تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

وآله ـ. السّاعة يقوم ويقول : قال لي ربيّ.

فلمّا قام ، قال : يا أيها الناس ، من أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا : الله ورسوله.

قال : اللهم ، فاشهد.

ثمّ قال : ألا من كنت مولاه ، فعلي مولاه. وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وأعلم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمقالة القوم.

فدعاهم وسألهم ، فأنكروا وحلفوا. فأنزل الله (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا).

وفي مجمع البيان (١) : نزلت في أهل العقبة. فإنّهم أضمروا أن يقتلوا (٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في عقبة حين مرجعهم من تبوك ، وأرادوا أن يقطعوا أنساع (٣) راحلته ثمّ ينخسوا به. فأطلعه الله على ذلك. وكان من جملة معجزاته. لأنه لا يمكن معرفة ذلك (٤) إلّا بوحي من الله. فبادر (٥) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في العقبة وحده (٦) وعمّار وحذيفة [معه] (٧) ، أحدهما يقود ناقته والآخر يسوقها. وأمر النّاس كلّهم بسلوك بطن الوادي.

وكان الّذين همّوا بقتله اثني عشر رجلا أو خمسة عشر [رجلا على الخلاف فيه] (٨) ، عرفهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وسمّاهم بأسمائهم.

قال : وقال الباقر (٩) ـ عليه السّلام ـ : ثمانية منهم من قريش ، وأربعة من العرب.

أقول : قد مضى بعض هذه القصّة عند تفسير (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) من المائدة ، وعند تفسير (إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) من هذه السورة.

وفي تفسير العيّاشيّ (١٠). عن جابر بن [أرقم ، عن أخيه زيد بن] (١١) أرقم قال : لمّا أقام النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليا ـ عليه السّلام ـ بغدير خمّ وبلّغ فيه عن الله ـ عزّ وجلّ ـ

__________________

(١) المجمع ٣ / ٥١.

(٢) المصدر : «ائتمروا في أن يغتالوا» بدل «أضمروا أن يقتلوا».

(٣) الأتساع ـ جمع تسع ـ : حبل طويل تشدّ به الرّحال.

(٤) المصدر : معرفة مثل ذلك.

(٥) المصدر : فسار.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) من المصدر.

(٨) من المصدر.(٩) المجمع ٣ / ٥١.

(١٠) تفسير العياشي ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، ضمن ح ٨٩. (١١) ليس في المصدر.

٥٠١

ما بلّغ ثمّ نزل ، انصرفنا إلى رحالنا. وكان إلى جانب الخباء النّفر (١) من قريش ، وهم ثلاثة ، ومعي (٢) حذيفة بن اليمان (٣).

فسمعنا أحد الثّلاثة وهو يقول : والله ، انّ محمدا لأحمق ان كان يرى أنّ الأمر يستقيم لعلي من بعده.

وقال آخر : أتجعله أحمق ، ألم تعلم أنّه مجنون قد كاد أن يصرع (٤) عند امرأة ابن أبي كبشة؟

وقال الثّالث : دعواه إن [شاء أن يكون أحمق وإن] (٥) شاء أن يكون مجنونا. والله ، ما يكون ما يقول أبدا.

فغضب حذيفة من مقالتهم ، فرفع جانب الخباء ، فأدخل رأسه إليهم وقال : فعلتموها ورسول الله بين أظهركم ووحي الله ينزل إليكم. والله ، لأخبرنه (٦) بكرة بمقالتكم.

فقالوا له : يا أبا عبد الله ، وإنّك لها هنا وقد سمعت ما قلنا؟ أكتم علينا. فانّ لكلّ جوار أمانة.

فقال لهم : ما هذا من جوار الأمانة ، ولا من مجالسها : ما نصحت الله ورسوله إن أنا طويت عند هذا الحديث.

فقالوا : يا أبا عبد الله ، فاصنع ما شئت. فو الله ، لنحلفنّ إنا لم نقل وانّك قد كذبت علينا. أفتراه يصدقك ويكذبنا ونحن ثلاثة؟

فقال لهم : أما أنا ، فلا أبالي إذا ادّيت النّصيحة إلى الله وإلى رسوله. فقولوا ما شئتم أن تقولوا.

ثم مضى حتى أتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ ـ عليه السّلام ـ إلى

__________________

(١) المصدر : وكان إلى جانب خبائى خباء النفر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «نفر ومعهم» بدل «ومعي».

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «اليماني» بدل «بن اليمان».

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : كان أنّه يصرع.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في ب.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لأخبر.

٥٠٢

جانبه محتب (١) بحمائل سيفه (٢). فأخبره بمقالة القوم. فبعث إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأتوه.

فقال لهم : ما ذا قلتم؟

فقالوا : والله ، ما قلنا شيئا. فإن كنت أبلغت عنّا شيئا ، فمكذوب (٣) علينا.

فهبط جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بهذه الآية «يحلفون ـ إلى قوله ـ بعد إسلامهم».

