موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ٢

محمّد علي التهانوي

موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ٢

المؤلف:

محمّد علي التهانوي


المحقق: الدكتور علي دحروج
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٠٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

(وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) (١) ثم قال : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) فإنّ ألفاظ ذمّ هؤلاء المخبر عنهم بهذا الخبر أتت منزّهة عما يقع في الهجاء من الفحش ، وسائر هجاء القرآن كذلك ، كذا في الإتقان في نوع بدائع القرآن.

النّزلة : [في الانكليزية] Influenza ، flu ـ [في الفرنسية] Rhume ، grippe

بفتحتين هي تجلب فضول رطبة من بطني المقدمين للدماغ إلى الحلق ، وقيل غير ذلك ، وقد سبق في لفظ الزّكام.

النّزول : [في الانكليزية] Descent ، falling ـ [في الفرنسية] Descente ، baie

بالزاء المعجمة عند المحدّثين ضد العلوّ وقد سبق.

النّسبة : [في الانكليزية] Proportion ، rate ، relation ـ [في الفرنسية] Proportion ، rapport ، relation

بالكسر وسكون السين هي تطلق على معان. منها قياس شيء إلى شيء ، وبهذا المعنى يقال النّسب بين القضايا والمفردات منحصرة في أربع : المباينة الكلّية والمساواة والعموم مطلقا ومن وجه على ما سبق في لفظ الكلّي. وفي شرح النخبة في بيان المعروف والشاذّ اعلم أنّ النّسبة تعتبر تارة بحسب الصدق وتارة بحسب الوجود كما في القضايا وتارة بحسب المفهوم كما يقال المفهومان إن لم يتشاركا في ذاتيّ فمتباينان ، وإلاّ فإن تشاركا في جميع الذاتيات فمتساويان كالحدّ والمحدود ، وإن تشارك أحدهما الآخر في ذاتياته دون العكس فبينهما عموم مطلق ، وإن تشاركا في بعضها فعموم وخصوص من وجه انتهى. وقد سبق في لفظ الشّاذ ما يوضحه ، وبهذا المعنى يقول المحاسبون النّسب بين الأعداد منحصرة في أربع : التماثل والتداخل والتوافق والتباين. ومنها قياس كمية أحد العددين إلى كمية الآخر والعدد الأول يسمّى منسوبا ومقدّما والعدد الثاني يسمّى منسوبا إليه وتاليا وعليه اصطلاح المهندسين والمحاسبين كما في شرح خلاصة الحساب.

وأقول في توضيحه لا يخفى أنّه إذا قيل هذا العدد بالقياس إلى ذلك العدد كم هو يجاب بأنّه نصفه أو ثلثه أو مثلاه أو ثلاثة أمثاله ونحو ذلك لأنّ كم بمعنى چند والكمية بمعنى چندكي ، فلا يجاب بأنّه موافق له أو مباين ونحو ذلك.

فالنّسبة في قولهم نسبة التباين ونسبة التوافق مثلا بالمعنى الأول أي بمعنى القياس والإضافة والتعلّق كما مرّ وإن خفي عليك الأمر بعد فاعتبر ذلك بقولك أين عدد چند است از ان عدد فإنّ معناه هو نصفه أو ثلثه ونحو ذلك ، وليس معناه أهو موافق له أو مباين له ، فالنسبة بهذا المعنى منحصرة في نسبة الجزء أو الأجزاء إلى الكلّ وعكسه. وبالجملة فالنسبة عندهم قياس أحد العددين إلى الآخر من حيث الكمية لا مطلقا ، مثلا إذا قسنا الخمسة إلى العشرة باعتبار الكمية فالنّسبة الحاصلة من هذا القياس هي نسبة النصف فالمراد بالقياس المعنى الحاصل بالمصدر أي ما حصل بالقياس. وإنّما قلنا ذلك إذ الظاهر من إطلاقاتهم أنّ المنسوب والمنسوب إليه العدد لا الكمية فإنّهم يقولون نسبة هذا العدد إلى ذلك العدد كذا ، وأقسم هذا العدد على كذا أو أنسبه إليه ونحو ذلك ، كقولهم الأربعة المتناسبة أربعة أعداد نسبة أولها إلى ثانيها كنسبة ثالثها إلى رابعها ، ثم أقول وهذا في النسبة العددية. وأمّا في المقدار فيقال النّسبة

__________________

(١) النور ٤٨.

(٢) النور / ٥٠.

٦٤١

قياس كمية أحد المقدارين إلى كمية الآخر إلى آخره ، لكن هذا ليس بجامع لجميع أنواع النّسب المقدارية كما سيتضح ذلك ؛ والحدّ الجامع حدّد به المتقدّمون على ما ذكر في حاشية تحرير أقليدس بأنّها أيّة قدر أحد المقدارين المتجانسين عند الآخر ، وبقيد آية خرجت الإضافة في اللون ونحوه. وتفسير هذا القول إنّ النّسبة هي المعنى الذي في كمية المقادير الذي يسأل عنه بأيّ شيء. وقيل هي إضافة ما في القدر بين مقدارين متجانسين ، والمقادير المتجانسة هي التي يمكن أن يفضل التضعيف على بعض كالخط مع الخط والسطح مع السطح والجسم مع الجسم ، لا كالخط مع السطح أو مع الجسم ونحوه فإنّه لا يفضله بالتضعيف ، ومآل القولين إلى أمر واحد.

اعلم أنّه لما كانت الأعداد إنّما يتألّف من الواحد فالنّسب التي لبعضها إلى بعض تكون لا محالة بحيث بعد كلا المنتسبين إمّا أحدهما أو ثالث أقل منهما حتى الواحد وهي النّسب العددية والمقادير التي نوعها واحد كالخطوط مثلا أو السطح فلها إمّا نسب عددية تقتضي تشارك تلك المقادير كأربعة وخمسة وكجذر اثنين وجذر ثمانية ، فإنّ نسبة الأول إلى الثاني كنسبة اثنين إلى الأربعة أو نسب تختصّ بها وهي التي تكون بحيث لا يعد المنتسبين أحدهما ولا شيء غيرهما وهو يقتضي التباين بين تلك المقادير كجذر عشرة وجذر عشرين ، فالنسب المقدارية أعمّ من النسب العددية فاحفظ ذلك فإنّه عظيم النفع. وبالجملة فالنّسبة العددية منحصرة في نسبة الجزء أو الأجزاء إلى الكل وعكسه كما سلف بخلاف نسب المقادير فإنّها أعم فتأمّل ، هكذا يستفاد من حواشي تحرير أقليدس.

التقسيم :

اعلم أنّ النسبة قد تكون بسيطة وقد تكون مؤلّفة وقد تكون مساواة منتظمة ومضطربة. قال في تحرير أقليدس وحاشيته ما حاصله إنّ المقادير إذا توالت سواء كانت على نسبة واحدة أو لم تكن فإنّ نسبة الطرفين متساوية للمؤلّفة من النسب التي بين المتوالية كمقادير ا ب ج د فإنّ النسبة المؤلّفة من النسب الثلاث التي بين ا ب وب ج وج د هي متساوية لنسبة ا د فنسبة الطرفين ك : آ د إذا اعتبرت من غير اعتبار الأوساط فهي النسبة البسيطة ، وإذا اعتبرت مع الأوساط فإن اعتبرت من حيث تألّفت منها فهي المؤلّفة ، وإن اعتبرت من حيث تألّفت منها لكن رفع اعتبار الأوساط من البين فهي نسبة المساواة ولا فرق بين النسبة البسيطة والمساواة إلاّ بعدم اعتبار الأوساط في البسيطة مطلقا وعدم الاعتبار بعد وجوده في المساواة.

وبالجملة فنسبة السدس مثلا إذا اعتبر كونها حاصلة من ضرب الثلث في النصف ومؤلّفة منهما كانت نسبة مؤلّفة ، وبعد اعتبار كونها مؤلّفة منهما إذا رفع اعتبار الأوساط من البين فهي نسبة المساواة وإذا لم تعتبر كونها حاصلة من ضرب الثلث في النصف فهي نسبة بسيطة ، والنسبة المثناة هي الحاصلة بضربها في نفسها كنصف النصف الحاصل من ضرب النصف في نفسه ، والنسبة المثلثة هي الحاصلة من ضرب مربع تلك النّسبة في تلك النّسبة ، وعلى هذا القياس النسبة المربّعة والمخمّسة والمسدّسة ونحوها ، والمثناة والمثلثة وغيرهما أخص من المؤلّفة مطلقا لأنّه كلما كانت الأجزاء المعتبرة أي النّسب التي هي بين المقادير المتوالية كلّها متساوية كانت المؤلّفة مثناة أو مثلثة أو غيرهما ، والنسبة المؤلّفة والنسبة المنقسمة قد ذكرتا في لفظ التأليف ولفظ التجزئة.

ثم نسبة المساواة قد تكون منتظمة وقد تكون مضطربة ، فالمساواة المنتظمة هي أن تكون مؤلّفة من أجزاء متساوية على الولاء أي الترتيب

٦٤٢

والتناظر كالمؤلّفة في صنف من مقدار من نصف وثلث وخمس ، وفي صنف آخر من مقدار آخر كذلك على الترتيب. والمساواة المضطربة هي أن تكون مؤلّفة من أجزاء متساوية على التناظر لا على الولاء كالمؤلّفة في صنف من نصف وثلث وخمس في صنف آخر من ثلث ونصف وخمس أو من خمس ونصف وثلث ونحو ذلك فالمنتظمة والمضطربة لا توجد إلاّ عند كون الصنفين من المقادير بخلاف مطلق المساواة فإنّ المعتبر في مطلق المساواة نسبة الأطراف دون الأوساط. والنسب المتوالية أن يكون كلّ واحد من الحدود المتوسطة بين الطرفين مشتركا بين نسبتين من تلك النسب ، فإذا كانت المقادير ثلاثة كانت النسب نسبتين وإذا كانت أربعة كانت النسب ثلاثا وعلى هذا المثال يكون عدد النسب أبدا أقل من عدد المقادير بواحد مثلا في المثال المذكور أربعة مقادير والنسب ثلاثة متوالية فإنّ نسبة الطرفين كنسبة ا إلى ب ونسبة ب إلى ج ونسبة ج إلى د فحدودها المتوسطة هي ب ج وكلّ منهما مشتركة بين نسبتين منها ، فإنّ ب مأخوذ في النسبة الأولى والثانية وج مأخوذ بين الثانية والثالثة ، فإذا أخذ نسبة ا إلى ب ونسبة ج إلى د كانت النسبتان غير متواليتين لعدم اشتراك الحدود. هذا وتسمّى النّسب المتوالية متصلة كما تسمّى الغير المتوالية منفصلة ، ومن النّسب المتصلة النّسب التي بين الأجناس الجبرية وبين الأعداد الثلاثة المتناسبة ، ومن المنفصلة النّسب التي بين الأعداد الأربعة المتناسبة. ثم عدد الأعداد المتناسبة إن كان فردا كالثلاثة المتناسبة والخمسة المتناسبة تسمّى تلك الأعداد متناسبة الفرد ونسبها لا تكون إلاّ متصلة أي متوالية ، وإن كان زوجا كالأربعة المتناسبة والستة المتناسبة تسمّى متناسبة الزوج ونسبها قد تكون متصلة وقد تكون منفصلة ، وتناظر النسب وتناسبها وتشابهها هو الاتحاد فيها ، انتهى ما حاصلهما. وهذا الذي ذكر إنّما هو في المقادير وعليه فقس البساطة والتأليف والمساواة وغيرها في الأعداد.

