الأسماء والصفات

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

الأسماء والصفات

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (١).

وقوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (٢).

والمراد بجميع ذلك أولياؤه. وقوله : «لوجدتني عنده» ، أي وجدت رحمتي وثوابي عنده. ومثله قوله (عزوجل) : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) (٣).

أي وجد حسابه وعقابه.

__________________

(١) سورة الأحزاب آية ٥٧.

(٢) سورة محمد آية ٧.

(٣) سورة النور آية ٣٩.

٣٤١

باب

قول الله (عزوجل): (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ* يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (١).

وقوله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ* هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ* لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ* سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٢).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، قالا : حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله تعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة. فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، والخير في يديك.

فيقول : هل رضيتم؟

فيقولون : ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك.

فيقول : ألا أعطكم أفضل من ذلك؟

قال : فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك؟

قال : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا. رواه

__________________

(١) سورة الزخرف الآيتان ٦٧ و ٦٨.

(٢) سورة يس الآيات ٥٥ ـ ٥٨.

٣٤٢

البخاري في الصحيح ، عن يحيى بن سليمان. ورواه مسلم عن هارون بن سعيد الأيلي ، جميعا عن ابن وهب (١).

أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أنا أبو طاهر ، عن محمدآبادي ، حدثنا العباس بن محمد الدوري ، حدثنا عبيد الله ـ هو ابن موسى ـ حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : آخر أهل الجنة دخولا الجنة ، وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا ، فيقول له ربه : ادخل الجنة. فيقول : أرى الجنة ملأى. فيقول له ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك يعيد : الجنة ملأى. فيقول : إن لك مثل الدنيا عشر مرات. رواه البخاري في الصحيح ، عن محمد بن خالد ، عن عبيد الله ، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن منصور (٢).

__________________

(١) رواية الإمام مسلم في كتاب الجنة ٢ باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدا ٩ (٢٨٢٩) حدثنا عبد الله بن وهب حدثني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. ورواية الإمام البخاري في كتاب الرقاق ٥١ وكتاب التوحيد ٣٨ وأخرجه الترمذي في كتاب الجنة ١٨.

(٢) سبق تخريج هذا الحديث.

٣٤٣

باب

قول الله (عزوجل): (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١).

وقال (جل وعلا) : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).

حدثنا أبو الحسن ، محمد بن الحسين بن داود العلوي ـ إملاء ـ أنا أبو نصر ، محمد بن حمدويه بن سهل المروزي ، حدثنا محمود بن آدم المروزي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أراه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : ثلاثة لا يكلمهم الله (تعالى) ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم ، رجل حلف على يمين على مال مسلم فاقتطعه. ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر أنه أعطى سلعته أكثر مما أعطى وهو كاذب. ورجل منع فضل ماء ، فإن الله (سبحانه) يقول : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك. رواه البخاري في الصحيح ، عن عبد الله بن محمد. ورواه مسلم ، عن عمرو الناقد ، كلاهما عن ابن عيينة (٣).

__________________

(١) سورة آل عمران آية ٧٧.

(٢) سورة البقرة آية ١٧٤.

(٣) رواية الإمام البخاري في كتاب التوحيد ٧٤٤٦ بسنده عن أبي صالح ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال وذكره. وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ١٧١ ـ ١٧٤ وأبو داود في كتاب البيوع ٦٠ واللباس ٢٥ والنسائي في كتاب البيوع ٥ ، ٦.

٣٤٤

أخبرنا أبو القاسم ، زيد بن أبي هاشم العلوي ـ بالكوفة ـ وأبو عبد الله الحافظ ، قالا : أنا أبو جعفر بن دحيم ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، أنا وكيع ، عن الأعمش ... ح.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد ابن عبد الجبار ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل بايع رجلا سلعة بعد العصر ، فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا. فصدقه ، فأخذها وهو على غير ذلك. ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا. فإن أعطاه منها ، وفي. وإن لم يعطه منها ، لم يف له. ورجل على فضل ماء بالفلاة ، فيمنعه من ابن السبيل. لفظ حديث أبي معاوية. رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع وأبي معاوية (١).

