذا هو في السماء بنهرين يطردان ، فقال ما هذان النهران يا جبريل؟ قال هذان النيل والفرات عنصرهما ، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فذهب يشم ترابه فإذا هو المسك ، فقال يا جبريل وما هذا النهر؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك ، ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت له الملائكة مثل ما قالت له في الأولى : من هذا معك؟ قال محمد ، قالوا وقد بعث إليه؟ قال نعم قالوا : فمرحبا به وأهلا ،. ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت في الأولى والثانية ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به الى السماء السادسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك ، وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم أنس رضي الله عنه فوعيت منهم إدريس في الثانية ، وهارون في الرابعة ، وآخر في الخامسة ، لم أحفظ اسمه ، وابراهيم في السادسة ، وموسى في السابعة بفضل كلام الله تعالى ، فقال موسى عليه‌السلام لم أظن أن يرفع إلى أحد ، ثم علا به فيما لا يعلم أحد إلا الله تعالى ، حتى جاء به سدرة

٦٠٢

المنتهى ، ودنا الجبار تبارك وتعالى فتدلى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه ما شاء فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة ، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه فقال يا محمد ما عهد إليك ربك؟ قال : عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة ، قال : فإن أمتك لا تستطيع فارجع فليخفف عنك وعنهم ، فالتفت إلى جبريل عليه‌السلام كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار إليه أن نعم إن شئت ، فعلا به جبريل عليه‌السلام حتى أتى به إلى الجبار تبارك وتعالى وهو مكانه ، فقال يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا ، فوضع عنه عشر صلوات ، ثم رجع إلى موسى عليه‌السلام فاحتبسه ، ولم يزل يرده موسى إلى ربه حتى صار إلى خمس صلوات ثم احتبسه عند الخامسة فقال يا محمد قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس فضيعوه وتركوه وأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك ، فالتفت إلى جبريل عليه‌السلام ليشير عليه ، فلا يكره ذلك جبريل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فخفف عنا ، فقال عزوجل إني لا يبدل القول لدي هي كما كتبت عليك في أم الكتاب ، ولك بكل حسنة عشر امثالها ، هي خمسون في أم الكتاب ، وهن خمس عليك. فرجع إلى موسى عليه‌السلام فقال كيف فعلت؟ فقال خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها ، قال قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والله قد استحييت من ربي مما أختلف إليه» قال فاذهب باسم الله ، فاستيقظ وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد الحرام». رواه البخاري في الصحيح عن عبد العزيز بن عبد الله عن سليمان بن بلال ، ورواه مسلم عن هارون ابن سعيد الأبلي عن ابن وهب (١). ولم يسق متنه ، وأحال به على رواية ثابت عن أنس رضي الله عنه وليس في رواية ثابت عن أنس لفظ الدنو والتدلي ، ولا لفظ المكان ، وروى حديث المعراج بن شهاب الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه

__________________

(١) رواية الإمام مسلم في كتاب الإيمان ٢٦٢ ، ٢٦٣ (١٦٣) عن طريق هارون بن سعيد الأيلي ، حدثنا ابن وهب قال : أخبرني سليمان وهو ابن بلال ، قال : حدثني شريك بن عبد الله بن أبي غر قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسرى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. ورواية البخاري في كتاب مناقب الأنصار ٤٢ وكتاب التوحيد ٧٥١٧ عن شريك بن عبد الله أنه قال : سمعت ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره وأخرجه النسائي في الصلاة أو أحمد بن حنبل في المسند ٣ : ١٤٩ ، ٤ : ٢٠٨ ، ٢٠٩ (حلبي).

٦٠٣

عن أبي ذر ، وقتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة ، ليس في حديث واحد منهما شيء من ذلك ، وقد ذكر شريك بن عبد الله بن أبي نمر في روايته هذه ما يستدل به على أنه لم يحفظ الحديث كما ينبغي له من نسيانه ما حفظه غيره ، ومن مخالفته في مقامات الأنبياء الذين رآهم في السماء من هو أحفظ منه ، وقال في آخر الحديث ، «فاستيقظ وهو في المسجد» ومعراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان رؤية عين ، وإنما شق صدره كان وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين النائم واليقظان ، ثم إن هذه القصة بطولها إنما هي حكاية حكاها شريك عن أنس بن مالك رضي الله عنه من تلقاء نفسه ، لم يعزها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا رواها عنه ، ولا أضافها إلى قوله ، وقد خالفه فيما تفرد به منها عبد الله بن مسعود وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم وهم أحفظ وأكبر وأكثر ، وروت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما دل على أن قوله (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (١) المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام في صورته التي خلق عليها.

