الأسماء والصفات

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي

الأسماء والصفات

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن عميرة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

سكت عنها ، لتبخص لها رجال ، فقالوا : ما الصمد؟ فأخبرهم أن الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.

وروينا عن عكرمة في تفسير الصمد قريبا من هذا.

وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ، حدثنا محمد ، حدثنا عثمان ابن عثمان ، أنا شعبة ، عن أبي رجاء ، أن الحسن قال : الصمد الذي لا يخرج منه شيء.

وأخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنا أبو منصور النضروي ، حدثنا أحمد بن نجدة ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، أنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : أخبرت أنه الذي لا يأكل ولا يشرب.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، ومحمد بن موسى ، قالا : حدثنا أبو العباس : هو الأصم. حدثنا الصغاني ، حدثنا أبو سليمان الأشعث ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : الصمد : الباقي بعد خلقه.

وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه : الصمد : السيد الذي يصمد إليه في الأمور ، ويقصد إليه في الحوائج والنوازل. وأصل الصمد : القصد. يقال للرجل : اصمد صمد فلان : أي اقصد قصده. وأصح ما قيل فيه ما يشهد له معنى الاشتقاق.

ومنها : (الحميد): قال الله (جل ثناؤه) : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (١). ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : هو المستحق لأن يحمد ، لأنه (جل ثناؤه) بدأ فأوجد ، ثم جمع بين النعمتين الجليلتين : الحياة ، والعقل. ووالى بعد منحه ، وتابع آلاءه ومننه ، حتى فاتت العد ، وإن استفرغ فيها الجهد ، فمن ذا الذي يستحق الحمد سواه ، بل له الحمد كله ، لا لغيره ، كما أن المن منه لا من غيره.

قال الخطابي : هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله. وهو فعيل بمعنى

__________________

(١) سورة لقمان آية ٢٦.

١٠١

مفعول. وهو الذي يحمد في السراء والضراء ، وفي الشدة والرخاء ، لأنه حكيم ، لا يجري في أفعاله الغلط ، ولا يعترضه الخطأ ، فهو محمود على كل حال.

ومنها : (القاضي : قال الله (عزوجل) : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) (١).

أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، حدثنا أبو الحسن ، محمد بن الحسن بن الحسين ابن منصور التاجر ، أنا أبو بكر ، محمد بن يحيى بن سليمان ، حدثنا عاصم بن علي بن عاصم ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن داود بن علي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : بعثني العباس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتيته ممسيا ، وهو في بيت خالتي ميمونة ، قال : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي من الليل. فلما صلى الركعتين قبل الفجر ، قال :

«اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ، وتجمع بها شملي ، وتلم بها شعثي (٢) ، وترد بها ألفتي (٣) ، وتصلح بها ديني ، وتحفظ بها غائبي ، وترفع بها شاهدي ، وتزكي بها عملي ، وتبيض بها وجهي ، وتلهمني بها رشدي ، وتعصمني بها من كل سوء. اللهم اعطني إيمانا صادقا ، ويقينا ليس بعده كفر ، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ونزل الشهداء ، وعيش السعداء ، ومرافقة الأنبياء ، والنصر على الأعداء. اللهم إني أنزل بك حاجتي. وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى رحمتك ، فأسألك يا قاضي الأمور ، ويا شافي الصدور ، كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ، ومن دعوة الثبور ، ومن فتنة القبور. اللهم ما قصر عنه رأيي ، وضعف عنه عملي ، ولن تبلغه نيتي «أو أمنيتي» ـ شك عاصم ـ من خير وعدته أحدا من عبادك ، أو خير أنت معطيه أحدا من خلقك ، فإني أرغب إليه فيه وأسألك يا رب العالمين. اللهم اجعلنا هادين

__________________

(١) سورة غافر آية ٢٠.

(٢) شعثي : أي ما تفرق من أمري.

(٣) ألفتي ؛ أي ما آلفه.

