موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ٢

محمّد علي التهانوي

موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ٢

المؤلف:

محمّد علي التهانوي


المحقق: الدكتور علي دحروج
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٠٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

المتى : [في الانكليزية] Time ـ [في الفرنسية] Temps

بالفتح وتخفيف المثناة الفوقانية وقصر الألف عند الحكماء قسم من الأعراض النّسبية وهو حصول الشيء في الزمان المعيّن أو في طرفه وهو الآن ، فإنّ كثيرا من الأشياء يقع في طرف الزمان وإلاّ يقع في الزمان ويسأل عنه بمتى. ومنها الحروف الآنية الحاصلة دفعة كالتاء والطاء. وينقسم متى كالأين إلى حقيقي وهو كون الشيء في زمان لا يفضل عليه كاليوم للصوم والساعة المعينة للكسوف ، وغير حقيقي كيوم كذا وشهر كذا للكسوف. والفرق بين الحقيقي من المتى والأين أنّ الحقيقي من المتى يجوز أن يشترك فيه أشياء كثيرة بخلاف الأين الحقيقي وهو ظاهر. وعرّف المتى بعضهم بالنسبة الحاصلة للشيء باعتبار حصوله في الزمان أو طرفه ، هكذا يستفاد من شرح المواقف وحواشي شرح حكمة العين.

فائدة :

إنّما يعرض متى بالذات للمتغيّرات كالحركة وما يتبعها من الأمور ويعرض المعروض المتغيّرات كالأجسام بالعرض ، فإن ما لا تغيّر فيه لا يعرض له متى إلاّ باعتبار صفات متغيّرة كالأجسام ، فإنّها بواسطة عروض التغيّرات لها يعرض لها متى كذا في شرح التجريد.

المثال : [في الانكليزية] Example ـ [في الفرنسية] Exemple

بالكسر يطلق على الجزئي الذي يذكر لإيضاح القاعدة وإيصاله إلى فهم المستفيد ، كما يقال الفاعل كذا ومثاله زيد في ضرب زيد ، وهو أعمّ من الشاهد وهو الجزئي الذي يستشهد به في إثبات القاعدة ، يعني أنّ المثال جزئي لموضوع القاعدة يصلح لأن يذكر لإيضاح القاعدة ، والشاهد جزئي لموضوع القاعدة يصلح لأن يذكر لإثبات القاعدة. والظاهر أنّ الشاهد كالمثال لا يخصّ بالكلام العربي ، فما قال المحقق التفتازاني من وجوب كون الشواهد من التنزيل أو من كلام البلغاء ففيه خفاء كذا في الأطول. فالعمومية بالنظر إلى ذاتيهما فإنّ كلّما يصلح شاهدا يصلح مثالا بدون العكس ، وكذا بالنظر إلى الغرض المعتبر في تعريفهما فإنّ كلّ شيء يصلح للإثبات يصلح للإيضاح بدون العكس ، ولو لم يعتبر الصّلوح للإثبات والصّلوح للإيضاح لم يكن الأمر كذلك ، فإنّ العمومية حينئذ وإن تحقّقت بالنظر إلى ذاتيهما لكن بالنظر إلى الغرض لا تتحقّق بل يكونان بالنظر إلى الغرض متباينين تباينا كلّيا أو جزئيا ، وذلك لأنّه لو اشترط في كلّ منهما أن لا يقصد به الغرض المقصود من الآخر مع ما قصد منه يتحقّق التباين الكلّي ، لكن يكون الجزئي الذي يقصد منه الإثبات والإيضاح واسطة وإن لم يشترط كما هو الظاهر يتحقّق التباين الجزئي وهو العموم من وجه. اعلم أنّ الشاهد يجب أن يكون نصا فيما يستشهد به ولا يكون محتملا لغيره بخلاف المثال فإنّه يكفيه كونه محتملا لما أورد لتوضيحه ، هكذا يستفاد مما ذكر أبو القاسم والجلپي في حاشية المطول في الخطبة.

فائدة :

الفرق بين المثال والنظير أنّ مثال الشيء لا بد أن يكون جزئيا من جزئيات ذلك الشيء ، ونظير الشيء ما يكون مشاركا له أي لذلك الشيء في الأمر المقصود منه ، ويكونان أي النظير وذلك الشيء جزئيين مندرجين تحت شيء آخر. فقوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) (١) مثال لتنزيل وجود الشيء منزلة عدمه اعتمادا على ما يزيله ، فإنّ المرتابين في كون القرآن كلام الله

__________________

(١) آل عمران ٩ و ٢٥ والبقرة / ٢ ـ ويونس ٣٧.

٤٠١

وكتابه وإن كانوا أكثر من أن يحصى ، لكن لمّا كان معهم ما يزيل ريبهم إذا تأمّلوا فيه جعل الله ريبهم كلا ريب ، فصحّ نفي الرّيب بالكلّية حينئذ. ونظير لتنزيل الإنكار منزلة عدمه يعني قد ينزّل الإنكار منزلة عدم الإنكار تعويلا على ما يزيله كما جعل الرّيب بناء على ما يزيله كلا ريب ، فجعل الإنكار كلا إنكار وقوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) جزئيان مندرجان ، تحت جعل وجود الشيء كعدمه. وبالجملة فنظير الشيء ما يكون مشابها له في أمر ، وقد يطلق النظير على المثال مسامحة. ولكن إذا قوبل بالمثال بأن يقال هذا نظير له لا مثال له مثلا لا يراد به المثال بل يراد به أنّه نظير له أي شبيه له ، هكذا ذكر أبو القاسم والجلپي في حاشية المطول في باب الإسناد في بحث إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر. وفي بعض شروح هداية النحو : المثال هو الجزئي الذي يذكر لإيضاح القاعدة.

وقيل هو تحقيق الكلّي بواحد من جزئياته.

والفرق بين المثال والنظير أنّ النظير طبعي والمثال روحاني والنظير يوجد في آلات الحواس لأنّ إدراكاتها طبيعية والمثال يوجد في العقل والحواس لأنّ إدراكاتها روحانية انتهى.

والمثال عند الصرفيين لفظ تكون فاؤها واوا ويسمّى مثالا واويا كوعد أو ياء ويسمّى مثالا يائيا كيسر ، وقد يراد به الصّيغة يقال أمثلة الماضي وأمثلة المضارع. والمثال في اصطلاح الصّوفية هو العينية ، وعند أهل الشّرع هو الغيرية. ويقول بعضهم : لا عين ولا غير. وفرّق بعضهم يعني : في المثل بنوع المشابهة ثابتة.

وأمّا في المثال فيجب الشّبه التّام ، لأنّ كثرة الحروف تدلّ على كثرة المعنى. وقيل : بل بالعكس. وعالم المثال فوق عالم الشّهادة وأدنى من عالم الأرواح وعالم الشّهادة هو ظلّ عالم المثال. وهو ظلّ عالم الأرواح. وكلّ ما هو في هذا العالم موجود فهو أيضا في عالم المثال.

ويقال له أيضا عالم النفوس. وما يرى في النوم فهو صورة من عالم المثال ، كذا في كشف اللغات. وسيأتي في لفظ الملكوت معنى آخر لعالم المثال. ويقول أيضا في كشف اللغات : يقال لعالم الأرواح عالم المثال المطلق كما يدعى عالم الخيال المثال المقيّد (١).

المثاني : [في الانكليزية]

The Koran or its chapters containing le than one hundred verse

E

ـ [في الفرنسية]

le Coran ou ses chapitres qui ont moins de cent verset

E

كمساجد عند المنجمين يطلق على المرفوع مرتين كما يجيء. وشرعا يطلق على القرآن كلّه لاشتماله على الوعد والوعيد وعلى ذكر الجنة والنار وعلى المبدأ والمعاد وعلى الأمر والنهي وعلى الأحكام الاعتقادية والعملية وعلى مراتب السّعداء ومنازل الأشقياء ، وعلى سورة منه وهو فاتحة الكتاب لاشتمالها على الوعد والوعيد في قوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٢) ، وعلى أحوال الأبرار والفجّار في قوله (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ) (٣) إلى آخر السورة ، ولأنّها تثنّى في الصلاة والإنزال إن صحّ أنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة

__________________

(١) ومثال در اصطلاح صوفية عينيت است ونزديك اهل شرع غيريت وبعضي گويند نه عين است ونه غير وبعضي فرق كرده اند يعنى در مثل بنوعي مشابهت ثابت ميشود اما در مثال شبه تام بايد زيرا چه كثرت حروف دلالت بر كثرت معني دارد وقيل على العكس. وعالم مثال بالاتر از عالم شهادت است وفروتر از عالم ارواح وعالم شهادت سايه عالم مثال است وأو سايه عالم ارواح وآنچه درين عالم است ان همه در عالم مثال است وآن را عالم نفوس نيز گويند ودر خواب چيزى كه ديده ميشود آن را صور عالم مثال گويند كذا في كشف اللغات وقد مر في لفظ الملكوت معنى اخر بعالم المثال ونيز در كشف اللغات ميگويد مثال مطلق عالم ارواح را گويند ومثال مقيد عالم خيال را نامند.

(٢) الفاتحة / ٣.

(٣) الفاتحة ٧.

٤٠٢

وبالمدينة لما حوّلت القبلة هكذا في البيضاوي وغيرها. وعلى السّور التي آيها أقلّ من مائة آية وقد مرّ في لفظ السورة.

المثبت : [في الانكليزية] Affirmative ، positive ـ [في الفرنسية] Affirmatif ، positif

اسم مفعول من الإثبات. وقال المحاسبين كلّ ما ذكر في باب الجبر والمقابلة إمّا أن لا يتطرّق إليه نفي ويسمّى مثبتا وتاما وزائدا ومالا وإمّا أن يتطرّق إليه نفي ويسمّى منفيا وناقصا ودينا كذا في بعض الرسائل.

