رحلة في الجزيرة العربية الوسطى

شارل هوبير

رحلة في الجزيرة العربية الوسطى

المؤلف:

شارل هوبير


المترجم: إليسار سعادة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: كتب
الطبعة: ١
ISBN: 9953-417-48-2
الصفحات: ١٦٦

مملوءان كليا بالنقوش ومنحوتات حيوانات لكن عامل الزمن تكفل للأسف بمحوها كلها ولم أتمكن من نسخ سوى نقش واحد. وتحمل هذه الصخره اسم الركب Rekab.

أقمت مخيّمي على مسافة خمسة كيلومترات قرب صخرة أخرى أكثر غرابة. فهذه الصخرة معزولة كليا ومكوّنة من قطعة واحدة على شكل جدار يبلغ طوله ٣٠٠ متر وارتفاعه ٥٠ مترا وسماكته ١٠ أمتار. جنباته تبدو وكأنها قصت بالمقص لشدة استقامتها. الأجزاء السفلية كانت هي أيضا مغطاة بالنقوش ولكن المطر والريح المحملة بالرمل تكفلا بمحوها. إلا أنني وفقت في نقل نقش واحد بشكل مؤكد ، واللافت هو أنه كان نقشا نبطيا بينما كان النقش الذي نسخته عن صخرة الركب حميريا. هذا الحائط الخرافي يدعى مقراط الدبوس.

بعد ساعتين وصلت إلى قلعة الحجر على درب الحج المسماة لدى المؤلفين المسلمين مدائن صالح. وتقع هذه المحطة في منتصف الطريق بالضبط بين دمشق ومكة.

ههنا المنازل الحجرية الشهيرة المحفورة في الجبل والتي يتحدث عنها مؤلفون عرب كثيرون. باستثناء السيد دوتي ، لم يتسن لأي كافر قبلي مشاهدتها. في المحصلة ، إنها غرف ضريحية لا منازل ، حفرت في الحث بعناية فائقة. كلها تقريبا تتمتع بأبواب ضخمة حفرت فوقها نقوش نبطية وآرامية.

تقع الحجر في الجزء الأكثر انحدارا من الوادي الواقع بين جبل الرمل البركاني الأصل المسمى عوارةAouarah وجبل العجيب Ageib حيث يظهر الغرانيت من جديد.

صخور الحجر التي تتضمن الغرف الضريحية شبيهة تماما بصخور خاله Khalah غربي جبل حلوان. وهي صخور معزولة على شكل قفير النحل ، حفر في كل واحدة منها ضريح. أما الباب الضخم الهائل في أغلب الأحيان فيقع إجمالا على علو عدة أمتار فوق الأرض. وفي داخل الغرف تم حفر الجدران على شكل مزود بحيث يمكن أن تستقبل جسدا. وفي كثير من الأحيان أيضا تم حفر قبر في أرض الغرفة. ويبدو أن الغرف الضريحية لم تزوّد بتاتا بأبواب ، وعلى أي حال لا يوجد على الحجر أي أثر لأي قفل.

هذه المنطقة ومنطقة الجوف في اليمن هي الأكثر إثارة للاهتمام في الجزيرة العربية وإنني عازم على تناولها بالتفصيل في مناسبة أخرى.

نقوش الحجر نبطية في مجملها تقريبا.

١٠١

باستثناء القلعة لم يعد يوجد أي مبنى قائم في الحجر. هذه القلعة هي إحدى محطات قافلة الحجاج الذين يذهبون كل عام من إستانبول إلى مكة. ويحكم القلعة محمد إبراهيم ، وهو جزائري من حاشية الأمير عبد القادر. ولا يقيم فيها إلا خلال فترة الحج ، والقافلة التي لا تزال حاليا في مكة ستأخذه معها في طريق عودتها إلى دمشق. ومع أربعة رجال غير نظاميين يعملون تحت إمرته وبغل ، يتعين عليه سحب مياه البئر الموجودة داخل القلعة وصبها في الحوض المبني وراء القلعة ليتمكن الحجاج من الغرف منها بسهولة لدى مرورهم.

العلا

غادرت الحجر في ١٧ تشرين الثاني عند الظهر ووصلت في الساعة الرابعة من العصر إلى العلا.

من الخارج ، يبدو مظهر المدينة الصغيرة في غاية الجمال. وقد ذكّرتني الشوارع الضيقة جدا والمتعرجة والوسخة جدا بالحي اليهودي في دمشق. وجوه السكان الذين يشبهون أولاد هبرHeber فعلا أكملت الوخم.

نزلت في منزل محمد سعيد بن سعيد ، عبد الأمير محمد بن رشيد ، وحاكمه هنا. وإذ سلمته الرسالة التي حمّلني إياها الأمير ، لقيت منه أجمل استقبال.

