جنة الحوادث في شرح زيارة الوارث

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني

جنة الحوادث في شرح زيارة الوارث

المؤلف:

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: محمد شريف الكاشاني
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٤

____________________________________

وإنّما هو ابن واحد فقال (ع) : والله يا أبا الجارود ان أعطيتم من كتاب الله مسمي لصلب رسول الله (ص) لا يردها قال قلت جعلت فداك واين؟ قال : قال حيث قال الله : «حرمت عليكم أمّهاتكم إلي قوله «وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم» فسئلهم يا أبا الجارود هل يحل لرسول الله شيء من حليلتهما؟ فإن قالوا نعم فقد كذّبوا والله وفجروا وإن قالوا : لا ، فهما والله أبناه لصلبه ، وما حرّمتعليه الا الصلب اه فتدبر.

وبالجملة ففي هذه الفقرات أشارة إلي شرافته النسبية وأصالته ونجابته بحسب الآباء والأمّهات ، كما ان الفقرات السابقة كانت أشارة إلي شرافته الذاتية وكمالاته المعنوية ومقاماته الروحانية والمرتضي من ألقاب أمير المؤمنين مشتق من ارتضيته إذا اخترته كرضيته لأنّ الله أرتضاه من خلقه لمقام الولاية الكلية فكان خاتم الأولياء كما كان المصطفي (ص) خاتم الأنبياء فالمصطفي والمرتضي بحسب التفسير واحد كما كانا بحسب الحقيقة متحدين كما قال أنا وعلي من نور واحد ، ويشهد به أيضاً ما في حديث النورانية ، والزهراء من ألقاب فاطمة (ع) وقد وردت في وجه تسميتها بذلك أخبار ففي بعضها : أنّها إذا قامت في محرابها زهر نورها إلي السماء ، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، وفي بعضها : ان الله خلقها من نور عظمته وفي بعضها : أنّه تعالي خلق نور فاطمة (ع) بعد أن أحاطت الظلمة بالملائكة فرفعها به والحديث طويل.

وفيه ثم أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلي الله أن يكشف عنهم تلك الظلمة فتكلّم الله بكلمة ، فخلق منها روحاً ، ثمّ

٤١

السلام علي يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور.

____________________________________

تكلّم بكلمة فخلق من ذلك الروح نوراً فأضاف النور إلي تلك الروح وأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء فلذلك سميت الزهراء الخ اه ، وورد في تسميتها بفاطمة أنّها تفطم محبيها من النار ، وتفطم أعدائها من الجنة اي تقطع. وخديجة هذه أمّها بنت خويلد بن أسد ، وهي أوّل من آمن بالله ورسوله من النساء تزوجها رسول الله (ص) وهي بنت أربعين سنة وستة أشهر وكان (ص) حينئذ ابن إحدي وعشرين سنة وولدت منه زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم والقاسم وزاد بعضهم الطيب والطاهر وماتت قبل الهجرة بسنة ، وهي أفضل نساء أهل الجنة ، وقد وردت في فضلها أخبار كثيرة.

السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور.

الثأر بسكون الهمز ، ويجوز تخفيفه بقلبه الفاء ، كالراس والفاس والكأس في الرأس والفأس والكأس ، وغير ذلك ممّا كان ما قبل الهمز فيه مفتوحاً كما يقلب ياء في المكسور ، والواو في المضموم كالبير في البئر والسور في السؤر. الذحل بالذال المعجمة والحاء المهملة الساكنة وقد تفتح : الحقد والعداوة وبمعناه الثؤرة بالضم أيضاً قال الشاعر :

شفيت به نفسي وأدركت ثورتي

بني مالك هل كنت في ثورتي نكسا

يقال أدركت ثأره اي حقده بقتل قاتله ويقال ثأرت القتيل بالقتيل إذا قلت قاتله ويقال ثأرتك بكذا اي أدركت به ثاري منك ويقال اثّأرت من فلان اي أدركت ثاري منه ، وكثيراً ما يستعمل في طلب الثأر. والذحل

٤٢

____________________________________

والوتر في المطالبة بالدم والإنتقام من القاتل ، وفي بعض الدعوات : اللهم أطلب بذحلهم ووترهم ودمائهم. قال الطريحي يقال طلب بذحله أي بثاره والذحل الثار ، وكذا الوتر بالفتح وكرر للتأكيد اه ، والمراد بكونه ثار الله : إنّ الله هو الذي يطلب بثاره وينتقم من أعدائه كما قال : «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل» الخ ، فيكون إشارة إلي ما يعطي أوليائه في زمن الرجعة من القوة والسلطنة والغلبة علي أعداء آل محمد (ص) فيقتلونهم من آخرهم بأشد قتلة وينكلون بهم بأشد تنكيل.