المثقال : [في الانكليزية] Weight ـ [في الفرنسية] Poids

بالكسر لغة ما يوزن به قليلا كان أو كثيرا. وعرفا ما يكون موزونه قطعة ذهب مقدّر بعشرين قيراطا. وظاهر كلام الجوهري (١) أنّه معناه لغة. والقيراط خمس شعيرات متوسّطة غير مقشورة مقطوعة ما امتدت من طرفيها. فالمثقال مائة شعيرة وهذا على رأي المتأخّرين وسنجة أهل الحجاز وأكثر البلاد. وأمّا على رأي المتقدّمين وسنجة أهل سمرقند (٢) فالمثقال ستة دوانق والدانق أربع طسوجات والطسوج حبّتان والحبّة شعيرتان ، فالمثقال شعيرة وتسعة عشر قيراطا ، فالتفاوت بين القولين أربع شعيرات ، كذا في جامع الرموز في كتاب الزكاة. وفي البرجندي أنّ الدينار وهو المثقال مائة شعيرة عند أهل الشرع وهو المتعارف في وزن أهل هراة (٣) في هذا الزمان ، وإلى هذا الاصطلاح ذهب من قال إنّ المثقال عشرون قيراطا والقيراط خمس شعيرات ، وكلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل ويسمّى هذا وزن سبعة. فكلّ درهم نصف مثقال وخمسة ، وهو سبعون شعيرة وستة وتسعون شعيرة عند الحساب ، وعليه أهل سمرقند. والشعيرة ست خردلات ، والخردلة اثنا عشر فلسا ، والفلس ست فتيلات ، والفتيلة ست نقيرات ، والنقيرة ثمانية قطميرات ، والقطمير اثنا عشر ذرّة انتهى. قيل وقد يقسم الطسوج إلى ثلاثة أقسام يسمّى كلّ قسم حبّة. وبعضهم يقسم الدينار إلى ستين قسما يسمّى كلّ قسم حبّة ، فالحبّة على هذا سدس العشر. وفي بحر الجواهر المثقال بحساب الدراهم درهم وثلاثة أسباع درهم ، وبحساب الطساسيج أربعة وعشرون طسوجا ، وبحساب الشعيرة ستة وتسعون شعيرة ، والمثاقيل الجمع انتهى.

المثل : [في الانكليزية] Similar ، proverb ـ [في الفرنسية] Semblable ، Proverbe

بفتح الميم والثاء المثلثة في الأصل بمعنى النظير ثم نقل منه إلى القول السائر أي الفاشي الممثّل بمضربه وبمورده ، والمراد بالمورد الحالة الأصلية التي ورد فيها الكلام وبالمضرب الحالة المشبّهة بها التي أريد بالكلام وهو من المجاز المركّب ، بل لفشو استعمال المجاز المركّب بكونه على سبيل الاستعارة ، سمّي بالمثل ثم إنّه لا تغيّر ألفاظ الأمثال تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا ، بل إنما ينظر إلى مورد المثل.

__________________

(١) الجوهري : من أئمة اللغة ، توفي عام ٣٩٣ ه‍ ، تقدمت ترجمته.

(٢) مدينة من خراسان. يقال إن شمر بن افريقش غزا أرض الصغد حتى وصل إلى سمرقند فهدمها ثم ابتناها. وقيل انها بنيت أيام الاسكندر. وهي مدينة عظيمة واسعة تقع على جنوب وادي الصغد فيها شوارع ومبان وقصور وعليها سور ، لها أربعة أبواب ، فيها مساجد وحدائق وبساتين ومياه كثيرة.

الروض المعطار ٣٢٢ ، نزهة المشتاق ٢١٤ ، ابن حوقل ٤٠٦ ، الكرخي ١٧٧ ، المقدسي ٢٧٨.

(٣) بلد في غرب أفغانستان. وهي مدينة عامرة لها ربض يحيط بها. فيها مياه كثيرة ، وعلى بابها نهر جار عليه قنطرة. وفيها بساتين وحدائق ومسجد جامع ، ودار الامارة خارج الحصن. لها أربعة أبواب. وقد افتتحها الأحنف بن قيس في خلافة عثمان بن عفان ، وإليها ينسب الهروي. الروض المعطار ٥٩٤ ، الكرخي ١٤٩ ، ابن حوقل ٣٦٦ ، اليعقوبي ٢٨٠ ، المقدسي ٣٠٦ ، نزهة المشتاق ١٤٢.

٤٠٣

مثلا إذا طلب رجل شيئا ضيّعه قبل ذلك تقول له : ضيّعت اللّبن بالصيف بكسر تاء الخطاب لأنّ المثل قد ورد في امرأة ، وذلك لأنّ الاستعارة يجب أن يكون لفظ المشبّه به المستعمل في المشبّه ، فلو تطرق تغيّر إلى الأمثال لما كان لفظ المشبّه به بعينه فلا يكون استعارة فلا يكون مثلا. وتحقيق ذلك أنّ المستعار يجب أن يكون اللفظ الذي هو حقّ المشبّه به ، أخذ منه عارية للمشبّه ، فلو وقع فيه تغيير لما كان هو اللفظ الذي يختصّ المشبّه به فلا يكون أخذ منه عارية. وينبغي أن لا يلتبس عليك الفرق بين المثل والإشارة إلى المثل كما في ضيّعت على صيغة المتكلّم فإنّه مأخوذ من المثل وإشارة إليه فلا ينتقض به الحكم لعدم تغيّر الأمثال. وللأمثال تأثير عجيب في الآذان وتقرير غريب لمعانيها في الأذهان. ولكون المثل مما فيه غرابة استعير لفظه للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن عجيب ونوع غرابة كقوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (١) أي حالهم العجيب الشأن. وكقوله (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (٢) أي الصفة العجيبة.

وكقوله (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (٣) أي فيما قصصنا عليكم من العجائب قصّة الجنة العجيبة ، هكذا من المطول وحاشيته لأبي القاسم والأطول.

فائدة :

في الإتقان أمثال القرآن قسمان : ظاهر مصرّح به كقوله (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (٤) الآيات ضرب فيها للمنافقين مثلين مثلا بالنار ومثلا بالمطر ، وكامن. قال الماوردي : سمعت أبا إسحاق ابراهيم بن مضارب بن إبراهيم (٥) يقول : سمعت أبي يقول : سألت الحسين بن الفضل (٦) فقلت : إنّك تخرّج أمثال العرب والعجم من القرآن. فهل تجد في كتاب الله خير الأمور أوسطها؟ قال : نعم ، في أربعة مواضع. قوله (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (٧) وقوله (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٨) وقوله (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (٩) ، وقوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) (١٠) الآية. قلت فهل تجد فيه من جهل شيئا عاداه؟

قال : نعم ، في موضعين (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) (١١) (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (١٢). قلت فهل تجد فيه : لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين (١٣). قال (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) (١٤). قلت : فهل تجد فيه قولهم لا تلد الحيّة إلاّ الحية؟ قال : (وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً

__________________

(١) البقرة / ١٧.

(٢) الروم ٢٧.

(٣) الرعد / ٣٥.

(٤) البقرة ١٧.

(٥) من علماء اللغة وعلوم القرآن ، لم نعثر له على ترجمة.

(٦) الحسين بن الفضل توفي عام ٢٨٢ ه‍. وقد سبقت ترجمته.

(٧) البقرة / ٦٨.

(٨) الفرقان ٦٧.

(٩) الاسراء / ٢٩.

(١٠) الاسراء ١١٠.

(١١) يونس / ٣٩.

(١٢) الأحقاف ١١.

(١٣) صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب لا يلدغ المؤمن ، ح ١٥٧ ، ٨ / ٥٩.

(١٤) يوسف ٦٤.

٤٠٤

كَفَّاراً) (١). وفي مجمع الصنائع يقول : إنّ إرسال المثل عند الشعراء هو : أن يورد الشاعر في كلّ بيت مثلا. مثاله : ومعناه : لا يطفئ ماء الخصم نارك. ولا تسحب حرارة الشمس حلقات الأفعى. ومثال آخر : معناه :

العظمة تقتضي منك الكرم

فما لم تبذر الحبّ لا ينبت

وأمّا إرسال مثلين فهو إيراد مثلين في بيت واحد ومثاله (ومعناه) :

نصيحة كلّ الناس كالهواء في القفص

وهي في أذن الجهّال كالماء في غربال (٢)

المثل : [في الانكليزية] Equal ، identical ـ [في الفرنسية] Pareil ، identique

بالكسر والسكون عند الحكماء هو المشارك للشيء في تمام الماهية ، قالوا التماثل والمماثلة اتّحاد الشيئين في النوع أي في تمام الماهية. فإذا قيل هما متماثلان أو مثلان أو مماثلان كان المعنى أنّهما متفقان في تمام الماهية. فكلّ اثنين إن اشتركا في تمام الماهية فهما المثلان وإن لم يشتركا فهما المتخالفان ، وكذا عند بعض المتكلّمين حيث قال في شرح الطوالع : حقيقته تعالى لا تماثل غيره أي لا يكون مشاركا لغيره في تمام الماهية. وفي شرح المواقف : الله تعالى منزّه عن المثل أي المشارك في تمام الماهية. وقال بعضهم كالأشاعرة : التماثل هو الاتحاد في جميع الصفات النفسية وهي التي لا تحتاج في توصيف الشيء بها إلى ملاحظة أمر زائد عليها كالإنسانية والحقيقة والوجود والشيئية للإنسان. وقال مثبتوا الحال : الصفات النفسية ما لا يصحّ توهّم ارتفاعها عن موصوفها ويجيء ذكرها في محلها.

فالمثلان والمتماثلان هما الموجودان المشتركان في جميع الصفات النفسية ، ويلزم من تلك المشاركة المشاركة فيما يجب ويمكن ويمتنع ، ولذلك يقال المثلان هما الموجودان اللذان يشارك كلّ منهما الآخر فيما يجب له ويمكن ويمتنع أي بالنظر إلى ذاتيهما فلا يرد أنّ الصفات منحصرة في الأقسام الثلاثة ، فيلزم منه اشتراك المثلين في جميع الصفات ، سواء كانت نفسية أولا ، فيرتفع التعدّد عنهما. وقد يقال بعبارة أخرى المثلان ما يسدّ أحدهما مسدّ الآخر في الأحكام الواجبة والجائزة والممتنعة ، أي بالنظر إلى ذاتيهما ، وتلازم التعاريف الثلاثة ظاهر بالتأمّل. ثم لما كانت الصفة النفسية ما يعود إلى نفس الذات لا إلى معنى زائد على الذات فالتّماثل أيضا من الصفات النفسية لأنّه أمر ذاتي ليس معلّلا بأمر زائد عليها. وأمّا عند مثبتي الأحوال منا كالقاضي ففيه تردّد إذ قال تارة إنّه زائد على الصفات النفسية ويخلو موصوفه عنه بتقدير عدم خلق الغير ، فلا يكون من الأحوال اللازمة التي تنحصر الصفات النفسية فيها. وقال تارة أخرى إنّه غير زائد.