١٠٢

مهديين غير ضالين ولا مضلين ، حربا لأعدائك ، سلما لأوليائك ، نحب بحبك الناس ، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك. اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة. وهذا الجهد وعليك التكلان. ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم ذا الحبل الشديد ، والأمر الرشيد ، أسألك الأمن يوم الوعيد ، والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود ، والركع السجود الموفين بالعهود ، إنك رحيم ودود. وأنت تفعل ما تريد. سبحان الذي يعطف بالعز وقال به ، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به ، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له. سبحان ذي الفضل والنعم ، سبحان ذي القدرة والكرم. سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه. اللهم اجعل لي نورا في قلبي ، ونورا في قبري ، ونورا في سمعي ، ونورا في بصري ، ونورا في شعري ونورا في بشري. ونورا في لحمي ، ونورا في دمي ، ونورا في عظامي ، ونورا من بين يدي ، ونورا من خلفي ، ونورا عن يميني ، ونورا عن شمالي ، ونورا من فوقي ، ونورا من تحتي.

اللهم زدني نورا ، وأعطني نورا ، واجعل لي نورا» (١). هذا الحديث يشتمل على عدد أسماء الله تعالى وصفات له منها القاضي.

قال الحليمي : ومعناه الملزم حكمه. وبيان ذلك أن الحاكم من العباد لا يقول إلا ما يقوله المفتي ، غير أن الفتيا لما كانت لا تلزم لزوم الحكم ، والحكم يلزم ، سمي الحاكم قاضيا ، ولم يسم المفتي قاضيا. فعلمنا أن القاضي هو الملزم ، وحكم الله (تعالى جده) كله لازم. فهو إذا قاض وحكمه قضاء.

ومنها : (القاهر): قال الله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (٢).

قال الحليمي : ومعناه : أنه يدبر خلقه بما يريد ، فيقع في ذلك ما يشق

__________________

(١) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعاء ٣٤١٩ بسنده عن داود بن علي ـ هو ابن عبد الله ابن عباس ـ عن أبيه عن جده ابن عباس ـ قال سمعت نبي الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ليلة حين فرغ من صلاته : وذكره.

وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ليلى من هذا الوجه.

وأخرجه الإمام مسلم ١٨١ ، ١٨٧ وأبو داود في التطوع ٢٦ وأحمد بن حنبل في المسند ١ : ٢٨٤ ، ٣٤٣ ، ٣٥٢ ، ٣٧٣ (حلبي).

(٢) سورة الأنعام آية ١٨.

١٠٣

ويثقل ، ويغم ويحزن ، ويكون منه سلب الحياة أو بعض الجوارح ، فلا يستطيع أحد رد تدبيره والخروج من تقديره.

ومنها : (القهار): قال الله (عزوجل) : (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١). ورويناه في خبر الأسامي. وفي حديث عائشة رضي الله عنها.

قال الحليمي : الذي يقهر ولا يقهر بحال (٢).

قال الخطابي : هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة ، وقهر الخلق كلهم بالموت (٣).

ومنها : (الفتاح): قال الله (عزوجل) : (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (٤).

ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : وهو الحاكم. أي يفتح ما انغلق بين عباده ، ويميز الحق من الباطل ، ويعلي المحق ، ويخزي المبطل. وقد يكون ذلك منه في الدنيا والآخرة.

قال الخطابي : ويكون معنى الفتاح أيضا : الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم ، ويفتح قلوبهم ، وعيون بصائرهم ليبصروا الحق ، ويكون الفاتح أيضا بمعنى الناصر ، كقوله (سبحانه وتعالى) : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) (٥).

قال أهل التفسير : معناه : إن تستنصروا ، فقد جاءكم النصر.

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان ابن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن

__________________

(١) سورة الرعد آية ١٦.

(٢) قال تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) سورة ابراهيم آية ٤٨.

(٣) قال تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) سورة غافر آية ١٦.

(٤) سورة سبأ آية ٢٦.

(٥) سورة الأنفال آية ١٩.

١٠٤

طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (تبارك وتعالى) (الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) يقول : القاضي (١).

أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أنا أبو بكر القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنا مسعر ، عن قتادة ، عمن أخبره ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ما كنت أدري ما قوله : «افتح بيننا» حتى سمعت بنت ذي يزن ، أو ابنة ذي يزن تقول : تعال أفاتحك : أقاضيك (٢).

ومنها : (الكاشف): قال الحليمي : ولا يدعى بهذا الاسم إلا مضافا إلى شيء ، فيقال : يا كاشف الضر ، أو كاشف الكرب. ومعناه : الفارج والمجلي. يكشف الكرب ، ويجلي القلب ، ويفرج الهم ، ويزيح الضر والغم.

