الفائق في غريب الحديث - ج ١

جار الله محمود بن عمر الزمخشري

الفائق في غريب الحديث - ج ١

المؤلف:

جار الله محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تقديم

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الكرام المنتجبين.

أما بعد.

لا شك أن كتاب «الفائق في غريب الحديث» لجار الله محمود بن عمر الزمخشري ، يعتبر خلاصة لجهود العلماء في شرح غريب الحديث النبوي الشريف ، هذه الجهود التي بدأت في أواخر القرن الثاني للهجرة وأوائل القرن الثالث مع أبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي المتوفى عام ٢١٠ ه‍ ، حيث يقال إنه أول من سلك هذه الطريق وصنف في غريب الحديث (١) ثم تتابعت من بعده مساهمات العلماء والمصنفين في هذا المضمار ، يُذْكَر منهم على سبيل المثال لا الحصر :

ـ محمد بن المستنير ، قطرب ، المتوفى عام ٢٠٦ ه‍ واسم كتابه «غريب الآثار».

ـ أبو زيد الأنصاري ، سعيد بن أوس بن ثابت المتوفى عام ٢١٥ ه‍.

ـ أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى عام ٢٢٤ ه‍.

ـ ابن الأعرابي ، محمد بن زياد المتوفى عام ٢٣١ ه‍.

ـ عمرو بن أبي عمرو الشيباني المتوفى عام ٢٣١ ه‍.

ـ أبو مروان عبد الملك بن حبيب المالكي الإلبيري المتوفى عام ٢٣٨ ه‍.

ـ أبو العباس محمد بن يزيد المبرد المتوفى عام ٢٨٥ ه‍.

ـ محمد بن عبد السلام الخشني المتوفى عام ٢٨٦ ه‍.

__________________

(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ، ابن الأثير الجزري. الجزء الأول صفحة ٣ وما بعدها.

٣

ـ أبو العباس ، أحمد بن يحيى ، ثعلب المتوفى عام ٢٩١ ه‍.

ـ قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي المتوفى عام ٣٠٢ ه‍.

ـ أبو محمد القاسم بن محمد الأنباري المتوفى عام ٣٠٤ ه‍.

ـ أبو موسى الحامض سليمان بن محمد بن أحمد المتوفى عام ٣٠٥ ه‍.

ـ أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري المتوفى عام ٣٢٨ ه‍.

ـ أبو درستويه ، أبو محمد عبد الله بن جعفر المتوفى عام ٣٤٧ ه‍.

ـ أبو سليمان الخطابي حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي الشافعي المتوفى عام ٣٨٨ ه‍.

ـ أبو القاسم إسماعيل بن الحسن بن الغازي البيهقي المتوفى عام ٤٠٢ ه‍ ، واسم كتابه «سمط الثريا في معاني غريب الحديث».

ـ أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الشافعي المتوفى عام ٤٤٧ ه‍ ، واسم كتابه «تقريب الغريبين».

ـ الشيخ العميد إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المتوفى عام ٥١٩ ه‍.

ـ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي المتوفى عام ٥٢٩ ه‍ ، واسم كتابه «مجمع الغرائب في غريب الحديث».

هذا بعض من جهود العلماء في شرح غريب الحديث النبوي ما قبل الزمخشري وكتابه «الفائق في غريب الحديث» ، حيث استفاد من هذا الحصاد والجهد الذي بذل من قبله.

وقد أورد الزمخشري في كتابه ، الكلمات الغريبة من الأحاديث والآثار مرتبة على حروف المعجم ، بحيث رتب كل باب على الحرف الأول مع الثاني ، مثلا باب الهمزة مع الباء ، ثم الهمزة مع التاء ، ثم الثاء ... الخ غير أنه لم يلتزم بالترتيب الألفبائي فيما بعد حرفي الباب ، فهو مثلا يذكر مادة «علو» قبل مادة «علم» و «أكل» قبل «أكد» ، أو يبدأ بلفظة معينة ثم يتركها للفظة أخرى ثم يعود لها ، فهو يذكر مثلا «أبو» ثم «أبد» ثم «ابن» ثم يعود إلى «أبو» وهكذا ، وهذا مما جعل عملية البحث عن الحديث والعثور عليه صعبا ويتطلب مشقة ، وسنضع إن شاء الله في آخر الكتاب فهرسا تفصيليا للكتاب ، يتضمن فهارس للألفاظ مرتبة ترتيبا ألفبائيا ، بالإضافة إلى فهارس الأحاديث النبوية والأعلام ، والأماكن ، والقبائل والجماعات والقوافي والآيات القرآنية وغيرها ، ولزيادة الاستفادة من هذا الكتاب فقد استعنا بكتاب «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير الجزري المتوفى عام ٦٠٦ ه‍ ، إذ

٤

وضعنا للمادة نجمة في المتن ، ووضعنا نفس المادة في الهامش وأضفنا إليها فوائد وأحاديث غير مذكورة في الفائق أخذناها من النهاية.

كما تم تخريج الآيات القرآنية ، وتخريج الشعر والأرجاز وشرحنا غريب الألفاظ.

وأخيرا فقد بذلنا وسعنا في سبيل أن يأتي هذا العمل ملبيا لحاجة الدارس والباحث في سبر كنوز هذا الكتاب. ونرجو أن يكون عملنا هذا ، خالصا لوجهه تعالى ، ولله الكمال وحده ، وهو ولي التوفيق.

إبراهيم شمس الدين

٥

ترجمة المؤلف

هو جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري صاحب المؤلفات في التفسير والحديث والنحو واللغة والأدب ، ولد عام ٤٦٧ ه‍ في زمخشر وهي قرية من قرى خوارزم.

أخذ عن أبي مضر محمود بن جرير الضبي الأصبهاني ، وأبي الحسن علي بن المظفر النيسابوري ، وأبي منصور بن نصر الحارثي ، وأبي سعد الشقاني.

طاف جار الله الزمخشري وجاب الآفاق في طلب العلم ، وتنقل ما بين بغداد ونيسابور ، ثم أقام بالحجاز ، ولقب نفسه جار الله ، إذ كان مجاورا للكعبة المشرفة ، وبهذا اللقب عُرف وشُهر.

