الأسماء والصفات

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

الأسماء والصفات

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

أبو عبد الله الحافظ ، عن نسخة ذلك الكتاب : «من زعم أن الله (تعالى ، جل ذكره) لم يتكلم إلا مرة ، ولا يتكلم إلا ما تكلم به ، ثم انقضى كلامه ، كفر بالله ، بل لم يزل الله متكلما ، ولا يزال متكلما ، لا مثل لكلامه ، لأنه صفة من صفات ذاته ، نفى الله (تعالى) المثل عن كلامه ، كما نفى المثل عن نفسه ، ونفى النفاد عن كلامه ، كما نفى الهلاك عن نفسه ، فقال (عزوجل) : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١).

وقال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) (٢).

فكلام الله (عزوجل) غير بائن عن الله ، ليس هو دونه ولا غيره ، ولا هو هو ، بل هو صفة من صفات ذاته ، كعلمه الذي هو صفة من صفات ذاته ، لم يزل ربنا عالما ، ولا يزال عالما ، ولم يزل يتكلم ، ولا يزال يتكلم ، فهو الموصوف بالصفات العلى ، لم يزل بجميع صفاته التي هي صفات ذاته واحدا ، ولا يزال ، (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٣). وكان فيما كتب : القرآن كلام الله (تعالى) وصفة من صفات ذاته ، ليس شيء من كلامه خلقا ولا مخلوقا ، ولا فعلا ولا مفعولا ، ولا محدثا ، ولا حدثا ، ولا أحداثا.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن أحمد الزاهد البوشنجي يقول : دخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي بالري ، فأخبرته بما جرى بنيسابور بين أبي بكر بن خزيمة وبين أصحابه ، فقال : ما لأبي بكر والكلام؟ إنما الأولى بنا وبه أن لا نتكلم فيما لم نتعلمه ، فخرجت من عنده حتى دخلت على أبي العباس القلانسي ، فقال : كأن بعض القدرية من المتكلمين وقع إلى محمد بن إسحاق ، فوقع لكلامه عنده قبول ، ثم خرجت إلى بغداد فلم أدع بها فقيها ولا متكلما إلا عرضت عليه تلك

__________________

(١) سورة القصص آية ٨٨.

(٢) سورة الكهف آية ١٠٩.

(٣) سورة الملك آية ١٤.

٤٠١

المسائل ، فما منهم أحد إلا وهو يتابع أبا العباس القلانسي على مقالته ، ويغتم لأبي بكر ، محمد بن إسحاق فيما أظهره.

قلت : القصة فيه طويلة ، وقد رجع محمد بن إسحاق إلى طريقة السلف ، وتلهف على ما قال. والله أعلم.

٤٠٢

باب

قول الله (عزوجل): (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١).

وقوله : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٢).

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قوله (تعالى) : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) (٣).

يعني أهل مكة. (وَمَنْ بَلَغَ) يعني من بلغه القرآن من الناس ، فهو له نذير. وقوله : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٤) ، يعني بأم القرى : مكة ، ومن حولها من القرى إلى المشرق والمغرب.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي حدثنا إبراهيم بن الحسين ، حدثنا آدم ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله (تعالى) : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٥) ، يعني :

ومن أسلم من العجم وغيرهم.

__________________

(١) سورة الأنعام آية ١٩.

(٢) سورة الأنعام آية ٩٢.

(٣) سورة الأنعام آية ١٩.

(٤) سورة الأنعام آية ٩٢.

(٥) سورة الأنعام آية ١٩.

٤٠٣

قلت : وقد يكون أعجميا لا يعرف العربية. فإذا بلغه معناه بلسانه فهو له نذير.

وأخبرنا أبو عمرو الأديب ، أنا أبو بكر الإسماعيلي ، حدثنا القاسم بن زكريا ، حدثنا أبو موسى ، محمد بن المثني ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا علي ـ يعني ابن المبارك ـ عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنهما ، قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ، فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم ، وإلهنا وإلهكم واحد ، ونحن له مسلمون». رواه البخاري في الصحيح ، عن محمد بن بشار ، عن عثمان بن عمر (١).