وفي مجمع البحرين ولعلّه مصحف من يا ثائر الله وابن ثائره اه والثائر علي صيغة إسم الفاعل : هو الذي لا يبقي علي شيء حتي يدرك ثاره ، فالمعني إنّه الذي يطلب ثاره بإذن الله فيكون ثائر الله. والوتر عطف علي المنادي المضاف فيكون منصوباً ، وهو بالكسر الفرد ، وبالفتح الذحل والثار علي لغة أهل العالية ، وأما أهل الحجاز فيفتحونه في الأوّل ، ويكسرونه في الثاني ، وتميم يكسرونه في المعنيين.

والموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، ويحتمل أن يكون بمعني المقطوع عن الأهل والإعوان ، الغريب عن الإوطان والمعني إنّه الفريد الوحيد الذي لا ناصرله ولا معين ، القتيل الذي لم يدرك بثاره أحد كما هو حقه ، وإنّما الطالب بثاره هو الله المنتقم فإنّه قتيل الله وابن قتله كما في زيارته أيضاً : «السلام عليك يا حجة الله وابن حجته ، السلام عليك يا قتيل الله وابن قتليه ، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ،

٤٣

أشهد أنّك قد أقمت الصلوة وآتيت الزكوة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتّي أتاك اليقين.

____________________________________

السلام عليك يا وتر الموتور في السموات والأرض ، أشهد أن دمك سكن في الخلد إلي قوله : أشهد أنّك حجة الله وابن حجته وأشهد أنّك قتيل الله وابن قتليه ، وأشهد أنّك ثار الله في الأرض وابن ثاره ، وأشهد أنّك وتر الله الموتور في السموات والأرض ، وأشهد أنّك قد بغت ونصحت» اه.

أشهد أنّك قد أقمت الصلوة وآتيت الزكوة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتّي أتاك اليقين.

أشهد اي اقر بلساني مذعناً بصميم جناني وفيه أشارة إلي كماله (ع) في مقام الخضوع والعبودية والخشوع والطاعة ، وبلوغه في بساط العبادة منتهي الكمال ، ووصوله إلي مقام مرضات ربّه ذي الجلال ، فإنّ العبودية شرف فاضل للعبد ، وأدب كامل للمخلوق ، بها ينال نهاية المقامات ويفوز بأسني الكرامات كما قال : إنّ العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّي كنت سمعه ، وبصره ويده الخ ، وقال الصادق (ع) : العبودية جوهرة كنهها الربوبية ، فما فقد في اللعبودية وجد في الربوبية ، وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية ، قال الله : «سنزيهم آياتنا» الخ اي موجود في غيبتك وحضرتك وتفسير العبودية بذل الكلية ، وسبب ذلك منع النفس عمّا تهوي ، وحملها علي ما تكره ، ومفتاح ذلك ترك الراحة وحب العزلة وطريقة الافتقار إلي الله ، قال رسول الله صلي الله عليه وآله : أعبد الله

٤٤

____________________________________

كأنّك تراه فأن لم تكن تراه فأنّه يراك ، وحروف العبد ثلثة العين والباء والدال ، فالعين علمه بالله ، والباء بونه عمّن سواه ، والدال دنوه من الله بلا كيف ولاحجاب الخ (اه).

والمراد بإقامة الصلوة أدائها علي الوج المأمور به من رعاية آدابها وشرايطها الظاهرية والباطنية من الخضوع والخشوع ، والإقبال الملي بالقلب علي باب المعبود ، والتوجه الكامل إلي جناب الرب الودود ، وقد صلي الحسين (ع) يوم عاشوراء بأصحابه صلوة باهي الله بها ملائكته المقربين ، وقبل بشرافتها صلوة الأنبياء والمرسلين لانقطاعه (ح) عن التعلق بما سوي الحق وبذله جميع ما كان له في سبيل الحق قائلا بلسان الحال بل القال :

تركت الناس طرّاً في هواكا

وايتمت العيال لكي أراكا

ولو قطّعتني أرباً فأرباً لما

حنّ الفؤاد إلي سواكا

ويحتمل أن يراد بإقامة الصلوة هو الإقرار بولاية أمير المؤمنين (ع) كما أنّ المراد بإيتاء الزكوة يحتمل أن يكون هو الإقرار بولاية سائر الأئمّة (ع) ويؤيد ذلك ما في حديث النورانية من قوله (ع) : يا سلمان ويا جندب : ان معرفتي بالنورانية معرفة الله ، ومعرفة الله معرفتي ، وهو الدين الخالص يقول الله : «وما أمروا ألا ليعبدوا الله» بالتوحيد ، وهو الإخلاص وقوله : «حنيفاً» وهو الإقرار بنبوة محمد صلي الله عليه وآله وهو الذين الحنيف قوله : «ويقيموا الصلوة» وهي ولايتي ، فمن والاني فقد أقام الصلوة ، وهو صعب مستصعب «ويؤتوا الزكوة» وهو الإقرار بالأئمّة ، «وذلك الدين القيم» الخ (اه).