وكان صاحب رأي في الاعتزال ، أعلنه في كتبه وصرح به في مجالسه ونادى به في رسائله ، فقد كان إذا قصد أحد معارفه استأذن عليه في الدخول ويقول لمن يأخذ له الإذن : قل له : أبو القاسم المعتزلي بالباب.

وقد ألف جار الله الزمخشري العديد من المصنفات والكتب التي امتازت بالبحث الدقيق والعلم الغزير ، ومن أشهر هذه المؤلفات : الكشاف في تفسير القرآن ، وأساس البلاغة في اللغة ، والمفصل ، والأنموذج في النحو ، والفائق في غريب الحديث ، وأطواق الذهب في المواعظ.

وللزمخشري أيضا رسائل مسجوعة ، ومقامات مصنوعة ، وله ديوان شعر ، ومن شعره:

سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي

من وصل غانية وطيب عناقِ

وتمايلي طرباً لحل عويصةٍ

أشهى وأحلى من مدامة ساقِ

وسرير أقلامي على أوراقها

أحلى من الدوكاء والعشاق

٦

وألذ من نقر الفتاة لدفِّها

نقري لألقي الرمل على أوراقي

أأبيت سهران الدجى وتبيته

نوماً وتبعثي بعد ذاك لحاقي

ومن شعره أيضا :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه ، كتمانه لي أسلم

فإن حنفياً قلت ، قالوا بأنني

أبيح الطِّلا وهو الشراب المحرم

وإن مالكياً قلت ، قالوا بأنني

أبيح لهم أكل الكلام وهم هم

وإن شافعياً قلت : قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن حنبلياً قلت ، قالوا بأنني

ثقيل حَلُوليٌّ بغيض مجسم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يقولون تيس ليس يدري ويفهم

تعجبت من هذا الزمان وأهله

فما أحدٌ من ألسن الناس يسلم

وأخّرني دهري وقدم معشراً

على أنهم لا يعلمون وأعلم

وقد أصيب بعطب في قدمه ، بسبب البرد الشديد ، أدى إلى بترها فاتخذ قدماً من خشب ، فكان إذا مشى ألقى عليها ثيابه الطوال فيظن الناس أنه أعرج ، وكان يصحب معه محضراً بشهادة خلق كثير ممن اطلعوا على الحادث ، خوفاً من أن يظن من رآه أن قدمه قطعت في ريبة ، فعل ذلك تحرزاً وتورعاً.

توفي جار الله الزمخشري في جرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة عام ٥٨٣ ه‍ ، وأوصى بأن تكتب على قبره هذه الأبيات :

يا من يرى مدّ البعوض جناحها

في ظلمة الليل البهيم الأليلِ

٧

ويرى عروق نياطها في نحرها

والمخ في تلك العظام النّحّلِ

اغفر لعبد تاب من فرطاته

ما كان منه في الزمان الأوّلِ

٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)

الحمد لله الذي فَتقَ لسانَ الذَّبيح بالعربية البينة والخِطَاب الفصيح ، وتولّاه بأَثرَةِ التقدم في النطْقِ باللغة التي هي أفصح اللغات ، وجعله أبا عُذْر التصدّي للبلاغة التي هي أتمُّ البلاغات ، واستلَّ من سُلالته عَدْنان وأبناءَه ، واشتّق من دَوْحته قَحْطان وأحْيَاءه ، وقسم لكل من هؤلاء من البَيَانِ قِسْطاً ، وضرب له من الإبداع سَهْماً ، وأَفرزَ له من الإِعراب كِفْلاً ؛ فلم يُخْلِ شعباً من شعوبهم ، ولا قبيلةً من قبائلهم ، ولا عِمارةً من عمائرهم ، ولا بَطْناً من بطونهم ، ولا فَخْذاً من أفخاذهم ، ولا فصيلةً من فصائلهم ، من شعراء مُفْلِقين ، وخطباء مَصَاقع (١) ، يرمون في حدَقِ البيان عند هَدْر الشقاشق ، ويصيبون الأغراض بالكَلِم الرواشق ، ويتنافثون من السحر في مناظم قريضهم ورَجَزهم وقصيدِهم ومُقطَّعاتهم ، وخُطبهم ومقاماتهم ؛ وما يتصرفون [عليه] فيها ، من الكناية والتعريض ، والاستعارة والتمثيل ، وأصناف البدِيع ، وضرُوب المجاز والافتنان في الإشباع والإيجاز ، ما لو عَثر عليه السَّحَرَةُ في زمن موسى عليه الصلاة والسلام والمُؤَخِّذون (٢) ، واطَّلع طِلْعه أولئك المُشْعوذون ، لقعدوا مقْمورين مَقْهورين ، ولبقُوا مبهوتين مبهورين ، ولاسْتكانوا وأذعنوا ، وأَسهبوا في الاستعجاب وأمعنُوا ، ولعلموا أن نفثاتِ العرب بألسنتها أحقُّ بالتسمية بالسِّحْر ، وأنَّهم في ضَحْضَاح منه ، وهؤلاء لجَّجوا في البحر.

ثم إن هذا البيانَ العربي كأن الله عزّتْ قدرته مَخَضه وألقى زُبْدته (٣) على لسان محمد عليه أفضل صلاة وأوفر سلام ؛ فما من خطيب يقاومه إلا نكَص متفكك الرِجل (٤) ، وما من مِصْقع يُناهزه إلا رجع فارغ السَّجْل ، وما قُرِن بمنطقه منطقٌ إلا كان كالبِرذَون مع الحصان المُطَهَّم ، ولا وقع من كلامه شيءٌ في كلام الناس إلا أشبه الوَضَح في نُقْبة الأدْهم. قال عليه السلام : أُوتيت جوامعَ الكلم. وقال : أنا أفصحُ العرب بَيْد أني من قريش ، واستُرضعت في بني سَعْدِ بن بكر.

__________________

(١) المصاقع : الفصحاء.

(٢) التأخيذ : نوع من السحر ، من الأخذة ، وهي رقية كالسحر ، أو خرزة يؤخذ بها.

(٣) الزبد : زبد السمن قبل أن يسلأ ، والواحدة منها زبدة.

(٤) متفكك الرجل : أي العي والعجز عن المقاومة.