قلت : وفي هذا دليل على أنهم إن صدقوا فيما فسروا من كتابهم بالعربية ، كان ذلك مما أنزل إليهم على معنى العبارة عما أنزل إليهم ، وكلام الله (تعالى) واحد لا يختلف باختلاف العبارات ، فبأي لسان قرئ ، كان قد قرئ كلام الله (تعالى) ، إلا أنه إنما يسمى توراة ، إذا قرئ بالعبرانية. وإنما يسمى إنجيلا إذا قرئ بالسريانية. وإنما يسمى قرآنا إذا قرئ بالعربية على اللغات السبع التي أذن صاحب الشرع في قراءته عليهن لنزوله على لسان جبريل (عليه الصلاة والسلام) على تلك اللغات دون غيرهن. ولما في نظمه من الإعجاز. قال الله (عزوجل) : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٢).

وقال (جل وعلا) : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) (٣).

__________________

(١) رواية الإمام البخاري في كتاب الاعتصام ٢٥ باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (لا تسألوا أهل الكتاب) ٧٣٦٢ بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. وأخرجه أيضا في كتاب الشهادات ٢٩ ، وأبو داود في كتاب العلم ٢.

(٢) سورة الشعراء آية ١٩٢ ـ ١٩٥.

(٣) سورة الرعد آية ٣٧.

٤٠٤

وقال (تعالى) : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (١).

وقال (تبارك وتعالى) : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (٢).

وقال (جل وعلا) : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٣).

أخبرنا أبو بكر ، محمد بن الحسين بن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان عند إضاءة بني غفار ، فأتاه جبريل عليه‌السلام فقال : إن الله (عزوجل) يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. قال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثانية فقال : إن الله تعالى يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. قال : أسأل الله (تعالى) معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الثالثة فقال : إن الله (تعالى) يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال : أسأل الله (عزوجل) معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال : إن الله (تعالى) يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرءوا عليه ، فقد أصابوا. أخرجه مسلم في الصحيح من حديث شعبة (٤). وأخرجا حديث عمر وهشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ما تيسر (٥).

__________________

(١) سورة الشورى آية ٧.

(٢) سورة النحل آية ١٠٣.

(٣) سورة الإسراء آية ٨٨.

(٤) رواية الإمام مسلم ـ في كتاب صلاة المسافرين ٤٨ باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ٢٧٠ (٨١٨) بسنده عن عبد الرحمن ابن عبد القارئ قال سمعت عمر بن الخطاب يقول. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذكره.

(٥) رواية الإمام البخاري في كتاب بدء الخلق ٣٢١٩ بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قال : وذكره.

٤٠٥

وفي ذلك دلالة على قصر قراءته على هذه اللغات السبع من لغات العرب شرعا. ومن بلغه معناه فأسلم كان عليه أن يتعلم منه ما تجزئ به الصلاة ، وعلى جماعتهم أن يتعلموا جميعا حتى يقوم بتعلمه من فيه الكفاية.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو طاهر الفقيه ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالوا : حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أنا الشافعي ، محمد بن إدريس ، حدثنا إسماعيل بن قسطنطين قال : قرأت على شبل ، وأخبر الشبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير ، وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد ، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس ، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبي ، قال ابن عباس : وقرأ ابي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال الشافعي : وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين ، وكان يقول : القرآن اسم وليس بمهموز ، ولم يؤخذ من «قرأت». ولو أخذ من «قرأت» كان كل ما قرئ قرآنا ، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل ، وكان يقول : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) (١) تهمز قرأت ولا تهمز القرآن.

قلت : وذهب بعضهم إلى أنه مشتق من القراءة. يقال : قرأت قراءة وقرآنا ، كما يقال : سبحت تسبيحا وسبحانا ، وغفرت مغفرة وغفرانا.

قال الله (عزوجل) : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٢).

وإنما أراد صلاة الفجر التي يقع فيها القراءة ، فسماها قرآنا ، يريد به قراءة. ثم كثر استعماله في كلام الله (عزوجل) فصار مطلقه له. وقد يسمى سائر ما أنزل الله (عزوجل) على سائر رسله قرآنا.

حدثنا أبو الحسن ، محمد بن الحسين بن داود العلوي ، أنا أبو حامد ،

__________________

(١) سورة الإسراء آية ٤٥.

(٢) سورة الإسراء آية ٧٨.

٤٠٦

أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز ، حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثني أبي ، حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خفف على داود (عليه الصلاة والسلام) القرآن ، فكان يأمر بدابته تسرج ، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ، وكان لا يأكل إلا من عمل يده». أخرجه البخاري في الصحيح (١) ، فقال : وقال موسى بن عقبة ... فذكره.

