اعتقادات فرق المسلمين والمشركين

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

اعتقادات فرق المسلمين والمشركين

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٠

إسماعيل دون أخيه (١).

الثامنة : الممطورية

وهم قوم يقولون : إن موسى بن جعفر لم يمت بل هو غائب ، وإنما سموا بهذا لأنهم لما أظهروا هذه المقالة قال لهم قوم : والله ما أنتم إلا كلاب ممطورة يعنى أنهم كالكلاب المبتلة من غاية ركاكة هذه المقالة (٢).

__________________

(١) المباركية يقولون بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسماعيل هو الّذي يروى عنه أنه سأل عمه الإمام أبا الحسن موسى أن يأذن له فى الخروج إلى العراق ، وأن يوصيه. فأذن له ، وأوصاه ، وأعطاه ثلاث صرر فى كل منها مائة وخمسون دينارا ، وأعطاه ألفا وخمسمائة درهم. ولما وصل إلى العراق دخل على هارون الرشيد فقال له : يا أمير المؤمنين : خليفتان فى الأرض : موسى بن جعفر بالمدينة ، يجبى له الخراج ، وأنت بالعراق يجبى لك الخراج. فقال : والله فقال والله ؛ فأمر له الخليفة الرشيد بمائة ألف درهم ، ولما قبضها ، وذهب بها إلى منزله أخذته الريح فى الليل فمات. وقد ذكر كثير من أصحاب الأنساب أنه مات ولم يعقب.

(٢) قيل : إن سبب تسميتهم «الممطورية» :

إن على بن إسماعيل الميثمى ناظر يونس بن عبد الرحمن. فقال على بن إسماعيل لما اشتد الكلام بينهما : ما أنتم إلا كلاب ممطورة. يريد أنهم أنتن الجيف ؛ وذلك لأن الكلاب إذا أصابها المطر صارت أنتن الجيف.

٤١

التاسعة : القطعية

وهم يقطعون بدعوة موسى بن جعفر (١).

العاشرة : الموسوية

وهم الذين وقفوا على عليّ بن موسى الرضا (٢) لما مات. ولم ينقلوا الإمامة إلى ولده.

الحادية عشرة : العسكرية (٣)

وهم قوم يعترفون بإمامة الحسن العسكرى.

__________________

(١) زعمت القطعية : أن موسى مات فى سجن ابن شاهك ، وأن يحيى بن خالد البرمكي هو الّذي دس له السم فى الرطب والعنب وأرسلهما إليه فى سجنه ، فمات. وهم يقطعون بموت موسى ، وبأن الإمام من بعده هو : على بن موسى الرضا ، ولم يشكوا فى ذلك ولم يرتابوا ، لذلك سموا : قطعية.

(٢) على الرضا بن موسى الكاظم ، ولد فى سنة ١٥٣. وأمه تسمى الطاهرة ، وهى أم ولد ، وكان من أعلم علماء عصره ، وكان الخليفة المأمون يجله ويعظمه ، بعد أن تيقن من غزير علمه ، وجميل خلقه ، فكان يرسل إليه بالأسئلة فيجيبه عنها إجابات سديدة ، وقد زوجه المأمون ابنته ، وجعله ولى عهده ، وضرب اسمه على الدينار والدرهم. ولما توفى عام ٢٠٣ بمدينة طوس ، صلى عليه الخليفة المأمون ، ودفن فى قبر ملاصق لقبر الرشيد.

(٣) هى إحدى فرق الاثنى عشرية الذين يقولون : إن الإمام بعد موسى هو ابنه على الرضا ، ثم بعده محمد النقى ، وهو فى مقابر قريش ، ثم بعده على بن محمد النقى ، وبعده الحسن العسكرى.

٤٢

والثانية عشرة : الجعفرية (١)

يقولون : إن الإمامة انتقلت فمن الحسن العسكرى إلى أخيه جعفر.