قلت : قال الله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) (٣).

وروي في حديث دعاء المديون : «اللهم فارج الهم ، كاشف الغم» (٤).

ومنها : (اللطيف): قال الله تعالى : (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٥). ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : وهو الذي يريد بعباده الخير واليسر. ويفيض لهم أسباب الصلاح والبر.

__________________

(١) قال تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) سورة الأعراف آية رقم. ٨٩.

(٢) الأثر اخرجه الطبري في التفسير ١٤٨٦٧ حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال حدثنا مسعر عن قتادة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : وذكره. والآية سورة الاعراف آية ٨٩.

(٣) سورة الأنعام آية ١٧.

(٤) لعله من الآثار التي تفرد بها صاحب الأسماء والصفات والله أعلم.

(٥) سورة الملك آية ١٤.

١٠٥

قلت : أراد عباده المؤمنين خاصة عند من لا يرى ما يعطيه الله (عزوجل) الكفار في الدنيا نعمة. وأراد المؤمنين خاصة في أسباب الدين ، وأراد المؤمنين والكافرين عامة في أسباب الدنيا عند من يراها نعمة في الجملة.

وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه : اللطيف هو البر بعباده ، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، كقوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) (١).

قال : وحكى أبو عمر عن أبي العباس ، عن ابن الأعرابي أنه قال : اللطيف الذي يوصل إليك إربك في رفق. ومن هذا قولهم : لطف الله بك. أي أوصل إليك ما تحب في رفق. قال : ويقال : هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية.

ومنها : (المؤمن): قال الله (عزوجل) : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ) (٢). ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : ومعناه : المصدق ، لأنه إذا وعد صدق وعده. ويحتمل المؤمن عباده بما عرفهم من عدله ورحمته من أن يظلمهم ويجور عليهم.

قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه : أصل الإيمان في اللغة التصديق. فالمؤمن المصدق. ويحتمل ذلك وجوها : أحدها : أنه يصدق عباده وعده ، ويفي بما ضمنه لهم من رزق في الدنيا ، وثواب على أعمالهم الحسنة في الآخرة. والآخر : أنه يصدق ظنون عباده المؤمنين ، ولا يخيب آمالهم ، كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يحكيه عن ربه (عزوجل) : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء (٣).

__________________

(١) سورة الشورى آية ١٩.

(٢) سورة الحشر آية ٢٣.

(٣) هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ٧٤٠٥ حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش سمعت أبا صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

وأخرجه الإمام مسلم في الذكر بسنده عن أبي هريرة والترمذي في الزهد بسنده عن أبي هريرة. وقال : هذا حديث حسن صحيح وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأدب ٥٨ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٢٥١ ، ٣١٥ ، ٣٩١ (حلبي).

١٠٦

وقيل : بل المؤمن : الموحد نفسه ، لقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) (١).

وقيل : بل المؤمن : الذي آمن عباده المؤمنين من عذابه في القيامة.

وقيل : هو الذي آمن خلقه من ظلمه.

وقد دخل أكثر هذه الوجوه في ما قاله الحليمي إلا أن هذا أبين.

ومنها : (المهيمن): قال الله (عزوجل) : (الْمُهَيْمِنُ) (٢). ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : ومعناه لا ينقص المطيعين يوم الحساب من طاعتهم شيئا فلا يثيبهم عليه ، لأن الثواب لا يعجزه ، ولا هو مستكره عليه ، فيضطر إلى كتمان بعض الأعمال أو جحدها. وليس ببخيل فيحمله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها ، ولا يلحقه نقص بما يثيب ، فيحبس بعضه ، لأنه ليس منتفعا بملكه حتى إذا نفع غيره به ، زال انتفاعه بنفسه ، وكما لا ينقص المطيع من حسناته شيئا لا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئا فيزيدهم عقابا على ما استحقوه ، لأن واحدا من الكذب والظلم غير جائز عليه. وقد سمى عقوبة أهل النار جزاء ، فما لم يقابل منها ذنبا ، لم يكن جزاء ، ولم يكن وفاقا ، فدل ذلك على أنه لا يفعله.

قلت : وهذا الذي ذكره شرح قول أهل التفسير في المهيمن إنه الأمين (٣).