العلا المبنية كليا من الآجرّ مقسومة إلى قسمين متساويين تقريبا بواسطة صخرة معزولة يبلغ ارتفاعها ٤٠ مترا تقريبا تكاد تكون عمودية من جميع الجهات وتعلوها أطلال قلعة. لكل من نصفي المدينة شيخ أو أمير والنصف الجنوبي هو الأهم.

كان الأمير قد أنذرني في حائل دون أن يتمكن من أن يشرح لي السبب أنه في حال إصراري على الذهاب إلى العلا وخيبر فإنني سأتعرض للمرض الشديد. وبالفعل غداة وصولي إلى العلا أحسست بانزعاج هائل يتمثل في تلاشي قواي وانحطاط وغثيان وتقيّؤ وصداع وتعرّق شديد. كان ذلك تسمّما ناجما عن الوخم الحامل الحمى المنبعث من اراضي البساتين المملوءة بالمستنقعات. السكان ، وجميعهم من الزنوج بنسب متفاوتة ، لا يتأثرون بمفاعيله أو أنهم يتأثرون بذلك بدرجة أقل.

١٠٢

بدا لي السكان البالغ عددهم ١٥٠٠ نسمة تقريبا ، خليطا من الزنوج واليهود. لون بشرتهم هو تقريبا اللون الذي يمكن أن ينتج عن اللون رقم ٣٦ و ٥١ من جدول" ألوان البشرة" المعارف العامة لجمعية الأنتروبولوجيا لباريس الطبعة الثانية Instructions Generales de la Societe d\'Anthropologie, ٢ edition درجة اللون ٥٠ داكنة جدا مما يعني أنه لا وجود للسود بالمعنى الصريح. ولكن في مقابل غياب اللون ، يبقى الدفق السمة الثابتة. والأقل دفقا يتمتعون أيضا بلون فاتح ويشكلون أرستقراطية المنطقة. وهؤلاء المحظوظون هم نتاج زواج مع بدويات رحل في الجوار ، العنيزة أي يهود (١).

لقد تعرضت العلا منذ القدم لنهب عرب العنيزة وبني الرحّل ، ولم تكن الحكومة العثمانية التي كانت تتقاضى الجزية من العلا تحميها منهم. ومنذ أن ضم ابن رشيد هذه المدينة الصغيرة إلى أراضيه لم تعد تخشى عنيزة. كما أن عرب بلي لا يجرؤون على التعرض لها بشكل مكشوف خوفا من الرد الانتقامي أو من أن يقوم أمير شمّر باجتياح أراضيهم. لكنهم لا ينفكون يجوبون الريف ما بين تيماء والعلا وبالأخص في جوار العلا سالبين كل العزّل الذين يصادفونهم. لذا يحمل الجميع السلاح باستمرار حتى للذهاب إلى البساتين.

تتعم العلا بظروف ازدهار استثنائية. ثمانية ينابيع تسقي نخيلها واثنان منها قويّان ، ويعطي مجموعها أكثر من حاجتها للماء. وقد أكد لي ان سنة جفاف أو حتى عدة سنوات من الجفاف لا تؤثر على منسوب هذه الينابيع ، لذا يزرع السكان إلى جانب النخيل ، كل القمح والشعير والهراء (٢) اللازم لهم. كما أن بساتينهم تضم عددا كبيرا من أشجار الدراق والليمون والحامض والتين والرمان والعرائش. وأخيرا يزرعون الشمّام والبطيخ الأحمر والتبغ.

وجود الينابيع يعفيهم من عملية سحب الماء المضنية وكذلك من الاعتناء بالدواب.

تتراوح قيمة النخلة في العلا ما بين ٨ ريالات و ٢٠ ريالا وفق الوضع. وإذ تعطي النخلة دخلا سنويا متوسطا بقيمة ٤ ريالات ، فإننا نجد هنا أناسا أثرياء. فشيخ السوق الشمالية عمار بن عبد الغني بن بدير يملك ٤٠٠ نخلة.

سبق أن ذكرت عرب بلي Bely ، جيران العلا المشاغبين ، وأراضيهم التي تبدأ عند

__________________

(١) هذا التأكيد يستلزم دليلا قد يكون السيد هوبير قد اكتشفه [التحرير].

(٢) الهراء : فسيل النخل.

١٠٣

خط العرض نفسه الذي يبدأ منه جبل عوارة ، تمتد إلى داخل شبه جزيرة سيناء بين البحر الأحمر غربا وعرب شرارات شرقا. كانوا فيما مضى أثرياء وأقوياء إلا أنهم خسروا كل خيلهم في أعقاب الغزو الذي شنه عليهم عام ١٨٥٣ عرب جازي Gazy. منذ ذلك الحين لم يعد بإمكانهم القيام بحملة حربية وأصبحوا فقراء. ولأنهم لا يسكنون إلا المناطق الجبلية ، ليس لديهم سوى بضعة جمال ، ما يكفيهم لنقل خيامهم. تتمثل كامل ثروتهم بالماعز ولكنهم لا يحبون لحمه بسبب رائحته الكريهة. مراعيهم كلها في الجبال. ولديهم ماء وفير.