وقال [عليّ] (٤) ـ عليه السّلام ـ عند ذلك : ليقولوا ما شاءوا ، والله ، إنّ قلبي بين أضلاعي وإن سيفي لفي عنقي ، ولإن همّوا ، لأهمنّ.

فقال جبرئيل ـ عليه السّلام ـ للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اصبر للأمر (٥) الّذي هو كائن.

فأخبر النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليا ـ عليه السّلام ـ بما أخبره به جبرئيل.

فقال : إذا أصبر للمقادير.

عن جعفر بن محمّد الخزاعيّ (٦) ، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : لمّا قال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما قال في غدير خم وصار بالأخبية (٧) ، مرّ المقداد بجماعة منهم يقولون : إذا دنا موته وفنيت أيّامه وحضر أجله ، أراد أن يولّينا عليا من بعده.

أما والله ، ليعلمنّ.

قال : فمضى المقداد وأخبر النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ به.

فقال : الصّلاة جامعة.

فقالوا : قد رمانا المقداد ، فقوموا نحلف عليه.

قال : فجاءوا حتى جثوا بين يديه ، فقالوا : بآبائنا وأمّهاتنا يا رسول الله ، والذي (٨) بعثك بالحقّ والّذي أكرمك بالنّبوة ، ما قلنا ما بلغك والذي (٩) اصطفاك على

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : «جانب المخباء» بدل «جانب محتب».

(٢) ليس في أ ، ب : بحمائل سيفه.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : فكذوب.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «أخبر الأمر» بدل «اصبر للأمر».

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، ح ٩٠ ، لخص المؤلف الخبر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : بالأخبتية.

(١ و ٩) ـ المصدر : لا والّذي.

٥٠٣

البشر.

قال : فقال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بسم الله الرّحمن الرّحيم (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا) بك ، يا محمّد ، ليلة العقبة.

(وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ).

كان أحدهم يبيع الرّؤوس وآخر يبيع الكراع ويفتل القرامل (١) ، فأغناهم الله برسوله. ثمّ [جعلوا] (٢) حدّهم وحديدهم عليه.

قال أبان بن تغلب (٣) [عنه] (٤) : لمّا نصب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليا ـ عليه السّلام ـ يوم غدير خم فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، قال رجلان من قريش وسمّاهما : والله ، لا نسلّم له ما قال أبدا.

فأخبر النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فسألهما عمّا قالا ، فكذبا وحلفا بالله ما قالا شيئا.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) (الآية).

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لقد تولّيا وماتا (٥).

(وَما نَقَمُوا) : وما أنكروا. أو ما وجدوا ما يورث نقمتهم.

(إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ).

قد مرّ تفسيره في ذيل الحديث السابق.

والاستثناء مفرغ من أعمّ المفاعيل ، أو العلل.

(فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ).

الضّمير في «يك» للتّوب.

(وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) : بالإصرار على النّفاق.

(يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) : بالقتل والنّار.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقتل القوامل.

والقرامل : ما تسدّ المرأة في شعرها من الخيوط.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ١٠٠ ، ح ٩١.

(٤) من المصدر ويوجد المعقوفتان فيه أيضا.

(٥) المصدر : ما تابا.

٥٠٤

(وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٧٤) : فينجيهم من العذاب.

(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٧٥).

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : هو ثعلبة من حاطب (٢) بن عمرو بن عوف ، كان محتاجا ، فعاهد الله ـ عزّ وجلّ ـ. فلمّا آتاه ، بخل به.

وفي الجوامع (٣) : هو ثعلبة بن حاطب. قال : يا رسول الله ، ادع الله أن يرزقني مالا.

فقال : يا ثعلبة ، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه.

فقال : والّذي بعثك بالحق ، لئن رزقني الله مالا لأعطين كلّ ذي حقّ حقّه.

فدعا له ، فاتّخذ غنما ، فنمت ، كما ينمي (٤) الدّود حتّى ضاقت بها المدينة.

فنزل واديا وانقطع عن الجماعة والجمعة. فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إليه المصّدق ، ليأخذ الصّدقة. فأبى وبخل ، وقال : ما هذه إلّا أخت الجزية.

فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا ويح ثعلبة.

وفي مجمع البيان (٥) ، روي ذلك مرفوعا.

(فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) : منعوا حقّ الله منه.

(وَتَوَلَّوْا) : عن طاعة الله.

(وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٧٦) : وهم قوم عادتهم الإعراض عنها.

(فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) ، أي : فجعل الله عاقبا فعلهم ذلك نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم.

ويجوز أن يكون الضمير للبخل. والمعنى : فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم.

(إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) : يلقون الله بالموت. أو يلقون عملهم ، أي : جزاءه ، وهو يوم القيامة.

وفي كتاب التّوحيد (٦). عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢.

(٢) كما في جامع الرواة ١ / ١٤٠ ، وفي المصدر : ثعلبة بن خاطب.

(٣) الجوامع / ١٨٣.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ثمّ.