قال أبو سليمان الخطابي رحمه‌الله : والذي قيل في هذه الآية أقوال ؛ «أحدها» أنه دنا يعني جبريل عليه الصلاة والسلام من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتدلى أي فقرب منه «وقال بعضهم» إن معنى قوله ثم دنا فتدلى على التقديم والتأخير ، أي تدلى ودنا ، وذلك أن التدلي سبب الدنو.

أخبرنا بهذا القول أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا محمد بن الجهم قال قال الفراء قوله تبارك وتعالى (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) يعني جبريل عليه الصلاة والسلام دنا ، من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كان قاب قوسين أو أدنى أي قدر قوسين عربيتين أو أدنى ، فأوحى يعني جبريل عليه الصلاة والسلام إلى عبده إلى عبد الله محمد ما أوحى قال الفراء قوله فتدلى كان المعنى ثم تدلى فدنا ، ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد ، قدمت أيهما شئت فقلت : فدنا فقرب ، وقرب فدنا ، وشتمني فأساء ، وأساء فشتمني ، لأن الشتم والاساءة شيء واحد ، وكذلك قوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (٢) المعنى والله أعلم انشق القمر واقتربت الساعة ، والمعنى

__________________

(١) سورة النجم الآيتان ٨ ، ٩.

(٢) سورة القمر آية ١.

٦٠٤

واحد قال أبو سليمان : وقال بعضهم إنه تدلى يعني جبريل بعد الانتصاب والارتفاع حتى رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم متدليا كما رآه منتصبا ، وكان ذلك من آيات قدرة الله سبحانه وتعالى حين أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد على شيء ولا تمسك بشيء ، وقال بعضهم معنى قوله دنا يعني جبريل عليه الصلاة والسلام فتدلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساجدا لربه شكرا على ما أراه من قدرته وأناله من كرامته ، قال أبو سليمان : ولم يثبت في شيء مما روى عن السلف أن التدلي مضاف إلى الله سبحانه وتعالى جل ربنا عن صفات المخلوقين ونعوت المربوبين المحدودين. قال أبو سليمان : وهاهنا لفظة أخرى في قصة الشفاعة رواها قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فيأتوني ـ يعني أهل المحشر ـ يسألوني الشفاعة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه».

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن محمد بن سختويه حدثنا محمد بن أيوب أنا هديه بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه.

قال البخاري وقال حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى فذكره.

قال أبو سليمان معنى قوله «فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه» أي في داره التي دورها لأوليائه وهي الجنة ، كقوله عزوجل (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١) وكقوله تعالى (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (٢) وكما يقال بيت الله ، وحرم الله ، يريدون البيت الذي جعله الله مثابة للناس ، والحرم الذي جعله أمنا ، ومثله روح الله على سبيل التفضيل له على سائر الأرواح ، وإنما ذلك في ترتيب الكلام كقوله جل وعلا (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٣) فأضاف الرسول إليهم وإنما هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسله إليهم. قلت :

وما ذكرنا في حديث أنس رضي الله عنه فمثله نقول فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر عبد الحسن قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد

__________________

(١) سورة الأنعام آية ١٢٧.

(٢) سورة يونس آية ٢٥.

(٣) سورة الشعراء آية ٢٧.

٦٠٥

ابن اسحاق أنا سعيد بن يحيى الأموي حدثني أبي حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في وقول الله تبارك وتعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (١) قال دنا ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى قال : قال ابن عباس رضي الله عنهما قد رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأما الحديث الذي أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو الطيب محمد ابن أحمد بن الحسن الحيري حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي حدثنا محمد بن إسحاق ح.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد الله بن أبي سلمة قال : إن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعث إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يسأله : «هل رأى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نعم فرد عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة ثور ، وملك في صورة نسر ، وملك في صورة أسد» لفظ حديث يعلى ، زاد يونس في روايته في صورة رجل شاب ، قلت : فهذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار ، وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذا لم يبين سماعه فيه ، وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس رضي الله عنهما وبين الراوي عنه ، وليس بشيء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وروى من وجه آخر ضعيف.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو زكريا العنبري حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنا إبراهيم بن الحكم بن أبان قال حدثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل «هل رأى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه؟ قال :

__________________

(١) سورة النجم الآيتان ١٣ ـ ١٤.