ويكفي في اتصاف الشيء بالتّماثل تقدير الغير ، فيكون الشيء حال انفراده في الوجود متصفا بالتماثل غير خال عنه ، ثم أيّد هذا بأنّ صفات الأجناس لا تعلّل بالغير اتفاقا ، فلا يكون التماثل موقوفا على وجود الغير تحقيقا ، وأمّا تقديرا فلا يضر. ثم من الناس من ينفى التّماثل لأنّ الشيئين إن اشتركا من كلّ وجه فلا تعدّد فضلا عن التّماثل ، وإن اختلفا من وجه فلا

__________________

(١) نوح / ٢٧.

(٢) ودر مجمع الصنائع گويد ارسال المثل نزد شعرا آنست كه در هر بيتى شاعر مثلى آرد مثاله. بيت. نكشد آب خصم آتش تو.

نكشد تاب مهر مهرة مار. مثال ديگر. بيت. بزرگى بايدت بخشندگى كن. كه تا دانه نيفشانى نرويد. وارسال المثلين عبارت است از آوردن دو مثل در هر بيتي مثاله. بيت. نصيحت همه عالم چو باد در قفس است. به گوش مردم نادان چو آب در غربال.

٤٠٥

تماثل ، والجواب منع الشرطية الثانية إذ قد يختلفان بغير الصفة النفسية. وقال جمهور المعتزلة المثلان هما المتشاركان في أخصّ وصف النفس ، فإن أرادوا أنّهما مشتركان في الأخص دون الأعم فمحال ، وإن ارادوا اشتراكهما في الأخص والأعم جميعا فما ذكر سابقا أصرح من هذا. ولهم أن يقولوا الاشتراك في الأعم وإن كان لازما منه لكنه خارج عن مفهوم التماثل إذ مداره على الاشتراك في الأخصّ. فقيد الأخصّ ليس احترازيا بل لتحقيق الماهية. ويرد عليهم أنّ التماثل للمثلين إمّا واجب الحصول لموصوفه عند حصول الموصوف فلا يعلّل على رأيهم ، إذ من قواعدهم أنّ الصفة الواجبة يمتنع تعليلها فلا يجوز تعريفه بالاشتراك في أخصّ صفات النفس لاقتضائه كونه معلّلا بالأخصّ ، أولا يكون واجب الحصول فيجوز حينئذ كون السوادين مختلفين تارة وغير مختلفين أخرى. وقال النّجّار (١) من المعتزلة المثلان هما المشتركان في صفة إثبات وليس أحدهما بالثاني قيد الصفة بالثبوتية لأنّ الاشتراك في الصفات السلبية لا يوجب التماثل ويلزمه تماثل السواد والبياض لاشتراكهما في صفات ثبوتية كالعرضية واللونية والحدوث ، وكذا مماثلة الرّبّ للمربوب إذ يشتركان في بعض الصفات الثبوتية كالعالمية والقادرية. اعلم أنّ المتشاركين في بعض الصفات النفسية أو غيرها لهم تردّد وخلاف ويرجع إلى مجرّد الاصطلاح ، لأنّ المماثلة في ذلك المشترك ثابتة معنى والمنازعة في إطلاق الاسم. قال القاضي القلانسي (٢) من الأشاعرة : لا مانع من ذلك في الحوادث معنى ولفظا إذ لم يرد التماثل في غير ما وقع فيه الاشتراك حتى صرّح القلانسي بأنّ كلّ مشتركين في الحدوث متماثلان في الحدوث ، وعليه يحمل قول النّجار ، فلا مماثل عنده للحوادث في وجوده عقلا أي بحسب المعنى ، والنزاع في إطلاق المتماثل للحدوث عليه تعالى ، ومأخذ الإطلاق السمع. فللنّجار أن يلزم التماثل بين الرّبّ والمربوب معنى وإن منع إطلاق اللفظ عليه وأن يلزم في السواد والبياض معنى ولفظا.

فائدة :

كلّ متماثلين فإنّهما لا يجتمعان في محلّ وإليه ذهب الشيخ الأشعري ومنعه المعتزلة ، واتفقوا على جواز اجتماعهما مطلقا إلاّ شرذمة منهم فإنّهم قالوا لا تجتمع الحركتان المتماثلتان في محلّ وإن شئت التفصيل فارجع إلى شرح المواقف وحاشيته للمولوي عبد الحكيم.

المثلّث : [في الانكليزية] Triangle ، grape juice ـ [في الفرنسية] Triangle ، jus de raisin

اسم مفعول من التثليث في الصراح مثلث سه گوشه واز سه يكى مانده ـ ما له ثلاث زوايا ـ وعند الفقهاء هو عصير العنب يطبخ قبل أن يغلى ويشتدّ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، سواء كان بمرة أو أكثر. فلو طبخ حتى ذهب ثلثه ثم قطع عنه النار حتى يبرد ثم أعيد الطبخ عليه قبل أن يغلى حتى يذهب ثلثاه صحّ ، كذا في البرجندي شرح مختصر الوقاية ، ومثله في جامع الرموز حيث قال : المثلث أن يطبخ بالنار أو الشمس حتى يذهب ثلثاه. وعند الأطباء هو

__________________

(١) هو الحسين بن محمد بن عبد الله النجار الرازي ، أبو عبد الله. توفي نحو ٢٢٠ ه‍ نحو ٨٣٥ م. رأس الفرقة النجارية من المعتزلة. له مناظرات عدة مع النّظام وله عدة كتب في الكلام. الاعلام ٢ / ٢٥٣ ، اللباب ٣ ٢١٥ ، المقريزي ٢٠ / ٣٥٠ ، الامتاع والمؤانسة ١ ٨٥.

(٢) هو إبراهيم بن عبد الله الزبيدي ، أبو اسحاق ، المعروف بالقلانسي ، توفي عام ٣٥٩ ه‍ / ٩٧٠ م. وقيل ٣٦١ ه‍ أو ٣٥٧ ه‍.

فقيه ، قاض. عالم بالكلام. له عدة كتب. معجم المؤلفين ١ ٥٤ ، معجم المصنفين ٣ / ٢٢٧ الديباج ٨٨ ، الوافي بالوفيات ٥ ٤٣.

٤٠٦

ما يتّخذ فيه من العصير ثلاثة أجزاء ومن الماء جزء واحد ويغلى إلى أن يذهب الثلث كذا قال الإيلاقي ويسمّى بالفختج أيضا. فعلم من هذا أنّ ما ذهب إليه الأطباء من أنّ المثلّث هو ماء العنب إذا أغلي وأخرجت رغوته حتى يبقى منه الثلث ويذهب الثلثان غلط ، ومنشأ غلطهم المثلث الفقهي فخلطوا المثلث الطبي بالمثلث الفقهي ويسمّى المثلث بالشراب المغسول أيضا كذا في بحر الجواهر. وعند أهل التكسير أي أصحاب الجفر هو مربّع مشتمل على تسعة مربعات صغار سمّي به لأنّ أحد أضلاعه مشتمل على ثلاثة مربعات صغار ويسمّى بالوفق الثلاثي أيضا. ويقال له مربع ثلاثة في ثلاثة أيضا هكذا في بعض الرسائل. وعند المهندسين هو سطح يحيط به ثلاثة خطوط سواء كانت تلك الخطوط كلها مستقيمة ويسمّى مثلثا مستقيم الأضلاع ، وهو الذي يبحث عنه في علم المساحة ، أو كلها منحنية كالمثلث المفروض في سطح الكرة ويسمّى بمثلث سطح الكرة ، وهو قطعة من سطح الكرة يحيط بها ثلاث قسي من الدوائر العظام ، كلّ منها أي من تلك القسي يكون أصغر من نصف الدور على ما صرّح به عبد العلي البرجندي في شرح زيج الغ بيكي ، أو بعضها منحنية كما إذا قطع مخروط بنصفين على السّهم فيحصل من سطحه المستدير مثلث أحاط به خطان مستقيمان وخط مستدير وهو نصف محيط القاعدة ويسمّى مثلثا غير مستقيم الأضلاع. ثم المثلث المستقيم له تقسيمان تقسيم باعتبار الضلع وتقسيم باعتبار الزاوية.

فبالاعتبار الأول إمّا مختلف الأضلاع وهو الذي لا يكون أحد من أضلاعه أي من خطوطه المستقيمة مساويا للآخر ، وإمّا متساوي الأضلاع وهو الذي أضلاعه جميعها متساوية أي لا يكون بعضها أزيد من بعض آخر ، وإمّا متساوي الساقين وهو الذي يتساوى ضلعاه فقط.

وبالاعتبار الثاني إمّا قائم الزاوية وهو الذي يوجد فيه قائمة وإمّا منفرج الزاوية وهو الذي يوجد فيه منفرجة وإمّا حاد الزوايا وهو الذي لا يوجد فيه قائمة ولا منفرجة بل تكون جميع زواياه حادّة والحصر في التقسيم الأول واضح.

وأما في التقسيم الثاني فلأنّ المثلث لا بدّ أن تكون زواياه الثلاث مساوية لقائمتين على ما ثبت في علم الهندسة ، فلا يمكن أن يكون فيه أزيد من قائمة ولا منفرجة كما لا يخفى. وإذا ضرب عدد أقسام التقسيم الأول في عدد أقسام التقسيم الثاني يحصل تسعة أقسام ، ولكن الاثنين منها ممتنعان وقوعا وهما المتساوي الأضلاع القائم الزاوية أو منفرجها ، فالأقسام الممكنة الوقوع سبعة ، هكذا يستفاد من شرح أشكال التأسيس وشرح خلاصة الحساب.

فائدة :

كلّ ضلع من أضلاع المثلّث بالنسبة إلى الضلعين الآخرين يسمّى قاعدة المثلّث والضلعان الآخران بالنسبة إليها أي إلى القاعدة يسمّيان بالساقين ، والزاوية التي بين الساقين تسمّى رأس المثلّث. ومثلّث المخمّس عندهم على ما وقع في تحرير أقليدس هو المثلّث المتساوي الساقين الذي يكون كلّ واحدة من زاويتي قاعدته مثلي زاوية رأسه أي ضعف زاوية رأسه. وعند المنجّمين هو المرفوع ثلاث مرات وسيجيء.

ويطلق المثلثة عندهم أيضا على ثلاثة بروج متحدة في الطبيعة. فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية لكونها على طبيعة النار. والثور والسّنبلة والجدي مثلثة أرضية لكونها على طبيعة الأرض. والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية لكونها على طبع الهواء. والسّرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية لكونها على طبع الماء ، وكلّ منها منسوبة إلى كوكب ويسمّى ذلك الكوكب بربّ تلك المثلثة. وأرباب المثلثتين النارية والهوائية هي الكواكب المذكرة من

٤٠٧

السيارات. وأرباب المثلثتين الباقيتين أي الأرضية ، والمائية هي الكواكب المؤنّثة منها ، وتفصيل ذلك مذكور في كتب النجوم. مثلثات الأعداد عند المحاسبين ذكر في لفظ العدد.