واعلم أيضا أنّ إبدال النسبة ويسمّى تبديل النسبة أيضا عندهم عبارة عن اعتبار نسبة المقدّم إلى المقدّم والتالي إلى التالي. مثلا قسنا الخمسة إلى العشرة فالخمسة حينئذ مقدّم والعشرة تال ، ثم قسنا الأربعة إلى الثمانية فالأربعة مقدّم والثمانية تال. فإذا قسنا الخمسة المقدّم إلى الأربعة المقدّم الآخر وقسنا العشرة التالي إلى الثمانية التالي الآخر فهذا القياس يسمّى بالإبدال والتبديل وتفضيل النسبة عندهم أربعة أقسام. الأول أن تعتبر نسبة فضل المقدّم على التالي إلى التالي وهذا هو المتعارف المشهور في الكتب ، مثلا المقدّم ثمانية والتالي ستة وفضل المقدّم على التالي اثنان فإذا اعتبرنا نسبة الاثنين إلى الستة كان ذلك تفضيل النسبة.

والثاني أن تعتبر فضل التالي على المقدّم إلى المقدّم. والثالث أن تعتبر نسبة فضل المقدّم على التالي إلى المقدّم. والرابع أن تعتبر نسبة فضل التالي على المقدّم إلى التالي. وقلب النسبة عندهم هو أن تعتبر نسبة المقدّم إلى فضله على التالي وأمثلة الجميع ظاهرة. هذا خلاصة ما ذكر عبد العلي البرجندي في شرح بيست باب وحاشيته. وغيره في حاشية تحرير اقليدس القلب عكس التفضيل ولا فرق بين أن ينسب المقدّم إلى التفاضل أو التالي إليه أو يكون الفضل للمقدّم أو للتالي كما في التفضيل انتهى.

فقد بان من هذا أنّ القلب أيضا أربعة أقسام ، وعكس النسبة وخلافها عندهم جعل المقدّم تاليا في النسبة والتالي مقدّما فيها. مثلا إذا كان المقدّم ثمانية والتالي ستة فإذا قسنا الستة إلى الثمانية فقد صار الأمر بالعكس أي صار الستة مقدّما والثمانية تاليا ، وتركيب النسبة عندهم هو اعتبار نسبة مجموع المقدّم والتالي إلى التالي.

٦٤٣

قال في حاشية تحرير اقليدس لا فرق في التركيب بين أن ينسب المجموع إلى المقدّم والتالي انتهى. وقدر النسبة قد مرّ ذكرها. ومنها ما هو قسم من العرض وهو عرض يكون مفهومه معقولا بالقياس إلى الغير أي لا يتقرّر معناه في الذهن إلاّ مع ملاحظة الغير أي أمر خارج عنه وعن حامله لا أنّه يتوقّف عليه فخرج الإضافة عنه سواء كان مفهومه النسبة كالإضافة وتسمّى بالنسبة المكرّرة أيضا أو معروضا لها كالوضع والملك والأين والمتى والفعل والانفعال ، فأقسام النسبة سبعة. وإنّما سمّي نسبة لشدة اقتضاء مفهومه إياها وإن لم يكن بعض أقسامه نفس النسبة ، هكذا ذكر شارح المواقف والمولوي عبد الحكيم في حاشيته.

ومنها تعلّق إحدى الكلمتين بالأخرى وتسمّى إسنادا أيضا ، فإن كانت بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة تسمّى نسبة تامة وإسنادا أصليا ، وهي إمّا نسبة إيجاب أو سلب كما مرّ في الخبر أي القضية أو غيرها كما في الإنشاء ، فإنّ النسبة في أضرب مثلا هي طلب الضرب ، وإن كانت بحيث لا تفيد المخاطب فائدة تامة تسمّى نسبة غير تامة وإسنادا غير أصلي ، كالنسبة التقييدية في الصفة والموصوف والمضاف والمضاف إليه ، هكذا يستفاد من المطول وحواشيه في بيان وجه انحصار علم المعاني في الأبواب الثمانية عقيب ذكر تعريف علم المعاني ، وقد مرّ في لفظ الإسناد وفي لفظ المركّب ما يوضح هذا ، وهذا المعنى من مصطلحات أهل العربية كما أنّ المعنيين الآتيين من مصطلحات أهل المعقول.

ومنها الوقوع واللاوقوع أي ثبوت شيء لشيء وتسمّى نسبة ثبوتية وانتفاء شيء عن شيء وتسمّى نسبة سلبية وغير ثبوتية ، وبعبارة أخرى هي الإيجاب والسلب فإنّهما قد يستعملان بمعنى الوقوع واللاوقوع ، أي ثبوت شيء لشيء وانتقائه عنه كما وقع في حاشية العضدي للتفتازاني ، والشيء الأول يسمّى منسوبا ومحكوما به ، والشيء الثاني يسمّى منسوبا إليه ومحكوما عليه وإدراك تلك النسبة يسمّى حكما. ثم النسبة باعتبار كونها حالة بين الشيئين ورابطة لأحدهما إلى الآخر مع قطع النظر عن تعقل الشيئين تسمّى نسبة خارجية وهي جزء مدلول القضية الخارجية ، وباعتبار تعقّلها بأنها حالة بين الشيئين تسمّى نسبة ذهنية ومعقولة ، وهي جزء مدلول القضية المعقولة وكلاهما من الأمور الاعتبارية كما مرّ في لفظ الصدق. ومنها مورد الوقوع واللاوقوع ومورد الإيجاب والسلب ويسمّى نسبة حكمية ونسبة تقييدية ، وبالنسبة بين بين وهي رابطة بالعرض على ما قال المولوي عبد الحكيم في حاشية القطبي في روابط القضايا ، الرابط بالذات أي بلا واسطة هو الوقوع واللاوقوع. وأمّا النسبة الحكمية بمعنى مورد الوقوع واللاوقوع فإنّما هي رابطة بالعرض انتهى. ثم النسبة بالمعنى الأول متفق عليها بين القدماء والمتأخّرين ، وبالمعنى الثاني من تدقيقات متأخّري الفلاسفة ، قالوا أجزاء القضية أربعة : المحكوم عليه وبه والنسبة الحكمية والوقوع واللاوقوع. قال أبو الفتح في حاشية الحاشية الجلالية في مباحث القضايا في بيان الروابط : النزاع بين الفريقين ليس في مجرّد إثبات النسبة الحكمية وعدم إثباتها ، بل في أمر آخر أيضا هو معنى النسبة التي يتعلّق بها الإدراك الحكمي وهي الوقوع واللاوقوع ، فإنّهما على رأي القدماء صفتان للمحمول ومعناهما اتحاد المحمول مع الموضوع وعدم اتحاده معه ، فمعنى قولك زيد قائم أنّ مفهوم القائم متّحد مع زيد. ومعنى قولك زيد ليس بقائم أنّه ليس متحدا معه. وعلى رأي المتأخّرين صفتان للنسبة الحكمية وهي عبارة عن اتحاد المحمول مع الموضوع ومعناهما المطابقة لما في نفس الأمر وعدمها. فمعنى المثال الأول أنّ اتحاد القائم

٦٤٤

مع زيد مطابق لما في نفس الأمر ، ومعنى المثال الثاني أنّه ليس مطابقا له وأنت إذا تأمّلت علمت أنّه ليس في القضية بعد تصوّر الطرفين إلاّ إدراك نسبة واحدة هي نسبة المحمول إلى الموضوع بمعنى اتحاده معه أو عدم اتحاده معه على وجه الإذعان ، وقد مرّ توضيح هذا في لفظ الحكم. ثم المشهور في تفسير وقوع النسبة ولا وقوعها على مذهب المتأخّرين أنّهما بمعنى مطابقتهما لما في نفس الأمر وعدم مطابقتهما له كما مرّ ، ويؤيّده كلام الشيخ في الشفاء حيث قال : والتصديق هو أن يحصل في الذهن هذه الصورة مطابقة لما في نفس الأمر ، والتكذيب يخالف ذلك. ولا يخفى أنّه خلاف ما يتبادر من لفظ وقوع النسبة أو لا وقوعها ، ومن ألفاظ القضايا ، والأظهر أن يفسّر ثبوتها في نفس الأمر بمعنى صحّة انتزاعها عن الموضوع أو المحمول أو كليهما وعدم ثبوتها في نفس الأمر بهذا المعنى أيضا انتهى.

النّسخ : [في الانكليزية] Annulment ، transcription ، copy ـ [في الفرنسية] Annulation ، transcription ، copie

بالفتح وسكون السين في اللغة يقال لمعنيين أحدهما الإزالة يقال نسخت الشمس الظّل وانتسخته أي أزالته ونسخت الريح آثار القدم أي أزالتها وغيّرتها. وثانيهما النقل يقال نسخت الكتاب وانتسخته أي نقلت ما فيه إلى آخره ونسخت النحل بالحاء المهملة أي نقلتها من موضع إلى موضع. قال السجستاني النسخ أن يحول ما في الحلبة من النحل والعسل إلى أخرى غيرها ، ومنه المناسخة والتّناسخ في الميراث وهي أن تموت ورثة بعد ورثة ، سمّي بذلك لانتقال المال من وارث إلى وارث ، ومنه التناسخ في الأرواح لأنّها تنتقل من بدن إلى بدن. واختلف في حقيقته فقيل حقيقة لهما فهو مشترك بينهما لفظا ، وقيل للأول وهو الإزالة وللنقل مجاز باسم اللازم إذ في الإزالة نقل من حالة إلى حالة. وقيل للثاني وهو النقل وللإزالة مجاز باسم الملزوم. وعند الحكماء قسم من التّناسخ ويفسّر بنقل النفس الناطقة من بدن إنساني إلى بدن إنساني آخر كما سيجيء. وعند أهل البديع قسم من السّرقة ويسمّى انتحالا وقد سبق. وعند أهل الشرع أن يرد دليل شرعي متراخيا عن دليل شرعي مقتضيا خلاف حكمه أي حكم الدليل الشرعي المتقدّم. فالدليل الشرعي المتأخّر يسمّى ناسخا والمتقدّم يسمّى منسوخا ، وإطلاق الناسخ على الدليل مجاز لأنّ الناسخ حقيقة هو الله تعالى فخرج التخصيص لأنّه لا يكون متراخيا ، وخرج ورود الدليل الشرعي مقتضيا خلاف حكم العقل من الإباحة الأصلية. والمراد بخلاف حكمه ما يدافعه وينافيه لا مجرّد المغايرة كالصوم والصلاة.

وذكر الدليل ليشمل الكتاب والسنة قولا وفعلا وغير ذلك ، وخرج ما يكون بطريق الإنساء والإذهاب من القلوب من غير أن يرد دليل ، ودخل فيه نسخ التلاوة فقط لأنّه نسخ الأحكام المتعلّقة بالتلاوة بالحقيقة كجواز الصلاة وحرمة القراءة والمسّ للجنب والحائض ونحو ذلك ، وإن لم تكن التلاوة نفسها حكما. قالوا لمّا كان الشارع عالما بأنّ الحكم الأول مؤقّت إلى وقت كذا كان الدليل الثاني بيانا محضا لمدة الحكم بالنظر إلى الله تعالى ، ولمّا كان الحكم الأول مطلقا عن التأبيد والتوقيت كان البقاء فيه أصلا عندنا معاشر الحنفية لجهلنا عن مدته.

