الشّفاء ـ طبيعيّات - المقدمة

الشّفاء ـ طبيعيّات - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العلوم الطبيعيّة
المطبعة: گل‌وردى
الطبعة: ٢
ISBN: 978-600-161-072-1
الصفحات: ٩٤

١
٢

الفهرس

تصدير للدكتور إبراهيم مدكور.............................................. ه ـ ح

مقدمة للدكتور عبد الحليم منتصر............................................ ط ـ ن

الفن الخامس من الطبيعيات (وهو مقالتان)

المقالة الأولى

فيما يحدث من ذلك بناحية الأرض وهى ستة فصول

الفصل الأول ـ فصل فى الجبال وتكونها........................................... ٣

الفصل الثاني ـ فصل فى منافع الجبال وتكون السحب والأنداء..................... ١٠

الفصل الثالث ـ فصل فى منابع المياه............................................ ١٣

الفصل الرابع ـ فصل فى الزلازل................................................ ١٥

الفصل الخامس ـ فصل فى تكوين المعدنيات..................................... ٢٠

الفصل السادس ـ فصل فى أحوال المسكونة وأمزجة البلاد......................... ٢٤

المقالة الثانية

وهى تشتمل على الأحداث والكائنات التي لا نفس لها مما يكون

فوق الأرض وهى ستة فصول

الفصل الأول ـ فصل فى السحب وما ينزل منها وما يشبه ذلك.................... ٣٥

الفصل الثاني ـ فصل فى المقدمات التي توطأ لتعليم السبب الفاعل للهالة وقوس قزح وسائر ما يشبههما     ٤٠

الفصل الثالث ـ فصل فى الهالة وفى قوس قزح.................................... ٤٧

الفصل الرابع ـ فصل فى الرياح................................................. ٥٨

الفصل الخامس ـ فصل فى الرعد والبرق والصواعق وكواكب الرجم والشهب الدائرة وذوات الأذناب         ٦٧

الفصل السادس ـ فصل فى الحوادث الكبار التي تحدث فى العالم.................... ٧٥

فهرس المصطلحات.......................................................... ٨١

٣

٤

تصدير

للدكتور إبراهيم مدكور

لسنا فى حاجة أن ننوه بعظم ثقافة ابن سينا ، فقد كان فيلسوفا وصوفيا ، عالما وطبيبا. كتب فى المنطق والميتافزيقى ، فى الأخلاق والسياسة ، فى أحوال العارفين ومقاماتهم. وكتب أيضا فى الطب والكيمياء ، فى الطبيعة وعلم الأحياء ، فى الجيولوجيا وعلم المعادن ، فى الفلك والرياضة. وكتاباه" الشفاء" و" القانون" خير شاهد على ثقافته الواسعة.

استوقفت فلسفته وتصوفه الباحثين منذ عهد بعيد ، وكتب عنهما شرقا وغربا ، وبلغات مختلفة. أما علمه وطبه فلم ينالا بعد حظهما من الدراسة ، وقد وجّه النظر إليهما غير مرة. وعلى الأخص فى ربع القرن الأخير بمناسبة ذكرى وفاته ومولده التي أثارت بحوثا كثيرة ، وحفزت إلى دراسات عدّة ، وحتى فى هذه الذكرى كان نصيب العلم والطب ضئيلا بالنسبة إلى الجوانب الأخرى. والواقع أن تاريخ العلوم فى الإسلام لا يزال فى حاجة ماسة إلى أن يحقق ويكتب من جديد ، وما أجدره أن تتضافر عليه جهود شتى. وتكاد تعدّ الصفحات الخالدة التي وقفها عليه ابن خلدون فى" مقدمته" مصدرنا الأول فى العربية ، وبخاصة فى تاريخ العلوم الطبيعية.

وليس شىء أعون على معرفة ابن سينا العالم والطبيب من نشر مؤلفاته العلمية والطبية. وفى طبيعيات" الشفاء" ورياضياته أبواب من العلم فيها عمق ودقة ،

٥

وجدّة وطرافة ، وليست فى متناول كثيرين. وها نحن أولاء نتابع نشرها ، ويوم أن تنشر وتقرأ ستقود إلى ألوان من البحث والدرس. وكم نودّ أن ينشر" كتاب القانون" نشرا علميا محققا ، وسبق أن اتخذت فى ذلك قرارات لم تنفّذ بعد.