وأخبرنا أبو القاسم ، زيد بن أبي هاشم العلوي ، وأبو عبد الله الحافظ ، قالا : أنا أبو جعفر بن دحيم ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، أنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعابد مستكبر. رواه مسلم في الصحيح ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع (٢).

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا جعفر ابن محمد بن شاكر ، حدثنا عفان ، حدثنا شعبة ... ح.

وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري ، حدثنا جدي أبو محمد ، يحيى بن منصور القاضي ، حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ١٧٣ (١٠٨) عن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة. وهذا حديث أبي بكر. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وذكره.

(٢) رواية الإمام مسلم في كتاب الإيمان ١٧٢ (١٠٧) عن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

٣٤٥

جعفر ، حدثنا شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن أبي زرعة بن عمرو ، عن خرشة ابن الحر ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : ثلاثة لا يكلمهم الله (تعالى) يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. قال : فقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : خابوا وخسروا ، خابوا وخسروا ، خابوا وخسروا. قيل : من هم يا رسول الله؟ قال : المسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ، والمنان عطاءه. لفظ حديث محمد بن جعفر غندر. رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار وغيره (١). وأخرجه أيضا من حديث سليمان بن مسهر ، عن خرشة بن الحر. وجميع هذه الأخبار صحيحة. وهذه أقاويل متفرقة يجمع بعضهن إلى بعض. وليس في تنصيصه على الثلاثة نفي غيرهن. ويجوز أن يقول : ثلاثة لا يكلمهم. ثم يقول : وثلاثة آخرون لا يكلمهم. فلا يكون الثاني مخالفا للأول. وفي ذلك دلالة على أنه إذا لم يسمعهم كلامه عقوبة لهم يسمعه أهل رحمته كرامة لهم إذا شاء. وإنما لا يسمع كلامه أهل عقوبته بما يسمعه أهل رحمته. وقد يسمع كلامه في قول بعض أهل العلم أهل عقوبته بما يزيدهم حسرة وعقوبة. قال الله (عزوجل) : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٢). إلى سائر ما ورد في معنى هذه الآية في كتاب الله (عزوجل) : إلى أن يقولوا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) (٣) ، فيجيبهم الله (عزوجل) : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٤). فبعد ذلك لا يسمع كلامه. وذلك حين وجب عليهم الخلود. أعاذنا الله من ذلك بفضله ورحمته.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو الفضل ، الحسن بن يعقوب العدل ،

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام مسلم ـ في كتاب الإيمان ١٧١ (١٠٦) عن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ، وابن بشار قالوا : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن خرشة بن الحر عن أبي ذر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره.

(٢) سورة يس الآيتان ٦٠ ، ٦١.

(٣) سورة المؤمنون آية ١٠٧.

(٤) سورة المؤمنون آية ١٠٨.

٣٤٦

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، أنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال : إن أهل النار لينادون مالكا : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) (١).

قال : فيذرهم أربعين عاما لا يجيبهم ، ثم يجيبهم : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٢).

قال الحسن بن يعقوب في روايته : هانت دعوتهم والله على مالك ورب مالك. قالوا : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ* رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ* قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٣).

وفي رواية الأصم : ثم ينادون ربهم فينذرهم مثل الدنيا لا يجيبهم ، ثم يجيبهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ). قال : فما نبس القوم بكلمة ، ما كان إلا الزفير والشهيق.

قال قتادة : شبه أصواتهم بأصوات الحمير ، أوله زفير وآخره شهيق.

قال الشيخ : هذا موقوف. وظاهره أن الله (تعالى) يجيبهم بقوله : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ).

وظاهر الكتاب أيضا يدل على أن الله (تعالى) يجيبهم بذلك ، وإن كان يحتمل غير ذلك.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أحمد بن كامل القاضي ، أنا محمد بن سعد العوفي ، حدثني أبي ، حدثني عمي الحسين بن الحسن بن عطية بن

__________________

(١) سورة الزخرف آية ٧٧.

(٢) سورة الزخرف آية ٧٧.

(٣) سورة المؤمنون الآيات ١٠٦ ـ ١٠٨.

٣٤٧

سعد ، حدثني أبي ، عن جدي عطية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ، هذا قول الرحمن (عزوجل) حين انقطع كلامهم منه.

أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنا أبو منصور ، العباس ابن الفضل النضروي ، حدثنا أحمد بن نجدة ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب ، قال : لأهل النار خمس دعوات ، يجيبهم الله (عزوجل) في أربعة. فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا. يقولون :

(رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (١).

فيجيبهم الله (تعالى) :

(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) (٢).

ثم يقولون : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (٣).

فيجيبهم الله (تعالى) : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤).

ثم يقولون : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) (٥).

فيجيبهم الله (تعالى) : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) (٦).

__________________

(١) سورة غافر آية ١١.

(٢) سورة غافر آية ١٢.

(٣) سورة السجدة آية ١٢.

(٤) سورة السجدة آية ١٤.

(٥) سورة إبراهيم آية ٤٤.

(٦) سورة إبراهيم آية ٤٤.

٣٤٨

فيقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) (١).

فيجيبهم الله (تعالى) : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (٢).

ثم يقولون : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ* رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) (٣).

فيجيبهم الله (تعالى) : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٤).

فلا يتكلمون بعدها أبدا.

__________________

(١) سورة فاطر آية ٣٧.

(٢) سورة فاطر آية ٣٧.

(٣) سورة المؤمنون الآيتان ١٠٦ ، ١٠٧.

(٤) سورة المؤمنون آية ١٠٨.

٣٤٩

باب

قول الله (عزوجل): (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) (١).

فأخبر بأن الخلق صار مكونا مسخرا بأمره ، ثم فصل الأمر من الخلق فقال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢).

قال سفيان بن عيينة : بين الله (تعالى) الخلق من الأمر فقال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (٣).

وقال : (الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (٤).

فلم يجمع القرآن مع الإنسان في الخلق ، بل أوقع اسم الخلق على الإنسان ، والتعليم على القرآن. وقوله (جل وعلا) : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٥). فوكد القول بالتكرار ، ووكد المعنى بإنما. وأخبر أنه إذا أراد خلق شيء ، قال له : «كن». ولو كان قوله مخلوقا ، لتعلق بقول آخر ، وكذلك حكم ذلك القول حتى يتعلق بما لا يتناهى. وذلك يوجب استحالة وجود القول. وذلك محال. فوجب أن يكون القول أمرا أزليا

__________________

(١) سورة الأعراف آية ٥٤.

(٢) سورة الأعراف آية ٥٤.

(٣) سورة الأعراف آية ٥٤.

(٤) سورة الرحمن الآيات ١ ـ ٤.

(٥) سورة النحل آية ٤٠.

٣٥٠

متعلقا بالمكون فيما لا يزال. فلا يكون لا يزال إلا وهو كائن على مقتضى تعلق الأمر به. وهذا كما أن الأمر من جهة صاحب الشرع متعلق الآن بصلاة غد ، وغد غير موجود متعلق بمن لم يخلق من المكلفين إلى يوم القيامة ، وبعد لم يوجد بعضهم إلا أن تعلقه بها وبهم على الشرط الذي يصح فيما بعد. كذلك قوله في التكوين. والله أعلم.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو الفضل بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا جرير ، عن سهيل ، قال : كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ، ثم يقول : اللهم رب السموات ورب الأرض رب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت الأول ، فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر. وكان يروي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رواه مسلم في الصحيح (١) عن زهير بن حرب ، عن جرير رضي الله عنه. فهو ذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصل بين المخلوق وغير المخلوق ، فأضاف المخلوق إلى خالقه بلفظ يدل على الخلق. وأضاف التوراة والإنجيل والفرقان إلى الله تعالى بلفظ لا يدل على الخلق ، ولم يجمع بين المذكورين في الذكر. وبالله التوفيق.

أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أنا أبو حامد بن بلاد ، حدثنا أحمد بن حفص ، قال : حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن الأعمش ، عن موسى بن المسيب ، عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يقول الله (عزوجل) : ... فذكر الحديث إلى أن قال :

__________________

(١) رواية الإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ٦١ (٢٧١٣) بسنده عن سهيل قال : كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام وذكره.

وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ٣٤٠٠ بسنده عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرنا : وذكره. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٣٨١ حلبي.

٣٥١

«عطائي كلام وعذابي كلام. إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له : كن فيكون» (١).

