رحلة في الجزيرة العربية الوسطى

شارل هوبير

رحلة في الجزيرة العربية الوسطى

المؤلف:

شارل هوبير


المترجم: إليسار سعادة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: كتب
الطبعة: ١
ISBN: 9953-417-48-2
الصفحات: ١٦٦

الأولى التي تقع على بعد ١٢ كيلومترا من البركة هي الجيل وعمقها ٧٠ مترا. الثانية ، على بعد ٢٢ كيلومترا ، تدعى الشبرم عمقها ٨٠ مترا.

الثالثة ، العاعا التي تبعد ٢٦ كيلومترا من البركة ، عمقها ٨٧ مترا.

الماء في بئر الجيل كريهة ولكنها طيبة المذاق في البئرين الأخريين. أما قياسات العمق فإنني أوردها طبعا مع كل التحفظ وفقا لأقوال العرب الذين لا يكلفهم عدد الأمتار شيئا خاصة عند ما يتعلق الأمر بعمق بئر.

الصحراء الواقعة إلى شرق هذه الآبار تدعى جال البساسة. لا أعرف إلى ماذا تعود هذه التسمية بالضبط إذ أكد لي أنه لا وجود لجال بالمعنى الصحيح.

كل منطقة عسامين الواقعة بين جالي الباطن ووقصة ، عبارة عن صحراء من الصوان عقيمة بشكل مطلق. ولكن الصوان يختفي ما بين جبل فهدة وجال وقصة. البدو يطلقون على حجارة الصوان هذه اسم صلابيخ وبشكل أدق صلابيخ وقصة ولكنني أعتقد أن هذه التسمية يجري استعمالها في قبيلة عنزة فقط.

على بعد ٥ أميال إلى شمال مخيمنا في وشرف ، الخط الفاصل بين أراضي أقوى قبيلتين في الجزيرة العربية أي شمر وعنزة. يمر هذا الخط تقريبا بخط عرض آبار شبيكة الواقعة على بعد ٥ أميال إلى الشمال الغربي من وشرف.

هذه الآبار الشهيرة والبالغ عددها ثلاثمائة تقريبا ليست قديمة وقد حفرها العرب الحديثون أي منذ بدء الهجرة. لا يتجاوز عمقها مترين أو ثلاثة أو أربعة أمتار كما أكد لي أنه ليس فيها ماء إلا عند ما تمطر. وبالتالي يمكن اعتبارها خزانات أكثر منها آبارا ، وما يحمل على هذا الاعتقاد هو أن مياهها نتنة ومرة ومالحة.

في ١٥ شباط بقي الحجيج مخيمين في وشرف بسبب جدال بين اثنين من الحاملادار (١) وبدوييهم مستأجري الجمال.

لقد ذكرت آنفا بأن الأرض بين جبل فهدة وجال وقصة تختلف عن أرض عسامين الواقعة إلى الجنوب والمكونة من الصوان. وفي وقصة نجد حجارة كلسية متنوعة جدا كما يتبين من العيّنات الآتية التي استجلبت :

__________________

(١) حاملادار هو اسم الذين يتولون نقل الحجيج العراقيين مقابل سعر جزائي من بلاد ما بين النهرين إلى المدن المقدسة والعودة.

١٤١

١ ـ كلس تتخلله حبيبات من الصوان.

٢ ـ كلس رمادي بلوري.

٣ ـ كلس مخثر.

٤ ـ كلس متراص ومصقول وقد لمع سطحه بسبب احتكاك الرمل على الأرجح.

في وشرف يطغى كلس صواني إلى حد بعيد ، يجرح الزجاج وتتخلله فجوات وعروق كلسية كالترافرتين.

في ١٦ شباط استأنفنا المسيرة مسافة ٣٠ كيلومترا حتى الطلحات التي لا تزال الآن إحدى أهم محطات درب زبيدة.

هنا أطلال مائة بيت صغير تقريبا وخان كبير. ولا تزال جدران هذا الأخير تنتصب إلى ارتفاع ٤ إلى ٥ أمتار فوق الأرض. كما فيها ثلاث برك ، واحدة مدوّرة واثنتان مربعتان وكل واحدة من الأخيرتين مزدوجة. ولكن أغرب ما نرى هما بئران مربعتان حفرتا كليا في الصخر لعمق ٧٠ مترا تقريبا طول كل جانب منها ٥ أمتار وقد نفذتا بعناية وبدقة تامتين. لم أر حتى الآن ما يوازيهما فخامة إذ إنهما تفوقان آبار العقبة جمالا وعمقا. لدى مروري كانتا جافتين ومن المرجح أنهما كانتا كذلك على الدوام.

البرك هي أيضا جافة ، ولا عجب في ذلك لأنها مغمورة بالرمل إلى ما فوق فتحات التغذية. لقد أمطرت السماء هنا على غرار المنطقة بأسرها وهذا ما كانت تشهد عليه النباتات القوية النامية في كل منخفضات الأرض.

قبل الوصول إلى الطلحات بساعة ، صادفنا أطلال مبنى منعزل لا تحمل اسما خاصا.

من بعد ١٠ كيلومترات إلى شمالي وشرق يتبدل مظهر الأرض مجددا. فالكلس المخثر والكلس المتراص والصوان العشبي تبقى الصخور طاغية حتى الطلحات.

وتعرف هذه المحطة كذلك باسم مفرق درب لأن الطريق تنقسم فيذهب فرع منها مباشرة إلى النجف فيما يتجه الآخر إلى قصر السيد.

في ١٧ شباط غيرنا طريقنا وسرنا إلى الشمال ، ٢٠ درجة شرقا.

في الحادية عشرة مررنا أمام محطة الحمام دون توقف وفيها قصر وبئر وبركة.

ويشمل القصر ، وهو أفضل القصور المحافظة على شكلها في طريقنا ، غرفة مقببة

١٤٢

كليا لا تزال قائمة. والبركة أيضا لا تزال في حال جيدة وفيها ماء.

عند الواحدة وبعد أن قطعنا ٣٥ كيلومترا ابتداء من الطلحات ، خيمنا في محطة حامد حيث لا يوجد سوى بركة مربعة.