الثالثة عشرة : أصحاب الانتظار

وهم الذين يقولون : إن الإمام بعد الحسن العسكرى ولده محمد بن الحسن العسكرى وهو غائب وسيحضر (٢). وهو المذهب الّذي عليه إمامية زماننا هذا. فإنهم يقولون : اللهم صل على محمد المصطفى وعلى المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، وخديجة الكبرى ، والحسن الزكى ، والحسين الزكى ، والحسين الشهيد بكربلاء ، وزين العابدين ، ومحمد بن على الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعلى بن موسى الرضا ، ومحمد بن على النقى ، وعلى بن محمد النقى ، والحسن بن على ، ومحمد بن الحسن العسكرى الإمام القائم المنتظر ؛ والإمامية يزعمون أن

__________________

(١) الّذي أنشأ هذا المذهب القائل بإمامة جعفر ، هو على بن الطاحى الخزار وقيل الطاجنية ، نسبة إلى بيع الطاجن ، وكان من متكلمى الكوفة ، وكان مشهورا.

(٢) تقول هذه الفرقة : إن الحسن كان له ابن اسمه محمد ، وقد ولد فى سنة ٢٥٥ ، وأمه تسمى نرجس أو ريحانة ، ويكنى أبا القاسم ، ويلقبونه بألقاب كثيرة منها : صاحب الزمان ، وصاحب الدار ، والغريم ، والقائم ، والمهدى ، ويقولون : إن محمدا مات ولم يعقب بولد قبل وفاة أبيه بسنتين ، واستتر خوفا من جعفر وغيره من الأعداء. وأن هذه إحدى غيبتيه والثانية وهى الكبرى ستكون من وفاة المسرى أخر السفراء ، ولا يعلم انتهاءها إلا الله عزوجل.

٤٣

المعصومين منهم أربعة عشر ، وأن الأئمة اثنا عشر. وهم يكفرون الصحابة رضى الله عنهم ويقولون إن الخلق قد كفروا بعد النبي عليه‌السلام إلا عليا وفاطمة والحسن والحسين والزبير (١) وعمارا (٢) وسلمان (٣) وأبا ذر ومقدادا وبلالا وصهيبا. وهذا الّذي ذكرناه فى الإمامية قطرة من بحر ؛ لأن بعض الروافض قد صنف كتابا وذكر فيه ثلاثا وسبعين فرقة من الإمامية.

__________________

(١) الزبير بن العوام ، هو ابن صفية عمة رسول الله ص ، والزبير هو حوارى رسول الله ، وأول من سل سيفا فى سبيل الله. وشهد كل المشاهد مع رسول الله ، وشهد فتح مكة ، وكان من المبشرين بالجنة ، ومن السابقين إلى الإسلام ، وهو من الستة الذين عينهم عمر بن الخطاب للشورى ولاختيار خليفة بعد عمر. وفى موقعة الجمل ، انصرف راجعا ، بعد لقائه بعلى واقتناعه بأن عليا على الحق ، ولكنه تبعه ابن جرموز فقتله سنة ست وثلاثين.

(٢) عمار بن ياسر رضى الله عنهما ، من العشرة المبشرين بالجنة. أسلم هو وأبوه وأمه منذ صدر الإسلام ، وكانت أمه أول شهيدة فى الإسلام ، وأبوه مات من شدة التعذيب فى سبيل الله ، واستمر عمار فى التعذيب حتى هاجر .. وكان رسول الله ص ، يمر على عمار وآله وهم يعذبون فيقول : «صبرا آل ياسر فموعدكم الجنة» قيل قتل فى فتح القسطنطينية.

(٣) سلمان الفارسى رضى الله عنه ، كان من فارس. بحث فى الأديان. وترك دين الفرس وهو عبادة النار. واتجه إلى المسيحية. ودله أحد الرهبان على رسول الله ص ؛ فسافر إلى مكة ، ولكنه وجد الرسول قد هاجر إلى المدينة ، فذهب إليها. أسلم وحسن إسلامه. وقال فيه رسول الله : «سلمان منا آل البيت» وهو صاحب الرأى فى حفر الخندق حول المدينة فى غزوة الأحزاب.