قلت : الكلام هو نطق نفس المتكلم بدليل ما روينا عن أمير المؤمنين ، عمر رضي الله عنه في حديث السقيفة ، فذهب عمر يتكلم ؛ فأسكته أبو بكر رضي الله عنهما ، فكان عمر يقول : والله ما أردت بذاك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني ، وفي رواية أخرى. وكنت زورت مقالة أعجبتني ، فسمى تزوير الكلام في نفسه كلاما قبل التلفظ به ، ثم إن كان المتكلم ذا مخارج ، سمع كلامه ذا حروف واصوات ، وإن كان المتكلم غير ذي مخارج سمع كلامه غير ذي حروف وأصوات. والباري (جل ثناؤه) ليس بذي مخارج ، وكلامه ليس بحرف ولا صوت ، فإذا فهمناه ، ثم تلوناه تلوناه بحروف وأصوات.

وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا سعيد بن مسعود ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنا همام بن يحيى ، عن القاسم بن عبد الواحد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله ، عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنهم ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث المظالم ، قال : «يحشر الله (تعالى) العباد ـ أو قال : ـ الناس عراة غرلا بهما ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، أنا الديان» (٢). وهذا حديث تفرد به القاسم ابن عبد الواحد ، عن ابن عقيل ، والقاسم بن عبد الواحد بن أيمن المكي لم

__________________

(١) الحديث أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ٣٧ باب قوله تعالى : ١٦٢ (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) ٣٤١٧ بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره.

(٢) كما قال المصنف : تفرد به القاسم بن عبد الواحد عن ابن عقيل. والقاسم لم يحتج بهما الشيخان ولم يخرجا هذا الحديث.

٤٠٧

يحتج بهما الشيخان أبو عبد الله البخاري وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ، ولم يخرجا هذا الحديث في الصحيح بإسناده ، وإنما أشار البخاري إليه في ترجمة الباب. واختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ، ولم يثبت صفة الصوت في كلام الله (عزوجل) ، أو في حديث صحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير حديثه ، وليس بنا ضرورة إلى إثباته. وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتا راجعا إلى غيره كما روينا عن عبد الله ابن مسعود موقوفا ومرفوعا : «إذا تكلم الله بالوحي ، سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا» (١).

وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان» (٢). ففي هذين الحديثين الصحيحين دلالة على أنهم يسمعون عند الوحي صوتا ، لكن للسماء ولأجنحة الملائكة ، تعالى الله عن شبه المخلوقين علوا كبيرا.

وأما الحديث الذي ذكره البخاري ، عن عمر بن حفص ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ، فينادي بصوت : إن الله (تبارك وتعالى) يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار» (٣).

فهذا لفظ تفرد به حفص بن غياث ، وخالفه وكيع وجرير وغيرهما من أصحاب الأعمش ، فلم يذكروا فيه لفظ الصوت. وقد سئل أحمد بن حنبل ، عن حفص ، فقال : كان يخلط في حديثه ، ثم إن كان حفظه ، ففيه ما دل على

__________________

(١) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ٧٤٨١ ـ عن طريق علي بن عبد الله عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه في التفسير سورة ١٥ ، أو سورة ٣٤ ، ١.

(٢) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب التفسير ٣٢٢٣ عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(٣) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ٣٢ ، ٧٤٨٣ بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ٣٧٩ وكتاب الفتن ١١٦ والترمذي في كتاب التفسير سورة ٢٢ ، ١ ، ٢ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٣٨٨ ، ٢ : ١٦٦ ، ٣ : ٣٢ ، ٣٣ ، ٤ : ٤٣٢ (حلبي).

٤٠٨

أن هذا القول لآدم لا يكون على لسان ملك يناديه بصوت : إن الله (تبارك وتعالى) يأمرك. فيكون قوله : فينادي بصوت. يعني ـ والله أعلم ـ يناديه ملك بصوت. وهذا ظاهر في الخبر ، وبالله التوفيق.

