الأسماء والصفات

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

الأسماء والصفات

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

منهن. فلما مضى قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لئن صدق ، ليدخلن الجنة.» رواه مسلم في الصحيح ، عن عمر. والناقد عن أبي النصر قال البخاري : ورواه موسى بن إسماعيل ، وعلي بن عبد الحميد ، عن سليمان (١).

قال الحليمي في معنى : «الله» إنه الإله. وهذا أكبر الأسماء وأجمعها للمعاني. والأشبه أنه كأسماء الأعلام موضوع غير مشتق. ومعناه القديم التام القدرة. فإنه إذا كان سابقا لعامة الموجودات ، كان وجودها به. وإذا كان تام القدرة ، أوجد المعدوم وصرف ما يوجده على ما يريده. فاختص لذلك باسم الإله. ولهذا لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم أحد سواه بوجه من الوجوه.

قال : ومن قال : الإله هو المستحق للعبادة ، فقد رجع قوله إلى أن الإله اذا كان هو القديم التام القدرة ، كان كل موجود سواه صنيعا له. والمصنوع إذا علم صانعه ، كان حقا عليه أن يستخذي له بالطاعة ويذل له بالعبودية. إلا أن هذا المعنى بتفسير هذا الاسم. قلت : وهذا الاستحقاق لا يوجب على تاركه إثما ولا عقابا ما لم يؤمر به. قال الله (عزوجل) : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٢).

والمعنى الأول أصحّ

قال أبو سليمان الخطابي رحمه‌الله فيما أخبرت عنه : اختلف الناس ، هل هو اسم موضوع أو مشتق؟ فروى فيه عن الخليل روايتان :

إحداهما : أنه اسم علم ليس بمشتق ، فلا يجوز حذف الألف أو اللام منه ، كما يجوز من الرحمن الرحيم. وروي عن سيبويه أنه اسم مشتق ، فكان في الأصل إله مثل فعال ، فأدخل الألف واللام بدلا من الهمزة. وقال غيره : أصله في الكلام إله. وهو مشتق من : أله الرجل يأله إليه ، إذا فزع إليه من أمر نزل به. فآلهه أي أجاره وآمنه. فسمي إلها كما يسمى الرجل إماما إذا أمّ

__________________

(١) رواية الامام مسلم في كتاب الايمان ٣ باب السؤال عن أركان الاسلام ١٠ (١٢) حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال : وذكره. وأخرجه النسائي في كتاب الصيام أو أحمد بن حنبل في المسند ٣ : ١٤٣ ، ١٩٣ (حلبي).

(٢) سورة الإسراء آية ١٥.

٤١

الناس فأتموا به. ثم إنه لما كان اسما لعظيم (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١). أرادوا تفخيمه بالتعريف الذي هو الألف واللام ، لأنهم أفردوه بهذا الاسم دون غيره ، فقالوا : الإله واستثقلوا الهمزة في كلمة يكثر استعمالهم إياها. وللهمزة في وسط الكلام ضغطة شديدة ، فحذفوها فصار الاسم كما نزل به القرآن.

وقال بعضهم : أصله ولاه ، فأبدلت الواو همزة ، فقيل : إله. كما قالوا وسادة وإسادة ، ووشاح وإشاح. واشتق من الوله ، لأن قلوب العباد توله نحوه ، كقوله سبحانه : (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) (٢).

وكان القياس أن يقال : مألوه ، كما قيل : معبود. إلا أنهم خالفوا به البناء ليكون اسما علما. فقالوا : إله ، كما قيل للمكتوب : كتاب. وللمحسوب : حساب. وقال بعضهم : أصله من أله الرجل يأله ، إذا تحير. وذلك لأن القلوب تأله عند التفكر في عظمة الله سبحانه وتعالى. أي تتحير وتعجز عن بلوغ كنه جلاله.

وحكى بعض أهل اللغة أنه من أله يأله إلاهة ، بمعنى عبد يعبد عبادة.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقرأ : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (٣). أي عبادتك.

قال : والتأله : التعبد. فمعنى الإله : المعبود. وقوله الموحدين : «لا إله إلا الله» معناه : لا معبود غير الله. و «إلا» في الكلمة بمعنى «غير» لا بمعنى الاستثناء. وزعم بعضهم أن الأصل فيه الهاء التي هي الكناية عن الغائب. وذلك لأنهم أثبتوه موجودا في فطر عقولهم ، فأشاروا إليه بحرف الكناية ، ثم زيدت فيه لام الملك. إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها ، فصار «له» ثم زيدت الألف واللام تعظيما وفخموها توكيدا لهذا المعنى. ومنهم من أجراه على

__________________

(١) سورة الشورى آية ١١.