٤٤

وأما الغلاة (١) منهم فهم فرق كثيرة :

الفرقة الأولى : السبابية

أتباع عبد الله بن سبا (٢). وكان يزعم أن عليا هو الله تعالى (٣). وقد أحرق على رضى الله عنه منهم جماعة. وقال : إنى إذا رأيت أمرا منكرا

__________________

(١) الغلاة : هم الذين غالوا فى حق أئمتهم ، فحكموا على الأئمة بأنهم آلهة ، وأنكروا أنهم بشر ، فمنهم من شبه الإمام بالإله ، وبعضهم شبه الإله بالخلق ، والغلاة بجميع فرقهم تجمعهم القواعد التالية :

١ ـ التشبيه. ٢ ـ البداء. ٣ ـ الرجعة. ٤ ـ التناسخ.

ولهم أسماء كثيرة منها :

١ ـ الخرمية والكودية فى أصفهان.

٣ ـ الذقولية بآذربيجان.

٢ ـ المزدكية والسنبادية فى الرى.

٤ ـ المبيضة. فيما وراء النهر.

 (٢) عبد الله بن سبأ الّذي تنسب إليه السبئية ، كان يهوديا ، وأمه أمة سوداء وأظهر الإسلام ، وطاف ببلاد المسلمين ، وكان يقصد أن يفتنهم عن دينهم ، ويوقع بينهم ، بدأ بالحجاز ، ثم ذهب إلى البصرة ، وإلى الكوفة ، ورحل إلى دمشق أيام عثمان ، وأثار الفتنة ضد عثمان.

(٣) كان ابن سبأ يقول فى على : إنه نبى ، ثم غلا فيه حتى أوصله إلى إله ، وكان يقول لعلى : أنت. أنت. يعنى أنت الإله. وقد نفاه على رضى الله عنه إلى المدائن ، وظل منفيا بها إلى أن مات على ، فزعم ابن سبأ ، أن عليا لم يقتل وإنما المقتول شيطان على صورة على ، وأن عليا إنما صعد إلى السماء كصعود عيسى ، وقال إنه سينزل إلى الأرض وينتقم من أعدائه.

واجتمع جماعة على ابن سبأ وقالوا بمقالته وغالوا فيها ، فقالوا : بالتوقف والغيبة والرجعة ، وتناسخ الجزء الإلهي فى الأئمة بعد على ، وقالوا : إن عليا هو الّذي يجيء فى السحاب ، وأن الرعد هو صوته ، والبرق سوطه.

٤٥

أججت نارا ـ ودعوت قنبرا.

الثانية : البنانية (١)

أصحاب بنان بن إسماعيل النهدى ، ويزعمون أن الله تعالى حل فى على رضى الله عنه وأولاده. وأن أعضاء الله تعالى تعدم كلها ما خلا وجهه لقوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢).

الثالثة : الحطابية (٣)

وهم يزعمون أن الله تعالى حل فى على ثم فى الحسن ثم فى الحسين ثم فى زين العابدين ثم فى الباقر ثم فى الصادق ، وتوجه هؤلاء إلى مكة فى زمن جعفر الصادق وكانوا يعبدونه. فلما سمع الصادق بذلك

__________________

(١) ذكرت هذه الفرقة فى «التبصير» وفى «الفرق بين الفرق» باسم «البيانية» أتباع بيان بن سمعان التميمى.

(٢) زعمت هذه الطائفة : أن روح الإله تناسخت فى الأنبياء ، وفى الأئمة حتى وصلت إلى أبى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية. وزعموا أن الإله الأزلى رجل كله من نور ، وأنه يفنى إلا وجهه لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).