قال أبو سليمان : وأصله مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة. وهو على وزن مسيطر ومبيطر.

__________________

(١) سورة آل عمران آية ١٨.

(٢) سورة الحشر آية ٢٣.

(٣) قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) سورة المائدة آية ٤٨.

١٠٧

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس ، محمد بن يعقوب ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر ، عن سفيان ، عن ابن إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) ، قال : مؤتمنا عليه.

وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، حدثنا أبو الحسن الطرائفي ، نا عثمان ابن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (عزوجل) : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (١).

قال : المهيمن : الأمين. قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن الحسن ، حدثنا إبراهيم بن الحسين ، حدثنا آدم ، حدثنا ورقاء ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى : (مُهَيْمِناً عَلَيْهِ) ، قال : بمعنى مؤتمنا على الكتب ، وبإسناده عن مجاهد ، قال : المهيمن : الشاهد على ما قبله من الكتب.

قال أبو سليمان : فالله (عزوجل) المهيمن. أي الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول وفعل ، كقوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (٢).

قال : وقيل : المهيمن : الرقيب على الشيء والحافظ له.

قال : وقال بعض أهل اللغة : الهيمنة القيام على الشيء والرعاية له ، وأنشد :

ألا إن خير الناس بعد نبيه

مهيمنة التأليه في العرف والنكر

يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم.

__________________

(١) سورة المائدة آية ٤٨.

(٢) سورة يونس آية ٦١.

١٠٨

ومنها : (الباسط القابض): قال الله (عزوجل) : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (١).

وقال الله (تبارك وتعالى) : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) (٢). ورويناهما في خبر الأسامي.

قال الحليمي في معنى الباسط : إنه الناشر فضله على عباده ، يرزق ويوسع ، ويجود ، ويفضل ، ويمكن ، ويخول ، ويعطي أكثر مما يحتاج إليه.

وقال في معنى القابض : يطوي بره ومعروفه عمن يريد ويضيق ويقتر أو يحرم فيفقر.

قال أبو سليمان : وقيل : القابض ، وهو الذي يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على العباد.

قالا : ولا ينبغي أن يدعى ربنا (جل جلاله) باسم القابض حتى يقال معه الباسط.

أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد هو ابن سلمة ، عن قتادة وثابت وحميد ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : غلى السعر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، قد غلى السعر فسعر لنا. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله تعالى هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر. إني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال (٣).

ومنها : (الجواد): قال الحليمي : ومعناه : الكثير العطايا. حدثنا أبو

__________________

(١) سورة الرعد آية ٢٦.

(٢) سورة البقرة آية ٢٤٥.

(٣) الحديث أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات ٢٢٠٠ عن قتادة وحميد وثابت عن أنس بن مالك قال : وذكره. وأخرجه الترمذي في كتاب البيوع ٧٣ وأبو داود في كتاب البيوع ٤٩ والدارمي في البيوع ١٣ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٣٣٧ ، ٣٧٢ (حلبي).

١٠٩

الحسن العلوي ، أنا أبو حامد ، هو ابن الشرقي ، حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثني أبي ، حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن الأعمش ، عن موسى ابن المسيب ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي ذر رضي الله عنه. عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يقول الله (عزوجل) : ... فذكر الحديث. قال فيه : ولو أن أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منهم فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كمغرز إبرة لو غمسها أحدكم في البحر. وذلك أني جواد ، ماجد ، واجد. عطائي كلام. وعذابي كلام. إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون (١).

ومنها : (المنان): قال الحليمي : وهو العظيم المواهب. فإنه أعطى الحياة والعقل والمنطق ، وصور فأحسن الصور ، وأنعم فأجزل وأسنى النعم ، وأكثر العطايا والمنح.

قال : وقوله الحق : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢).

قال أبو سليمان : ولمن العطاء لمن لا يستتيبه.

قلت : وقد رويناه في رواية عبد العزيز بن الحصين ، وفي حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه.

ومنها : (المقيت): قال الله (عزوجل) : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (٣). وهو في خبر الأسامي.