(٥) المجمع ٣ / ٥٣.

(٦) التوحيد / ٢٦٧.

٥٠٥

وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات : وذكره (١) المؤمنين (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (٢). وقوله لغيرهم : (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ).

إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : فاللّقاء ها هنا ، ليس بالرّؤية. واللّقاء : هو البعث.

فافهم جميع ما في كتاب الله من لقائه ، فإنّه يعني بذلك : البعث.

(بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) : بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصديق والصلاح.

(وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٧٧) : وبكونهم كاذبين فيه. فإنّ خلف الوعد متضمن للكذب ، مستقبح من الوجهين. أو المقال مطلقا.

وقرئ (٣) : «يكذّبون» بالتشديد.

وفي كتاب الخصال (٤) : عن عبد الله بن مسعود ، عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : أربع من كنّ فيه ، فهو منافق. فان كانت فيه واحدة منهنّ ، كان فيه خصلة من النّفاق حتى يدعها ، من إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر.

وفي مجمع البيان (٥) : وقد صحّ في الحديث عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنه قال : للمنافق ثلاث علامات : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان.

(أَلَمْ يَعْلَمُوا) : أي : المنافقون. أو من عاهد الله.

وقرئ (٦) ، بالتّاء ، على الالتفات.

(أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ) : ما أسرّوه في أنفسهم من النّفاق ، أو العزم على الأخلاف.

(وَنَجْواهُمْ) : وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن. أو تسمية الزكاة : جزية.

(وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٧٨) : فلا يخفى عليه ذلك.

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) ، أي : يعيبون.

ذمّ مرفوع ، أو منصوب ، أو بدل من الضّمير في «سرّهم».

__________________

(١) المصدر : ذكر الله.

(٢) البقرة / ٤٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٥.

(٤) الخصال / ٢٥٤ ، ح ١٢٩.

(٥) المجمع ٣ / ٥٤.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٥.

٥٠٦

وقرئ (١) : «يلمزون» بالضّمّ.

(الْمُطَّوِّعِينَ) : المتطوّعين.

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) : إلّا طاقتهم ، فيتصدّقون بالقليل.

وفي مجمع البيان (٢) : أنّه سئل ، فقيل : يا رسول الله ، أيّ الصدقة أفضل؟

قال : جهد المقلّ (٣).

وقرئ (٤) : بالفتح. وهو مصدر جهد في الأمر ، إذا بالغ فيه.

(فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) : يستهزئون بهم.

(سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) : جازاهم على سخريتهم ، كقوله : «الله يستهزئ بهم».

وفي عيون الأخبار (٥) ، بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضّال [عن أبيه] (٦) عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنه قال في كلام طويل : إنّ الله ـ تعالى ـ لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ، ولكنّه ـ تعالى ـ يجازيهم جزاء السّخرية وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر والخديعة. تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.

(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٩) : على كفرهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : جاء سالم بن عمير الأنصاري بصاع من تمر ، فقال : يا رسول الله ، كنت ليلتي أجر (٨) الجرير ، حتى عملت بصاعين من تمر. فأمّا إحداهما ، فأمسكته. وأما الآخر ، فأقرضته ربي.

فأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ينشره في الصدقات. فسخر منه المنافقون ، فقالوا : والله ، وإنّ الله لغنيّ عن هذا الصّاع. ما يصنع الله بصاعه شيئا. ولكن

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) المجمع ٣ / ٥٥.

(٣) قال الجزريّ في النهاية : جهد المقل أي : قدر ما يحتمله حال القليل المال.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٥.

(٥) العيون ١ / ١٢٦ ، ذيل ح ١٩.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير القمي ١ / ٣٠٢ باختلاف في بعض الألفاظ.

(٨) قال الجزريّ في النهاية : وفي الحديث : أنّ رجلا كان يجرّ الجرير ، فأصاب صاعين من تمر ، فتصدّق بأحدهما ، يريد : أنّه كان يستقي الماء بالحبل.

٥٠٧

أبا عقيل أراد أن يذكر نفسه ، ليعطي من الصّدقات. فنزلت.

وفي تفسير العياشي (١) : عن أبي الجارود ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ذهب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فآجر نفسه على أن يسقي كلّ دلو بتمرة يخيارها (٢). فأتى به النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعبد الرّحمن بن عوف [على الباب] (٣). فلمزه ، أي : وقع فيه. فأنزلت هذه الآية.

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) : يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم ، كما نصّ عليه بقوله : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).

قيل (٤) : إنّ الوجه في تعليق الاستغفار (٥) بسبعين مرة ، المبالغة لا العدد المخصوص.

ويجرى ذلك مجرى قول القائل : لو قلت لي ألف مرّة ما قبلت. والمراد : أني لا أقبل منك ، فكذا الآية. المراد فيها : نفي الغفران جملة.

وما روي عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : «والله ، لأزيدنّ على السّبعين»

فإنّه خبر واحد لا يعوّل عليه ، ولا (٦) يتضمّن أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يستغفر الكفّار ، وذلك غير جائز بالإجماع.