وينصب الفن الخامس من الطبيعيات الذي نخرجه اليوم على" الكائنات التي لا نفس لها من المعادن والآثار العلوية وما يشبهها (١) " ، ففيه جيولوجيا ومعادن ، وجغرافيا طبيعية. وفى الجيولوجيا يعرض ابن سينا للجبال ، والزلازل ، والمعادن ، وفى حديثه عنها يدلى بملاحظات دقيقة وآراء واضحة تكاد تلتقى فى أغلبها مع أسس الجيولوجيا الحديثة. ولا يفوته أن يناقش أصحاب الكيمياء الذين يدّعون أن فى وسعهم" أن يقلبوا الأنواع قلبا حقيقيا (٢) " ، ملاحظا أن كل ما يملكون أن يضيفوا إليها ألوانا وأصباغا ، أما خصائصها ومميزاتها الذاتية فلا سبيل إلى تغييرها. وخطأ ما يظن أن فى الإمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة (٣). وكان لمناقشته هذه أثرها فى تاريخ الدراسات الكيميائية فى الشرق والغرب (٤).

وفى الجغرافيا يتحدث عن الماء واليابس ، وخط الاستواء ومدارى السرطان والجدى والقطب الشمالى والجنوبى ، والرياح ، والسحاب ، والرعد والبرق ، والصواعق والشهب. والسحاب" جوهر بخارى متكاثف طاف فى الهواء (٥) " ، تتحكم فيه الرياح ، فإما أن يصعد إلى الطبقات العليا فيزداد تكاثفا ، وإما أن يهبط

__________________

(١) ابن سينا ، الطبيعيات ، الفن الخامس ، المعادن والآثار العلوية ، القاهرة ١٩٦٤ ، ص ٩.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣٠.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣١.

(٤) I. Madkour, Avieenne et PAlchimic, Revue du Caire, p. ١٢٧ ـ ١٢٩, ١٩٥١

(٥) ابن سينا المعادن والآثار العلوية ، ص ٤٣.

٦

فيسقط مطرا (١). فللرياح إذن تأثير فى سقوط المطر وتكوين الثلج والصقيع ، وما هى إلا وليدة تخلخل الهواء بسبب تغيّر درجة الحرارة (٢).

ومما يلفت النظر أنه يعوّل على ملاحظته الشخصية ، وقد رحل وتنقّل ، ووقف على ظواهر طبيعية مختلفة. ومن ملاحظاته أنه شاهد انفصال الدخان عن السحاب ، وهو فى قلل جبال شاهقة (٣) ، ويحلل الهالة وقوس قزح فى ضوء ما رآه فى جبل مشرف جدا بين أبيورد وطوس (٤). وإذا كان قد أخذ عن أصحابه المشائين ، فإنه كان يؤثر عليهم آراء بعض الجغرافيين المتأخرين ، أمثال بطليموس ، واستطاع أن يضيف جديدا إلى التراث اليونانى فى جملته.

ولا شك فى أنه تأثر خاصة بكتاب «الآثار العلوية» (٥) لأرسطو ، وفى الكتاب الذي نقدم له ما يلتقى مع كثير من آراء أرسطو فى الرياح والسحاب والبخار والثلج والبرد ، وما يربط الجيولوجيا بالميتيورلوجيا ، وقد كانتا وثيقتى الصلة فى التاريخ القديم والمتوسط.

ففى الفن الخامس من الطبيعيات على صغره عرض واضح ، ودرس قيّم ، وهو دون نزاع همزة وصل بين العلم القديم والحديث.

__________________

(١) ابن سينا ، المصدر السابق.

(٢) ابن سينا ، المصدر السابق ، ص ٦٦ ـ ٦٧.

(٣) ابن سينا ، المصدر السابق ، أنظر أيضا الصفحات ٥٧ ، ٦٠ ، ٦١.

(٤) المصدر السابق ، ص ٦٠.

(٥) ترجم ـ فيما ترجم من كتب أرسطو الطبيعية ـ وترجم معه شرح الإسكندر الأفروديسى والأميقدورس (Olympiodo) ، واشترك فى ترجمته بشر بن متى ويحيى بن عدى. ومما يلفت النظر أن العرب لم يعرفوا منه إلا الكتب الثلاثة الأولى ، المقالات الثلاث ، وفاتهم الكتاب الرابع الذي يرجح أنه من صنع استراتون رئيس اللوقيوم الثاني بعد تيوفراسطس (ابن النديم ، الفهرست ، ص ٣٥١ ؛ القفطى ، تاريخ الحكماء ، ص ٤١ ، ٤٤).