(٣) وفى الملل والنحل «الخطابية» بالخاء .. أتباع أبى الخطاب محمد بن زينب الأجدع الأسدى ، محمد بن مقلاس الزراد البزاز ، كنيته أبو الخطاب. وكان يقول بألوهية جعفر الصادق ، وتبرأ منه جعفر حينما علم بقوله هذا ، فادعى أنه رسول الله إلى العالمين ، ثم ادعى لنفسه أنه من الملائكة .. وقتل فى زمن خلافة أبى جعفر المنصور. قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور.

٤٦

فأبلغ ذلك أبا الخطاب وهو رئيسهم. فزعم أن الله تعالى قد انفصل عن جعفر ـ وحل فيه ـ وأنه هو أكمل من الله تعالى ثم إنه قتل (١).

الرابعة : المغيرية

أتباع مغيرة بن سعيد العجلى (٢). ادعى الإلهية ، ثم أحرقوا بالنفط والنار (٣).

الخامسة : المنصورية

__________________

(١) الحطابية يزعمون : أن الدنيا لا تفنى ، وأن الجنة هى ما يصيب الناس فى الدنيا من الخير. وأن النار هى ما يصيبهم من الشر. واستحلوا شرب الخمر ، والزنا وتركوا الفرائض.

(٢) كان المغيرة هذا يتنقص أبا بكر وعمر ، وفضل عليا على الأنبياء ، ثم ادعى النبوة ، وعمل بالسحر ، فأشعل بين الناس الفتن ، وأجابه خلق.

ولقد قال أبو جعفر المنصور : «برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد وبيان ابن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت». وقد قتله خالد بن عبد الله القسرى حرقا بالنار فى عام ١١٩ ـ وقيل ١٢٠ هجرية.

(٣) ادعى المغيرة الإمامة بعد محمد بن عبد الله بن الحسن ، وادعى النبوة ومن معتقداته :

١ ـ الغلو فى حق على غلوا لا يعتقده عاقل.

٤٧

أتباع أبى منصور العجلى (١) ، وكانوا على مقالة المغيرية ، وزادوا عليهم بأن أباحوا الزنا واللواطة ، ثم إنهم قتلوا (٢).

السادسة : الجناحية

أتباع عبد الله بن الجناحين (٣). كانوا يزعمون أن المعرفة إذا

__________________

(١) ادعى أبو المنصور العجلى أن الله عرج به إليه فأدناه وكلمه ، ومنح بيده على رأسه وقال بالسريانى : أى بنى. وذكر أنه نبى ورسول ، وأن الله قد اتخذه خليلا ، وقد نشأ أبو منصور فى البادية ، وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، وكان يأمر أصحابه بخنق من خالفهم وقتلهم غيلة ، وزعم أن الله بعث محمدا بالتنزيل ، وبعثه هو بالتأويل ، وقد علم يوسف بن عمر الثقفى بمقالته هذه ، فأخذه وصلبه.

(٢) يزعم أبو منصور العجلى فوق ما تقدم فى ترجمته :

١ ـ أن عليا هو الكسف الساقط من السماء.

٢ ـ أن الرسل لا تنقطع أبدا والرسالة لا تنقطع.

٣ ـ الجنة ما هى إلا رجل أمرنا بموالاته.

٤ ـ أول ما خلق الله هو عيسى بن مريم ، ثم على بن أبى طالب.

(٣) هو عبد الله بن معاوية بن جعفر ذى الجناحين الطيار بن أبى طالب. كان قد خرج على الأمويين فى عهد مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية ، وكان بالكوفة خروجه والتف حوله خلق كثير ، وجرت معارك بينه وبين أمير الكوفة ، ثم طلب عبد الله الأمان لنفسه ولمن معه ، ثم توجه إلى المدائن ، وتابعه أهلها ،

٤٨

حصلت ، لم يبق شيء من الطاعات واجبة (١).