٦٠٦

نعم ، رآه كأن قدميه على خضرة دون ستر من لؤلؤ ، فقلت : يا بن عباس أليس يقول الله عزوجل (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (١) قال : يا لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء».

إبراهيم بن الحكم بن أبان ضعيف في الرواية ، ضعفه يحيى بن معين وغيره أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس هو الأصم حدثنا العباس بن محمد قال سمعت يحيى بن معين يقول إبراهيم بن الحكم بن أبان ضعيف. قلت : وروى عن القنباري عن الحكم وهو مجهول ، والحكم غير محتج به في الصحيح.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال : قال علي بن المدني موسى القنباري منكر الحديث وضعيفه. قلت : وهذا الحديث إنما يعرف من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة كما أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا أبو العباس هم الأصم حدثنا الحسن بن علي بن عاصم حدثنا إبراهيم بن أبي سويد الذراع حدثنا حماد بن سلمة ح.

وأخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن رافع حدثنا أسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «رأيت ربي جعدا أمرد عليه حلة خضراء».

قال وأخبرنا أبو أحمد حدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا : حدثنا محمد بن رزق الله بن موسى حدثنا الأسود بن عامر فذكره بإسناده إلا أنه قال «في صورة شاب أمرد جعد» قال وزاد على بن شهريار عليه حلة خضراء. ورواه النضر بن سلمة عن الأسود بن عامر بإسناده أن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى ربه في صورة شاب أمرد ، دونه ستر من لؤلؤ قدميه ـ أو قال رجليه ـ في خضرة.

أخبرنا أبو سعد أنا أبو أحمد حدثنا عبد الله بن عبد الحميد الواسطي أنا أبو

__________________

(١) سورة الأنعام آية ١٠٣.

٦٠٧

أحمد حدثنا عبد الله النضر بن سلمة فذكره. وهذا إنما يعرف بالأسود بن عامر شاذان عن حماد. ورويناه من حديث إبراهيم بن أبي سويد الذراع عن حماد ، وروي من وجهين آخرين عن حماد ، فذهب أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي ـ وكان من المتعصبين ـ إلى ما أخبرنا أبو سعيد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي أنا ابن حماد حدثنا محمد بن شجاع الثلجي. أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبادان فجاء وهو يرويها ، فلا أحسب إلا شيطانا خرج إليه في البحر فألقاها إليه ، قال أبو عبد الله الثلجي : فسمعت عباد بن صهيب يقول : إن حماد بن سلمة كان لا يحفظ ، وكانوا يقولون إنها دسّت في كتبه ، وقد قيل : إن ابن أبي العرجاء كان ربيبه وكان يدرس في كتبه هذه الأحاديث. قال أبو أحمد : أبو عبد الله الثلجي كذاب ، وكان يضع الحديث ويدسه في كتب أصحاب الحديث بأحاديث كفريات من تدسيسه.

قال أبو أحمد : والأحاديث التي رويت عن حماد بن سلمة في الرؤية قد رواها خبر حماد بن سلمة قلت : وقد حمل غيره من أهل النظر في هذه الرواية على عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما وزعم أن سعيد بن المسيب تكلم فيه وكذلك عطاء وطاوس ومحمد بن سيرين ، وكان مالك بن أنس لا يرضاه ومسلم بن الحجاج لم يحتج به في الصحاح.

أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال : سمعت إبراهيم بن سعد يقول : أشهر أكثر علمي على أبي أنه سمع سعيد بن المسيب يقول لغلام له اسمه برد اياك يا بردان تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس؟ قلت : وفي بعض هذه الروايات عن ابن عباس أنه قال من غير أن عزاه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد روينا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى جبريل عليه‌السلام في حلة رفرف أخضر ، وثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (١) قال غشيها فراش من ذهب وذكر أنه

__________________

(١) سورة النجم آية ١٦.

