الأسماء والصفات

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

الأسماء والصفات

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

٤٤١
٤٤٢

باب

ما جاء في إثبات الوجه صفة لا من حيث الصورة

لورود خبر الصادق به

قال الله (عزوجل) : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (١).

وقال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢).

وقال : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) (٣).

وقال : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (٤).

وقال : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) (٥).

وقال : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (٦).

وقال : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (٧).

أخبرنا أبو محمد ، عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أنا أبو سعيد الأعرابي ، نا سعدان بن نصر ، نا سفيان عن عمرو ، سمع جابر بن عبد الله يقول : لما

__________________

(١) سورة الرحمن آية ٢٧.

(٢) سورة القصص آية ٨٨.

(٣) سورة الروم آية ٣٩.

(٤) سورة الإنسان آية ٩.

(٥) سورة الرعد آية ٢٢.

(٦) سورة الليل آية ٢٠.

(٧) سورة الأنعام آية ٥٢ ، سورة الكهف آية ٢٨.

٤٤٣

نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) (١).

قال : أعوذ بوجهك. (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) (٢) ،

قال : أعوذ بوجهك. (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) (٣).

قال : هاتان أهون وأيسر.

رواه البخاري في الصحيح ، عن علي ، عن سفيان بن عيينة (٤).

أخبرنا أبو الحسن ، محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي ، نا محمد بن يحيى ، نا عبد الرحمن بن مهدي ، نا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزلت : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) (٥) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعوذ بوجهك.

(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) (٦) ، قال : أعوذ بوجهك. (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) (٧). قال : هذا أهون. أو : هذا أيسر.

رواه البخاري في الصحيح ، عن أبي النعمان وقتيبة ، عن حماد بن زيد (٨).

__________________

(١) سورة الأنعام آية ٦٥.

(٢) سورة الأنعام آية ٦٥.

(٣) سورة الأنعام آية ٦٥.

(٤) رواية الإمام البخاري في كتاب التفسير ٢ باب (قُلْ هُوَ الْقادِرُ) ٤٦٢٨ بسنده عن جابر رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

(٥) سورة الأنعام آية ٦٥.

(٦) سورة الأنعام آية ٦٥.

(٧) سورة الأنعام آية ٦٥.

(٨) سبق تخريج هذا الحديث.

٤٤٤

أخبرنا أبو الحسن ، علي بن محمد المقري ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق الأسفراييني ، نا يوسف بن يعقوب القاضي ، نا نصر بن علي ، نا عبد العزيز بن عبد الصمد ، نا أبو عمران الجوني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : جنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما. وجنتان من ذهب ، آنيتهما وما فيهما. وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم (عزوجل) إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن. رواه مسلم في الصحيح ، عن نصر بن علي الجهضمي.

وأخرجه البخاري ، عن علي بن المديني وغيره ، عن عبد العزيز بن عبد الصمد (١).

قال الشيخ : قوله : «رداء الكبرياء» يريد به صفة الكبرياء ، فهو بكبريائه وعظمته لا يريد أن يراه أحد من خلقه بعد رؤية يوم القيامة ، حتى يأذن لهم بدخول جنة عدن. فإذا دخولها ، أراد أن يروه ، فيروه ، وهم في جنة عدن. والله أعلم.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الرزاز ببغداد ، أنا أبو بكر ، محمد بن عبد الله الشافعي ، نا إبراهيم بن الهيثم ، نا القعنبي. نا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن محمود بن الربيع ، عن عتبان بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد حرم الله على النار أن تأكل من قال : «لا إله إلا الله» يبتغي به وجه الله.

رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي.

حدثنا أبو بكر ، محمد بن الحسن بن فورك (٢) رحمه‌الله أنا عبد الله بن

__________________

(١) رواية الإمام مسلم في كتاب الإيمان ٨٠ باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى ٢٩٦ (١٨٠) بسنده عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره.

ورواية البخاري في كتاب التوحيد ٢٤ والتفسير سورة ٥٥ : ١ ، ٢ وابن ماجة في كتاب المقدمة ١٣ وأحمد بن حنبل في المسند ٤ : ٤١١ ، ٤١٦ (حلبي).