فالثاني يكون تبديلا بالنسبة إلى علمنا حيث ارتفع بقاء ما كان الأصل بقاؤه. ولذا قيل في بعض الكتب وأمّا التبديل وهو النسخ فهو بيان انتهاء حكم شرعي مطلق عن التأبيد والتوقيت بنصّ متأخّر عن مورده. واحترز بالشرعي عن غيره وبالمطلق عن الحكم المؤقّت بوقت خاص فإنّه لا يصحّ نسخه قبل انتهائه فإنّ النسخ قبل تمام الوقت بداء على الله تعالى ، تعالى عن

٦٤٥

ذلك ، وبقيد متأخّر خرج التخصيص ، ولهذا قيل أيضا هو بيان انتهاء الحكم الشرعي المطلق الذي في تقدير أوهامنا استمراره لولاه بطريق التراخي ، وفوائد القيود ظاهرة. وقال بعضهم هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخّر لا يقال ما ثبت في الماضي لا يمكن رفعه إذ لا يتصوّر بطلانه لتحققه ، وما في المستقبل لم يثبت بعد ، فكيف يبطل ، فلا رفع حينئذ أيضا.

ولذا فرّوا من الرفع إلى الانتهاء لأنّا نقول ليس المراد بالرفع البطلان بل زوال ما يظنّ من التعلّق بالمستقبل يعني أنّه لو لا الناسخ لكان في عقولنا ظنّ التعلّق بالمستقبل ، فبالناسخ زال ذلك التعلّق المظنون ، فمؤدّى الرفع والانتهاء واحد.

واعلم أنّ النسخ كما يطلق على ورود دليل شرعي إلى آخره كذلك يطلق على فعل الشارع ، وبالنظر إلى هذا عرّفه من عرّفه بالبيان والرفع ، وقد يطلق بمعنى الناسخ وإليه ذهب من قال هو الخطاب الدّال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدّم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه. قيل يرد عليه أنّ قول العدل نسخ حكم كذا يدخل في الحد مع انه ليس نسخا وان فعل الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون نسخا مع انه يخرج عن الحد واجيب عنهما بان المراد بالدال الدال بالذات وهو قول الله تعالى وخطابه وقول العدل وفعل الرسول إنّما يدلان بالذات على ذلك القول. فإن قيل فعلى هذا لا يكون قول الرسول ناسخا. قلت : يفرّق بين قوله وفعله بأنّه وحي فكأنّه نفس قول الله تعالى ، بخلاف الفعل فإنّه إنّما يدلّ عليه. قيل قوله لولاه لكان ثابتا يخرج قول العدل لأنّه قد ارتفع الحكم بقول الشارع رواه العدل أم لا. وقوله مع تراخيه يخرج الغاية مثل صم إلى غروب الشمس والاستثناء ونحوهما وإليه ذهب الإمام أيضا حيث قال هو اللفظ الدّال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول ، ومعناه أنّ الحكم كان دائما في علم الله تعالى وأمّا مشروطا بشرط لا يعلمه إلاّ هو ، وأجل الدوام أن يظهر انتفاء ذلك الشرط فينقطع الحكم ويبطل ، وما ذلك إلاّ بتوفيقه تعالى إيّاه. فإذا قال قولا. دالا عليه فذلك هو النسخ ويرد عليه أيضا الإيرادان السابقان ، والجواب الجواب السابق. وبالنظر إلى هذا أيضا قال الفقهاء هو النصّ الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع تراخيه عن مورده أي مع تراخي ذلك النّصّ عن مورده أي موضع ورود ذلك فخرج الغاية ونحوها. ويرد عليه الإيرادان السابقان ، والجواب الجواب. وقالت المعتزلة أيضا هو اللفظ الدّال على أنّ مثل الحكم الثابت بالنّصّ المتقدّم زائل على وجه لولاه لكان ثابتا ، واعترض عليه بأنّ المقيّد بالمرّة إذا فعل مرة يصدق هذا التعريف على اللفظ الذي يفيد تقييده بالمرّة مع أنّه ليس بنسخ ، كما إذا قال الشارع يجب عليك الحج في جميع السّنين مرة واحدة ، وهو قد حجّ مرة ، فإنّ قوله مرة واحدة لفظ دالّ على أنّ مثل الحكم الثابت بالنصّ السابق زائل عن المخاطب على وجه لو لا ذلك اللفظ لكان مثل ذلك الحكم ثابتا بحكم عموم النّصّ الذي يدفعه التقييد بالمرّة. واعلم أنّ جميع هذه التعاريف لا تتناول نسخ التلاوة اللهم إلاّ أن يقال إنّه عبارة عن نسخ الأحكام المتعلّقة بنفس النظم كالجواز في الصلاة وحرمة القراءة على الجنب والحائض ونحو ذلك كما عرفت سابقا.

التقسيم :

في الإتقان النسخ أقسام. الأول نسخ المأمور به قبل امتثاله وهو النسخ على الحقيقة كآية النجوى (١). الثاني ما نسخ مما كان شرعا

__________________

(١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ

٦٤٦

لمن قبلنا كآية شرع القصاص والدّية (١) ، أو كان أمر به أمرا جمليا كنسخ التوجّه إلى بيت المقدس بالكعبة (٢) وصوم عاشوراء برمضان ، وإنّما يسمّى هذا نسخا تجوّزا. الثالث ما أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والصّفح ثم نسخ بإيجاب القتال ، وهذا في الحقيقة ليس نسخا بل هو من أقسام المنسأ كما قال تعالى (أَوْ نُنْسِها) (٣) فالمنسئ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوي المسلمون وفي حالة الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى ، وبهذا يضعف ما ذكره كثيرون من أنّ الآيات في ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك بل هي من المنسأ بمعنى أنّ كلّ أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلّة تقتضي ذلك الحكم ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر وليس بنسخ ، إنّما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله. وأيضا النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب : ما نسخ تلاوته وحكمه معا.

قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : (وكان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهنّ مما يقرأ من القرآن) (٤) رواه الشيخان ، أي قارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة أو أنّ التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كلّ الناس إلى بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها. والضرب الثاني ما نسخ حكمه دون تلاوته نحو (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (٥) نسخت بآية القتال ، والضرب الثالث ما نسخ تلاوته دون حكمه نحو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله انتهى.

فائدة :

محلّ النسخ حكم شرعي قديم أي لم يلحقه تأبيد ولا توقيف فتخرج الأحكام الحسّية والعقلية والأخبار عن الأمور الماضية أو الواقعة في الحال أو الاستقبال مما يؤدّي نسخه إلى جهل ، بخلاف الأخبار عن حل الشيء مثل هذا حرام وذلك حلال. وفي الاتقان لا يقع النسخ إلاّ في أمر أو نهي ولو بلفظ الخبر ، وأمّا الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ ومنه الوعد والوعيد فمن أدخل في كتاب النسخ كثيرا من آيات الأخبار والوعد والوعيد فقد أخطأ.

فائدة :

شرط النسخ التمكّن من الاعتقاد ولا حاجة إلى التمكّن من الفعل عندنا ، وعند المعتزلة لا يصحّ قبل الفعل لأنّ المقصود منه الفعل ، فقبل حصوله يكون بداء. ولنا أنّه عليه الصلاة والسلام أمر ليلة المعراج بخمسين صلاة ثم نسخ الزائد على الخمس مع عدم التمكّن من الفعل.

__________________

ـ رَحِيمٌ. أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). المجادلة ١٢ ـ ١٣.

(١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). البقرة / ١٧٨ ـ ١٧٩. وجاء قوله في الدّية (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة ٤٥.

(٢) (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) البقرة / ١٤٤.

(٣) البقرة ١٠٦.

(٤) صحيح مسلم ، كتاب الرضاع ، باب التحريم بخمس رضعات ، ح ٢٤ ، ٢ / ١٠٧٥ ، بلفظ (كان فيما أنزل الله من القرآن ....

(٥) الكافرون ١.

٦٤٧

فائدة :

الناسخ إمّا الكتاب أو السّنّة دون القياس والإجماع ، فيكون أربعة أقسام : نسخ الكتاب بالكتاب أو السنة بالسنة أو الكتاب بالسنة أو العكس ، هذا عند الحنفية. وقال الشافعي رحمه‌الله تعالى بفساد الأخيرين ، وتوضيح المباحث يطلب من التوضيح والعضدي وغيرهما من كتب الأصول.

النّسيء : [في الانكليزية] Delay ، inercasing ، month postponed ، leap ـ year ـ [في الفرنسية] Decalage ، ajoumement du mois ، augmentation ، biextile

بالسين على وزن فعيل في اللغة بمعنى التأخير وقيل بمعنى الزيادة ، والعرب يطلقونه أيضا على شهر الكبيسة. وتوضيحه أنّهم لما أرادوا أن يقع حجتهم عاشر ذي الحجة في زمان لا يتغيّر بحيث يكون وقت إدراك الفواكه واعتدال الهواء ليسهل المسافرة عليهم وذلك عند كون الشمس في حوالي الاعتدال الخريفي ، قام خطيب في الموسم عند إقبال العرب إلى مكة من أيّ مكان فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال بعد الخطبة : أنا أنسئ لكم شهرا في هذه السنة أي أزيد فيها وكذلك أفعل في كل ثلاث سنين حتى يأتي حجّكم وقت اعتدال الهواء وإدراك الفواكه ، ففي كلّ ست وثلاثين سنة قمرية يكبسون اثني عشر شهرا قمريا ويسمّون الشهر الزائد بالنسيء لأنّه أخر ومؤخّر عن مكانه ولأنّه زائد على اثني عشر شهرا. وقيل كانوا يكبسون أربعا وعشرين سنة باثني عشر شهرا وهذا هو دور النّسيء المشهور عند العرب في الجاهلية وأنّه كان أقرب إلى مرادهم إذ به توقّف ذو الحجة بالفضل المطلوب لأنّ التفاوت بين السّنة الشمسية والقمرية عشرة أيّام تقريبا ، والمجتمع منها في ثلاث سنين شهر في سنتين.

وقيل كانوا يكبسون تسع عشرة سنة قمرية بسبعة أشهر قمرية حتى تصير تسع عشر سنة شمسية فيزيدون في السنة الثانية شهرا ثم في الخامسة شهرا على ترتيب بهزيجوج كما يفعله اليهود ، إلاّ أنّ اليهود يكررون الشهر السادس فقط والعرب كانوا يديرون الشهر الزائد على جميع الشهور ، وأول من فعل ذلك رجل من بني كنانة (١) يقال له نعيم بن ثعلبه (٢) وقيل عامر بن الظّرب (٣) أحد أذكياء العرب ، وبالجملة إذا انقضى سنتان أو ثلاث كان يقوم الخطيب ويقول إنّا جعلنا اسم الشهر الفلاني من السنة الداخلة لما بعده ، هكذا يستفاد من شرح التذكرة والتفسير الكبير في تفسير قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (٤).