والمثلث عند الشعراء عبارة عن شعر عدد مصراعه ثلاثة بحيث لو جمع أول كلّ مصراع منه يحصل من المجموع مصراع رابع على ما في جامع الصنائع حيث قال : المثلّث عند الشعراء ثلاثة مصاريع بحيث يكتبون الألفاظ الأولى في كلّ مصراع باللون الأحمر ، فإذا جمعت نتج عنها مصراع رابع ، ومثاله في الشعر التالي وترجمته :

سوى وجهك لا أحد ينهي الغمّ

يا من وجهك يعطي الأمل للقلب

المهدئ نفسه ما كان في العالم.

فإذا جمعنا الألفاظ التي تحتها خط نحصل على المصراع الرابع وترجمته :

سوى وجهك ، يا من وجهك يعطي الهدوء (١).

المثلي : [في الانكليزية] Equal ، similar ـ [في الفرنسية] Pareil ، semblable ، similaire

المنسوب إلى المثل بالكسر وهو عند الفقهاء ما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوت بين أجزائه يعتدّ به كالمكيل والموزون والعددي المتقارب كالجوز والبيض والباذنجان والاجر واللّبن ، وغير المثلي بخلافه كالحيوانات والعروض والعقار والعددي المتفاوت ويسمّى بالقيمي أيضا وبالعين أيضا كما يسمّى المثلي بالدّين كما وقع في شروح مختصر الوقاية في كتاب الشفعة والإجارة والغصب ، وليس المراد بالكيلي والوزني والعددي ما يكال أو يوزن أو يعدّد عند البيع ، بل ما يكون مقابلته بالثمن مبنيا على الكيل أو الوزن أو العدد ولا يختلف بالصنعة ، فإنّه إذا قيل هذا الشيء قفيز بدرهم أو منّ بدرهم أو عشرة بدرهم فإنّما يقال إذا لم يكن فيه تفاوت ، وإذا لم يكن فيه تفاوت كان مثليا. وإنّما قلنا ولا يختلف بالصنعة حتى لو اختلف كالقمقمة والقدر لا يكون مثليا ، ثم ما لا يختلف بالصنعة إمّا غير مصنوع أو مصنوع لا يختلف كالدراهم والدنانير والفلوس فكلّ ذلك مثلي. وإذا عرفت هذا عرفت حكم المصنوعات ، فكلّ ما يقال يباع من هذا الثوب ذراع بكذا فهذا إنّما يقال فيما لا يكون فيه تفاوت وهو ما يجوز فيه السّلم فإنّه يعرف ببيان طوله وعروضه ورقعته أي جوهره. وقد فصّل الفقهاء المثليات وذوات القيم ولا احتياج إلى ذلك ، فما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوت يعتدّ به فمثلي ، وما ليس كذلك فمن ذوات القيم كذا في شرح الوقاية في كتاب الغصب. فعلى هذا يكون اللحم مثليا مع أنّه عند أبي حنيفة رحمه‌الله تعالى قيمي في الصحيح كما في الخزانة ، وكذا التراب والصابون والسكنجبين ينبغي أن تكون من ذوات الأمثال مع أنّها من ذوات القيم على ما في جامع الرموز. وعند زفر العدديات كلّها من ذوات القيم. وفي الفصول العمادية أنّ العددي المتقارب وكلّما يكال أو يوزن وليس في تبعيضه مضرة فهو مثلي. وقال الإمام أبو اليسر ليس كلّ مكيل ولا موزون مثليا إنّما المثلي ما يكون متقاربا وما يكون متفاوتا فليس بمثلي والمكيلات والموزونات والعدديات

__________________

(١) مثلث نزد شعراء سه مصراع اند كه بعضي الفاظ اوائل هر سه مصراع به سرخى نويسند كه اگر آنها را جمع كنند مصراع چهارم خيزد مثاله :

جز روى تو كس نيست غم انجام دهي

أي روى تو اميد دل كام دهي

آرام دهي خود نبود در عالم

چون الفاظى كه به سرخى نوشته شده جمع كنند مصراع چهارم خيزد وان اينست جز روى تو اي روى تو آرام دهي.

٤٠٨

سواء ، والذرعيات يجب أن تكون كذلك. وفي المحيط جعل الذرعيات من ذوات القيم. واعلم أنّ في تفاصيل المثليات اختلافات كثيرة تطلب من المطولات كذا في البرجندي.

المثمّن : [في الانكليزية] Octagon ـ [في الفرنسية] Octagone

هو اسم مفعول من باب التفعيل. وهو عند المحاسبين سطح يحيط به ثمانية أضلاع متساوية فإن لم تكن متساوية لا يسمّى بالمثمّن بل بذي ثمانية أضلاع. وعند أهل التكسير هو وفق مشتمل على أربعة وستين بيوتا (١) ويسمّى بمربع ثمانية في ثمانية. وعند أهل العروض يطلق على بحر مشتمل على ثمانية أجزاء. وعند الشعراء يطلق على قسم من المسمط كما سيجيء.

المثنوي : [في الانكليزية] Poetry Without fixed rhyme ـ [في الفرنسية] Poesie sans rime fixe

هو عند الشعراء أبيات متفقة في الوزن ولكلّ بيت منها قافية مستقلّة خاصة ، ويسمّون هذا النوع أيضا : المزدوج. كذا في مجمع الصنائع.

ومن الاستقراء يعلم أنّ الشعراء لا ينظمون الشعر المثنوي في الأبحر الكبيرة مثل بحر الرّجز التام والرّمل التام ، والهزج التام ، وأمثالها.

وأوزان المثنوي هي في «خمسة نظامى» : وهي إسكندرنامه ، ومخزن الأسرار وخسرو وشيرين ، وهفت پيكر (٧ هياكل) وليلى والمجنون. كذا في جامع الصنائع (٢).

المجادل : [فى الانكليزية] Contreversialist ، cotender ـ [في الفرنسية] Polemiste ، conversiste هو صاحب الجدل أو صاحب المجادلة كما عرفت.

المجادلة : [في الانكليزية] Polemics ، contreversy ـ [في الفرنسية] Polemique ، contreverse

هي عند أهل المناظرة المناظرة لا لإظهار الصواب بل لإلزام الخصم ، فإن كان المجادل مجيبا كان سعيه أن لا يلزم وسلم عن إلزام الغير إيّاه ، وإن كان سائلا فسعيه أن يلزم الغير.

وقد يكون السائل والمجيب كلاهما مجادلين كذا في الرشيدية. قال السّيّد السّند في شرح المواقف في المقصد السادس من مرصد النظر : هذه المجادلة حرام. أمّا المجادلة لإظهار الحقّ وإبطال الباطل فمأمور به. قال الله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٣) انتهى. ولا يخفى أنّ ما ذكره بناء على أخذه المجادلة بالمعنى اللغوي وهو المنازعة والمخاصمة.

مجاراة الخصم : [في الانكليزية]

Acceptance of the point of view of the adversaE ـ [في الفرنسية]

Acceptation du point de vue de l\'adversE

ليعثر بأن يسلّم بعض مقدمات حيث يراد تبكيته وإلزامه كقوله تعالى (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ، قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٤) الآية. فقولهم إن نحن إلاّ بشر مثلكم فيه اعتراف الرّسل بكونهم مقصورين على البشرية فكأنهم سلّموا انتفاء الرسالة عنهم

__________________

(١) بيتا (م).

(٢) نزد شعراء ابياتيست متفق در وزن كه هريكي يكى از ان دو قافيه دارد وهر بيتي بر قافيه خاص على حده است واين را مزدوج نيز نامند كذا في مجمع الصنائع. واز استقراء معلوم شده كه در بحرهاى بزرك مثنوي نگويند چنانكه بحر رجز تام ورمل تام وهزج تام وامثال ان واوزان مثنوي همان است كه در خمسه است وان سكندر نامه ومخزن اسرار وخسرو وشيرين وهفت پيكر وليلي ومجنون است كذا في جامع الصنائع.

(٣) النحل / ١٢٥.

(٤) ابراهيم ١٠ ـ ١١.

٤٠٩

وليس مرادا ، بل هو من مجاراة الخصم ليعثر ، فكأنّهم قالوا ما ادعيتم من كوننا بشرا حقّ لا ننكره ، ولكن هذا لا ينافي أن يمنّ الله تعالى علينا بالرسالة كذا في الاتقان. والمجاراة بمعنى باهم رفتن ـ السير معا ـ كما في الصراح ووجه التسمية أظهر.

المجاز : [في الانكليزية] Figurative expreion ـ [في الفرنسية] Sens figure ، metaphore

بفتح الميم هو عند أهل الفرس يطلق على قسم من الاستعارة كما مرّ. وعند أهل العربية خلاف الحقيقة. وهما أي الحقيقة والمجاز يطلقان على اللفظ حقيقة وعلى المعنى مجازا.

هذا وقالوا لفظ الحقيقة والمجاز مقول بالاشتراك على نوعين لأنّ كلا منهما إمّا في المفرد أو في الجملة وإليه مال السّيّد السّند حيث قال في حاشية شرح مختصر الأصول : حدّ كلّ واحد من وصفي الحقيقة والمجاز إذا كان الموصوف به المفرد غير حدّه إذا كان الموصوف به الجملة. وربّما يقيدان في المفرد باللغويين وفي الجملة بالعقليين أو الحكميين كذا في التلويح. والأكثر ترك التقييد باللغويين لئلاّ يتوهّم أنّه مقابل للشرعي والعرفي ، فإنّ اللغوي أيضا يطلق على مقابل الشرعي والعرفي كما سيجيء. فالمقيّد بالعقلي في كلّ واحد منهما ينصرف إلى ما في الإسناد. والمطلق إلى غيره.

