اعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة

دكتور منير سلطان

اعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة

المؤلف:

دكتور منير سلطان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشأة المعارف بالإسكندرية
الطبعة: ٣
ISBN: 977-103-297-6
الصفحات: ٢٩٢

فقد ارتبط الجانب الدينى بدراسة الإعجاز ، ودراستهما فى نظر الجرجانى فريضة دينية ، فالشعر ديوان وسجل أيام العرب ومفاخرهم ، وهو الميدان الذى تجلت فيه فصاحتهم ، وإذا كان القرآن قد بلغ درجة تقصر عنها قوى البشر ، فعلينا أن ندرس أولا ما استطاعوه ، لندرك عن طريقه ما عجزوا عنه وذلك عن طريق بحث علل التباين وأسباب التفاضل ، ومن ثم يكون الصّادّ عن ذلك «صادّا عن أن تعرف حجة الله تعالى ، وكان مثله مثل من يتصدى للناس فيمنعهم عن أن يحفظوا كتاب الله تعالى ويقوموا به ويتلوه ويقرءوه ، ويصنع فى الجملة صنيعا يؤدى إلى أن يقلّ حفاظه والقائمون به والمقرءون له ـ ذاك لأنّا لم نتعبّد بتلاوته وحفظه والقيام بأداء لفظه على النحو الذى أنزل عليه ، وحراسته من أن يغيّر ويبدّل إلا لتكون الحجة به قائمة على وجه الدهر ، تعرف فى كل زمان ، ويتوصّل إليها فى كل أوان (١).

ويقول «فانظر أىّ رجل تكون ، إذا أنت زهدت فى أن تعرف حجّة الله تعالى ، وآثرت فيه الجهل على العلم ، وعدم الاستبانة على وجودها ، وكان التقليد أحبّ إليك ، والتعويل على علم غيرك أثر لديك» (٢) ومن ثمّ ، فالتهاون فى دراسة الإعجاز على وجهه من المسلم العاقل ذى القدرة «خيانة من لعقله ودينه» (٣).

وأما عن العلماء ، فقد رآهم الجرجانى مقلدين ، يقول فيهم «واعلم أن القول الفاسد والرأى المدخول ، إذا كان صدره عن قوم لهم نباهة ، وصيت وعلو منزلة فى أنواع من العلوم غير العلم الذى قالوا ذلك القول فيه ، ثم وقع فى الألسن فتداولته ونشرته ، وفشا وظهر ، وكثر الناقلون له والمشيدون بذكره ، صار ترك النظر فيه سنة ، والتقليد دينا ... وكم من خطأ ظاهر ورأى فاسد حظى بهذا السبب عند الناس ، حتى بوّءوه فى أخص موضع من قلوبهم ، ومنحوه المحبة الصادقة من نفوسهم (٤).

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٦.

(٢) نفس المصدر ـ ٧.

(٣) نفس المصدر ـ ٧٥.

السياق «إذا كان صدره عن قوم لهم نباهة .. صار ترك النظر».

(٤) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٣٠٢.

١٤١

فهذا التقليد قد جعل أمر الأعجاز سهلا ومعالجته يسيرا وما على الأديب ألّا أن يقلد العلماء فيما ذهبوا ويحفظ ما سطّروا له ، ولا يبحث عن تفسير المزايا والخصائص ما هى؟ ومن أين كثرت الكثرة العظيمة؟ واتسعت الاتساع المجاوز لوسع الخلق وطاقة البشر (١).

والكتب التى ألفت فى البلاغة تمجد اللفظ ولا تلتفت الى النظم كثيرة ، يقول الجرجانى «واعلم أنك لست تنظر فى كتاب صنّف فى شأن البلاغة ، وكلام جاء عن القدماء ، إلا وجدته يدل على فساد هذا المذهب ، ورأيتهم يتشددون فى إنكاره وعيبه والعيب به ، وإذا نظرت فى كتب الجاحظ وجدته يبلغ فى ذلك كل مبلغ ، ويتشدّد غاية التشدد ، وقد انتهى فى ذلك إلى أن جعل العلم بالمعانى مشتركا ، وسوّى فيه بين الخاصة والعامة ... واعلم أنهم لم يبلغوا فى إنكار هذا المذهب ما بلغوه إلا لأن الخطأ فيه عظيم ، وأنه يفضى بصاحبه إلى أن ينكر الإعجاز ويبطل التحدى من حيث لا يشعر ، وذلك أنه ان كان العمل على ما يذهبون إليه ، من أن لا يجب فصل ومزيّة إلا من جانب المعنى ، وحتى يكون قد قال حكمة أو أدبا ، واستخرج معنى غريبا ، أو تشبيها نادرا. فقد وجب اطراح جميع ما قاله الناس فى الفصاحة والبلاغة وفى شأن النظم والتأليف ، وبطل أن يجب بالنظم فضل ، وأن تدخله المزية ، وان تتفاوت فيه المنازل ، وإذا بطل ذلك ، فقد بطل أن يكون فى الكلام معجز ، وصار الأمر على ما يقوله اليهود ، ومن قال بمثل مقالهم فى هذا الباب (٢).

وليس الأمر فى التقليد أو فى كتب البلاغة ، وإنما هو أيضا فى آفة أخرى عجيبة لاحظها الجرجانى فى كلام المتأخرين ، لاحظ أن لهم «كلام حمل صاحبه فرط شغفة بأمور ، ترجع إلى ما له اسم فى البديع ، إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم ، ويقول ليبين ، ويخيل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع فى بيت فلا ضير أن يقع ما عناه فى عمياء ، وأن يوقع السامع من طلبه فى خبط عشواء. وربما طمس بكثرة ما يتكلفه على المعنى وأفسده ، كما ثقل على العروس بأصناف الحلى حتى ينالها من ذلك مكروه فى نفسها (٣).

__________________

(١) نفس المصدر ـ ٣٠٣.

(٢) نفس المصدر ـ ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٣) الجرجانى ـ أسرار البلاغة ـ ٥.

١٤٢

وكانت النتيجة أنك إذا قرأت ما قاله العلماء فى البلاغة وجدت جلّه أو كله رمزا ووحيا وكناية وتعريضا وايماء الى الغرض من وجه لا يفطن له ألّا من غلغل الفكر وأدق النظر (١).

وهذه هى الأسباب التى أدت بالجرجانى إلى الخوض فى الإعجاز مناديا أن إعجاز القرآن فى نظمه وتأليفه لا فى لفظه مهما كان شأن هذا اللفظ.

إعجاز القرآن فى «نظمه» عند الجرجانى :

رفض الجرجانى أن يكون الاعجاز فى :

الألفاظ المفردة : لأن تقدير كونه فيها يؤدى الى المحال ، وهو أن تكون الألفاظ المفردة التى هى أوضاع اللغة ، قد حدث فى حذاقة حروفها وأصدائها أوصاف لم تكن لتكون تلك الأوصاف فيها قبل نزول القرآن وتكون قد اختصت فى أنفسها بهيئات وصفات يسمعها السامعون عليها إذا كانت متلوة فى القرآن ولا يجدون لها تلك الهيئات خارج القرآن (٢).