(٢) سورة النحل آية ٥٣.

(٣) سورة الأعراف آية ١٢٧.

٤٢

الأصل بلا تفخيم. فهذه مقالات أصحاب العربية والنحو في هذا الاسم.

وأحب هذه الأقاويل إليّ قول من ذهب إلى أنه اسم علم ، وليس بمشتق كسائر الأسماء المشتقة. والدليل على أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم تدخلا للتعريف دخول حرف النداء عليه ، كقولك : يا الله. وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف. ألا ترى أنك لا تقول : يا الرحمن ، ويا الرحيم. كما تقول : يا الله. فدل على أنه من بنية الاسم. والله أعلم.

ومنها : (الحي): قال الله (عزوجل) : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (١). وقد ذكرناه في خبر الأسامي.

وأخبرنا أبو الحسين ، علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد ، أنا أبو الحسين ، علي بن محمد بن أحمد المصري ، حدثنا عبد الله بن أبي مريم ، حدثنا عمر بن أبي سلمة ، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر ، قال : سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يقول : إن اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث : البقرة ، وآل عمران ، وطه. فقال رجل يقال له : عيسى بن موسى ، لأبي زبر ، وأنا أسمع : يا أبا زبر : سمعت غيلان بن أنس يحدث ، قال : سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يحدث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث : البقرة ، وآل عمران ، وطه.

قال أبو حفص ، عمر بن أبي سلمة ، فنظرت أنا في هذه السور ، فرأيت فيها شيئا ليس في شيء من القرآن ، مثل آية الكرسي : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢). وفي آل عمران : (الم* اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٣). وفي طه : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) (٤).

__________________

(١) سورة غافر آية ٦٥

(٢) سورة البقرة آية ٢٥٥.

(٣) سورة آل عمران الآيتان ١ ـ ٢.

(٤) سورة طه آية ١١١.

٤٣

أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنا أبو الحسين ، علي بن الفضل بن محمد بن عقيل ، أنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا خلف بن خليفة عن حفص ابن أخي أنس بن مالك ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا في الحلقة ، ورجل قائم يصلي. فلما ركع وسجد ، تشهد ودعا فقال في دعائه : «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، المنان ، بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي ، يا قيوم إني أسألك ...» فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب. وإذا سئل به أعطى. ورواه أبو داود السجستاني في كتاب السنن ، عن عبد الرحمن بن عبد الله الحلبي ، عن خلف بن خليفة (١).

قال الحليمي : وإنما يقال ذلك لأن الفعل على سبيل الاختيار لا يوجد إلا من حي. وأفعال الله (جل ثناؤه) كلها صادرة عنه باختياره. فإذا أثبتناها له ، فقد أثبتنا أنه حي.

قال أبو سليمان : الحي في صفة الله سبحانه هو الذي لم يزل موجودا ، وبالحياة موصوفا ، لم تحدث له الحياة بعد موت ، ولا يعترضه الموت بعد الحياة. وسائر الأحياء يعتورهم الموت والعدم في أحد طرفي الحياة ، أو فيهما معا (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢).

ومنها : (العالم): قال الله (عزوجل) : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (٣).

أخبرنا أبو الحسن ، علي بن محمد بن علي المقري ، أنا الحسن بن محمد

__________________

(١) رواية أبي داود في كتاب الوتر ٢٣ ، ١٤٩٥ ـ بسنده عن أنس أنه كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا : وذكره ، وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ٣٥٤٤ بسنده عن أنس بن مالك قال : وذكره وقال الترمذي : هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس. وأخرجه ابن ماجة في الدعاء ٩ والنسائي في السهو ٥٨ وأحمد بن حنبل في المسند ٣ : ١٢٠ ، ١٥٨ ، ١٤٥ (حلبي).

(٢) سورة القصص آية ٨٨.

(٣) سورة الأنعام آية ٧٣ وسورة الرعد آية ٩. وسورة المؤمنون آية ٩٢ وسورة الحشر ٢٢ وسورة التغابن آية ١٨.

٤٤

ابن إسحاق ، حدثنا يوسف المقري ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، نا شعبة عن يعلى بن عطاء ، عن عمرو بن عاصم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، يا رسول الله ، مرنى بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل : اللهم عالم الغيب والشهادة ، فاطر السموات والأرض ، رب كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي ، وشر الشيطان وشركه. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل إذا أصبحت وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعك (١).