قال الحليمي : وعندنا أنه الممد ، وأصله من القوت الذي هو مدد البنية. ومعناه أنه دبر الحيوانات بأن جبلها على أن يحلل منها على ممر الأوقات شيئا بعد شيء ، ويعوض مما يتحلل غيره ، فهو يمدها في كل وقت بما جعله

__________________

(١) الحديث أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد ٤٢٥٧ بسنده عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن غنيم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الله تبارك وتعالى يقول : وذكره. وأخرجه الترمذي في كتاب القيامة ٤٨ وأحمد بن حنبل في المسند ٥ : ١٥٤ ، ١٧٧ (حلبي).

(٢) سورة ابراهيم آية ٣٤.

(٣) سورة النساء آية ٨٥.

١١٠

قواما لها إلى أن يريد إبطال شيء منها ، فيحبس عنه ما جعله مادة لبقائه فيهلك.

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان ابن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (١).

يقول : حفيظا. وروي عن ابن عباس أنه قال : مقيتا يعني مقتدرا.

ومنها : (الرازق): قال الله (عزوجل) : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢).

وقال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) (٣).

قال الحليمي : ومعناه المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواما إلا به. والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم ، لئلا ينغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم ، ولا يفقدوها أصلا لفقدهم إياه.

ومنها : (الرزاق): قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (٤). ورويناه في خبر الأسامي.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني ، حدثنا أحمد بن مهران الأصبهاني ، حدثنا عبد الله بن موسى ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني أنا الرزاق ذو القوة المتين.

قال الحليمي : وهو الرزاق رزقا بعد رزق ، والمكثر الموسع له.

__________________

(١) سورة النساء آية ٨٥.

(٢) سورة البقرة آية ٢١٢.

(٣) سورة العنكبوت آية ٦٠.

(٤) سورة الذاريات آية ٥٨.

١١١

قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه : الرزاق هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها.

قال : وكل ما وصل منه إليه من مباح وغير مباح ، فهو رزق الله ، على معنى أنه قد جعله له قوتا ومعاشا. قال الله (عزوجل) : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ* رِزْقاً لِلْعِبادِ) (١).

وقال : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) (٢).

إلا أن الشيء إذا كان مأذونا له في تناوله ، فهو حلال حكما. وما كان منه غير مأذون له فيه ، فهو حرام حكما. وجميع ذلك رزق على ما بيناه.

ومنها : (الجبار): في قول من جعل ذلك من جبر الكسر. أي المصلح لأحوال عباده ، والجابر لها (٣) ، والمخرج لهم مما يسوؤهم إلى ما يسرهم. ومما يضرهم إلى ما ينفعهم.

ومنها : (الكفيل): قال الله (عزوجل) : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) (٤).

ورويناه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الرجل الذي أسلف ، قال : كفى بالله كفيلا. ورويناه في خبر عبد العزيز بن الحصين.

قال الحليمي : ومعناه المتقبل للكفايات ، وليس ذلك بعقد وكفالة ، ككفالة الواحد من الناس. وإنما هو على معنى أنه لما خلق المحتاج وألزمه

__________________

(١) سورة ق الآيتان ١٠ ـ ١١.

(٢) سورة الذاريات آية ٢٢.

(٣) أصل الجبر : إصلاح الشيء بضرب من القهر يقال جبرته فانجبر ومنه قول الشاعر : قد جبر الدين الإله فجبر.

والجبار في صفة الإنسان لا يقال إلا على طريق الذم كقوله تعالى (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) وقال (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) أما في وصفه تعالى نحو (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) فهو من قولهم جبرت الفقير لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه وقيل يجبر الناس أي يقهرهم والله أعلم.

(٤) سورة النحل آية ٩١.

١١٢

الحاجة ، وقدر له البقاء الذي لا يكون إلا مع إزالة العلة وإقامة الكفاية ، لم يخله من إيصال ما علق بقاؤه به إليه ، وإدراره في الأوقات والأحوال عليه. وقد فعل ذلك ربنا (جل ثناؤه) إذ ليس في وسع مرتزق أن يرزق نفسه. وإنما الله (جل ثناؤه) يرزق الجماعة من الناس والدواب والأجنة في بطون أمهاتها ، والطير التي تغدو خماصا وتروح بطانا ، والهوام والحشرات والسباع في الفلوات.

ومنها : (الغياث): قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خبر الاستسقاء : «اللهم أغثنا اللهم أغثنا» (١). ورويناه في خبر الأسامي المغيث بدل المقيت في إحدى الروايتين.