في اليوم التالي انطلقنا في السادسة صباحا ومررنا بعد ساعتين قرب محطة مغيصة حيث يوجد قصر وبركتان. وبعد عشرين كيلومترا خيمنا على ضفاف شعيب الخزعمي الذي ليس بعيدا عن قصر وبركة أم قرون.

ابتداء من الطلحات وحتى جدول الخثعمي تبدو المنطقة دوما بمظهر صحراء حجرة لا نباتات فيها. هذا الجدول جاف ولكنه مملوء بالخضرة لأنه تلقى ماء هذا الشتاء ، ونجد فيه عشبا وحطبا.

في ١٩ شباط ، سرنا في السادسة إلى الشمال تقريبا ، ١٠ درجات غربا.

بعد سفر دام ثلاث ساعات ، اجتزنا الشعيب أصب الذي هو ينبوع قرب آبار شبيكة ويجري في شط العرب قرب البصرة.

بعد مرور ساعة على عبورنا شعيب أصب ، وصلنا إلى شعيب أبو خمسات الذي كان مملوءا بالخضرة. وخيمنا على مسافة ساعة إلى الشمال.

على بعد بضعة كيلومترات إلى شرق مخيمنا قصر السيد مع ينبوع ، وعلى مسافة بضعة كيلومترات إلى الجنوب ـ الشرقي قصر رحيم وينبوع ماء مرّ.

منذ الثامنة صباحا بدت أمامنا قبة مسجد علي المذهبة في النجف وهي تلمع كالشمس. وقد شجع هذا المنظر الجميع وأنساهم الكثير من المآسي التي عانوها.

في اليوم التالي في ٢٠ شباط ، كان الجميع جاهزين قبل الفجر بوقت طويل. في السادسة انطلقت المسيرة وبعد ساعة ونصف الساعة وصلنا أمام" بحر النجف" وتركناه إلى يميننا للالتفاف حوله. وسرنا على التوالي إلى الشمال ـ الشرقي ثم إلى الشرق وأخيرا إلى الجنوب ـ الشرقي. عند الظهر إلا بضع دقائق وصلت إلى النجف المقدس.

كان بعض البدو قد أرادوا خداع ابن رشيد برفضهم نقل الحجيج بالشروط التي وضعها. ولكن في النهاية ومن بعد تهديدات الأمير قرروا إرسال أسوأ إبلهم مما أجبر الحجيج على الاكتفاء بمسيرات لا تتجاوز ست إلى سبع ساعات في اليوم. لذا فقد

١٤٣

أمضينا ٣٥ يوما للمجيء من حائل إلى النجف وهي مسافة يمكن اجتيازها عادة في ١٢ يوما بسهولة.

توقفت بضعة أيام في النجف وفي كربلاء سعيدا بالتلذذ مجددا بملذات حضارة أكثر تقدما من حضارة سكان الصحراء. وإذ استشرى الطاعون في النجف اضطررت إلى قضاء ١٥ يوما من الحجر الصحي في مسيّب قبل الدخول إلى بغداد التي لم أصل إليها إلا في ١٨ آذار. وقد خصني السيد بيرتيه قنصلنا ، باستقبال في منتهى الودّ واللطافة وبضيافة شرقية صرف. وسأحفظ له دائما أحر امتناني.

كلمة أخيرة قبل أن أختم المسار من حائل إلى العراق. هناك ثلاث طرق تتبع عادة ويسميها العرب كالآتي :

درب سماوة وهي تنطلق من هذه البلدة على ضفاف الفرات وتتجه إلى الجبل مرورا بلينة.

درب الغزال التي يمكن أن تنطلق من أي نقطة في بلاد ما بين النهرين ثم تنحرف قليلا إلى الغرب وتذهب إلى الجنوب مرورا بآبار الشبيكة في الغرب وباحتراق النفود في جزء كبير. ولا يمكن ان يسلك هذه الطريق إلا رجال يمتطون أفضل المطايا. وهي على الأرجح الطريق التي تبعها والين عام ١٨٤٨.

درب زبيدة أو الدرب السلطاني التي تجري بين الدربين السابقتين. هي الدرب التي تبعتها والتي وصفتها لتوّي.

ولكننا نفهم أن هذه الطريق ، على الرغم من فخامة أحواضها ، لا يمكن سلوكها في كل وقت لان أمطار الشتاء ليست منتظمة. وقد روى لي جميع العرب أنه قبل شتاء ١٨٨٠ ـ ١٨٨١ ، مرت ثلاثة مواسم شتاء دون أمطار ولم يحظ خلالها أي من الأحواض بماء. وقبلها مرت تسعة مواسم شتاء جافة أخرى. وفي ثلاث عشرة سنة لم تكن هذه الطريق سالكة إلا ثلاث سنوات. وقافلة الحجاج التي بنيت من أجلها تستخدمها بنسبة أقل بكثير إذ يصادف الحج عموما في شهر حار أكثر منه في شهر بارد.

وقد أدرك بناة درب زبيدة هذا العائق وحاولوا تداركه بإنشاء آبار إلى جانب أحواضهم الضخمة. وقد رأينا الأعمال الجميلة التي نفذت في محطتي الطلحات والعقبة وكم حرصوا على إيجاد الماء. ولكن الله لم ييسر لهم العثور عليه.

أورد الآن بعض المعلومات حول أكثر الطرق استعمالا وهي درب سماوة التي تمر بلينة

١٤٤

والتي لم أستطع إدخالها إلى خريطتي لافتقاري الى مزيد من المعلومات.

بالانطلاق من سماوة ، تقود مسيرة يوم كامل إلى الجفرة ، وهي محطة مزودّة بآبار.

لكن عرب الزياد لصوص محترفون ، يجعلون هذه النقطة خطرة. لديهم خيول ولا ينفكون يغيرون للسلب.

في اليوم التالي وصلنا إلى صحراء الحجرة وخيّمنا في مكان اسمه أبو خويمة حيث لا ماء في غدير إلا في الشتاء.

في اليوم الثالث خيّمنا في سلمان حيث آبار عديدة ولكن مياهها كريهة.