٩

وقد صنّف العلماء رحمهم الله في كشف ما غَرُب من ألفاظه واستَبْهم ، وبيانِ ما اعتاص من أغراضه واستعجم ، كُتَباً تَنوَّقوا في تصنيفها ، وتَجَوَّدوا ، واحتاطوا ولم يتجوَّزوُا (١) ، وعكفوا الهمم على ذلك وحَرِصُوا ، واغتنموا الاقتدار عليه وافْتَرصوا ، حتى أحكموا ما شاءُوا وأتْرَصوا (٢) ، وما منهم إلا من بطش فيما انتحى بباع بسيط ، ولم يزلَّ عن موقف الصواب مقدار فَسِيط (٣) ، ولم يَدَع المتقدمُ للمتأخر خَصاصةً (٤) يَسْتظهِر به على سدِّها ، ولا أَنْشُوطة (٥) يستنهِضه لِشَدِّها ، ولكن لا يكاد يجد بدًّا من نَبغَ في فن من العلم ، وصبغ به يده ، وعانى فيه وُكْدَه (٦) وكَدَّه ، مِنَ اسْتِحباب أن يكون له فيه أثر يُكْسبه في الناس لسانَ الصدق وجمال الذكر ، ويخزنُ له عند الله جزيل الأجر وسَنِيَّ الذُّخر.

وفي صَوْب هذين الغرضين ذهبتُ عند صَنْعة هذا الكتاب غير آلٍ جُهداً ، ولا مقصّر عن مَدَى ، فيما يعود لِمُقْتَبِسِه بالنُّصْحِ ، ويرجع إلى الراغبين فيه بالنُّجح ، من اقتضاب ترتيب سَلِمت فيه كلمات الأحاديث نسقاً ونَضَداً ، ولم تذهب بَدَداً ، ولا أيدي سَبَا ، وطَرائِقَ قِدَدَا ، ومن اعتماد فَسْرِ مُوضِح (٧) ، وكشف مُفْصح ، اطلعت به على حَاقِّ المعنى (٨) وفَصِّ الحقيقة (٩) اطلاعاً مُؤَدَّاه طمأنينة النفس ، وثَلج الصدر ، مع الاشتقاق غير المستكره ، والتصريف غير المتعسّف ، والإعراب المحقق البَصْري ، الناظر في نص سيبويه وتقرير الفَسَويّ (١٠) ، فأيَّة نفس كريمة ، ونَسمة زاكية ، نوّر الله قلبها بالإِيمان والإِيقان ، مرّت على هذا التبيان والإِتقان ، فلا يذهبن عليها أن تدعو لي بأن يجعله اللهُ في موازيني ثِقَلاً ورُجحَاناً ، ويُثيبني عليه رَوحاً وريحاناً. والله عزّ سلطانه المرغوبُ إليه في أن يُوزِعنا الشكر على طَوْله وفضله ، وألا نُقْدم إلا على أعمال الخير خالصةً لوجهه ومن أجله ؛ إنه المنعم المنّان.

__________________

(١) أي لم يتساهلوا.

(٢) أترص الشيء : سواه وعدله.

(٣) الفسيط قلامة الظفر.

(٤) الخصاصة : الخلل.

(٥) الأنشوطة : عقدة يسهل حلها.

(٦) الوكد : السعي والجهد.

(٧) الفَسْرِ الموضح : البيان الموضح.

(٨) حاق المعنى : صادق المعنى.

(٩) فص الحقيقة : مفصل الحقيقة.

(١٠) الفسوي هو أبو علي الفارسي ، نسبة إلى فسا قرية في بلاد فارس.

١٠

حرف الهمزة

الهمزة مع الباء

[أبن] (*) : النبي صلى الله عليه وسلم ـ في ذكر مجلسه ، عن عليّ رضي الله عنه : مَجلسُ حِلْمٍ وحَيَاءٍ وصبر وأمانة ، لا تُرفَعُ فيه الأصوَاتُ ، ولا تُؤْبَنُ فيهِ الحُرَمُ ، ولا تُنْثَى (١) فَلَتَاتُه ؛ إذا تكلم أطرَق جُلساؤه كأنَّ على رؤُوسهم الطّيَر ، فإذا سكت تكلّموا ، ولا يقبَلُ الثناءَ إلا عن مُكافئ.

لا تؤْبن : أي لا تُقْذَف ولا تُعَاب ، يقال : أَبَنْتُهُ آبِنُهُ. وأَبَنَهُ [أبناً] وهو من الأُبَن ، وهي العُقَد في القُضبان ؛ لأنها تعِيبها.

ومنه قوله في حديث الإفْك : أَشِيروا عليّ في أُناسٍ أَبَنُوا أَهلِي.

ومنه حديث أبي الدّرداء إن نُؤْبَنْ بما لَيْسَ فِينا فرُبما زُكِّينَا بما ليس فينا.

البثّ والنثّ والنّثْو : نظائر.

الفَلْتَة : الهفوة. وافتُلِت القول : رُمى به على غير رويّة ؛ أي إذا فرَطَت من بعض حاضِريه سَقْطة لم تنشر عنه ، وقيل هذا نفيٌ للفلتات ونَثوِها ، كقوله :

*ولا تَرى الضبّ بها ينْجَحرْ* (٢)

__________________

(*) [ابن] : ومنه الحديث : أنه نهى عن الشعر إذا أُبِّنت فيه النساء. ومنه حديث أبي سعيد : ما كنا نأبْنُهُ برُقية. ومنه حديث أبي ذر : أنه دخل على عثمان بن عفان فما سبَّه ولا أَبَّنَهُ. وفي حديث المبعث : هذا إبَّان نجومه. وفي حديث ابن عباس : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أُبينَ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس. وفي حديث أسامة قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى الروم : أغِرْ على أُبَنى صباحاً. عن النهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزري طبعة المكتبة العلمية بيروت جزء ١ ص ١٧ ، ١٨.

(١) لا تنثى : لا تذاع.

(٢) صدره :

لا تفرغ الارنب اهوالها

والبيت من السريع ، وهو لابن أحمر في ديوانه ص ٦٧ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٢٢٩ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٢ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١١ / ٣١٣ ؛ والخصائص ٣ / ١٦٥ ، ٣٢١.

