تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

قال : لا. لأنّ الأعمال ليست أجساما ، وإنّما هي صفة ما عملوا. وإنّما يحتاج إلى وزن الشّيء من جهل عدد الأشياء ولا يعرف ثقلها وخفّتها. وإنّ الله لا يخفى عليه شيء.

قيل : فما معنى الميزان؟

قال : العدل.

قيل : فما معناه في كتابه (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ)؟

قال : فمن رجح عمله.

قيل (١) : وسرّ ذلك ، أنّ ميزان كلّ شيء هو المعيار الّذي به يعرف قدر ذلك الشّيء. فميزان النّاس يوم القيامة ، ما يوزن به قدر كلّ إنسان وقيمته على حسب عقيدته وخلقه وعمله ، لتجزى كلّ نفس بما كسبت. وليس ذلك إلّا الأنبياء والأوصياء ، إذ بهم وباتّباع شرائعهم واقتفاء آثارهم وترك ذلك وبالقرب من سيرتهم والبعد عنها يعرف مقدار النّاس وقدر حسناتهم وسيّئاتهم. فميزان كلّ أمّة ، هو (٢) نبيّ تلك الأمّة ووصيّ نبيّها والشّريعة الّتي أتى بها. فمن ثقلت حسناته وكثرت (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٣) فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بظلمهم عليها من جهة تكذيبهم للأنبياء والأوصياء وعدم اتّباعهم.

وفي الكافي (٤) ، وفي معاني الأخبار (٥) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ).

قال : هم الأنبياء والأوصياء.

وفي رواية أخرى (٦) : نحن الموازين القسط.

وفي مصباح الشّريعة (٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل : فإذا أردت أن تعلم أصادق أنت أم كاذب ، فانظر في قصد معناك وغور دعواك وعيّرهما (٨) بقسطاس من الله ـ عزّ وجلّ ـ ، كأنّك في القيامة. قال الله ـ تعالى ـ : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ). فإذا اعتدل

__________________

(١) تفسير الصافي ٢ / ١٨١.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : هي.

(٣) المصدر : «وقلّت» بدل «موازينه».

(٤) الكافي ١ / ٤١٩ ، ح ٣٦.

(٥) المعاني / ٣١ ـ ٣٢ ، ح ١.

(٦) تفسير الصّافي ٢ / ١٨٢.

(٧) مصباح الشريعة / ٤١٠.

(٨) كذا في المصدر. وفي ب : عيّر. وفي سائر النسخ : عيّرهما.

٤١

معناك بدعواك ، ثبت لك الصّدق.

وفي كتاب الخصال (١) : عن محمّد بن موسى (٢) قال : سمعت [أبا عبد الله (٣) ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الخير ثقل على أهل الدّنيا على قدر ثقله في موازينهم يوم القيامة ، وإنّ الشّرّ خفّ على أهل الدّنيا على قدر خفّته في موازينهم يوم القيامة.

عن أبي مسلم (٤) راعي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٥) يقول : خمس ما أثقلهنّ في الميزان : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر ، والولد الصالح يتوفّى لمسلم فيصبر ويحتسب.

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) ، أي : مكّنّاكم من سكناها وزرعها والتّصرّف فيها.

(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) : أسبابا تعيشون بها. جمع ، معيشة.

وعن نافع (٦) ، أنّه همّزه تشبيها بما «الياء» فيه زائدة ، كصحائف.

(قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (١٠) : فيما صنعت إليكم.

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) :

قيل (٧) : أي : خلقنا أباكم آدم ـ عليه السّلام ـ طينا غير مصوّر ، ثمّ صوّرناه. نزّل خلقه وتصويره ، منزلة خلق الكلّ وتصويره. أو ابتدأنا خلقكم ثمّ تصويركم ، بأن خلقنا آدم ـ عليه السّلام ـ ثمّ صوّرناه.

والحامل على هذا التّخصيص قوله : «ثمّ قلنا» (الخ). ولا حاجة إليه ، إذ يمكن أن يكون كلّمه.

«ثمّ» لتأخير الإخبار.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : (خَلَقْناكُمْ) ، أي : في أصلاب الرّجال.

و (صَوَّرْناكُمْ) ، أي : في أرحام النّساء.

ثمّ قال : وصوّر ابن مريم في الرّحم دون الصّلب ، وإن كان مخلوقا في أصلاب

__________________

(١) الخصال / ١٧ ، ح ٦١.

(٢) المصدر : محمد بن مسلم.

(٣) المصدر : أبا جعفر.

(٤) الخصال / ٢٦٧ ، ح ١. وفيه : أبي سالم.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في «ب».

(١ و ٧) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٢.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٢٢٤.

٤٢

الأنبياء ، ورفع وعليه مدرعة من صوف.

حدّثنا (١) أحمد بن محمّد عن جعفر بن عبد الله المحمّديّ قال : حدّثنا كثير بن عيّاش (٢) ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أمّا (خَلَقْناكُمْ) ، فنطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثمّ عظما ثمّ لحما. وأمّا (صَوَّرْناكُمْ) ، فالعين والأنف والأذنين والفم واليدين والرّجلين. صوّر هذا ونحوه ، ثمّ جعل الدّميم (٣) والوسيم (٤) والجسيم (٥) والطّويل والقصير وأشباه هذا.

(ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (١١) : ممّن سجد لآدم.

(قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) ، أي : أن تسجد.

و «لا» صلة مثلها في لئلّا يعلم ، مؤكّدة معنى الفعل الّذي دخلت عليه ، ومنبّهة على أنّ الموبّخ عليه ترك السّجود.

وقيل (٦) : الممنوع من الشّيء مضطرّ إلى خلافه ، فكأنّه قيل : ما اضطرّك إلى أن لا تسجد.

(إِذْ أَمَرْتُكَ) : دليل على أنّ مطلق الأمر للوجوب والفور.

(قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) : جواب من حيث المعنى استأنف به ، استبعادا لأن يكون مثله مأمور بالسّجدة ، كأنّه قال : المانع أنّي خير منه ، ولا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول فكيف يحسن أن يؤمر به. فهو الّذي سن القياس أوّلا ، وتبعه فيه غيره.

(خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١٢) : تعليل لفضله (٧) تفضّله عليه. وقد غلط في ذلك بأن رأى الفضل كلّه باعتبار العنصر ، وغفل مّا يكون باعتبار الفاعل ، كما أشار إليه بقوله ـ تعالى ـ : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) بغير واسطة. وباعتبار الصّورة ، كما نبّه بقوله ـ تعالى ـ : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ). وباعتبار

__________________

(١) نفس المصدر ، والموضع.

(٢) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٢٧. وفي النسخ : كثير بن عبّاس.

(٣) الدميم : القبيح المنظر ، والوسيم خلافه.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الدسيم.

(٥) ليس في المصدر : والجسيم.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٣.

(٧) كذا في ب ، أ ، ر. وفي سائر النسخ : «تفضّله» بدل «لفضله».

٤٣

الغاية ، وهو ملاكه. ولذلك أمر الملائكة بسجوده له لما بيّن لهم أنّه أعلم منهم ، وأنّ له خواصّ ليست لغيره.

وقيل (١) : الآية دليل الكون والفساد ، وأنّ الشّياطين أجسام كائنة. وفيه نظر ، لأنّها إنّما تدلّ على الكون والفساد لو كان حدوث المركّبات بزوال صور البسائط ، وليس كذلك ، كما حقّق في موضعه. ولعلّ إضافة خلق الإنسان إلى الطّين والشّيطان إلى النّار ، باعتبار الجزء الغالب.

وفي أصول الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن [الحسن بن] (٣) عليّ بن يقطين ، عن الحسين بن ميّاح (٤) ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ إبليس قاس نفسه بآدم فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). فلو قاس الجوهر الّذي خلق الله منه آدم ـ عليه السّلام ـ بالنّار ، كان ذلك أكثر نورا وضياء من النّار.

وبإسناده (٥) إلى داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم ، وكان في علم الله أنّه ليس منهم. فاستخرج ما في نفسه من الحميّة فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).

وفي كتاب علل الشّرائع (٦) ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد بن عمارة (٧) القرشيّ رفع الحديث قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

فقال له : يا أبا حنيفة ، بلغني أنّك تقيس. قال : نعم ، أنا أقيس.

قال : لا تقس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). فقاس ما بين النّار والطّين. ولو قاس نوريّة آدم ـ عليه السّلام ـ بنوريّة النّار ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٣.

(٢) الكافي ١ / ٥٨ ، ح ١٨.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٢٥٧.

وفي النسخ : «صباح» بدل «مياح». وفي «ب» : «الحسن» بدل «الحسين».

قال الأردبيلي في جامع الرواة : الظاهر أنّ الحسن مكبرا سهو لعدم وجوده في كتب الرجال ـ والله أعلم ـ.

(٥) الكافي ٢ / ٣٠٨ ، ح ٦.

(٦) العلل / ٨٦ ، ح ١.

(٧) المصدر : «عيسى بن عبد الله» بدل «جعفر بن محمد بن عمارة».

٤٤

من (١) عرف الفضل ما بين النّورين وصفاء أحدهما على الآخر. ولكن قس لي رأسك (٢) ، أخبرني عن أذنيك ما لهما مرّتان؟

قال : لا أدري.

قال : فأنت لا تحسن أن تقيس رأسك ، [فكيف] (٣) تقيس الحلال والحرام.

قال : يا ابن رسول الله ، أخبرني ما هو؟

قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل الأذنين مرّتين لئلّا يدخلهما شيء إلّا مات ، ولو لا ذلك لقتل ابن آدم الهوامّ. وجعل الشّفتين عذبتين (٤) ليجد ابن آدم طعم الحلو والمرّ. وجعل العينين مالحتين لأنّهما شحمتان ، ولولا ملوحتهما لذابتا. وجعل الأنف باردا سائلا لئلّا يدع في الرّأس داء إلّا أخرجه ، ولولا ذلك لثقل الدّماغ وتدوّد.

وبإسناده (٥) إلى ابن شبرمة قال : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ فقال لأبي حنيفة : اتّق الله ولا تقس الدّين برأيك ، فإنّ أوّل من قاس إبليس.

أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ بالسّجود لآدم ، فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده (٦) إلى ابن أبي ليلى قال : دخلت أنا والنّعمان على جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ فرحّب بنا.