وقد (٧) روي أنّه قال : لو علمت أنّه لو زدت على السبعين مرّة لغفر لهم ، لفعلت.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : أنّها نزلت لمّا رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى المدينة ، ومرض عبد الله بن ابيّ ، وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمنا. فجاء إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأبوه يجود بنفسه.

فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، إنّك إن لم تأت أبي كان ذلك عارا علينا.

فدخل عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمنافقون عنده.

فقال ابنه عبد الله بن عبد الله : يا رسول الله ، استغفر له.

فاستغفر له.

فقال عمر : ألم ينهك الله ، يا رسول الله ، أن تصلّي عليهم أو تستغفر لهم؟

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٠١ ، ح ٩٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : بخيارها.

(٣) من المصدر.

(٤) المجمع ٣ / ٥٥.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الاستثناء.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : «لأنّه» بدل «لا».

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «كذا ما» بدل «قد».

(٨) تفسير القمي ١ / ٣٠٢.

٥٠٨

فأعرض عنه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فأعاد عليه.

فقال له : ويلك ، إنّي خيّرت فاخترت. إنّ الله يقول : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).

فلما مات عبد الله ، جاء ابنه إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله ، إن رأيت أن تحضر جنازته.

فحضر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقام على قبره.

فقال عمر : يا رسول الله ، ألم ينهك الله أن تصلي على أحد منهم [مات] (١) أبدا وأن تقيم (٢) على قبره؟

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ويلك ، وهل تدري ما قلت؟ إنّما قلت : اللهم ، احش قبره نارا وجوفه [نارا] (٣). وأصله النّار.

فبدا من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما لم يكن يحبّ.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) : إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منّا ولا قصور فيك ، بل لعدم قابليّتهم بسبب الكفر الصّارف عنها.

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) : (٨٠) : المتمردين في كفرهم.

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) : بقعودهم عن الغزو خلفه.

يقال : أقام خلاف الحيّ ، أي بعدهم.

ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة ، فيكون انتصابه على العلة أو الحال.

(وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : إيثارا للدّعة ، والخفض على طاعة الله. وفيه تعريض بالمؤمنين الّذين آثروا عليها تحصيل رضاه ، ببذل الأموال والمهج.

(وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) : قاله بعضهم لبعض. أو قالوا للمؤمنين ، تثبيطا.

(قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) : وقد آثرتموها بهذه المخالفة.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : تقوم.

(٣) من المصدر.

٥٠٩

(لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٨١) : أنّ مآبهم إليها. أو أنّها كيف هي ما اختاروها بإيثار الدّعة على الطّاعة.

(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) : إمّا على ظاهر الأمر ، وإمّا إخبار عمّار يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة. أخرجه على صيغة الأمر ، للدّلالة على أنه حتم واجب.

ويجوز أن يكون الضّحك والبكاء كنايتين عن السّرور والغمّ. والمراد من القلّة : العدم.

وفي مجمع البيان (١) : وروى أنس بن مالك ، عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

(جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٢) : من الكفر والنّفاق والتخلّف.

(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) : فإن ردك إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلّفين ، يعني : منافقيهم. فإنّ كلّهم لم يكونوا منافقين. أو من بقي منهم. وكان المتخلّفون اثني عشر رجلا.

(فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) : إلى غزوة أخرى بعد تبوك.

(فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) : إخبار في معنى النّهي ، للمبالغة.

(إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : تعليل له. وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم في تخلّفهم. وأوّل مرة ، هي الخرجة إلى غزوة تبوك.

(فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٨٣) ، أي : المتخلّفين لعدم لياقتهم للجهاد ، كالنّساء والصّبيان.

وقرئ (٢) : «مع الخلفين» على قصر «الخالفين».

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) : بأن تدعو له وتستغفر.

(وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) : للدّعاء.

وفي مجمع البيان (٣) : فإنّه ـ عليه السّلام ـ كان إذا صلّى على ميّت ، يقف على قبره ساعة ويدعو له. فنهاه الله عن الصلاة على المنافقين ، والوقوف على قبرهم (٤) ،

__________________

(١) المجمع ٣ / ٥٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٦.

(٣) المجمع ٣ / ٥٧.

(٤) المصدر : قبورهم.

٥١٠

والدّعاء لهم. ثمّ بيّن سبب الأمرين [فقال : (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (الآية)] (١).

(إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) (٨٤).

في تفسير العيّاشيّ (٢) : عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال لابن عبد الله بن أبيّ : إذا فرغت من أبيك فأعلمني.

وكان قد توفي. فأتاه ، فأعلمه. فأخذ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نعليه للقيام.

فقال له عمر : أليس قد قال الله ـ تعالى ـ : «ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره»؟

فقال له : ويحك ـ أو ويلك ـ إنّما أقول : اللهم ، املأ قبره نارا واملأ جوفه نارا وأصله يوم القيامة نارا.