إذن هو يرد ما ذهب إليه الجاحظ (٣) وأبو هلال العسكرى (٤) وابن رشيق القيروانى (٥) فى تمجيد اللفظ ، فلا شأن اللفظ ونظمه ، لأن نظم الحروف هو تواليها فى النطق فقط ، وليس نظمها بمقتضى عن معنى «فلو أن واضع اللغة كان قد قال (ربض) مكان (ضرب) لما كان فى ذلك ما يؤدى إلى فساد» (٦) فلا

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٥٠.

(٢) نفس المصدر والصفحة.

(٣) يقول الجاحظ «والمعانى مطروحة فى الطريق يعرفها العجمى والعربى ، والقروى والبدوى ، وإنما الشأن فى إقامة الوزن وتغير اللفظ وسهولة المخرج وصحة الطبع وكثرة الماء وجودة السبك» البيان والتبيين ١ / ٢٥٣.

(٤) يقول العسكرى ـ ومن الدليل عن أن مدار البلاغة على تحسين اللفظ أن الخطب الرائعة والأشعار الرائعة ، ما علمت لإفهام المعانى فقط ، لأن الردىء من اللفظ يقوم مقام الجيد منها فى الأفهام ، وإنما يدل على حسن الكلام ، أحكام صنعته ورونق ألفاظه وجودة مطالعة و... و... وأكثر هذه الأوصاف ترجع إلى الألفاظ دون المعانى» ـ الصناعتين ـ ٥٧ و ٥٨ وانظر أيضا ١٥٤.

(٥) يقول ابن رشيق «وأما المعانى فهى موجودة فى طباع الناس يستوى الجاهل فيها والحاذق» العمدة ١ / ٨٢ الطبعة الأولى ١٩٢٥ م أمين هندية.

(٦) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٥.

١٤٣

فصاحة للفظ وحدة (١). لأنه لا يتصوّر أن يكون بين اللفظين تفاضل فى الدلالة حتى تكون هذه أدل على معناها التى وضعت له من صاحبتها على ما هى. موسومة به حتى يقال أن (رجلا) أدل على معناه من (فرس) على ما سمى به (٢).

ولا يجوز أيضا أن يكون الإعجاز فى معانى الألفاظ المفردة : يقول فى ذلك «واعلم أن الداء الدّوىّ ، الذى أعيى أمره فى هذا الباب ، غلط من قدّم الشعر بمعناه ، وأقل الاحتفاظ باللفظ وجعل لا يعطي المزية ـ أن هو أعطى ـ إلا ما فضل عن المعنى ، يقول : ما فى اللفظ لو لا المعنى؟ وهل الكلام إلا بمعناه؟» فأنت تراه لا يقدم شعرا حتى يكون قد أودع حكمه وأدبا ، واشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر ، فإن مال إلى اللفظ شيئا ورأى أن ينحله بعض الفضيلة لم يعرف غير الاستعارة (٣).

ولا يجوز أن يكون هذا الوصف فى تركيب الحركات والسكنات : حتى كان الذى بان به القرآن من الوصف فى سبيل بينونة بحور الشعر بعضها من بعض ، لأنه يخرج إلى ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة فى «إنا أعطيناك الجماهر ، فصلّ لربك وجاهر ، والطاحنات طحنا ...» (٤).

وليس الإعجاز فى المقاطع والفواصل : لأنه أيضا ليس بأكثر من التعويل على مراعاة وزن ، وإنما الفواصل فى الآى كالقوافى فى الشعر» (٥).

وليست الاستعارة سببا أصلا فى الأعجاز ، لأن ذلك يؤدى إلى أن يكون الإعجاز فى آى معدودة فى مواضع من السور الطوال مخصوصة (٦).

وليس الإعجاز فى غريب القرآن : لأنه محال أن يدخل ذلك فى الإعجاز ،

__________________

(١) نفس المصدر ـ ٢٦٢.

(٢) نفس المصدر ـ ٣١.

(٣) نفس المصدر ـ ١٦٥.

(٤) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٥١.

(٥) نفس المصدر والصفحة.

(٦) نفس المصدر ـ ٢٥٤.

١٤٤

وأن يصح التحدى به. ذلك ، لأنه لا يخلو إذا وقع التحدى به من أن يتحدّى من له علم بأمثاله من الغريب أو من لا علم له بذلك ، فلو تحدّى به من يعلم أمثاله لم يتعذر عليه أن يعارضه بمثله (١).

وإذا امتنعت هذه الأسباب ، أن تكون أصلا فى الإعجاز ، فلم يبق إلا أن يكون فى «النظم» : وليس هو فى ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق (٢) ولكنه تناسق دلالات الألفاظ وتلاقى معانيها على الوجه الذى يقتضيه العقل (٣) لأن الجرجانى يعتبر الألفاظ أوعية للمعانى وهى تتبع المعانى فى مواقعها (٤) يقول «فإذا وجب لمعنى أن يكون ، أوّلا فى النفس وجب اللفظ الدال عليه أن يكون مثله أوّلا فى النطق ، فأما أن تتصور فى الألفاظ أن تكون المقصودة قبل المعانى بالنظم والترتيب ، وأن يكون الفكر فى النظم الذى يتواصفه البلغاء فكرا فى نظم الألفاظ ، وأن يحتاج بعد ترتيب المعانى الى فكر تستأنفه لأن تجىء بالألفاظ على نسقها ، فباطل من الظن ، ووهم يتخيّل إلى من لا يوفى النّظر حقّه (٥).

فإدراك العلاقات بين الألفاظ ونظمها نظما معينا يؤدى إلى معنى معين بحيث لو تغير النظم لتغير المعنى ، ولا فصاحة فى اللفظ ألا وهى موصولة بغيرها ومعلقة معناها بمعنى ما يليها ، فإذا قلنا فى لفظه (اشتعل) من قوله تعالى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم ـ ٤] أنها فى أعلى مرتبة فى الفصاحة ، لم توجب تلك الفصاحة لها وحدها ، ولكن موصولة بها الرأس معرفا بالألف واللام ومقرونا إليها الشيب منكرا ومنصوبا (٦).

المعنى والنحو :

الكلام عند الجرجانى على ضربين ، كلام منظوم ، يؤدى إلى معنى مباشر بدلالة اللفظ وحده وذلك إذا «قصدت أن تخبر عن «زيد» مثلا بالخروج على

__________________

(١) نفس المصدر ـ ٢٥٨.

(٢) نفس المصدر ـ ٣٥.

(٣) نفس المصدر والصفحة.

(٤) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٤٢.

(٥) نفس المصدر ـ ٣٧.

(٦) المصدر السابق ـ ٢٦٢.