وأما الحديث الذي أخبرنا أبو محمد ، عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار ، ببغداد ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا سعدان بن نصر ، نا علي بن عاصم ح.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر ، أحمد بن الحسن القاضي ، قالا : نا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، نا يحيى بن أبي طالب ، أنا علي بن عاصم ، أنا الفضل بن عيسى ، نا محمد بن المنكدر ، نا جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : لما كلم الله موسى يوم الطور ، كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه ، قال له موسى : يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به يوم ناديتني؟ قال : يا موسى ، لا ، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان. ولي قوة الألسنة كلها ، وأنا أقوى من ذلك. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل ، قالوا : يا موسى صف لنا كلام الرحمن. قال : سبحان الله ، ومن يطيق؟ قالوا : فشبهه لنا. قال : ألم تروا إلى أصوات الصواعق حين تقبل في أحلى حلاوة سمعتموه ، فإنه قريب منه وليس به.

قال علي بن عاصم : فحدثت بهذا الحديث في مجلس الزهري عن رجل ، عن كعب ، قال : لما كلم الله موسى يوم الطور ، كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه ، فقال له موسى : يا رب ، هذا الذي كلمتني به يوم ناديتني؟ قال : يا موسى ، إنما كلمتك بما تطيق به ، بل أخفها لك ، ولو كلمتك بأشد من هذا ، لمت.

لفظ حديث يحيى بن أبي طالب. فهذا حديث ضعيف ، الفضل بن عيسى الرقاشي ضعيف الحديث. جرحه أحمد بن حنبل ، ومحمد بن إسماعيل البخاري (رحمهما‌الله). وحديث كعب منقطع.

وقد روي من وجه آخر موصولا ، أخبرناه أبو محمد السكري ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ،

٤٠٩

عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن جرير بن جابر الخثعمي ، عن كعب ، قال : إن الله (عزوجل) لما كلم موسى ، كلمه بالألسنة كلها ، سوى كلامه. قال له موسى : أي رب ، هذا كلامك؟ قال : لا ، لو كلمتك بكلامي ، لم تستقم له. قال : أي رب ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال : لا ، وأشد خلقي شبها بكلامي أشد ما تسمعون من هذه الصواعق. رواه ابن أخي الزهري عنه ، عن أبي بكر ، فقال عن جرير بن جابر الخثعمي ، وقال البخاري ، وقال يونس وابن أخي الزهري ، والزبيدي جرو (١).

وقال شعيب جرز بن جابر ، وهو رجل مجهول. ثم يحتمل أنه أراد ما سمع للسماوات والأرض من الأصوات عند إسماع الرب (جل ذكره) إياه كلامه ، كما روينا عن أهل السموات أنهم يسمعون عند نزول الوحي للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا.

وكما روينا في الحديث الصحيح ، عن أبي هريرة عن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان (٢). وكما روينا عن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يأتيه الوحي أحيانا في مثل صلصلة الجرس. وكل ذلك مضاف إلى غير الله (سبحانه وتعالى). كذلك الصوت المذكور في هذا الحديث إن كان صحيحا ، ولا أراه يصح إلا وهو مضاف إلى غير الله (سبحانه وتعالى) ،

وأما قول كعب الأحبار فإنه يحدث عن التوراة التي أخبر الله (تعالى) عن أهلها أنهم حرفوها وبدلوها. فليس من قوله ما يلزمنا توجيهه إذا لم يوافق أصول الدين والله أعلم.

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) هكذا في الأصل.

٤١٠

جماع أبواب ما يجوز تسمية الله (سبحانه) ووصفه به ،

سوى ما مضى في الأبواب قبلها ، وما لا يجوز ،

وتأويل ما يحتاج فيه إلى التأويل ، وحكاية قول الأئمة

فيه

باب

قول الله (تعالى): (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١)

، قال أهل النظر : معناه : ليس كهو شيء. ونظيره قوله (عزوجل) : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (٢).

أي بالذي آمنتم به. ويذكر عن ابن عباس أنه قرأها : بالذي آمنتم به.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، نا أبو عيينة ، أحمد بن الفرج ، نا بقية ، نا شعبة ، حدثني أبو حمزة ، عن ابن عباس ، قال : لا تقولوا : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ).

فإن الله ليس له مثل ، ولكن قولوا : بالذي آمنتم به.

تابعه علي بن نصر الجهضمي ، عن شعبة. وقال أهل النظر : يقول القائل : مثلي لا يقابل بمثل هذا الكلام. ومثلي لا يعاب عليه. يريد نفسه.

قالوا : ويحتمل أن يكون الكاف فيه زيادة ، كما يقول في الكلام : كلمني

__________________

(١) سورة الشورى آية ١١.

(٢) سورة البقرة آية ١٣٧.