فقال : يا ابن أبي ليلى ، من هذا الرّجل؟

قلت : جعلت فداك ، هذا رجل من أهل الكوفة له رأي ونظر ونقاد.

قال : فلعلّه الّذي يقيس الأشياء برأيه. ثمّ قال : يا نعمان ، إيّاك والقياس. فإنّ أبي حدّثني عن آبائه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من قاس شيئا في (٧) الدّين برأيه ، قرنه الله مع إبليس في النّار فإنّه أوّل من قاس حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «ما سألت» بدل «رأسك».

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عند تبيين.

(٥) العلل / ٨٦ ، صدر ح ٢.

(٦) نفس المصدر / ٨٨ ـ ٨٩ ، ح ٤.

(٧) المصدر : من.

٤٥

وبإسناده (١) إلى أبي زهير (٢) شيب بن أنس (٣) ، عن بعض أصحاب (٤) أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ، إذا ورد (٥) عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسّنّة ، كيف تصنع؟

قال : أصلحك الله ، أقيس وأعمل فيه برأيي.

قال : يا أبا حنيفة ، إنّ أوّل من قاس إبليس الملعون ، قاس على ربّنا ـ تبارك وتعالى ـ فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).

فسكت أبو حنيفة.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده (٦) إلى جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول ـ عليه السّلام ـ في آخره : إنّ أمر الله ـ تعالى ذكره ـ لا يحمل على المقاييس. ومن حمل أمر الله على المقاييس ، هلك وأهلك. إنّ أوّل معصية ظهرت ، الأنانيّة من إبليس اللّعين حين أمر الله ملائكته بالسّجود لآدم فسجدوا وأبي [إبليس] (٧) اللّعين أن يسجد. فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). فكان أوّل كفره قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ثم قياسه بقوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).] (٨). فطرده الله ـ عزّ وجلّ ـ عن جواره ولعنه وسمّاه رجيما. وأقسم بعزّته لا يقيس أحد في دينه ، إلّا قرنه مع عدوّه إبليس في أسفل درك من النّار.

أبي (٩) ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، [عن أحمد بن محمد] (١٠) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ القبضة الّتي قبضها الله من الطّين الّذي خلق منه آدم ـ عليه السّلام ـ أرسل إليها جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أن يقبضها.

__________________

(١) العلل / ٩٠ ، ضمن ح ٥.

(٢) ب : ابن أبي زهير.

(٣) المصدر : أبي زهير بن شبيب بن أنس.

(٤) المصدر : عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله

(٥) ب : أورد.

(٦) العلل / ٦٢ ، ضمن ح ١.

(٧) من المصدر.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «الآية» بدل ما بين المعقوفتين.

(٩) العلل / ٥٧٩ ، ح ٩.

(١٠) من المصدر.

٤٦

فقالت الأرض : أعوذ بالله أن تأخذ منّي شيئا.

فرجع إلى ربّه ، فقال : يا ربّ ، تعوّذت بك منّي.

فأرسل إليها إسرافيل ، فقالت له مثل ذلك.

فأرسل إليها ميكائيل ، فقالت له مثل ذلك.

فأرسل إليها ملك (١) الموت ، فتعوّذت بالله منه أن يسبي (٢) منها شيئا.

فقال ملك الموت : وأنا أعوذ بالله أن أرجع إليه حتّى أقبض منك.

قال : وإنّما سمّي آدم : آدم ، لأنّه خلق من أديم الأرض.

وبإسناده (٣) إلى [عبد الله بن] (٤) يزيد بن سلام ، أنّه سأل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : آدم خلق من الطّين كلّه أو من طين واحد؟

فقال : بل من الطين كلّه. ولو خلق من طين واحد ، لما عرف النّاس بعضهم بعضا وكانوا على صورة واحدة.

قال : فلهم في الدّنيا مثل؟

قال (٥) : التّراب فيه أبيض ، وفيه أخضر ، وفيه أشقر ، وفيه أغبر ، وفيه أحمر ، وفيه أزرق ، وفيه عذب ، وفيه ملح ، وفيه خشن ، وفيه ليّن ، وفيه أصهب. فلذلك صار النّاس فيهم ليّن ، وفيهم خشن ، وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التّراب.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أصول الكافي (٦) : عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسن بن زيد (٧) ، عن الحسن (٨) بن عليّ بن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لمّا أراد أن يخلق آدم ـ عليه السّلام ـ بعث جبرئيل ـ عليه السّلام ـ في أوّل ساعة من يوم الجمعة. فقبض بيمينه قبضة [بلغت قبضته] (٩) من السّماء السّابعة إلى

__________________

(١) كذا في أ ، ب ، ر ، المصدر. وفي غيرها ملكوت.

(٢) المصدر : يأخذ.

(٣) العلل / ٤٧١ ، ضمن ح ٣٣.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «ألوان» بدل «قال».

(٦) الكافي ٢ / ٥ ، صدر ح ٧.

(٧) بعض نسخ المصدر : الحسن بن يزيد. قال الأردبيلي في جامع الرواة ١ / ٢٠١ : الظاهر أنّ ابن يزيد فيه اشتباه لعدم وجوده في كتب الرجال.

(٨) كذا في أ ، ب ، ر ، المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٢٠٨. وفي غيرها : الحسين.

(٩) من المصدر.