السابعة : المفوضية (٢)

وهم قوم يزعمون أن البارى تعالى خلق روح على وأرواح أولاده وفوض العالم إليهم فخلقوا هم الأرضين والسموات. قالوا ومن هنا قلنا فى الركوع : سبحان ربى العظيم. وفى السجود سبحان ربى الأعلى ، لأن الإله هو على وأولاده وأما الإله الأعظم فهو الّذي فوض إليهم العالم (٣).

__________________

وتوجه إلى بلاد العجم فغلب على همذان والرى وأصبهان. وكانت الدعوة إلى الدولة العباسية قد بدأ يظهر أمرها ، وتقوى شوكتها ، فسار أبو مسلم الخراساني داعية العباسيين إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر ، وقاتله ، وقتله.

(١) يزعم أصحاب هذه الطائفة :

١ ـ أن عبد الله بن معاوية بن جعفر إله ، لأن روح الإله كانت فى آدم ثم فى شيث ثم فى الأنبياء ثم فى على وأولاده الثلاثة من بعده ، ثم إلى عبد الله بن معاوية.

٢ ـ أسقطوا وجوب العبادات. واستحلوا الخمر وأكل الميتة والزنا واللواط وقالوا عن المحرمات : إنها كنايات عن قوم يجب بغضهم كأبي بكر وعمر وطلحة والزبير وعائشة.

(٢) المفوضية ، وفى «الفرق بين الفرق» وفى «التبصير» المفوضة. وهم طائفة من الغرابية.

(٣) يقول أصحاب هذه الطائفة :

١ ـ إن الله خلق محمدا وفوض إليه تدبير العالم.

٢ ـ بعد محمد فوض الله على تدبير العالم.

٤٩

الثامنة : الغرابية

ـ قالوا : على بمحمد أشبه من الغراب بالغراب ـ وقالوا : إن الله تعالى أرسل جبريل إلى على. فغلط جبريل وأدى الرسالة إلى محمد لتأكد المشابهة بين على ومحمد عليه‌السلام (١).

التاسعة :

وهم يزعمون أن جبريل عليه‌السلام أزاغ الرسالة عن على إلى محمد عمدا وقصدا ، لا غلطا وسهوا ، وهؤلاء يسيئون القول فى جبريل عليه‌السلام (٢).

عاشرة :

وهم يزعمون أن جبريل عليه‌السلام أزاغ الرسالة إلى على لكن

__________________

(١) زعم الغرابية أن الله عزوجل أرسل جبريل إلى على فغلط فى طريقه فذهب إلى محمد ، لأنه كان يشبه ، ويزعمون أيضا : أن عليا هو الرسول ، وأن أبناءه من بعده هم الرسل. ويقولون لأصحابهم : العنوا صاحب الريش. يعنون جبريل.

(٢) هذه الفرقة لا وجود لها مستقل فيما تحت أيدينا من مراجع ، ويبدو أنها فرقة من الغرابية .. إلا أن غلط جبريل هنا كان عمدا كما يزعمون ..

٥٠

محمدا كان أكبر سنا من على فاستعان على به ، ثم إن محمدا استقل بالأمر ودعى الخلق إلى نفسه ، وهؤلاء يسيئون القول فى النبي عليه‌السلام (١).

الحادية عشرة : الكاملية

أتباع أبى كامل. وهم يزعمون أن الصحابة كلهم كفروا لما فوضوا الخلافة إلى أبى بكر. وكفر على أيضا حيث لم يحارب أبا بكر (٢).

الثانية عشرة : النصيرية (٣)

وهم يزعمون أن الله تعالى كان يحل فى على فى بعض الأوقات وفى اليوم الّذي قلع على باب خيبر كان الله تعالى قد حل فيه (٤).

__________________

(١) هذه الفرقة هى العلبائية ـ كما فى الملل والنحل ـ وهم أصحاب العلباء بن ذراع الدوسى ، وقيل : الأسدى ، وكان يزعم أن عليا أفضل. وأن محمدا بعث ليدعو إلى على فدعا إلى نفسه.