٦٠٨

رأى جبريل عليه‌السلام في صورته وهو إنما رأى جبريل على هذه الصفة ، ثم قد حمله بعض أهل النظر على أنه رآه في المنام واستدل عليه بحديث أم الطفيل رضي الله عنها وذلك فيما أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا أحمد بن عيسى المصري حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث الأنصاري عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن عمارة ابن عامر عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يذكر «أنه رأى ربه عزوجل في المنام في صورة شاب موفر في خضر على فراش من ذهب في رجليه نعلان من ذهب» وقوله موفر يعني ذا وفرة أي شعرة ، وقوله في خضر ، أي في ثياب خضر ، وهذا تشبيه بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو حكاية عن رؤيا بما رآها في المنام. قال أهل النظر : رؤيا النوم قد يكون وهما يجعله الله تعالى دلالة للرائي على أمر سالف أو آنف على طريق التغيير.

٦٠٩

باب

ما جاء في قول الله عزوجل (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (١) وقوله تبارك وتعالى (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢)

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن الفضل الصائغ حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) يقول الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام ، والله عزوجل يجيء فيما يشاء ، وهي في بعض القراءة (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) وهي كقوله (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٣) قلت فصح بهذا التفسير أن الغمام إنما هو مكان الملائكة ومركبهم ، وأن الله تعالى لا مكان له ولا مركب ، وإن الإتيان والمجيء فعلى قول أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه يحدث الله تعالى يوم القيامة فعلا يسميه إتيانا ومجيئا ، لا بأن يتحرك أو ينتقل ، فإن الحركة والسكون والاستقرار من صفات الاجسام والله تعالى أحد صمد ليس كمثله شيء. وهذا كقوله عزوجل (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤) ولم يرد به إتيانا من حيث النقلة ، وإنما أراد إحداث الفعل الذي به خرب بنيانهم وخرّ عليهم

__________________

(١) سورة البقرة آية ٢١٠.

(٢) سورة الفجر آية ٢٢.

(٣) سورة الفرقان آية ٢٥.

(٤) سورة النحل آية ٢٦.

٦١٠

السقف من فوقهم ، فسمى ذلك الفعل إتيانا ، وهكذا قال في أخبار النزول إن المراد به فعل يحدثه الله عزوجل في سماء الدنيا كل ليلة يسميه نزولا بلا حركة ولا نقلة ، تعالى الله عن صفات المخلوقين.

أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا أحمد بن سلمان النجاد قال قرئ على سليمان بن الأشعث الأشجعي وأنا أسمع حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ينزل الله عزوجل كل ليلة ، إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول : من يدعوني فأستجيب له. من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له» (١).

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا جعفر بن محمد ابن الحسين حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك فذكر بمعناه.

رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى ، ورواه أيضا يحيى بن أبي كثير ومحمد بن مرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن اسحاق الصاغاني والعباس بن محمد الدروي قالا : حدثنا محاضر بن المورع حدثنا سعد بن سعيد أنا سعيد بن مرجانة قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ينزل الله إلى السماء الدنيا لشطر الليل ـ أو لثلث الليل ـ الأخير ، فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ أو يسألني فأعطيه؟ ثم يقول من يفرض غير عدوم ولا ظلوم» (٢) رواه مسلم في

__________________

(١) رواية الإمام البخاري في كتاب التهجد ١٤ باب الدعاء والصلاة من آخر الليل ١١٤٥ ـ بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه أبو داود في كتاب السنة ١٩ والترمذي في كتاب الصلاة ٢١١ والدعوات ٧٨ وابن ماجة في كتاب الاقامة ١٨٢.

(٢) رواية الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ١٦٨ (٧٥٨) عن أبي عبد الله الأغر وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه صاحب الموطأ في كتاب القرآن ٣٠ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٨٢ ، ٤١٩ ، ٤٨٧ ، ٥٠٤ (حلبي).