قال الحليمي رحمه‌الله في معنى العالم : إنه مدرك الأشياء على ما هي به. وإنما وجب أن يوصف القديم (عز اسمه) بالعالم ، لأنه قد ثبت أن ما عداه من الموجودات فعل له ، وأنه لا يمكن أن يكون فعل إلا باختيار وإرادة. والفعل على هذا الوجه لا يظهر إلا من عالم كما لا يظهر إلا من حي.

ومنها : (القادر): قال الله (عزوجل) : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٢). وقال : (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا سعيد بن شعبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنا يزيد بن عياض ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي اليسع ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قرأ : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) ، قال : بلى. وإذا قرأ : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٤). قال : بلى. هكذا رواه يزيد بن عياض ، ورواه سفيان ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أمية ، قال : سمعت أعرابيا يقول : سمعت أبا

__________________

(١) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ١٤ منه ٣٣٩٢ عن يعلى بن عطاء قال : سمعت عمرو بن عاصم الثقفي يحدث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال : قال أبو بكر : يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت ..؟ قال : قل : وذكره.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه الدارمي في الاستئذان ٥٤ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٩ ، ١١ ، ١٤ ، ٢ : ١٩٩ ، ٢٩٧ (حلبي).

(٢) سورة القيامة آية ٤٠.

(٣) سورة الأحقاف آية ٣٣.

(٤) سورة التين آية ٨.

٤٥

هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قرأ : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (١) ، فليقل : بلى.

أخبرناه أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا سفيان ، فذكره. وقد ذكرنا هذا الاسم في خبر الأسامي.

قال الحليمي (رحمه‌الله) : وهذا على معنى أنه : لا يعجزه شيء ، بل يستتب له ما يريد على ما يريد ، لأن أفعاله قد ظهرت. ولا يظهر الفعل اختيارا إلا من قادر غير عاجز كما لا يظهر إلا من حي عالم.

ومنها : (الحكيم): قال الله (جل وعز) : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢) وقال : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣). ورويناه في خبر الأسامي.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو زكريا ، يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، قالا : أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ، أنا محمد بن عبد الوهاب ، أنا جعفر بن عون ، أنا موسى الجهني ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعرابي ، فقال : علمني كلاما أقوله. قال : قل : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله رب العالمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

قال : هذا لربي ، فما لي؟

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل : «اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ،

__________________

(١) سورة القيامة آية ٤٠.

(٢) سورة التوبة الآيات ١٥ و ٦٠ ، ٩٧ ، ١٠٦ ، ١١٠ وسورة الحج آية ٥٢ وسورة النور آية ١٨ ، ٥٨ ، ٥٩ وسورة الحجرات آية ٨.

(٣) سورة المائدة آية ١١٨ وسورة آل عمران الآيات ٦ ، ١٨ ، ٦٢ ، ١٢٦.

٤٦

وعافني ، وارزقني». أخرجه مسلم في الصحيح من وجهين آخرين ، عن موسى (١).

قال الحليمي في معنى الحكيم : الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب. وإنما ينبغي أن يوصف بذلك ، لأن أفعاله سديدة ، وصنعه متقن. ولا يظهر الفعل المتقن السديد إلا من حكيم ، كما لا يظهر الفعل على وجه الاختيار إلا من حي عالم قدير.

قال أبو سليمان : الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء. صرف عن مفعل إلى فعيل. ومعنى الإحكام لخلق الأشياء إنما ينصرف إلى إتقان التدبير فيها ، وحسن التقدير لها ، إذ ليس كل الخليقة موصوفا بوثاقة البنية ، وشدة الأسر ، كالبقة والنملة ، وما أشبههما من ضعاف الخلق ، إلا أن التدبير فيهما والدلالة بهما على وجود الصانع وإثباته ليس بدون الدلالة عليه بخلق السماء والأرض والجبال ، وسائر معاظم الخليقة. وكذلك هذا في قوله (عزوجل) : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٢) ، لم تقع الإشارة به إلى الحسن الرائق في المنظر. فإن هذا المعنى معدوم في القرد والخنزير والدواب ، وأشكالها من الحيوان. وإنما ينصرف المعنى فيه إلى حسن التدبير في إنشاء كل خلق من خلقه على ما أحب أن ينشئه عليه ، وإبرازه على الهيئة التي أراد أن يهيئه عليها ، كقوله (عزوجل) : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٣).

ومنها : (السيد): وهذا اسم لم يأت به الكتاب ، ولكنه مأثور عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا أبو علي الروذباري ، قال : نا أبو بكر بن داسة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا بشر بن المفضل ، أنا أبو مسلمة ، سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ،

__________________

(١) رواية الامام مسلم في كتاب الذكر ٣٣ (٦٩٦) بسنده عن موسى الجهني ، وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير (واللفظ له) حدثنا أبي حدثنا موسى الجهني عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : جاء اعرابي إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : وذكره.