(٢) هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الأصبهاني أبو بكر واعظ عالم بالأصول والكلام من ـ

٤٤٥

جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا إبراهيم بن سعد ، وعبد العزيز ابن أبي سلمة وغيرهما ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : مرضت مرضا شديدا أشفيت منه ، فدخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ، أخلف دون هجرتي؟ قال : «إنك لن تخلف بعدي ، فتعمل عملا تبتغي به وجه الله ، إلا ازددت به رفعة ودرجة. ولعلك إن تخلف حتى ينتفع بك قوم ويضربك آخرون. اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تروهم على أعقابهم». لكن البائس ، سعد بن خولة كان يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة.

رواه البخاري في الصحيح ، عن موسى بن إسماعيل ، عن إبراهيم وعبد العزيز. ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن إبراهيم (١).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، نا محمد ابن إسحاق الصاغاني ، نا حسن بن موسى الأشيب ، نا حماد ، عن عثمان البتي ، عن نعيم بن أبي هند ، عن حذيفة ، قال : أسندت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى صدري فقال : من قال : «لا إله إلا الله» ابتغاء وجه الله ، ختم له بها ، دخل الجنة. ومن صلى صلاة ابتغاء وجه الله ، ختم له بها ، دخل الجنة. ومن

__________________

ـ فقهاء الشافعية سمع بالبصرة وبغداد وحدث بنيسابور وبنى فيها مدرسة وتوفي على مقربة منها عام ٤٠٦ ه‍ فنقل إليها ، وفي النجوم الزاهرة قتله محمود بن سبكتكين بالسم لقوله : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولا في حياته فقط له كتب كثيرة ، منها مشكل الحديث وغريبه ، والنظامي في أصول الدين.

راجع السبكي في الطبقات الكبرى ٣ : ٥٢ ـ ٥٦.

والنجوم الزاهرة ٤ : ٢٤٠.

(١) الحديث أخرجه صاحب الموطأ في كتاب الوصية ٤ عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال : جاءني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله فقد بلغ بي من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

وأخرجه البخاري في ٢٣ كتاب الجنائز ٣٧ باب رثي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن خولة ، ومسلم في ٢٥ كتاب الوصية ١ باب الوصية بالثلث حديث ٥ ، وأبو داود في كتاب الوصايا ٢ والترمذي في كتاب الوصايا ١ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ١٧٦ ، ١٧٩ (حلبي).

٤٤٦

صام يوما ابتغاء وجه الله ، ختم له بها ، دخل الجنة. ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ، ختم له بها ، دخل الجنة.

وقد قيل عن نعيم ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة حدثنا أبو القاسم ، عبد الرحمن بن محمد السراج ، أنا أبو محمد ، يحيى بن منصور القاضي ، نا محمد بن أيوب بن يحيى ، أنا أبو عمر الحوضي ، نا الحسن بن أبي جعفر ، نا محمد بن جحادة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا حذيفة ، من ختم له بشهادة أن لا إله إلا الله صادقا ، دخل الجنة. يا حذيفة ، من ختم له بصوم يبتغي به وجه الله ، دخل الجنة ، يا حذيفة من ختم له عند الموت بإطعام مسكين يبتغي به وجه الله ، دخل الجنة.

قال : والأخبار في مثل هذا كثيرة. وفي بعض ما ذكرنا كفاية. وبالله التوفيق.

حدثنا أبو محمد ، عبد الله بن يوسف الأصبهاني ـ إملاء ـ أنا أبو بكر ، محمد بن الحسين القطان ، نا علي بن الحسن الهلالي. نا عبيد الله بن موسى ، أنا إسرائيل ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن ستة نفر ، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك. ولا يجترءون علينا. وكنت أنا وعبد الله بن مسعود ، أظنه قال : وبلال ورجل من هذيل ، ورجلان قد نسيت اسمهما ـ فوقع في نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما شاء الله وحدث به نفسه ، فأنزل الله (عزوجل) : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ...) (١) الآية.

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ...) (٢) الآية.

__________________

(١) سورة الأنعام آية ٥٢.

(٢) سورة الأنعام آية ٥٣.

٤٤٧

أخرجه مسلم في الصحيح من حديث إسرائيل ، إلا أنه قال : ورجلان نسيت اسميهما (١).