قال الحليمي : الغياث هو المغيث. وأكثر ما يقال : غياث المستغيثين. ومعناه المدرك عباده في الشدائد إذا دعوه ومريحهم ومخلصهم.

ومنها : (المجيب): قال الله (عزوجل) : (قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (٢). ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : وأكثر ما يدعى بهذا الاسم مع القريب ، فيقال : القريب المجيب ، أو يقال : مجيب الدعاء ، ومجيب دعوة المضطرين. ومعناه الذي ينيل سائله ما يريد ، لا يقدر على ذلك غيره.

ومنها : (الوالي): قال الله (عزوجل) : (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (٣).

ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : الولي هو الوالي. ومعناه مالك التدبير. ولهذا يقال للقيم على اليتيم : ولي اليتيم. وللأمير : الوالي.

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الاستسقاء ٧ باب الاستسقاء في خطبة الجمعة ١٠١٤ عن شريك عن أنس بن مالك أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو باب دار القضاء ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم يخطب ـ فاستقبل رسول الله قائما ثم قال : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه ثم قال وذكره. وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الاستسقاء ٨ والنسائي في الاستسقاء ١٠.

(٢) سورة هود آية ٦١.

(٣) سورة الشورى آية ٢٨.

١١٣

قال أبو سليمان : والولي أيضا الناصر ينصر عباده المؤمنين. قال الله (عزوجل) : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (١).

وقال (جل وعلا) (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (٢). المعنى : لا ناصر لهم.

ومنها : (الوالى): وهو في خبر الأسامي.

قال أبو سليمان : الوالي هو المالك للأشياء والمتولي لها ، والمتصرف فيها ، يصرفها كيف يشاء ، ينفذ فيها أمره ، ويجري عليها حكمه. وقد يكون الوالي بمعنى المنعم عودا على بدء.

ومنها : (المولى): قال الله (عزوجل) : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٣). وذكرناه في رواية عبد العزيز بن الحصين.

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ، أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن البراء رضي الله عنه ، قال : استعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رماة الناس يوم أحد عبد الله بن جبير ، وكانوا خمسين رجلا ، وقال لهم : «كونوا مكانكم لا تبرحوا ، وإن رأيتم الطير تخطفنا». قال البراء رضي الله عنه : فأنا والله رأيت النساء باديات خلاخيلهن ، قد استرخت ثيابهن يصعدن الجبل ـ يعني حين انهزم الكفار ـ قال : فلما كان من الأمر ما كان والناس يغيرون مضوا ، فقال عبد الله ابن جبير أميرهم : كيف تصنعون بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فمضوا. فكان الذي كان. فلما كان الليل ، جاء أبو سفيان بن حرب فقال : أفيكم محمد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تجيبوه.

ثم قال : أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه. ثم قال : أفيكم محمد؟ الثالثة. فلم يجيبوه. فقال : أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه. قالها ثلاثا.

__________________

(١) سورة البقرة آية ٢٥٧.

(٢) سورة محمد آية ١١.

(٣) سورة الحج آية ٧٨.

١١٤

ثم قال : أفيكم ابن الخطاب؟ قالها ثلاثا. فلم يجيبوه. فقال : أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه ، فقال : كذبت يا عدو الله ، ها هو ذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر ، وأنا أحياء. ولك منا يوم سوء.

فقال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال. وقال : أعل هبل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أجيبوه.

قالوا : يا رسول الله ، وما نقول؟

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قولوا : الله أعلى وأجل.

فقال : لنا العزى ولا عزى لكم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أجيبوه.

فقالوا : يا رسول الله وما نقول؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم.

ثم قال أبو سفيان : إنكم سترون في القوم مثلة لم آمر بها. ثم قال : ولم تسؤني. أخرجه البخاري في الصحيح ، عن عمرو بن خالد ، عن زهير بن معاوية (١).

قال الحليمي في معنى المولى : إنه المأمول منه النصر والمعونة ، لأنه هو المالك ، ولا مفزع للملوك إلا مالكه.

ومنها : (الحافظ): قال الحليمي : ومعناه : الصائن عبده عن أسباب الهلكة في أمور دينه ودنياه.

قال : وجاء في القرآن : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) (٢).