٤٥

____________________________________

والأولي حمل الفقرة علي الظاهر والباطن معاً فقد ورد عن جوده وكرمه وأعانته للفقراء ، ورعايته للضعفاء مواساته مع المساكين سراً وعلانية ما هوا بين من الشمس ، واشهر من أن يذكر ، فقد حكي في مناقب ابن الجوزي : إنّه قال عمر بن سعد : من يوطيء الخيل صدره؟ فأوطئوا الخيل صدره وظهره ووجدوا في ظهره ووجدوا في ظهره آثاراً مسوداً فسألوا عنها فقيل كان ينقل الطعام علي ظهره في الليل إلي مساكين أهل مدينة اه وفي كتاب مطالب السؤل إنّه (ع) كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير ويسعف السائل ويكسو العاري ويشبع الجائع ويعطي الغارم ويشد الضعيف ويشفق علي اليتيم ويعين ذا الحاجة وقل ان وصله مال الا فرقه.

ونقل ان معوية لمّا قدم مكة وصله بمال كثير وثياب وافرة وكسوة وافية فرد الجميع عليه ولم يقبله منه ، وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة وصفة من قد حوي مكارم الأخلاق ، فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنّه متصف بمحاسن الشيم ، وقد كان في العبادة مقتدياً بمن تقدم حتّي نقل عنه (ع) إنّه حج خمساً وعشرين حجة إلي الحرم وجنائبه تقاد معه وهو ماش علي القدم اه.

والأمر بالمعروف هو المحل علي الطاعة قولا أو فعلاً ، والنهي عن المنكر هو المنع عن المعاصي كذلك ، والمعروف هو الفعل الحسن المشتمل علي وصف زائد علي حسنه سمي به لأنّ العقل يعرفه ويحسنه والمنكر هو الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه ، سمي به لأن العقل

٤٦

فلعن الله أمّةً قتلك ولعن الله أمّةً ظلمتك.

____________________________________

ينكره وينكر علي فاعله ، والاإشكال في وجوبها شرعاً لورود الآيات والأخبار الكثيرة به ، وأن أختلف في الكفائية والعينية وكذا في الوجوب العقلي فذهب جماعة إليه نظراً إلي أن ذلك لطف وهو واجب وتفاصيل تلك المباحث يطلب من الفقه كشرائط الوجوب ، ويحتمل أن يراد بالأمر بالمعروف دعوة الناس إلي محبة أمير المؤمنين (ع) وطريقته ومنهاجه وبالنهي عن المنكر منعهم عن الضلالات التي دعا إليها خلفاء الجور من أبي بكر وعمر وأحزابهما ، وربّما يفسر قوله : «إنّ الصلوة تنهي عن الفحشاء والمنكر» بأنّ علياً (ع) ينهي عن طريقة أبي بكر وعمر ويؤيّده مطابقة عدد المنكر مع عمر والإطاعة هو المتثال بالايتمار بالاوامر والإنتهاء عن النواهي.

واليقين هنا الموت كما في قوله تعالي : «واعبد ربّك حتّي يأتيك اليقين» أقيم السبب مقام المسبّب فإن بالموت يزول الشك ويحصل العلم بما أخبر به النبي صلي الله عليه وآله من أحوال النشأة الأخري وهذا بالنسبة إلي عامة الناس وأمّا الخصيصون من العباد فهم علي يقين وعلم في جميع أحوالهم فكأنّهم يعاينون الجنة والنار والصراط والميزان وسائر ما أخبربه الصادق الأمين ، ومن هنا قال علي عليه السلام : «لو كشف الغطا لمّا أزددت يقيناً» وحمل الصفوفية هذه الآية علي ظاهرها فزعموا أن لا تكليف علي أولياء الله فأنّهم بلغوا معارج اليقين وفساد زعمهم ظاهر مستبين.