عن حنان بن سدير (٣) ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : توفي رجل من المنافقين. فأرسل [رسول الله] (٤) إلى ابنه : أن إذا أردتم أن تخرجوا ، فاحضروني. فلمّا حضر أمره ، أرسلوا إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأقبل ـ صلّى الله عليه وآله ـ نحوهم ، حتّى أخذ بيد ابنه في الجنازة فمضى.

فتصدى له عمر ، ثمّ قال : أما نهاك ربّك عن هذا أن تصلي على أحد منهم مات أبدا أو تقوم على قبره؟

فلم يجبه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلما كان قبل أن ينتهوا به إلى القبر ، أعاد عمر ما قاله أوّلا.

فقال النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعمر عند ذلك : ما رأيتنا صلينا له (٥) على جنازة ولا قمنا له على قبر.

ثمّ قال : إن ابنه رجل من المؤمنين وكان يحقّ علينا أداء حقّه.

فقال عمر : أعوذ بالله من سخط الله وسخطك ، يا رسول الله.

واعلم أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان حييا كريما ، كما قال الله

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٠١ ، ح ٩٤.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٠٢ ، ح ٩٥.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : به.

٥١١

ـ عزّ وجلّ ـ : (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) (١). فكان يكره أن يفتضح رجل من أصحابه ممّن يظهر الإيمان. وكان يدعو على المنافقين ويوري (٢) أنه يدعوا لهم. وهذا معنى قوله لعمر : ما رأيتنا صلّينا له على جنازة ولا قمنا له على قبر. وكذا معنى قوله في حديث عليّ بن إبراهيم : خيّرت فاخترت. فورّى ـ عليه السّلام ـ باختيار الاستغفار.

وأمّا قوله فيه : «فاستغفر له» فلعلّه استغفر لابنه لمّا سأل لأبيه الاستغفار ، وكان يعلم أنّه من أصحاب الجحيم. ويدلّ على ما قلناه قوله ـ عليه السّلام ـ : فبدا من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما لم يكن يحبّ.

هذا ان صحّ حديث عليّ بن إبراهيم ، فإنّه لم يستند إلى المعصوم. والاعتماد على حديث العيّاشيّ هنا أكثر منه على حديث عليّ بن إبراهيم ، لاستناده إلى قول المعصوم دونه. لأنّ سياق كلام عليّ بن إبراهيم تارة يدل على أنّه كان سبب نزول الآية قصّة ابن أبي ، وأخرى يدلّ على أنّ نزولها قبل ذلك.

وفي الكافي (٣) : عن الصادق ـ عليه السّلام ـ : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يكبّر على قوم خمسا ، وعلى قوم آخرين أربعا. فإذ كبّر على رجل أربعا ، اتّهم ، يعنى : بالنّفاق.

وفيه (٤) ، وفي تفسير العيّاشي (٥) : عنه ـ عليه السّلام ـ : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا صلّى على ميّت كبّر وتشهد ، ثم كبّر وصلّى على الأنبياء [ودعا] (٦) ، ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين ، ثمّ كبّر الرابعة ودعا للميت ، ثمّ كبّر وانصرف. فلمّا نهاه الله ـ عزّ وجلّ ـ عن الصلاة على المنافقين كبّر وتشهد ، ثمّ كبر وصلّى على النبيين ، ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين ، ثمّ كبّر الرّابعة وانصرف. ولم يدع للميت.

(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا) :

__________________

(١) الأحزاب / ٣٥.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «المنافق ويدري» بدل «المنافقين ويوري» وورّيت الخبر تورية : إذا سترته وأظهرت غيره ، حيث يكون للّفظ معنيان أحدهما أشيع من الآخر فتنطق به وتريد الخفيّ.

(٣) الكافي ٣ / ١٨١ ، ح ٢.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ١٠٢ ، ذيل ح ٩٦ ببعض الاختلاف.

(٦) من الكافي.

٥١٢

بما يلحقهم فيها من المصائب والغموم ، وبما يشقّ عليهم إخراجها من الزكاة والإنفاق في سبيل الله.

(وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٨٥) : تكرير للتّأكيد ، والأمر حقيق به. فإنّ الأبصار طامحة إلى الأموال والأولاد والنّفوس ، مغبوطة عليها.

ويجوز أن يكون هذه في فريق غير الأوّل.

وفي أصول (١) الكافي (٢) : أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي أميّة ، يوسف بن ثابت ، بن (٣) أبي سعيدة قال : دخل قوم على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

فقالوا لمّا دخلوا عليه : إنّا أحببناكم لقرابتكم من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولما أوجب الله علينا من حقّكم. ما أحببناكم لدنيا نصيبها منكم ، إلّا لوجه الله ـ تعالى ـ وللدّار الآخرة وليصلح امرؤ منا دينه.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : صدقتم [صدقتم ، ثمّ قال] (٤) من أحبّنا ، كان معنا ـ أو قال : ـ جاء معنا يوم القيامة هكذا. ثمّ جمع بين السّبابتين.