أخبرنا أبو الحسن ، محمد بن الحسين العلوي ، أنا أبو بكر ، محمد بن أحمد بن دلويه الدقاق ، حدثنا أحمد بن الأزهر بن منيع ، حدثنا مروان بن محمد ، حدثنا معاوية بن سلام ، حدثني أخي زيد بن سلام أنه سمع جده أبو سلام يقول : حدثني الحارث الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله (عزوجل) أوحى إلى يحيى بن زكريا عليه‌السلام فقام ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله تعالى أمركم بالصلاة ، فإن العبد إذا قام يصلي استقبله الله تعالى بوجهه ، فلا يصرف وجهه عنه حتى يكون العبد هو الذي يصرف وجهه عنه.

وروى في مثل هذا عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم من قولهم.

أخبرنا أبو الحسن العلوي ، أما أبو حامد ، أحمد بن محمد بن يحيى بن بلاد البزاز ، حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثني أبي ، حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن الأعمش بن أبي وائل أنه قال : كنا في بيت حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقام شبث بن ربعي ، فصلى ، فتفل بين يديه. قال : فقال له حذيفة رضي الله عنه : لا تتفل بين يديك ، ولا عن يمينك ، فإن عن يمينك كاتب الحسنات ، فإن الرجل إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قام فصلى ، أقبل الله (تعالى) بوجهه يناجيه ، فلا يصرفه عنه حتى ينصرف أو يحدث حدث سوء.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا مهدي بن ميمون ، عن محمد ابن عبد الله بن أبي يعقوب ، حدثني ابن أبي نعيم ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه

__________________

(١) رواية الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة ٤٦ عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال : وذكره.

٤٤٨

رأى رجلا يصلي يلتفت في صلاته ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : إن الله (عزوجل) مقبل على عبده بوجهه ما أقبل إليه. فإذا التفت ، انصرف عنه.

قلت : ليس في صفات ذات الله (عزوجل) إقبال ولا إعراض ولا صرف ، وإنما ذلك في صفات فعله. وكأن الرحمة التي للوجه تعلق بها تعلق الصفة بمقتضاها ، تأتيه من قبل وجه المصلي. فعبر عن إقبال تلك الرحمة ، وصرفها بإقبال الوجه ، وصرفه لتعلق الوجه الذي هو صفة بها. والله أعلم.

والذي يبين صحة هذا التأويل ما أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أخبرنا أبو حامد بن بلال ، حدثنا يحيى بن الربيع المكي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي الأحوص ، عن أبي ذر رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه ، فلا يمس الحصى (١).

قلت : وشائع في كلام الناس : الأمير مقبل على فلان. وهم يريدون به إقباله عليه بالإحسان. ومعرض عن فلان ، وهم يريدون به ترك إحسانه إليه ، وصرف إنعامه عنه. والله أعلم.

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أبو بكر بن العسكري ، حدثنا محمد ابن الوليد بن إبان العقيلي بحلب. حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن زيد ، أنبأنيه عطاء ابن السائب ، عن أبيه ، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه ، قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول في دعائه : وارزقني لذة النظر إلى وجهك (٢).

أخبرنا أبو الحسن ، علي بن محمد المقري أن الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا يوسف بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن حبيب ، حدثنا خالد بن الحارث ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن ابن أبي نهيك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ح.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥ : ١٥٠ ، ١٧٩ (حلبي)

(٢) الحديث أخرجه النسائي في كتاب السهو ٦٢.

٤٤٩

محمد بن إسحاق ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا البرساني ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي سفيان ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من استعاذ بالله ، فأعيذوه. ومن سألكم بوجه الله ، فأعطوه (١).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله ، محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن خلف ، المعروف بابن أبي حمزة ، حدثني أحمد بن عمرو العصفري البصري ، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، حدثني سليمان ابن معاذ التميمي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا ينبغي لأحد أن يسأل بوجه الله شيئا إلا الجنة.

أخرجه أبو داود في كتاب السنن عن أبي العباس العصفري (٢).

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، هو الأصم ، حدثنا الصاغاني ، حدثنا حجاج بن محمد ، قال :

قال ابن جريج : قال عطاء : بلغنا أنه يكره أن يسأل الله تعالى شيئا من الدنيا بوجهه.

قال : وقال ابن جريج : أخبرني ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان يكره أن يسأل الإنسان بوجه الله.