النّسيان : [في الانكليزية] Forgetting ، amnesia ـ [في الفرنسية] Oubli ، amnesie

بالكسر وسكون السين هو عدم ما للصورة الحاصلة عند العقل من شأنه ملاحظة في الجملة أعمّ من أن يكون بحيث يتمكّن من ملاحظتها أيّ وقت شاء ويسمّى ذهولا أو سهوا ، أو

__________________

(١) قبيلة عربية كبيرة تنسب لرجل اسمه كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة ، من كلب ، من قضاعة ، وقد انحدر من هذه القبيلة قبائل كثيرة منها : كنانة عذرة ، بنو عدى ، بنو جناب ، وهذه بدورها تفرعت إلى قبائل أخرى.

جمهرة الانساب ٤٢٥ ، معجم قبائل العرب ٩٩٦.

(٢) جد جاهلي لم نعثر على ترجمة له.

(٣) عامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ العدواني. لا يعرف له تاريخ ولادة ولا تاريخ وفاة ، حكيم جاهلي ، خطيب ، رئيس قبيلة مضر وفارسها. وقيل إنه كان من المعمّرين في الجاهلية. وعرف باسم (ذو الحلم).

الاعلام ٣ / ٢٥٢ ، البيان والتبيين ١ ٢١٣ ، سيرة ابن هشام ١ / ٤١ ، المحبر ١٣٥ ، العقد الفريد ٢ ٢٥٥.

(٤) التوبة / ٣٧.

٦٤٨

يكون بحيث لا يتمكّن من ملاحظتها إلاّ بعد تجشّم كسب جديد وهذا هو النّسيان في عرف الحكماء كذا في التلويح ، وقد سبق مثل هذا في لفظ السّهو أيضا. وفي شرح المواقف في مبحث الجهل ويقرب من الجهل البسيط السهو وكأنّه جهل بسيط سببه عدم استثبات التصوّر أي العلم تصوّريا كان أو تصديقيا ، فإنّه إذا لم يتقرّر كان في معرض الزوال فيثبت مرة ويزول أخرى ويثبت بدله تصوّر آخر فيشتبه أحدهما بالآخر اشتباها غير مستقر ، حتى إذا نبّه السّاهي أدنى تنبيه تنبّه وعاد إلى التصوّر الأول ، وكذا الغفلة يقرب منه ، ويفهم منه عدم التصوّر مع وجود ما يقتضيه ، وكذا الذهول ، قيل سببه عدم استثبات التصوّر حيرة ودهشا. قال تعالى (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) (١) فهو قسم من السّهو والجهل البسيط بعد العلم يسمّى نسيانا.

وقد فرّق بين السّهو والنّسيان بأنّ الأول زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة ، والثاني زوالها عنهما معا فيحتاج حينئذ إلى سبب جديد. وقال الآمدي : إنّ الغفلة والذهول والنّسيان عبارات مختلفة لكن يقرب أن يكون معانيها متّحدة وكلّها مضادة للعلم بمعنى أنّه يستحيل اجتماعها معه انتهى. والنّسيان عند الأطباء هو السرسام البارد ويقال له ليثرغس أيضا وهو ورم عن بلغم عفن في مجاري الروح الدماغي وقلما يعرض في جرم الدماغ أو حجابه للزوجية البلغم فلا ينفذ في الحجب لصلابتها ولا في الدماغ للزوجيته ، وإنّما سمّي به لأنّ النّسيان لازم لهذا المرض فسمّي به تسمية للملزوم باسم العرض اللازم ، هكذا في الأقسرائي وبحر الجواهر.

النّسيم : [في الانكليزية] Breeze ، Providence ـ [في الفرنسية] Brise ، Providence

في اللغة هو الرّيح اللطيفة ، وبداية هبوب الرّياح كما في الصّراح. وعند الصوفية : هبوب الرّيح هي العناية ، كما في بعض الرسائل (٢).

النّشر : [في الانكليزية]

Figure of speech consisting of naming many objects and accompanying every one by an adequate adjecE

، prose. ـ [في الفرنسية]

Figure de style qui consiste a nommer plusieurs objets et a faire accompagner chacun d\'un adjectif adequE

، prose.

بالفتح وسكون الشين المعجمة عند أهل العربية قد سبق في لفظ اللف ، وبفتحتين عندهم ضد النظم كما يجيء ، بالثاء المثلثة أيضا في هذا المعنى ويقال له المنشور أيضا. ويورد في مجمع الصنائع : إنّ الكلام منظوم أو منثور والمنثور على ثلاثة أقسام : مرجز ومسجع والعاري.

فالمرجّز له وزن الشّعر ولكن بدون قافية.

والمسجّع له قافية ولكن بدون وزن.

وأمّا العاري فهو ما خلا من القافية والوزن. فالقافية بدون وزن لا تعدّ شعرا ، كما أنّ الوزن بدون قافية ليس بشعر (٣).

النّصّ : [في الانكليزية] Text ـ [في الفرنسية] Texte

بالفتح والتشديد هو في عرف الأصوليين يطلق على معان. الأول كلّ ملفوظ مفهوم

__________________

(١) الحج ٢.

(٢) در لغت باد نرم واوّل باديكه وزيدن گيرد كما في الصراح ونزد صوفية وزيدن باد عنايت را گويند كما في بعض الرسائل.

(٣) ودر مجمع الصنائع مى آرد كلام يا منظوم است ويا منثور ومنثور بر سه قسم است مرجز ومسجع وعاري مرجز ان است كه وزن شعر دارد اما قافية ندارد ومسجع آنكه قافية دارد اما وزن ندارد وعاري ان است كه ازين هر دو عاري است يعني نه وزن دارد ونه قافية ، قافية بى وزن شعر نيست چنانكه وزن بي قافيه شعر نيست.

٦٤٩

المعنى من الكتاب والسّنّة سواء كان ظاهرا أو نصا أو مفسرا حقيقة أو مجازا عاما أو خاصا اعتبارا منهم للغالب ، لأنّ عامة ما ورد من صاحب الشرع نصوص ، وهذا المعنى هو المراد بالنصوص في قولهم عبارة النّصّ وإشارة النّصّ ودلالة النّصّ واقتضاء النّصّ ، كذا في كشف البزدوي. فقوله من الكتاب والسّنّة بيان لقوله ملفوظ ، وليس المقصود حصر ذلك الملفوظ فيهما بدليل أنّ عبارة النّصّ وأخواتها لا يختص بالكتاب والسّنّة ، ولهذا وقع في العضدي أنّ الكتاب والسّنّة والإجماع كلّها يشترك في المتن أي ما يتضمّنه الثلاثة من أمر ونهي وعامّ وخاصّ ومجمل ومبيّن ومنطوق ومفهوم ونحوها. والثاني ما ذكر الشافعي فإنّه سمّى الظاهر نصّا فهو منطلق على اللغة ، والنّصّ في اللغة بمعنى الظهور. يقول العرب نصت الظبية رأسها إذا رفعت وأظهرت فعلى هذا حدّه حدّ الظاهر وهو اللفظ الذي يغلب على الظّنّ. فهم معنى منه من غير قطع فهو بالإضافة إلى ذلك المعنى الغالب ظاهر ونصّ. والثالث وهو الأشهر هو ما لا يتطرّق إليه احتمال أصلا لا على قرب ولا على بعد كالخمسة مثلا فإنّه نصّ في معناه لا يحتمل شيئا آخر ، فكلما كانت دلالته على معناه في هذه الدرجة سمّي بالإضافة إلى معناه نصّا في طرفي الإثبات والنفي أعني في إثبات المسمّى ونفي ما لا يطلق عليه الاسم ، فعلى هذا حدّه اللفظ الذي يفهم منه على القطع معنى فهو بالإضافة إلى معناه المقطوع به نصّ ، ويجوز أن يكون اللفظ الواحد نصّا وظاهرا ومجملا لكن بالإضافة إلى ثلاثة معان لا إلى معنى واحد. والرابع ما لا يتطرّق إليه احتمال مقبول يعضده دليل أمّا الاحتمال الذي لا يعضده دليل فلا يخرج اللفظ عن كونه نصّا ، فكان شرط النّصّ بالمعنى الثالث أن لا يتطرّق إليه احتمال أصلا ، وبالمعنى الرابع أن لا يتطرّق إليه احتمال مخصوص وهو المعتضد بدليل فلا حجر في إطلاق النّصّ على هذه المعاني ، لكن الإطلاق الثالث أوجه وأشهر وعن الاشتباه بالظاهر أبعد. وهذه المعاني الثلاثة الأخيرة ذكرها الغزالي في المستصفى.

قال في كشف البزدوي فظهر بما ذكرها الغزالي أنّ موجب النّصّ ، والظاهر على التفسير الذي اختاره مشايخنا ظني عند أصحاب الشافعي.

وأمّا على التفسير الذي اختاره فقطعي كالمفسّر انتهى. فمشايخنا أي الحنفية أخذوا القطع بمعنى ما يقطع الاحتمال الناشئ عن دليل ، فهذا المعنى الرابع موافق لمذهبهم ، والشافعي أخذ القطع بمعنى ما يقطع الاحتمال أصلا على ما عرفت في لفظ الظاهر في نفس الصيغة. ثم الحنفية قالوا النّصّ ما ازداد وضوحا على الظاهر بمعنى في المتكلّم فما قيل إنّ النّصّ ما دلّ على معنى دلالة قطعية يمكن أن يحمل على المعنى الأشهر الثالث وأن يحمل على المعنى الثاني بناء على اختلاف معنى القطعي ، قيل إنّ النّصّ هو الذي لا يحتمل التأويل فيحمل على المعنى الأشهر بأن سيق الكلام له. قال في كشف البزدوي وليس ازدياد وضوح النّصّ على الظاهر بمجرّد السوق كما ظنّوا إذ ليس بين قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (١) مع كونه مسوقا في إطلاق النكاح وبين قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) (٢) مع كونه غير مسوق فيه فرق في فهم المراد للسامع ، وأن يجوز أن يثبت لأحدهما بالسوق قوة تصلح للترجيح عند التعارض كالخبرين المتساويين في الظهور يجوز أن يثبت لأحدهما مزية على الآخر بالشّهرة أو التواتر أو غيرهما من المعاني ، بل

__________________

(١) النور / ٣٢.

(٢) النساء ٣.

٦٥٠

ازدياده بأن يفهم منه معنى لم يفهم من الظاهر بقرينة قطعية تنضم إليه سباقا أو سياقا تدلّ على أنّ قصد المتكلّم ذلك المعنى بالسوق ، كالتفرقة بين البيع والربا ـ الربا ـ لم يفهم من ظاهر الكلام بل بسياق ، وهو قوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) (١) وعرف أنّ الغرض إثبات التفرقة بينهما وأنّ تقدير الكلام وأحلّ الله البيع وحرم الربا فأنّى يتماثلون ولم يعرف هذا بدون تلك القرينة بأن قيل ابتداء أحلّ الله البيع وحرّم الربا ، ويؤيّد ما ذكرنا ما قال شمس الأئمة. وأمّا النّصّ فما يزداد بيانا بقرينة تقترن باللفظ من المتكلّم ليس في اللفظ ما يوجب ذلك ظاهرا بدون تلك القرينة ، وإليه أشار القاضي في أثناء كلامه. وقال صدر الإسلام النّصّ فوق الظاهر في البيان لدليل في عين الكلام. وقال الإمام اللامشي (٢) رحمه‌الله النّصّ ما فيه زيادة ظهور سيق الكلام لأجله وأريد بالأسماع باقتران صيغة أخرى بصيغة الظاهر كقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٣) نصّ في التفرقة بين البيع والربا حيث يريد بالأسماع ذلك بقرينة دعوى المماثلة. وأمّا قولهم بمعنى في المتكلم في نفس الصيغة فمعناه ما ذكرنا أنّ المعنى الذي به ازداد النّصّ وضوحا على الظاهر ليس له صيغة في الكلام تدلّ عليه وضعا بل يفهم بالقرينة التي اقترنت بالكلام أنّه هو الغرض للمتكلّم من السوق ، كما أنّ فهم التفرقة ليس باعتبار صيغة تدلّ عليه لغة بل بالقرينة السابقة التي تدلّ على أنّ قصد المتكلم هو التفرقة ، ولو ازداد وضوحا بمعنى يدلّ عليه صيغة يصير مفسّرا فيكون هذا احترازا عن المفسّر انتهى.