٤١١

فلان بلسان كمثل السنان. ولهذه الجارية بنان كمثل العندم. ومعناه : مثل العندم. العندم دم الأخوين.

وقد قيل : العرب إذا أرادت التأكيد في إثبات المشبه ، كررت حرف التشبيه ، فقالت : هذا كهكذا. قال الشاعر : وصاليات ككما يؤثفين.

يعني هكذا. وكما جمعت بين اسم التشبيه ، وحروف التشبيه ، فقالت : هذا كمثل هذا. فلما أراد الله (سبحانه) أن ينفي التشبيه على آكد ما يكون من النفي ، جمع في قراءتنا بين حروف التشبيه ، واسم التشبيه ، حتى يكون النفي مؤكدا على المبالغة.

أخبرنا أبو علي الروذباري ، نا أبو سعيد ، جعفر بن محمد بن أحمد بن يحيى الجوهري ـ بالبصرة ـ نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزاز ، نا سعيد ابن يحيى بن سعيد الأموي ح.

وأخبرنا منصور بن عبد الوهاب الشالنجي ، أنا أبو عمرو بن حمدان ، أنا عمران بن موسى ، نا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، حدثني أبي ، نا خالد بن سعيد ، عن عامر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن زيد بن عمرو ، فقالوا : يا رسول الله ، كان يستقبل البيت ، ويقول : اللهم إلهي ، إله إبراهيم ، وديني دين إبراهيم ، ويصلي ويسجد. قال : فقال : ذاك أمة واحدة. يحشر بينه وبين عيسى ابن مريم. قال : فقالوا : يا رسول الله ، أفرأيت ورقة بن نوفل ، فإنه كان يستقبل البيت ويقول : اللهم ديني دين زيد ، وإلهي إله زيد. وقد كان يمتدحه :

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما

تجنبت تنورا من النار حاميا

فربك رب ليس رب كمثله

وتركك جنان الجبال كما هي

قال : رأيته في بطنان الجنة ، عليه حلة من سندس (١).

__________________

(١) لم نعثر على هذا الأثر في كتب الصحاح فلعل الله سبحانه وتعالى يرشدنا إليه.

وقال صاحب مجمع الزوائد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ما سئل عن زيد بن عمرو : يبعث يوم القيامة أمة وحده. رواه الطبراني والبزار باختصار عنه وفيه المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله ثقات.

٤١٢

قال : وسئل عن خديجة ، فقال : رأيتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب ، لا لغو فيها ولا نصب (١).

لفظ حديث عمران. وفي رواية ابن عبد الخالق : ودينك دين ليس دين كمثله.

قال الشيخ : وقد كان تنصر زيد وآمن بعيسى ابن مريم (عليه‌السلام) قبل بعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما زعم بعض أهل العلم. وأراد بقوله : ديني دين إبراهيم في خلع الأنداد والله أعلم.

قال الشيخ : والذي روي عن ابن عباس من نهيه عن القراءة العامة لقوله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (٢) شيء ذهب إليه للمبالغة في نفي التشبيه عن الله (عزوجل). والقراءة العامة أولى. ومعناها ما ذكرناه.

وقيل : معناه : فإن آمنوا بمثل إيمانكم من الإقرار والتصديق ، فقد اهتدوا.

أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، نا يحيى بن أبي طالب ، أنا يزيد بن هارون ، أنا ديلم بن غزوان ، عن ثابت البناني ، عن أنس ، قال : أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من أصحابه إلى رأس من رءوس المشركين يدعوه إلى الله (عزوجل) ، فقال له المشرك : هذا الإله الذي تدعو إليه ما هو؟ من ذهب هو أم من فضة؟ قال : فتعاظم مقالة المشرك في صدر رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فانتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله : والله لقد بعثتني إلى رجل سمعت منه مقالة له ليتكادني أن أقولها. قال له :

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة ٧١ (٢٤٣٢) بسنده عن أبي زرعة قال : سمعت أبا هريرة قال : أتى جبريل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله : وذكره وأخرجه البخاري في كتاب العمرة ١١ وكتاب مناقب الأنصار ٢٠ وأخرجه الترمذي في كتاب المناقب ٣٨٧٦ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ما حسدت أحدا ما حسدت خديجة وما تزوجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا بعد ما ماتت وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن.

(٢) سورة البقرة آية ١٣٧.