٤٧

السّماء الدّنيا وأخذ من كلّ سماء تربة ، وقبض قبضة أخرى من الأرض السّابعة العليا إلى الأرض السّابعة القصوى.

فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ كلمته (١) ، فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله. ففلق الطّين فلقتين ، فذرا من الأرض ذروا (٢) ومن السّموات ذروا. فقال للّذي بيمينه : منك الرّسل والأنبياء والأوصياء والصّدّيقون والمؤمنون والسّعداء ومن أريد كرامته ، فوجب لهم ما قال كما قال. وقال للّذي بشماله : منك الجبّارون والمشركون والكافرون والطّواغيت ومن أريد هوانه وشقوته ، فوجب لهم ما قال كما قال. ثمّ أنّ الطّينتين خلطتا جميعا.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، عنه ـ عليه السّلام ـ : كذب إبليس [لعنه الله يا إسحاق] (٤) ما خلقه الله [إلّا] (٥) من طين. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) (٦) قد خلقه الله من تلك النّار ، و [النار] (٧) من تلك الشّجرة ، والشّجرة أصلها من طين.

(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) : من السّماء ، أو الجنّة ، أو من المنزلة الّتي أنت عليها.

(فَما يَكُونُ لَكَ) : فما يصحّ.

(أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) : وتعصي ، فإنّها مكان الخاشع المطيع. وفيه تنبيه على أنّ التّكبّر لا يليق بأهل الجنّة ، وأنّه ـ تعالى ـ إنّما طرده وأهبطه لتكبّره لا لمجرّد عصيانه.

(فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١٣) : ممن أهانه الله ـ تعالى ـ لتكبّره.

قال (٨) النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من تواضع لله ، رفعه الله ، ومن تكبّر ، وضعه الله.

(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٤) : أمهلني إلى يوم القيامة. فلا تمتني ، ولا تعجّل عقوبتي.

(قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (١٥) : يقتضي الإجابة إلى ما سأله ظاهرا ، لكنّه

__________________

(١) أ ، ر : كلمة.

(٢) الذرو : الاذهاب والتفريق.

(٣) تفسير القمّي ٢ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(١ و ٥) ـ من المصدر.

(٦) يس / ٨٠.

(٧) من المصدر.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٣.

٤٨

محمول على ما جاء مقيّدا بقوله ـ تعالى ـ : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو النّفخة الأولى.

ويوم البعث والقيامة ، هو النّفخة الثّانية.

في كتاب العلل (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : يموت إبليس ما بين النّفخة الأولى والثّانية.

وفي ـ تفسير العيّاشي (٢) : عنه ـ عليه السّلام ـ : أنظره (٣) إلى يوم يبعث فيه قائمنا.

وفي إسعافه إليه ، ابتلاء للعباد وتعريضهم للثّواب بمخالفته.

(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) ، أي : بعد أن أمهلتني لأجهدن (٤) في اغوائهم بأي طريق يمكنني بسبب اغوائك إيّاي بواسطتهم ، تسمية أو حملا على المعنى أو تكليفا بما غويت لأجله.

و «الباء» متعلّقة بفعل القسم المحذوف لا «بأقعدنّ» ، فإن «اللّام» تصدّ عنه.

وقيل (٥) : «الباء» للقسم.

(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) : ترصّدا بهم ، كما يقعد القطّاع للسّابلة.

(صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦) :

قيل (٦) : طريق الإسلام. ونصبه على الظّرف ، كقوله :

كما عسل الطّريق الثّعلب

وقيل (٧) : تقديره : على صراطك ، كقولهم : ضرب زيد الظّهر والبطن.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : الصّراط هنا (٩) عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وفي الكافي (١٠) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : يا زرارة ، إنّما عمد (١١) لك ولأصحابك.

فأمّا الآخرون ، فقد فرغ منهم.

__________________

(١) العلل / ٤٠٢ ، ضمن ح ٢.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٤٢ ، ضمن ح ١٤.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : النظرة.

(٤) ب ، ر : لأجتهدنّ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٣.

(١ و ٧) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٣.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٩ ، ح ٦.

(٩) المصدر : هو.

(١٠) الكافي ٨ / ١٤٥ ، ح ١١٨. (١١) المصدر : صمد.

٤٩

وفي رواية العيّاشيّ (١) : إنّما صمد (٢).

(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) ، أي : من جميع الجهات ، مثل قصده إيّاهم بالتّسويل والإضلال من أيّ وجه يمكنه بإتيان العدوّ من الجهات الأربع. ولذلك لم يقل : من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

وقيل (٣) : لم يقل : من فوقهم ، لأنّ الرّحمة تنزل (٤) منه. ولم يقل : من تحتهم ، لأن الإتيان (٥) منه يوحش [الناس] (٦).

وعن ابن عبّاس (٧) (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من قبل الآخرة. (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من قبل الدّنيا. (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من جميع جهة حسناتهم وسيّئاتهم.

وقيل (٨) : يحتمل أن يقال : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من حيث يعلمون ويقدرون على التّحرّز عنه. (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من حيث لا يعلمون ولا يقدرون. (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من حيث يتيسّر (٩) لهم أن يعلموا ويتحرّزوا ، ولكن لم يفعلوا لعدم تيقّظهم واحتياطهم.