والمجاز اللغوي يطلق بالاشتراك على مجاز مفرد ومجاز مركّب كذا في المطول. وقال صاحب الأطول الظاهر أنّ إطلاق المجاز اللغوي على المجاز المفرد والمجاز المركّب على سبيل الاشتراك المعنوي لا اللفظي كما زعم صاحب المطول ، وأنّ هذا ليس مختصا بالمجاز بل الحقيقة أيضا تكون مفردة ومركّبة ، فينبغي أن يقسّم الحقيقة أيضا إلى المفردة والمركّبة. وقد يطلق لفظ المجاز على المجاز بالزيادة والمجاز بالنقصان. وكلام السّكّاكي مشعر بأنّ هذا الإطلاق على سبيل التشابه حيث قال : ورأيي في هذا النوع أن يعدّ ملحقا بالمجاز ومشبّها به. فالعهدة في ذلك أي في جعل اللفظ مشتركا بينهما اشتراكا معنويا أو لفظيا على السّلف ، فإنّ كلام السّلف يحتمل الاشتراك المعنوي واللفظي كما يستدعيه تقسيمهم المجاز إلى هذا النوع وغيره انتهى ما قال صاحب الأطول. وقد يقسم المجاز إلى المشهور وغير المشهور. وما يتميّز به الاشتراك اللفظي عن المعنوي هو أن ينظر إلى المعنيين فإن لم يكن جمعهما في تعريف واحد فالاشتراك لفظي وإلاّ فمعنوي. إذا عرفت هذا فاعلم أنّ تعريف المجاز لا يتّضح حقّ الاتضاح بدون ذكر تعريف الحقيقة لتقابلهما حتى قيل إنّما تعرف الأشياء بأضدادها. وأيضا لا يكون اللفظ مجازا بدون أن يكون له معنى حقيقي فلنشر إلى تعريف الحقيقة (١) ثم إلى تعريف المجاز فنقول :

المجاز العقلي : [في الانكليزية] Metaphor ـ [في الفرنسية] Metaphore

ويسمّى أيضا مجازا حكميا ومجازا في الإسناد وإسنادا مجازيا ومجاز الإسناد ومجازا في الإثبات والمجاز في التركيب ، والمجاز في الجملة على ما قال الخطيب هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأوّل أي غير الملابس الذي ذلك الفعل أو معناه ، يعني غير الفاعل فيما بني للفاعل وغير المفعول به فيما بني للمفعول. ولا يخفى أنّ غير ما هو له يتبادر منه غير ما هو له في نفس الأمر. وبقوله يتأوّل يصير أعمّ من غير ما هو له في نفس الأمر ومن غير ما هو له في اعتقاد المتكلّم في الواقع أو في الظاهر ، ويتقيد باعتقاد المتكلّم في الظاهر فهو بمنزلة أن يقال غير ما هو له في اعتقاد

__________________

(١) أشير إلى تعريف الحقيقة العقلية وشرح في حرف الحاء في موضعه.

٤١٠

المتكلّم في الظاهر. فخرج بقيد التأوّل ما يطابق الاعتقاد فقط كقول الجاهل أنبت الربيع البقل.

وخرج الكواذب مطلقا. وخرج قول المعتزلي المخفي مذهبه خلق الله الأفعال كلّها. والتأوّل طلب ما يئول إليه الشيء ، والمراد به هاهنا نصب القرينة الصارفة للإسناد عن أن يكون إلى ما جعل له إلى ما هو حقيقة الأمر لا بمعنى أن يفهم لأجلها الإسناد إلى ما هو له بعينه ، فإنّه قلّما يحضر السامع بما هو له ، بل بمعنى أن يفهم ما هو حقيقة ، مثلا يفهم من صام نهاري أنّه وقع الصوم البالغ (١) فيه في النهار أو صام صائم في النهار جدا حتى خيّل أنّ النهار صائم. وفي بنى الأمير المدينة أنه صار الأمير سببا بحيث خيّل إليك أنّه بان. ولا ينتقض التعريف بمثل إنّما هي إقبال لأنّه ليس داخلا في التعريف عنده بل هو واسطة كما مرّ. وأمّا الكتاب الحكيم والأسلوب الحكيم والضّلال البعيد والعذاب الأليم فإن أريد بها وصف الشيء بوصف صاحبه فليس بمجاز ولو أريد بها وصف الشيء لكونه ملابس ما هو له في التلبّس بالمسند لكونه مكانا للمسند أو سببا له فيكون المآل الحكيم في كتابه وأسلوبه والأليم في عذابه والبعيد في ضلاله كان مجازا داخلا في التعريف. ومقتضى تعريفات القوم أن لا يكون مكر الليل وإنبات الربيع وجري الأنهار وأجريت النهر مجازات ، وقد شاع إطلاق المجاز العقلي عليها ، فإمّا أن يجعل الإطلاق على سبيل التشبيه وإمّا أن يتكلّف في التعريف ، وصناعة التعريف تأبى الثاني.

تنبيه :

اعلم أنّ للفعل وما في معناه ملابسات بالفتح أي متعلّقات ومعمولات تلابس الفاعل والمفعول به والمفعول المطلق والزمان والمكان والمفعول له والمفعول معه والحال والتمييز ونحوها ، فإسناد الفعل إلى الفاعل الحقيقي إذا كان مبنيا له حقيقة وإلى غيره مجاز ، وإسناده إلى المفعول به الحقيقي إذا كان مبنيا له (٢) حقيقة وإلى غيره للملابسة مجاز. والإسناد للملابسة أن تكون الملابسة الداعية إلى وضع الملابس موضع ما هو له مشاركة مع ما هو له في كونهما ملابسين للفعل. وفائدة قيد للملابسة إخراج الإسناد إلى غير ما هو له من غير ذلك الداعي عن أن يكون مجازا فإنّه غلط وتحريف يخرج به الكلام عن الاستقامة فلا يلتفت إليه ، فلا بدّ من اعتبار هذا في تعريف المجاز بأن يقال : المراد إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له من حيث هو ملابس له ليكون التعريف مانعا. واعلم أيضا أنّ إسناد الفعل المعلوم إلى المفعول معه وله والحال والتمييز والمستثنى جائز لكونه إسنادا إلى الفاعل. وإسناد الفعل المجهول إلى المصدر والزمان والمكان جائز.

ولا يجوز إسناده إلى المفعول معه والمفعول له بتقدير اللام والمفعول الثاني من باب علمت والثالث من باب أعلمت. ولبعض المتأخّرين هاهنا بحث شريف وهو أنّه كيف يكون جلس الدار وسير سير شديد وسير الليل مجازا ، وليس لنا مجلوس ومسير ينزل الدار والسير الشديد ويلحق به. وأمّا الأفعال المتعدّية فينبغي أن يفصل ويقال [له] (٣) ضرب الدار إن قصد به كونها مضروبة فمجاز وإن قصد كونها مضروبا فيها فحقيقة ، وكذا في ضرب ضرب شديد وضرب التأديب. هذا وقال صاحب الأطول : ونحن نقول كون إسناد الفعل المبني للمفعول

__________________

(١) المبالغ (ع).

(٢) له (ع).

(٣) [له] (+ ع).

٤١١

إلى غير المفعول به مجازا مبني على أنّ وضع ذلك الفعل لإفادة إيقاعه على ما أسند إليه ، فحينئذ إذا صحّ جلس الدار يشبه تعلّق الظرفية بتعلّق المفعول [به] (١) ووضعه مقامه وإبرازه في صورته تنبيها على قوته ، فإنّ أقوى تعلّقات الفعل بعد التعلّق بالفاعل تعلّقه بالمفعول به.

ولا يجب أن يكون هناك مفعول به محقّق بل يكفي توهّمه وتخيّله ، فضرب الدار لا معنى له إلاّ جعله مضروبا ولا يتأتّى فيه تفصيل. نعم يشكل الأمر في نحو ضرب في الدار وضرب للتأديب فإنّه لا يظهر جعل الدار مضروبة مع وجود في بل يتعيّن جعلها مضروبا فيها ، ولا يظهر جعل التأديب إلاّ مضروبا له فلا تجوّز فيهما بل هما حقيقتان ، هذا إذا جعل نحو في الدار ظرفا ونحو للتأديب مفعولا له كما هو مذهب ابن الحاجب. وأمّا لو جعل مفعولا به بواسطة حرف الجرّ كما هو المشهور بين الجمهور فلا إشكال ، هذا كله خلاصة ما في الأطول.

التقسيم :

المجاز العقلي أربعة أنواع لأنّ طرفيها إمّا حقيقيان نحو أنبت الربيع البقل أو مجازيان نحو فما ربحت تجارتهم أي ما ربحوا فيها ، وإطلاق الربح في التجارة هاهنا مجاز ، أو أحد طرفيه حقيقي فقط. أمّا الأول أو الثاني كقوله تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) (٢) أي برهانا ، وقوله تعالى : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (٣) فاسم الأم لهاوية مجاز أي كما أنّ الأم كافلة لولدها وملجأ له كذلك النار للكفار كافلة ومأوى. وبالجملة فالمجاز العقلي لا يخرج الظرف عما هو عليه من الحقيقة والمجاز ، ولا خفاء في وقوعه في القرآن كما عرفت وإن أنكره البعض. ثم هو غير مختصّ بالخبر بل يجري في الإنشاء أيضا نحو يا هامان ابن لي صرحا كذا في الأطول والاتقان. وهذا التقسيم يجري في الحقيقة العقلية (٤) أيضا كما صرّح السّيّد السّند في حاشية المطول.

فائدة :

لا بدّ في المجاز العقلي من الصرف عن الظاهر بتأويل إمّا في المعنى أو في اللفظ ، أمّا المسند أو المسند إليه أو في الهيئة التركيبية الدالة على الإسناد. الأول أن لا مجاز في المعنى بحسب الوضع أصلا لا في المفرد ولا في المركّب بل بحسب العقل بأن أسند الفعل إلى غير ما يقتضي العقل إسناده إليه تشبيها له بالفاعل الحقيقي ، وهذا التشبيه ليس هو التشبيه الذي يفاد بالكاف ونحوها ، بل هي عبارة عن جهة راعوها في إعطاء الربيع حكم القادر المختار كما قالوا : شبّه كلمة ما بليس فرفع بها الاسم ونصب الخبر ، فلا يتوهّم أن يكون هناك حينئذ مجاز وضعي علاقته المشابهة بل عقلي ، وهذا قول الشيخ عبد القاهر والإمام الرازي وجميع علماء البيان. الثاني أنّ المسند مجاز عن المعنى الذي يصحّ إسناده إلى المسند إليه المذكور وهو قول الشيخ ابن الحاجب. الثالث أنّ المسند إليه استعارة بالكناية عما يصحّ الإسناد إليه حقيقة وإسناد الإنبات (٥) إليه قرينة لهذه الاستعارة وهو قول السّكاكي. الرابع أنّه لا مجاز في شيء من المفردات بل في التركيب

__________________

(١) [به] (+ م).

(٢) الروم / ٣٥.

(٣) القارعة ٩.

(٤) العقلية (م).

(٥) الإثبات (م).

٤١٢

فإنّه شبّه التلبّس الغير الفاعلي بالتلبّس الفاعلي فاستعمل فيه اللفظ الموضوع لإفادة التلبّس الفاعلي ، فيكون استعارة تمثيلية كما في أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، وهذا ليس قولا لعبد القاهر ولا لغيره من علماء البيان وليس ببعيد.