وقد سبق في لفظ الظاهر أيضا ما يوضّح هذا فمرجع هذه المعاني التي ذكرها الحنفية إلى المعنى الرابع كما لا يخفى. والخامس الكتاب والسّنّة قال المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي في بحث النسخ كما يراد بالنّصّ ما يقابل الظاهر كذلك يراد به ما يقابل الإجماع والقياس وهو الكتاب والسّنّة انتهى. ولا بدّ هاهنا من بيان معاني عبارة النّصّ وأخواته لاشتراكها في المضاف إليه أعني لفظ النّصّ ، فأقول عبارة النّصّ دلالته على المعنى مطابقة أو تضمنا مع سياق الكلام له وإشارة النّصّ دلالته على المعنى بالالتزام مع عدم سياق الكلام له.

وسمّى الشافعي العبارة بالمنطوق الصريح وجعل الإشارة من أقسام المنطوق الغير الصريح ، يدلّ عليه ما وقع في كشف البزدوي من أنّ عامة الأصوليين من أصحاب الشافعي قسّموا دلالة اللفظ إلى منطوق ومفهوم وجعلوا ما سمّاه الحنفية عبارة وإشارة واقتضاء من قبيل المنطوق. اعلم أنّ دلالة الكلام على المعنى على ثلاث مراتب : الأولى أن يدلّ على المعنى ويكون ذلك المعنى مقصودا أصليا كالعدد في قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٤). والثانية أن يدلّ على معنى ولا يكون مقصودا أصليا بل إنّما يكون لغرض إتمام معنى آخر كإباحة النكاح في تلك الآية. والثالثة أن يدلّ على معنى وهو من لوازم المعنى المقصود كانعقاد بيع الكلب من قوله عليه الصلاة والسلام (إنّ من السّحت ثمن الكلب) (٥) ، فالقسم الأول مسوق إليه والقسم الثالث ليس مسوقا أصلا والمتوسط مسوق من

__________________

(١) البقرة / ٢٧٥.

(٢) هذا تصحيف ، والأرجح أنّه علي بن محمد بن حميد الدين الضرير الراشي أو الرامشي ، توفي عام ٦٦٧ ه‍ ١٢٦٨ م. من أهل بخارى من فقهاء الحنفية ، له تصانيف عدة. الأعلام ٤ / ٣٣٣ ، الفوائد البهية ١٢٥ ، بروكلمان ٣ ٢٧١.

(٣) البقرة / ٢٧٥.

(٤) النساء ٣.

(٥) ورد في صحيح البخاري ، كتاب البيع ، باب ثمن الكلب ، ح ١٧٩ ـ ٣ / ١٧٤ ، بلفظ (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن ثمن ـ

٦٥١

جهة أنّ المتكلّم قصد إلى التلفظ لإفادة معناه غير مسوق من جهة أنّ المتكلّم إنّما ساقه لإتمام بيان ما هو المقصود الأصلي إذ لا يتأتّى ذلك إلاّ به ، فوضح الفرق من القسمين الأخيرين وهو أنّ المتوسط يصلح أن يصير مقصودا أصليا في السوق بأن انفرد عن القرينة والقسم الأخير لا يصلح لذلك أصلا. إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المراد هاهنا من كون الكلام مسوقا لمعنى أن يدلّ على مفهومه مطلقا سواء كان مقصودا أصليا أو لم يكن ، لا أن يدلّ على مفهومه مقيدا بكونه مقصودا أصليا كما في الظاهر والنّصّ ، فدخل القسم المتوسط هاهنا في السوق ولم يدخل في الظاهر والنّصّ. فإذا تمسّك أحد في إباحة النكاح بقوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) الآية كان استدلالا بعبارة النّصّ لا بإشارته ، فيدخل الظاهر والنّصّ في عبارة النّصّ ، وهذا على رأي من ذهب إلى المباينة بين الظاهر والنّصّ. وأمّا من يجعل الظاهر أعمّ من النّصّ فيقول بتساوي الظاهر والعبارة ودخول النّصّ في العبارة. وقيل بالفرق بأنّ السوق وعدم السوق في النّصّ والظاهر يتعلّقان بالمتكلّم وهما في العبارة والإشارة يتعلّقان بالسامع ، والحكم يختلف بحسب اختلاف المتعلّق وبأنّ العبارة أعمّ من النّصّ لأنّ النّصّ المسوق لحكم يسمّى عبارة ، سواء كان محتملا للتخصيص والتأويل أو لم يكن محتملا ، وسواء احتمل النسخ أو لا ، وأمّا تسميته نصّا فمشروط بشرط أن يكون احتمال التأويل والتخصيص فيه ثابتا لأنّه إذا انقطع هذا الاحتمال يسمّى مفسّرا ، وبأنّ النظم المسوق بالنظر إلى نفس الكلام يسمّى نصّا ، وبالنظر إلى استدلال المستدل به يسمّى عبارة. فالنّصّ والعبارة وإن كان كلّ واحد منهما واحدا لكن باختلاف الاعتبار اختلف اسمهما فسمّي نصّا باعتبار الكلام وسمّي عبارة باعتبار استدلال المستدلّ به ، وكذا في الظاهر تسميته إشارة باعتبار المستدلّ وتسميته ظاهرا باعتبار آخر.

وبالجملة فعبارة النّصّ دلالته على المعنى المسوق له ، وإشارة النّصّ دلالته على المعنى الغير المسوق له ، ودلالة النّصّ دلالته على حكم ثبت بمعناه أي بمعنى النّصّ لغة لا اجتهادا ولا استنباطا ويسمّيها عامة الأصوليين فحوى الخطاب أي معناه ، وقد يسمّى لحن الخطاب أي معناه ويسمّيها نفس أصحاب الشافعي مفهوم الموافقة. فقولهم لغة تمييز أي ثبت بمعناه اللغوي لا بمعناه الشرعي ، ليس المراد المعنى الذي يوجبه ظاهر النظم فإنّ ذلك من قبيل العبارة بل المعنى الذي أدى إليه الكلام كالإيلام من الضرب فإنّه يفهم من اسم الضرب لغة لا شرعا ، بدليل أنّ كلّ لغوي يعرف ذلك المعنى ثابتا بالضرب. ولهذا قيل دلالة النّصّ ما يعرفه أهل اللغة بالتأويل في معاني اللغة مجازها وحقيقتها فإنّ الحكم إنّما يثبت بالدلالة إذا عرف المعنى المقصود من الحكم المنصوص كما عرف أنّ المقصود من تحريم التأفيف والنّهر في قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما) (١) كفّ الأذى عن الوالدين لأنّ سوق الكلام لبيان احترامهما فيثبت الحكم في الضرب والشّتم بطريق التنبيه ، ولو لا هذه المعرفة لما لزم من تحريم التأفيف تحريم الضرب والشّتم إذ لا تقول والله ما قلت بفلان أفّ وقد ضربته. ثم إن كان ذلك المعنى المقصود معلوما قطعا كما في تحريم التأفيف فالدلالة قطعية ، وإذا احتمل أن

__________________

ـ الكلب ... البغي ، وحلوان الكاهن) وذكره الزيلعي في نصب الراية كتاب البيوع باب مسائل منشورة ، الحديث الأول ٤ ٥٢ ، وعزاه لابن حبّان في صحيحه في القسم الأول. ووجدناه في كتاب ابن بابان الاحسان بتقريب صحيح ابن حبان ، كتاب الإجارة ، باب الزجر عن كسب البغية وحلوان الكاهن ، ح ٥١٣٥ ، ٧ / ٣٠٧ ، بلفظ البخاري. وذكره الخطابي في معالم السنن والآثار ، كتاب البيوع ، باب ثمن الكلب ٣ ١٣٢ ، موقوفا على أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ....

(١) الإسراء / ٢٣.

٦٥٢

يكون غيره هو المقصود فهي ظنّية كما في إيجاب الكفّارة على المفطر بالأكل والشرب.

فإنّ قول السائل واقعت أهلي في نهار رمضان وقع عن الجناية التي هي معنى المواقعة في هذا الوقت لا عن الوقاع فإنّه ليس بجناية في نفسه ، والجواب وهو قوله عليه الصلاة والسلام (اعتق رقبة) (١) الخ وقع عن حكم الجناية فأثبتنا الحكم بالمعنى وهو في هذين أي الأكل والشرب أظهر إذ الشوق إليهما أعظم. ولمّا توقّف ثبوت الحكم من الدلالة على معرفة المعنى ولا بدّ في معرفته من نوع نظر ظنّ بعض الحنفية وبعض أصحاب الشافعي وغيرهم أنّ الدلالة قياس جلي ، فقالوا لمّا توقّف على ما ذكرنا وقد وجد أصل كالتأفيف مثلا وفرع كالضرب وعلّة مؤثرة كالأذى يكون قياسا ، إلاّ أنّه لما كان ظاهرا سمّيناه جليا وليس على مذهب الجمهور كما ظنّوا ، لأنّ الأصل في القياس الشرعي لا يكون جزءا من الفرع إجماعا. وهاهنا قد يكون كما لو قال السّيّد لعبده لا تعط زيدا ذرة فإنّه يدلّ على منع إعطاء ما فوق الذرة مع أنّ الذرة جزء منه ولأنّ دلالة النّصّ ثابتة قبل شرع القياس فإنّ كلّ أحد يعرف ويفهم من لا تقل لهما أفّ لا تضربه ولا تشتمه سواء علم شرعية القياس أو لا ، فعلم أنّها من الدلالات القطعية وليس بقياس.

فقولهم لا اجتهادا ولا استنباطا إشارة إلى نفي كونها قياسا. وبعضهم عرّف الدلالة بأنّها فهم غير المنطوق من المنطوق بسياق الكلام ومقصوده. وقيل هي الجمع بين المنصوص وغير المنصوص بالمعنى اللغوي. وأمّا دلالة الاقتضاء فهي دلالة اللفظ على معنى خارج يتوقّف عليه صدقه أو صحته الشرعية أو العقلية ، وقد سبق ، ويجيء في لفظ المنطوق أيضا.