٧

وقد تول تحقيقه ثلاثة من المتخصصين ، ومن بينهم من له صلة قديمة بابن سينا ، وهم الدكتور عبد الحليم منتصر والأستاذان سعيد زائد وعبد الله اسماعيل. أنفقوا فى ذلك ما أنفقوا من جهد وزمن ، وعوّلوا على كل ما توفر لدينا من أصول ، استخلصوا منها النص المختار ، وهى :

(١) مخطوط الأزهر : (ب) ، وهامشه (بخ).

(٢) مخطوط دار الكتب : (د).

(٣) مخطوط داماد الجديدة : (سا).

(٤) مخطوط المتحف البريطانى : (م).

(٥) نسخة طهران (المطبوعة) : (ط) ، وهامشها : (طا).

ولم يفتهم أن يلحقوا بالنص فهرسا للمصطلحات ، على نحو ما درجت لجنة نشر كتاب الشفاء ، ولا يسعنى إلا أن أقدم لهم باسمى واسم قرائهم خالص الثناء.

إبراهيم مدكور

٨

مقدمة

للدكتور عبد الحليم منتصر

تكوّن المعادن والآثار العلوية الفن الخامس من طبيعيات الشفاء ، ويقع فى مقالتين كبيرتين تشتمل كل منهما على ستة فصول. وقد اشتملت المقالة الأولى على الكلام فى الجبال وتكوّنها ومنافعها وتكوّن السحب والأنداء ، ومنابع المياه ، والزلازل ، وتكوين المعدنيات ، وأحوال المسكونة وأمزجة البلاد.

وتضمنت المقالة الثانية الكلام فى السحب وما ينزل منها ، والسبب الفاعل للهالة وقوس قزح ، والرياح ، والرعد والبرق والصواعق وكواكب الرجم والشهب الدائرة وذوات الأذناب ، وما يتصل بالحوادث الكبار التي تحدث فى العالم.

وإن المتأمل فى هذه الفصول ليروعه عبقرية الشيخ الرئيس النادرة المثال فهو بحق كما قال فيه سارتون" قد أعجز من جاء بعده أن يجاريه" ، إذ أن جميع الآراء أو أغلبها ـ إن أردنا الدقة فى التعبير ـ التي وردت فى هذا الكتاب تتفق مع ما يقول به العلم الحديث فى عصرنا الحاضر.

وفيما يلى عرض سريع موجز لبعض الآراء كما ذكرت بنصها :

(ا) الجبال :

يقول فى تكوّن الجبال ، الغالب أن تكوّنها من طين لزج ، جف على طول الزمان ، تحجر فى مدد لا تضبط ، فيشبه أن تكون هذه المعمورة ، قد كانت فى سالف الأيام غير معمورة ، بل مغمورة فى البحار ، فتحجرت ، إما بعد الانكشاف قليلا قليلا ، فى مدد لا تفى التأريخات بحفظ أطرافها ، وإما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت البحر ، والأولى أن يكون بعد الانكشاف ، وأن تكون طينتها تعينها على التحجر ، إذ تكون طينتها لزجة ، ولهذا ما يوجد فى كثير من الأحجار إذا كسرت أجزاء من الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها ، ولا يبعد أن تكون القوى المعدنية قد تكونت هناك :

٩

(ب) الزلازل :