٤١٣

ارجع إليه ، فقال له مثل ذلك. فرجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : والله يا رسول الله ما زادني على ما قال لي. قال : ارجع إليه ، فرجع إليه ، فقال له مثل ذلك. قال : فأنزل الله (عزوجل) عليه صاعقة من السماء ، فأهلكته. ورسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يدري فانتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله (عزوجل) قد أهلك صاحبك بعدك. فأنزل الله (عزوجل) : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١).

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، نا مخلد بن أبي عاصم ، نا محمد بن موسى ـ يعني الحرشي ـ نا عبيد الله بن عيسى ، نا داود ـ يعني ابن أبي هند ـ عن عكرمة ، عن ابن عباس أن اليهود جاءت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، فقالوا : يا محمد ، صف لنا ربك الذي بعثك. فأنزل الله (عزوجل) : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ) فيخرج منه ، (وَلَمْ يُولَدْ) فيخرج من شيء ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٢) ولا شبه. فقال : هذه صفة ربي (عزوجل وتقدس علوا كبيرا) (٣).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، نا محمد ابن إسحاق الصاغاني ، نا أحمد بن منيع ، نا أبو سعيد ، محمد بن ميسر الصاغاني ، نا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، قال : قال المشركون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انسب لنا ربك. فأنزل الله (عزوجل) : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، والله (عزوجل) لا يموت ولا يورث.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ،

__________________

(١) سورة الرعد آية ١٣.

(٢) سورة الإخلاص كاملة.

(٣) الحديث أخرجه الترمذي باب ٩٢ ومن سورة الإخلاص ٣٣٦٤ بسنده عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند ٥ : ١٣٤ (حلبي).

٤١٤

قال : لم يكن له شبه ولا عدل. وليس كمثله شيء (١).

وأخبرنا أبو عبد الله ، نا أبو العباس ، نا محمد بن إسحاق ، نا شريح بن يونس ، نا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر ، قال : جاء إعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : انسب لنا ربك. فأنزل الله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٢).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو عبد الله ، محمد بن يعقوب ، نا حسن ابن سفيان ، نا حرملة ، أنا عبد الله بن وهب ، قال : وأنا محمد بن يعقوب ، نا أحمد بن سهل بن بحر ، نا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، نا عمي ، نا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال أن أبا الرجال ، محمد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن ـ وكانت في حجر عائشة ـ عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث رجلا على سرية ، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقول هو الله أحد. فلما رجعوا ، ذكروا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : سلوه لأي شيء يصنع هذا؟ فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اخبروه أن الله (عزوجل) يحبه.

رواه مسلم في الصحيح ، عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب. وأخرجه البخاري ، عن محمد ، عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب (٣).

أخبرنا زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، نا عثمان بن سعيد ، نا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله (عزوجل) : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (٤) ،

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند مختصرا ٥ : ١٣٤ حديث أبي العالية الرياحي عن أبي بن كعب رضي الله عنه حدثنا أبو سعيد محمد بن ميسر الصاغاني حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي : وذكره.

(٢) سورة الإخلاص كاملة.

(٣) الحديث أخرجه الإمام مسلم في صلاة المسافرين ٢٦٣ (٨١٣) بسنده عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد ٥١ والنسائي في الافتتاح ٦٩.

(٤) سورة النحل آية ٦٠.

٤١٥

قال : يقول : ليس كمثله شيء. وفي قوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (١).

يقول : هل تعلم للرب مثلا أو شبها.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ـ هو الأصم ـ نا محمد بن إسحاق ، نا الحسن بن موسى ، نا أبو هلال ، محمد بن سليم ، نا رجل أن ابن رواحة البصري سأل الحسن فقال : يا أبا سعيد هل تصف لنا ربك؟ قال : نعم ، أصفه بغير مثال.

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، نا عثمان بن سعيد ، نا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢).

يعني به الشمس ، والقمر ، والنجوم ، لما رأى كوكبا ، قال : هذا ربي ، حتى غاب. فلما غاب ، قال : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٣) (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً ، قالَ : هذا رَبِّي) (٤).

حتى غاب ، فلما غاب ، قال : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (٥).

(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) (٦).

حتى غاب (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٧).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن الحسن ، نا آدم ، نا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الملكوت الآيات.

__________________

(١) سورة مريم آية ٦٥.

(٢) سورة الأنعام آية ٧٥.

(٣) سورة الأنعام آية ٧٦.

(٤) سورة الأنعام آية ٧٧.