وقد سها عضد الملّة والدين هاهنا فجعل المذهب الأول منسوبا إلى الإمام الرازي والرابع منسوبا إلى عبد القاهر. ثم الحقّ أنّ الكلّ تصرّفات عقلية ولا حجر فيها ، فالكلّ ممكن والنظر إلى قصد المتكلّم ، هكذا حقّق المحقّق التفتازاني في حاشية العضدي ، فإن شئت الزيادة فارجع إليه.

فائدة :

اختلف في الحقيقة والمجاز العقليين ، فقال الخطيب : المسمّى بهما على ما ذكر صاحب المفتاح هو الكلام وهو الموافق بظاهر كلام عبد القاهر في مواضع من دلائل الإعجاز.

وقول جار الله وغيره أنّه الإسناد وهو ظاهر ، ولذا اخترناه في تعريف الحقيقة والمجاز إذ نسبة الإسناد إلى العقل لذاته ، ونسبة الكلام إليه بواسطته فهو أحقّ بالتسمية بالعقلي. ووجه نسبة الإسناد إلى العقل أنّ كون الإسناد في أنبت الله البقل إلى ما هو له ، وفي أنبت الربيع البقل إلى غير ما هو له مما يدرك بالعقل من دون مدخلية اللغة لأنّ هذا الإسناد ممّا يتحقّق في نفس المتكلّم قبل التعبير وهو إسناد إلى ما هو له أو إلى غير ما هو له قبل التعبير ولا يجعله التعبير شيئا منهما ، فالإسناد ثابت في محلّه أو متجاوز إيّاه بعمل العقل. بخلاف المجاز اللغوي مثلا فإنّه تجاوز محلّه لأنّ الواضع جعل محلّه غير هذا المعنى ، ولهذا يصير أنبت الربيع البقل من الموحّد مجازا وعن الدّهري حقيقة لتفاوت عمل عقلهما لا لتفاوت الوضع عندهما كذا في الأطول. وإن شئت التعريف على مذهب صاحب المفتاح فقل الحقيقة العقلية مركّب أسند فيه الفعل أو معناه إلى ما هو له عند المتكلّم في الظاهر. والمجاز العقلي مركّب أسند فيه الفعل أو معناه إلى غير ما هو له عند المتكلّم بتأوّل. وبالنظر إلى هذا ذكر في التلويح أنّ الحقيقة العقلية جملة أسند فيها الفعل إلى ما هو فاعل عند المتكلّم ، والمجاز العقلي جملة أسند فيها الفعل إلى غير ما هو فاعل عند المتكلّم لملابسة بين الفعل وذلك الغير.

المجاز اللغوي : [في الانكليزية] Metonymy ـ [في الفرنسية] Metonymie

ويسمّى مجازا في المفرد أيضا وهو اللفظ المستعمل في لازم ما وضع له في وضع به التخاطب مع قرينة عدم إرادته أي ما وضع له.

واللازم لما وضع له هو الذي يكون بينه وبين ما وضع له علاقة معتبر نوعها عندهم فلا بد من ملاحظة العلاقة المعتبرة ، فخرج الغلط مطلقا ، أي سواء لم تكن هناك علاقة أو كانت ولكن لم يلاحظها المستعمل. وقولنا في وضع به التخاطب احتراز عن اللفظ المستعمل في لازم ما وضع له هو موضوع له في وضع به التخاطب ، فإنّه حقيقة مع أنّه يصدق عليه الكلمة المستعملة في لازم ما وضع له. وكثير مما يتعلّق بهذا التعريف يرشدك إليه ما مرّ في تعريف الحقيقة اللغوية فلا نعيدها. وقولنا مع قرينة عدم إرادته احتراز عن الكناية ، وهذا إنّما يصحّ على مذهب من يقول بدخول الكناية في الحقيقة أو بكونها واسطة بين الحقيقة والمجاز كما ذهب إليه صاحب التلخيص. وأمّا عند من يقول بكونها مجازا فلا بدّ من ترك هذا القيد. وهاهنا تقسيمات. الأول المجاز اللغوي قسمان مفرد ومركّب ، فالمجاز المفرد هو الكلمة المستعملة فيما وضعت له الخ. والمجاز المركّب هو المركّب (١) المستعمل في لازم ما وضع له الخ

__________________

(١) هو المركب (م ، ع).

٤١٣

هكذا يستفاد من الأطول. وهو يشتمل الاستعارة وغيرها ، ويؤيّده ما وقع في بعض الرسائل : المجاز المركّب هو المركّب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له ، فإن كانت علاقة (١) غير المشابهة فلا يسمّى استعارة وإلاّ يسمّى استعارة تمثيلية انتهى. وقال شارحه ما حاصله إنّ المجاز المركّب يختصّ بالتمثيلية ، والخبر المستعمل في الإنشاء والمستعمل في لازم فائدة الخبر ، والإنشاء المستعمل في الخبر ولا يشتمل المجاز المركّب ما تجوز في أحد ألفاظ فيه. فالمراد أنّ المجاز المركّب هو اللفظ المركّب المستعمل من حيث هو مركّب أي بهيئته التركيبية وصورته المجموعية في غير ما وضع له الخ. فلا يرد أنّ ما تجوز في أحد ألفاظ فيه يصدق عليه حدّ المجاز المركّب لأنّه إذا استعمل جزء من أجزاء المركّب في غير ما وضع له فقد استعمل مجموعه في غير ما وضع له ، لأنّ الموضوع له للمجموع مجموع أمور وضع له الأجزاء ، ولا يرد أيضا أنّ التجوّز في الهيئة التركيبية لم يدخل في شيء من الأقسام لأنّ الهيئة ليست لفظا.

وإنّما قال فلا يسمّى استعارة ولم يقل يسمّى مجازا مرسلا لعدم تصريح القوم بذلك انتهى.

وقال الخطيب في التلخيص المجاز المركّب هو اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه انتهى. فبقيد المركّب خرج المجاز المفرد. والمراد بالمعنى الأصلي المطابقي ، وبهذا تمّ تعريف المجاز المركّب ، إلاّ أنّه أراد التنبيه على أنّ التشبيه الذي يبتني عليه المجاز المركّب لا يكون إلاّ تمثيلا.

وتوضيح أنّه لا يكون تشبيه صورة منتزعة من عدة أمور إلى مثلها إلاّ في وجه منتزع من عدة أمور كما اتفقت عليه كلمتهم ، وإن كان هذا في نفسه غير تام. ولم يكتف بقوله تمثيلا لأنّ التمثيل مشترك بين التمثيل وبين هذه الاستعارة ، فاحترز عن استعمال اللفظ المشترك في التعريف. ولم يحترز بقوله تشبيه التمثيل عن الاستعارة المفردة كما زعم المحقّق التفتازاني لأنّه يغني عن اعتبار التركيب في التعريف. ثم إنّه قد اشتمل التعريف على العلّة الفاعلية وهي المتكلّم [المستعمل] (٢) والصّورية وهي الاستعمال لأنّ الاستعارة معه بالفعل والمادية وهي التشبيه لأنّها معه بالقوة فأراد إتمام الاشتمال على العلل فصرّح بالغائية بقوله للمبالغة في التشبيه. واعترض المحقّق التفتازاني على هذا التعريف بأنّه غير جامع لخروج مجازات مركّبة ليست علاقتها التشبيه كالأخبار المستعملة في التحسّر والتحزّن أو الدّعاء ونحو ذلك. وتحقيق ذلك أنّ الواضع كما وضع المفردات لمعانيها بحسب الشخص كذلك وضع المركّبات لمعانيها التركيبية بحسب النوع. مثلا هيئة التركيب في نحو زيد قائم موضوعة للأخبار بإثبات القيام لزيد ، فإذا استعمل ذلك المركّب في غير ما وضع له فلا بدّ حينئذ من العلاقة بين المعنيين. فإن كانت المشابهة فاستعارة وإلاّ فغير استعارة ، فحصر المجاز المركّب في الاستعارة.

وتعريفه بما ذكر عدول عن الصواب ، ولا يبعد أن يقال ما سوى الاستعارة التمثيلية من المجازات المركّبة مجازات بالعروض ، والمجازات بالأصالة أجزاؤها الداخلة في المجاز المفرد ، مثلا هيئة المركّب الخبري والإنشائي موضوعة لنوع من النسبة فتجوّز فيها بنقلها إلى النوع الآخر فيصير المركّب مجازا بتبعية ذلك التجوّز. فلو عدّ اللفظ الذي صار مجازا للتجوّز في جزئه قسما على حدة من المجاز لكان جاءني أسد وقوله تعالى (وَأَمَّا

__________________

(١) علاقته (م ، ع).

(٢) [المستعمل] (+ م ، ع).

٤١٤

الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) (١) وأمثالهما مجازات مركّبة ولم يقل به أحد.

بخلاف الاستعارة التمثيلية فإنّها من حيث إنها استعارة لا تجوّز في شيء من أجزائها ، بل هي على ما كانت عليه قبل الاستعارة من كونها حقائق أو مجازات أو مختلفات ، بل المجموع نقل إلى غير معناه من غير تصرّف في شيء من أجزائه. فالمجاز المركّب اللفظ المستعمل من حيث المجموع فيما شبّه بمعناه الأصلي ولا شيء مما ليست علاقته التشبيه كذلك. بقي أنّ قولنا حفظت التوراة لمن حفظها استعمل في لازم معناه من حيث المجموع وليس باستعارة إذ لا تجوّز في شيء من أجزائه إلاّ أن يتكلّف ، ويقال حفظت لم يستعمل في لازم معناه بل أفيد اللازم على سبيل التعريض ، فهو من قبيل (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) (٢) في حقّ من يؤذي المسلمين ، فإنّه يفاد به أنّ هذا الشخص ليس بمسلم ، لكن من عرض الكلام وفيه بحث فتأمّل. ثم إنّه يشكل استعارة المركّب المشتمل على النسبة وهي غير مستقلّة لأنّه ينبغي أن لا يجري فيه الاستعارة بالأصالة كما في الحرف فهل هي كالاستعارة التبعية أو لا ، وبعد كونه تبعية اعتبرت الاستعارة في أي شيء أو لا ، هذا كله خلاصة ما في الأطول.