فلعن الله أمّةً قتلك ولعن الله أمّةً ظلمتك

هذا تفريح علي جميع ، ما تقدم ، وفيه إشارة إلي أن الجامع لهذه

٤٧

____________________________________

الشرافات والكمالات الداخلية والخارجية يستحق التعظيم والإطاعة ، لا القتل والإهانة ، والظالم له مستحق للعن من الله ، وهو الطرد من رحمته والإبعاد عنها والأمّة الجماعة وفي تأنيث الضمير الراجع إليها والعدول عن التعبير بفعل العقلاء لطيفة لا تخفي علي الأذكياء ، فأجراهم مجري السباع من الكلاب العادية والذئاب الضارية التي لا تفرق في اذاها بين العالم والجاهل ، والصالح والطالح ، والبر والفجر والمؤمن والكافر ، بل هم أضل وأقسي منها حيث لا تجتريء علي الأنبياء وذرياتهم لمّا حرّم الله عليها لحومهم وهؤلاء قد هتكوا حرمة نبيهم بقتل بنيه وسبي ذراريه واساؤا الصنع فيهم بمالم يسبقهم إليه أحد من الملل السابقة مع ما أكد النبي صلي الله عليه وآله في حقّهم من الوصية بودادهم ومحبتهم ، حتّي جعل ذلك أجراً علي تعباته ومحنه في النبوة كما قال : «قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربي» فليت شعري ماذا كانوا يصنعون لو أمرهم ببغض العترة ونصب العداوة لهم أو يمكنهم الزيادة علي ما صنعوا كلا ما قدروا علي أزيد ممّا صدر عنهم من الظلم والطغيان ومعصية الرحمن

ولنعم ما قيل :

قد أبدلوا الودّ في القربي ببغضهم

كانما ودّ هم الذمر بغضاء

وقيل أيضاً

هم أهل بيت رسول الله جدّهم

أجر الرسالة عند الله ودّهم

هم الأئمّة دان العالمون لهم

حتّي أقر لهم بالفضل ضدهم

سعت أعاديهم في حط قدرهم

فازداد شاناً ومنه ازداد حقدهم

٤٨

____________________________________

ونابذوهم علي علم ومعرفة

منهم بان رسول الله جدّهم

كأن قربهم من جدهم سبب

للعبد عنهم وان القرب بعدهم

لو أنّهم أمروا بالبغض ما صنعوا

فوق الذي صنعوا الوجّد جدّهم

ولا شك عند نا في جواز اللعن ، بل وجوبه علي قتلة العترة الطاهرة وظلمتهم ، وقد دل عليه الكتاب والسنة المتواترة والإجماع من الإمامية والعقل المستقيم والذوق السليم ، والعجب ممّن أنكر هذا الحكم مع وضوحه وهم شرذمّة من مخالفينا فزعموا ان المسلم لا يجوز لعنه مطلقا ، وان يزيد واضرابه من ظالمي آل محمّد صلي الله عليه وآله كانوا مسلمين ، وللغزالي قبل تشيعه في المقام كلمات واهية يشمّ منها رائحة الكفر يستحيي القلم من تحريرها ، واللسان من تقريرها ، فالاعراض عن ذكرها اولي ، وحكي ابن الجوزي عن جدّه عن القاضي أبي يعلي بأسناده إلي صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : ان قوماً ينسبوناً إلي توالي يزيد ، فقال : يا بني وهل يتوالي يزيد أحد يؤمن بالله فقلت : فلم لا تلعنه ، فقال : وما رأيتني لعنت شيئاً ، يا بنيّ! لم لا تلعن من لعنة الله في كتابه؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال : في قوله «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فاصمهم وأعمي أبصارهم» اه ، وحكي أيضاً عن أبي يعلي إنّ الممتنع من جواز لعن يزيد أمّا أن يكون غير عالم بذلك ، أو منافقاً يريدان يوهم بذلك ، وربّمااستفز الجهال بقوله صلي الله عليه وآله : المؤمن لا يكون لعّاناً ، وهذا محمول علي من لا يستحق اللعن اه.

٤٩

____________________________________

وروي إنّه رجل للصادق عليه السلام يابن رسول الله إنّي عاجزٌ ببدني عن نصرتكم ، ولست أملك الا البرائة من أعدائكم واللعن عليهم فكيف حالي؟ فقال له (ع) : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله قال من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ، ولعن في خلواته أعدائنتا بلّغ الله صوته جميع الأملاك من الثري إلي العرش ، فكلّما لعن هذا الرجل أعدائنا لعناً ساعدوه فلعنوا من يلعه ، ثمّ ثنوه فقالوا : اللهم صلي علي عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر علي أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل الله قد أجبت دعائكم وسمعت تدائكم وصليت علي روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار اه.

ثمّ هذا اللعن لا يختصّ بمن صدر عنه القتل والظلم فعلا بل يجري في كل من هيأ أسباب ذلك وأسّس أساس الظلم والجور من أوّل الأمر ، وهم الغاصبون لحق علي (ع) في يوم سقيفة ، ولذا وردانه المقتول يوم الإثنين ، وبيانه : إنّهم طرحوا في أراضي قلوب الجاهلين بذور الكفر والنفاق ، واثبتوا فيها عروق أشجار الضلالة والشقاق ، فأثمرت المعاداة لأهل بيت النبوة والإعراض عن منهجهم وطريقتهم السنية ، فصنعوا ما صنعوا فظلموا حقّ العترة «وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٌ ينقلبون» فلعن الله أمّة أسّست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ، ولعن الله أمّة دفعتكم عن مقامكم ، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم الله فيها ولعن الله أمّة قتلتكم ، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم.