٦١١

الصحيح عن حجاج بن الشاعر عن محاضر بن المورع ، وأخرجه أيضا من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ورواه أيضا أبو جعفر محمد بن علي في آخرين عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أخبرنا ابن بكر محمد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة أنا أبو إسحاق قال سمعت الأغر يقول أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «إن الله عزوجل يمهل حتى يمضي ثلثا الليل ثم يهبط فيقول هل من سائل؟ هل من تائب؟ هل من مستغفر من ذنب؟ فقال له رجل حتى يطلع الفجر؟ فقال نعم».

أخرجه مسلم في الصحيح من حديث غندر عن شعبة وقال : فينزل بدل قوله ثم يهبط ، وبمعناه قاله منصور عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم ينزل إلى السماء الدنيا.

أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن شبانة الشاهد بهمدان حدثنا عبد الرحمن بن الحسين القاضي حدثنا محمد بن أيوب أنا أبو الوليد الطيالسي ح.

وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا محمد بن عيسى الواسطي حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل الله عزوجل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل فيقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ قال وذلك في كل ليلة».

لفظ حديث الواسطي وهو أتم ، وقد روي في معنى هذا الحديث عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت ورفاعة بن عرابة ، وجابر بن عبد الله وعثمان بن أبي العاص وأبي الدرداء ، وأنس بن مالك وعمرو بن عبسة وأبي موسى الأشعري وغيرهم رضي الله عنهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروي فيه عن عبد الله بن عباس وأم سلمة وغيرهما رضي الله عنهم.

٦١٢

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني أنا مسلم بن قادم حدثنا موسى ابن داود قال : قال لي عباد بن العوام : قدم علينا شريك بن عبد الله منذ نحو من خمسين سنة ، قال فقلت له يا أبا عبد الله إن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث. قال فحدثني بنحو من عشرة أحاديث في هذه وقال : أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهم عمن أخذوا؟

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا زكريا العنبري يقول سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق الثقفي يقول سمعت الحسن بن عبد العزيزي الجروي يقول : سمعت قاضي فارس يقول : يقال إسحاق راهويه : دخلت يوما على عبد الله بن طاهر فقال لي : يا أبا يعقوب تقول إن الله ينزل كل ليلة؟ فقلت له : ويقرر. فسكت عبد الله. قال أبو العباس أخبرني الثقة من أصحابنا قال سمعت اسحاق بن راهويه يقول : دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي : يا أبا يعقوب تقول إن الله ينزل كل ليلة؟ فقلت : أيها الأمير إن الله تعالى بعث إلينا نبيا نقل إلينا عنه أخبار بها نحلل الدماء ، وبها نحرم ، وبها نحلل الفروج ، وبها نحرم ، وبها نبيح الأموال ، وبها نحرم ، فإن صح ذا صح ذاك ، وإن بطل ذا بطل ذاك. قال فأمسك عبد الله.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ يقول سمعت أحمد بن سلمة يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول جمعني وهذا المبتدع ـ يعني إبراهيم بن أبي صالح ـ مجلس الأمير عبد الله ابن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها ، فقال إبراهيم : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء ، فقلت آمنت برب يفعل ما يشاء ، قال فرضي عبد الله كلامي وأنكر على إبراهيم هذا معنى الحكاية.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا زكريا العنبري يقول سمعت أبا العباس يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول ؛ دخلت يوما على طاهر ابن عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة ، فقال لي : يا أبا يعقوب إن الله

٦١٣

ينزل كل ليلة؟ فقلت له تؤمن به؟ فقال طاهر : ألم أنهك عن هذا الشيخ ، ما دعاك إلى أن تسأله عن مثل هذا؟ قال إسحاق فقلت له إذا أنت لم تؤمن أن لك ربا يفعل ما يشاء ، لست تحتاج أن تسألني. قلت : فقد بين إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في هذه الحكاية أن النزول عنده من صفات الفعل ، ثم إنه كان يجعله نزولا بلا كيف ، وفي ذلك دلالة على أنه كان لا يعتقد فيه الانتقال والزوال.

أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمد بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني قال وفيما أجازني جدي ـ يعني محمود بن الفرح ـ قال : قال إسحاق ابن راهويه سألني ابن طاهر عن حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعني في النزول فقلت له النزول بلا كيف.