فيما يلي أسماء قبائلهم : الموعيب (١) ـ الفواضلة ـ الحروفا ـ السهامة ـ الفريعا ـ الحمران ـ الرموت ـ الهمور ـ المعاقلة ـ الوحشي ـ الوبصة ـ الجبالة ـ العردات.

شهرة شيخهم هو ابن رفادة.

ما كان بإمكاني الحصول إلا على معلومات متناقضة جدا بشأن تعداد البلي لأن احدا لا يدخل ابدا جبالهم. إلا أنني أعتقد أن التقدير الأصح هو أنهم يملكون ما بين ٤٠٠ و ٦٠٠ خيمة.

ومع أنني لم أستطع معرفة أي شيء مؤكد بهذا الصدد ، غير أنني أعتقد ان جبال بلي التي تحتوي على الكثير من الغدران أو خزانات الماء لا بد أنها تخفي نقوشا كثيرة وربما بقايا صروح معاصرة لصروح الحجر والعلا التي أنتجتها حضارة واحدة. وأي بعثة ترسل إلى هناك لا بد ان تعثر على مواد مثيرة للاهتمام.

بعد يومين من وصولي استطعت الذهاب إلى آثار العلا القديمة ، وبهذه المناسبة ثبت لي مجددا أن البلد غير آمن. ومع أن مسافة كيلومترين فقط تفصل المدينتين ، إلا أن محمد سعيد لم يسمح لي بالذهاب إلا برفقة تسعة من السكان مسلحين جميعا بالبنادق وانضم هو بنفسه إليهم.

الآثار التي تحمل اليوم اسم ناقة صالح أو حلوية العالية الحديثين ، تقع على تلة صغيرة شمالي العلا ولم تعد سوى كومة لا شكل لها من الحجارة المقصّبة والمنحوتة. لا أثر لجدار واحد قائم ولكن لم يزل بالإمكان تتبع حدود بعض الصروح التي باتت أساساتها بمستوى الأرض. وثمة حطام أعمدة وقرميد مزخرف.

__________________

(١) أو المواهيب.

١٠٤

وسط هذه الآثار تهيمن ساحة صغيرة وضع في وسطها حوض مدوّر ضخم حفر في كتلة واحدة من الرمل أرتفاعه ٥٠ ، ٢ مترا وقطره متران. وباستثناء شقين لا يزال هذا الحوض الهائل في حالة جيدة. الجدران الداخلية والخارجية مغطاة بأحرف حميرية وعربية تكاد تكون ممحوّة. ويتعذر اليوم التكهن بوجهة استعمال هذا الصرح.

إلى شرقي وادي العلا ترتفع بزاوية قائمة كتل صخرية يتجاوز ارتفاعها ٢٠٠ متر حفر عند قاعدتها حوالي ٢٠٠ قبر مماثلة لقبور الحجر إنما دون باب تذكاري. وفي كثير من الأحيان ، عوضا عن حجرة ، اكتفي بحفر فتحة تتسع فقط لوضع جثة. في هذه الحال تتخذ هذه الفتحات شكل حجيرات الأموات الموجودة في أبراج تدمر الضريحية.

عدة حجيرات لم يتم إنجازها ويحمل مجمل الأعمال طابع عمل توقف فجأة. كما أن هناك نقوشا منحوتة فوق الأرض لا يمكن التكهن بأي وسائل استطاع الفنان أن يطالها سواء من تحت أو من فوق.

تحمل هذه القبور اسم الخريبة وكذلك اسم دار ثمود. وقد سجلت هنا ٣٣ نقشا.

مناخ العلا حارّ ويبدو أن الشتاء فيها ليس باردا على الإطلاق. شتاء ١٨٧٩ ـ ١٨٨٠ مرّ وكأنه لم يكن. وعند ما أخذت حرارة الينابيع أربع مرات في ساعات مختلفة من النهار ، لم أجد بينها سوى فوارق بضعة أعشار الدرجة وكل الأرقام التي دونتها أعطتني حرارة متوسطة تبلغ+ ٩ ، ٢٨ درجة مما يشير بالفعل إلى مناخ حار. أما أبرد درجة للحرارة التي لاحظتها خلال إقامتي في العلا فهي الدرجة الدنيا ليوم ٢٨ تشرين الثاني حيث بلغت+ ١ ، ١٣ درجة.

بعد إقامة دامت اثني عشر يوما غادرت العلا في ٢٩ تشرين الثاني وقد أمّن لي ابن سعيد المواكبة مع سبعة عشر رجلا مسلحا مسافة ٥ أميال. المسيرة من العلا إلى خيبر أكثر خطورة من المسيرة إلى تيماء ونرى أننا نقترب من الممتلكات التركية.