وقد قرئ : «خير حفظا». وجاء (بِما حَفِظَ اللهُ) (٣) ومن حفظ ، فهو

__________________

(١) رواية الإمام البخاري في كتاب المغازي ١٧ باب غزوة أحد وقول الله تعالى (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) آل عمران آية رقم ١٢١. ٤٠٤٣ حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء رضي الله عنه قال : وذكره.

(٢) سورة يوسف آية ٦٤.

(٣) سورة النساء آية ٣٤.

١١٥

حافظ. وقال (جل وعلا) : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١).

أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أنا عبد الله بن إسحاق أبو محمد ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور أبو سعيد ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله بن عمر ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إذا آوى أحدكم إلى فراشه ، فلينزع داخلة إزاره ، فلينفض بها فراشه ، ثم ليتوسد يمينه ويقول : «باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه. اللهم إن أمسكتها فارحمها. وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين». أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك عن سعيد ، ثم قال : وتابعه يحيى (٢).

ومنها : (الحفيظ): قال الله (عزوجل) : (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (٣). ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : ومعناه الموثوق منه بترك التضييع.

وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه : الحفيظ هو الحافظ. فعيل بمعنى فاعل ، كالقدير والعليم (٤) يحفظ السموات والأرض وما فيهما ، لتبقى مدة بقائها ، فلا تزول ، ولا تدثر. قال الله (عزوجل) : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) (٥).

وقال (جل وعلا) : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) (٦) أي حفظناها حفظا. وهو الذي يحفظ عباده عن المهالك والمعاطب ، ويقيهم مصارع الشر.

__________________

(١) سورة الحجر آية ٩.

(٢) رواية الإمام البخاري في كتاب الدعوات ١٢ وكتاب التوحيد ١٣ وأخرجه الإمام مسلم في الذكر ٦٤ (٢٧١٤) حدثنا أنس بن عياض حدثنا عبيد الله حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره. وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب ٩٨ والترمذي في الدعاء ٢٠ وأحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٢٢٨ ٢٩٥ (حلبي).

(٣) سورة سبأ آية ٢١.

(٤) ليست واضحة في الأصل ما إذا كانت العليم أو الحليم ص ٦٩.

(٥) سورة البقرة آية ٢٥٥.

(٦) سورة الصافات آية ٧.

١١٦

قال الله (عزوجل) : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (١).

أي بأمره. ويحفظ على الخلق أعمالهم ، ويحصي عليهم أقوالهم ، ويعلم نياتهم وما تكن صدورهم. فلا تغيب عنه غائبة ، ولا تخفى عليه خافية ، ويحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب ، ويحرسهم عن مكايد الشيطان ، ليسلموا من شره وفتنته.

ومنها : (الناصر): قال الله (عزوجل) : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) (٢).

قال الحليمي : وهو الميسر للغلبة.

ومنها : (النصير): قال الله (عزوجل) : (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٣).

وهو في خبر الأسامي رواية عبد العزيز بن الحصين : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان ، حدثنا أبو حامد بن بلال البزاز ، حدثنا أبو الأزهر ، حدثنا أبو قتيبة ، حدثنا المثنى ح.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن علي الوراق ، حدثنا عمرو بن العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا المثنى بن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها ، فليصلها إذا ذكرها. فإن الله تعالى يقول : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٤).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا غزا قال : «اللهم أنت عضدي ، وأنت نصيري وبك

__________________

(١) سورة الرعد آية ١١.

(٢) سورة آل عمران آية ١٦٠.

(٣) سورة الحج آية ٧٨.

(٤) الحديث رواه الدارمي في كتاب الصلاة باب من نام عن صلاة أو نسيها. أخبرنا سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وذكره ، ورواه الإمام أحمد في المسند ٥ : ٢٣ (حلبي) والآية من سورة طه رقم ١٤.

١١٧

أقاتل» (١). لفظ حديث عبد الرحمن. وفي رواية أبي قتيبة ، قال : فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا غزا قال : «أنت عضدي ، وأنت ناصري ، وبك أقاتل».

قال الحليمي في معنى النصير : إنه الموثوق منه بأن لا يسلم وليه ولا يخذله.

ومنها : (الشاكر والشكور): قال الله (عزوجل) : (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) (٢).

وقال : (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (٣).

وروينا لفظ الشاكر في حديث عبد العزيز بن الحصين.