١١

كأن على رؤوسهم الطيرَ : عِبَارة عن سكونهم وإنْصَاتهم ؛ لأن الطير إنما تَقَعُ على الساكن ، قال الهُذلي :

إذا حلَّت بنو لَيْثٍ عُكاظ

رأيت على رُؤوسهم الغُرَابا

المكافِئ : المجازِي. ومعناه أنه إذا اصطنع فأُثِنيَ عليه على سبيل الشكر والجزاء تقبَّله. وإذا ابْتُدىء بثناء تسخَّطه ، أو لا يقبله إلا عمن يكافىء بثنائه ما يرى في المُثَنى عليه ، أي يماثل به ولا يتزيّد في القول ، كما جاء في وصف عمر رضي الله عنه زهيراً : وكان لا يمدحُ الرجلَ إلا بما فيه.

[أبو] (*) : وكتب لوائل بن حُجْر : من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبو أمية : إن وائلاً يُستَسعَى ويَتَرَفلُ على الأقوال حيث كانوا من حضرموت.

وروي أنه كتب له : من محمد رسول الله إلى الأقْيَال العَباهِلة من أهل حَضْرَمَوْت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، على التِّيعة شاةٌ ، والتِّيَمَة لصاحِبها ، وفي السُّيُوب الْخُمْس ، لا خِلاط ولا وِرَاط ، ولا شِنَاق ولا شِغَار ، ومن أَجْبى فقد أَرْبَى ، وكل مُسْكِر حرام.

وروي إلى الأقيال العَبَاهَلة والأَرْواع المشابيب من أهل حضرموت بإقام الصلاة المفروضة وأداء الزكاة المعلومة عند محلها ؛ في التِّيَعة شاة ، لا مُقْوَرَّة الأَلْيَاط ولا ضِناكٌ ، وأَنْطُوا الثَّبَجة ، وفي السُّيوب الخمس ، ومن زَنَى مِمْ بِكْر فاصْقَعُوه مائة واسْتَوْفِضُوه عاماً ، ومن زَنَى مِمْ ثَيّب فضَرّجُوه بالأَضَاميم ، ولا تَوْصيم في دين الله ، ولا غُمّة في فرائض الله ، وكلُّ مُسْكر حرام. ووائل بن حُجْر يترفّل على الأَقيال ، أمير أمّره رسول الله فاسمعُوا وأطيعوا.

ورُوي أنه كتب : إلى الأَقْوال العَبَاهِلة ، لا شِغَار ولا وِرَاط ، لكل عشرة من السَّرَايَا ما يحْمِل القِرَابُ من التَّمْر. وقيل هو القِراف.

أبو أمية : تُرِك في حال الجر على لفظه في حال الرفع ؛ لأنه اشتهر بذلك وعُرف ، فجرَى مَجْرى المثل الذي لا يغيّر. وكذلك قولهم : علي بن أبو طالب ، ومعاوية بن أبو سفيان.

يُسْتسعى : يُسْتعمل على الصَّدَقات ، من الساعي وهو المصدِّق.

__________________

* [أبو] : ومنه حدث الآعراب جاط سأل عن شرائع الإسلام ، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم : أفلح وأبيه إن صدق. ومنه حديث أم عطية : كانت إذا ذكرت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، أصله بأبي هو. ومنه الحديث : كلكم في الجنة إلا من أبي وشرد. ومنه حديث أبي هريرة : ينزل المهدي فيبقى في الأرض أربعين ، فقيل : أربعين سنة؟ فقال : أبيت ، فقيل : شرا؟ فقال أبيت ، فقيل : يوما؟ فقال : أبيت. النهاية في غريب الحديث / ١٩ ، ٢٠.

١٢

ويترفَّل : يتسوَّد ويترأّس. يقال : رفّلته فترفل. قال ذو الرُّمَّة :

إذَا نَحْنُ رَفَّلْنَا امْرَأً سَادَ قَوْمَه

وإن لم يكنْ من قبل ذَلِك يُذْكَر (١)

استعارهُ من تَرْفيل الثوب ، وهو إسْبَاغُه وإسباله.

حَضْرموت : اسم غير منصرف رُكّب من اسمين وبُني الأول منهما على الفتح. وقد يضافُ الأول إلى الثاني فيَعْتَقبُ على الأول وجوهُ الإعراب ويُخيَّر في الثاني بين الصرف وتركه. ومنهم من يضمُّ ميمه فيخرجه على زنة عنكبوت.

أَقْوال : جمع قَيْل. وأصله قَيّل فَيْعِل من القول فحذفَتْ عينه. واشتقاقه من القول كأنه الذي له قَوْل ، أي ينفذُ قَوْله. ومثله أموات في جمع ميّت. وأما أقيال فمحمول على لفظ قَيْل ، كما قيل أَرْياح في جمع ريح ؛ والشائع أَرْوَاح ؛ ويجوز أن يكون من التقيّل وهو الاتِّباع كقولهم تُبّع.

العباهلة : الذين أُقِرُّوا على مُلكهم لا يُزَالون [عنه] ، من عَبْهلَهُ بمعنى أَبهله إذا أهمله ، العينُ بدلٌ من الهمزة ، كقوله :

أعَنْ توسَّمتَ [من خَرْقَاءَ مَنْزِلةً

ماءُ الصَّبَابَةِ من عَيْنَيكَ مَسْجُومُ](٢)

وقَوله : وَلله عن يُشْفِيك أغنى وأوسع.

وعكسه : أُفُرّة في عُفُرَّة (٣) ، وأُباب في عُباب ، والتاء لاحقةٌ لتأكيد الجمع كتاء صَياقلة وقشاعمة. والأصل عباهل. قال [أبو وَجْزة السَّعْدي] :

*عَبَاهِلٍ عَبْهَلَها الوُرَّادُ*

ويجوز أن يكون الأصل عباهيل ، فحذفت الياء وعوِّضت منها التاء ، كقولهم : فَرَازِنة وزَنَادِقة في فَرَازِين وزَنَادِيق ، وحذفَ الشاعر ياءَها بغير تعويض على سبيل الضرورة كما جاء

__________________

(١) البيت في ديوان ذي الرمة ص ٢٣٨.