قادتنا مسيرة ثلاث ساعات إلى أطلال مدينة صغيرة ، أو بالأحرى إلى مدينة لم يبق من أطلالها شيء. إذ من المرجح أنها بنيت من الآجرّ. ولكن بقي شقا جدارين من الآجرّ المطبوخ. على امتداد كيلومتر مربع تقريبا ترى الأرض مفروشة بقطع الآجرّ والفخاريات المطلية والزجاج الملون. غاب اسم هذه البلدة ولكن في العلا حيث السكان أتقياء يطلقون عليها اسم دار النصارى أما البدو فيسمونها هي والأراضي الواقعة بين جبلي العجائب والمريرة ، مابي.

١٠٥

على تلة صغيرة بقايا برج من الحجر والآجرّ حيث قيل لي إنه يوجد نقش إلا أنني لم أستطع العثور عليه.

توقفنا ساعة في مابي ثم تابعنا سيرنا إلى الجنوب ـ الشرقي. في الساعة الثالثة عصرا قطعنا درب الحج وتركناها إلى يميننا ، وفي الساعة الخامسة مساء كنا نخيّم وراء آخر خاصرات جبل مريرة الغرانيتي كجبل العجائب الذي كنا قد تجاوزناه. كانت الأرض الغرانيتية على أي حال قد بدأت على مسافة كيلومترين جنوبي العلا ومعها دخلنا أراضي عرب عنزة المستقلين ولكن المتحالفين مع شمر.

فرع أولاد سليمان الكبير هو الباقي في المنطقة. تتناثر خيامهم من جبل مريرة وحتى مشارف ينبو في الجنوب.

القبائل الرئيسة هي التالية :

الجعافرة ـ الفضيل ـ المرتعد ـ العوجي ـ البكار ـ الفضوارة ـ المريهم ـ النحات ـ المطردة ـ السهول ـ الغمشة ـ السعيد ـ النومسة ـ الشملان.

أولاد سليمان أكثر عددا من بني وهب وهم أيضا من عرب عنزة كما رأينا ذلك آنفا ولكنهم أكثر فقرا أيضا ، إلا أنهم في المقابل يملكون كنز الحرية الذي لا يقدر بثمن ، وأكثر ما تحتاج إليها المجتمعات المتمدنة جزئيا. أنهم مستقلون تماما إزاء الحكم التركي الذي يعادونه وإزاء أمير شمّر الصديق.

لديهم في جبالهم بعض المراعي الجيدة وهي أفضل من مراعي البلي وعلى غرار الأخيرين لديهم ماء وافر. كما أنهم يملكون عددا أكبر من البنادق من البلي.

كل المنطقة الوعرة جدا الواقعة بين العلا وخيبر تحمل اسم الحجر. وهي صحراء غرانيتية قاحلة بشكل مريع : لا شيء سوى البطحاء ، والمزيد من البطحاء دون عشبة واحدة تقريبا.

غداة مغادرتنا العلا قطعنا ١٥ ميلا في هذه الصحراء. في الصباح كنا قد مررنا على مسافة ٨ أميال من جبل نخر الممتد على طول ١٢ ميلا من الشرق إلى الغرب. وفي المساء وصلنا إلى قلعة سمرد وهي محطة على درب الحج ، وقضينا الليلة بقربها.

في الأول من كانون الأول لم نقطع سوى ١٤ ميلا بالسير بموازاة درب الحج وخيمنا في المساء في قلعة الصورة وهي محطة أخرى على درب الحج عند سفح جبل سن.

١٠٦

وراء القلعة أحد أجمل الآبار التي شاهدتها في الجزيرة العربية. دائرية الشكل ، يبلغ قطرها حوالي ١٥ مترا وعمقها ٣٠ مترا تقريبا وهي مسوّرة كليا بحجارة مقصّبة.

المسافة على خط مستقيم بين هذه القلعة وقلعة سمرد قصيرة على الخارطة. ذلك أن الأرض التي تفصل بينهما صعبة ووعرة جدا.

في اليوم التالي لم نقطع سوى ١٥ ميلا إلى الجنوب ـ الشرقي. وخيّمنا في المساء عند أفراد قبيلة خالد من بني وهب كانوا يخيمون هنا في ٦٠ خيمة تقريبا. هؤلاء كانوا أول رحل نلتقيهم بدءا من العلا. والمنطقة التي اجتزناها كانت أكثر وعورة من تلك التي اجتزناها بالأمس.

مخيم قبيلة خالد كان عند سفح جبل أنمارAnemar الغرانيتي الممتد على ٤٠ كيلومترا تقريبا من الشمال ـ الشرقي إلى الجنوب ـ الغربي.

في ٣ كانون الأول لم نجتز سوى ١٢ ميلا بسبب سوء سير جمل دليلي مرزي.