قادنا اليوم الرابع إلى حقي الفردوس وهو منخفض طفيف مستطيل الشكل يمتد ٥٠٠ متر ويشتمل على خضرة طوال السنة. ليس فيه آبار ولكن المياه تبقى فيه طويلا بعد المطر.

في اليوم الخامس خيّمنا في الخديد حيث لا يوجد سوى مياه الأمطار.

في اليوم السادس خيمنا في جال الباطن حيث نجد إما مياه المطر أو مياها من آبار لينة.

معلوماتي حول هذه الطريق تتوقف هنا.

من بغداد إلى دمشق عبر الحماد

من بغداد ما علينا إلا ان نختار الطرق للذهاب إلى فرنسا. الطريق الاعتيادية هي طريق البحر عبر البصرة والسويس وهي اقل الطرق مشقة ولكنها اطولها.

إحدى الطرق البرية تتمثل في الذهاب من بغداد إلى الموصل ومنها إلى الإسكندرون إما عبر أورفاء (الرها) أو عبر حلب. وتتم هذه الرحلة على الحصان.

ويوجد اخيرا طريق أقصر بكثير تسلك طريق الصحراء. وتتمثل في الذهاب من بغداد إلى الفرات الذي يتم عبوره عند شقلاوه. ثم نصعد الضفة اليمنى للنهر حتى الدير (١) ومن هنا نذهب إلى السخنه في الجنوب ـ الغربي ، ثم إلى تدمر وأخيرا إلى

__________________

(١) أي مدينة دير الزور وتقع على نهر الفرات ، وتبعد عن الحدود العراقية حاليا ١٣٠ كيلومترا.

١٤٥

دمشق. إننا نحصل على الماء كل يوم أو كل يومين وتتم الرحلة على جمل ذلول.

ولكن للأسف نتعرض لعمليات السلب التي تقوم بها كبريات قبائل عنزة التي تحتل بالضبط هذه المناطق من صحراء سورية.

إنها الطريق التي تسلكها عادة القوافل الصغيرة التي تسير بين بغداد ودمشق.

الطريق المباشرة من بغداد إلى دمشق عبر الحماد لا بد أن تكون أكثر أهمية للعلم.

بعض العرب المتفرقين الذين يؤمّنون خدمة البريد بين هاتين المدينتين لحساب القنصل الانكليزي في بغداد (١) يجتازون هذه المسافة منذ عدة سنوات.

قمت باستعداداتي لاتباع هذه الطريق وعند ما وجدت الدليل اللازم ، غادرت بغداد في الأول من كانون الأول ١٨٨١.

خرجنا من المدينة في الساعة الخامسة مساء ، ولم أجتز عند هبوط الليل سوى أربعة أميال وذهبت لأخيّم على مسافة قريبة من عقرقوف ، قرب بعض خيم بني تميم.

في اليوم التالي في ٢ كانون الأول ، انطلقنا في الساعة الثالثة صباحا ووصلنا بعد اثنتي عشرة ساعة إلى شقلاوة على ضفاف الفرات.

أرض دجلة الطمية تمتد حتى منتصف الطريق قرب قصر نقطة. أبعد من ذلك تصبح الأرض محجرة ومملوءة بالحصى. على أي حال فإن تركيب التربة معقد للغاية فقد لاحظت جبسا صفيحيا ، صوانا على شكل حصى رمادية فاتحة أو تميل إلى الصفرة ، يشبا مشققا مع عروق من المرو ، حصى من المرو الأبيض الشفاف ، حثا رماديا وكلسا بلون التراب.

قبل الوصول إلى شقلاوة بساعة يطفو الرخام والميكا على سطح الأرض.

ابتداء من قصر نقطة تتخذ النباتات مظهر نباتات الحماد ويختفي البطم الذي تميز الجزيرة باستثناء واحد أو اثنين.

في اليوم التالي عبرنا الفرات في معبر على مسافة خمس عشرة دقيقة من القرية.

ولم تستغرق العملية أكثر من ربع ساعة. وتوجهنا على الفور شمالا ٧٠ درجة غربا ،

__________________

(١) منذ سنة (من تاريخ الرحلة) أقامت الحكومة العثمانية خدمة مماثلة على الخط نفسه.

١٤٦

نحو الرمادي حيث وصلنا في الساعة الرابعة ثم ذهبنا نخيم في الحقول على بعد مسيرة ساعة منها.

كل ضفة الفرات اليمنى ابتداء من شقلاوة حتى الرمادي بعرض يتراوح ما بين ٥٠٠ و ١٠٠٠ متر ، يزرعها عرب مقيمون من قبائل أبو فهدFahat ، أوردمي Ourdemy مهامته Mehamtah.

المنظر مختلف كليا. انتهى سهل الجزيرة الشاسع فأرض الطمي تتوقف على مسافة من الفرات تتراوح ما بين كيلومتر واحد إلى ٥ كيلومترات. الأرض تصعد رويدا رويدا وتشكل ارتفاعا يبلغ من ١٥ إلى ٢٠ مترا مؤلفا من الحث الهش في طور التحلل.

في ٤ كانون الأول ، انطلقنا في الساعة الرابعة فجرا ووصلنا بعد تسع ساعات إلى الهيت Hit التي أشار عمود دخان أسود ناجم عن تكرير خلاصاتها المعدنية إلى وجهتها منذ الساعة الثامنة صباحا.

هذه المدينة الصغيرة التي تعدّ من أقدم مدن العالم والسابقة لبابل بالتأكيد ، تقع اليوم على مسافة ١٥٠ مترا غربي موقعها القديم. الهيت الجديدة تشغل مكان قلعة المدينة القديمة على صخرة تشرف على النهر وقصت بشكل عمودي من هذه الجهة. في مقابلها على الضفة اليسرى بستان واحد مؤلف من ٢٠٠ نخلة تبلغ من العمر عشرين سنة. يتم ريه بواسطة دولابين ضخمين يحركهما التيار (ناعورتان) ترفعان الماء في هدير يصمّ الآذان وهما من مميزات منطقة الفرات. في الأسفل ، شرقي الهيت ، بستان آخر يشمل مائة نخلة تقريبا. تلك هي كل الخضرة الموجودة.