اعلم أنّ المفهوم مما سبق أنّ دلالة الإشارة التزام لا غير ، وقيل دلالة الإشارة إمّا تضمّن أو التزام كما سبق. قال صدر الشريعة في التوضيح : العبارة والإشارة كلاهما دلالة اللفظ على المعنى مطابقة أو تضمنا أو التزاما ، وإنّما الفرق بالسوق وعدمه ، وأراد بالسوق ما أريد منه في النّصّ. وقال إنّ المعنى الذي يدلّ عليه اللفظ إمّا أن يكون عين الموضوع له أو جزءه أو لازمه المتأخر ، أو لا يكون كذلك ، والأول إمّا أن يكون سوق الكلام له فتسمّى دلالته عليه عبارة أو لا ، فإشارة. والثاني إن كان المعنى لازما متقدّما للموضوع له فالدلالة اقتضاء وإلاّ فإن كان يوجد في ذلك المعنى علّة يفهم كلّ من يعرف اللغة أي وضع ذلك اللفظ لمعناه أنّ الحكم في المنطوق لأجلها ، فدلالة النّصّ وإلاّ فلا دلالة أصلا ، والتمسك بمثله فاسد. وإنّما جعلوا اللازم المتأخّر عبارة أو إشارة واللازم المتقدّم اقتضاء لأنّ دلالة الملزوم على اللازم المتأخّر كالعلة على المعلول أقوى من دلالته على اللازم الغير المتأخّر كالمعلول على العلة ، فإنّ الأولى مطّردة دون الثانية إذ لا دلالة للمعلول على العلّة إلاّ أن يكون معلولا مساويا لأنّ النّصّ المثبت للعلّة مثبت للمعلول تبعا لها ، وأمّا المثبت للمعلول فغير مثبت للعلّة التي هي أصل بالنسبة إلى المعلول فيحسن أن يقال إنّ المعلول ثابت بعبارة النّصّ المثبت للعلّة ، ولا يحسن أن يقال إنّ العلّة ثابتة بعبارة النّصّ المثبت للمعلول. إن قيل إنّ الثابت بدلالة النّصّ إذا لم يكن عين الموضوع له ولا جزؤه ولا لازما له فدلالة اللفظ عليه ، وثبوته به ممنوعة للقطع بانحصار دلالة اللفظ في الثلاث.

قلت اللازم المنقسم إلى المتقدّم والمتأخّر هو اللازم لا بواسطة علّة الحكم فلا ينافيه كون الثابت بالدلالة أيضا لازما ، لكن بواسطتها.

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب النفقات ، باب نفقة المعسر على أهله ، ح ١٠٣ ، ٧ ١١٨.

٦٥٣

النّصاب : [في الانكليزية] Origin ، principle ، part not subject to charity tax ـ [في الفرنسية] Origine ، principe ، part exempte de la taxe aumoniere

بالكسر لغة الأصل ، وشرعا ما لا يجب فيما دونه زكاة من المال كما في الكرماني كذا في جامع الرموز في كتاب الزكاة.

النّصارى : [في الانكليزية] Christians ـ [في الفرنسية] Chretiens

بالألف المقصورة قوم عيسى على نبينا وعليه‌السلام ، والضالون منهم ثلاث فرق.

فمنهم من قال إنّ عيسى ابن الله ، وهؤلاء هم المسمّون بالملكية. ومنهم من قال إنّ عيسى هو الله نزل وأخذ ابن آدم وعاد يعني تصوّر بصورة آدم ثم رجع إلى تعاليه ، وهؤلاء يسمّون باليعاقبة. ومنهم من قال إنّ الله في نفسه عبارة عن ثلاثة عن آب وهو الروح القدس وعن أم وهي مريم وعن ابن وهو عيسى ، كذا في الانسان الكامل في باب التوراة.

النّصب : [في الانكليزية] Accusative case ، subjunctive mood ـ [في الفرنسية] Accusatif ، verbe au subjonctif

بفتح النون والصاد وهو نوع من الإعراب حركة كان أو حرفا وهو علامة المفعولية في الاسم ، ولا يطلق على الحركة البنائية ويسمّى بالفضلة أيضا على ما في الموشح. فمنصوب الاسم ما اشتمل على علم المفعولية والمنصوب مطلقا هو اللفظ المشتمل على النّصب والمنصوب على المدح والذّمّ والترحّم هو المفعول به الذي حذف فعله لزوما لقصد المدح أو الذّمّ أو الترحّم نحو الحمد لله الحميد أي أمدح الحميد وأريد الحميد ، ونحو أتاني زيد الخبيث أي أذم الخبيث وأريده ونحو مررت بزيد المسكين أي أريد المسكين والمنصوب على الاختصاص قد سبق.

نصرة الدّاخل : [في الانكليزية] Figure of geomancy ـ [في الفرنسية] Figure en geomancie

بالإضافة عند أهل الرمل اسم شكل مخصوص صورته هكذا ونصرة الخارج بالإضافة اسم شكل مخصوص عندهم وصورته هكذا.

النّصرية : [في الانكليزية] Al ـ Nariyya (sect) ـ [في الفرنسية] Al ـ Nariyya (secte)

بالصاد المهملة فرقة من غلاة الشيعة ، قالوا حلّ الله في علي فإنّ ظهور الروحاني في الجسماني مما لا ينكر كظهور جبرئيل في صورة البشر في الخير وظهور الشيطان في صورته في الشرّ. ولمّا كان علي وأولاده أفضل من غيرهم وكانوا مؤيّدين بتأييدات متعلّقة بباطن الأسرار ، قلنا ظهر الحقّ بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم. ومن هاهنا أطلقنا الآلهة على الأئمة.

ألا يرى أنّ النبي قاتل المشركين وعليّا قاتل المنافقين ، فإنّ النبي يحكم بالظاهر والله يتولّى السّرائر كذا في شرح المواقف (١).

النّصف : [في الانكليزية] Half ، meridian ـ [في الفرنسية] Moitie ، meridien

بالكسر وسكون الصاد نيمه. ونصف النهار عند أهل الهيئة هي دائرة عظيمة تمرّ بقطبي الأفق وبقطبي معدّل النهار وقد سبق. وخط نصف النهار سبق في لفظ الخط. ونصف النهار الحادث يسمّى بنصف نهار الأفق الحادث أيضا عندهم دائرة عظيمة تمرّ بقطبي معدّل النهار وبقطبي الأفق الحادث ، كذا ذكر عبد العلي البرجندي في حاشية الچغميني. والنصف

__________________

(١) النصيرية فرقة من الشيعة ، رئيسها محمد بن نصير النميري من القرن الثالث الهجري المتوفي حوالي العام ٢٧٠ ه‍ ، موسوعة الفرق والجماعات ٣٩٤ ، معجم الفرق الإسلامية ٢٤٩.

٦٥٤

الشرقي والغربي من الأفق مرّ. وقد سبق أيضا بيان النصف المقبل والمنحدر في لفظ الصعود.

ويسمّى النصف المقبل بالنصف الشرقي من الفلك والنصف الصاعد ويسمّى النصف المنحدر بالنصف الغربي منه والنصف الهابط.

النّصيحة : [في الانكليزية] Advice ، devotedne ، sincerity ـ [في الفرنسية] Conseil ، devouement ، sincerite

بالصاد المهملة فعيلة مصدر نصح كالنّصح بضم النون. وقيل النصيحة اسم مصدر والنّصح مصدر وهما في اللغة بمعنى الإخلاص والتصفية من نصحت له القول والعمل أخلصته ونصحت العسل صفيته. وفي الشرع إخلاص الرأي من الغشّ للمنصوح وإيثار مصلحته وتسمّى دينا وإسلاما أيضا ، كذا في فتح المبين شرح الأربعين في الحديث السابع ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الدين النصيحة ، لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم) (١) ، والمعنى : أنّ الدّين الجيّد هو جودة الفكر (أي حسن الظّن) بالله مع الإيمان ، والتصديق بكلّ ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإطاعة أمراء المسلمين وإعانتهم في الحقّ ، وتنبيههم حال الغفلة برفق ، وأمّا بالنسبة للعلماء من أئمة الاجتهاد فهو حسن الظّن بهم. وأمّا بالنسبة للعوام فهي المودّة والهداية والتعليم والسّعي في مصالحهم ودفع الأذى عنهم (٢).

كذا في ترجمة صحيح البخاري. وفي مجمع السلوك : وأمّا ضدّ الحسد فالنصيحة وهي إرادة بقاء نعمة الله تعالى على أخيك المسلم مما له فيه صلاح.

النّطاق : [في الانكليزية] Belt ، extent ، scale ، circle ، ٢ L baldrick ـ [في الفرنسية] Ceinture ، etendue ، echelle ، cercle ، baudrier

بالكسر لغة كلّ ما يشدّ به وسطك والمنطقة أخصّ وهي ما يكون شدّ الوسط به متعارفا ، وفي اصطلاح أهل الهيئة يطلق على بعض الدائرة فإنّهم قسّموا التداوير والأفلاك الخارجة المراكز إلى أربعة أقسام ، وسمّوا كلّ قسم منها نطاقا ونطاقات الخارجة المراكز تسمّى نطاقات أوجية ونطاقات التداوير نطاقات تدويرية كما في توضيح التقويم. والمناسب أن يطلق النطاق على تمام الدائرة المسمّاة بالمنطقة ، لكنهم أطلقوه على البعض منها تسمية للجزء باسم الكلّ ، كذا ذكر العلي البرجندي ، وتوضيح ذلك أنّهم قسّموا الأفلاك الخارجة المراكز والتداوير ، أي كلّ واحد منها على أربعة أقسام مختلفة في العظم والصّغر ، وسمّوا كلّ واحد منها نطاقا ، اثنان منها سفليان متساويان واثنان منها علويان متساويان ، واختلفوا في مبادئ هذه الأقسام ، فمنهم من اعتبر الأبعاد عن مركز العالم بناء على أنّ مقتضى خروج المركز تحقّق أبعاد مختلفة بالقياس إلى مركز العالم ، والتدوير أيضا يقتضي ذلك فيقسّم معتبر الأبعاد الخارج المركز بخطين يخرج أحدهما من مركز العالم إلى البعدين الأبعد والأقرب ، أي الأوج والحضيض والخط الآخر يمرّ بالبعدين الأوسطين بحسب المسافة ، وهما نقطتان متقابلتان على محيط الخارج فيما بين الأوج والحضيض حيث يستوي الخطان الخارج أحدهما من مركز العالمة والآخر من مركز الخارج ، المنتهيان إلى أية نقطة كانت من النقطتين ، وذلك أنّ الخط الخارج من مركز

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب الايمان ، باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدين النصيحة ، ح عنوان الباب ، ١ / ٣٨.

(٢) يعني دين نيك انديشي است مر خداى را بايمان آوردن بوي ومر پيغامبر را بتصديق او بجميع ما جاء به ومر أمراء اسلام را به اطاعت واعانت ايشان در حق وآگاه كردن نزد غفلت برفق وعلماء ائمة اجتهاد را بتحسين ظن در حق ايشان ومر عوام را به مهربانى وهدايت وتعليم دين وسعي در آنچه سود دهد ايشان را ودفع آنچه زيان دارد ايشان را.