١٤٥

الحقيقة ، فقلت : خرج زيد ، وبالانطلاق عن «عمرو» ، فقلت : عمرو منطلق ، وعلى هذا القياس. وضرب آخر لا تصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذى يقتضيه موضوعه فى اللغة ، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض ومدار هذا الأمر على «الكناية» و «الاستعارة» و «التمثيل» ، أولا ترى أنك إذا قلت ، هو كثير رماد القدر ـ أو قلت طويل النّجاد ـ أو قلت فى المرأة ، نؤوم الضحى ، فأنّك فى جميع ذلك لا تفيد غرضك الذى تعنى من مجرد اللفظ ، ولكن يدل اللفظ على معناه الذى يوجبه ظاهره ثم يعقل السامع من ذلك المعنى على سبيل الاستدلال معنى ثانيا هو غرضك ... وبعبارة مختصرة هى أن تقول «المعنى» ومعنى المعنى» (١).

فالنظم يؤدى إلى المعنى وإلى معنى المعنى ، أى إلى المعانى الاضافية ، والنظم ومعانيه إنما هى «معانى النحو» فالناظم لا يفعل سوى توخى معانى النحو ، لأننا إذا دققنا النظر سنجد أن «الكلم ثلاث اسم وفعل وحرف ، وللتعليق فيما بينها طرق معلومة ، وهو لا يعدو ثلاثة أقسام ، تعلق اسم باسم ، وتعلق اسم بفعل ، وتعلق حرف بهما ، فالاسم يتعلق بالاسم ، بأن يكون خبرا عنه ، أو حالا منه ، أو تابعا له ، صفة أو تأكيدا ، أو عطف بيان ، أو بدلا ، أو عطفا بحرف ، أو بأن يكون الأول مضافا إلى الثانى ، أو بأن يكون الأول يعمل فى الثانى عمل الفعل ، ويكون الثانى فى حكم الفاعل له ، أو المفعول ، وذلك فى اسم الفاعل كقولنا ... وأما تعلق الاسم بالفعل فبأن يكون فاعلا له ، أو مفعولا ، فيكون مصدرا قد انتصب به كقولك ... وأما تعلق الحرف بهما فعلى ثلاثة أضرب ، أحدهما أن يتوسط بين الفعل والاسم فيكون ذلك فى الحروف التى من شأنها أن تعدّى الأفعال إلى ما لا يتعدّى اليه بأنفسها من الأسماء ، مثل أنك تقول (مررت) ، فلا يصل إلى نحو «زيد وعمرو» فاذا قلت «مررت بزيد أو على زيد» ، وجدته قد وصل «بالباء» أو «على» ... والضرب الثانى من تعلّق الحرف بما بتعلق به «العطف» ، وهو أن يدخل الثانى فى العامل فى الأول ، كقولنا «جاء فى زيد وعمرو» ، والضرب الثالث ، تعلق بمجموع الجملة ،

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١٧٣.

١٤٦

كتعلق حرف النفى والاستفهام والشرط والجزاء بما يدخل عليه ، وذلك أن شأن هذه المعانى أن تتناول ما تتناوله بالتقييد ، وبعد أن يسند إلى شىء. معنى ذلك ، أنك إذا قلت «ما خرج زيد» ، «وما زيد خارج» ، لم يكن النفى «واقع بها متناولا الخروج على الإطلاق ، بل الخروج واقعا من زيد ومسندا إليه. ومختصر كل الأمر أنه لا يكون كلام من جزء واحد. وأنه لا بدّ من مسند ومسند إليه ، ... وأنه لا يكون كلام من حرف وفعل أصلا ، ولا من حرف واسم ، إلا فى النداء نحو : «يا عبد الله» .... فهذه الطرق والوجوه فى تعلق الكلمة بعضها ببعض ، وهى كما تراها معانى النحو وأحكامه ... ثم إنا نرى هذه كلها موجودة فى كلام العرب ، ونرى العلم بها مشتركا بينهم (١)

ومعانى النحو شىء والإعراب المعروف شىء آخر ، بعيد كل البعد عن معانى النحو ، «فالعلم بالإعراب ، مشترك بين العرب كلّهم ، وليس هو مما يستنبط بالفكر ، ويستعان عليه بالروية ، فليس أحدهم ، بأن إعراب الفاعل الرفع ، أو المفعول النصب ، والمضاف اليه الجر. بأعلم من غيره ، ولا ذاك مما يحتاجون فيه إلى حدة ذهن وقوة خاطر ، وإنما الذى تقع الحاجة فيه إلى ذلك ، العلم بما يوجب الفاعلية للشيء ، إذا كان ايجابها من طريق المجاز ، كقوله تعالى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة ـ ١٦] وكقول الفرزدق .. سقتها خروق فى المسامع ... وأشباه ذلك مما يجعل الشيء فيه فاعلا على تأويل يدقّ ، ومن طرق تلطف ، وليس يكون هذا علما بالاعراب ولكن بالوصف الموجب بالإعراب (٢).

وإذا كان الأمر كذلك ، فليس النظم (شيئا غير «توخى معانى النحو وأحكامه فيما بين معانى الكلم ، ثبت من ذلك أن طالب دليل الإعجاز من نظم القرآن ، إذا هو لم يطلبه فى معانى النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه ، ولم يعلم أنها معدنه ومعانه (٣) وموضعه ومكانه ، وأنه لا مستنبط له سواها ، وأن لا وجه لطلبه فيما عداها ، غار نفسه بالكاذب من الطمع ، ومسلم لها الخدع ، وأنه إن أبى

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ الصفحات من (ز) الى (ف) من المدخل.

(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ص ٣٩٥ تحقيق محمود شاكر ، ورجعت إليها فى هذا النص لأن نسخة الدلائل التى رجعت اليها فى البحث ليست بين يدى. المهم توثيق النص.

(٣) المعان : المباءة والمنزل ، ويعدّ بعضهم ميمه أصلية ، وبعضهم أنه على وزن «مفعل».

١٤٧

أن يكون فيها ـ كان قد أبى أن يكون القرآن معجزا بنظمه ، ولزمه أن يثبت شيئا آخر يكون معجزا به ، وأن يلحق بأصحاب «الصّرفة» (١) فيدفع الإعجاز من أصله» (٢)).

تقرير النظرية عند الجرجانى :

اعتمد الجرجانى فى تقرير نظريته فى النظم على جانبين هما :

ا ـ الجانب العقلى.

ب ـ الجانب النفسى.

الجانب العقلى :

وأقصد بالجانب العقلى ، ذلك الاتجاه إلى توضيح الفكرة بالاعتماد على المنطق وقضاياه فى سبيل الوصول إلى ابراز عناصر هذه الفكرة ونظرية الجرجانى هى النظم القائم على معانى النحو.

وقد وجدنا الجرجانى يتحدث إلى عقل القارئ ويناشده التأمل والتصور ، والبعد عن التعصب والتقليد ، فالتقليد كسل عقلى ، وهو سيتكلم عن الشمول وعن العموم والخصوص ، وعن الجزئية المكوّنة للصورة الكلية وعن الثبات والتجدد ، وعن التفكير عند الإنسان ، وعن المعنى ومعنى المعنى ، فلجأ ـ وهو الأديب المتكلم ـ إلى عقل القارئ وإلى المنطق.