(٢) سورة السجدة آية ٧.

(٣) سورة الفرقان آية ٢.

٤٧

عن مطرف ، وهو ابن عبد الله بن الشخير ، قال : قال أبي رضي الله عنه : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلنا : أنت سيدنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : السيد الله. قلنا : فأفضلنا فضلا ، وأعظمنا طولا! فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قولوا بقولكم ، أو ببعض قولكم ، ولا يستجدينكم الشيطان (١).

قال الحليمي : ومعناه المحتاج إليه بالإطلاق. فإن سيد الناس إنما هو رأسهم الذي إليه يرجعون ، وبأمره يعملون. وعن رأيه يصدرون. ومن قوله يستهدون. فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقا للباري (جل ثناؤه) ولم يكن بهم غنية عنه في بدء أمرهم ، وهو الوجود ، إذ لو لم يوجدهم ، لم يوجدوا ولا في الإبقاء بعد الإيجاد ، ولا في العوارض العارضة اثنا البقاء ، كان حقا له (جل ثناؤه) أن يكون سيدا. وكان حقا عليهم أن يدعوه بهذا الاسم.

ومنها : (الجليل): وذلك مما ورد به الأثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خبر الأسامي ، وفي الكتاب : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢). ومعناه : المستحق للأمر والنهي. فإن جلال الواحد فيما بين الناس إنما يظهر بأن يكون له على غيره أمر نافذ لا يجد من طاعته فيه بدا. فإذا كان من حق الباري (جل ثناؤه) على من أبدعه أن يكون أمره عليه نافذا ، وطاعته له لازمة ، وجب له اسم الجليل حقا. وكان لمن عرفه أن يدعوه بهذا الاسم ، وبما يجري مجراه ، ويؤدي معناه.

قال أبو سليمان : هو من الجلال والعظمة. ومعناه منصرف إلى جلال القدر ، وعظم الشأن. فهو الجليل الذي يصغر دونه كل جليل ، ويتضع معه كل رفيع.

ومنها : (البديع): قال الله (جل ثناؤه) : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣). وقد رويناه في خبر الأسامي (٤).

__________________

(١) الحديث أخرجه الدارمي في المقدمة ٢ بلفظ (فالله السيد ومحمد الداعي).

(٢) سورة الرحمن آية ٢٧.

(٣) سورة البقرة آية ١١٧ وتكملة الآية (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

(٤) ومعنى البديع : موجد الأشياء على غير مثال سبق ويسمى العبد مبدعا في صناعته إذا لم يكن لها مثال قط.

٤٨

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله الفهري عن إبراهيم بن عبيد ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمع رجلا يقول : «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان ، بديع السموات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، أسألك الجنة ، وأعوذ بك من النار». فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد كاد يدعو الله باسمه الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى. تابعه عبد العزيز بن مسلم ـ مولى آل رفاعة ـ عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة بن رافع الأنصاري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه (١).

قال الحليمي في معنى البديع : إنه المبدع. وهو محدث ما لم يكن مثله قط. قال الله (عزوجل) : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢). أي مبدعهما. والمبدع من له إبداع. فلما ثبت وجود الإبداع من الله (جل وعز) لعامة الجواهر والأعراض ، استحق أن يسمى بديعا أو مبدعا.

ومنها : (البارئ): قال الله (عزوجل) : (الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (٣). قد رويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي رحمه‌الله : وهذا الاسم يحتمل معنيين : أحدهما : الموجد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق. وهذا هو الذي يشير إليه قوله (جل وعز) : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) (٤).

ولا شك أن إثبات الإبداع والاعتراف به للباري (جل وعز) ليس

__________________

(١) سبق تخريج هذا الحديث قريبا من هذا وراجع الترمذي كتاب الدعوات ٣٥٤٤ بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(٢) سورة البقرة آية ١١٧.

(٣) سورة الحشر آية ٢٤.

(٤) سورة الحديد آية ٢٢.

٤٩

يكون على أنه أبدع بغتة من غير علم سبق له بما هو مبدعه ، لكن على أنه كان عالما بما أبدع قبل أن يبدع ، فكما وجب له عند الإبداع اسم البديع ، وجب له اسم البارئ.

والآخر : أن المراد بالبارئ قالب الأعيان. أي أنه أبدع الماء والتراب. والنار ، والهواء ، لا من شيء ، ثم خلق منها الأجسام المختلفة كما قال (جل وعز) : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (١).

وقال : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) (٢).

وقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ). (٣).

وقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٤).

وقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (٥).

وقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٦).

فيكون هذا من قولهم : برأ القواس القوس إذا صنعها من موادها التي كانت لها ، فجاءت منها ، لا كهيئتها. والاعتراف لله (عزوجل) بالإبداع يقتضي الاعتراف له بالبرء ، إذ كان المعترف يعلم من نفسه أنه منقول من حال إلى حال ، إلى أن صار ممن يقدر على الاعتقاد والاعتراف. والله أعلم.

ومنها : (الذارئ) قال الحليمي : ومعناه المنشئ والمنمي. قال الله (عز

__________________

(١) سورة الأنبياء آية ٣٠.

(٢) سورة ص آية ٧١.

(٣) سورة الروم آية ٢٠.

(٤) سورة النحل آية ٤.

(٥) سورة الرحمن الآيتان ١٤ ـ ١٥.

(٦) سورة المؤمنون الآيات ١٢ ـ ١٤.

٥٠

وجل) : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) (١). أي جعل لكم أزواجا ذكورا وإناثا لينشئكم ويكثركم وينميكم. فظهر بذلك أن الذرء ما قلنا. وصار الاعتراف بالإبداع يلزم من الاعتراف بالذرء ما لزم من الاعتراف بالبرء.

أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، قالا : أنا أبو عمر بن مطر ، حدثنا إبراهيم بن علي ، حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا جعفر بن سليمان ، عن أبي التياح ، قال : قال رجل لعبد الرحمن بن حنيش : كيف صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين كادته الشياطين؟ قال : نعم ، تحدرت الشياطين من الجبال والأودية يريدون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزع منهم ، وجاءه جبريل عليه‌السلام فقال : قل يا محمد. قال : ما أقول؟ قال : قل : «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، وما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار. ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير ، يا رحمن (٢)». قال : فطفئت نار الشياطين ، وهزمهم الله (عزوجل).

ومنها : (الخالق): قال الله (عزوجل) : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣).

قال الحليمي : ومعناه الذي صنف المبدعات ، وجعل لكل صنف منها قدرا. فوجد فيها الصغير ، والكبير ، والطويل ، والقصير ، والإنسان ، والبهيمة ، والدابة ، والطائر ، والحيوان ، والموات. ولا شك في أن الاعتراف

__________________

(١) سورة الشورى آية ١١.

(٢) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣ : ٤١٩ حدثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي قال : حدثنا جعفر يعني ابن سليمان قال حدثنا أبو التياح قال : قلت لعبد الرحمن بن حنيش التميمي وكان كبيرا أدركت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : نعم قال : قلت : كيف صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة كادته الشياطين ..؟ فقال : وذكره.

(٣) سورة فاطر آية ٣.

٥١

بالإبداع يقتضي الاعتراف بالخلق ، إذ كان الخلق هيئة الإبداع ، فلا يعرى أحدهما عن الآخر. وهو في خبر الأسامي مذكور.

أخبرنا أبو عبد الله ، محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله. محمد بن عبد الله الصفار ـ إملاء ـ حدثنا أبو بكر ، محمد بن الفرج ، حدثنا حجاج بن محمد ، قال : أخبرني ابن جريج ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ـ مولى أم سلمة ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فقال : «خلق الله التربة يوم السبت. وخلق الجبال يوم الأحد. وخلق الشجر يوم الاثنين. وخلق المكروه يوم الثلاثاء. وخلق النور يوم الأربعاء. وبث فيها الدواب يوم الخميس. وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة ، آخر الخلق ، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل». رواه مسلم في الصحيح ، عن شريح بن يونس ، وهارون ابن عبد الله ، عن حجاج بن محمد (١).

ومنها : (الخلاق): قال الله (عزوجل) : (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (٢). ومعناه : الخالق خلقا بعد خلق.

ومنها : (الصانع): ومعناه المركب والمهيئ. قال الله (عزوجل) : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (٣). وقد يكون الصانع الفاعل. فيدخل فيه الاختراع والتركيب معا.

أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد ، أنا أبو أحمد ، حمزة بن محمد بن العباس ، حدثنا محمد بن غالب ، حدثنا القعنبي ، حدثنا مروان الغزاوي ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال

__________________

(١) رواه الإمام مسلم في كتاب المنافقين ٢٧ (٢٧٨٩) عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فقال : وذكره.

وأخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ : ٣٢٧ (حلبي).

(٢) سورة يس آية ٨١.

(٣) سورة النمل آية ٨٨.

٥٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله (عزوجل) صنع كل صانع وصنعته» (١).

ومنها : (الفاطر): قال الله (جل ثناؤه) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢). وذكرناه في خبر الأسامي في رواية عبد العزيز بن الحصين.

وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أحمد بن سلمان ، قال : قرئ على يحيى بن جعفر وأنا أسمع ، حدثنا يحيى بن السكن ، حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء ، عن عمرو بن عاصم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، علمني شيئا أقوله إذا أصبحت ، وإذا أمسيت. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل : اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، رب كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أعوذ بك من شر نفسي ، وشر الشيطان وشركه. قله إذا أصبحت وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعك (٣).

قال الحليمي في معنى الفاطر : إنه فاتق المرتتق من السماء والأرض.

قال الله (جل وعز) : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (٤). فقد يكون المعنى : كانت السماء دخانا فسواها ، (وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) (٥). وكانت الأرض غير مدحوة فدحاها ، (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) (٦). ومن قال هذا ، قال : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) معناه : أولم يعلموا ، وقد يكون المعنى ما روي في بعض الآثار : فتقنا السماء بالمطر ، والأرض بالنبات. أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بابويه ، حدثنا بشر بن موسى الأسدي. حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا سفيان عن طلحة ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قول الله (تبارك وتعالى) : (أَوَلَمْ يَرَ

__________________

(١) هذه من الآثار التي تفرد بها صاحب الأسماء والصفات.

(٢) سورة فاطر آية ١.

(٣) سبق تخريج هذا الحديث في هذا الجزء قريبا من هذا.

(٤) سورة الأنبياء آية ٣٠.

(٥) سورة النازعات آية ٢٩.

(٦) سورة النازعات آية ٣١.

٥٣

الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (١) ، قال : فتقت السماء بالغيث ، وفتقت الأرض بالنبات.

قال الحليمي : والإقرار بالإبداع يأتي على هذا المعنى ، ويقتضيه.

قال أبو سليمان : الفاطر هو الذي فطر الخلق. أي ابتدا خلقهم ، كقوله : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٢).

ومن هذا قولهم : فطر ناب البعير. وهو أول ما يطلع.

وأخبرت عن أبي سليمان الخطابي ، قال : أخبرني الحسن بن عبد الرحيم ، حدثنا عبد الله بن زيدان ، قال : قال أبو روق عن ابن عباس رضي الله عنهما : لم أكن أعلم معنى فاطر السموات والأرض ، حتى اختصم اعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها. يريد استحدثت حفرها.

ومنها : (البادئ). قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٣). وهو في رواية عبد العزيز بن الحصين.

قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : معناه : المبدئ. يقال : بدأ وأبدأ بمعنى واحد. وهو الذي ابتدأ الأشياء مخترعا لها عن غير أصل.

ومنها : (المصور). قال الله (جل ثناؤه) : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (٤). ورويناه في خبر الأسامي (٥).

قال الحليمي : معناه المهيئ لمناظر الأشياء على ما أراده من تشابه أو تخالف. والاعتراف بالإبداع يقتضي الاعتراف بما هو من لواحقه.

قال الخطابي : المصور : الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها.

__________________

(١) سورة الأنبياء آية ٣٠.

(٢) سورة الإسراء آية ٥١.

(٣) سورة الروم آية ٢٧.

(٤) سورة الحشر آية ٢٤.

(٥) وقال تعالى : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) سورة الانفطار آية

٥٤

ومعنى التصوير : التخطيط والتشكيل. وخلق الله (عزوجل) الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خلق يعرف بها ويتميز عن غير بسمتها : جعله علقة ، ثم مضغة ، ثم جعله صورة. وهو التشكيل الذي يكون به ذا صورة وهيئة (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١).

أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد ، أنا إسماعيل بن الصفار ، حدثنا أحمد ابن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني القاسم بن محمد أن عائشة رضي الله عنهما أخبرته أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل عليها وهي مستترة بقرام (٢) فيه صورة تماثيل ، ثم قال : إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله تعالى. رواه مسلم في الصحيح ، عن إسحاق ابن ابراهيم. وعبد بن حميد ، عن عبد الرزاق. وأخرجه البخاري من وجه آخر ، عن الزهري (٣).

أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب ، أنا أبو بكر الإسماعيلي ، أنا أبو يعلى ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن عمارة ، عن أبي زرعة قال : دخلت أنا وأبو هريرة رضي الله عنه دارا تبنى بالمدينة لسعيد أو لمروان ، قال : فتوضأ أبو هريرة رضي الله عنه وغسل يديه ، حتى بلغ إبطيه ، وغسل رجليه حتى بلغ ركبتيه. فقلت : ما هذا يا أبا هريرة؟ قال : إنه منتهى الحلية. قال : فرأى مصورا يصور في الدار ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال الله تعالى : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا حبة (٤) ، وليخلقوا ذرة. رواه مسلم في الصحيح ، عن أبي خيثمة ، وأخرجاه من حديث محمد بن فضيل ، عن عمارة ابن القعقاع.