(٥) سورة الأنعام آية ٧٧.

(٦) سورة الأنعام آية ٧٨.

(٧) سورة الأنعام آية ٧٨.

٤١٦

قال أبو سليمان الخطابي (رحمه‌الله) : كل وقت وزمان أو حال ومقام حكم الامتحان فيها قائم ، فللاجتهاد والاستدلال فيها مدخل. وقد قال إبراهيم عليه‌السلام حين رأى الكوكب : هذا ربي. ثم تبين فساد هذا القول لما رأى القمر أكبر جرما وأبهر نورا. فلما رأى الشمس وهي أعلا في منظر العين وأجلاها للبصر ، وأكثرها ضياء وشعاعا ، قال : هذا ربي ، هذا أكبر. فلما رأى أفولها وزوالها ، وتبين له كونها محل الحوادث والتغيرات ، تبرأ منها كلها ، وانقطع عنها إلى رب هو خالقها ومنشئها ، ولا تعترضه الآفات ، ولا تحله الأعراض والتغيرات.

٤١٧

باب

قول الله (عزوجل): (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (١).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، نا إبراهيم بن الحسين ، نا آدم بن أبي إياس ، نا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) ، قال : أمر محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسأل قريشا أي شيء أكبر شهادة؟ ثم أمره أن يخبرهم فيقول : (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (٢).

أخبرنا أبو الحسن ، علي بن أحمد بن عبدان ، نا أحمد بن عبيد الصفار ، نا إبراهيم بن إسحاق السراج ، نا يحيى بن يحيى ، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، نا إسرائيل عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن أشعر بيت تكلمت به العرب كلمة لبيد :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

رواه مسلم في الصحيح ، عن يحيى بن يحيى ، وأخرجاه من حديث الثوري وشعبة ، عن عبد الملك بن عمير (٣).

__________________

(١) سورة الأنعام آية ١٩.

(٢) سورة الأنعام آية ١٩.

(٣) الحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب ٣٧٥٧ عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه البخاري في كتاب المناقب ٢٦ والأدب ٩٠ وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الشعر ٢ (٢٢٥٦) عن شريك قال ابن حجر أخبرنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

٤١٨

باب

ما ذكر في الذات

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو عبد الله ، محمد بن يعقوب ، نا محمد ابن إسماعيل بن مهران ، نا أبو الطاهر ، أنا ابن وهب ، حدثني جرير بن حازم ، عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لم يكذب إبراهيم قط إلا ثلاث كذبات ، ثنتين في ذات الله ، قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) (١) ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (٢) ، وواحدة في شأن سارة : إنك أختي ...

وذكر الحديث. رواه البخاري في الصحيح ، عن سعيد بن تليد ، عن ابن وهب ، ورواه مسلم عن أبي الطاهر (٣).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو محمد ، عبد الله بن محمد بن زياد ، نا محمد بن عمروية ، نا محمد بن يحيى ، نا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عمرو بن أبي سفيان ، أن أبا هريرة قال : بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) عشرة منهم خبيب الأنصاري ، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن ابنة

__________________

(١) سورة الصافات آية ٨٩.

(٢) سورة الأنبياء آية ٦٣.

(٣) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء ٣٣٥٧ عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. وفي كتاب النكاح ١٢ وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الفضائل ١٥٤ ، وأبو داود في كتاب الطلاق ١٦ والتفسير سورة ٢١ ـ ٢ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٤٠٣ (حلبي).

٤١٩

الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا ـ تعني لقتله ـ استعار منها موسى يستحد بها. فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه ، قال خبيب :

ولست أبالي حين أقتل مسلما

على أي شق كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع

فقتله ابن الحارث ، فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا.

رواه البخاري في الصحيح (١) ، عن أبي اليمان ، وكذلك قاله معمر عن الزهري مدرجا في الإسناد الأول ، وذلك في ذات الإله.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس ـ هو الأصم ـ نا محمد بن إسحاق ، أنا عاصم بن علي ، نا أبي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله.

أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد ابن منصور ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي الدرداء ، قال : لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ، ثم تقبل على نفسك فتكون لها أشد مقتا منك للناس.

__________________

(١) رواية الإمام البخاري في كتاب التوحيد ١٤ باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله تعالى ٧٤٠٢ عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي حليف لبني زهرة ، وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة قال : وذكره.

٤٢٠