٥٠

ولعن الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به.

____________________________________

وفي الكلام تصريح بمار صار من الضروريات من كونه عليه السلام مقتولا فلا يلتفت إلي مازعمه بعض الملاحدة من أنّه لم يقتل ولكنّه شبّه به كما شبّه بعيسي (ع) وفي العيون أن جميع الأئمّة الأحد عشر بعد النبي صلي الله عليه وآله قتلوا منهم بالسيف ، وهو أمير المؤمنين والحسين (ع) والباقون قتلوا بالسم قتل كل واحد منهم طاغوت زمانه ، وجري ذلك عليهم علي الحقيقة والصحة لا كما تقوله الغلاة والمفوضة ـ لعنهم الله ـ فإنّهم يقولون إنّهم لم يقتلوا علي الحقيقة وإنّه شبّه علي الناس أمرهم ، فكذبوا ـ عليهم غضب الله ـ فإنّه ما شبّه امر احد من أنبياء الله وحججه للناس الا امر عيسي بن مريم وحده ، لأنّه رفع من الأرض حياً وقبض روحه بين السماء والأرض ثمّ رفع إلي السماء وردّ عليه روحه الخ وقريب منه ما في الإحتجاج

ولعن الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به.

المشار إليه بذا هو القتل والظلم ، والكفاف حرف الخطاب يبين به حال المخاطب من الأفراد والتثنية والجمع والتأنيث والتذكير ، ولذا يختلف إسم الإشارة مع هذا الحرف ، فيقال ذلكم وذالكما ، وإنّما أستحق الراضي لللعن مع عدم صدور الظلم منه ، لأن رضاه كاشف عن سوء سريرته وشقاوة باطنه بالنسبة إلي أهل البيت فيكون عدواً لهم بحيث لو قدر علي الظلم لكان ظالماً لهم فلا يكون مسلما كيف؟ وشرط الإسلام محبة الأئمّة الأعلام كما دل كثير من الأخبار وشهد به سليم الذوق والإعتبار ، وهذا هو السر في قتل القائم (ع) من ذراري الأعداء مالا يحصي لكونهم راضياً بما فعل آبائهم.

٥١

يا مولاي يا أبا عبد الله.

____________________________________

وفي تفسير الإمام عند قوله تعالي : «ولقد علمتم الذين اعتدوا» الخ إنّه سئل علي بن الحسين (ع) كيف يعاقب الله ويوبخ هؤلاء الاخلاف علي قبائح ما أتاه اسلافهم وهو يقول : «ولا تزروازرة وزراخري» فقال (ع) : إنّ القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل هذا اللسان بلغتهم ، يقول الرجل التميمي قد أغارقومهم علي بلد وقتلوا من فيه : اغرتم علي بلد كذا وقتلتم كذا ، ويقول العربي أيضاً : نحن قتلنا بني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خرجنا بلد كذا ، لايريدانهم ياشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالامتحان ان قومهم فعلوا ذلك فيقول الله في هذه الآيات ، إنّما هو توبيخ لا سلافهم وتوبيخ العذل علي هؤلاء المرجوفين لأن ذلك هو اللغة التي نزل القرآن فالآن هؤلاء الاخلاف أيضاً راضون بما فعل اسلافهم مصوبون ذلك لهم فجاز أن يقال : أنتم فعلتم اي إذا رضيتم قبيح فعلهم اه.

وهذا صريح في ان الراضي بفعل الظالم ظالم مثله ، فكم من داخل مع قوم هو خارج منهم كالمؤمن من آل فرعون وكم من خارج من قوم هو معهم لرضاه بفعلهم ، كابن عمرواضرابه ، وحكايته مع يزيد معروفة ككلامه بعد ان رأي العهد الذي كتبه أبوه إلي أبيه ، وفي بعض الأخبار من رضي بفعل فقد لزمه وان لم يفعل اه.

يا مولاي يا أبا عبد الله.

يحتمل أن يكون من تمام ما تقدم ، وأن يكون استينافاً لمّا يأتي والمراد بالمولي هو المراد به في قوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه»

٥٢

____________________________________

لأن ما ثبت له عليه السلام من الفضائل والخواص فهو ثابت لسائر الأئمّة المعصومين (ع) الا ما استثني ، فالمراد به هو أولي بالمؤمنين من أنفسهم كما كان النبي (ص) كذلك بنص القرآن ، فإن كل ماثبت للنبي (ص) فهو ثابت للوصي أيضاً الا ما أستثني ويحتمل أن يراد به السيد ومالك الرق فإنّ الناس كلهم عبيد لهم (ع) عبيد طاعة أو رق علي الخلاف.