(٢) البيت من البسيط ، وهو لذي الرمة في ديوانه ١ / ٣٦٩ ، وجمهرة اللغة ص ٧٢٠ ، ٨٨٦ ؛ والجنى الداني ص ٢٥٠ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣٤١ ، ٤ / ٣٤٥ ، ١٠ / ٢٩٢ ، ١١ / ٢٣٥ ، ٢٣٨ ، ٤٦٦ ، والخصائص ٢ / ١١ ، ورصف المباني ص ٢٦ ، ٣٧٠ ؛ وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٢ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٤٢٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٧ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٧٩ ، ١٤٩ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٥٣ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٢٤١ (رسم) ، ١٣ / ٢٩٥ (غنى) ، ٣٠٨ (عين) ، ومجالس ثعلب ص ١٠١ ، ومغني اللبيب ١ / ١٤٩ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٥٦ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٠٣ ، ٢٠٨ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٦ ؛ والممتع في التصريف ١ / ٤١٣.

وفي اللسان والديوان : «ترسمت» بدل «توسمت».

(٣) يقال : جاء فلان في عفرة الحر وأفرته : أي شدته.

١٣

في الشّعر : المرازبة الجحاجح. وأن يكون الواحد عُبْهِولاً ، ويُؤَنِّس به قولهم : العُزْهُول واحدُ العَزَاهيل ، وهي الإبل المهملة. ويجوز أن يكون علَماً للنسَب ، على أن الواحد عَبْهَليٌّ منسوب إلى العَبْهَلة التي هي مَصْدر ، وقد حذفها الشاعر ، كقولهم : الأشاعث في الأشاعثة.

التِّيعة : الأربعون من الغَنَم ، وقيل : هي اسمٌ لأدنى ما تجبُ فيه الزكاة ، كالْخَمْس من الإبل وغير ذلك ، وكأنها الجُمْلةُ التي للسعاة عليها سبيل. من تاعَ إليه يَتيع إذا ذهب إليه ، أو لهم أن يرفعوا منها شيئاً ويأخذوا ، من تاع اللِّبَأ (١) والسمن يَتُوع ويَتِيع إذا رفعه بكِسْرَةٍ أو تمرة. أو من قولك : أعطاني درهماً فتِعْتُ به أي أخذته ، أو أن يقعوا فيها ويتهافتوا من التَّتايع (٢) في الشيء. وعينُها متوجِّهة على الياء والواو جميعاً بحسب المأخذ.

التِّيمَة : الشاةُ الزائدة على التِّيَعة حتى تبلغ الفريضة الأخرى. وقيل : هي التي تَرْتَبِطها في بيتِك للاحتلاب ولا تُسِيمها. وأيتهما كانت فهي المحبوسة إما عن السَّوْم وإما عن الصدقة ، من التَّتْييم ، وهو التعبيد والحبس عن التصرّف الذي للأحرار ، ويُؤكِّد هذا قولهم لمن يرتبط العلائف : مُبَنِّن ، من أَبَنَ بالمكان إذا احْتَبَس فيه وأقام. قال :

يعيِّرُني قومٌ بأنّي مُبَنِّن

وهل بنَّنَ الأشراط (٣) غيرُ الأَكارم

السُّيوب : الرِّكاز ، وهو المال المدفون في الجاهلية أَو المَعْدِن ، جمع سَيْب ، وهو العَطَاء ؛ لأَنه من فَضْل الله وعطائه لمن أصابَه.

الْخِلَاط : أن يخالط صاحبُ الثمانين صاحبَ الأربعين في الغنم ، وفيهما شاتان لتُؤْخَذ واحدة.

الوِرَاط : خِداع المُصَدِّق بأن يكون له أربعون شاة فيعطِي صاحبه نصفها لئلا يأخذَ المُصدِّق شيئاً ، مأخوذ من الوَرْطةِ ، وهي في الأصل الهُوَّة الغامضة ، فجُعِلت مثلاً لكل خُطّة وإيطاءِ عَشْوة ، وقيل هو تغييبها في هُوَّة أو خَمَر لئلا يعثر عليها المصدق ، وقيل هو أن يزعم عند رجل صدقةً وليست عنده فيورِّطه.

الشِّنَاق : أَخْذُ شيء ، من الشَّنَق ، وهو ما بين الفريضتين ، سُمِّيَ شَنَقاً لأنه ليس بفريضة تامةٍ ، فكأنه مشنوق أي مكفوف عن التمام ، من شَنقْتُ الناقة بزمامها إذا كفَفْتُها ، وهو المَعْنِيّ في تسميتهِ وَقَصا ؛ لأنه لمّا لم يُتم فريضةً فكأنه مكسور ، وكذلك شَنقُ الدية : العِدَّةُ من الإبل التي كان يتكرّم بها السيد زيادةً على المائة. قال الأخطل :

قَرْمٌ تُعَلَّقُ أَشْنَاقُ الدِّيَاتِ بِهِ

إذَا المُئونَ أُمِرَّتْ فَوْقَهُ حَمَلا (٤)

__________________

(١) اللبأ : أول اللبن في النتاج.

(٢) التتابع : التهافت والإسراع في الشر.

(٣) الأشراط : الأشراف والأرذال.

(٤) البيت في لسان العرب مادة شنق.

١٤

الشِّغَار : أن يُشَاغر الرجلُ الرجلَ ، وهو أن يزوِّجَه أُخته على أن يزوّجه هو أخته ، ولا مَهْرَ إلا هذا ، من قولهم : شَغَرْتُ بني فلان من البلد إذا أخرجتهم. قال :

ونحنُ شَغَرْنَا ابْنيْ نِزَارٍ كِلَيْهِمَا

وكلْباً بِوَقْعٍ مُرْهقٍ مُتَقَارِبِ

ومن قولهم : تفرقوا شَغَر بَغَر ؛ لأنهما إذا تبادَلَا بأختيهما فقد أخرج كلّ واحد منهما أُختَه إلى صاحبه وفارق بها إليه.

أَجْبى : باع الزَّرْعَ قبل بدو صَلَاحه ، وأصلُه الهمز ، من جَبأَ عن الشيء إذا كفَّ عنه ، ومنه الْجُبَّاء : الْجَبَان ؛ لأنّ المبتاع ممتنع من الانتفاع به إلى أن يُدْرِك ، وإنما خُفِّف ليُزَاوِج أَرْبى.

والإِرباء : الدخول في الرِّبَا ، والمعنى أنه إذا باعه على أن فيه كذا قفِيزا ، وذلك غيرُ معلوم ، فإذا نقص عما وقع التعاقدُ عليه أو زاد فقد حصل الربا في أحد الجانبين.

الأَرْواع : الذين يَرُوعون بجَهَارةِ المناظر وحُسْن الشَّارَّاتِ ، جمع رَائع ، كشاهد وأَشهاد.