يقول مثلا ، حين يثبت أن البلاغة تتعلق بالمعنى لا باللفظ «وأوضح من هذا كله ، وهو أن النظم الذى يتواصفه البلغاء ، وتتفاضل مراتب البلاغة من أجله ، صنعة ، يستعان عليها بالفكرة لا محالة ، واذا كانت مما يستعان عليها بالفكرة ويستخرج بالرويّة ، فينبغى أن ينظر فى الفكر ، بما ذا نلبّس؟ أبالمعانى أم بالألفاظ ، فأىّ شىء وجدته الذى تلبس به فكرك من بين المعانى والألفاظ ، فهو الذى تحدث فيه صنعتك ، وتقع فيه صياغتك ونظمك وتصويرك ، فمحال أن تتفكر فى شىء وأنت لا تصنع فيه شيئا ، وإنما تصنع فى غيره ، لو جاز ذلك ،

__________________

(١) أصحاب الصرفة هم المعتزلة.

(٢) الدلائل ـ ٣٤٤.

١٤٨

لجاز أن يفكر البنّاء فى الغزل ليجعل فكره فيه وصلة الى أن يصنع من الآجرّ ، وهو من الإحالة المفرطة (١).

والتفكير المنطقى ينأى عن الأحكام العامة والأقوال المجملة لأن هدفه الصحة وديدنه الوضوح ، فلا يكفى فى علم الفصاحة (أن تنصب لها قياسا ما ، وأن تصفها وصفا مجملا ، وتقول فيها مرسلا ، بل لا تكون فى معرفتها فى شىء ، حتى تفصّل القول وتحصّل ، وتضع اليد على الخصائص التى تعرض فى نظم الكلم ، وتعدّها واحدة واحدة وتسميها شيئا شيئا ... وإذا نظرت إلى الفصاحة هذا النظر ، وطلبتها هذا الطلب احتجت إلى صبر على التأمل ، ومواظبة على التدبر ، وإلى همة تأبى لك أن تقنع إلا بالتمام (٢).

فالأدلة والتعليل مقصد الجرجانى ، انظر إليه وهو يقرر أن فصاحة الكناية تأتى من جانبها العقلى وكذا الاستعارة يقول عن الكناية «واذا نظرت اليها وجدت حقيقتها ومحصول أمرها : أنها إثبات لمعنى ، أنت تعرف ذلك المعنى من طريق المعقول دون طريق اللفظ. ألا ترى أنك لما نظرت إلى قولهم : «هو كثير رماد القدر» ، وعرفت منه أنهم أرادوا أنه كثير القرى والضّيافة ، لم تعرف ذلك من اللفظ ولكنك عرفته بأن رجعت إلى نفسك ، فقلت أنه كلام قد جاء عنهم فى المدح ، ولا معنى للمدح بكثرة الرّماد ، فليس إلا أنهم أرادوا أن يدلّوا بكثرة الرماد أنه تنصب له القدور الكثيرة ويطبخ فيها للقرى والضيافة ، وذلك لأنه إذا كثر الطبخ فى القدور كثر إحراق الحطب تحتها وإذا كثر إحراق الحطب كثر الرماد لا محالة ، وهكذا السبيل فى كل ما كان «كناية» ... وإذا عرفت هذا فى الكناية فالاستعارة فى هذه القضية (٣).

ومن ثم وجد الجرجانى نفسه مطالبا بعد حديثه المفصل عن الاستعارة وفصاحتها بأن يشير إلى غلط العلماء فى تفسير الاستعارة ، وأن يحدد لها معنى يرتضيه ويتوافق مع تفكيره ونظريته فى النظم يقول (... فقد تبين من غير وجه أن

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٣٦.

(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٧.

(٣) نفس المصدر ـ ٢٨٠.

١٤٩

الاستعارة ، إنما هى : ادعاء معنى الاسم للشيء ، لا نقل الاسم عن الشيء ، وإذا ثبت أنها ادعاء معنى الاسم للشيء ، علمت أن الذى قالوه من : أنها تعليق للعبارة على غير ما وضعت له فى اللغة ، ونقل لها عما وضعت له». كلام قد تسامحوا فيه ، لأنه إذا كانت الاستعارة ادعاء معنى الاسم ، لم يكن الاسم مزالا عما وضع له بل مقرّا عليه (١).

وهناك أقوال نادت بأن الفصاحة تكمن فى حروف اللفظ من حيث هو لفظ ، ويرفض الجرجانى هذه الفكرة ويعلن أنها باطلة ، ويتخذ العقل حكما بينه وبين القارئ ، فالفصاحة عنده «لا تخلو من أن تكون صفة فى اللفظ محسوسة تدرك بالسمع ، أو تكون صفة فيه معقولة تعرف بالقلب ، فمحال أن تكون صفة فى اللفظ محسوسة لأنها لو كانت كذلك ، لكان ينبغى أن يستوى السامعون للفظ الفصيح فى العلم بكونه فصيحا ، وإذا بطل أن تكون محسوسة ، وجب الحكم ضرورة بأنها صفة معقولة ، وإذا وجب الحكم بأنها صفة معقولة ، فإنا لا نعرف للفظ صفة يكون طريق معرفتها العقل دون الحس إلا دلالته على معنى ، وإذا كان كذلك ، لزم منه العلم بأن وصفنا اللفظ بالفصاحة ، وصف له من جهة معناه ، لا من جهة نفسه ، وهذا ما لا يبقى لعاقل معه عذر فى الشك» (٢).

فالجانب العقلى يعتبر جزءا هاما من نظرية النظم ، والحديث عنها قائم على المنطق والفكر ، وهذا ما ظهر واضحا عند بحث الجرجانى فى تقديم الذات الفاعلة على الفعل الناتج عنها ، وقيمته المغايرة لتقديم الفعل عامة على الذات الفاعلة (٣). وفى جنس الفاعلين وتحديده ، حين تتقدم ذات ـ أى ذات ـ على الفعل الذى أتت به (٤) وكذا فى بحوثه فى التفكير (٥) وفى فروق الخبر ، ونوعى الخبر من الثبات

__________________

(١) يقصد بعبارة «أن الاستعارة تعليق على غير ما وضعت له فى أصل اللغة على سبيل النقل» أبا الحسن الرمانى ـ انظر ثلاث رسائل ص ٧٩ ط الثالثة. ويقصد بعبارة «إن الاستعارة ما اكتفى فيه بالاسم المستعار عن الأصلى» أبا الحسن على بن عبد العزيز الجرجانى ـ انظر الوساطة ص ٤١ والدلائل ـ ٢٨٤.

(٢) نفس المصدر ـ ٢٦٤.

(٣) نفس المصدر ـ ٨٣.

(٤) نفس المصدر ـ ٩٣.

(٥) نفس المصدر ـ ٩٤ و ٩٥.