نعرف انه من بعد الهيت هناك نخيل يثمر في عانا ولكن هذا هو الحد الشمالي لانتاجية هذه الشجرة. بعد هذه الحدود لا يعطي النخيل تمرا.

أرض الهيت تشكل منخفضا شبيها بالأحواض التي رأيتها في القصيم. طرف من هذا الحوض يلامس الفرات الذي يبلغ عرضه هنا ٦٠ مترا والهيت تقع في هذه النقطة بالضبط.

مظهر المنطقة عار وكئيب. على مسافة عدة كيلومترات في كل الاتجاهات تنبثق ينابيع صغيرة متخمة بالهيدروجين الكبريتي وتفسد رائحة الجو المثقل بالدخان الأسود الناجم عن الكربور المستعمل كمحروقات لتكرير الكربور نفسه.

١٤٧

تعطيك المدينة انطباعا بأنها أطلال. وهناك مأذنة في الزاوية الجنوبية تطل عليك من بعيد وأنت قادم من الرمادي.

الهيت تعيش كليا من ينابيع القار التي لا تنضب.

بالاستناد إلى عيّنات معدنية استجلبت ، فإن تربة البلدة تتألف بشكل رئيس من الجبس وحصى المرو وافتاليت والصوان المنطقي الموشح والمنغنيزي ، والمرو الشفاف ، وحصى من الكلس الأسود المتراص جدا ، الأنبوبي الشكل أحيانا ومن الحث الصواني بملاط كلسي.

بين الرمادي والهيت يشكل الفرات عروة في الشمال بحيث يغيب عن الأنظار ، ولأن الطمي لا يمتد إلى هذا البعد في الداخل تأتي النتيجة بأن مجرى النهر بكامله تقريبا يسير في صحراء من الحصى اسمها أبو راية.

في الهيت تملأ القرب من ماء الفرات لعبور الصحراء. واستأنفنا مسيرتنا قرابة الساعة الخامسة مساء في اتجاه الشمال ، ٧٥ درجة غربا ، لنصل في الثامنة إلى كبيسةKebeisah وهي قرية مؤلفة من ٥٠٠ نسمة وتحيط بها جدران تحظى بصيانة جيدة ، قضينا الليل خارجها.

حدائق كبيسة موجودة في أرض مسوّرة منفصلة ، شمالي المدينة. وعلى حدود الحدائق يجري نبع غزير لكن ماءه مرّ ومالح. أما المياه الصالحة للشرب لاستهلاك كل القرية ، فلا وجود لها إلا في بئر وحيدة تقع على مسافة ٥٠٠ متر خارج الجدران.

هذه المدينة الصغيرة القابعة على أبواب الصحراء هي مقر مدير مكلّف بجباية الضريبة لحساب الحكومة العثمانية ، ولكن هذه هي الفائدة الوحيدة التي يحصل عليها السكان من جراء جنسيتهم اذ إنهم لم يروا السلطة مرة تتدخل لحمايتهم من عمليات السلب الدائمة التي يشنها عرب عنزة.

يوم الاثنين في ٥ كانون الأول غادرنا كبيسه في السادسة صباحا ولم نعد نصادف أي مركز مأهول حتى وصولنا إلى سورية. وقد عصفت ريح شمالية مثلجة بقوة طوال اليوم ومنعت جمالنا في بعض الاحيان من التقدم.

كانت طريقنا تسري في الجنوب ، ٦٠ درجة غربا. وقد قادتنا مسيرة ست ساعات إلى قصر خباز حيث خيّمنا في مجرى الشعيب الذي يحمل الاسم نفسه والذي يتخذ

١٤٨

وجهة الشمال ـ الشرقي بعد تكونه على الهضاب التي تحيط القصر ، ويمر بكبيسة ومن هنا يصبّ في الفرات.

قصر خباز هو المحطة الأولى في طريق تذهب من بغداد إلى دمشق وتدعى درب زبيدة كالطريق التي تقود من العراق إلى المدن المقدسة في الحجاز ، أي إن إنشاءات طريق دمشق تنسب إلى الأميرة نفسها.

أمام قصر خباز تنخفض الأرض فجأة ٤٠ مترا تقريبا ، وبجانب القصر ينزل سيل بني في أسفله بركة كبيرة القياسات من الحجر المقصّب. كل هذا بات أطلالا ولكنه من السهل الملاحظة أن أسلوب الإنشاءات هو نفسه كما في درب زبيدة الجنوبي. لا تزال جدران القصر ترتفع إلى ثلاثة أمتار وعقد باب المنزل لا يزال كاملا.

لدى مغادرتنا خباز ، تابعنا طريقنا مسافة ٢٥ كيلومترا مستمرين في اتجاه الشمال ، ٦٠ درجة غربا وخيّمنا في رجم الصابون وهو اسم تلة حيث كان يقوم بناء وحيد من حجارة كبيرة بات أطلالا.

في ٦ كانون الأول ، لحظة الرحيل في الصباح ، لم يستطع أحد أن ينام بسبب البرد.

كان ميزان الحرارة يسجل ٩ ، ٥ درجة. أما الريح فكانت لا تزال قوية وتعصف من الشمال ـ الغربي.

على بعد بضعة كيلومترات من رجم الصابون ، وصلنا إلى مقاطعة قرعة عامق وبعد خمس ساعات من السير إلى قصر عامد.

قصر عامد مبني على الجزء الأكثر انخفاضا من هضبة. ولم يبق منه سوى الأساسات على مستوى الأرض والباب مع قنطرته. على مسافة قصيرة إلى غرب القصر نجد حوضا مربعا طول ضلعه ١٢ مترا ولكنه مغمور بالرمل حتى مستوى الأرض.

ابتداء من حيث تحافظ الصحراء على رتابتها لا ترى سوى سهول شاسعة تتماوج قليلا في بعض الأحيان.

من قصر عامد قطعنا ٤٠ كيلومترا إضافيا ثم خيّمنا.

ليل ٦ إلى ٧ كانون الأول كان أكثر بردا من الليل السابق وهبط ميزان الحرارة إلى ١ ، ١٠ درجة. ولحسن الحظ كانت الريح أضعف من الأيام السابقة.