وأما قوله (عزوجل) : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٢) فإنما أراد ـ والله أعلم ـ ما قضى الله (سبحانه وتعالى) في أمر زيد وامرأته وتزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها ، وجواز التزوج بحلائل الأدعياء ، وكان قضاء مقضيا ، وهو كقوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣).

والأمر في القرآن ينصرف وجهه إلى ثلاثة عشر وجها :

منها : الأمر بمعنى الدين فذلك قوله تعالى : (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) (٤).

يعني دين الله الإسلام ، وله نظائر.

ومنها : الأمر بمعنى القول. فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) (٥).

يعني قولنا. وقوله (عزوجل) : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) (٦).

يعني قولهم.

ومنها : الأمر بمعنى العذاب. فذلك قوله : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) (٧).

يعني : لما وجب العذاب بأهل النار. وله نظائر.

__________________

(١) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة ٢٤٩٥ بسنده عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول الله تعالى : وذكره. وقال الترمذي : هذا حديث حسن وأخرجه ابن ماجة في الزهد ٣١ وأحمد بن حنبل في المسند ٥ : ١٥٤ ، ١٧٧ (حلبي).

(٢) سورة النساء آية ٤٧.

(٣) سورة الأحزاب آية ٣٨.

(٤) سورة التوبة آية ٤٨.

(٥) سورة هود آية ٨٢.

(٦) سورة طه آية ٦٢.

(٧) سورة إبراهيم آية ٢٢.

٣٥٢

ومنها : الأمر يعني عيسى عليه‌السلام. فذلك قوله : (إِذا قَضى أَمْراً) (١).

يعني عيسى. وكان في علمه أن يكون من غير أب ، (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢).

ومنها : أمر الله تعالى يعني القتل ببدد. فذلك قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) (٣).

يعني القتل ببدد. وقوله تعالى : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) (٤).

يعني قتل كفار مكة.

ومنها : أمر يعني فتح مكة. وذلك قوله : (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (٥).

يعني فتح مكة.

ومنها : أمر يعني قتل قريظة وجلاء النضير ، فذلك قوله تعالى : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (٦).

ومنها : أمر يعني القيامة ، فذلك قوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (٧).

يعني القيامة.

ومنها : الأمر يعني القضاء فذلك قوله تعالى في الرعد : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (٨).

__________________

(١) سورة آل عمران آية ٤٧.

(٢) سورة آل عمران آية ٤٧.

(٣) سورة غافر آية ٧٨.

(٤) سورة الأنفال آية ٤٢.

(٥) سورة التوبة آية ٢٤.

(٦) سورة البقرة آية ١٠٩.

(٧) سورة النحل آية ١.

(٨) سورة الرعد آية ٢.

٣٥٣

يعني القضاء. وله نظائر.

ومنها : الأمر يعني الوحي. فذلك قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) (١).

يقول : يتنزل الأمر بينهن ، يعني الوحي.

ومنها : الأمر يعني أمر الخلق. فذلك قوله : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٢).

يعني أمور الخلائق.

ومنها : الأمر يعني النصر. فذلك قوله : (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) (٣).

يعنون النصر. (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (٤).

يعني النصر.

ومنها : الأمر يعني الذنب. فذلك قوله تعالى : (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) (٥).

يعني جزاء ذنبها. وله نظائر.

أخبرنا بمعنى ذلك أبو الحسن بن أبي علي السقا ، أنا أبو يحيى ، عثمان ابن محمد بن مسعود ، أخبرني إسحاق بن إبراهيم الجلاب ، حدثنا محمد بن هانئ ، حدثنا الحسين بن ميمون ، حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ... فذكره. ففي كل موضع يستدل بسياق الكلام على معنى الأمر فقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (٦).

__________________

(١) سورة السجدة آية ٥.

(٢) سورة الشورى آية ٥٣.

(٣) سورة آل عمران آية ١٥٤.

(٤) سورة آل عمران آية ١٥٤.

(٥) سورة الطلاق آية ٩.

(٦) سورة الأعراف آية ٥٤.

٣٥٤

يدل على أن الأمر غير الخلق ، حيث فصل بينهما ، فإنما أراد به كلاما يخلق به الخلق ، أو إرادة يقضي بها بينهم ويدبر أمرهم. والله أعلم.