١٥٠

والتجدد فنحن حين نقول «زيد منطلق تثبت له صفة الانطلاق ، كالانطلاق وحين نقول جاء زيد وهو ينطلق فنكون قد أثبتنا له صفة الانطلاق المتجددة ، وهنا يتضح الفرق بين قوله تعالى (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف ـ ١٨] وبين القول (وكلبهم يبسط ذراعيه بالوصيد) من حيث الثبات والتجدد والحركة والكمون (١).

هى نظرية تبحث عن المعانى التى تنشأ عن النحو ، وعن طريق النحو تتحدد العلاقات بين الألفاظ ، وهذه العلاقات ليست فى مستوى واحد من الوضوح ، لذا احتاجت إلى نظر وفكر وتأمل وإلى منطق تستند إليه دقائق الأمور.

الجانب النفسى :

ومعانى النحو هذه والمنطق ، استندا ـ عند الجرجانى ، إلى عنصر ثالث عند ما يقرر نظرية النظم سرا للاعجاز ـ أقصد به القارئ نفسه وعملية التأثير فيه ـ فلم ينس الجرجانى قارئه ، بل اعتنى به عناية خاصة ، وظل يراعيه ويقدم له الرأى بعد الرأى ، ويزيل عنه الشك بعد الشك وهو ـ فى براعة وذكاء ـ يجول فى نفس قارئه ، يطمئنها ويريحها ليكسب ثقتها ويشعرها بكريم المقصد ، ونبل الغاية ، وأحقية الصبر والروية للوصول إلى نهاية الطريق.

لقد عول الجرجانى كثيرا على الذوق ، وعلى تنبيه الحس اللغوى لزنة الأساليب ودرك خصائصها (٢) فتراه يتحدث عن منشئ الكلام ـ أنه حين ينظم الكلام ، إنما يقتفى فى نظمها آثار المعانى ويرتبها على حسب ترتيبها فى النفس ، يقول «فهو إذن نظم فيه مراعاة حال المنظوم بعضه من بعض ، وليس هو النظم الذى معناه : ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق» (٣).

والناظم يتميز عن ناظم آخر بقدر معانيه التى قصد إليها وأغراضه التى وضع لها الكلام ، فسبيل هذا الأمر «سبيل الأصباغ التى تعمل منها الصور والنقوش ،

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١١٥.

(٢) نفس المصدر ـ ٤.

(٣) نفس المصدر ـ ٣٥.

١٥١

كما أنك ترى الرجل قد تهدّى فى الأصباغ التى عمل منها الصورة والنقش فى ثوبه الذى نسج ، إلى ضرب من التخير والتدبر فى أنفس الأصباغ وفى مواقعها ومقاديرها ، وكيفية مزجه لها وترتيبه إياهم ، إلى ما لم يتهدّ اليه صاحبه فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب وصورته أغرب ، كذلك حال الشاعر والشاعر فى توخيمها معانى النحو ووجوهه ، التى علمت أنها محصول «النظم» (١).

فليست القضية ألفاظا تنظم ولكنها أنماط من التأثير النفسى على القارئ أو المستمع يتوخى فيه الناظم أقرب المسالك وأوضحها إلى صوغ الجمال بتفهم مقاديره ومواقعه وكيفية نسجه وترتيبه ومن ثم يضمن التأثير الكامل والفوز عند قارئه أو مستمعه.

وفى كتاب «أسرار البلاغة» يستند الجرجانى إلى هذا الجانب استنادا قويا حين يتكلم عن التشبيه والتمثيل والاستعارة ، أو بمعنى أدق حين يتكلم عن الصياغة والتصوير والجمال ، أى حين يتكلم عن المنزع النفسى فى فن البلاغة (٢).

ومن الشواهد على هذا المنزع النفسى عنده تحليله لأبيات :

ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة :

ومسّح بالأركان من هو ماسح (٣)

وإذا رجعنا إلى تحليل ناقد كابن قتيبة لهذه الأبيات (٤) أو لأبى هلال العسكرى الذى يسوقها دليلا على أن مدار البلاغة على تحسين اللفظ (٥) عرفنا الفرق الشاسع بين هذين التحليلين ، وما ذهب إليه الجرجانى فى تقصيه الجوانب النفسية وتعقبه المشاعر والخلجات التى أحسها الشاعر وأراد أن ينقلها الينا.

وفى الأسرار أمثلة عديدة يعرفها من قرأ الكتاب ، يقول الأستاذ خلف الله عن المنزع النفسانى عند الجرجانى «وهذه النظرية التأثيرية فى جودة الأدب ، جزء من

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٦١.

(٢) الجرجانى ـ أسرار البلاغة ـ ٣.

(٣) نفس المصدر ـ ١٥ و ١٦.

(٤) ابن قتيبة ـ الشعر والشعراء ـ ١١.

(٥) أبو هلال العسكرى ـ الصناعتين ـ ٥٨.

١٥٢

تفكير سيكلوجى أعم يطبع كتاب «الأسرار» كلّه بطابعه ، فالمؤلف لا يفتأ يدعوك بين لحظة وأخرى إلى تجربة الطريقة النفسانية التى يسميها المحدثون (الفحص الباطنى) وذلك أن تقرأ الشعر وتراقب نفسك عند قراءته وبعدها ، وتتأمل ما يعروك من الهزّة والارتياح والطرب والاستحسان ، وتحاول أن تفكر فى مصادر هذا الإحساس ... ومن العناصر الانسانية البارزة فى نظرية المؤلف حرصه على مكانة الذوق والطبع والحس الفنى فى المتعة الأديبة ... ويتصل بهذا ما يلجأ إليه مرارا فى إحالة قارئه إلى المركوز فى الطبائع والراسخ فى غرائز العقول والخواص التى قد فطر الانسان على أن يرتاح لها ويجد فى نفسه هزّة عندها (١).

هذا ما نسجله هنا ـ لنصل عن طريقه إلى القول المسند ، إلى أن عبد القاهر قد بنى نظريته فى النظم على فكرة النحو ومعانى النحو ، متوخيا فى عرضها النقاش الهادئ مع قارئه مستثيرا العقل ومنطقة ثم النفس ورضاها.

وهو فى نهاية كتابه الدلائل ، يثبت أن العمدة فى إدراك البلاغة الذوق والاحساس الروحانى (٢).