قال : وقال ابن جريج : عن عمرو بن دينار ، قال : بلغنا ذلك. قال : وقال ابن جريج : أخبرني عبد الكريم بن مالك ، قال : إن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز ، فرفع إليه حاجته ، ثم قال : أسألك بوجه الله تعالى. فقال عمرو رضي الله عنه :

__________________

(١) الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة باب عطية من سأل بالله ١٦٧٢ ـ عن الأعمش عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره وأخرجه النسائي في كتاب الزكاة ٧٢ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٢٥٠ ، ٢ : ٦٨ ، ٩٩ ، ١٢٧ (حلبي).

(٢) رواية أبي داود في كتاب الزكاة باب كراهية المسألة بوجه الله تعالى : ١٦٧١ حدثنا أبو العباس القِلَّوريّ ، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن سليمان بن معاذ التميمي ، حدثنا ابن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

٤٥٠

قد سألت بوجهه. فلم يسأل شيئا إلا أعطاه إياه. ثم قال عمر رضي الله عنه : ويحك ألا سألت بوجهه الجنة.

أخبرنا أو عبد الله الحافظ ، أنا أبو القاسم ، عبد الله بن موسى بن رامك الشيباني النيسابوري ـ من أصل كتابه ـ حدثنا أبو جعفر ، أحمد بن علي الخزاز ، حدثنا داود بن مهران الدباغ. حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن يحيى بن سعيد ، قال : سمعت رجلا من أهل الشام يقال له العباس ، يحدث عن ابن مسعود رضي الله عنه يخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : لما كان ليلة الجن ، أقبل عفريت من الجن في يده شعلة من النار ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ القرآن ، فلا يزداد إلا قربا. فقال له جبريل عليه الصلاة والسلام : ألا أعلمك كلمات تقولهن ينكب منها لفيه وتطفأ شعلته ، قل : أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء. ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر طوارق الليل ، ومن شر كل طارق إلا طارق يطرق بخير يا رحمن. فقالها ، فانكب لفيه ، وطفئت شعلته. أخرجه مالك بن أنس في الموطأ عن يحيى بن سعيد ، إلا أنّه أرسله (١).

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله الصفار ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثني يعقوب بن عبيد ، أنا هشام بن عمار ، حدثنا حماد ـ يعني ابن عبد الرحمن الكلبي ـ حدثنا أبو إسحاق الهمذاني ، عن أبيه ، قال : كتب لي علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال : أمرني به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا أخذت مضجعك ، فقل : أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم ، اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، سبحانك وبحمدك.

وقد روينا هذا في باب الكلام من حديث عمار بن رزيق ، عن أبي

__________________

(١) رواية الامام مالك في الموطأ كتاب الشعر ٤ باب ما يؤمر به من التعوذ ١٠ عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار ، كلما التفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رآه قال : وذكره.

٤٥١

إسحاق ، عن الحارث وأبي ميسرة ، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو إسناد صحيح. وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل من الثقات ، ومن دونه كلهم ثقات. وكأن أبا إسحاق سمعه منهما ومن أبيه إن كان حماد بن عبد الرحمن حفظه. والله أعلم.

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي من أصله وأبو بكر ، محمد بن محمد بن أحمد بن رجاء ، قالا : حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا إبراهيم بن بكر المروزي ، حدثنا قبيصة بن عقبة أبو عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، عن صهيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله (عزوجل) : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (١).

قال : النظر إلى وجه ربنا (عزوجل).

أخبرنا أبو علي ، الحسين بن محمد الروذباري ، أنا الحسين بن الحسن ابن أيوب الطوسي ، حدثنا أبو خالد ، يزيد بن محمد العقيلي بمكة ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن أبي بكر ، يعني الصديق رضي الله عنه ، وعن مسلم ، عن حذيفة رضي الله عنه في قول الله (عزوجل) : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).

قالا : النظر إلى وجه ربهم. قلت : الآثار في معنى هذا عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين كثيرة. وهي في باب الرؤية مذكورة بإذن الله عزوجل.

أخبرنا أبو محمد ، الحسن بن علي المؤمل ، حدثنا أبو عثمان ، عمرو بن عبد الله البصري ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، أنا جعفر بن عون ، أنا عبد الرحمن بن عبد الله ، هو المسعودي ، عن عبد الله بن المخارق ، عن المخارق بن سليم ، قال : قال عبد الله ، هو ابن مسعود رضي الله عنه : إذا حدثناكم بحديث ، أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله (عزوجل) : إن العبد المسلم إذا قال :

__________________

(١) سورة يونس آية ٢٦.