وروينا لفظ الشكور في رواية الوليد بن مسلم.

قال الحليمي : الشاكر معناه المادح لمن يطيعه والمثني عليه ، والمثيب له بطاعته فضلا من نعمته.

قال : والشكور وهو الذي يدوم شكره ، ويعم كل مطيع وكل صغير من الطاعة ، أو كبير. وذكره أبو سليمان فيما أخبرت عنه بمعناه ، فقال : الشكور هو الذي يشكر اليسير من الطاعة ، فيثيب عليه الكثير من الثواب ، ويعطي الجزيل من النعمة ، فيرضى باليسير من الشكر.

قال : وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله (عزوجل) بالشكور ترغيب الخلق في الطاعة قلّت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل من العمل ، فلا يتركوا اليسير من جملته إذا أعوزهم الكثير منه.

__________________

(١) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ١٢٢ باب في الدعاء إذا غزا ٣٥٨٤ بسنده عن قتادة عن أنس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا غزا قال : وذكره.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وأخرجه أبو داود في الجهاد ٩٠ وأحمد بن حنبل في المسند ٣ : ١٨٤ (حلبي).

(٢) سورة النساء آية ١٤٧.

(٣) سورة فاطر آية ٣٤.

١١٨

ومنها : (البر) قال الله (عزوجل) : (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (١). ورويناه في خبر الأسامي.

قال الحليمي : ومعناه الرفيق بعباده ، يريد بهم اليسر ، ولا يريد بهم العسر ، ويعفو عن كثير من سيئاتهم ، ولا يؤاخذهم بجميع جناياتهم ، ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها ، ولا يجزيهم بالسيئة إلا مثلها. ويكتب لهم ألهم بالحسنة ولا يكتب عليهم ألهم بالسيئة. والولد البر بأبيه هو الرفيق به ، المتحري لمحابه ، المتوقي لمكارهه.

قال أبو سليمان : البر هو العطوف على عباده ، المحسن إليهم ، عم بره جميع خلقه ، فلم يبخل عليهم برزقه.

وهو البر بأوليائه إذ خصهم بولايته واصطفاهم لعبادته.

وهو البر بالمحسن في مضاعفة الثواب له. والبر بالمسيء في الصفح والتجاوز عنه.

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان ابن سعيد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : «هو البر» ، يقول : اللطيف.

حدثنا أبو الحسن ، محمد بن الحسين بن داود العلوي ببغداد ـ إملاء ـ أنا أبو القاسم ، عبد الله بن إبراهيم بن بابويه المزكي ح.

وأخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أنا أبو بكر ، محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف السليمي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنا عمر ، عن همام بن منبه ، قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال الله (عزوجل) : «إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة ، فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها. فإذا عملها ، فأنا أكتبها له بعشر أمثالها. وإذا تحدث بأن يعمل

__________________

(١) سورة الطور آية ٢٨.

١١٩

سيئة ، فأنا أغفرها ما لم يعملها. فإذا عملها ، فأنا أكتبها له بمثلها». رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق (١).

وأخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أخبرنا أبو بكر القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا أحسن أحدكم إسلامه ، فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله (عزوجل) (٢). قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قالت الملائكة : يا رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة ـ وهو أبصر به ـ فقال : ارقبوه ، فإن عملها ، فاكتبوها له بمثلها. وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنه تركها من جرائي (٣). رواه مسلم في الصحيح ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أبو جعفر ، محمد بن صالح بن هانئ ، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد ، حدثنا يحيى بن يحيى. أنا جعفر بن سليمان ح.

وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري ، أنا جدي يحيى بن منصور القاضي ، حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن الجعد أبي عثمان ، عن أبي رجاء العطاردي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يروي عن ربه (عزوجل) : إن ربكم رحيم. من همّ بحسنة فلم يعملها ، كتبت له حسنة. وإن عملها ، كتبت عشر أمثالها ، إلى

__________________

(١) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ٢٠٥ (١٢٩) عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فذكر أحاديث منها قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وذكره.

(٢) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ٢٠٤ أطول من هذا بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال الله عزوجل وذكره.

(٣) الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان ٢٠٥ (١٢٩) بسنده عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا عن محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال الله عزوجل : وذكره.

١٢٠