ثمّ قال : والله ، لو أنّ رجلا صام النّهار وقام اللّيل ثمّ لقي الله ـ عزّ وجلّ ـ بغير ولايتنا ، أهل البيت ، للقيه وهو عنه غير راض ـ أو قال : ـ ساخط عليه.

ثمّ قال : وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ* وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٥)

وهذا الخبر يدلّ بصريحه على كفر من أنكر الولاية ، وإن أقرّ بما سواها وعبد ما عبد ، كما قدّمنا لك بيانه مرارا.

(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) : من القرآن. ويجوز بها عن بعضها ، كما في القرآن

__________________

(١) بل في روضة الكافي.

(٢) الكافي ٨ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ، ح ٨٠.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «عن» بدل «بن».

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : «وما منعهم أن تقبل منهم ... وهم كافرون. (التوبة / ٥٤ ـ ٥٥) بدل وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : ولا تصلّ على أحد منهم ... وهم كافرون (التوبة / ٨٤ ـ ٨٥)

٥١٣

والكتاب.

وقيل (١) : هي براءة (٢) ، لأنّ فيها الأمر بالإيمان والجهاد.

(أَنْ آمِنُوا بِاللهِ) : بأن آمنوا. ويجوز أن تكون «أن» المفسرة.

(وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) : ذو الفضل والسعة. من طال عليه ، طولا.

(وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) (٨٦) : الّذين قعدوا لعذر.

(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) : مع النّساء. جمع ، خالفة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : النساء (٤).

وقد يقال : الخالفة ، للّذي لا خير فيه.

(وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (٨٧) : ما في الجهاد وموافقة الرّسول من السّعادة ، وما في التّخلّف عنه من الشّقاوة.

(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، أي : إن تخلّف هؤلاء ولم يجاهدوا ، فقد جاهد من هو خير منهم.

(وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) : منافع الدّارين ، النصر والغنيمة في الدّنيا ، والجنّة والكرامة في الآخرة.

وقيل (٥) : الحور ، لقوله : «فيهنّ خيرات حسان». وهي جمع ، خيرة. تخفيف ، خيّرة.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٨٨) : الفائزون بالمطالب.

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٨٩) : بيان لما لهم من الخيرات الأخرويّة.

(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) قيل (٦) : يعني : أسدا وغطفان ، استأذنوا في التّخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال.

وقيل (٧) : هم رهط عامر بن الطفيل ، قالوا : إن غزونا معكم ، أغارت أعراب طيء

__________________

(١) الكشاف ٢ / ٢٠٧.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قراءة.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ١٠٣ ، ح ٩٧.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «مع نساء» بدل «النساء».

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٧.

(١ و ٧) ـ نفس المصدر والموضع.

٥١٤

على أهالينا ومواشينا.

و «المعذّر» إمّا من عذر في الأمر : إذا قصّر فيه ، موهما أن له عذرا ولا عذر له. أو من اعتذر : إذا مهّد العذر. بإدغام التّاء في الذال ، ونقل حركتها إلى العين. ويجوز في العربيّة (١) كسر العين لالتقاء السّاكنين ، وضمّها للإتباع. لكن لم يقرأ بهما.

وقرأ (٢) يعقوب : «معذورون». من أعذر : إذا اجتهد في العذر.

وقرئ (٣) : «المعذّرون» بتشديد العين والذال ، على أنه من تعذّر ، بمعنى : اعتذر.

وهو لحن ، إذ التّاء لا تدغم في العين.

وقد اختلف في أنّهم كانوا معتذرين بالتصنّع ، أو بالصّحة. فيكون قوله : (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في غيرهم ، وهم منافقوا الأعراب كذبوا الله ورسوله في ادّعاء الإيمان. وإن كانوا هم الأولين ، فكذبهم بالاعتذار.

(سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) : من الأعراب ، أو المعذّرين. فإنّ منهم من اعتذر لكسله ، لا للكفر.

(عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩٠) : بالقتل والنّار.

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) ، كالهرمى والزمنى.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن عبد الرّحمن بن حرب قال : لمّا أقبل النّاس مع أمير المؤمنين علّي ـ عليه السّلام ـ من صفّين ، أقبلنا معه (٥). حتّى إذا جزنا النخيلة ورأينا أبيات الكوفة ، إذا شيخ جالس في ظلّ بيت وعلى وجهه أثر المرض. فأقبل إليه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ونحن معه حتّى سلّم عليه وسلّمنا معه ، فردّ بنا حسنا (٦). فقال له أمير المؤمنين : فهل شاهدت (٧) معنا غزانا (٨) هذه؟

فقال : لا. لقد أردتها ، ولكن ما نزل في طلب حتّى (٩) الحمى خذلتني (١٠) عنها.

__________________

(١) ليس في المصدر : في العربيّة.

(١ و ٣) ـ نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ١٠٣ ـ ١٠٤ ، مقاطع من ح ٩٩.