وربّما يقال في الحديث : إنّ المعني من أحبني وتولاني فليحب علياً (ع) فالمراد يامن يجب عليمحبته ومودته ، ويلزم علي موالاته وولايته ، ويحتمل أن يراد به الناصر كما في قوله : «ذلك بأنّ الله مولي الذين آمنوا وإنّ الكافرين لا مولي لهم» اي يا ناصري في الدنيا عند توسلي إليك في قضاء حوائجي وفي الآخرة عند أهوالها وشدائدها ، وعند الموت يدفع سكراته عنّي.

وكيف كان فهذه المرتبة اي المولوية مرتبة سامية ومنزلة سامقة ودرجة علية ومكانة رفيعة ومقامة سنية جعلها الله لعلي (ع) أصلاة ولذريته وراثة ، وأبو عبد الله كنية الحسين (ع) والمراد به في الأخبار علي الإطلاق هو جعفر الصادق (ع) كما لا يخفي علي المتتبع ولا كنية للحسين (ع) سواه علي ما قيل ، ولكن ألقابه كثيرة كالرشيد والطيب والوفي والسيّد والزكي والمبارك والسبط والتابع لمرضاة الله ، والعرب يقصدون بالكني التعظيم لأنّ أكثر النفوس يتأنفون من التصريح بأسمائهم ، فلا بشترط أن يكون للمكني عنه ولد مسمي بهذا الإسم ، فيجوز أن يكون ويجوز أن لا يكون ، ولكن يظهر من عض الأخبار إنّه كان للحسين (ع)

٥٣

____________________________________

ولد صغير مسمي بعبد الله ، والظاهر إنّه هو علي الأصغر الذي قتل في حجره يوم العاشوراء بالسهم المسموم لعن الله قاتله.

وقد يقال : أنّ الحمرة التي ظهرت في السماء كات من دمه ، هذا بحسب ظاهر الأمر الذي يقتضيه نظر التدقيق أن تكنيته بهذه الكنية كانت في عالم الذر ، فأنّه لمّا قبل الشهادة التفصيلية الكلية التي أبي عن حملها غيره كما أشار الله بقوله : «فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان مظلوماً جهولا» اي مظلوماً مجهول القدر انتظم عالم الإمكان واستراح الإنسان بانتظام أمور دينهم ودنياهم ، فصار بالنسبة إلي جميعهم بمنزلة الوالد العطوف والأب الرؤف ، فكل ما سوي الله بمنزلة عبد واحد لله وهو أبوه.

ويمكن أن يقال : ان هذه الكنية من قبيل قولهم فلان أبو الخير إذا كان الخير منه كثير الصدور ، وكذلك فلان أبو الحرب أو أبو الجود فلمّا كان العبودية الكاملة التي حقيقتها الخضوع والذالة والإنكسار مظهرها هو الحسين (ع) سمي بهذه الكنية فليتأمّل ، وربّما يقال : إنّ العبد الحقيقي هو رسول الله (ص) ولذا قدم علي رسالته في التشهد والحسين (ع) كان والده للامة بالإضافة التشريفية فهو أبو عبد الله (ع) ويؤيده ما حكي عن تفسير القمّي (ره) في قوله : «ووصّينا الإنسان بوالديه إحسانا» ان الإنسان هو رسول الله (ص) والوادين الحسن والحسين عليهما السلام.

وكيف كان يندرج في هذا اللقب آثار جميع الألقاب المحمودة ولذا لم يكن بكنية أخري ، وصار فريداً في هذه الكنية بالإصالة

٥٤

أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها وم تلبسك من مدلهمات ثيابها.

____________________________________

الصادق (ع) كني بها تبعاً لمّا نشر الأحكام وروج شريعة سيد الأنام ، وأرشد الناس إلي فضائل أجداده الكرام صلوات الله عليهم من الآن إلي يوم القيام.

أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها وم تلبسك من مدلهمات ثيابها.

فيه ؤشارة إلي مقام نورانيته الذي يجب علي كل مؤمن الاقرار به كما قال مولانا علي (ع) : يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتّي يعرفني بالنورانية ، فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن أمتحن الله قلبه للإيمان ، وشرح صدره للإسلام وصار عارفاً بدينه ، ومن قصر عن ذلك فهو شاك مرتاب ، يا سلمان ويا جندب ان معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهو الدين الخالص إلي أن قال كحنت ومحمّد نوراً نسبح قبل المسبّحات ونشرق قبل المخلوقات فقسّم الله ذلك النور نصفين : نبي مصطفي ، وعلي مرتضي ، فقال الله لذلك النصف : كن محمداً وللآخر كن علياً ولذلك قال النبي (ص) : أنا من علي وعلي منّي الخ.