مع توضيح أمثال المجاز المركّب كقولنا إني أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى للمتردّد في أمر ما أي أنّك متردّد في الإقدام عليه والإحجام عنه ، فقد شبّه صورة تردّده في أمر بصورة تردّد من قام ليذهب في أمر ، فتارة يريد الذهاب فيقدّم رجلا وتارة لا يريد فيؤخّر أخرى ، فاستعمل الكلام الدّال على هذه الصورة في تلك الصورة. ووجه الشّبه وهو الإقدام تارة والإحجام أخرى منتزع من عدة أمور كما ترى.

وقيل قولنا إني أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى مسبّب عن التردّد ، فيحتمل أن يكون التجوّز باعتباره فتحقّق المركّب المرسل في المجموع من غير تصرّف في الأجزاء فظهر أنّ الحقّ عدم انحصار المجاز المركّب في الاستعارة التمثيلية.

فائدة :

قال الخطيب : المجاز المركّب يسمّى بالتمثيل على سبيل الاستعارة. أمّا كونه تمثيلا فلاستلزامه التمثيل. وأمّا كونه على سبيل الاستعارة فلأنّه استعارة لأنّ فيه ذكر المشبّه به وترك المشبّه بالكلّية. وقد يسمّى بالتمثيل مطلقا أي من غير تقييد بقولنا على سبيل الاستعارة ، ويمتاز عن التشبيه بأن يقال له تشبيه تمثيل أو تشبيه تمثيلي ولا يطلق التمثيل مطلقا على التشبيه ويسمّى مثلا أيضا. الثاني المجاز اللغوي سواء كان مفردا أو مركّبا قسمان : مرسل إن كانت العلاقة فيه غير المشابهة كاليد في النعمة ، واستعارة إن كانت العلاقة فيه المشابهة. الثالث المجاز اللغوي وكذا الحقيقة اللغوية ، أمّا لغوي أو شرعي أو عرفي خاص أو عام كذا في المطول. وفي الأطول أنّ المقسم الحقيقة والمجاز المفرد وبه صرّح الخطيب في الإيضاح. أمّا في الحقيقة فلأنّ واضعها إن كان واضع اللغة فهي حقيقة لغوية ، وإن كان الشارع فشرعية وإلاّ فعرفية عامّة أو خاصّة ، وبالجملة ينسب إلى الواضع. وأمّا المجاز فلأنّ الوضع الذي به وقع التخاطب وكان اللفظ مستعملا في غير ما وضع له في ذلك الوضع إن كان وضع اللغة فالمجاز لغوي وإن كان وضع الشرعي فشرعي وإلاّ فعرفي عام أو خاص ، وفسّر الخاص بما يتعيّن ناقله عن المعنى اللغوي كالنحوي والصرفي والكلامي. والشرع وإن كان

__________________

(١) آل عمران / ١٠٧.

(٢) صحيح البخاري ، بدء الوحي باب أي الاسلام افضل ، ح ١٠ ، ١ ١٦.

٤١٥

داخلا فيه لكنه أخرج منه لشرافته. والعام بما لا يتعيّن ناقله. وفيه أنّ النحوي مثلا يشتمل العرب وغيرها كما أنّ العرب يشتمل النحوي وغيره ، فجعل أحدهما متعيّنا والآخر غير متعيّن لا توجيه له. ويمكن أن يقال المتعيّن ما يكون واضعا للفظ للاستعمال في تحصيل أمر مخصوص ، والنحوي إنّما يضع اللفظ ليستعمله في تحصيل النحو. بخلاف اللغوي فإنّ نظره في وضع اللفظ ليس على استعماله لتحصيل أمر مخصوص هكذا في الأطول. ثم العرف قد غلب عند الإطلاق على العرف العام. والعرف الخاص يسمّى اصطلاحا. فلفظ الأسد إذا استعمله المخاطب بعرف اللغة في السبع المخصوص يكون حقيقة لغوية ، وفي الرجل الشجاع يكون مجازا لغويا. ولفظ الصلاة إذا استعمله الشارع في العبادة المخصوصة يكون حقيقة شرعية وفي الدعاء يكون مجازا شرعيا.

ولفظ الفعل إذا استعمله النحوي في مقابل الاسم والحرف يكون حقيقة اصطلاحية وفي الحدث (١) يكون مجازا اصطلاحيا. ولفظ الدّابّة إذا استعمل في العرف العام في ذوات الأربع يكون حقيقة عرفية وفي كلّ ما يدبّ على الأرض مجازا عرفيا.

تنبيه :

المجاز اللغوي يطلق بالاشتراك على معنيين أحدهما اللفظ المستعمل في لازم ما وضع له الخ على ما عرفت ، وثانيهما الأخصّ منه المقابل للشرعي والعرفي كما عرفت أيضا قبيل هذا.

المجاز المشهور : [في الانكليزية] Synecdoche ـ [في الفرنسية] Synecdoque ٢ L

هو اللفظ المشتهر في معناه المجازي حتى إذا أطلق يتبادر منه هذا المعنى إلى الفهم ويقابله غير المشهور.

المجاز بالزيادة والنقصان : [في الانكليزية] Litotes ـ [في الفرنسية] Litote

فقد ذكر الخطيب أنّه قد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ ويسمّى مجازا بالنقصان أو بزيادة لفظ ويسمّى مجازا بالزيادة. وقال صاحب الأطول : فخرج تغيّر حكم إعراب غير في جاءني القوم غير زيد ، فإنّ حكم إعرابه كان الرفع على الوصفية فتغيّر إلى النصب على الاستثناء ، لكن لا بحذف لفظ أو زيادة ، بل لنقل غير عن الوصفية إلى كونه أداة استثناء. لكنه يخرج عنه ما ينبغي أن يكون مجازا وهو جملة حذف ما أضيف إليها وأقيمت مقامه نحو ما رأيته مذ سافر فإنّه في تقدير مذ زمان سافر ، إلاّ أن يؤوّل قوله كلمة بما هو أعم من الكلمة حقيقة أو حكما. ويدخل فيه ما ليس بمجاز نحو إنّما زيد قائم فإنّه تغيّر حكم إعراب زيد بزيادة ما الكافّة وإن زيد قائم فإنّه تغيّر إعراب زيد عن النصب إلى الرفع بحذف أحد نوني إنّ وتخفيفها ونحو ذلك. فالصحيح كلمة تغيّر إعرابها الأصلي إلى غير الأصلي فإنّ ربّك في وجاء ربّك تغيّر حكم إعرابه الأصلي أي إعرابه الذي يقتضيه بالأصالة لا بتبعية شيء آخر وهو الجر في المضاف إليه إلى غير الأصلي الذي حصل لمبالغة أمر آخر ، كالرفع الذي حصل فيه بفرعية مضافه المحذوف ونيابته له وليس ما غير فيه الإعراب الأصلي في الأمثلة المذكورة إلى غير الأصلي بل إلى أصليّ آخر.

وكذلك يدخل فيه نحو ليس زيد بمنطلق وما زيد بقائم ، مع أنّ في المفتاح صرّح بأنّهما ليسا بمجازين. قال المحقّق التفتازاني ما حاصله أنّ الآمدي عرّف المجاز بالنقصان في الأحكام بأنّه

__________________

(١) الحديث (م).

٤١٦

اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بعلاقة بعد نقصان منه يغير الإعراب والمعنى إلى ما يخالفه رأسا كنقصان الأمر والأهل في قوله تعالى (وَجاءَ رَبُّكَ) (١) (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) لا كنقصان منطلق الثاني في قولنا زيد منطلق وعمرو ، ونقصان مثل ذوي من قوله تعالى (كَصَيِّبٍ) لبقاء الإعراب ، ولا كنقصان في من قولنا سرت يوم الجمعة لبقائه على معناه. وعرّف المجاز بالزيادة بأنّه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بعلاقة بعد زيادة عليه تغير الإعراب والمعنى إلى ما يخالفه بالكلّية نحو قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣) ، فخرج ما لا يغيّر شيئا نحو فبما رحمة ، وما يغيّر الإعراب فقط نحو سرت في يوم الجمعة ، وما يغيّر المعنى فقط نحو الرجل بزيادة اللام للعهد ، وما يغيّر المعنى لا إلى ما يخالفه بالكلّية مثل إنّ زيدا قائم. وفيه نظر لأنّ المراد بالزيادة هاهنا ما وقع عليه عبارة النحاة من زيادة الحروف وهي كونها بحيث لو حذفت لفظا ومعنى لم يختل. فقد خرج سرت في يوم الجمعة والرجل (٤) وإنّ زيدا قائم ونحو ذلك من هذا القيد لا من غيره ، بل الحقّ أنّه لا حاجة في إخراج الأشياء المذكورة إلى قيد يغيّر الإعراب والمعنى رأسا وبالكليّة في كلا التعريفين لخروجها بقيد الاستعمال في غير ما وضع له. وأيضا يرد على التعريفين أنّ استعمال اللفظ في غير ما وضع له في هذا النوع من المجاز ممنوع إذ لو جعل القرية مثلا مجازا عن الأهل لعلاقة كونها محلا كما وقع في بعض كتب الأصول فهو لا يكون في شيء من هذا النوع من المجاز إذ المجاز هاهنا بمعنى آخر ، سواء أريد به الإعراب الذي تغيّر إليه الكلمة بسبب النقصان أو الزيادة كما يقتضيه ظاهر عبارة المفتاح ، أو أريد به الكلمة التي تغيّر إعرابها بحذف أو زيادة كما ذكره الخطيب.

فكما توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي كذلك توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن إعرابها الأصلي إلى غيره وإن كان المقصود في فنّ البيان هو المجاز بالمعنى الأول. وقال السّيّد السّند أنّ في هذا الإيراد نظرا لأنّ الأصوليين لما عرّفوا المجاز بالمعنى المشهور أوردوا في أمثلة المجاز بالزيادة والنقصان ولم يذكروا أنّ للمجاز عندهم معنى آخر ، فالمفهوم من كلامهم أنّ القرية مستعملة في أهلها مجازا ولم يريدوا بقولهم أنّها مجاز بالنقصان أنّ الأهل مضمر هناك مقدّر في نظم الكلام حينئذ لأنّ الإضمار يقابل المجاز عندهم ، بل أرادوا أنّ أصل الكلام أن يقال أهل القرية فلما حذف الأهل استعمل القرية مجازا فهي مجاز بالمعنى المتعارف سببه النقصان. وكذلك قوله تعالى (كَمِثْلِهِ) مستعمل في معنى المثل مجازا ، وسبب هذا المجاز هو الزيادة إذ لو قيل ليس مثله شيء لم يكن هناك مجاز انتهى. ويؤيّده ما قال صاحب الأطول. ثم نقول لا يبعد أن يقال هذا النوع من المجاز أيضا من قبيل نقل الكلمة عمّا وضعت له إلى غيره فإنّ للكلمة وضعا إفراديا ووضعا تركيبيا فهي مع كلّ إعراب في التركيب وضعت لمعنى لم يوضع له مع إعراب آخر ، فإذا استعملت مع إعراب في معنى وضع له [مع] (٥) إعراب آخر فقد أخرجت عن معنى الموضوع له التركيبي إلى غيره مثلا القرية مع

__________________

(١) الفجر / ٢٢.