٦٥٥

العالم إلى أوج الخارج أكبر من نصف قطر الخارج بما بين المركزين ، والخط الخارج منه إلى حضيضه أصغر من نصف قطره بما بين المركزين فلا محالة بين الأوج والحضيض من الجهتين نقطتان يكون الخط الخارج من مركز العالم إلى أيتهما كانت مساويا لنصف قطر الخارج من مركز الخارج إليها بالضرورة ، وممرّ هذا الخط المار بالبعدين الأوسطين بحسب المسافة عند منتصف ما بين مركزي العالم والخارج ، إذ يحدث هناك في كلّ جهة مثلث قائم الزاوية لكون الخطّ المذكور عمودا على الخط المار بالأوج والحضيض ، والمثلثان يشتركان في أحد ضلعي القائمة ويتساويان في الضلع الآخر ، فيتساوى وتر القائمة ويقسّم معتبر الأبعاد التدوير بخطين يخرج أحدهما من مركز الحامل مارا بحضيض التدوير ومركزه إلى ذروته والآخر يمر بنقطتي التقاطع بين منطقتي التدوير والحامل ، فالبعد بين مركز الحامل والذروة نصف قطر منطقة الحامل مع نصف قطر منطقة التدوير ، وبينه وبين الحضيض نصف قطر منطقة الحامل إلاّ نصف قطر منطقة التدوير ، وبينه وبين كلّ واحدة من نقطتي التقاطع بين النقطتين نصف قطر الحامل فهذا البعد متوسّط بين البعدين الأولين. ومنهم من اعتبر في تقسيم النطاقات اختلاف مسير الكواكب في الحركات إذ الغرض الأصلي من إثبات الخارج والتدوير انضباط أحوال حركات الكواكب في السرعة والبطء والتوسّط بينهما ، فقسّم هذا المعتبر الخارج المركز بخطين أحدهما من مركز العالم إلى أوج الخارج وحضيضه بمثل ما مرّ بعينه لأنّ الأوج والحضيض كما أنّهما البعد الأبعد والأقرب كذلك هما موضعا غاية البطء والسرعة في الحركة ، والخط الآخر يمرّ بحيث يكون هناك زاوية التعديل أعظم مما في سائر الأحوال وذلك الموضع بين جانبي الأوج والحضيض على بعد تسعين جزء عنه من أجزاء فلك البروج ، فهذا الخط يمرّ بمركز العالم قاطعا للخط الأول على قوائم وطرفاه يسمّيان بالبعدين الأوسطين بحسب المسير لأنّ السّير هناك متوسط في غاية السرعة والبطء ، وقسم التدوير بخطين يخرج أحدهما من مركز الحامل ويمرّ بذروة التدوير وحضيضه بمثل ما مرّ لما عرفت ، والآخر هو العمود على الأول وينتهي طرفاه إلى نقطتي التماس بين محيط منطقة التدوير وبين خطين يخرجان إلى ذلك المحيط من مركز الحامل ، وهاتان النقطتان تسمّيان بالبعدين الأوسطين بحسب المسير لتوسط الحركة في السرعة والبطء عندهما ، وهاتان النقطتان تحت نقطتي التقاطع بين محيطي منطقتي التدوير والحامل المعتبر في التقسيم الأول ، وهناك أي عند كلّ واحدة من نقطتي التماس غاية التعديل أيضا من جهة التدوير فالقسمان العلويان أعظم من السفليين على التقسيمين إلاّ أنّ العلويين على التقسيم الثاني أعظم منهما على التقسيم الأول ، ولا خلاف في مبدأ قسمين منها لأنّهما الأوج والحضيض في الخارج والذروة والحضيض في التدوير ، وإنّما الخلاف في مبدأ القسمين الآخرين اعتبر من البعد الأوسط ، فالنطاق الأول هو ما يصل إليه الكوكب بعد مجاوزته أوج الخارج أو ذروة التدوير ، والنطاق الثاني والثالث والرابع على توالي حركة الكوكب من الأوج والذروة ، سواء كانت على غير توالي البروج كحركة القمر على التدوير أو على تواليها كما في ما عداها وكذا النطاق الأول من الحامل ما يصل إليه التدوير بعد مجاوزته أوج الحامل ، والثاني والثالث والرابع على توالي حركته على محيط الحامل ، فما دام الكوكب أو مركز التدوير يتحرّك في النطاق الأول والثاني فهو هابط وفي الآخرين صاعد ، وفي الأول والرابع مستعل ، وفي الثاني والثالث منخفض.

٦٥٦

اعلم أنّ اعتبار خروج الخطين المماسين لمحيط التدوير من مركز الحامل مذهب صاحب الملخص ، وقد يقع فيه صاحب التبصرة.

والجمهور اعتبروا خروجهما من مركز العالم.

قال عبد العلي البرجندي إنّما خالف الجمهور لأنّه يلزم على ما ذكروا عدم كون النطاقين العلويّين ولا السّفليّين متساويين لأنّ الذروة المرئية والحضيض المرئي لا يكونان غالبا على منتصفي القطعتين البعيدة والقريبة. توضيحه أنّا إذا أخرجنا خطا من مركز الحامل إلى مركز التدوير قطع منطقة التدوير في الأعلى والأسفل ولا يتغيّر هذان التقاطعان بقرب مركز التدوير وبعده عن مركز العالم وهما منتصف القطعتين البعيدة والقريبة من التدوير ثم إذا أخرجنا خطا من مركز العالم إلى مركز التدوير فتقاطعه مع أعلى التدوير هو الذروة المرئية ، ومع أسفله هو الحضيض المرئي ، فإن كان مركز التدوير في الأوج والحضيض كانت الذروة والحضيض المرئيان في منتصفي القطعتين المذكورتين ، وإن لم يكونا كذلك لم يكونا على المنتصف بل في أحد جانبيه ، وبحسب اختلاف أبعاد مركز التدوير عن مركز العالم يختلف بعد الذروة والحضيض عن المنتصفين فتختلف مقادير النطاقات.

النّطق : [في الانكليزية] Pronunciation ، enunciation articulation ، understanding ، perception ـ [في الفرنسية] Prononciation ، enonciation ، articulation ، perception ، comprehension

بالضم وسكون الطاء يطلق على النّطق الخارجي وهو اللفظ وعلى النّطق الداخلي الذي هو إدراك الكلّيات ، وعلى مصدر ذلك الفعل وهو اللسان ، وعلى مظهر هذا الانفعال أي الإدراك وهو النفس الناطقة كذا في شرح المطالع في تعريف المنطق. وفي بديع الميزان في بيان النّسب ما حاصله أنّ المراد بالنّطق في قولهم الإنسان حيوان ناطق هو القوة الموجودة في جنان الإنسان التي ينتقش فيها المعاني ولا خفاء في أنها لا توجد في الببّغاء والملائكة والجن لفقد الجنان في الجنّ والملائكة وفقد انتقاش المعاني في الببّغاء انتهى.

النطول : [في الانكليزية] Fomentation ـ [في الفرنسية] Fomentation medicale

بالفتح وضمّ الطاء عند الأطباء هو أن تغلى الأدوية ويصبّ ماؤها على العضو فاترا وليس بينه وبين السكوب كثير فرق ، فإنّ السكوب أن تصبّ قليلا قليلا كذا قال محمد الأقسرائي. والنطول بالفتح واحد النطولات وهي المياه الفاترة التي طبخت فيها الحشائش يستعملها المرضى بالصبّ على أبدانهم أو بالجلوس فيها أو بالانكباب على بخارها كذا قال العلاّمة. قال الجوهري نطّلت رأس العليل بالنطول وهو أن يجعل الماء المطبوخ بالأدوية في كوز ثم يصبّ على رأسه قليلا قليلا. وقد يطلق على الصوفة المغموسة في الأدوية التى أغليت إذا وضعت على العضو. وقد يطلق على ماء يسخّن ويصبّ على العضو من غير أن يطبخ فيه شيء من الأدوية كذا في بحر الجواهر.

النّظائر : [في الانكليزية] Outward appearance ، external aspect ـ [في الفرنسية] Physionomie ، aspect exterieur

قال أهل العربية الفرق بين النظائر والوجوه أنّ الوجوه اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان كلفظ الأمة والنظائر كالألفاظ المتواطئة. وقيل النظائر في اللفظ والوجوه في المعاني ، وضعّف أنّه لو أريد هذا لكان الجميع في الألفاظ المشتركة وهم يذكرون في الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة فيجعلون الوجوه نوعا لأقسام والنظائر نوعا آخر ، وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع المعجزات للقرآن حيث كانت الكلمة الواحدة

٦٥٧

تنصرف إلى عشرين وجها ، وأكثر وأقل ولا يوجد ذلك في كلام البشر ولذلك تفضيل في القرآن.

النّظّامية : [في الانكليزية] Al ـ Nazzamiyya (sect) ـ [في الفرنسية] Al ـ Nazzamiyya (secte)

فرقة من المعتزلة أصحاب إبراهيم بن سيّار النّظّام وهو من شياطين القدرية ، طالع كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة ، قالوا لا يقدر الله تعالى أن يفعل بعباده في الدنيا ما لا صلاح لهم فيه ولا يقدر أن يزيد في الآخرة أو ينقص من ثواب وعقاب لأهل الجنة والنار ، وتوهّموا أنّ غاية تنزيهه تعالى عن الشرور والقبائح لا يكون إلاّ بسلب قدرته عليها ، فهم في ذلك كمن هرب من المطر إلى الميزاب ، وقالوا كونه تعالى مريدا لفعله أنّه خالفه على وفق علمه وكونه مريدا للعبد أنّه أمر به ، وقالوا الإنسان هو الروح ، والبدن آلتها ، وقالوا الأعراض أجسام والجوهر مؤلّف من الأعراض المجتمعة والعلم مثل الجهل المركّب والإيمان مثل الكفر في تمام الماهية. وقالوا خلق الله الخلق دفعة واحدة على ما هي الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا وغير ذلك ، فلم يكن خلق آدم متقدّما على خلق أولاده إلاّ أنه تعالى كمن أي ستر بعض المخلوقات في بعض والتقدّم والتأخّر في الكمون والظهور. وقالوا نظم القرآن ليس بمعجز إنّما المعجز إخباره بالغيب من الأمور الآتية والماضية ، وصرف الله العرب عن الاهتمام بمعارضته حتى لو خلاهم لأمكنهم الإتيان بمثله بل بأفصح منه وقالوا التواتر يحتمل الكذب ، وكلّ من الإجماع والقياس ليس بحجة ، ومالوا إلى الرفض ووجوب النّصّ على الإمام وثبوت النّصّ على إمامة عليّ لكنه كتمه عمر ، وقالوا من سرق ما دون نصاب الزكاة كمائة وتسعة وتسعين درهما أو ظلم به على غيره بالغصب والتعدّي لا يفسق به ، كذا في شرح المواقف (١).