قال أبو سليمان الخطابي : هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها ، وإجراءها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها ، وذكر الحكاية التي أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمد ابن حيان حدثنا الحسن بن محمد المداركي حدثنا أبو زرعة حدثنا أبو مصفى حدثنا بقية حدثنا الأوزاعي عن الزهري ومكحول قال أمضوا الأحاديث على ما جاءت.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا محمد ابن بشر بن مطر حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الوليد بن مسلم قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه فقالوا : أمرّوها كما جاءت بلا كيفية.

قال أبو سليمان : وقد روينا عن عبد الله بن المبارك أن رجلا قال له ، كيف ينزل فقال بالفارسية كدخداى كار خويشتن كن ينزل كما يشاء.

أخبرنا أبو عثمان حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي حدثنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن محبوب حدثنا أحمد بن حبّوبة حدثنا أبو عبد الرحمن العتكي حدثنا محمد بن سلام قال : سألت عبد الله ابن المبارك فذكر حكاية قال فيها فقال الرجل يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟

٦١٤

فقال عبد الله بن المبارك كدخداي كارخويسن كن ينزل كيف يشاء. قال أبو سليمان رحمه‌الله : وإنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو نزلة من أعلى إلى أسفل ، وانتقال من فوق إلى تحت ، وهذا صفة الأجسام والأشباح ، فأما نزول من لا يستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه ، وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده ، وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ، ومغفرته لهم ، يفعل ما يشاء ، لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية ، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وقال أبو سليمان رحمه‌الله في معالم السنن : وهذا من العلم الذي أمرنا أن نؤمن بظاهره ، وأن لا نكشف عن باطنه ، وهو من جملة المتشابه ، ذكره الله تعالى في كتابه فقال (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (١) الآية ، فالمحكم منه يقع به العلم الحقيقي والعمل ، والمتشابه يقع به الايمان والعلم الظاهر ، ويوكل باطنه إلى الله عزوجل ، وهو معنى قوله (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (٢) وإنما حظ الراسخين أن يقولوا آمنا به كل من عند ربنا. وكذلك ما جاء من هذا الباب في القرآن كقوله عزوجل (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) (٣) وقوله (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٤) والقول في جميع ذلك عند علماء السلف هو ما قلناه ، وروي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وقد زل بعض شيوخ أهل الحديث ممن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال ، فحاد عن هذه الطريقة حتى روى حديث النزول ، ثم أقبل على نفسه فقال : إن قال قائل كيف ينزل ربنا إلى السماء؟ قيل له ينزل كيف يشاء ، فإن قال : هل يتحرك إذا نزل؟ فقال : إن شاء يتحرك وإن شاء لم يتحرك ، وهذا خطأ فأحسن

__________________

(١) سورة آل عمران آية ٧.

(٢) سورة آل عمران آية ٧.

(٣) سورة البقرة آية ٢١٠.

(٤) سورة الفجر آية ٢٢.

٦١٥

عظيم ، والله تعالى لا يوصف بالحركة ، لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد ، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون ، كلاهما من أعراض الحدث ، وأوصاف المخلوقين ، والله تبارك وتعالى متعال عنهما ، ليس كمثله شيء ، فلو جرى هذا الشيخ على طريقة السلف الصالح ولم يدخل نفسه فيما لا يعنيه لم يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ الفاحش ، قال : وإنما ذكرت هذا لكي يتوفى الكلام فيما كان من هذا النوع ، فإنه لا يثمر خيرا ولا يفيد رشدا ، ونسأل الله العصمة من الضلال ، والقول بما لا يجوز من المفاسد والمحال.

وقال القتيبي : قد يكون النزول بمعنى إقبالك على الشيء بالإرادة والمنية ، وكذلك الهبوط والارتفاع والبلوغ والمصير ، وأشباه هذا من الكلام ، وذكر من كلام العرب ما يدل على ذلك. قال : ولا يراد في شيء من هذا انتقال يعني بالذات وإنما يراد به القصد إلى الشيء بالإرادة والعزم والنية.

قلت وفيما قاله أبو سليمان رحمه‌الله كفاية ، وقد أشار إلى معناه القتيبي في كلامه ، فقال : لا تحتم على النزول منه بشيء ، ولكنا نبين كيف هو في اللغة والله أعلم بما أراد.