(٢) يوسف ٨٢.

(٣) الشورى / ١١.

(٤) والرجل (م ، ع).

(٥) [مع] (+ م ، ع).

٤١٧

النصب في اسأل القرية موضوعة لمعنى (١) تعلّق به السّؤال ، وقد استعملت في معنى (٢) تعلّق بما أضيف إليه السّؤال ، وحينئذ يمكن أن يجعل تحت تعريفاتهم المجاز ويجعل مقصودا لصاحب البيان لتعلّق أغراض بيانه. اعلم أنّ مختار عضد الملّة والدين أنّ لفظ المجاز مشترك معنى بين المجاز اللغوي والعقلي والمجاز بالنقصان (٣) والمجاز بالزيادة على ما يفهم من كلامه في الفوائد العياشيّة حيث قال هناك : الحقيقة لفظ أفيد به في اصطلاح التخاطب ، والمجاز لفظ أفيد به في اصطلاح التخاطب لا بمجرّد وضع أول.

ولا بدّ في المجاز من تصرّف في لفظ أو معنى وكلّ بزيادة أو نقصان أو نقل والنّقل لمفرد أو لتركيب فهذه ثمانية أقسام ، أربعة في اللفظ وأربعة في المعنى. فوجوه التصرّف في اللفظ الأول بالنقصان نحو اسأل القرية. الثاني بالزيادة نحو ليس كمثله شيء على أنّ الله جعل اللاشيئية لنفي من يشبه أن يكون مثلا له فضلا عن المثل ، وقد جعلهما القدماء مجازا في حكم الكلمة أي إعرابها ، وقد جعل من الملحق بالمجاز لا منه. وأنت تعلم حقيقة الحال إذا قلت عليك بسؤال القرية أو قلت ما شيء كمثله ثم النقل فيهما بيّن من سؤال القرية إلى سؤال أهلها ، ومن نفي مثل المثل إلى نفي المثل.

الثالث بالنّقل لمفرد وهو إطلاق الشيء لمتعلّقه بوجه كاليد للقدرة. الرابع بالنقل لتركيب نحو أنبت الربيع البقل إذا صدره من (٤) لا يعتقده ولا يدّعيه مبالغة في التشبيه وهذا يسمّى مجازا في التركيب ومجازا حكميا. وتحقيقه أنّ دلالة هيئة التركيبات بالوضع لاختلافها باللغات وهذه وضعت لملابسة الفاعل ، فإذا أفيد بها ملابسة غيرها كان مجازا لغة كما قاله الإمام عبد القاهر. وقيل إنّ المجاز في أنبت. وقيل إنّه استعارة بالكناية كأنّه ادّعى الربيع فاعلا حقيقيا.

وقيل إنّه مجاز عقلي إذ أثبت حكما غير ما عنده ليفهم منه ما عنده ويتميّز عن الكذب بالقرينة.

وأمّا وجوه التصرّف في المعنى. فالأول بالنقصان كالمشفر للشّفة والمرسن للأنف وهو إطلاق اسم الخاصّ للعام وسمّوه مجازا لغويا غير مقيّد. والثاني بالزيادة نحو وأوتيت من كلّ شيء أي مما يؤتى مثلها وهو عكس ما قبله ، أي إطلاق اسم العام للخاص ومنه باب التخصيص بأسره. والثالث بالنّقل لمفرد نحو في الحمام أسد. والرابع بالنقل لتركيب نحو أنبت الربيع البقل ممن يدّعيه مبالغة في التشبيه ، وهذا لم يذكر وهو بصدد الخلاف المتقدّم. وأمّا من يعتقده فهو منه حقيقة كاذبة انتهى كلامه. قال صاحب الإتقان المجاز قسمان : الأول في التركيب ويسمّى مجاز الإسناد والمجاز العقلي وعلاقته الملابسة وذلك أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لملابسة له. والثاني المجاز في المفرد ويسمّى المجاز اللغوي وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له أو لا ، وأنواعه كثيرة. الأول الحذف كما يجيء. الثاني الزيادة. الثالث إطلاق اسم الكلّ على الجزء نحو يجعلون أصابعهم في آذانهم أي أناملهم.

الرابع عكسه نحو يبقى وجه ربّك أي ذاته.

والحقّ بهذين النوعين شيئان. أحدهما وصف البعض بصفة الكلّ نحو (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (٥) فالخطاء صفة الكلّ وصف به الناصية

__________________

(١) لمعيّن (م ، ع).

(٢) معيّن (م ، ع).

(٣) والمجاز بالنقصان (م).

(٤) صدر ممن (م ، ع).

(٥) العلق ١٦.

٤١٨

وعكسه نحو (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) (١) والوجل صفة القلب. والثاني إطلاق لفظ بعض مرادا به الكلّ نحو (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) (٢) أي كلّه ، ونحو (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) (٣) أي كلّ الذي يعدكم.

الخامس إطلاق اسم الخاص على العام نحو (فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤) أي رسوله.

السادس عكسه نحو (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) (٥) أي المؤمنين بدليل قوله (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (٦). السابع إطلاق اسم الملزوم على اللازم نحو (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) (٧) سمّيت الدلالة كلاما لأنّها من لوازمه. الثامن عكسه نحو (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) (٨) أي هل يفعل ، أطلق الاستطاعة على الفعل لأنّها لازمة له. التاسع إطلاق المسبّب على السّبب نحو (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) (٩) أي مطرا.

العاشر عكسه نحو وما كانوا يستطيعون السمع أي القبول والعمل به لأنّه يتسبّب عن السمع.

ومن ذلك نسبة الفعل إلى سبب السّبب نحو (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (١٠) فإنّ المخرج حقيقة هو الله وسبب ذلك أكل الشجرة وسبب الأكل وسوسة الشيطان. الحادي عشر تسمية الشيء باسم ما كان عليه نحو (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) (١١) أي الذين كانوا يتامى إذ لا يتمّ بعد البلوغ. الثاني عشر تسميته باسم ما يئول إليه نحو (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) (١٢) أي عنبا توفد (١٣) إلى الخمرية (وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً) (١٤) أي صائرا إلى الكفر والفجور.

الثالث عشر اطلاق اسم الحال على المحل نحو ففي رحمة الله أي في الجنة لأنّها محل الرحمة. الرابع عشر عكسه نحو (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١٥) أي أهل ناديه أي مجلسه. الخامس عشر تسمية الشيء باسم آلته نحو (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (١٦) أي ثناء حسنا لأنّ اللسان آلته. السادس عشر تسمية الشيء باسم ضدّه نحو (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١٧) أي أنذرهم. ومنه تسمية الداعي إلى الشيء باسم الصّارف عنه ، ذكره السّكّاكي نحو (قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ) (١٨) أي ما دعاك إلى أن لا

__________________

(١) الحجر / ٥٢.

(٢) الزخرف ٦٣.

(٣) غافر / ٢٨.

(٤) الشعراء ١٦.

(٥) الشورى / ٥.

(٦) غافر ٧.

(٧) الروم / ٣٥.

(٨) المائدة ١١٢.

(٩) غافر / ١٣.

(١٠) الأعراف ٢٧.

(١١) النساء / ٢.

(١٢) يوسف ٣٦.

(١٣) يؤول (م ، ع).

(١٤) نوح / ٢٧.

(١٥) العلق ١٧.

(١٦) الشعراء / ٨٤.

(١٧) آل عمران ٢١.

(١٨) الاعراف / ١٢.

٤١٩

تسجد ، وسلم من ذلك (١) من دعوى زيادة لا.

السابع عشر إضافة الفعل إلى ما لم يصلح له تشبيها نحو (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) (٢) وصفه بالإرادة وهي من صفات الحيّ تشبيها بالمسألة (٣) للوقوع بإرادته. الثامن عشر إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته نحو (٤) (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٥) أي فإذا قرب مجيئه. وبه اندفع السّؤال المشهور أنّ عند مجيء الأجل لا يتصوّر تقديم ولا تأخير. وقيل في دفع السّؤال أنّ جملة لا يستقدمون عطف على مجموع الشرط والجزاء لا على الجزاء وحده. ونحو (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (٦) أي أردتم القيام. التاسع عشر القلب وقد ذكر في محله نحو عرضت الناقة على الحوض.

العشرون إقامة صيغة مقام أخرى. منها إطلاق المصدر على الفاعل نحو (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) (٧) ولهذا أفرده وعلى المفعول نحو (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) (٨) أي من معلومه ، وصنع الله أي مصنوعه. ومنها إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر نحو (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (٩) أي تكذيب و (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (١٠) أي الفتنة على أنّ الباء غير زائدة. ومنها إطلاق الفاعل على المفعول نحو (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (١١) أي مدفوق و (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) (١٢) أي لا معصوم وعكسه نحو حجابا مستورا أي ساترا. وقيل هو على معناه أي مستورا عن العيون لا يحسّ به أحد وأنّه كان وعده مأتيا أي آتيا (١٣) ، ونحو (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (١٤) أي مرضية. ومنها إطلاق فعيل بمعنى مفعول نحو (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) (١٥). ومنها إطلاق واحد من المفرد والمثنى والمجموع على آخر منها نحو (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (١٦) أي يرضوهما فأفرد لتلازم (١٧) الرضاءين ، فهذا مثال إطلاق المفرد على المثنى. ومثال إطلاقه على الجمع (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (١٨) أي الأناسي. ومثال إطلاق المثنّى على المفرد (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (١٩)

__________________

(١) بذلك (م).

(٢) الكهف ٧٧.

(٣) لميله (م).

(٤) نحو (م).

(٥) الاعراف / ٣٤.

(٦) المائدة ٦.

(٧) الشعراء / ٧٧.

(٨) البقرة ٢٥٥.

(٩) الواقعة / ٢.

(١٠) القلم ٦.

(١١) الطارق / ٦.

(١٢) هود ٤٣.

(١٣) أي آتيا (م).

(١٤) الحاقة / ٢١.

(١٥) الفرقان ٥٥.

(١٦) التوبة / ٦٢.

(١٧) لتلاؤم (م).

(١٨) العصر ٢.

(١٩) ق / ٢٤.

٤٢٠