١٤٩

انطلقنا في السابعة صباحا ، ووصلنا بعد ثلاث ساعات من السير إلى وادي المعشر الذي ينبع على مسافة خمسة أميال تقريبا جنوبي ـ شرقي طريقي ويصب في وادي حوران.

قبل الوصول إلى وادي المعيشر ، صادفت على جانبي الطريق بقايا جدارين حاجزين مماثلين للجدران التي رأيتها على درب زبيدة في الجنوب وهو أمر لافت. وتمكنت من تتبع هذين الجدارين مسافة كيلومترين تقريبا.

بعد مغادرة وادي المعشر بساعتين ونصف الساعة خيمنا في وادي حوران قرب آبار عيور ، تقع أطلال قصر عيور على الضفة اليمنى من الوادي ، ولكن لم يعد يتجاوز ارتفاع جدرانه مترا واحدا. ولا يزال الباب المقبب هو أيضا منتصبا.

إن آبار عيور البالغ عددها ١٢ تقع في مجرى الوادي قرب الضفة اليمنى. سبع منها ردمت. وقد حفرت في الحصى وسندت جدرانها بكتل كبيرة من الحجر المبروم استخرجت من الوادي نفسه. وتقع المياه الطيبة جدا على عمق أربعة أمتار.

على الضفة الثانية وقبالة قصر عيور ، أطلال قبر كما تظهر قبور من حولها على مساحة كبيرة. هذا المكان هو موقع أضرحة الصلب الذين يملكون أيضا الآبار.

ان بداية وادي حوران تقع بحسب أقوال رجالي ، على مسافة أربعة أو خمسة أيام سير إلى جنوب ـ غربي عيور أي على بعد ٢٠٠ كيلومتر تقريبا ومصبه في الفرات على بعد ثلاثة أو أربعة أيام من السير انطلاقا من النقطة نفسها. وكانت معلومات أخرى قد أعطتني أرقاما أدنى. أفراد قبيلة الصلب من شمال شرق النفود قالوا لي جميعهم إن طول وادي حوران الكامل لا يتجاوز ستة إلى سبعة أيام سير. وعرب من قبيلة العمارات Amarrat شرقي كربلاء أعطوني ارقاما مماثلة تقريبا. واعترف بأن هذه المعلومات الأخيرة قد أثرت علي لدى تحديد الرسم وإنني لم أجرؤ على اتباع مؤلف الخريطة المرفقة برحلة الليدي آن بلانت ، والذي يسجل رأس الوادي بالدرجة ـ ٣٦ ، ٧ على خط الطول شرقا. أي بزيادة درجة إلى الغرب مني.

بالاستناد إلى الورقةV من خريطة مجرى الفرات التي وضعها الكولونيل شسني Chesney ، فإن مصب وادي حوران يقع على مسافة خمسة وعشرين ميلا إنكليزيا ، شمالا ـ ٣٧ درجة غربا من عانا.

في عيور تختفي ضفاف الوادي ويمتلىء مجراه بحصى كبيرة وبحصى وكتل مبرومة مما يشير إلى نظام سيلي أحيانا.

١٥٠

المناطق المجاورة لعيور غير متساوية وتتخللها تلال. وكتلة الجبال مكونة من كلس متراص. كان أدلائي يسمونها كلها باسم جبال العوير. ولكن من المرجح أن القمم المختلفة ، لها أسماء خاصة لا يعرفها سوى أفراد الصلب الذين يؤمون المنطقة في الربيع.

ما إن ارتوت النوق وملئت القرب حتى استأنفنا سيرنا باتجاه الغرب وقطعنا قرابة ٣٠ كيلومترا إضافيا. وبذلك وصلنا إلى نهاية هذه الصحراء التي لا نرى فيها سوى سهول شاسعة مع تموجات طفيفة وطويلة للتربة الخالية من كل نبات. كانت الصحراء قد بدأت غربي رجم الصابون واسمها الضيعة وأيضا الضويعة (في هاتين الكلمتين تمثل حرف الضاد القوي).

بمغادرتنا هذه المنطقة وصلنا في ٨ كانون الأول إلى منطقة الجعارةEl G\'ara التي هي أكثر تعرجا وأقل عمقا. فالأرض صالحة وتنتج مراعي جيدة. حتى إنني رأيت قرابة الساعة العاشرة صباحا شجرا نصيا في واد صغير حيث توقفنا لتناول الغداء والسماح لجمالنا بأن ترعى.

في هذا المخيم استطعت أن أحدد بعض القمم البادية أمامنا وكلها تقع على أراضي الجعارة :

شمالا ، ـ ٢٢ درجة غربا الهدر.

شمالا ، ـ ٦٠ درجة غربا مربط حصان.

شمالا ، ـ ٧٠ درجة غربا الناقة

جنوبا ، ـ ٣٥ درجة غربا عفيف

والقمة الأخيرة هي الكبرى.

في البعيد أمامنا وإلى الغرب ، تمتد سلسلة طويلة من الجبال تدعى الملوصة بلغناها بعد الساعة الثامنة مساء وفيها آبار.

قبل ساعتين كنا قد تعرضنا لوضع حرج. كنا قد تسلقنا لتوّنا منحدرا وعرا لتلة صغيرة ، وما إن وصلنا إلى القمة حتى رأينا فجأة على مسافة قدّرتها بخمسة أو ستة كيلومترات إلى الجنوب وهج نار مخيم. فالرجال الذين يستطيعون الإقدام على هذا التحدي في مثل هذه الساعة وفي الصحراء لا بد أن يكونوا كثيرين. ووجودهم هنا

١٥١

لا يبشر بالخير. لا بد أنهم بدو آتون من الصحراء والتقيناهم على بعد بضعة كيلومترات من كبيسة قد أعلمونا بسريانه في هذه المناطق.

فانعطفنا فورا إلى اليمين حاثين الخطى.

آبار الملوصة تدعى أيضا القراح.

عملية سحب الماء وسقي الإبل هي دوما طويلة نسبيا وخاصة عند ما تكون الآبار عميقة. وتزيد الصعوبات إذا كانت العملية تجري ليلا مع صعوبة تمييز الآبار الصالحة مما يستدعي ضرورة البحث عنها وسبرها الواحد تلو الآخر. بالإضافة إلى ذلك ، عند ما تكون المنطقة خطرة وعند ما نعرف أننا في جوار غزو لا بد من أن يتم كل شيء بهدوء وصمت فلا كلام إلا بصوت منخفض ويجب عدم إعطاء أي ذريعة للنوق لتطلق رغاءها ، ومعاملتها بمراعاة خاصة.