٤٥٢

«الحمد لله وسبحان الله ، ولا إله إلا والله ، والله أكبر ، وتبارك الله» أخذها ملك فجعلها تحت جناحه ، ثم صعد بها فلا يمر بها على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن ، حتى يجيء بها وجه الرحمن. قال : ثم قرأ عبد الله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (١).

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، أننا عثمان ابن عمر الضبي ، حدثنا ابن كثير ، حدثنا سفيان بن سعيد ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن خباب رضي الله عنه ، قال : هاجرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن نبتغي وجه الله تعالى ، فوجب أجرنا على الله (عزوجل) ، فمنا من ذهب لم يأكل من أجره شيئا ، كان منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه قتل يوم أحد ، ولم يكن له إلا نمرة (٢) كنا إذا غطينا بها رأسه ، خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجله ، خرجت رأسه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها (٣). رواه البخاري في الصحيح ، عن محمد بن كثير. وأخرجه مسلم من أوجه أخر عن الأعمش (٤).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدثنا محمد ابن عبد الله بن المنادى ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ح.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو عمرو بن أبي جعفر ، حدثنا عبد الله ابن محمد ، حدثنا بشر بن خالد ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يضرب غلاما له فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما والله لله أقدر عليك منك عليه. فقال : يا نبي الله ، فإني أعتقته لوجه الله. وفي رواية وهب ، قال : فاني أعتقه لوجه الله. رواه مسلم في الصحيح عن بشر بن خالد. وأخرجه أيضا من حديث

__________________

(١) سورة فاطر آية ١٠.

(٢) النمرة : شملة فيها خطوط بيض وسود ، أو بردة من صوف تلبسها الأعراب.

(٣) يهدبها : أي يجتنبها ، وهذا استعارة لما فتح عليهم من الدنيا.

(٤) الحديث أخرجه مسلم من كتاب الجنائز ١٣ باب في كفن الميت ٤٤ (٩٤٠) عن الأعمش عن شقيق ، عن خباب بن الارت قال : وذكره.

٤٥٣

أبي معاوية ، عن سليمان الأعمش. وفيه : فقلت : يا رسول الله ، هو حر لوجه الله (١).

وأما قوله ، (عزوجل) : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٢).

فقد حكى المزني ، عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية ، يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر القاضي ، قالا : حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا أبو أسامة ، عن النضر ، عن مجاهد في قوله (عزوجل) : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ، قال : قبلة الله. فأينما كنت في شرق أو غرب فلا توجهن إلا إليها. وأما نور الوجه ، فقد احتج بعضهم في ذلك بما أخبر الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة والمسعودي ، عن عمرو بن مرة أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله (عزوجل) لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل بالنهار ، وعمل النهار بالليل. زاد المسعودي : وحجابه النور ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره. ثم قرأ أبو عبيدة : (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).

أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن شعبة. وأخرجه بطوله من

__________________

(١) رواية الامام مسلم في كتاب الايمان ٨ باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده ٣٤ (١٦٥٩) حدثنا الأعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه قال : قال أبو مسعود البدري كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي أعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب. قال : فلما دنا مني إذ هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا هو يقول : اعلم أبا مسعود ، اعلم أبا مسعود : وذكره.

(٢) سورة البقرة آية ١١٥.

(٣) سورة النمل آية ٨.

٤٥٤

حديث الأعمش ، عن عمرو بن مرة دون قراءة أبي عبيدة (١).

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ، أنا أبو الحسن الكازروني ، أنا علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبيد في هذا الحديث يقال للسبحة إنها جلال وجهه ونوره. ومنه قيل : سبحان الله ، إنما هو تعظيم له وتنزيه. قلت : إذا كان قوله «سبحات» من التسبيح والتسبيح تنزيه الله تعالى عن كل سوء ، فليس فيه إثبات النور للوجه ، وإنما فيه أنه لو كشف الحجاب الذي على أعين الناس ولم يثبتهم لرؤيته ، لاحترقوا والله أعلم.

وفيه عبارة أخرى ، وهي أنه لو كشف عنهم الحجاب ، لأفنى جلاله وهيبته وقهره ما أدركه بصره. يعني كل ما أوجده من العرش إلى الثرى ، فلا نهاية لبصره.

أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ـ ببغداد ـ أنا دعلج بن أحمد بن دعلج ، حدثنا أبو عبد الله البوشنجي ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح وعكرمة ـ مولى ابن عباس ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ جاءه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، تفلت هذا القرآن من صدري ، فذكر الحديث بطوله ، وذكر فيما علمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دعاء حفظ القرآن : أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ، ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني. اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام ، والعزة التي لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري ، وأن تطلق به لساني ، وأن تفرج به عن قلبي وأن تشرح به صدري ، وأن تستعمل به بدني ، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ، ولا يؤتيه إلا أنت ، ولا قوة إلا بالله العلي

__________________

(١) رواية الامام مسلم في كتاب الايمان ٧٩ باب في قوله : إن الله لا ينام ٢٩٣ (١٧٩) بسنده عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري قال : قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وذكره. وأخرجه ابن ماجة في المقدمة ١٣ وأحمد بن حنبل في المسند ٤ : ٤٠١ ، ٤٠٥ (حلبي).

٤٥٥

العظيم. وذكر الحديث. وهذا حديث تفرد به أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بهذا اللفظ. فإن كان محفوظا فيه ، فإنهم كانوا يقولون ذلك ، ويريدون به نفي النقص عنه لا غير. ثم قد حكى أبو الحسن بن مهدي فيما كتب لي أبو نصر بن قتادة من كتابه عن ابن الأنباري عن ثعلب في قول الله (عزوجل) : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) يعني أنه حق أهل السموات والأرض. وهذا نظير قول العرب إذا سمعوا قول القائل حقا كلامك هذا عليه نور. أي هو حق. فيحتمل أن يكون قوله إن كان ثابتا أسألك بجلالك ونور وجهك. أي وحق وجهك. والحق هو المتحقق كونه ووجوده.

وكان الأستاذ أبو إسحاق (إبراهيم بن محمد بن إبراهيم) يقول في معنى النور : إنه الذي لا يخفى على أوليائه بالدليل. ويصح رؤيته بالأبصار ، ويظهر لكل ذي لب بالعقل ، فيكون قوله : أسألك بجلالك ونور وجهك راجعا في النور إلى أحد هذه المعاني. والله أعلم.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس (هو الأصم) حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا الزبير أبو عبد السلام ، عن أيوب بن عبد الله بن محرز ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار. ونور السموات والأرض من نور وجهه. هذا موقوف وراويه غير معروف.

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو عبد الله (محمد بن يعقوب) حدثنا بن عبد الله ، أنا جعفر بن عون ، أنا مسدد ، عن عمرو بن مرة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : علمني كلمات أقولهن عند المساء ، قال : قل : أعوذ بوجهك الكريم ، وباسمك العظيم وبكلماتك التامة من شر السامة والعامة ، ومن شر ما خلقت أي رب ، ومن شر ما أنت آخذ بناصيته ، ومن شر هذه الليلة ، ومن شر ما بعدها ، وشر الدنيا وأهلها.

أخبرنا أبو أحمد (عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني العدل) أنا أبو

__________________

(١) سورة النور آية ٣٥.

٤٥٦

بكر ، محمد بن جعفر المزكي ، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي ، حدثنا ابن بكير ، حدثنا مالك ، عن سمى (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن) عن القعقاع بن حكيم ، قال : إن كعب الأحبار قال : لو لا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا. فقيل له : ما هي؟ فقال : أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس كمثله شيء أعظم منه ، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد ابن إسحاق الصاغاني ، حدثنا شريح بن يونس ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، قال : قال رجل : رحم الله رجلا أتى على هذه الآية : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (١).

فيسأل الله تبارك وتعالى بذاك الوجه الباقي الجميل. قلت : الجميل في أسماء الله تعالى قد ذكرناه. وهو عند أهل النظر بمعنى المجمل المحسن.

قال أبو سليمان : وقد يكون الجميل معناه ذو النور. قلت : ثم يكون ذلك أيضا من صفات الفعل. قال الله (عزوجل) : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٢). وقال تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٣).

وقد يجوز أن يستعمل النور في صفات الذات بمعنى أنه لا يخفى على أوليائه بالدليل. وهذا أشبه بمعنى الجميل في هذا الموضع. والله أعلم.