__________________

(١) سورة المؤمنون آية ١٤.

(٢) القرام : هو الستر الرقيق.

(٣) رواية الإمام مسلم في كتاب اللباس والزنة ٩١ عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : وذكره ورواه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع ٢٤٦٨ بسنده عن عائشة رضي الله عنها وذكره.

(٤) رواية الإمام مسلم في كتاب اللباس والزينة ١٠١ (٢١١١) بسنده عن أبي زرعة قال : دخلت

٥٥

ومنها (المقتدر): قال الله (عزوجل) : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) (١). وهو في خبر الأسامي.

قال الحليمي : المقتدر : المظهر قدرته بفعل ما يقدر عليه. وقد كان ذلك من الله تعالى فيما أمضاه وإن كان يقدر على أشياء كثيرة لم يفعلها. ولو شاء لفعلها. فاستحق بذلك أن يسمى مقتدرا (٢).

وقال أبو سليمان : المقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء ولا يحتجز عنه بمنعة وقوة. ووزنه مفتعل من القدرة ، إلا أن الاقتدار أبلغ وأعم ، لأنه يقتضي الإطلاق. والقدرة قد يدخلها نوع من التضمين بالمقدور عليه (٣).

ومنها : (الملك): والمليك في معناه. قال الله (عزوجل) : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) (٤) وقال : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥).

قال الحليمي : وذلك مما يقتضيه الإبداع ، لأن الإبداع هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود. فلا يتوهم أن يكون أحد أحق بما أبدع منه. ولا أولى بالتصرف فيه منه. وهذا هو الملك. وأما المليك فهو مستحق السياسة. وذلك فيما بيننا قد يصغر ويكبر بحسب قدر المسوس ، وقدر السائس في نفسه ومعانيه.

وأما ملك الباري (عز اسمه) فهو الذي لا يتوهم ملك يدانيه ، فضلا عن أن يفوقه ، لأنه إنما يسحقه بإبداعه لما يسوسه ، وإيجاده إياه بعد أن لم

__________________

ـ مع أبي هريرة في دار مروان فرأى فيها تصاوير فقال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : وذكره. ورواية الإمام البخاري في كتاب اللباس ٩٠ والتوحيد ٥٦.

(١) سورة القمر آية ٤٢.

(٢) قال تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) سورة الكهف آية رقم ٤٥.

(٣) قال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) سورة القمر الآيتان ٥٤ ـ ٥٥.

(٤) سورة المؤمنون آية ١١٦.

(٥) سورة القمر آية ٥٥.

٥٦

يكن. ولا يخشى أن ينزع منه أو يدفع عنه ، فهو الملك حقا. وملك من سواه مجاز.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو بكر بن عبد الله ، أنا الحسن بن سفيان ، نا حرملة ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني يونس عن ابن شهاب ، حدثني ابن المسيب ، أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقبض الله تعالى الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض (١). رواه مسلم في الصحيح ، عن حرملة ، ورواه البخاري عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب.

أخبرنا أبو علي الروذباري ، وأبو الحسين بن الفضل القطان ، وأبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان ، وأبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار. قالوا : حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني محمد بن صالح الواسطي ، عن سليمان بن محمد ، عن عمر بن نافع ، عن أبيه ، قال : قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما على هذا المنبر ـ يعني منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يحكي عن ربه (عزوجل) ، فقال : إن الله (تبارك وتعالى) إذا كان يوم القيامة ، جمع السموات السبع والأرضين السبع في قبضته ، ثم يقول (عزوجل) : أنا الله ، أنا الرحمن ، أنا الملك ، أنا القدوس ، أنا السلام ، أنا المؤمن ، أنا المهيمن ، أنا العزيز ، أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئا ، أنا الذي أعدتها ، أين الملوك ، أين الجبابرة (٢)؟ وفي رواية ابن برهان : «أعيدها».

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنا بشر بن

__________________

(١) رواية الإمام البخاري في كتاب التوحيد ٦ باب قول الله تعالى (مَلِكِ النَّاسِ) ٧٣٩٢ بسنده عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وذكره. وأخرجه في التفسير ٣٩ ـ ٢ ورواية الإمام مسلم في كتاب صفات المنافقين ٢٣ (٢٧٨٧) بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ كان يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

(٢) رواه الإمام مسلم في كتاب صفات المنافقين ٢٤ (٢٧٨٨) بسنده عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره مع تغاير في بعض العبارات.