المَشابيب : الزُّهْر الذين كأنما شُبّت ألوانهم ، أي أُوقدت ، جمع مشبوب. قال العجاج :

* ومِنْ قريش كُلُ مَشْبوبٍ أَغَرّ*

الاقْوِرار : تَشانّ الجلد واسترخاؤه للهزال ، ويَفْضُل حينئذ عن الجسم ويتَّسِع ؛ من قولهم : دَارٌ قَوْرَاء.

اللِّيط : القِشر اللاصق بالشجر والقصَب ، من لَاط حُبُّه بقلبي يَليط ويَلُوط إذا لصِق ، فاستُعير للجلد. واتُّسعَ فيه حتى قيل : لِيطُ الشمس للونها ، وإنما جاء به مجموعاً ؛ لأنه أراد ليط كل عُضْو.

الضِّنَاك : المكتنزة اللحم ، من الضَّنْك ؛ لأن الاكتناز تَضَامٌّ وتضايق ، ومطابقة الضناك الْمُقوَرّةَ في الاشتقاق لطيفة.

الإنطاء : الإعطاء ، يمانية.

ألحق تاء التأنيث بالثَّبج ، وهو الوَسَط ؛ لانتقاله من الاسمية إلى الوصفية ؛ والمراد أعطوا المتوسّطة بين الخيار والرُّذال.

قَلْبُ نون «من» ميماً في مثل قوله : مم ثَيِّبٍ لغة يمانية كما يُبدلون الميم من لام التعريف ، وأما مِمْ بِكرٍ فلا يختص به أهل اليمن ؛ لأن النونَ الساكنة عند الجميع تُقْلبُ مع الباء ميماً ، كقولهم شَنْبَاء وعنبر. والبِكر والثَّيِّب يطلقان على الرجل والمرأة.

١٥

الصَّقْع : الضرب على الرأس ، ومنه : فرس أصقع وهو المُبْيَضّ أعلى رأسه ؛ والمراد ههنا الضّرْب على الإطلاق.

الاستيفاض : التغريب ، من وفض وأوفض إذا عَدا وأسرع.

التَّضْريج : التَّدمية ، من الضرج ، وهو الشقُّ.

الأَضاميم : جماهير الحجارة : الواحدة إضْمامة ، إفْعَالة من الضم ، أراد الرَّجْم.

التَّوْصيم : أصله من وَصْمِ القناة وهو صَدْعُها ، ثم قيل لمن به وَجَع وتكسُّر في عظامه مُوَصَّم ، كما قيل لمن في حَسَبه غميزة مَوْصوم ، ثم شبّه الكسلان المتثاقل بالوَجِع المتكسِّر ، فقيل به توْصيم. كما قيل : مَرَّض في الأمر. والمعنى لا هوادة ولا محاباة في دين الله!

الغُمّة : من غَمَّه إذا ستره ؛ أي لا تُخْفَى فرائضه وإنما تُظهَر ويُجَاهر بها.

القِرَاب : شِبْه جِرَاب يضعُ فيه المسافرُ زادَه وسلاحه.

والقِرَاف : جمع قَرْف وهو ما يُحْمَل فيه الخَلْع (١). أَوجبَ عليهم أن يزوّدوا كل عشرة من السرايا المجتازة ما يسعُه هذا الوعاءُ من التمر.

[أبد] (*) : سُئِل عن بعير شَرَد فرمَاه بعضُهم بسَهْمٍ حبسه اللهُ به عليه ، فقال : إن هذه البهائم لَها أَوَابدُ كأَوَابد الوَحْشِ فما غلبكم منها فاصنَعُوا به هكذا.

أَوَابدُ الوَحْش : نُفّرُها. أَبَدَتْ تَأْبُدُ وتَأْبدُ أُبوداً ، وهو من الأَبَد ؛ لأنها طويلة العُمْر لا تكاد تموتُ إلَّا بآفةٍ ، ونظيرُه ما قالوه في الحيّاة إنها سُميت بذلك لطولِ حياتها. وحكَوا عن العرب : ما رأينا حيةً إلا مقتولة ولا نسراً إلا مُقَشَّباً (٢).

البَهيمة : كل ذات أربع في البر والبحر ، والمرادُ ههنا الأَهلية ، وهذه إشارةٌ إليها.

[أبط] (*) : أبو هريرة رضي الله تعالى عنه ـ كانت رِدْيَتُه التَّأَبُّط.

هو أن يُدخل رداءَه تحت إبطه الأيمن ، ثم يُلقيَه على عاتقه الأيسر.

الرِّدْية : اسم لضَرْب من ضُروب التردّي كاللِّبسة والجِلسة ؛ وليست دلالتُها على أن لام رداءٍ ياء بحَتْمٍ ، لأنهم قالوا : قِنْيَة (٣) ، وهو ابن عمي دِنْيا (٤).

__________________

(١) الخلع : لحم الجزور يطبخ بشحمه ثم تجعل فيه توابل ثم تفرغ في هذا الجلد.

(*) [أبد] : ومنه حديث أم زرع : فأراح عليَّ من كل سائمة زوجين ، ومن كل آبدة اثنتين. النهاية ١ / ١٣.

(٢) كل مسموم قشيب ومقشب (لسان العرب : قشب).

(*) [أبط] : ومنه حديث : أما والله إن أحدكم ليخرج بمسألته من عندي يتأبطها. النهاية ١ / ١٥.

(٣) القنية بضم القاف وكسرها : الكسبة بكسر الكاف.

(٤) دنيا بالفتح وبالتنوين إذا كان ابن عمه لحا.

١٦

عَمْرو ـ قال لعمر رضي الله عنه : إني واللهِ ما تأَبَّطتْنِي الإِمَاءُ ، ولا حملتني البَغَايا في غُبَّرات المآلِي. ـ أي لم يحضُنَّنِي.

البغايا : جمع بَغِيّ فَعول بمعنى فاعلة [من البغاء].

الغُبَّرات : جمع غُبَّر ، جمع غَابِر ؛ وهو البقيّة.