ونظريته أيضا قد احتوت حديثا عن الجمال ، والجمال عنده موضوعى لا يخضع للأقوال العامة والقوانين المأثورة ، بقدر ما يرى للحسن مصدرا معلوما وعلة مفهومة وسبيلا يتّخذ للوصول إليه ، وفى الدلائل وهو يخاطب المتحمسين للفظ ، تجده يقول (... ولكن بقى أن تعلمونا مكانة المزية فى الكلام ، وتصفوها لنا ، وتذكروها ذكرا كما ينصّ الشيء ويعين ، ويكشف عن وجهه ويبين ، ولا يكفى أن تقولوا : إنه خصوصية فى كيفية النظم ، وطريقة مخصوصة فى نسق الكلم بعضها عن بعض ، حتى تصفوا تلك الخصوصية ، وتبينوها ، وتذكروا لها أمثلة ، وتقولوا «مثل كيت وكيت» ، كما يذّكر لك من تستوصفه عمل الديباج المنقّش ما تعلم به وجه دقة الصّنعة ، أو يعمله بين يديك ، حتى ترى عيانا ، كيف تذهب تلك الخيوط وتجىء؟ وما ذا يذهب منها طولا وما ذا يذهب منها عرضا؟ وبم يبدأ وبم يثنّى وبم يثلّث ، وتبصر (٣) من الحساب الدقيق ومن

__________________

(١) محمد خلف الله أحمد ـ من الوجهة النفسية ـ ٩٣ و ٩٤.

(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٣٥٥ وما بعدها.

(٣) «وتبصر» معطوف على قوله قبل «حتى ترى عيانا».

١٥٣

عجيب تصرف اليد ، وما تعلم منه مكان الحذق وموضع الأستاذية (١).

فإذا كنا قد رأينا هربارت يحمل على استخدام الألفاظ العامة فى وصف الجميل من حيث هى تجمع إلى الذاتية خطأ التجريد ، ويدعو إلى البحث عن كل عنصر من العناصر المكونة للجميل ، فكذلك الشأن عند الجرجانى ، يبدأ من نفس البداية وهى أن الجمال يتحقق فى الشيء الجميل (٢).

وهذا الأمر واضح لدى الجرجانى ، مرة يقول : أنه لا يكفى فى علم الفصاحة أن تنصب لها قياسا وأن تصفها مجملا ، وتقول فيها قولا مرسلا (٣) ومرة يخاطب القارئ أنه «لا بدّ لكل كلام تستحسنه ولفظ تستجيده من أن يكون لاستحسانك جهة معلومة وعلة معقولة» (٤).

وفى هذا يختلف الجانب الجمالى عن الجانب الذوقى ، فالأول يحتاج إلى قاعدة تتميز بالصفة المعقولة حتى لا يترك الجمال رهينة فى يد من لا يملكون حسن البصر بأمور الشعر ولا يفهمون مراميه ، فيتشتت بينهم ويتجمد ، أما الذوق وعليه تعتمد البلاغة فيما تعتمد فهو باب «لا تقوى عليه العبارة ، ولا تملك فيه إلا الإشارة ، وان طريق التعليم إليه مسدود وباب التفهيم دونه مغلق ، وأن معانيك (أيها القارئ) فيه ، معان تأبى أن تبرز من الضمير ، وأن تدين للتبيين والتصوير ، وأن ترى سافرة لا نقاب عليها ، وبارزة لا حجاب دونها ، وأن ليس للواصف لها إلا أن يلوح ويشير ويضرب مثلا. ينبئ عن حسن قد عرفه على الجملة ، وفضيلة قد أحسها من غير أن يتبع ذلك بيانا ، ويقيم عليه برهانا ، ويذكر له علّة ويورد فيه حجة ، وأنا أنزل لك القول بذلك وأدرجه شيئا فشيئا (٥).

وبينما يرى أن الذّوق فطرى (٦) يرى أن الجمال يمكن إدراكه وذلك عن طريق الطبع مع الدراسة والبحث والنظر.

__________________

(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٣٦.

(٢) الدكتور عز الدين اسماعيل ـ الأسس الجمالية فى النقد العربى ـ ٢٠٩ و ٢١٠.

(٣) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٧.

(٤) نفس المصدر ـ ٢٩.

(٥) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٣١٥.

(٦) نفس المصدر ـ ٣٥٦.

١٥٤

هذا هو المبحث البلاغى من جهود الجرجانى فى نظرية الاعجاز ، وإعجاز القرآن عنده ، فى نظم القرآن الكريم ، ذلك النظم القائم على النحو ومعانيه المعتمد على الجانب العقلى الجانح إلى المجال النفسى ، والى مدى استيعاب القارئ لهذه الدّرر. فكرا واستمالة نفسية ، فيكتمل بذلك البناء الذى أراده الجرجانى فى النظم.

نظرية النظم لها بذور سلفية :

إن استقصاء سريعا لما كتبه السابقون للجرجانى ، سيد لنا على أنهم تنبّهوا لنظرية النظم ، وتكلموا فيها ، وبخاصة النحويون حين عالجوا قضايا النحو ، ولم تقم نظرية عبد القاهر إلا على النحو.

أقول : إن النحو قبل عبد القاهر كان بسبيل من العناية بالنظم ، إلى جانب الاعتناء بأواخر الكلمات ، وان كانت هذه أوضح وأغلب ، فلم يفت سيبويه أن يشير إلى الاشتقاق والإمالة فى الكلام يقول «هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة» : فمنه مستقيم حسن محال ، ومستقيم كذب ، ومستقيم قبيح ، وما هو محال كذب ، فأما المستقيم فقولك «أتيتك غدا وسآتيك أمس» وأما المستقيم الكذب ، فقولك : حملت الجبل ، وشربت ماء البحر ، ونحوه ، وأما المستقيم القبيح ، فأن تضع اللفظ فى غير موضعه ، نحو قولك قد زيدا رأيت ، وكى زيدا يأتيك ، وأشباه هذا. فأما المحال الكذب ، فأن تقول سوف أشرب ماء البحر أمس (١) كما تحدث عن الابتداء الذى جاء فى الدلائل (٢) ويصح تقديم خبر كان على اسمها ويصح تأخيره قال سيبويه «والتقديم هاهنا والتأخير فيما يكون ظرفا أو يكون اسما فى العناية والاهتمام ، مثله فيما ذكرت لك فى باب الفاعل والمفعول ، وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربى جيد كثير ، فمن ذلك قوله عزوجل (لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ، وأهل الجفاء من العرب يقولون : لم يكن كفوا له أحد ، كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرّة» (٣)

__________________

(١) سيبويه ـ الكتاب ـ ١ / ٢٥ و ٢٦.

(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٧٣.

(٣) سيبويه ـ الكتاب ـ ١ / ٥٦.

١٥٥

وذكر «باب ما يحذف فيه الفعل لكثرته فى كلامهم حتى صار بمنزلة المثل» (١) وأقر الاضمار على شريطه التفسير (٢).

يقول الدكتور ناصف «فالظاهر أن سيبويه أدرك النظم الذى هو قوام النحو ، وقد شرح أحيانا مواضع استعمال صور الوجه الذى يستعين عليه التعبير ليبلغ هدفه ، انظر إلى قوله مثلا «تقول العرب حمدا لله ، وثناء عليه ، وحمد لله وثناء عليه ، الأول تقوله وقد وقع ما يوجب الحمد ، والثانى للإبانة عن حالك الذى أنت عليها» فأنت ترى أسلوبين يفترقان فى مواضع الاستعمال ولا يختلفان فى التركيب ولا فى صورة النطق إلا من ناحية النصب والرفع ، ويستطرد الدكتور ناصف قائلا «وهكذا يفعل سيبويه فى كثير مما عرض له من أساليب النفى والاستفهام والشرط والتقديم والحذف» (٣).