٥٧

موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزنار ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أخنع الأسماء عند الله (عزوجل) رجل تسمى «ملك الأملاك». قال سفيان : شاهان شاه (١).

قال الحميدي : أخنع : أرذل.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا محمد بن يعقوب. حدثنا محمد بن محمد بن رجاء ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه رواية أخنع اسم عند الله تعالى عبد تسمى «ملك الأملاك» ، لا مالك إلا الله. رواه (٢) البخاري في الصحيح ، عن علي بن عبد الله ، ورواه مسلم عن أحمد ابن حنبل وغيره. كلهم عن سفيان نحو رواية الحميدي. ورواه مسلم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة.

أخبرنا أبو علي الروذباري ، وأبو الحسين بن الفضل القطان ، وأبو عبد الله بن برهان ، وأبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار ، قالوا : حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن زياد الألهاني ، عن أبي راشد الحبراني ـ بضم الحاء ـ قال : أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قلت : حدثنا مما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فألقى إليّ صحيفة ، فقال : هذا ما كتب لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فنظرت فإذا فيها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أبا بكر قل : اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، لا إله إلا أنت ، رب كل شيء ومليكه ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر الشيطان وشركه ، وأن أقترف على نفسي سوء ، أو أجره إلى مسلم (٣).

__________________

(١) رواية البخاري في كتاب الأدب ١١٤ باب أبغض الأسماء إلى الله ٦٢٠٦ قال الحافظ : وقد ورد بلفظ «أخبث» بمعجمة وموحدة ثم مثلثة وبلفظ أغيظ وهما عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة. ولابن أبي شيبة عن مجاهد بلفظ (أكره الأسماء) وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب ٦٢ والترمذي في كتاب الأدب ٦٦ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٢٤٤ (حلبي).

(٢) رواية البخاري في كتاب الأدب ١١٤ باب أبغض الأسماء إلى الله ٦٢٠٦ قال الحافظ : وقد ورد بلفظ «أخبث» بمعجمة وموحدة ثم مثلثة وبلفظ أغيظ وهما عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة. ولابن أبي شيبة عن مجاهد بلفظ (أكره الأسماء) وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب ٦٢ والترمذي في كتاب الأدب ٦٦ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٢٤٤ (حلبي).

(٣) سبق تخريج هذا الحديث في هذا الجزء قريبا من هذا.

٥٨

وروى ذلك من وجه آخر ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ورويناه فيما مضى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقوله في هذه الرواية : «هذا ما كتب لي» يريد ما أمر بكتابته أو أملاه ، وقد رويناه في خبر الأسامي مالك الملك.

قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : معناه أن الملك بيده يؤتيه من يشاء كقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) (١). وقد يكون معناه : مالك الملوك ، كما يقال : رب الأرباب ، وسيد السادات. وقد يحتمل أن يكون معناه : وارث الملك يوم لا يدعي الملك مدّع ولا ينازعه فيه منازع ، كقوله (عزوجل) : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) (٢).

ومنها : (الجبار) (٣) : قال الحليمي في قول من يجعله من الجبر الذي هو نظير الإكراه لأنه يدخل فيه إحداث الشيء عن عدم. فإنه إذا أراد وجوده ، كان ولم يتخلف كونه عن حال إرادته ، ولا يمكن فيه غير ذلك ، فيكون فعله له كالجبر ، إذ الجبر طريق إلى دفع الامتناع عن المراد. فإذا كان ما يريده الباري (جل وعز) لا يمتنع عليه ، فذاك في الصورة جبر. وقد قال الله (عزوجل) : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٤).

وقد قيل في معنى الجبار غير هذا. فمن ألحقه بهذا الباب ، لم يميزه عن الإبداع ، وجعل الاعتراف له بأنه بديع اعترافا له بأنه جبار.

وقال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : الجبار الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه. يقال : جبره السلطان وأجبره بالألف. ويقال : هو

__________________

(١) سورة آل عمران آية ٢٦.

(٢) سورة الفرقان آية ٢٦.

(٣) قال تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) سورة الحشر آية ٢٣.

(٤) سورة فصلت آية ١١.

٥٩

الذي جبر مفاقر الخلق ، وكفاهم أسباب المعاش والرزق. ويقال : بل الجبار العالي فوق خلقه. ثم قولهم : تجبر النبات إذا علا.

أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنا أبو منصور النضروي ، حدثنا أحمد بن نجدة ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب ، قال : إنما يسمى الجبار لأنه يجبر الخلق على ما أراد.

٦٠