وقرأت بخط الأستاذ أبي عثمان رحمه‌الله في كتاب الدعوات عقيب حديث النزول قال الأستاذ أبو منصور يعني الحمشاذي على إثر الخبر. وقد اختلف العلماء في قوله ينزل الله فسئل أبو حنيفة عنه فقال : ينزل بلا كيف. وقال حماد بن زيد : نزوله إقباله ، وقال بعضهم ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف ، من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق بالتجلي والتملي ، لأنه جل جلاله منزه عن أن تكون صفاته مثل صفات الخلق ، كما كان منزها عن أن تكون ذاته مثل ذات الغير ، فمجيؤه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته ، من غير تشبيه وكيفية ، ثم روى الإمام رحمه‌الله عقيبة حكاية ابن المبارك حين سئل عن كيفية نزوله ، فقال عبد الله : كدخداي كارخويسن كن ينزل كيف يشاء.

وقد سبقت منه هذه الحكاية بإسناده ، وكتبتها حيث ذكرها أبو سليمان رحمه‌الله.

٦١٦

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول : حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وجوه صحيحة ، وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (١) والمجيء والنزول صفتان منفيتان عن الله تعالى ، من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال ، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه ، جل الله تعالى عما يقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوّا كبيرا.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله بن يعقوب حدثنا محمد بن عمرو الحرشي حدثنا العقباني حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : «تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢) قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله عزوجل فاحذروهم».

رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن القعنبي (٣).

__________________

(١) سورة الفجر آية ٢٢.

(٢) سورة آل عمران آية ٧.

(٣) رواية الإمام البخاري في كتاب التفسير ١ باب منه آيات محكمات قال مجاهد الحلال والحرام ٤٥٤٧ عن طريق عبد الله بن مسلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت : وذكره. وقد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي الوليد الطيالسي عن يزيد بن ابراهيم وحماد بن سلمة جميعا عن ابن أبي مليكه عن القاسم ، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة ٤٥٩٨ عن طريق القعنبي حدثنا يزيد ابن إبراهيم التستري عن عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

٦١٧

باب

ما روي في التقرب والإتيان والهرولة

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من عمل حسنة فجزاؤه عشر أمثالها وأزيد ، ومن عمل سيئة فجزاؤه مثلها أو أغفر ، ومن تقرب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لم يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة» (١) فقالوا هذا الحديث يستبشعه الناس ، فقال : إنما هذا عندنا على الإجابة.

وأخرجه مسلم في الصحيح من حديث وكيع عن الأعمش ، وقال في أوله «يقول الله عزوجل» وكأنه سقط من روايتنا ، والذي في آخر روايتنا أظنه من قول الأعمش.

أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقول الله عزوجل ، إن تقرب عبدي مني شبرا تقربت منه ذراعا ، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا».

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا : أنا أبو سهل بن

__________________

(١) الحديث أخرجه البخاري مختصرا في كتاب التوحيد ٧٤٠٥ عن طريق عمر بن حفص عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي يقول الله تعالى وذكره. ورواية الإمام مسلم في كتاب الذكر ٢٢ (٣٦٨٧) بسنده عن أبي ذر قال رسول الله : يقول الله وذكره.

٦١٨

زياد القطان حدثنا عبد الملك بن محمد حدثنا أبو عتاب الدلال حدثنا شعبة ، فذكره بإسناده نحوه ، زاد «وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة» أخرجه البخاري في الصحيح عن حديث أبي زيد الهروي قالا عن شعبة ، قال البخاري : وقال معتمر سمعت أبي قال سمعت أنسا يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ربه عزوجل.

أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة حدثنا الإمام أبو سهل محمد ابن سليمان إملاء أنا محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر الإمام حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني حدثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن أنس بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ربه عزوجل أنه قال : إذا تقرب مني عبدي شبرا تقربت منه ذراعا ، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه بوعا ، وإذا تقرب مني بوعا أتيته أهرول ، أو كما قال قال الشيخ أبو سهل وفي هذا الحديث اختصار ولفظه تفرد بها هذا الراوي ، إذ سائر الرواة يقولون «إذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا» ويقولون في تمام الحديث «وإذا أتاني يمشي أتيته أهرول» والباع والبوع مستقيمان في اللغة جاريتان على سبيل العربية ، والأصل في الحرف الواو فقلبت الواو ألفا للفتحة.