وهذا ضرب من ضروب الأساليب البلاغية ، وميدان من الميادين التى تتجلى فيها عبقرية اللغة ويتضح من خلالها لون من ألوان فلسفتها.

ويرى الدكتور حسن عون ، أن هذا البحث من كتاب سيبويه أصبح فيما بعد «مصدرا هاما من مصادر عبد القاهر الجرجانى فاستغله استغلالا واسعا» (٤).

إذن فقد اهتمت البيئة النحوية بمسائل النظم ، وهذا ابن جنى المعتزلى (ت ٣٩٢) يعقد فصلا بعنوان «مشابهة معانى الإعراب معانى الشعر» وهو يستند إلى آراء أبى على الفارسى الذى أفاد منه عبد القاهر ومنها ما هو قريب فى نهجه ولونه من مباحث النظم فى الدلائل (٥) ونرى ابن جنى يفند أوهام اللفظيين

__________________

(١) نفس المصدر ـ ١ / ٢٨٠.

(٢) نفس المصدر ـ ١ / ٢٥٣ و ٢٧٧.

(٣) الدكتور مصطفى ناصف ـ النظم فى دلائل الاعجاز ـ حوليات آداب عين شمس ـ المجلد الثالث ص ١٨ ـ سنة ١٩٥٢ م.

(٤) الدكتور حسن عون ـ أول كتاب فى نحو العربية ـ مجلة آداب اسكندرية المجلد ١١ / ٤٨ سنة ١٩٥٧ م. وقد ذكر الجرجانى كتاب سيبويه فى (الدلائل) ص ٧٣ و ١٤٥ و ٢١٠ وفى الأسرار ٩٦ و ١٩٨ و ٢٢٩ و ٢٩٣.

(٥) ابن جنى ـ الخصائص ـ ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٨ ط دار الكتب ١٩٥٥ بتحقيق محمد على النجار.

١٥٦

فى الأبيات المشهورة (ولما قضينا من منى) (١) ويذكر أن المقاييس النحوية معنوية ولفظية ، والمعنوية أقوى (٢).

أقصد من وراء هذا ، أن أقول ـ إن نظرية النظم لم تخلق من فراغ ، فبذورها موجودة ، وليس ببعيد عنا تلك المناظرة الحادة التى قامت بين الحسن بن عبد الله ، ابن المرزبان ، المعروف بأبى سعيد السيرافى ، وبين أبى بشر متى بن يونس فى مجلس الوزير أبى الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات ، فى كلام السيرافى نرى ملامح التفكير فى نظرية النظم بين المناطقة والنحويين. قال أبو سعيد السيرافى ، فيما دار بينه وبين أبى بشر متى. (أسألك عن حرف واحد هو دائر فى كلام العرب ومعانيه متميّزة عند أهل العقل ، فاستخرج أنت معانيه من ناحية منطق أرسطاطاليس الذى تدلّ به وتباهى بتفخيمه وهو (الواو) ما أحكامه ، وكيف مواقعه؟ وهل هو على وجه واحد؟ فبهت متّى وقال : هذا نحو ، والنحو لم أنظر فيه ، لأنه لا حاجة للمنطقى مع النحو ، وبالنحوى حاجة إلى المنطق ، لأن المنطق يبحث عن المعنى ، والنحو يبحث عن اللفظ ، فإن مرّ المنطقى باللفظ فبالعرض ، وإن عثر النحوى بالمعنى فبالعرض ، والمعنى أشرف من اللفظ ، واللفظ أوضح من المعنى. قال أبو سعيد : أخطأت. لأن الكلام والنطق واللغة ، واللفظ والإفصاح والإعراب والإبانة والحديث والإخبار والاستخبار والعرض والتمنى والنهى والحض والدعاء والنداء والطلب ، كلها فى واد واحد بالمشاكلة والمماثلة ، ألا ترى أن رجلا لو قال : «نطق زيد بالحق لكن ما تكلم بالحق ، وتكلم بالفحش ولكن ما قال الفحش ، وأعرب عن نفسه ولكن ما أفصح ، وأبان المراد ولكن ما أوضح ، أوفاه بحاجته ولكن ما لفظ ، أو أخبر ولكن ما أنبأ ، لكان فى جميع هذا مخرفا ومناقضا ، وواضعا للكلام فى غير حقه ، ومستعملا اللفظ على غير شهادة من عقله ، وعقل غيره ، والنحو منطق ولكنه مسلوخ من العربية ، والمنطق نحو ، ولكنه مفهوم باللغة» وحين يقول متى : يكفينى من لغتكم هذه ، الاسم والفعل والحرف ، فإنى أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذبتها لى يونان ، يجيبه السيرافى : أخطأت لأنك فى هذا الاسم والفعل والحرف فقير إلى وصفها

__________________

(١) نفس المصدر ـ ٢١٨ ـ ٢٢٠.

(٢) نفس المصدر ـ ١١٠.

١٥٧

وبنائها على الترتيب الواقع فى غرائز أهلها ، وكذلك أنت محتاج بعد هذا إلى حركات هذه الأسماء والأفعال والحروف ، فإن الخطأ والتحريف فى الحركات ، كالخطإ والفساد فى المتحركات» ثم يقول : معانى النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته ، وبين وضع الحروف فى مواضعها المقتضية لها ، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير ، وتوخى الصواب فى ذلك وتجنب الخطأ من ذلك ، وإن زاغ شىء عن هذا النعت ، فإنه لا يخلو من أن يكون شائغا بالاستعمال النادر والتأويل البعيد ، أو مردودا لخروجه عن عادة القوم الجارى على فطرتهم (١).

ليس هذا فقط. ففي كتاب المجاز لأبى عبيدة ، نجد حديثا عن التقديم والتأخير حين يقول : ومن مجاز المقدم والمؤخر قال «فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت» أراد ربت واهتزت وقال «ولم يكد يراها» أى لم يرها ولم يكد (٢).

والمبرد ، لم يفته أن يبين علاقة النظم بالمعنى ، فيقول : إذا قلت جاءنى عبد الله الفاسق الخبيث ، كنت عرّفته بالخبث والفسق ، وهذا أبلغ فى الذم أن يقيم الصفة مقام الاسم (٣).