(٢) وأبو كامل قد كفر جميع الصحابة لأنهم تركوا بيعة على ؛ بل وطعن فى على أيضا لأنه ترك أن يطلب حقه ، وقال : إنه كان يجب عليه أن يخرج ولا عذر له فى القعود.

(٣) النصيرية. ويقال لها النميرية ، وصاحبها هو محمد بن نصير النميرى ، كان من أصحاب الحسن العسكرى ، وادعى النبوة ، ثم ادعى الربوبية.

(٤) يقوم مذهب النصيرية على ما يأتى :

١ ـ أن الله تعالى حل فى خمسة أشخاص هم : النبي وعلى وفاطمة والحسن

٥١

الثالثة عشرة : الاسجافية (١)

وهم على هذه المقالة. وهذه الطائفة باقية فى حلب وفى نواحى الشام إلى يومنا هذا (٢).

الرابعة عشرة : الأزلية

وهم يزعمون أن عليا قديم أزلى وكذلك عمر بن الخطاب أيضا قديم أزلى إلا أن عليا كان خيرا محضا وعمر كان شرا محضا وكان يؤذى عليا دائما ، وكأنهم اقتبسوا هذه المقالة من المجوس.

الخامسة عشرة : الكيالية

أتباع أحمد الكيال الملحد ، وقد كان ضالا مضلا ، وقد صنف كتبا

__________________

ـ والحسين.

٢ ـ أن هؤلاء الخمسة آلهة.

(١) وفى «الملل والنحل» الإسحاقية. وهم أتباع إسحاق بن زيد بن الحارث وهو من أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب.

(٢) تزيد هذه الطائفة على النصيرية ما يأتى : منها

١ ـ إسقاط التكليف.

٢ ـ إن عليا شريك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٥٢

فى الضلالة والترهات (١).

الكيسانية (٢)

وهم الذين يقولون إن الإمامة كانت حقا لمحمد بن الحنفية ، وهؤلاء الطائفة يفترقون فرقا.

الأولى : الكربية

أتباع أبى كرب الضرير (٣) ، وهم يزعمون أن الإمام من بعد على هو محمد بن الحنفية وهو حي لم يمت ومأواه رضوى. وعن يمينه أسد ، وعن يساره نمر (٤).

__________________

(١) يقول الكيال ما يأتى :

١ ـ كل من قدر على الأنفس كان هو الإمام.

٢ ـ كل من قرر الكل فى ذاته كان هو القائم.

(٢) الكيسانية هم : أصحاب كيسان ، مولى أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه ، وقيل هو تلميذ للسيد محمد بن الحنفية رضى الله عنه وهم يعتقدون فيه اعتقادا كبيرا لكونه اقتبس من السيدين الكريمين ، ويجمع فرق الكيسانية القول : بأن الدين طاعة رجل ، ويفترقون إلى فرق شتى.

(٣) أبو كرب الضرير ، رئيس الكربية ، ومن غلاة الكيسانية.

(٤) يقولون : إن محمد بن الحنفية لم يمت ، بل هو حي ، وهو فى جبل رضوى وعنده عين من الماء ، وعين من العسل يتناوله منهما ، وعنده أسد ونمر يحفظانه من أعدائه ، وهو المهدى المنتظر فى زعمهم.

٥٣

وكان السيد الحميرى الشاعر (١) وكثير الشاعر (٢) على هذا الرأى.

الثانية : المختارية

أتباع المختار بن أبى عبيد الثقفى (٣). وهو يقولون : إن الإمام بعد الحسين هو محمد بن الحنفية. ثم زعم المختار أنه نائب محمد ودعا

__________________

(١) هو إسماعيل بن محمد ، شاعر الشيعة ، وكان يقول بالرجعة ، وتوفى ببغداد عام ١٧٩.

(٢) كثير ، هو المشهور بكثير عزة ، كان كيسانيا ، وكان الأمويون يتقون لسانه وشعره ، توفى فى المدينة عام ١٠٥.