قال القتيبي : هذا كله وإن اختلف فأصله واحد ، ويكنى عن كل شيء بالأمر لأن كل شيء يكون فإنما يكون بأمر الله (عزوجل) ، فسميت الأشياء أمورا لأن الأمر سببها. يقول الله (عزوجل) : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (١).

__________________

(١) سورة الشورى آية ٥٣.

٣٥٥

باب

قول الله (عزوجل): (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (١)

. وهذا كله وإن كان نزوله على سبب خاص ، فظاهره يدل على أن أمره قبل كل شيء سواه. ويبقى بعد كل شيء سواه. وما هذا صفته لا يكون إلا قديما.

وقوله تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) (٢).

وقوله (عزوجل) : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) (٣).

وقوله (جل وعلا) : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (٤). والسبق على الإطلاق يقتضي سبق كل شيء سواه.

وقوله تعالى : (حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٥).

يعني ـ والله أعلم ـ أنا سميناه ـ يريد كلامه ـ قرآنا عربيا ، وأفهمناكموه بلغة العرب لعلكم تعقلون ، وهو كقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٦). أي سموهم. وقوله : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) (٧).

__________________

(١) سورة الروم آية رقم ٤.

(٢) سورة هود آية ١١٠ ، سورة يونس آية ١٩. وسورة طه آية ١٢٩. وسورة فصلت آية ٤٥. وسورة الشورى آية ١٤.

(٣) سورة الأنفال آية ٦٨.

(٤) سورة الصافات الآيات ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٣.

(٥) سورة الزخرف آية ١ ، ٢ ، ٣.

(٦) سورة الزخرف آية ١٩.

(٧) سورة الرعد آية ١٦.

٣٥٦

أي سموا له شركاء. ثم إن الله تعالى نفى عن كلامه الحدث بقوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (١).

فأخبر أنه كان موجودا مكتوبا قبل الحاجة إليه في أم الكتاب. وقوله (عزوجل) : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢).

فأخبر أن القرآن كان في اللوح المحفوظ ، يريد مكتوبا فيه. وذلك قبل الحاجة إليه. وفيه ما فيه من الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، والخبر والاستخبار. وإذا ثبت أنه كان موجودا قبل الحاجة إليه ، ثبت أنه لم يزل كان. وقوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٣).

يريد به ذكر القرآن لهم ، وتلاوته عليهم ، وعلمهم به ، فكل ذلك محدث ، والمذكور المتلو المعلوم غير محدث ، كما أن ذكر العبد لله (عزوجل) محدث ، والمذكور غير محدث ، وقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (٤).

يريد به ـ والله أعلم ـ أنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه ، وأنزلناه بما سمع ، فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل وقوله (تبارك وتعالى) : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٥).

يريد به حفظ رسومه وتلاوته. وقوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) (٦) ، والحديد جسم لا يستحيل عليه الإنزال. ويجوز أن يكون ابتداء خلقه وقع في علو ، ثم نقل إلى سفل. فأما الإنزال بمعنى الخلق فغير معقول. وأما النسخ ، والإنشاء والنسيان ، والإذهاب ، والترك ، والتبعيض فكل ذلك راجع إلى التلاوة ، أو الحكم المأمور به. وبالله التوفيق.

__________________

(١) سورة الزخرف آية ٤.

(٢) سورة البروج الآيتان ٢١ ، ٢٢.

(٣) سورة الأنبياء آية ٢.

(٤) سورة القدر آية ١.

(٥) سورة الحجر آية ٩.

(٦) سورة الحديد آية ٢٥.

٣٥٧

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) (١).

يقول : ما نبدل من آية أو نتركها ، أي لا نبدلها (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها).

يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن الحسين القاضي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن عبيد بن عمير الليثي في قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) ، يقول : أو نتركها نرفعها من عندهم ، فنأتي بمثلها ، أو بخير منها ، وعن ابن أبي نجيح ، عن أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) ، أي نثبت خطها ، ونبدل حكمها ، (أَوْ نُنْسِها) أي نرجئها عندنا ، (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).