والخطابى ـ أبو سليمان حمد بن محمد ـ له رسالة رائعة فى «بيان إعجاز القرآن» يحدثنا فيها عن أقسام الكلام الفاضل بأن «القسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه ، والقسم الثانى أوسطه وأقصره ، والقسم الثالث أدناه وأقربه ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم حصة ، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة ، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتى الفخامة والعذوبة ، وهما على الانفراد فى نعوتهما كالمتضادين ، لأن العذوبة نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة فى الكلام تعالجان نوعا من الوعورة ، فكان اجتماع الأمرين فى نظمه مع نبوّ كل منهما على الآخر فضيلة خصّ بها القرآن» ثم يستطرد قائلا «وإنما تعذر على البشر الاتيان بمثله لأمور : منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة

__________________

(١) أبو حيان التوحيدى ـ الإمتاع والمؤانسة ١ / ١٠٨ ـ وما بعدها ـ ط مكتبة الحياة ـ بيروت. وانظر النص فى ياقوت الحموى ـ معجم الأدباء ـ ٢ / ١٩٠ وما بعدها.

(٢) أبو عبيدة معمر بن المثنى ـ مجاز القرآن ـ ١ / ١٢.

(٣) المبرد ـ الكامل ـ ٢ / ١٢٠ وقد رجع الجرجانى إلى المبرد فى الأسرار فى ٤١ و ٢٨٦.

١٥٨

العربية وبألفاظها التى هى ظروف المعانى والحوامل ، ولا تدرك أفهامهم جميع معانى الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ. ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التى بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض ، فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها ، إلى أن يأتوا بكلام مثله. وانما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة : لفظ حامل ، ومعنى به قائم ، ورباط لهما ناظم ، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه فى غاية الشرف والفضيلة ، حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أوضح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد تلاؤما وتشاكلا من نظمه ، وأما المعانى فلا خفاء على ذى عقل أنها هى التى تشهد لها العقول بالتقدم فى أبوابها والترقى إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها (١).

ويقول فى موضع آخر من رسالته هذه «فأما المعانى التى تحملها الألفاظ ، فالأمر فى معاناتها أشد لأنها نتائج العقول ، وولائد الأفهام وبنات الأفكار ، وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ وزمام المعانى ، وبه تنظيم أجزاء الكلام ، ويلتئم بعضه ببعض فتقوم له صورة فى النفس يتشكل بها البيان (٢).

وإذا تركنا الخطابى نجد قدامة بن جعفر ، يشير إلى صلة النظم بالنحو ، إذ ينبغى أن يتقصّى النظم خطا النحو الطبيعية (٣) وأبو هلال العسكرى يشير أيضا إلى وضع الألفاظ فى مواضعها (٤) ويلتفت إلى مبادئ الكلام ومقاطعه وحسن الخروج ، والفصل والوصول وما يجرى مجرى ذلك (٥) وابن رشيق القيروانى يتكلم عن الأسلوب الذى أفرغ إفراغا ، وذلك فى باب النظم من كتابه (٦).

__________________

(١) الخطابى ـ بيان اعجاز القرآن ـ ٢٤.

(٢) الخطابى ـ بيان اعجاز القرآن ـ ٣٣.

(٣) قدامة بن جعفر ـ نقد الشعر ـ ١٨٩.

(٤) أبو هلال العسكرى ـ الصناعتين ـ ١٣٥. وقد رجع الجرجانى إلى العسكريين وهما أبو أحمد وابن أخته أبو هلال ، ورد ذكر أبى أحمد فى الأسرار ص ٨٢ ، وورد ذكر أبى هلال فى الدلائل ص ٣٠٥. وفيها ذكر اسم كتابه «صنعة الشعر».

(٥) نفس المصدر ـ ٤٢٣.

(٦) ابن رشيق ـ العمدة ـ ١ / ١٧١. وقد رجع الجرجانى لابن رشيق فى الأسرار ص ٢٠٣ ، ٣٢٢.

١٥٩

بل نقرأ ما هو أقرب شبها بكلام الجرجانى ، وهو حديث الآمدى فى موازنته ، يقول : «التقرير على ضربين تقرير للمخاطب على فعل قد مضى أو على فعل هو فى الحال ليوجب المقرر ذلك ويحققه ، ويقتضى من المخاطب فى الجواب الاعتراف به ، نحو ، هل أكرمتك ، هل أحسنت إليك .... وتقرير على فعل يدفعه المقرر وينبغى أن يكون قد دفع نحو قوله : هل عرفت منى غير الجميل (١).

وكما وجدت نظرية النظم فى بيئة النحويين واللغويين والبلاغيين ، وجدت أيضا فى بيئة الأصوليين وهم أصحاب الصنعة القانونية فى فهمهم للشّرع الإسلامى من القرآن واستخراج أصول التشريع من عباراته. وحاجتهم فى ذلك إلى القواعد المسعفة على هذا الفهم والاستخراج ، قوية (٢) وهم يقدمون مدخلا لبحوثهم فيه تعريف بالقرآن وتواتره وإعجازه ثم عنه أهو لفظ أم معنى أم هما معا ثم عن عربيته وعن بيانه ثم ينتقلون إلى الأحكام التى اشتمل عليها القرآن (٣) ونراهم يسمون هذا المدخل المبادئ اللغوية يلمون فيها بأبحاث لغوية وصرفية واشتقاقية ونحوية بيانية ، وقد عرضوا فى مبادئهم اللغوية للبحث فى الحقيقة والمجاز والتشبيه والكناية وما إلى ذلك من أبحاث علم البيان المعروفة ، كما تحدثوا عن اشياء مما يتصل ببحث أجزاء الجملة ، فى علم المعانى ففي حديثهم عن العموم والخصوص عرضوا للتنكير والتعريف واستغراق الجمع والحصر ونحوه كما تحدثوا عما يمت إلى هذه المباحث اللفظية بصلة قوية من القول فى الترادف والاشتراك والتواطؤ ... الخ (٤) ويحدثنا الأستاذ أمين الخولى بأن تعرّض الأصوليين للمسائل البلاغية من المعانى والبيان قد انتهى بهم إلى تناول نواح لم يستوفها أصحاب البلاغة أنفسهم ..» (٥).

__________________

(١) الآمدى ـ الموازنة ـ ١ / ٢٠١ و ٢٠٢ ـ دار المعارف ١٩٦١ تحقيق السيد أحمد صقر.

(٢) أمين الخولى ـ فن القول ـ ٧٣ ط الحلبى ١٩٤٧.

(٣) وقد ثار نقاش بين فقهاء الحنفيّة حول القرآن : هل هو مجموع النظم والمعنى أى العبارة ومعناها الذى تدل عليه أم هو المعنى فقط؟ وبمثل هذا ثار الجدل بين فقهاء الشافعية. انظر فى ذلك. أبو زهرة ـ أصول الفقه ٧٣ إلى ٧٤ ط ١٩٥٧ م. وبدران أبو العنين بدران ـ أصول الفقه من ٦٠ إلى ٦٣ ط دار المعارف ١٩٦٩ م. وكذا دار هذا عند المالكية والحنابلة.

(٤) أبو زهرة ـ أبو حنيفة ـ ٢٣٧ ط ٣ القاهرة ١٩٦٠ وله أيضا انظر الشافعى الباب الأول كله وص ١٩٤ ط ٢ القاهرة ١٩٤٨ م.

(٥) أمين الخولى ـ فن القول ـ ٧٣.

١٦٠