وإنّما عديّ الفعل إلى الأوّلين بحرف الابتداء ، لأنّه منهما متوجّه إليهم. وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة ، فإنّ الآتي منهما كالمنحرف عنهم المارّ على عرضهم. ونظيره قولهم : جلست عن يمينه.

وفي مجمع البيان (١٠) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ).

معناه : أهوّن عليهم أمر الآخرة. (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم. (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضّلالة وتحسين الشّبهة. (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بتحبيب اللّذّات إليهم ، وتغليب (١١) الشّهوات على قلوبهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٢) ، ما يقرب منه ببيان أبسط.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٩ ، ح ٧.

(٢) بعض نسخ المصدر : عمد.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٣.

(٤) المصدر : تنزيل.

(٥) ب : الإيمان.

(٦) من المصدر.

(٧) نفس المصدر ، والموضع.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٩) ب : يتسنّى. (١٠) مجمع البيان ٢ / ٤٠٤.

(١١) أ : تغلب. (١٢) تفسير القمّي ١ / ٢٢٤.

٥٠

وفي نهج البلاغة (١) ، من كتاب له ـ عليه السّلام ـ إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أنّ معاوية قد كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه : وقد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ (٢) لبّك ويستفلّ غربك (٣) فاحذره ، فإنّما هو الشّيطان يأتي المرء من (٤) بين يديه ومن خلفه وعن (٥) يمينه وعن (٦) شماله ليقتحم غفلته ويستلب غرّته.

(وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (١٧) : مطيعين. وإنّما قاله ظنّا لقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) لمّا رأى فيهم (٧) مبدأ الشّرّ متعدّدا ، ومبدأ الخير واحدا.

وقيل (٨) : سمعه من الملائكة.

(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) : مذموما. من ذأمه : إذا ذمّه.

وقرئ (٩) : «مذوما» (١٠) ، كمسول ، في مسؤول. أو كمكول (١١) ، في مكيل. من ذامه يذيمه (١٢) ذيما.

(مَدْحُوراً) : مطرودا.

(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) :

«اللّام» فيه لتوطئة القسم. وجوابه (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٨).

وهو سادّ مسدّ جواب الشّرط.

وقرئ (١٣) : «لمن» بكسر اللّام ، على أنّه خبر «لأملأنّ» على معنى : لمن تبعك هذا الوعيد. أو علّة «لأخرج» ، و «لأملأنّ» جواب قسم محذوف. ومعنى «منكم» : منك ومنهم ، فغلّب المخاطب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ).

__________________

(١) نهج البلاغة / ٤١٥ ـ ٤١٦ ، صدر كتاب ٤٤

(٢) ب ، ر : يتنزّل.

(٣) ب : غيرتك. والغرب : الحدّة والنشاط.

(٤) كذا في المصدر. وفي أ ، ر ، ب : المؤمن من. وفي غيرها : المؤمنين.

(١ و ٦) ـ أ : من.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٤ : لمّا رأوا فيه.

(١ و ٩) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٤.

(١٠) المصدر : مذموما.

(١١) المصدر : ككول.

(١٢) المصدر : يمذيمه.

(١٣) نفس المصدر ، والموضع.

(١٤) تفسير القمّي ١ / ٤٢.

٥١

فقال إبليس : يا ربّ ، فكيف وأنت العدل الّذي لا تجور ، فثواب عملي (١) بطل؟

قال : لا ، ولكن سلني من أمر الدّنيا ما شئت ثوابا لعملك أعطك.

فأوّل ما سأل البقاء إلى يوم الدّين.

فقال الله : قد أعطيتك.

قال : سلّطني على ولد آدم.

قال : سلّطتك.

قال : أجرني فيهم مجرى الدّم في العروق.

قال : قد أجريتك.

قال : لا يولد (٢) لهم واحد إلّا ولد (٣) لي اثنان ، وأراهم ولا يروني ، وأتصوّر لهم في كلّ صورة شئت.

قال : قد أعطيتك.

قال : يا ربّ ، زدني.

قال : قد جعلت لك [ولذريّتك] (٤) صدورهم أوطانا.

قال : ربّ ، حسبي. قال إبليس عند ذلك : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٥). (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ ـ إلى قوله ـ : شاكِرِينَ).

قال (٦) : وحدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أعطى الله ـ تعالى ـ إبليس ما أعطاه من القوّة ، قال آدم ـ عليه السّلام ـ : يا ربّ ، سلّطت إبليس على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدّم في العروق وأعطيته ما أعطيته ، فما لي ولولدي؟

فقال : لك ولولدك السّيّئة بواحدة ، والحسنة بعشر أمثالها.

قال : يا ربّ ، زدني.

قال : التّوبة مبسوطة إلى أن تبلغ النّفس الحلقوم.

فقال : يا ربّ ، زدني.

__________________

(١) ب : عبادتي.

(٢) المصدر : ولا يلد.

(٣) المصدر : ويلد.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) ص / ٨٢.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٤٢.

٥٢

قال : أغفر ولا أبالي.

قال : حسبي.

قال : قلت له : جعلت فداك ، بماذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه؟

فقال : بشيء (١) كان منه شكره الله عليه.

قلت : وما كان منه ، جعلت فداك.

قال : ركعتين ركعهما في السّماء في أربعة آلاف سنة.

(وَيا آدَمُ) ، أي : وقلنا : يا آدم.

(اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ).

وقرئ (٢) : «هذي» (٣). وهو الأصل ، لتصغيره على «ذيا». و «الهاء» بدل من الياء.

(فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٩) : فتصيرا من الّذين ظلموا أنفسهم.

«فتكونا» يحتمل الجزم ، على العطف. والنّصب ، على الجواب.

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) ، أي : فعل الوسوسة لأجلهما. وهي في الأصل : الصّوت الخفيّ ، كالهينمة (٤) والخشخشة (٥). ومنه : وسوس الحليّ وسوسة. وقد سبق في البقرة كيفيّة وسوسته.

والفرق بين وسوسه ووسوس له ، أنّ الأوّل بمعنى : ألقى إلى قلبه المعنى وبصوت خفيّ. والثّاني ، أنّه أوهمه النّصيحة له بذلك.

(لِيُبْدِيَ لَهُما) : ليظهر لهما.

و «اللّام» للعاقبة. أو للغرض على أنّه أراد ـ أيضا ـ بوسوسته أن يسوأهما بانكشاف عورتيهما ، ولذلك عبّر عنهما بالسّوءة. وفيه دليل على أنّ كشف العورة في الخلوة وعند الزّوج من غير حاجة ، قبيح مستهجن في الطّباع.

(ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) : ما غطّي عنهما من عوراتهما. وكانا لا

__________________

(١) ب ، أ : لشيء.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٤.

(٣) المصدر : هذه.

(٤) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٣٤٤. وفي ب : كالهنيمة ، وفي سائر النسخ : كالهيمنة.

(٥) ب : الحشحشة.

٥٣

يريانها من أنفسهما ، ولا أحدهما من الآخر. وإنّما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور ، كما قلبت الواو في «أو يصل» تصغير «واصل» لأنّ الثّانية مدّة.

وقرئ (١) : «سوآتهما» بحذف الهمزة ، وإلقاء حركتها على الواو ، وبقلبها واوا ، وإدغام الواو السّاكنة فيها.

(وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا) : إلّا كراهة أن تكونا.

(مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٢٠) : الّذين لا يموتون ، أو يخلدون في الجنّة.

واستدلّ به على فضل الملائكة على الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ.

وجوابه : أنّه كان من المعلوم أنّ الحقائق لا تنقلب ، وإنّما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما ـ أيضا ـ ما للملائكة من الكمالات الفطريّة والاستغناء عن الأطعمة والأشربة. وذلك لا يدلّ على فضلهم مطلقا.

(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢١) ، أي : أقسم لهما على ذلك.

وأخرجه على زنة المفاعلة ، للمبالغة.

وقيل (٢) : أقسما له بالقبول.

وقيل (٣) : أقسما عليه بالله أنّه لمن النّاصحين ، فأقسم لهما. فجعل ذلك مقاسمة.

(فَدَلَّاهُما) : فنزّلهما إلى الأكل من الشّجرة. نبه به على أنّه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة. فإنّ التّدلية والإدلاء : إرسال الشّيء من أعلى إلى أسفل.

(بِغُرُورٍ) : بما غرّهما به من القسم ، فإنّهما ظنّا أنّ أحدا لا يحلف بالله كاذبا. أو ملتبسين بغرور.

وفي عيون الأخبار (٤) ، في ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون في قصّة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ : حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ قال : حدّثني أبي ، عن حمدان بن سليمان النّيشابوريّ ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا ـ عليه السّلام ـ.

قال : فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٤.

(١ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٤.

(٤) العيون ١ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، صدر ح ١.

٥٤

قال : بلى.

قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١)؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ قال لآدم ـ عليه السّلام ـ : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ). وأشار لهما إلى شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢). ولم يقل : ولا تأكلا من هذه الشّجرة ولا ممّا كان من جنسها. فلم يقربا تلك الشّجرة [ولم يأكلا منها] (٣). وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشّيطان إليهما ، وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) وإنّما نهاكما أن تقربا غيرها ، [ولم ينهكما] (٤) عن الأكل منها (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ، وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).

ولم يكن آدم وحوّاء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا. (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله. وكان ذلك من آدم قبل النّبوّة. ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار ، وإنّما كان من الصّغائر الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم. فلمّا اجتباه الله ـ تعالى ـ وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال الله ـ تعالى ـ : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٥).

وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٦).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : وروي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أخرج الله آدم من الجنّة ، نزل عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا آدم ، أليس الله خلقك بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وزوّجك أمته حوّاء وأسكنك الجنّة وأباحها لك ونهاك مشافهة أن تأكل (٨) من هذه الشّجرة ، فأكلت منها وعصيت الله؟

فقال آدم ـ عليه السّلام ـ : يا جبرئيل ، إنّ إبليس حلف بالله أنّه لي ناصح ، فما ظننت أنّ أحدا من الخلق يحلف بالله كاذبا.

__________________

(١) طه / ١٢١.

(٢) البقرة / ٣٥.

(١ و ٤) ـ من المصدر.

(٥) طه / ١٢١ ـ ١٢٢.

(٦) آل عمران / ٣٤.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٢٢٥.

(٨) المصدر : ألّا تأكل.