المآلِي : جمع مِئْلاة وهي خِرْقة الحائض ههنا ، وخِرقة النَّائحة في قوله :

* وأنوَاحاً عليهنَّ المآلِي * (١)

ويقال : آلَتِ المرأةُ إيلاءً إذا اتَّخَذَتْ مِئْلَاةً. ويقولون للمتسلية المتألِّية. نفَى عن نفسه الجمعَ بين سُبَّتَين : إحداهما أن يكون لغِيَّة (٢) ، والثانية أن يكونَ محمولاً في بقيَّةِ حَيْضَة ، وأضاف الغُبَّرات إلى المآلي لمُلابستها لها.

[أبل] (*) : يحيى بن يَعْمَر ـ أَيُّ مال أَدَّيت زكاتَه فقد ذهبت أَبَلَته.

همزتها عن واو ، من الكلأ الوبيل ؛ أي وَبَاله ومَأْثَمَتِه.

وَهْب ـ لقد تأبَّل آدمُ على ابنِه المقْتول كَذَا وكَذَا عاماً لا يُصِيب حَوَّاءَ.

أي امتنع من غِشيان حوَّاء متفجعاً على ابنه ، فعدِّي بعلى لتضمّنه معنى تفجَّع ، وهو من أَبَلت الإبلُ وتأبَّلت إذَا جَزَأت.

في الحديث : يَأْتي على الناس زمان يُغْبَطُ الرَّجلُ بالوَحْدة كما يُغْبط اليوم أبو العَشَرة.

هو الذي له عَشْرة أولاد ، وغِبْطته بهم أنّ رحْلَه كان يُخْصب (٣) بما يصيرُ إليه من أرزاقهم ؛ وذلك حين كان عِيَالاتُ المسلمين يُرْزقون من بيت المال.

وروي : يُغْبَط الرجل بخفّة الْحَاذِ ، أَيْ بخفَّة الحالِ ، حُذِف الراجع من صفة الزمان إليه ، كما حذف في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً*) [البقرة : ٤٨]. والتقدير يُغْبَطُه ولا تَجْزيه ، أي يُغبط فيه ولا يجزى فيه.

__________________

(١) صدره :

كأن مصفحات في ذراء

وهو للبيد بن ربيعة في لسان العرب (نوح).

(٢) لغِيَّة : أي لزنية.

(*) [أبل] : ومنه حديث ضوال الإبل : أنها كانت في زمن عمر أبلاً لا يمسها أحد. ومنه الحديث : كان عيسى عليه السلام يسمَّى أبيل الأبيلين. ومنه حديث الاستسقاء : فألَّف الله بين السحاب فأبلنا. النهاية ١ / ١٦.

(٣) يخصب : أي يصير ذا خصب.

١٧

لا تَبِع الثَّمر حتى تأمَنَ عليه الأُبْلة (١).

هي العاهَة بوَزْن الأُهْبَة ، وهمزتُها كهمزة الأَبَلة في انْقِلابها عن الواو من الكلأ الوبيل ، إلا أنها منقلبة عن واو مضمومة ، وهو قياس مطّرد غيرُ مفتقر إلى سماع ، وتلك ـ أعني المفتوحة ـ لا بد فيها من السماع.

مَأْبُورة في (سك). ليس لها أبو حَسن في (عض). لا يُؤْبَه له في (ضع). إبَّان في (قح). لا أبا لَك في (له). أَبْطَحِيّ في (قح). مآبضه في (حن). بأبي قُحَافة في (ثغ) ابن أبي كبشة في (عن). الإباق في (دف).

الهمزة مع التاء

[أتى] (*) : النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ـ سأل عاصم بن عَدِيّ الأَنْصاري عن ثابت بن الدَّحْداح حين تُوفّي : هل تَعْلَمُون له نَسباً فيكم؟ فقال : إنما هُوَ أَتِيٌ فينا. فقَضى بميراثِه لابْنِ أُخْتِه.

هو الغريبُ الذي قدم بلادَك. فَعول بمعنى فاعل ، من أَتَى.

توفي ابنُه إبراهيم فبكى عليه فقال : لولا أَنه وعدٌ حقٌّ ، وقولٌ صِدْقٌ ، وطريقٌ مِئتاءٌ لحزِنَّا عليكَ يا إبْرَاهيم حُزْناً أشدَّ من حُزْنِنا.

هو مِفْعال من الإتيان ؛ أي يأتيه الناسُ كثيراً ويسلكونه ، ونظيره دار مِحْلال للتي تُحَلُّ كثيراً ، أراد طريق الموت.

وعنه عليه السلام أن أبا ثعلبة الْخُشَنِي استفتاه في اللُّقَطة ، فقال : ما وَجَدْتَ في طريقٍ مِئْتاء فعرِّفْه سَنَةً.

عثمان رضي الله عنه ـ أَرْسَل سَليط بن سَلِيط وعبدَ الرَّحمن بن عتَّاب إلى عبد الله بن سَلَام فقال : ائْتِياه فتنكَّرَا له وقولا : إنَّا رَجُلان أَتَاوِيَّان وقد صَنَع الناسُ ما تَرَى فما تأمُر؟ فقالا له ذلك ، فقال : لستُما بأَتَاوِيَّيْنِ ولكنكما فلان وفلان وأرسلكما أميرُ المُؤْمِنين.

الأَتاوِيّ : منسوب إلى الأَتِيّ وهو الغريب. والأَصل أَتَويّ كقولهم في عديّ عدَوِي ، فزيدت الألف ؛ لأن النسب باب تغيير ، أو لإشباع الفتحة ، كقوله : بمُنتَزَاحِ (٢). وقوله : لا تُهَالَه (٣).

__________________

(١) صوابة الأَبلة بفتح الهمزة والباء كما جاء في حديث آخر (لسان العرب : أبل).

(*) [أتى] : ومنه حديث الزبير : كنا نرمي الأتْوَ والأتْوَين. ومنه حديث ظبيان في صفة ديار ثمود : وأتَّوْا جداولها. ومنه الحديث : خير النساءِ المواتية لزوجها. النهاية ١ / ٢١.

(٢) يقال : أنت بمنتزاح من كذا : أي ببعيد عنه (لسان العرب : نزح).

(٣) هو من هالني الأمر : أي أفزعني (لسان العرب : هول).