بعد ما تجاوزنا في الصباح جبل أنمار عبر واد قصير ، ضيق ووعر جدا ، وجدنا أنفسنا فجأة أمام سهل عظيم تتخلله أخاديد عميقة تنتصب فيه دونما ترتيب بعض القمم الغرانيتية السوداء أو الحمراء أو الخضراء. في البعيد لمحت جبلي دهام وخيبر اللذين تقع بينهما واحة خيبر. تحتل كامل الأفق من الشرق إلى الغرب هضبة ترتسم بوضوح غريب وهي تلمع في الشمس. إنها الحرة ، هضبة هائلة من الحمم تمتد حتى مشارف المدينة.

قبل مغادرة آخر صخور جبل أنمار التي لا تزال تخفينا ، وخوض غمار هذا السهل المكشوف حيث يستطيع اللصوص رؤيتنا بسهولة ، أدى مرزي الشديد التقوى صلاة ودعاني لأحذو حذوه ليحمينا الله ويبعد الخطر عن طريقنا. وفي المساء خيّمنا في خندق حيث كنا محميين جدا.

في اليوم التالي اضطررنا إلى التخلي عن جمل مرزي الذي أصابه الإعياء على هذه الأرض الوعرة على الرغم من سيرنا البطيء ، فتحمّل جملي عبئا مضاعفا واضطر دليلي إلى السير على الأقدام.

بعد بداية الطريق مباشرة باتجاه الجنوب ، ٦٥ درجة شرقا ، تصبح الأرض مغطاة بالحجارة البازلتية السوداء وتبدأ الحرة.

١٠٧

خيبر

بعد ما قطعنا أول خمسة كيلومترات من الحرة صادفنا واد لرافد صغير لوادي الطبق حسب أقوال مرزي. في هذا المكان بالذات يشكل الوادي ، بعكس المنطقة المحيطة ، جنة حقيقية. فهو مملوء بالنخيل البري وبالنباتات القوية. بعض العصافير كانت تزقزق فيه والنسيم الناعم الذي كان مخيما آنذاك كان يبعث وشوشة حفيف أوراق النخيل الطويلة المطربة. الماء على عمق لا يتعدى مترا واحدا. جنة النعيم هذه في أهوال الحرة تدعى خضران.

منذ عام ١٨٧٤ أصبحت خيبر ملكا للأتراك الذين انتزعوها من ابن رشيد. لديهم فيها مدير وعشرون جنديا نظاميا. هذا المدير ، واسمه عبد الله الصيروان ، هو المدير الذي أساء معاملة السيد دوتي وسجنه طوال شهرين ونصف الشهر. ولكن بفضل الفرمان الإمبراطوري الذي حرصت على التزود به ، أحسن استقبالي وبقيت ضيفه لمدة ١٢ يوما.

بفضل الينابيع وغزارة مياه خيبر ، لا شك في أن هذه الواحة هي مركز مأهول منذ وجد سكان في الجزيرة العربية. أقدم الوثائق تدل على أن اليهود كانوا يقطنونها. وسواء جاء هؤلاء إلى خيبر في أعقاب آخر أسر في بابل (١) (٥٣٧ ق. م.) أو إثر الأسر الذي جلبته حملة سنحاريب (٧٠٠ ق. م.) أو قبل هذين التاريخين بعد إحدى الكوارث المتكررة في يهودا ، لا بد أنهم وجدوا في خيبر سكانا اضطروا إلى طردهم وسلبهم. من هم السكان الأصليون؟ ما زلنا نجهل ذلك ولكن من المرجح أنهم كانوا يمنيين.

لقد أدت خيبر دورا مهما في حقبة نشر الدين الإسلامي ، وقد توقف مصير الدين المقبل برهة على صراعه مع هذه الواحة. ولكن يقول المؤلفون العرب إن عليا الذي أرسله النبي ضدها أخضعها وأباد جميع سكانها.

وينقل المؤلفون أنفسهم أنها فيما مضى كانت تضم سبع قرى ، أما اليوم فلا أثر إلّا لثلاث منها مأهولة وما استطعت أن أعثر على آثار القرى الأخرى.

__________________

(١) إذا كانوا يهودا عائدين من أسر بابل الأخير واستقروا في خيبر ، فلا بد حكما من العثور على نقوش آراميه. وبالفعل فإن الشعب اليهودي لدى عودته من الأسر لم يعد يفهم اللغة العبرية القديمة ، فقد أصبحت الآرامية هي لغته العادية وقد ذهب إلى حد اعتماد أبجديتها.

١٠٨

في وسط خيبر الصخرة البازلتية المنفردة تماما المسماة مرحبا والتي كانت تحمل على قمتها في غابر الزمان الحصن الذي يحمل الاسم نفسه. اسم مرحبا هذا هو الاسم القديم الوحيد للواحة الذي نقله إلينا مؤلفو ما قبل الإسلام. ولما يزل اليوم يطلق عليه اسم قصر اليهودي. هذه الصخرة هي جبل هلالي من الحجارة البازلتية السوداء متجه من الشمال ـ الغربي إلى الجنوب ـ الشرقي. أما قمته فعلى شكل طاولة ويبلغ طولها ٢٠٠ متر وعرضها ما بين ١٠ و ١٥ مترا وهي من مستوى الحره.