٥٥

وفي تفسير العياشيّ (١) : عن جميل بن درّاج (٢) ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته : كيف أخذ الله آدم بالنّسيان؟

فقال : إنّه لم ينس ، وكيف ينسى وهو يذكّره ويقول له إبليس : ما نهاكما عن تلكما الشّجرة (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ).

عن مسعدة بن صدقة (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ رفعه إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنّ موسى ـ عليه السّلام ـ سأل ربّه أن يجمع بينه وبين آدم حيث عرج إلى السّماء في أمر الصّلاة ، ففعل.

فقال له موسى ـ عليه السّلام ـ : [يا آدم] (٤) أنت الّذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأباح لك جنّته ، وأسكنك جواره ، وكلّمك قبلا.

ثمّ نهاك عن شجرة واحدة ، فلم تصبر عنها حتّى أهبطت إلى الأرض بسببها. فلم تستطع أن تضبط نفسك عنها حتّى أغراك (٥) إبليس ، فأطعته. فأنت الّذي أخرجتنا من الجنّة بمعصيتك.

فقال له آدم : ارفق بأبيك ، أي بنيّ ، محنة ما لقي في أمر هذه الشّجرة. يا بنيّ ، إنّ عدوّي أتاني من وجه المكر والخديعة ، فحلف لي بالله أنّ مشورته عليّ «لمن النّاصحين». وذلك أنّه قال مستنصحا (٦) : إنّي لشأنك ، يا آدم ، لمغموم.

قلت : وكيف؟

قال : قد كنت أنست بك وبقربك منّي ، وأنت تخرج ممّا أنت فيه إلى ما ستكرهه (٧).

فقلت : وما الحيلة؟

فقال : إنّ الحيلة هو ذا معك ، قال (٨) أفلا أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟

فكلا منها أنت وزوجك فتصيرا معي في الجنّة أبدا «من الخالدين».

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٩ ـ ١٠ ، ح ٩.

(٢) كذا في المصدر. وفي ب : أحمد بن حميد بن درّاج. وفي سائر النسخ : حميد بن درّاج.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ١٠ ، ح ١٠.

(٤) من المصدر.

(٥) ب : أغواك.

(٦) ب ، ر : منتصحا. أ : منتضجا.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ما استكرهه.

(٨) ليس في المصدر.

٥٦

وحلف بالله كاذبا أنّه «لمن النّاصحين». ولم أظنّ ، يا موسى ، أنّ أحدا يحلف بالله كاذبا. فوثقت بيمينه. فهذا عذري. فأخبرني ، يا بنيّ ، هل تجد فيما أنزل الله إليك أنّ خطيئتي كائنة من قبل أن أخلق.

قال له موسى : بدهر طويل (١).

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فحجّ آدم موسى ـ عليه السّلام ـ. قال ذلك ثلاثا.

عن عبد الله بن سنان (٢) قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا حاضر : كم لبث آدم وزوجته في الجنّة حتّى أخرجهما منها بخطيئتهما؟

فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا (٣) نفخ في آدم من روحه بعد زوال الشّمس من يوم الجمعة ، برأ (٤) زوجته من أسفل أضلاعه. ثمّ أسجد له ملائكته ، واسكنه جنّته من يومه ذلك. فو الله ، ما استقرّ فيها إلّا ستّ ساعات في يومه ذلك حتّى عصى الله ، فأخرجهما الله منها بعد غروب الشّمس. وما باتا فيها وصيّرا بفناء الجنّة حتّى أصبحا (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ). فاستحى آدم من ربّه وخضع ، وقال : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا. قال الله لهما : اهبطا من سمواتي إلى الأرض ، فإنّه لا يجاورني في جنّتي عاص ولا في سمواتي.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ آدم لمّا أكل من الشّجرة ذكر ما نهاه الله عنها ، فندم. فذهب ليتنحّى (٥) من الشّجرة ، فأخذت الشّجرة برأسه فجرّته إليها وقالت له : أفلا كان فراقي (٦) من قبل أن تأكل منّي.

(فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ، أي : فلمّا وجدا طعمها آخذين في الأكل منها ، أخذتهما العقوبة فتهافت عنهما لباسهما فظهرت لهما عوراتهما.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) ، والعيّاشيّ (٨) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : كانت

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي ب ، ر : بمدّة طويلة.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٠ ـ ١١ ، ح ١١.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : ثمّ برأ.

(٥) ج : يتنحى. أ : ليضحي. ب : لتضحى.

(٦) المصدر : فرارك.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٢٢٥.

(٨) تفسير العيّاشي ١ / ١١ ، ح ١٢.

٥٧

سوءاتهما لا تبدو لهما فبدت (١) ، يعني : كانت من داخل.

واختلف في أنّ الشّجرة كانت السّنبلة أو الكرم أو غيرهما ، وقد مرّ في سورة البقرة توجيهه ، وأنّ اللّباس كان نورا أو حلّة أو ظفرا.

(وَطَفِقا يَخْصِفانِ) : أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة.

(عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) : يغطّيان سوءاتهما به.

قيل (٢) : كان ورق التّين.