(٥) المصدر : أقبلنا معه فأخذ طريقا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه حتّى الخ.

(٦) المصدر : فرد ردّا.

(٧) المصدر : شهدت.

(٨) المصدر : غزاتنا.

(٩) المصدر : «ولكن ما ترى من لجب» بدل «ولكن ما نزل في طلب حتّى».

(١٠) المصدر : خذلني.

٥١٥

فقال أمير المؤمنين : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ) (إلى آخر الآية)

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) : لفقرهم ، كجهينة ومزينة وبني عذرة.

(حَرَجٌ) : إثم في التأخر.

(إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) : بالإيمان والطّاعة في السّر والعلانية ، كما يفعل الموالي النّاصح. أو بما قدروا عليه فعلا أو قولا ، يعود على الإسلام والمسلمين بالصّلاح.

وفي كتاب الخصال (١) : عن تميم الدّارمي (٢) قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من يضمن لي خمسا (٣) ، أضمن له الجنّة.

قال : وما هي ، يا رسول الله؟

قال : النّصيحة لله ـ عزّ وجلّ ـ والنصيحة لرسوله ، والنّصيحة لكتاب الله ، والنصيحة لدين الله ، والنصيحة لجماعة المسلمين.

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ، أي : ليس عليهم جناح ، ولا إلى معاتبتهم سبيل.

وإنّما وضع «المحسنين» موضع الضّمير ، للدّلالة على أنّهم منخرطون في سلك المحسنين غير معاتبين لذلك.

وفي كتاب من لا يحضره الفقيه (٤) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا. فأمّا التّائبون ، فإن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩١) : لهم. أو للمسيء ، فكيف للمحسن.

(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) ، يعني : معك. عطف على «الضعفاء» أو على «المحسنين».

(قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) : حال من «الكاف» في «أتوك» بإضمار

__________________

(١) الخصال / ٢٩٤ ، ح ٦٠.

(٢) المصدر : تميم الداريّ.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ضمانا» بدل «خمسا».

(٤) الفقيه ٣ / ٣٧٦ ، ح ١٧٧٨.

٥١٦

«قد».

(تَوَلَّوْا) : جواب «إذا».

(وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ) : تسيل.

(مِنَ الدَّمْعِ) : أي : دمعا. فإنّ «من» للبيان. وهي مع المجرور في محلّ النصب ، على التّمييز. وهو أبلغ من : يفيض دمعها ، لأنّه يدل على أنّ العين صارت دمعا فياضا.

(حَزَناً) : نصب على العلّة. أو الحال. أو المصدر ، لفعل دلّ عليه ما قبله.

(أَلَّا يَجِدُوا) ، أي : لئلا يجدوا. متعلّق «بحَزَناً» أو «تفيض».

(ما يُنْفِقُونَ) (٩٢) : في مغزاهم.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن الحلبيّ وزرارة ، عن حمران ومحمّد بن مسلم (٢) ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) (الآية).

قال : عبد الله بن يزيد (٣) [بن] (٤) ورقاء الخزاعيّ أحدهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، في قصة غزوة تبوك. وجاء البكاؤون إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهم سبعة نفر : من بني عمرو بن عوف ، بن (٦) سالم بن عمير ، قد شهد بدرا لا خلاف فيه. ومن بني واقف ، هرمي (٧) بن عمير. ومن بني حارثة (٨) ، علية بن زيد. وهو الّذي تصدّق بعرضه ، وذلك أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمر بالصّدقة ، فجعل النّاس يأتون بها.

فجاء علية ، فقال : يا رسول الله ، [والله] (٩) ما عندي ما أتصدق به. وقد جعلت عرضي حلّا.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٠٥ ، ذيل ح ١٠٠.

(٢) المصدر : [عن الحلبي] عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم.

(٣) في حاشية نور الثقلين ٣ / ٢٥٣ : كذا في النسخ ، لكنّ الصحيح «بديل» بدل «يزيد» ويمكن التصحيف أيضا.

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٩٣.

(٦) ليس في المصدر : بن.

(٧) بعض نسخ المصدر : هدمي.

(٨) المصدر : بني جارية.

(٩) من المصدر.

٥١٧

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قد قبل الله صدقتك.

ومن بني مازن بن النّجار ، أبو ليلى ، عبد الرّحمن بن كعب. ومن بني سلمة ، عمرو بن غنيمة (١). ومن بني زريق ، مسلمة بن صخر (٢). ومن بني المعز ، ماضرة بن سارية السّلميّ ، هؤلاء جاءوا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يبكون. فقالوا : يا رسول الله ، ليس بنا قوة أن نخرج معك.

فأنزل الله ـ تعالى ـ فيهم (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ـ إلى قوله ـ أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ).

قال : وإنّما سأل هؤلاء البكّاؤون نعلا (٣) يلبسونها.

وقيل (٤) : هم بنو مقرن ، معقل وسويد ونعمان.

وقيل (٥) : أبو موسى وأصحابه.

(إِنَّمَا السَّبِيلُ) : بالمعاتبة.

(عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) : واجدون للأهبة.

(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) : استئناف لبيان ما هو السّبب ، لاستئذانهم من غير عذر. وهو رضاهم بالدّناءة والانتظام في جملة الخوالف ، إيثارا للدّعة.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : و (٧) المستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتّى.

و «الخوالف» النّساء.

(وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) : حتّى غفلوا عن وخامة العاقبة.

(فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٩٣) : مغبّته.

(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) : في التّخلّف.

(إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) : من هذه السّفرة.

(قُلْ لا تَعْتَذِرُوا) : بالمعاذير الكاذبة.

(لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) : لم نصدقكم ، لأنّه (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) : أعلمنا

__________________

(١) المصدر : عمرو بن غنمة.

(٢) المصدر : سلمة بن صخر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فلا» بدل «نعلا».

(١ و ٥) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٢٨.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٩٣.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «النفرة» بدل «و».

٥١٨

بالوحي إلى نبيّه بعض أخباركم ، وهو ما في ضمائركم من الشّرّ والفساد.

(وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).

قيل (١) : أي : تتوبون عن الكفر (٢) أم تثبتون عليه. فكأنّه استتابه وإمهال للتّوبة.

(ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ، أي : إليه. فوضع الوصف موضع الضّمير ، للدّلالة على أنه مطلع على سرّهم وعلنهم ، ولا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم وأعمالهم.

(فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٤) : بالتّوبيخ والعقاب عليه.

(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) : فلا تعاتبوهم.

(فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) : فلا توبّخوهم.

(إِنَّهُمْ رِجْسٌ) : لا ينفع فيهم التّأنيب. فإنّ المقصود منه : التّطهير ، بالحمل على الإنابة ، وهؤلاء أرجاس لا تقبل التّطهير. فهو علّة الإعراض ، وترك المعاتبة.

(وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) : من تمام التّعليل ، كأنّه قال : إنّهم أرجاس من أهل النّار ، لا ينفع فيهم التّوبيخ في الدّنيا والآخرة. أو تعليل ثان ، والمعنى : أنّ النّار كفتهم عتابا ، فلا تتكلّفوا عتابهم.

(جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٩٥) : يجوز أن يكون مصدرا ، وأن يكون علّة.

(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) : بحلفهم ، فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم.

(فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٩٦) ، أي : فإنّ رضاكم لا يستلزم رضا الله ، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه ، وإن أمكنهم أن يلبسوا عليكم لا يمكنهم أن يلبسوا على الله ، فلا يهتك سترهم ولا ينزل الهوان بهم.

والمقصود من الآية : النهي عن الرّضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم ، بعد الأمر بالإعراض وعدم الالتفات نحوهم.

وفي مجمع البيان (٣) : عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ [أنه قال] (٤) من التمس رضا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٨.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أتبنون على الكفر.

(٣) المجمع ٣ / ٦١.

(٤) من المصدر.

٥١٩

الله بسخط النّاس ، رضي الله عنه وأرضى عنه النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط الله ، سخط الله عليه وأسخط عليه النّاس.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : لمّا قدم النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ من تبوك ، كان أصحابه المؤمنون يتعرّضون للمنافقين ويؤذونهم. وكانوا يحلفون لهم أنهم على الحقّ وليس هم بمنافقين ، لكي يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم. فأنزل الله (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ) (الآية).

(الْأَعْرابُ) : أهل البدو.

(أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) : من أهل الحضر. لتوحشهم ، وقساوتهم ، وعدم مخالطتهم لأهل العلم ، وقلّة استماعهم للكتاب والسنّة.

(وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا) : وأحقّ بإن لا يعلموا.

(حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) : من الشرائع ، فرائضها وسننها.

(وَاللهُ عَلِيمٌ) : يعلم كلّ واحد من أهل الوبر والمدر.

(حَكِيمٌ) (٩٧) : فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ، عقابا وثوابا.

وفي روضة الكافي (٢) : سهل ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة (٣) ، عن إسحاق بن عمّار أو غيره قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : نحن بنو هاشم ، وشيعتنا العرب ، وسائر النّاس الأعراب.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن محمد بن عبد الرّحمن (٥) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : تفقّهوا في الدّين. فإنه من لم يتفقه منكم في الدّين ، فهو أعرابيّ. إنّ الله يقول في كتابه (٦) : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

الحسين بن محمّد (٧) ، عن جعفر بن محمّد ، عن القاسم بن الرّبيع ، عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : عليكم بالتفقه في الدّين ، ولا تكونوا

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٢) الكافي ٨ / ١٦٦ ، ح ١٨٣.

(٣) كذا في المصدر. وجامع الرواة ١ / ٤٧٦. وفي النسخ : عبد الرحمن بن جبلة.

(٤) الكافي ١ / ٣١ ، ح ٦.

(٥) المصدر : «عبد الله» بدل «عبد الرحمن».

(٦) المصدر : [في كتابه].

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعرابيا.

٥٢٠