قلت : وفي هذا بيان لما قلنا. والمخايرة لا تقع في عين الكلام ، وإنما هي في الرفق والمنفعة ، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما. وكذلك المفاضلة إنما تقع في القراءة على ما جاء من وعد الثواب والأجر في قراءة السورة والآيات. والله أعلم.

أخبرنا أبو الحسن ، علي بن محمد بن علي الأسفراييني بن السقا ، أنا أبو يحيى ، عثمان بن محمد بن مسعود ، أخبرني إسحاق بن إبراهيم الجلاب ، حدثنا محمد بن هانئ ، حدثنا الحسين بن ميمون ، حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : تفسير (تَجْعَلُوا) على وجهين :

فوجه منهما : (تَجْعَلُوا لِلَّهِ) يعني وصفوا الله. فذلك قوله (عزوجل) في

__________________

(١) سورة البقرة آية ١٠٦.

٣٥٨

سورة الأنعام : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) (١) ، يعني وصفوا لله شركاء ، وكقوله في الزخرف : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) (٢) ، يعني وصفوا له ، وكقوله في سورة النحل : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) (٣) ، يعني ويصفون لله البنات ، وكقوله في الزخرف : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٤) ، يعني : وصفوا الملائكة إناثا ، فزعموا أنهم بنات الرحمن (تبارك وتعالى).

والوجه الثاني : (وَجَعَلُوا) يعني قد فعلوا بالفعل. فذلك قوله (عزوجل) في الأنعام : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) (٥) ، يعني قد فعلوا ذلك. وقوله في سورة يونس : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) (٦) ، يعني الحرث والأنعام. (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) (٧).

وقوله : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) (٨) ، يعني خلق. قلت : وأما قوله (عزوجل) : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٩).

وقوله : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (١٠).

فقد قال في آية أخرى : (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (١١) فأثبت أن القرآن كلامه ، ولا يجوز أن يكون كلامه وكلام جبريل عليه‌السلام ، فثبت أن معنى قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٢) ، أي تلقاه عن رسول كريم ، أو

__________________

(١) سورة الأنعام آية ١٠٠.

(٢) سورة الزخرف آية ١٥.

(٣) سورة النحل آية ٥٧.

(٤) سورة الزخرف آية ١٩.

(٥) سورة الأنعام آية ١٣٦.

(٦) سورة يونس آية ٥٩.

(٧) سورة يونس آية ٥٩.

(٨) سورة الزمر آية ٦.

(٩) سورة الحاقة الآيات ٤٠ ـ ٤٢.

(١٠) سورة التكوير آية ٢٠.

(١١) سورة التوبة آية ٦.

(١٢) سورة التكوير آية ١٩.

٣٥٩

قول سمعه من رسول كريم ، أو نزل به عليه رسول كريم.

أخبرنا أبو عمرو ، محمد بن عبد الله الأديب ، أنا أبو بكر الإسماعيلي ، حدثنا القاسم ـ يعني ابن زكريا ـ حدثنا أبو كريب ، ويعقوب والمخزومي ، قالوا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا : قد بشرتنا فأعطنا. فقال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن ، قالوا. قد بشرتنا ، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان الله قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء» (١). وأتاني آت فقال : يا عمران ، انحلت ناقتك من عقالها. فقمت ، فإذا السراب منقطع بيني وبينها ، فلا أدري ما كان بعد ذاك. أخرجه البخاري في الصحيح من وجه آخر عن الأعمش ، وزاد فيه : «ثم خلق السموات والأرض». ولعله سقط من كتابي «والقرآن مما كتب في الذكر» لقوله : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢).

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس. محمد بن يعقوب حدثنا محمد ابن إسحاق الصاغاني ، حدثنا غسان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنا الأشعث ابن عبد الرحمن ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله (تبارك وتعالى) كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام ، وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا تقرءان في دار فيقر بها شيطان ثلاث ليال.

أخبرنا أبو سهل ، أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني ، وأبو النصر بن قتادة ، قالا : أنا محمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي ، حدثنا الحسن بن علي بن

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب بدء الخلق ٣١٩١ بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال : وذكره. وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير سورة ٥ : ٣ ، ١١ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٣١٣ ، ٥٠١ ، ٤ : ٤٣١ (حلبي).

(٢) سورة البروج الآيتان ٢١ و ٢٢.

٣٦٠