وقرئ (٣) : «يخصفان» من أخصف ، أي : يخصفان أنفسهما. و «يخصفان» من خصّف. و «يخصفان» أصله : يختصفان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ رفعه قال : سئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن جنّة آدم : أمن جنان الدّنيا كانت أم من جنان الآخرة؟

فقال : كانت من جنان الدّنيا تطلع فيها الشّمس والقمر. ولو كانت من جنان الآخرة ، ما اخرج (٥) منها أبدا لمّا أسكنه الله الجنّة وأباحها له إلّا الشّجرة لأنّه خلق خلقه لا يبقى إلّا بالأمر والنّهي والغذاء واللّباس والأكنان (٦) والتّناكح. ولا يدرك ما ينفعه ممّا يضرّه إلّا بالتّوقيف. فجاءه إبليس فقال له إن أكلتما من هذه الشّجرة الّتي نهاكما الله عنها ، صرتما ملكين وبقيتما (٧) في الجنّة أبدا. وإن لم تأكلا منها ، أخرجكما من الجنّة. وحلف لهما ، أنّه لهما ناصح. فقبل آدم قوله ، فأكلا من الشّجرة. وكان ، كما حكى الله (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما). وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنّة ، وأقبلا يستتران من ورق الجنّة.

(وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢٢) : عتاب على مخالفة النّهي ، وتوبيخ على الاغترار بقول العدوّ.

(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) : أضررناها بالمخالفة ، والتّعريض للإخراج عن الجنّة.

(وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) : إنّما قالا ذلك ،

__________________

(١) ليس في تفسير القمّي.

(١ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٤٥.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٤٣ باختلاف في بعض الألفاظ.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : خرج.

(٦) الأكنان ـ جمع الكنّ ـ : البيت.

(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تقيما.

٥٨

على عادة المقرّبين في استعظام الصّغير من العثرات ، واستحقار العظيم من الحسنات.

وفي كتاب معاني الأخبار (١) ، بإسناده إلى محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه قال ـ عليه السّلام ـ : فلمّا أسكن الله ـ عزّ وجلّ ـ آدم وزوجته الجنّة قال لهما : (كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) ، يعني : شجرة الحنطة (٢). (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ). فنظرا (٣) إلى منزلة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم ـ عليهم السّلام ـ فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة.

فقالا : ربّنا ، لمن هذه المنزلة؟

فقال الله ـ جلّ جلاله ـ : ارفعا رأسكما (٤) إلى ساق العرش (٥).

فرفعا رؤوسهما ، فوجدا أسماء محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة [بعدهم] (٦) ـ عليهم السّلام ـ مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الله الجبّار ـ جلّ جلاله ـ. [فقالا : يا ربنا ، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك ، وما أحبّهم إليك ، وما أشرفهم لديك؟ فقال الله ـ جلّ جلاله ـ :] (٧) لولاهم ما خلقتكما. هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سرّي. إيّاكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنّيا (٨) منزلتهم عندي ومحلّهم من كرامتي ، فتدخلا (٩) بذلك في نهيي وعصياني (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).

قالا : ربّنا ، ومن الظّالمون؟

قال : المدّعون لمنزلتهم بغير حقّ.

قالا : ربّنا ، فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتّى نراها ، كما رأينا منزلتهم في جنّتك.

فأمر الله ـ تبارك وتعالى ـ النّار ، فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النّكال والعذاب.

وقال ـ عزّ وجلّ ـ : مكان الظّالمين لهم المدّعين لمنزلتهم في أسفل درك منها

__________________

(١) المعاني / ١٠٩ ـ ١١٠ ، ضمن ح ١.

(٢) ب : الحنة.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فنظر.

(٤) المصدر : رءوسكما.

(٥) المصدر : ساق عرشي.

(٦) من المصدر.

(٧) من المصدر.

(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تمنى.

(٩) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فتدخلان.

٥٩

(كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) و (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) بدّلناها (١) سواها (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) الأليم. يا آدم ويا حوّاء ، لا (٢) تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري وأحلّ بكما هواني.

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ، وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ، فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) ، وحملهما على تمنّي منزلتهم. فنظرا إليهم بعين الحسد ، فخذلا حتّى أكلا من شجرة الحنطة. فعاد مكان ما أكلا شعيرا. فأصل الحنطة كلّها ممّا لم يأكلاه. وأصل الشّعير كلّه ممّا عاد مكان ما أكلاه.

فلمّا أكلا من الشّجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما ، وبقيا عريانين (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ. قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).

قال : اهبطا من جواري ، فلا يجاورني في جنّتي من يعصيني. فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.

(قالَ اهْبِطُوا) : الخطاب لآدم وحوّاء وذرّيّتهما ، أو لهما ولإبليس. كرّر الأمر له تبعا ، ليعلم أنّهم قرناء أبدا. وأخبر عمّا قال لهم متفرّقا.

(بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) : في موضع الحال ، أي : متعادين.

(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) : استقرارا ، أو موضع استقرار.

(وَمَتاعٌ) : وتمتّع.

(إِلى حِينٍ) (٢٤) : إلى أن تنقضي آجالكم.

(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) (٢٥) : للجزاء.

وقرأ (٣) حمزة والكسائيّ وابن ذكوان : «ومنها تخرجون». وفي الزّخرف «كذلك تخرجون» (٤) بفتح التّاء وضمّ الرّاء.

(يا بَنِي آدَمَ)

__________________

(١) المصدر : «بدّلوا» بدل «بدّلناها».

(٢) أ : ألا تنظرا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٤٥.

(٤) الزخرف / ١١.

٦٠