عند قاعدة هذه الصخرة ، إلى الجنوب وإلى منتصف المنحدر ، تمتد قرية خيبر الرئيسة وهي قرية بشر. شجر النخيل يبدأ مباشرة ويطوق مرحبا والقرية كليا.

تسقي نخيل قرية بشر ينابيع يقع مصدرها في القرية نفسها وينابيع أخرى تأتي من خارج القرية. عدد الينابيع المنبثقة في القرية ستة وأسماؤها هي الآتية : صفصافه ـ إبراهيم ـ علي ـ الريا ـ الشلالة ـ البويرة.

هذا الأخير هو أبرد الينابيع في خيبر. وينبوع علي هو الأكبر.

وفيما يلي متوسطات الحرارة المأخوذة في هذه الينابيع خلال إقامتي في خيبر :

صفصافه+ ٩ ، ٢٩ درجة

إبراهيم+ ٠ ، ٣١ درجة

علي+ ١ ، ٢٩ درجة

الريا+ ٨ ، ٣١ درجة

الشلالة+ ٤ ، ٢٩ درجة

البويرة+ ٦ ، ٢٦ درجة

القرية الثانية تدعى مكيدة وتقع على بعد ٣ كيلومترات تقريبا إلى الجنوب ـ الغربي لمرحبا. وبدلا من أن تكون مبنية على غرار قرية بشر في المنخفض حيث النخيل ، توجد مكيدة على الحرة.

وتضم هذه القرية الينابيع الخمسة الآتية والأول هو الأكبر : البحر ـ البريكة ـ السليمي ـ سلالم ـ أم المسك.

القرية الثالثة ، العاصمية ، الواقعة على مسافة ميلين تقريبا شمالي مرحبا مبنية هي

١٠٩

أيضا على الحرة. وفي العاصمية أربعة ينابيع هي : الحامية أو الحامي ـ الحمامة ـ علي ـ صنبوره. ينبوع الحامية هو الأكبر.

سكان خيبر الذين يملكون ٣٠٠ بندقية ، يبلغ عددهم ١٢٠٠ نسمة ويتوزعون على النحو الآتي :

قرية بشر تملك ١٢٠ منزلا

مكيدة تملك ١٠٠ منزلا

عاصمية تملك ٢٠ منزلا

لا يوجد في خيبر سوى مدرسة واحدة تقع في قرية بشر ولكن المتابعة فيها غير مؤمنة إلا فيما ندر وهي قلما تفتح أبوابها. يديرها رجل دين لا يدعى في خيبر الخطيب كما هو الحال في الجبل ، بل رئيس المسجد.

هناك خمسة مساجد ، اثنان في قرية بشر ، واثنان في مكيدة وواحد في العاصمية. على مسافة ٨ كيلومترات جنوب مرحبا ، بعد جبل خيبر توجد مزرعة نخيل مهمة وفيها عشرون شخصا يقيمون جميعا في قصر واحد. هذا المكان يدعى الوادي.

على مسافة ثلاثين كيلومترا إلى الجنوب ، ينابيع عديدة وغزيرة تشكل هنا بحيرة صغيرة تدعى قصيبة. تسري مياه قصيبة عبر قناة طبيعية بطول ٦ إلى ٧ كيلومترات في منخفض في الشمال حيث تشكل بحيرة أخرى تدعى تسمد (١). بين البحيرتين على ضفاف القناة يقوم مبنيان كبيران يتباعدان مسافة كيلومترين. مبنى الجنوب يدعى قصر العضم ومبنى الشمال يدعى قصر البنت.

شمالي بحيرة ثمد ، تتابع المياه سريانها عبر الحرة إنما متجهة إلى الشمال ـ الغربي لتصب في وادي تبق بعد سقي نخيل بلدتين خاليتين من السكان ، هدنة وجراية.

يعود نخيل جراية إلى فصيل خالد من ولد علي.

انطلاقا من بحيرة قصيبة وحتى جراية يوجد مجرى ماء يجري طوال السنة ، وعلى غرار الأقنية داخل واحة خيبر فيه سمك وضفادع وقواقع (٢).

__________________

(١) تسمد أو ثمد ليس اسم علم بل المصطلح العربي الذي يطلق على بلاعة أو حفرة ماء تكاد تكون على وجه الأرض : تحفر عادة في مجرى واد [التحرير].

(٢) هذه القواقع هي Melanies.

١١٠

بدءا من بحيرة الثمد وحتى مصبها في وادي ثبق يحمل مجرى الماء اسم وادي الثمد. في خيبر أكدوا لي بأن الثمد تستقبل وادي سرير قبل أن تنصب في وادي ثبق ، ولكن في المقابل قال لي عرب عنزة لاحقا بأن السرير الذي ينبع خارج الحرة مباشرة جنوبي قصيبة يصبّ مباشرة في وادي ثبق على مسافة ١٥ كيلومترا تقريبا إلى شرقي الثمد. وقد اعتمدت هذه الرواية الأخيرة ولدي أسباب للاعتقاد بأنها أصح من الأولى.