ويقول فى الزلازل : حركة تعرض لجزء من أجزاء الأرض بسبب ما تحته ، ولا محالة أن ذلك السبب ، يعرض له أن يتحرك ، ثم يحرك ما فوقه ، والجسم الذي يمكن أن يتحرك تحت الأرض ، يحرك الأرض ، وهو إما جسم بخارى دخانى ، قوى الاندفاع ، وإما جسم مائى سيّال ، وإما جسم هوائى ، وإما جسم نارى ، وإما جسم أرضى ؛ والجسم النارى ، لا يكون نارا صرفة ، بل فى حكم الدخان القوى ، وفى حكم الريح المشتعلة ، يقول ومن الدليل أن أكثر أسباب الزلزلة هى الرياح المحنقنة ، أن البلاد التي تكثر فيها الزلزلة ، إذا حفرت فيها آبار وقنى كثيرة ، حتى كثرت مخالص الرياح والأبخرة قلّت الزلازل بها ، وأكثر ما تكون الزلازل فى بلاد متخلخلة غور الأرض ، متكاثفة وجهها ، أو مغمورة الوجه بماء يجرى أو ماء غمر كثير لا يقدر الريح على خرقه. ومن منافع الزلازل تفتح مسام الأرض للعيون ، وإشعار قلوب الناس رعب الله تعالى. وهذا كلام يتفق فى جملته مع ما يذهب إليه العلم الحديث عن أسباب الزلازل.

(ج) سرعة الصوت ، وسرعة الضوء :

ويقول إن البصر يستبق السمع ، فإنه إذا اتفق أن قرع إنسان من بعد جسما على جسم رأيت القرع ، قبل أن تسمع الصوت ، لأن الإبصار ليس له زمان ، والاستماع يحتاج إلى أن يتأدى تموّج الهواء الكائن إلى السمع ، وذلك فى زمان ، كأن ابن سينا يقول بالسرعة الآنيّة للضوء ، وقد جانبه الصواب فى ذلك ، لأن للضوء سرعة وزمانا ينتقل فيه ، وقد عرف ذلك ابن الهيثم ، وأجرى من التجارب ما أثبت أن للضوء زمانا ينتقل فيه ، وليس فى الآن كما قال ابن سينا ، وأثبت عدم صحته ابن الهيثم.

(د) السحب :

ويقول ابن سينا فى تولد السحب ، إنها تكون من الأبخرة الرطبة ، إذا تصعدت بتصعيد الحرارة فوافت الطبقة الباردة من الهواء ، فجوهر السحاب بخارى متكاثف طاف فى الهواء ، وأن الجبال بسبب ارتفاعها تكون أبرد من أديم القرار ، فالبعد من أديم الأرض ، هو أحد أسباب البرد ، فإنه وإن يكن شعاع الشمس يقع على الجبل ، فلا يكون تسخينه كتسخين ما يقع

١٠

على الأرض ، ولذلك فأكثر السحب الماطرة إنما تتولد فى الجبال ومنها تتوجه إلى سائر البلاد. وما أظن أن العلم الحديث قد أضاف إلى ذلك جديدا إلا أنه وجد من الأجهزة والأدوات ما يسمح بإثبات هذه الآراء بالقياسات الدقيقة.

(ه) الطل :

ليس يتكون من سحاب ، بل من البخار اليومى المتباطئ فى الصعود ، القليل المادة ، إذا أصابه برد الليل ، وكثفه ، وحوله ماء ينزل نزولا ثقيلا فى أجزاء صغار جدا لا نحس بنزولها إلا عند اجتماع شىء يعتد به ، ويضيف فإن جمد كان صقيعا. ولا مراء فى صحة هذا الرأى ومطابقته لما يقول به العلم الحديث.

(و) الثلج :

وهذا السحاب يعرض له كثيرا ، أنه كما يأخذ فى التكاثف ، وفى آن يجتمع فيه حب القطر يجمد ، ولم تتخلق الحبات ، بحيث تحس فينزل جامدا ، فيكون ذلك هو الثلج ، ونظيره من البخار الفاعل للطل هو الصقيع. وأما إذا جمد بعد ما صار ماء ، وصار حبا كبارا ، فهو البرد.

(ز) الضباب :

يقول ابن سينا أما الضباب فهو من جوهر الغمام ، إلا أنه ليس له قوام السحاب فما كان منه متحررا من العلو ، وخصوصا عقب الأمطار ، فإنه ينذر بالصحو ، وما كان منه مبتدئا من الأسفل متصعدا إلى فوق ولا يتحلل فهو ينذر بالمطر.

ثم يضيف الشيخ الرئيس ، فالبخار مادة السحاب والمطر والثلج والطل والجليد ، والصقيع والبرد ، وعليه تتراءى الهالة وقوس قزح ، والشميسات والنيازك.