ولا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نور الله كما قال «وأنتم نور الأنوار وهداة الأخيار» والأخبار الواردة في ذلك فوق حد الإحصاء وبكونها متواترة صرح بعض الأذكياء ، وفي بعضها يا محمد إنّي خلقتك وخلقت علياً (ع) وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نوري من نور وفرضت ولايتكم علي أهل السماوات والأرض ، فمن قبلها

٥٥

____________________________________

كان عندي من المؤمنين ، ومن حجدها كان عندي من الكافرين.

وفي بعضها فقال يعني آدم يارب ماهذه الأنوار؟ فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلي ظهرك الخ ، وفي بعضها أوّل ما خلق الله نوري أنا من الله والكل منّي ، وفي بعضها كنت وعلياً نوراً بين يدي الرحمة قبل أن يخلق عرشه ، وفي بعضها إنّ الله خلقني وعلياً (ع) نوراً واحداً قبل خلق آدم ، ثمّ قسّمه نصفين ، ثمّ خلق الأشياء من نوري ، ونور علي (ع) ، وفي بعضها يا علي (ع) إنّ الله كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنّا إمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله ، ونقدّسه ونحمده ونهلّله ، وذلك قبل أن يخلق السموات والأرض ، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينة عليين وعجنا بذلك النور وغمسنا في الأنوار الخ ، وفي بعضها عن الباقر (ع) قال يا جابر كان والله ولا شييء غيره ، ولا معلوم ولا مجهول ، فأوّل ما إبتدأ من خلق خلقه أن خلق محمّداً وخلقنا معه نور عظمته فأوفقنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس الخ.

وفي الزيارة الجامعة : «خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدّقين» الخ ، والنور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره وحقيقة نورانيتهم غير معلومة لنا لكونها فوق إدراكات من دونهم فلا يعرفهم غيرهم كما قال يا علي ما عرفني الا الله وأنت ، وما عرفك الا الله وأنا ، فلا ندرك من مقامهم هذا سوي الإجمال كمالا ندرك في مقام الحق سوي ذلك ، وبيانه

٥٦

____________________________________

ان العالي محيط بالسافل دون العكس.

قوله : في الأصلاب اي مودعاً مستقراً في أصلاب الابآء الموحدين الشرفاء النجباء ، وأرحام الأمّهات الموحدات المطهّرات عن الخنا والسفاح ، العفيفات عن الزنا والفساد ، والشامخة العالية يقال : شمخ بأنفه إذا أرتفع وتكبر وفي الفقرة إشارة إلي ما برهن عليه في محله من أنّ الأئمّة (ع) لا يكون آبائهم وأمّهاتهم مشركين من آدم (ع) ولا يخالط نسبهم فساد وعهر وذم ، كيف؟ وهم ذرية النبي صلي الله عليه وآله وعترته ولا شك في طهارة عنصره وطيب مولده من لدن آدم إلي أبيه ، قال الصادق (ع) إنتخب لهم أحب أنبيائه إليه محمّد بن عبد الله صلي الله عليه وآله في حومة العز مولده وفي دومة الكرم محتده إلي أن قال : تبشربه كل أمّ ة من بعدها ، ويدفعه كل أب إلي أب من ظهر إلي ظهر ، لم يخلطه في عنصره سفاح ولا ينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلي أبيه عبد الله (ع) في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلأ حمل وأودع حجر أصطفاه الله وأرتضاه وأجتباه الخ.

وفي بعض كتب العامة : روي أنّه لمّا أهبطه الله إلي ظهر آدم أهبطه إلي أرضه المكينة وحمله مع نوح في السفينة وقذف به نار نمرود في صلب خليله المعروف بالكرم والجود ولم يزل ينقله في الأصلاب الكريمة الفاخرة إلي الأرحام الزكيّة الطاهرة حتّي أخرجه من بين أبويه للهدي والأصلاح لم يلتقياقط علي سفاح.