في وادي سرير الكثير من النخيل العائد إلى قبيلة شملان التابعة لعنزة. من قصيبة إلى الثمد النخيل كثيف إلا انه أصبح بريا وبعض أشجار النخيل يعطي ثمرا جيدا.

المثل العربي القديم" حمل التمر إلى خيبر" (١) الموازي لمثلنا القائل" حمل الماء إلى البحر" لا يزال صحيحا. فشجر نخيل خيبر يكاد لا يحصى ونفهم أنه يتم إكثاره أو أنه يترك يتكاثر حيث إنه لا يتطلب أي عناية وأن الماء وافر. ولكن كما يحصل عادة عند ما تكون الطبيعة كريمة ، فإن البشر يتكاسلون. وبما أنه لا يترتب على أهالي خيبر عمل يذكر ، فقد فضلوا ألا يفعلوا شيئا على الإطلاق ولفرط الإهمال الذي طاولها فإن أشجار النخيل تراجعت بحيث لم تعد تعطي سوى أصغر وأسوأ الثمار في كل الجزيرة العربية.

يعود نخيل خيبر إلى عرب الفقرا أحد فرعي بني وهب ، الذين يجوبون المنطقة بين خيبر وتيماء. سكان خيبر يزرعون شجرتهم مناصفة مع الفقرا ويستقرون حول الواحة للتأكد من المحصول وتسلّم حصتهم. وكما هو سار في زراعات النخيل كافة فهنا أيضا تتناوب باستمرار سنة محصول جيد تليها سنة محصول سيّىء وهكذا دواليك. سنة مروري (١٨٨٠) كانت سنة وفرة.

قيمة النخلة في خيبر لا تتجاوز ريالا أو ريالا ونصف الريال وهذا الأمر يعطي فكرة عن تدني نوعية الانتاج. نتذكر أن هذه القيمة تبلغ في حائل ١٠ ريالات وفي تيماء والعلا تصل حتى إلى حدود ٢٠ ريالا.

يزرع كذلك بعض القمح والذرة وقليل جدا من الشعير. ولكن ليس لدى السكان دوالي عنب ولا دراقن ولا تين ولا رمان.

في الشكل يشبه السكان أهالي العلا ولكن لون بشرتهم أكثر سوادا ، كما أنهم أقل

__________________

(١) الصحيح : «جلب التمر إلى هجر» أي الإحساء.

١١١

تديّنا بكثير من سكان العلا وبالإضافة إلى ذلك اشتهر عنهم ممارستهم أسوأ ممارسات السحر والشعوذة. ويعدّ الخيبريون شرابات من جثث أو أجزاء جثث ينبشونها من المقابر ليلا. وإلى كل هذه الصفات «الجميلة» يضيفون إلى شهرتهم مهارة السرقة وأهل العاصمية هم الفائزون بالميدالية. كما إنهم وسخون وشرسون وبعبارة غير محترمين.

على مسافة ٤ أميال تقريبا إلى شمال ـ شرقي مرحبا ، في جبل دهام ، نجد سلسلة وديان مجموع طولها ما بين ٨ و ١٠ أميال من الشرق إلى الغرب وعرضها ميلان. ونرى فيها ٥ أبراج باتت أطلالا. ومجملها تدعى الحرضة. كما فيها ينبوع يدعى عين رجيعة وقرابة مائة بئر.

فيما مضى كان في الحرضة سكان ، ولكن حاليا يتردد أهالي خيبر إليها أحيانا دونما انتظام سنوي ، وذلك لزرع القمح الذي يعطي نتائج ممتازة.

لم أعثر في خيبر إلا على ٨ نقوش أستطيع ضمان قراءتها. بعض الصخور التي يبلغ طولها في كثير من الأحيان مئات الأمتار ، كانت مملوءة بالنقوش إلا أن المطر محاها أو تكفلت الشمس بتفتيتها ولم تعد تقدم سوى أحرف مشكوك فيها. وعثرت في مقبرة قديمة شمالي ـ غربي مرحبا على نقش كوفي.

١١٢

١١٣

١١٤

١١٥

١١٦

١١٧

١١٨

عبر الحرة

غادرت خيبر في ١٥ كانون الأول. كان في نيتي اجتياز الحرة في عرضة وصولا إلى الحائط. وتعود الأراضي على هذه الطريق إلى عرب هتيم (١) واضطررت إلى اختيار دليلي من بينهم. غير أن مرزي الذي رافقني انطلاقا من العلا ظل يتبعني ولم يتركني إلا في حائل.