وأحسب أن ما قاله المعلم الثالث فى هذه المسائل ، إنما هو صحيح فى جملته بل وفى كثير من تفصيلاته ، فعمر الأرض ما زال العلماء مختلفين فيه ، وقد أصاب كبد الحقيقة عند ما قال : "فى مدد لا تفى التأريخات بحفظ أطرافها" ، وقد كان من العلماء من يقدر هذا التاريخ بألفين من ملايين السنين ، ومنهم من يزيده إلى ثلاثة أو أربعة آلاف من ملايين السنين. وهو معذور أن قال إن الضوء يصل فى الآن ، أما الصوت فيحتاج إلى زمان ، فالفرق بين سرعتيهما هائل

١١

جدا ، إنه الفرق بين ثلاثمائة ألف من الكيلومترات فى الثانية هى سرعة الضوء ، وبين مئات الأمتار (٣٤٠ م) فى الثانية هى سرعة الصوت. أما تمييزه بين صور بخار الماء فى السحاب والطل والصقيع والثلج والبرد والضباب فقد أوفى فيه شيخنا على الغاية.

(ح) الهالة وقوس قزح :

يقول أما الخيالات التي تتكون فى الجو ، مثل الهالة ، وقوس قزح والنيازك والشميسات ، فإن هذه كلها ، تشترك فى أنها خيالات ، ومعنى الخيال هو أن يحس شبح شىء مع صورة شىء آخر ، كما نجد صورة الإنسان مع صورة المرآة ، ثم لا يكون لذلك انطباع حقيقى فى مادة ذلك الشىء الثاني الذي يؤدّيها ويرى معها ، كما أن صورة الإنسان لا تكون منطبعة بالحقيقة والإقامة فى المرآة ، وإلا لكان لها مقر معلوم ، ولما كانت تنتقل بانتقال الناظر فيه ، والمرئى ساكن ، ثم يضيف ، فهذه الأشباح تتبدل أماكنها بحسب حركاتك ، فإن توجهت إليها تقدمت إليك ، وإن نكصت عنها تأخرت عنك ، وإن علوت علت ، وإن نزلت نزلت ، وإن تركتها يمنة وحاذيتها بالانتقال حاذتك بالمرافقة ، وإن تركتها يسرة وحاذيتها بالانتقال حاذتك بالمرافقة ، وبهذا تعلم أنها خيالية. فهذه أشياء بعضها يعول فيه على صناعة الهندسة ، وبعضها على علم البصر وبعضها على الامتحان والحس. ولا شك أن مثل هذه الدقة فى الوصف تستحق النظر فالرئيس هنا معلم بحق ، يريد من قارئه أن يتفهم دقائق العملية.

يقول المعلم الثالث ، فأما الهالة ، فإنها دائرة بيضاء ، تامة أو ناقصة ، ترى حول القمر وغيره ، إذا قام دونه سحاب لطيف ، لا يغطيه ، لأنه يكون رقيقا ، فإذا وقع عليه شعاع القمر ، حدث من الشعاع ومنه قطع مستدير ، وقد تكون حول الشمس هالة ، والتي تكون من الهالات تحت الشمس أدل على المطر من الخيالات القزحية ، التي تكون قبالتها ، والتحتانية تكون أعظم من الفوقانية ، لأنها أقرب.

ويضيف ، وأكثر ما تكون الهالة مع عدم الريح ، فلذلك تكثر مع السحب الدوانى. والهالة الشمسية فى الأكثر ، إنما ترى إذا كانت الشمس بقرب من وسط السماء ، وإذا كانت الشمس على الأفق ، وجب بالضرورة أن ترى من القوس نصف دائرة ، وذلك لأن القوس ليس وضعها وضع الهالة ، وليس موازيا للأفق بل مقاطع له.

١٢

ويختم الشيخ الرئيس قوله ، فى هذا الموضوع بهذه العبارات المتألفة نصوعا وبيانا وتواضعا ، فيقول" وهذه القوس ، فى أكثر الأمر ، يلى الأرض منها لون ، ويلى الجو منها لون ، يشتدان معا عند الوسط ، وربما كان فى الوسط لون آخر غير ذينك" ، ويضيف" هذا مبلغ علمى ، وما بقى يطلب من غيرى".

(ط) الشميسات :

ويقول عن الشميسات" وأما الشميسات ، فإنها خيالات كالشموس عن مراى شديدة الاتصال والصقالة ، تكون فى جنبة الشمس ، فتؤدى شكلها ولونها ، أو تقبل ضوءا شديدا فى نفسها ، وتشرق على غيرها بضوئها وتعكسها أيضا.