تنقلت في أصلاب قوم أعزة

بك إجتمعوا في كل واد ومحفل

٥٧

____________________________________

وأشرقت الأنوار في كل بقعة

وفاح الشذا في كل واد ومنزل

وأضحي لسان الحال ينشد برهة

تنقل فلذات الهوي في التنقل

وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل عبد الله ، وأوّل من أنكر أن يكون له ولد أو شريك ، ثمّ نحن بعد رسول الله صلي الله عليه وآله ثمّ أودعنا بذلك صلب آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب إلي صلب ولا إستقر في صلب الا تبين عن الذي أنتقل منه شرف الذي إستقرّ فيه حتّي صار في عبد المطلب فوقع بأم عبد الله فافترق النور جزئين : جزء عبد الله ، وجزء في أبي طالب ، وذلك قوله : «ونقلبك في الساجدين» يعني في أصلاب النبيين (ع) وأرحام نسائهم الخ اه ، وفي بعضها عن النبي صلي الله عليه وآله قال خلقني الله وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة الآف عام ثمّ نقلنا إلي صلب آدم ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلي أرحام الطاهرات.

وقوله : «لم تنجسك» الخ صفة ثانية لنوراً الوحال منه لمكان التخصيص ، وأقيم الحاضر مقام الغائب العائد إلي الموصوف أوذي الحال فيكون من قبيل قوله : «أنا الذي سمتني» والجاهلية علي ما في المجمع الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله ، وشرائع الدين والمفاخرة بالآباء والأنساب والكبر والتبختر وغير ذلك ، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يحدث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فأرموا رأسه بالحصي ، وقولهم كان ذلك في الجاهلية الجهلاء ، وهو توكيد للأوّل يشتق له من إسمه ما يؤكده به اه ، وإنجاس الجاهلية عبارة

٥٨

____________________________________

عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانية ، والإنجاس جمع النجس بفتحتين وهو القذر ، والمراد إنّه لم يلتوث إذيال عصمته بإرجاس الكفر وإنجاس المعاصي ، والمدلهمات : المظلمات يقال أدلّهم الليل كاقشعر : أظلم ، وليلة مدلهمة اي مظلمة ، ومن تبعضية ، والجار والمجرور في محل النصب ، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك من الببست زيداً جبة ، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة ، فهي في مقابلة لباس التقوي المشار إليه بقوله : «ولباس التقوي ذلك خير» ففي الكلام استعارة مكنية وترشيحية ، والمراد إنّ الله البسه حلل العلم والمعرفة والسخاوة والحلم وساير الأخلاق الحميدة والصفات الربّانيّة ، فلم تلبسه الجاهلية لباس الجهل والضلالة فإن الجهالات والضلالات ظلمات بعضها فوق ببعض ، وهو عليه السلام نور علي نور ونور فوق كل نور هو نور الأنوار والهادي للأخيار وحجة الجبار وكهف الأبرار.

قال الرضا (ع) الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأفق بحيث لا يناله الأيدي والأبصار ، الإمام البدر المنير والسراج الظاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجي والبلد القفار ولجج البحار ، الإمام العذب علي الظمأ والدال علي الهدي والمنجي من الردي إلي أن قال : الإمام المطهر من الذنوب ، المبرء من العيوب ، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم الخ. وعن النبي (ص) قال : أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.

٥٩

وأشهد أنّك من دعائم الدين وأركان المؤمنين

____________________________________

وأشهد أنّك من دعائم الدين وأركان المؤمنين.

الدعائم جمع الدعامة بكسر الدال ، وهي عماد البيت الذي يقوم عليه ، وكثيراً ما يستعار لكل ما لا يتم شييء إلّا ببه وكل ما يتوقّف عليه شييء بعلاقة المشابهة ، فإنّ البيت لا يستحكم بنائه إلّا بالدعامة والأساس ومنه قوله (ع) : لكل شييء دعامة ، ودعامة الإسلام الشيعة ، وقوله (ع) : دعامة الإنسان العقل اه لتوقفتحقّق الإنسانية علي العقل ، والمراد بالدين هو الإسلام لقوله تعالي : «إنّ الدين عند الله الإسلام» وقوله : «فمن إبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه» ومن تبعيضية اي من جملة الأئمّة الذين هم دعائم الدين ، والأركان جمع الركن ، وهو لغة جانب البيت ، وكثيراً يستعمل في معني الإسطوانة والدعامة فيستعار أيضاً فيما أشرنا إليه

وفي الكلام إشارة إلي إنّ الدين لا يكمل إلّا بولاية الإمام ، والإيمان لا يتحقّق إلّا بمحبّة ذرية سيد الأنام ، وقد تواترت بذلك الأخبار من النبي صلي الله عليه وآله وعترته المعصومين الكرام ، ففي بعضها عن الرضا (ع) إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إنّ الإمامة اس الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلوة والزكوة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام الخ وفي بعضها يا محمّد (ص) : لو أن عبداً عبدني حتّي ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لم أدخله جنتي ولا أطله تحت عرشي الخ.

وفي بعضها دعائم الإسلام خمس : الصلوة والصوم والزكوة والحج

٦٠