ثم الجهمية وأصناف القدرية وأصناف المعتزلة المجترئة على رد أخبار الرسول بالمزيف من المعقول لما ردوا إلى حولهم وأحاط بهم الخذلان واستولى عليهم بخدائعه الشيطان ، ولم يعصمهم التوفيق ولا استنقذهم التحقيق ، قالوا : الهرولة لا تكون إلا من الجسم المنتقل ، والحيوان المهرول ، وهو ضرب من ضروب حركات الإنسان كالهرولة المعروفة في الحج ، وهكذا قالوا ، في قوله : تقربت منه ذراعا ، تشبيه إذ يقال ذلك في الأشخاص المتقاربة والأجسام المتدانية ، الحاملة للأعراض ، ذوات الانبساط والانقباض ، فأما القديم المتعالي عن صفة المخلوقين ، وعن نعوت المخترعين ، فلا يقال عليه ما ينثلم به التوحيد ، ولا يسلم عليه التمجيد فأقول إن قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم موافق لقضايا العقول إذ هو سيد من الأولين والآخرين ، ولكن من نبذ الدين وراءه وحكم هواه وآراءه ، ضل عن سبيل المؤمنين ، وباء بسخط رب العالمين ، تقرب العبد من مولاه بطاعاته وإراداته وحركاته وسكناته سرا وعلنا ، كالذي روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما تقرب العبد مني بمثل ما تقرب من أداء ما افترضته

٦١٩

عليه ، فلا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أكون له سمعا وبصرا» (١) وهذا القول من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من لطيف التمثيل عند ذوي التحصيل ، البعيد من التشبيه ، المكين من التوحيد ، وهو أن يستولي الحق على المتقرب إليه بالنوافل حتى لا يسمع شيئا إلا به ، ولا ينطق إلا عنه ، نشرا لآلائه ، وذكرا لنعمائه ، وإخبارا عن منته المستغرقة للخلق ، فهذا معنى قوله يسمع به وينطق ولا يقع نظره على منظور إليه إلا رآه بقلبه موحدا ، وبلطائف آثار حكمته ومواقع قدرته من ذلك المرئي المشاهد ، يشهده بعين التدبير وتحقيق التقدير ، وتصديق التصوير.

وفي كل شيء له شاهد

يدل على أنه واحد

فتقرب العبد بالإحسان ، وتقرب الحق بالامتنان ، يريد أنه الذي أدناه وتقرب العبد إليه بالتوبة والإنابة ، وتقرب الباري إليه بالرحمة والمغفرة ، وتقرب العبد إليه بالسؤال ، وتقربه إليه بالنوال ، وتقرب العبد إليه بالسر وتقربه إليه بالبشر ، لا من حيث توهمته الفرقة المضلة الأعمال والمتغابية بالأعثار.

وقد قيل في معناه إذا تقرب العبد إلي بما به تعبدته ، تقربت إليه بما له عليه وحدته ، وقيل في معناه : إنما هو كلام خرج على طريق القرب من القلوب دون الحواس ، مع السلامة من العيوب ، على حسب ما يعرفه المشاهدون ، ويجده العابدون ، من أخبار دنو من يدنو منه ، وقرب من يتقرب إليه ، فقال على هذه السبيل ، وعلى مذهب التمثيل ولسان التعليم بما يقرب من التفهيم ، إن قرب الباري من خلقه يقربهم إليه بالخروج فيما أوجبه عليهم ، هكذا القول في الهرولة ، إنما يخبر عن سرعة القبول ، وحقيقة الإقبال ودرجة الوصول ، والوصف الذي يرجع إلى المخلوق مصروف على ما هو به لائق ، وبكونه متحقق ، والوصف الذي يرجع إلى الله سبحانه وتعالى يصرفه لسان التوحيد ، وبيان التجريد ، إلى نعوته المتعالية ، وأسمائه الحسنى ، ولو لا

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الرقاق ٢٨ باب التواضع ٦٥٠٢ بسنده عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. وأخرجه الإمام أحمد في كتاب المسند ٦ :

٢٥٦ (حلبي).

٦٢٠