ومع ذلك فقد انتهى كل شيء على خير ما يرام في ختام ساعة واستأنفنا السير لنخيّم في الساعة الواحدة فجرا على مسافة ٨ كيلومترات بين بعض كتل الكلس الكبيرة قرب شعيب سمحان.

يجري هذا الشعيب الذي يتكون على مسافة غير بعيدة جنوب مخيمنا إلى الشمال ـ الشرقي ويصب بعد مجرى يبلغ قرابة ٥٠ كيلومترا في وادي الرتقة الذي يتجه هو أيضا نحو الفرات. ولدي أسباب للاعتقاد أنه لا يتجه إليه مباشرة بل إنه أحد روافد وادي حوران.

رمل شعيب سمحان هو طمي رملي يخالطه الكثير من الكلس مع أنواع صوان وكربونات الكلس.

في ٩ كانون الأول انطلقنا في السابعة صباحا وخيّمنا في الساعة العاشرة على أراضي الحرة وهي صحراء حجرة (شظايا كبيرة من الصوان والكلس) ولكن عبورها لا يستغرق أكثر من ثلاث ساعات كاملة.

ومباشرة بعد ذلك سرنا إلى أراضي صواب Souwab.

في الساعة الثالثة والنصف وفي الرابعة والثلث وفي الرابعة و ٣٥ دقيقة اجتزت على التوالي ثلاثة روافد صغيرة لشعيب صويب تنبثق من هنا وتجري إلى الشمال لتصب في وادي صواب.

١٥٢

شعيبات صويب الثلاثة هي جداول لا يتجاوز عرضها من ٦ إلى ٨ امتار وتبلغ ضفافها ٣٠ سنتيمترا.

وقال لي رجالي أن وادي صواب يجري في الفرات بين الدير ووادي حوران ولكن لم يستطع أحد منهم أن يحدد لي النقطة ولا حتى أن يفيدني بوجودها فوق أو تحت عانا. إلا أنني رأيت على الورقةIV من خريطة الفرات الجميلة التي وضعها الكولونيل تشسني ، فيما كنت أتفحصها ، والتي تبين مجرى النهر بين أبو سيدة ووردي ، بانه صادف في الصحراء لدى عودته من جولته ، على بعد ٣٦ ميلا (١) شمالا ـ ٧٨ درجة غربا من وردي (" ٤ ، ٢٩ ٣٤ (L.M. خط عرض شمال وادي صواب Souwab.

مع هذه النقطة المرجعية ، وبالاستناد إلى شكل الأرض قرب الفرات في هذه المنطقة ، استطيع ان اؤكد أن مصب هذا الوادي في الفرات يقع ما بين ٥٥ ٣٤ و ٤٥ ٣٤ من خط العرض الشمالي ، أي إلى جنوب دير الواقعة على الدرجة" ٧ ٢٠ ٣٥ من خط العرض الشمالي. وبالطبع يحق لنا التعجب من عدم ملاحظة حملة الكولونيل تشسني هذا المصب في التقويم الدقيق جدا لمجرى الفرات.

الصخور الطاغية في منطقة صواب هي الصوان والكلس الأحمر. العيّنة المستخرجة من مجرى الوادي هي طمي يحمل الكثير من كلس يميل إلى الحمرة قد يكون ناجما عن تفتت الكلس الأحمر.

في ١٥ كانون الأول ، تابعنا سيرنا إلى الشمال ، ـ ٨٠ درجة غربا. بعد ميلين تركنا أرض صواب لندخل أرض الوالج El Oualeg ومباشرة بعد ذلك سرنا إلى الشمال ، ـ ٢٥ درجة غربا. كان يقصد من هذا التوغل إلى الشمال الالتفاف حول منطقة بركانية إلى جنوب طريقنا ويشكل اجتيازها صعوبة قصوى.

أمضينا قرابة ست ساعات لنصل إلى نهاية أرض الوالج ودخول أرض خويمة التي لا يميزها شيء عن الأرض السابقة. ويستمر مظهر العري إياه والغياب الكلي لأي نباتات. والأرض مغطاة بشظايا الصوان التي تبدو مطلية لشدة لمعانها في الشمس. تشبه هذه الصحراء تلك الممتدة إلى شرق الجوف بين هذه البلدة وصحراء ولماOuelma إلا ان حجارة الوالج وخويمة أكبر حجما.

في الوالج استأنفنا رحلتنا باتجاه الغرب.

__________________

(١) الميل الانكليزي يساوي ١٦٠٩ أمتار.

١٥٣

وقادتنا مسيرة ليلية إلى نهاية أرض خويمة وبداية أرض شعلان.

في السابعة والنصف كنا شهود ظاهرة شهابية غريبة. فقد ظهر نيزك رائع قطره ظاهريا طول قطر برتقاله كبيرة ، كرة نارية حقيقية ، قرب ألفا النسر واجتازت الفضاء في الجنوب ومرت على أوريون واختفت وراءنا إلى اليسار وقد أضاءتنا خلال سبع إلى ثماني ثوان بنور ساطع شبيه بنور بؤرة كهربائية. وبعد خمسين ثانية بلغنا صوت انفجار شبيه بإطلاق عدة مدافع.

وكان زيد ، أحد رجالي ، يصيح طيلة مدة الظاهرة بأعلى صوته وبنبرة تنم عن هلع كبير : " الله اكبر! الله اكبر! السلام على سيدنا محمد! " وكرر هذه الجملة عشر مرات ثم قال لنا أن هذه العلامة تنذر بنهاية سيئة لرحلتنا." أليس كذلك يا بيه؟ " قالها متوجها إليّ. وأجبته" نعم لو كان هذا قد حصل في بداية رحلتنا ، أما الآن فهذا الأمر لا يعنينا. وا أسفاه على الذين رأوا هذه الإشارة وسيصرون على بدء رحلة غدا". لكن شرحي لم يطمئنه إلا جزئيا.