النظر : [في الانكليزية] Sight ، vision ، consideration ، meditation ، position ، thought ، reflection ـ [في الفرنسية] Vue ، consideration ، meditation position ، pensee ، reflexion

بفتح النون والظاء المعجمة في اللغة نكريستن در چيزي بتأمل ، يقال نظرت إلى الشيء كذا في الصراح. وعند المنجّمين كون الشيئين على وضع مخصوص في الفلك ، فإن اجتمع الكوكبان غير الشمس والقمر في جزء واحد من أجزاء فلك البروج يسمّى قرانا ومقارنة ، وإن كان أحد الكوكبين المجتمعين في جزء واحد شمسا والآخر كوكبا من الخمسة المتحيّرة يسمّى احتراقا ، وإن كان أحدهما شمسا والآخر قمرا يسمّى اجتماعا ، وإن لم يجتمع الكوكبان في جزء واحد ، فإن كان البعد بينهما سدس الفلك بأن تكون مسافة ما بينهما ستين درجة من فلك البروج كأن يكون أحدهما في أول الحمل والآخر في أول الجوزاء يسمّى نظر تسديس ، وإن كان البعد بينهما ربع الفلك أي تسعين درجة يسمّى نظر التربيع ، وإن كان البعد بينهما ثلث الفلك أي مائة وعشرين درجة يسمّى نظر التثليث ، وإن كان البعد بينهما نصف الفلك أي مائة وثمانين درجة يسمّى مقابلة ومقابلة النيّرين أي الشمس والقمر يسمّى استقبالا ، ونظرات القمر تسمّى امتزاجات وممازجات قمر ومقارنة الكواكب بعقدة القمر

__________________

(١) فرقة من فرق المعتزلة الكبيرة أتباع ابي اسحاق ابراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري المتوفى عام ٢٢١ ه‍. وسبق الحديث عنها.

موسوعة الفرق والجماعات ٣٩٩ ، معجم الفرق الإسلامية ٢٥٠ ، الملل والنحل ٥٣ ، المقالات ١ ٢٢٧ ، الفرق بين الفرق ١٣١ ، العبر ١ / ٣١٥ ، النجوم الزاهرة ٢ ٢٣٤.

٦٥٨

تسمّى مجاسدة ، وإن لم يكن البعد بينهما كذلك فلا نظر بينهما.

اعلم أنّ نظر كلّ برج إلى ثالثة هو التسديس الأيمن وإلى الحادي عشر هو التسديس الأيسر ، وإلى خامسه التثليث الأيمن وإلى تاسعه التثليث الأيسر ، وإلى رابعه التربيع الأيمن وإلى عاشره التربيع الأيسر وقد مرّ ما يتعلّق بهذا في لفظ الاتصال. اعلم بأنّ عبد العلي البرجندي في شرح زيج (الغ بيك) يقول :

الأنظار نحو نظر المقابلة قسمان : أحدهما على التوالي ويقال له : أنظار أولى. وذلك لأنّ حركات الكواكب لهذا الجانب. فلذا يقولون :

أولا هذه الأنظار تقع. والثاني يقال له أنظار ثانية. ويقال للأولى أنظار يسرى ، وللثانية أنظار يمنى. وذلك لأنّ أهل أحكام الفلك توهّموا كون الإنسان مستلقيا ورأسه لجهة القطب الشمالي. وقسم من هذه الأنظار حينا يعتبرونها من منطقة البروج ، والنظرات التي يسطّرونها في دفاتر التقويم مبنية على هذا الاعتبار وحينا من معدّل النهار. وهذه معتبرة في أحكام المواليد ، ويقولون لها أيضا مطارح الأشعّة ومطارح الأنوار وتخصيصهم مطرح الشّعاع بهذه المواضع من حيث أنّ آثار وقوع الشّعاع يظهر في هذه المواضع ، ولأنّ صحّتها صارت معلومة بالتجارب الكثيرة وإلاّ فإنّ أشعّتها تصل إلى جميع أجزاء الفلك. انتهى كلامه. وإنّ نظرات البيوت والأشكال والنقاط في علم الرمل يأخذونها على هذا النحو ، إلاّ إذا لاحظوا بيوت الرمل بدلا من أجزاء فلك البروج وبدلا من كواكب الأشكال نقاط الاعتبار (١).

وأمّا عند غيرهم كالمنطقيين فقيل هو الفكر وقيل غيره وقد سبق. وقال القاضي الباقلاني النّظر هو الفكر الذي يطلب به علم أو غلبة ظنّ ، والمراد بالفكر انتقال النفس في المعاني انتقالا بالقصد ، فإنّ ما لا يكون انتقالا بالقصد كالحدس وأكثر حديث النفس لا يسمّى فكرا ، وذلك الانتقال الفكري قد يكون بطلب العلم أو الظّنّ فيسمّى نظرا ، وقد لا يكون كذلك فلا يسمّى به فالفكر جنس له وما بعده فصل له وكلمة ، أو لتقسيم المحدود دون الحدّ.

وحاصله أنّ قسما من المحدود حدّه هذا أي الفكر الذي يطلب به علم ، وقسما آخر حدّه ذاك أي الفكر الذي يطلب به ظنّ فلا يرد أنّ الترديد للإبهام فينافي التحديد والمراد بغلبة الظّنّ هو أصل الظّنّ ، وإنّما زيد لفظ الغلبة تنبيها على أنّ الرجحان مأخوذ في حقيقة فإنّ ماهية الظّنّ هي الاعتقاد الراجح فلا يرد أنّ غلبة الظّنّ غير أصل الظّنّ فيخرج عنه ما يطلب به أصل الظّنّ ، والمراد بطلب الظّنّ من حيث هو ظنّ من غير ملاحظة المطابقة للمظنون وعدمها ، فإنّ المقصود الأصلي كالعمل في الاجتهاديات قد يترتّب على الظّنّ بالحكم بالنّظر إلى الدليل ، فإنّ الحكم الذي غلب على ظنّ المجتهد كونه مستفادا من الدليل بحسب العمل به عليه من

__________________

(١) بدان كه عبد العلي البرجندي در شرح زيج الغ بيكي ميگويد انظار سوى نظر مقابله دو قسم اند يكى بر توالي وآن را انظار اولى خوانند بجهت آنكه حركات كواكب باين جانب است پس گويند كه اوّل اين انظار وقوع مى يابد وديگرى بر خلاف توالي وآن را انظار ثانية گويند وانظار اولى را يسرى گويند وانظار ثانية را يمنى چه اهل احكام فلك را چون انسان مستلقى توهم كرده اند كه سر او بجانب قطب شمال باشد وقسمي اين انظار گاهى از منطقة البروج اعتبار كنند ونظرات كه در دفتر تقويم مى نويسند بنابراين اعتبار است وگاهى از معدل النهار وآن را در احكام مواليد معتبر دارند وآن را مطارح شعاعات ومطارح انوار نيز گويند وتخصيص مطرح شعاع باين مواضع بجهت آنست كه آثار از وقوع شعاع درين مواضع بظهور مى آيد چه صحت ان بتجارب بسيار معلوم شده والاشعاع انها بجميع اجزاء فلك ميرسد انتهى كلامه. ونظرات بيوت واشكال ونقاط در علم رمل بهمين طور ميگيرند مگر آنكه به جاى اجزاء فلك البروج بيوت رمل ملاحظة ميكنند وبجاى كواكب اشكال بانقاط اعتبار نمايند.

٦٥٩

غير التفات إلى مطابقته وعدّ مطابقته سيّما عند من يقول بإصابة كلّ مجتهد ، ولذا يثاب المجتهد المخطئ فلا يرد أنّ الظّنّ الغير المطابق جهل ، فيلزم أن يكون الجهل مطلوبا وهو ممتنع إذ لا يلزم من طلب الأعمّ الذي هو الظّنّ مطلقا طلب الأخصّ الذي هو الظّنّ الغير المطابق ، فلا يلزم طلب الجهل. وهذا التعريف يتناول النظر في التصوّر وفي التصديق لأنّ التصوّر مندرج في العلم ، وكذا التصديق اليقيني مندرج فيه ، فيتناول القطعي باعتبار مادته وصورته كالنّظر القياسي البرهاني والظّنّي من حيث المادة كالنّظر القياسي الخطابي ، ومن حيث الصورة كالاستقراء والتمثيل ، وكذا يتناول النّظر الصحيح والفاسد.

اعلم أنّ للنظر تعريفات بحسب المذاهب.

فمن يرون أنّه اكتساب المجهول بالمعلومات السّابقة وهم أرباب التعاليم القائلون بالتعليم والتعلّم يقولون إنّ النّظر ترتيب أمور معلومة للتأدّي إلى مجهول ، وبعبارة أخرى ترتيب علوم الخ ، إذ العلم والمعلوم متحدان والترتيب فعل اختياري لا بدّ له من علّة غائية ، فالباعث على ذلك الفعل التأدّي إلى المجهول يقينا أو ظنّا أو احتمالا فهو الفكر ، فخرج عنه المقدّمة الواحدة لأنّ الترتيب فيها ليس للتأدّي بل لتحصيل المقدّمة ، وكذا خرج أجزاء النظر وترتيب الطرفين والنسبة الحكمية أو بعضها في القضية لتحصيل الوقوع واللاوقوع المجهول ، وكذا خرج التنبيهات ، وكذا خرج الحدس لأنّه سنوح المبادئ المرتّبة دفعة من غير اختيار ، سواء كان بعد طلب أو لا ، وأيضا ليس له غاية لعدم الاختيار فيه ، ودخل فيه ترتيب المقدّمات المشكوكة المناسبة بوجود غرض التأدّي احتمالا ، وكذا التعليم لأنّه فكر بمعونة الغير وكذا الحدّ والرسم الكاملان إلاّ أنّ الأول موصل إلى الكنه والثاني إلى الوجه ، لكنه يخرج عنه التعريف بالفصل والخاصّة وحدهما ، وكون كلّ منهما قليلا ناقصا كما قاله ابن سينا لا يشفي العليل لأنّ الحدّ إنما هو لمطلق النّظر فيجب أن يندرج فيه جميع أفراده التامة والناقصة قلّ استعمالها أو كثر. ولهذا غيّر البعض هذا التعريف فقال هو تحصيل أمر أو ترتيب أمور للتأدّي إلى المجهول ، وكذا دخل فيه قياسا المساواة والاستلزام بواسطة عكس النقيض وإن أخرجوهما عن القياس لعدم اللزوم لذاته ، وكذا النّظر في الدليل الثاني لأنّ المقصود منه العلم بوجه دلالته وهو مجهول. وإنّما قيل للتأدّي ولم يقل بحيث يؤدّي ليشتمل النّظر الفاسد صورة أو مادة فيشتمل المغالطات المصادفة للبديهيات كالتشكيك المذكور في نفس اللزوم ونحوه لأنّ الغرض منها التصديق للأحكام الكاذبة وإن لم يحصل ذلك ، وغيّر البعض هذا التعريف لما مر فقال النّظر ملاحظة العقل ما هو حاصل عنده لتحصيل غيره ، والمراد بالعقل النفس لأنّ الملاحظة فعلها وأنّ المجرّدات علمها حضوري لا حصولي ، والمتبادر من الملاحظة ما يكون بقصد واختيار فخرج الحدس ثم الملاحظة لأجل تحصيل الغير تقتضي أن يكون ذلك لتحصيل غاية مترتّبة عليه في الجملة فلا يرد النقض بالملاحظة التي عند الحركة الأولى والثانية إذ لا يترتّب عليه التحصيل أصلا ، بل إنّما يترتّب على الملاحظة التي هي من ابتداء الحركة الأولى إلى انتهاء الحركة الثانية. نعم يترتّب على الملاحظة بالحركة الأولى في التعريف بالمفرد وهي فرد منه فتدبّر فظهر شمول هذا التعريف أيضا لجميع الأقسام. وأمّا من يرى أنّ النّظر مجرّد التوجّه إلى المطلوب الإدراكي بناء على أنّ المبدأ عام الفيض متى توجهنا إلى المطلوب أفاضه علينا من غير أن يكون لنا في ذلك استعانة بمعلومات ، فمنهم من جعله عدميا فقال هو تجريد الذهن عن الغفلات

٦٦٠