١٨

ومعنى هذا النسب المبالغة ، كقولهم في الأَحمر أحمري ، وفي الخارج خارجي ، فكأنه الطارىء من البلاد الشاسعة. قال :

هيهاتِ حَجْرٌ مِن صُنَيْبِعَات (١)

يُصْبِحْنَ بالقَفْرِ أَتَاوِيَّاتِ

هَيْهَاتِ عن مُصْبَحها هَيْهَاتِ

عبد الرحمن ـ إن رجلاً أتاه فرآه يُؤَتِّي الماءَ في أرضٍ له.

أي يُطَرِّقُ له ويُسهِّل مَجْراه ، وهو يُفَعِّل من الإتيان.

[إتب] : النَّخَعي ـ إن جارية له يقال لها كَثِيرَة زَنَتْ فجلدها خمسين ، وعليها إتْب لها وإزار.

هو البَقِيرة ، وهي بُردة تُبْقَر أي تُشق فتلبس بلا كُمَّين ولا جَيب.

الهمزة مع الثاء

[أثل] (*) : النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال في وصيّ اليتيم يَأْكُل من ماله غير مُتَأَثِّلٍ مالاً.

أي [غير] متخذ إياه لنفسه أثَلة ، أي أصلاً ؛ كقولهم : تديَّرتُ المكان إذا اتخذته داراً لك ؛ وتبَنَّيته ، وتَسرَّيتها ، وتوسَّدْت سَاعِدي.

ومنه حديث عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في أرضه بخيبر أن يَحْبِس أصلها ويجعلها صدقةً ، فاشترط ، فقال : ولمن وَلِيَها أَن يَأْكُلَ منها ويُؤكلَ صَدِيقاً غير مُتَأَثِّل ـ وروى غير مُتَموّل.

[أثر] (*) : خطب في حِجَّته أو في عام الفتح فقال : أَلَا إنَّ كُلَّ دَمٍ ومالٍ ومَأْثُرَةٍ كانت في الجاهلية فهي تحت قدميَّ هاتَينِ ؛ منها دَمُ ربيعة بن الحارث إلَّا سِدَانة الكَعْبَة وسِقاية الحاجّ.

المأثُرة : واحدة المآثر ، وهي المكارم التي تؤثَر ؛ أي تُرْوى ، يعني ما كانوا يتفاخرون به من الأنساب وغير ذلك من مفاخر أهل الجاهلية.

__________________

(١) الرجز لحميد الأرقط في لسان العرب ٧ / ١٧٩ (عرض) ، ١٤ / ١٦ (أتى) ، ولأبي النجم في الحيوان ٥ / ٩٨ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٤ / ٦٥ ، ٦٦.

(*) [أثل] : ومنه حديث : أن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أثل الغابة. ومنه حديث أبي قتادة : إنه لأول مال تأثلته. النهاية ١ / ٢٣.

(*) [أثر] : ومنه الحديث : قال للأنصار : إنكم ستلقون بعدي أَثَرةً فاصبروا. ومنه الحديث : وإذا استأثر الله بشيء فأَلْه عنه. ومنه حديث عمر : فو الله ما أستأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم. ومنه حديث علي في دعائه على الخوارج : ولا بقي منكم آثِرٌ. النهاية ١ / ٢٢ ، ٢٣.

١٩

سِدَانة الكعبة : خِدْمتها ، وكانت هي واللواء في بني عبد الدار ، والسقاية والرّفَادة إلى هاشم ، فأُقرَّ ذلك في الإسلام على حاله. وإنما ذكر أحدَ الشيئين دون قَرِينة ـ أعني السدانة دون اللواء ، والسقاية دون الرِّفادة ؛ لأنهما لا يفترقان ولا يخلو أحدُهما من صاحبه ؛ فكان ذِكْرُ الواحد متضمناً لذكر الثاني.

وهذا استثناء من المآثر وإن احتوى العطف على ثلاثة أشياء. ونظيره قولك : جاءتني بنو ضَبّة ، وبنو الحارث ، وبنو عبس ، إلا قَيْسَ بن زهير. وذلك لأنّ المعنى يدعوه إلى متعلّقه.

قوله : تحت قدميّ ، عبارة عن الإهدار والإبطال ، يقول المُوَادِع لصاحبه : اجعل ما سلف تحت قدميك ، يريدُ طَأ عليه واقمعه.

الضمير في منها يرجع إلى معنى كل ، كقوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧]. وكذلك الضمير في كانت وفي قوله فهي.

فإن قلت : هل يجوز أن يكون لفظ كانت صفة للذي أُضِيف إليه كلّ وللمعطوفيْن عليه فيستكنّ فيه ضميرها؟ قلت : لا والمانع منه أن الفاء وقع في الخبر لمعنى الجزاء الذي تتضمنه النّكرة الذي هو كل ، وحقه أن يكون موصوفاً بالفعل ، فلو قطعنا عنه كانت لم يَصْلُح لأن يقع الفاءُ في خبره ؛ فكانَت إذن في محل النصب على أنه صفة كل وكائن فيه ضميره ، وفيه دليل على أن إنَّ لا يُبْطل معنى الجزاءِ بدخوله على الأسماء المتضمنة لمعنى الشرط.

أبطل الدماء التي كان يَطْلُب بها بعضُهم بعضاً فيدُوم بينهم التغاور والتناجز ، والأموالَ التي كانوا يستحلونها بعقود فاسدة ، هي عقود رِبا في الإسلام ، والمفاخر التي كانت ينتج منها كلّ شر وخصومه وتهاج وتَعَاد.

وأما دمُ ربيعة فقد قُتِل له ابنٌ صغير في الجاهلية فأضاف إليه الدَّم ، لأنه وَلِيُّه ، وربيعة هذا عاش إلى أيَّام عمر.

[وفي الحديث] : مَنْ سَرَّة أَنْ يَبْسُط الله في رزقه ويَنْسَأَ في أَثَره فلْيَصِل رحمه.

قيل هو الأَجل ؛ لأنه يَتْبع العمر ، واسْتُشْهِدَ بقول كعب :

والمَرْءُ ما عَاشَ ممدودٌ له أمَلٌ

لا يَنْتَهِي العمْرُ حتَّى يَنْتَهِي الأثَرُ (١)

ويجوز أن يكون المعنى إن الله يُبقي أثرَ وَاصِل الرَّحمِ في الدنيا طويلاً فلا يضمحلّ سريعاً كما يضمحل أَثر قاطع الرحم.

__________________

(١) نسبه في لسان العرب (أثر) إلى زهير بن أبي سلمى.

٢٠