في صباح اليوم التالي ، حددت من مخيمنا الجبال الصغيرة التالية : ـ الغاب على مسافة عشرة أميال تقريبا شمالا ، ـ ٤٥ درجة غربا. ـ شعلان على مسافة ثلاثة أميال تقريبا شمالا ، ـ ٨٠ درجة غربا. ـ الطنف والطنيف على مسافة ١٦ و ١٨ ميلا تقريبا جنوبا ، ـ ٤٥ درجة غربا.

بالقرب من جبال شعلان والطنف والطنيف غديران فإذا كانت الأمطار غزيرة في الشتاء ، يبقى فيها ماء ويتجمع فيها عرب فضان وسبا في الربيع.

استغرق اجتياز أراضي شعلان ساعتين ونصف الساعة.

وفورا بعد ذلك بدأت أراضي خور الطنيفات حيث خيّمنا بعد الثالثة عصرا في واد عذب مملوء بالحطب والعلف ومن بينها الكثير من النوصي. وبالفعل فقد تبدلت الأرض والمنظر. فقد أعقبت السهول الشاسعة الرتيبة والجرداء في الحرة والوالج وخويمات منطقة وعرة من التلال والوديان. كذلك الأرض لم تعد مغطاة بالشظايا الشبيهة بحجارة البندقية ، فقطع الصخر بشكل بحص وكثيرا ما تبدو وكأنها كسرت كالحجارة المعدّة عندنا لرصف الطرقات المكدمة.

في بعض الأحيان أيضا ، إنما بنسبة أقل ، تكون هذه الحجارة بحجم الدبش عندنا

١٥٤

ويفترض تكوينها في المرو والكلس البلوري وجودها في جوار بركاني (١).

في الخامسة مساء انطلقنا من جديد لنخيّم في العاشرة في صحراء زرقه كبوت.

منذ مغادرتنا كبيسة وحتى هذا اليوم عانينا كثيرا من البرد. كل صباح تقريبا كان ميزان الحرارة يسجل ـ ١٠ درجات تحت الصفر وخلال النهار يصعد الزئبق ليصل بالكاد إلى+ ١٠ درجات أو+ ١٢ درجة. قرب الماء كانت متجمدة باستمرار رغم الاحتياط الذي جعلتهم يأخذونه بلفها بالأغطية وعلى الرغم من بقائها ليل نهار متدلية على جنبات الجمال. وقد اضطررنا مرتين في الصباح لنسير ونحن صيام لعدم تمكننا من تذويب ما يكفي من الماء لإعداد الشاي أو القهوة. زبدتنا السائلة باتت تشبه الرخام وقد أرغمنا على قطع القربة التي تحتويه بالسيف.

ولكن مخاوفنا الكبرى كانت على جمالنا. فهذه الحيوانات المسكينة التي كنا نستخدمها في الليل كسواتر كانت متجمدة ومتصلبة في الصباح. وللركوب عليها كنا مجبرين على تركها تنهض أولا لنتسلق بعدئذ ظهرها. ولم نكن نستطيع أن نجعلها تحث الخطى إلا بعد الظهر حيث يكون قد زال جليدها.

في ١٢ كانون الأول استغرق ساعتين اجتياز صحراء زرقه كبوت التي يعود اسمها إلى الحجارة السوداء البازلتيه التي تغطيها.

فوجدنا أنفسنا عندئذ في صحراء اللقيطة التي لا تتجاوز مساحتها ١٠ كيلومترات والتي لم نلبث أن عبرناها. تليها مباشرة صحراء الشام.

قرابة الظهر اغتبطنا لرؤية قمة جبل عادة الموجودة في جنوب قريتين والتي حددتها إلى الشمال ، ـ ٧٠ درجة غربا. إنها صديق قديم تعرفت اليه في فترة تجوالي مع الرعاة في صحراء سورية ودليل على أننا نكاد نصل إلى مقصد رحلتنا.

عبرنا صحراء الشام في ساعتين ونصف الساعة لنصل إلى صحراء المراح.

قبل نهاية منطقة الشام بأربعة كيلومترات تقريبا وعلى مسافة ٣ أميال إلى جنوب طريقي ، توجد ثلاثة غدران وإلى هنا ينتهي شعيب الشام الصغير الذي يتكون إلى

__________________

(١) الحث الصواني والكلس البلوري هي صخور متحولة أي أنها صخور تحولت مادتها أو تبدلت تحت تأثير الحرارة إنما بشروط الضغط التي لا وجود لها على سطح الكرة الأرضية. لذا من المستحسن استعمال تعبير أرض جوفية. [التحرير]

١٥٥

الجنوب. وهي تخص وكذلك الأراضي المحيطة الصلب الذين يرتادونها في الربيع عند ما يكون في الغدران ماء.

في المراح حيث تتوقف الصحراء الحجرة ، نطأ أرضا نباتية صالحة مكسوة بمراع جيدة. إلا أن ذلولنا لا تأكل إلا من أطراف شفاهها وتتثاءب وهي تنظر إلى الأفق وتترك عروق النباتات التي تمضغها تقع على الأرض. ذلك أن هذه الحيوانات المسكينة عطشى. فهي لم تشرب منذ بئر الملوصة أي منذ ٨ كانون الأول في الحادية عشرة ليلا.

وبما أن مؤونتنا من الماء بدأت تنفد أيضا (لم يعد لدينا إلا ما يكفي لوجبة واحدة) اضطررنا إلى تسريع مسيرتنا.

في الثالثة والنصف خيّمنا في صحراء المراح وبعد ساعة ونصف الساعة استأنفنا السير حتى الواحدة من فجر ١٣ كانون الأول.

بعد استراحة دامت ساعتين انطلقنا في الساعة الثالثة صباحا. في ختام ميلين خرجنا من أراضي المراح لندخل أرض الحيل وفيها واد صغير يحمل الاسم نفسه.

يعقب منطقة الحيل منطقة العيسى El\'Aitsa مع وادي سبع أبيار.

يحد العيسى من الغرب مبنى مربع كبير من الحجر المقصوب يدعى قصر صيقل ويشير إلى بداية الأراضي التي تحمل نفس الاسم.