إذا شئت أن تكون محترما فلا ينبغي أن تسافر وحيدا مع رجل من هتيم وهذه في رأيي إحدى الأخطاء التي ارتكبها السيد دوتي إذ وصل إلى حائل يقوده رجلان من قبيلة هتيم مما سبب طرده الفوري.

شمّر يعتبرون أنفسهم أنبل العرب ، وهم كذلك. ويليهم مباشرة في ذهنهم عنزة الذين يحتلون هذه المرتبة بسبب عددهم وقوتهم وليس بفضل نبالتهم أو نقاء دمهم. يليهم الشرارات. وفي الترتيب الأخير ، وكأنهم خارج الطبقة ، تأتي قبيلتا الصلب وهتيم.

قبائل الهتيم الرئيسة هي التالية : ابن سميرة ـ ابن بالراك Balerak ـ المحيمزة ـ الفرديسة ـ العوامرة ـ المصابرة.

أبناء سميرة يوجدون عادة حول خيبر.

المحيمزة ـ يخيّمون في جوار المدينة وهم في حرب مع شمّر.

المصابره يجوبون القصيم ويدفعون الجزية للأمير حسن.

تعد قبيلة ابن سميرة ثماني قبائل تسميها الحكومة التركية برنجي أي الأولى. وهذه القبائل عينها تطلق على نفسها فيما بينها اسم الذيبةAdzeibah.

كان دليلي عبر الحرة ابن سميرة الشخصي. وهو شاب طويل ووسيم في الخامسة والعشرين من العمر تقريبا في غاية الكرم والكياسة. وكان يتحمل بصبر الشتائم والإهانات التي كان مرزي النبيل يكيلها إليه طوال اليوم.

في الساعة العاشرة صباحا غادرنا قرية بشر وبعد خمس وأربعين دقيقة خرجنا من المنخفضات التي تنمو فيها أشجار نخيل خيبر لنصعد إلى هضبة الحرة. ولا تلبث الدرب أن تجتاز أطلال قرية قديمة من الحجر. الطريق مريعة وتستمر عبر الدبش

__________________

(١) يفضل كتابة اسم Houteim على النحو التالي : Hoteim [التحرير].

١١٩

الذي يبلغ حجم بعضها مترا مكعبا ونصف المتر. لا يشير إلى الاتجاه سوى انعكاس طفيف على سطح الحجارة التي لم يؤثر فيها المرور طوال خمسين قرنا لشدة صلابة هذا الصخر البازلتي.

الدرب من خيبر إلى الحائط تحمل اسم درب اليهود أو درب الكفار.

بعد الكيلومترات الخمسة الأولى نصادف بمحاذاة الدرب قرابة عشرين كومة من الحجارة تتباعد فيما بينها مسافة ٢٠ إلى ٣٠ مترا وتدعى أرجوم اليهودErgouum El\'Yahoud. وقال لي ابن سميرة أن اليهود الذين قتلهم علي هم الذين يرقدون هنا وكل مارّ يضيف حجرة على الكومة.

قرابة الساعة الرابعة عصرا وصلنا قرب جبل فكاه الصغير على بعد ميلين جنوبي طريقي. وبعد ساعة خيّمنا في وادي سويس. إلى شمالي مخيمنا لاحظت جبل قرس والى الشمال ـ الغربي جبل الغامر البالغ طوله ١٦ ميلا. كلاهما مؤلف من الغرانيت ومنفصلان عن الحرة التي تمتد في هذا الاتجاه مسافة عشرين كيلومترا إضافيا إلى يساري.

في اليوم التالي قطعنا حوالي ١٦ منها اثنان إلى الجنوب ـ الشرقي.

في الساعة التاسعة صباحا كنا قد قطعنا وادي سويس مجددا وعند الظهر خيّمنا قرب غدير المقنع حيث كان لا يزال فيه قليل من الماء.

منذ الصباح كنا قد اجتزنا خمس فوهات براكين حافاتها قليلة الارتفاع وأقطارها متباينة جدا. هذه الفوهات المجردة من الحجارة مملوءة بتراب صلصالي أصفر كان يجعل السير صعبا ومستحيلا في بعض الأماكن ، لدى مروري ، لفرط انزلاق الأرض في أعقاب الأمطار الأخيرة.

وكان مطر خفيف قد بدأ يتساقط أجبرنا على السير إلى الجنوب الشرقي. كان لا بد من قضاء الليل تحت خيمة ، وأكد لي دليلنا أننا لا بد ملاقون خياما في هذا الاتجاه. وبالفعل ما لبثنا أن بلغنا خمس خيام بائسة للهتيم واستقررنا في أكبرها. لكن المطر لم يرحمنا ؛ ذلك أن الماء اجتاح الخيمة مع انفجار العاصفة قرابة الساعة العاشرة ليلا. وبقصد حماية أجهزتي قررت أن أحملها على ركبتي وذهبت لأجلس في الخارج على الصخر حيث طلبت تغطيتي بمعاطفي وسجاداتي. كان الليل مضنيا والصباح حزينا.

١٢٠