(ى) النيازك :

ويقول عن النيازك ، وأما النيازك فإنها أيضا خيالات فى لون قوس قزح ، إلا أنها ترى مستقيمة لأنها تكونت فى جنبة الشمس ، يمنة أو يسرة ، لا تحتها ولا أمامها وقلما تكون عند ما تكون الشمس فى نصف النهار ، بل عند الطلوع والغروب ولا سيما عند الغروب ، ففى ذلك الوقت ، يكثر تمدد السحاب وكثيرا ما يتفق لهذه أن تساير الشمس طالعة وغاربة ، وهى تدل على المطر.

يقول ، ولا يتولد القوس فى الليل إلا فى الندرة ، لأنها تحاج فى تكوّنها لأن يكون النيّر شديد الإضاءة.

وإننا لنسجل للشيخ الرئيس وضوح بيانه ، ودقة تعريفاته ، ولئن خالفه العلم الحديث فى بعض التفاصيل فى ألوان القوس ، أو فى تعريف النيزك ، فإن ذلك لا يقلل بحال من قيمة الآراء التي أوردها شيخنا منذ أكثر من ألف من الأعوام ، فإنها فى مجموعها تدل على الأصالة فى التفكير والدقة فى الاستنباط.

(ك) الرياح :

ويقول فى الرياح ، وربما هبّت الرياح لحركة الهواء وحدها ، إذا تخلخلت جهة من الهواء للسخونة ، فانبسط فسال له الهواء ، يقول ومما يدل على أن مادة الريح غير مادة المطر الذي

١٣

هو البخار الرطب وهو أنهما فى أكثر الأمر يتمانعان ، والسنة التي يكثر فيها المطر لكثرة البخار الرطب ، تقل الريح ، والسنة التي تكثر فيها الرياح ، تكون سنة جدب وقلة مطر ، لكنه كثيرا ما يتفق أن يعين المطر على حدوث الريح ، تارة بأن يبل الأرض أو يمنع حدوث البخار الدخانى ، وقد تعين الريح على تولد المطر بأن تجمع السحاب ، وتسمى الرياح التي تعين على المطر ، "رياح سحابية".

أرأيت كيف يحدد المعلم الثالث العلاقة بين الرياح والمطر ، وكيف أن السبب فى حدوث الرياح تخلخل جهة من الهواء للسخونة ، وأن الرياح والمطر يتمانعان ، ولكنه يستدرك أنه كثيرا ما يتفق أن يعين المطر على حدوث الريح ، إما بأن يبل الأرض أو يمنع حدوث البخار الدخانى ، أو تعين الريح على تولد المطر ، وعند ما تكون الريح سحابية ، وهذا كلام علمى جميل يليق بالشيخ الرئيس.

(ل) البرق والرعد :

ويختتم الرئيس كلامه فى المعادن والآثار العلوية ، بقوله فى البرق والرعد ، البرق ترى والرعد يسمع ولا يرى ، فإذا كان حدوثهما معا ، رؤى البرق فى آن وتأخر سماع الرعد ، لأن مدى البصر أبعد من مدى السمع. وليت شيخنا اكتفى بهذا التعبير العلمى الصحيح الدقيق ، ولكنه أضاف ، فإن البرق يحس فى الآن بلا زمان .. ؛ فقد أبطل نظرية السرعة الآنية للضوء العالم الطبيعى العربى الأشهر "ابن الهيثم" الذي أثبت بالتجربة أن للضوء زمانا ، وسرعة معينة ، ولعله أول من قال بذلك من العلماء. يقول ابن سينا : "والرعد الذي يحدث مع البرق يحس بعد زمان. لأن الإبصار لا يحتاج إلا إلى موازاة وإشفاف ، وهذا لا يتفق وجوده بزمان ، وأما السمع فيحتاج فيه إلى تموج الهواء ، أو ما يقوم مقامه. وهو بذلك يقول بانتقال الصوت فى الهواء وفى الأجسام الأخرى سواء كانت صلبة أو سائلة ، وأنه يحتاج إلى وقت معين وبسرعة معينة حتى ينتقل الصوت إلى السمع ، يقول وكل حركة فى زمان.

١٤