تمتد منطقة صيقل حتى قصر الشام الذي يبعد مسافة ثلاث ساعات وأربعين دقيقة من السير من قصر صيقل.

لدى مغادرتنا قصر الشام قطعنا ثلاثين كيلومترا إضافيا حتى بركة سنبين التي لا تبعد سوى ستة كيلومترات من قرية ضمير التي وصلنا اليها لحسن الحظ في الساعة الخامسة مساء. عادت الأرض حجرة قبل الوصول إلى ضمير ببضعة كيلومترات فقط.

في اليوم التالي في ١٤ كانون الأول غادرت ضمير في الحادية عشرة صباحا ووصلت إلى دمشق قبل الساعة الخامسة مساء.

ضمير والطريق المؤدية إلى دمشق معروفتان.

١٥٦

١٥٧

١٥٨

جغرافية إمارة شمّر

منطقة شمالي حائل

تقع حائل ، عاصمة الإمارة ، عند سفح جبل سمرا.

يتألف وسط حائل اليوم من اثني عشر حيّا أو سوقا وهي :

ـ برزان ـ لبدة ـ الجبارة ـ الجراد ـ الجديدة ـ سماح ـ العبيد ـ الخنقة ـ وربيعة ـ سويفلة ـ الخريم ـ مفيضة.

سماح والعبيد كانا الأخيرين في الإنشاء. العبيد وكما يشير اسمه يسكنه عبيد سود كليا ويعود للأمير. أطيب المياه هي مياه بئر سماح في حائل. ويبلغ طول المدينة ٤ كيلومترات تقريبا من سوق وربيعة شرقا إلى سوق سماح غربا.

في كل الاسواق الشرقية ، المياه قريبة ولكنها مرّة وغير صالحة للشرب.

يبلغ عدد سكان حائل في الحد الاقصى ١٥٠٠٠ نسمة.

الوكيد إلى الشمال ، ٣١ درجة شرقا ، وعلى مسافة ١٤ كيلومترا من حائل. أسست حوالي عام ١٨٣٥ ـ ١٥٠ نسمة.

الجذامية على مسافة ٢٠ كيلومترا إلى الشمال ، س ٣٥ درجة شرقا من حائل ـ ١٠٠ نسمة. هذه البلدة موجودة منذ عام ١٨٣٠.

اللقيطة على مسافة ٢٢ كيلومترا إلى الشمال ، ١٠ درجات شرقا من حائل تعدّ ٥٠٠ نسمة. أسست في الوقت نفسه مع الجذامية.

أم القلبان ، على مسافة ٦٢ كيلومترا إلى الشمال ، ٣٢ درجة غربا من حائل ، في النفود ، ٣٠ نسمة.

قنا ، على مسافة ٧٥ كيلومترا إلى الشمال ، ٤٧ درجة غربا من حائل ، في النفود ، ١٠٠ نسمة.

طويل ، على مسافة ٩٠ كيلومترا إلى الشمال ، ٧٤ درجة غربا من حائل في النفود ، ١٢٠ نسمة.

جبة ، على مسافة ١٣٠ كيلومترا إلى الشمال ، ـ ٦٢ درجة غربا من حائل في النفود ، ٤٠٠ نسمة.

١٥٩

الجوف المسماة فيما مضى دومة الجندل هي مدينة تقع إلى شمال النفود على مسافة ٣٢٠ كلومترا إلى الشمال ، س ٢٥ درجة غربا من جبة. وتتألف من خمسة عشر حيا مجموعا تفصل فيما بينها أسوار. وتعد ١٢٠٠٠ نسمة تقريبا. إنها واحة قديمة جدا ترقى إلى القرن السابع قبل الميلاد.

قارا على مسافة ٣٢ كيلومترا إلى الشمال ، ٧٠ درجة شرقا من الجوف ، تعد ١٠٠٠ نسمة.

سحارا على مسافة ٥ أميال إلى الشمال ـ الغربي من الجوف تعد ٥٠ نسمة.

حسية على مسافة ٧ كيلومترات إلى الشمال ، ٣٥ درجة غربي الجوف ، تعد ٥٠ نسمة.

جو ، على مسافة ٢١ كيلومترا إلى الشمال ـ الشرقي للجوف ، على طريق سكاكا ، فيها آبار وينابيع. وهي اليوم مهجورة.

مويسن في منتصف الطريق تماما ما بين الجوف وسكاكا وفيها آبار وينابيع. غير مأهولة اليوم.

البلدات الخمس الأخيرة تعتبر قديمة قدم الجوف نفسها.

سكاكا على مسافة ٣٥ كيلومترا إلى الشمال ـ الشرقي للجوف ، تعدّ ٨٠٠٠ نسمة. وجدت منذ قرن فقط.

كاف في وادي سرحان ، على مسافة ٢٥٠ كيلومترا إلى الجنوب ، ٢٥ درجة شرقي دمشق. مأهولة منذ نصف قرن وتعدّ ٩٠ نسمة. فيها نخيل واستثمار ملح.

أثرا على مسافة ٦ أميال شرق ـ جنوب ـ شرقي كاف. وهي واحة صغيرة قديمة جدا ولكنها لم تستعد سكانها بعد ما هجرت إلا منذ نصف قرن. فيها مياه ينبوع كما في كاف تعدّ ١٥٥٠ نسمة.

بقعاء على مسافة ٩٥ كيلومترا إلى الشمال ، ٦٦ درجة شرقي حائل. ٤٠٠ نسمة. إنها مدينة قديمة جدا ومحطة في درب الحج العراقي.

تربة ، هو قصر بني على الطريق من حائل إلى بغداد قرب الآبار التي تحمل الاسم نفسه مع موقع لبضعة رجال. ليس فيها مزارع. يقع على مسافة يومين من السير إلى الشمال ، س ٥٥ درجة شرقي حائل.

الحيانية على مسافة ثلاثة أو أربعة أيام من السير إلى شمالي حائل ، في النفود. إنه قصر مع خمس آبار ، تسكنه عائلتان من الصلب ، ١٥ نسمة.

تربية ، على مسافة نصف يوم من السير شرقي الحيانية. قصر مع بئرين ، ١٠ نسما

١٦٠