(٣) كان أبوه من جلة الصحابة رضوان الله عليهم ، والمختار ليس له صحبة ، بل هو صاحب ضلالة ، وكان يزعم أن جبرئيل ينزل عليه ، وقد كان ضمن من خرجوا على أولاد على رضى الله عنهم ، فى المدائن ، ثم انضم بعدها إلى عبد الله ابن الزبير ، فولاه الكوفة ، ثم تحول يطالب بدم الحسين بن على ، ودعا إلى الثأر وتجمع حوله الكثير من الشيعة ، وجهز جيشا لحرب عبيد الله بن زياد بقيادة إبراهيم بن الأشتر النخعى ، وقتل فى المعركة عبيد الله بن زياد وكثير من أشراف الشام وحملت رءوسهم إلى المختار ، فأرسلها إلى عبد الله بن الزبير بمكة ، وقد كان يرسل المال إلى ابن عمر ، وابن عباس وابن الحنفية ، رضى الله عنهم ، فيقبلونه منه ، وكان ابن عمر زوجا لصفية أخت المختار ، ولقد قيل لابن عمر : إن المختار يدعى أنه ينزل عليه الوحى. فقال صدق. لقد قال الله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ). وكانت ولادة المختار عام الهجرة واستمرت إمارته على الكوفة سنة ونصفا ، وسار إليه مصعب بن الزبير من البصرة فى جمع كثير من البصريين والكوفيين ، ونزل بحر وراء ، وكانت بينهم موقعة عظيمة ، قتل فيها المختار عام ٦٧.

٥٤

الخلق إلى الضلالة.

وأراد محمد أن يقصد نحوه ويمنعه عن ذلك ، فلما علم المختار أنه يريد قصده صعد المنبر وقال : يا قوم قد ذكر أن إمامكم قد قصد نحوكم. ومن أمارات الإمام أن لا يؤثر فيه السيف ، فإذا أتى فجربوا هذا. فلما بلغ ذلك محمدا وأنه قد قصد بذلك قتله هرب.

الثالثة : الهاشمية

وهم يزعمون أن الإمام بعد محمد هو أبو هاشم عبد الله بن محمد (١). وهم يقولون إنه قد مات وأوصى بالخلافة إلى محمد بن على بن عبد الله بن العباس. ولما بلغ هؤلاء القوم إلى خراسان ، ودعوا الخلق إلى هذه المقالة كان أبو مسلم صاحب الدعوة حاضرا. فقبل تلك الدعوة. ولا جرم أنه لما استفحل أمره ، دعا الخلق إلى بنى العباس ، وانتزع من بنى أمية وجعلها فيهم.

الرابعة : الروندية

أتباع أبى هريرة الراوندي. وهم يزعمون أن الإمامة كانت أولا حقا

__________________

(١) أبو هاشم بن محمد بن الحنفية ، ويقول الهاشمية بانتقال الخلافة إليه بعد محمد بن الحنفية ، وقد مات أبو هاشم وهو منصرف من الشام بأرض الشراة ، إلى محمد بن عبد الله بن العباس ، وصارت الخلافة فى أولاده من بعده ، حتى صارت إلى أبى العباس.

٥٥

للعباس (١).

وفرق الكيسانية كثيرة. وفى هذا القدر الّذي ذكرناه كفاية.

* * *

__________________

(١) يقول الروندية : إن أبناء العباس كانوا أحق بالإمامة ، لاتصال النسب ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمه العباس أولى بالوراثة ، ورووا أن ابن أبى رافع مولى رسول الله كان يكتب لعلى بن أبى طالب ، فأتى الحسن بن على ، فقال : أنا مولاك. فقال مولى لتمام بن العباس بن عبد المطلب :

جحدت بنى العباس حق أبيهم

فما كنت فى الدعوى كريم العواقب

متى كان أبناء البنات كوارث

يجوز ويدعى والدا فى المناسب

٥٦

الباب الرابع

فى المشبهة

أعلم أن اليهود أكثر هم مشبهة. وكان بدو ظهور التشبيه فى الإسلام

٥٧
٥٨

من الروافض مثل بنان بن سمعان (١) الّذي كان يثبت لله تعالى الأعضاء والجوارح ، وهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقى ، ويونس بن عبد الرحمن القمى ، وأبو جعفر الأحول الّذي كان يدعى شيطان الطاق.