__________________

(١) سورة الرحمن آية ٢٧.

(٢) سورة النور آية ٤٠.

(٣) سورة المائدة آية ١٦.

٤٥٧

باب

ما جاء في إثبات العين

صفة لا من حيث الحدقة. قال الله (عزوجل) : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (١).

وقال تعالى : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) (٢).

تبارك وتعالى. وقال : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (٣).

وقال تبارك وتعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا). (٤).

أخبرنا أبو نصر (عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة) ، أنا أبو الحسن ، علي بن الفضل بن محمد بن عقيل ، حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، حدثنا عمر (جويرية بن أسماء) عن نافع ، قال : إن عبد الله بن عمر أخبره أن المسيخ ذكر بين ظهراني الناس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله ليس بأعور ، إلا أن المسيخ الدجال أعور عين اليمنى ، كأن عينه عتبة طافية. رواه البخاري في الصحيح ، عن موسى بن إسماعيل ، عن جويرية. وقال في متنه : فقال : إن الله لا يخفى عليكم ، إن الله ليس بأعور. وأشار بيده إلى عينه (٥).

__________________

(١) سورة طه آية ٣٩.

(٢) سورة الطور آية ٤٨.

(٣) سورة هود آية ٣٧.

(٤) سورة القمر آية ١٤.

(٥) رواية الامام البخاري في كتاب التوحيد ١٧ باب قول الله تعالى (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ٧٤٠٧ عن طريق موسى بن اسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله قال : ذكر الدجال عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : وذكره.

٤٥٨

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، نا العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما بعث نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب. ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وبين عينيه مكتوب كافر» (١).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر (أحمد بن سليمان النجاد) ، حدثنا جعفر ابن أبي عثمان الطيالسي ، حدثنا أبو عمر الحوضي ، حدثنا شعبة عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما بعث نبي إلا قد أنذر الدجال. ألا وإنه أعور. وإن ربكم ليس بأعور. وأخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن المثنى ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، فذكره ، وزاد : وإن بين عينيه مكتوب : ك ا ف ر. رواه البخاري في الصحيح عن أبي عمر. ورواه مسلم عن محمد بن المثنى (٢).

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس (محمد بن يعقوب) أنا محمد بن إسحاق الصاغاني ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) (٣).

قال : بعين الله تبارك وتعالى.

قلت : ومن أصحابنا من حمل العين المذكورة في الكتاب على الرؤية ، وقال : قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٤) معناه : بمرأى مني.

وقوله : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) (٥) أي بمرأى منا.

__________________

(١) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ٧٤٠٨ عن طريق حفص بن عمر ، حدثنا شعبة أخبرنا قتادة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : وذكره. ورواية الامام مسلم في كتاب الفتن ١٠١ (٩٣٣) بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(٢) رواية الامام مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ٢٠ باب ذكر الدجال وصفته وما معه ١٠٠ (١٦٩) بسنده عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال : وذكره.

(٣) سورة هود آية ٣٧.

(٤) سورة طه آية ٣٩.

(٥) سورة الطور آية ٤٨.

٤٥٩

وكذلك قوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (١).

وقد يكون ذلك من صفات الذات ، وتكون صفة واحدة ، والجمع فيها على معنى التعظيم ، كقوله : (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) (٢) ومنهم من حملها على الحفظ والكلاءة ، وزعم أنها من صفات الفعل. والجمع فيها شائع. والله أعلم.

ومن قال بأحد هذين ، زعم أن المراد بالخبر نفى نقص العور عن الله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يجوز عليه ما يجوز على المخلوقين من الآفات والنقائص. والذي يدل عليه ظاهر الكتاب والسنة من إثبات العين له صفة لا من حيث الحدقة أولى. وبالله التوفيق.

وأخبرنا أبو عبد الرحمن (محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبوب الدهان) حدثنا أبو العباس ، أحمد بن هارون الفقيه ، حدثنا أبو يحيى (زكريا بن يحيى البزاز) ، حدثنا أبو عبد الله (محمد بن الموفق) ، حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : ما وصف الله تبارك وتعالى بنفسه في كتابه ، فقراءته تفسيره ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية.

__________________

(١) سورة القمر آية ١٤.

(٢) سورة لقمان آية ٢٧.

٤٦٠