وهؤلاء رؤساء علماء الروافض ، ثم تهافت فى ذلك المحدثون ممن لم يكن لهم نصيب من علم المعقولات. ونحن نذكر فرقهم على الترتيب.

الأولى : الحكمية

وهم أصحاب هشام بن الحكم (٢). وكان يزعم أن الله تعالى جسم وغير مذهبه فى سنة واحدة عدة تغييرات. فزعم تارة أن الله تعالى

__________________

(١) هو : (بيان) بالياء كما فى «الملل والنحل» وفى «الفرق بين الفرق» و «التبصير». بيان بن سمعان النميمى ، النهدى ، اليمنى ، ظهر بالعراق ، وكان ظهوره أوائل القرن الثانى الهجرى ، وكان ادعاؤه الأول : أن جزءا من الإله قد حل فى على ، ثم من بعده فى محمد ابن الحنفية ، ثم فى ابنه أبى هاشم ، ثم فى بيان نفسه ، وبعد ذلك ادعى النبوة ، وظل على ذلك حتى قتله خالد القسرى وصلبه.

(٢) هشام بن الحكم ، من خواص موسى بن جعفر ، وله مباحث كثيرة مع المخالفين فى الأصول ، وله مؤلفات منها : «كتاب الإمامة» و «الرد على الزنادقة» و «الرد على أصحاب الاثنين» و «الحكمين» و «الرد على أرسطو». وكان يعيش فى الكوفة ثم انتقل إلى بغداد ، والتقى بجعفر بن محمد وابنه موسى ، وكان ممن أدمنوا الكلام فى الإمامة ، كان حاذقا بصناعة الكلام ، منقطعا إلى يحيى بن خالد البرمكي ، قيما بمجالس كلامه ونظره ، وتوفى بعد نكبة البرامكة بزمن قليل مستترا ، وقيل إنه أدرك خلافة المأمون.

٥٩

كالسبيكة الصافية. وزعم مرة أخرى أنه كالشمع الّذي من أى جانب نظرت إليه كان ذلك الجانب وجهه.

واستقر رأيه عاقبة الأمر على أنه سبعة أشياء ، لأن هذا المقدار أقرب إلى الاعتدال من سائر المقادير (١).

الثانية : الجواليقية

أتباع هشام بن سالم الجواليقى الرافضى (٢). وهم يزعمون أنه تعالى. ليس بجسم لكن صورته صورة الآدمى ، وهو مركب من اليد والرجل والعين ، إلا أن أعضاءه ليست من لحم ولا دم.

الثالثة : اليونسية

__________________

(١) يقول هشام : «إن معبوده جسم له حد ونهاية ، وأنه طويل ، عريض ، عميق ، طوله مثل عرضه ، وعرضه مثل عمقه». وقال : «ليس ذهابه فى جهة الطول أزيد على ذهابه فى جهة العرض» وقال : إنه نور ساطع يتلألأ كالسبيكة الصافية وكاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها» وأنه : «ذو لون وطعم ورائحة ومجسة وأن لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ، ورائحته هى مجسته» وقال : «قد كان الله ولا مكان ثم خلق المكان بأن تحرك فحدث مكانه بحركته فصار فيه ، ومكانه هو العرش».

(٢) هشام بن سالم الجواليقى الجعفى العلاف ، كان مولى لبشر بن مروان ، يكنى : أبا محمد ، وأبا الحكم. وهو من سبى الجوزجان ، ومن شيوخ الرافضة.

٦٠