تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

ـ عليه السّلام ـ عن يوم الحجّ الأكبر.

فقال : هو يوم النّحر. و «الأصغر» العمرة.

أبي (١) ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «الحجّ الأكبر» يوم الأضحى.

[حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه الله ـ قال :] (٢) حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ، مثل ذلك.

أبي (٣) ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن الحسين ، عن حمّاد بن عيسى ، عن شعيب ، عن أبي بصير والنضر ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «الحجّ الأكبر» يوم الأضحى.

وفي الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن يوم الحجّ الأكبر.

فقال : هو يوم النّحر. و «الأصغر» العمرة.

أبو عليّ الأشعري (٥) ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ذريح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «[الحجّ] (٦) الأكبر» يوم النّحر.

عليّ بن إبراهيم (٧) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اذينة قال : كتبت إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمسائل ، إلى قوله : وسألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : «الحجّ الأكبر» ، ما يعني ب «الحج الأكبر»؟

فقال : «الحجّ الأكبر» الوقوف بعرفة ، ورمي الجمار. و «الحجّ الأصغر» العمرة.

(أَنَّ اللهَ) ، أي : بأنّ الله.

(بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، أي : من عهودهم.

(وَرَسُولِهِ) : عطف على المستكنّ في «بريء». أو على محل «أن» واسمها في

__________________

(١) المعاني / ٢٩٥.

(٢) من المصدر.

(٣) المعاني / ٢٩٦.

(١ و ٥) ـ الكافي ٤ / ٢٩٠.

(٦) من المصدر.

(٧) الكافي ٤ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٤٠١

قراءة من كسرها ، إجراء للأذن مجرى القول.

وقرئ ، بالنصب ، عطفا على اسم «أنّ». أو لأنّ الواو بمعنى : مع. ولا تكرير فيه ، فإن قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام. ولذلك علّقه بالنّاس ، ولم يخصّه بالمعاهدين.

وفي مجمع البيان (١) : قال : وقد روى عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديثا طويلا. روي أنّه لمّا نادى فيهم : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [أي : كلّ مشرك] (٢).

قال المشركون : نحن نتبرأ (٣) من عهدك وعهد ابن عمّك.

(فَإِنْ تُبْتُمْ) : من الكفر والغدر.

(فَهُوَ) : فالتّوب.

(خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) : عن التوبة. أو ثبتم (٤) على التّولي عن الإسلام والوفاء.

(فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) : لا تفوتونه طلبا ، ولا تعجزونه هربا في الدّنيا.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣) : في الآخرة.

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : استثناء من المشركين. أو استدراك ، فكأنه قيل لهم بعد أن أمروا بنبذ العهد إلى النّاكثين : ولكنّ الّذين عاهدوا منهم.

(ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) : من شروط العهد ، ولم ينكثوه. أو لم يقتلوا منكم ، ولم يضروكم قطّ.

(وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) : من أعدائكم.

(فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) : إلى تمام مدّتهم. ولا تجروهم مجرى النّاكثين ، ولا تجعلوا الوفيّ مجرى الغادر.

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٤) : تعليل وتنبيه على إتمام عهدهم ، من باب التقوى.

(فَإِذَا انْسَلَخَ) : انقضى. وأصل الانسلاخ : خروج الشيء ممّن لابسه. من

__________________

(١) المجمع ٣ / ٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : ورسوله.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : نبرأ

(٤) ح : تثبّتم.

٤٠٢

سلخ الشّاة.

(الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) : الّتي أبيح للنّاكثين أن يسيحوا فيها.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : هي يوم النحر إلى عشر مضين من شهر ربيع الآخر.

(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) : النّاكثين.

(حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) : من حلّ وحرم.

(وَخُذُوهُمْ) : وأسروهم. والأخيذ : الأسير.

(وَاحْصُرُوهُمْ) : واحبسوهم ، وحيلوا بينهم وبين المسجد الحرام.

(وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) : كلّ ممّر ومرصد يرصدونهم ، لئلّا يتبسّطوا في البلاد.

(فَإِنْ تابُوا) : عن الشّرك بالإيمان.

(وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) : تصديقا لتوبتهم وإيمانهم.

(فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) : فدعوهم ، ولا تتعرّضوا لهم بشيء.

(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) : تعليل للأمر ، أي : فخلوهم ، لأنّ الله غفور رحيم ، غفر لهم ما سلف ووعد لهم الثّواب بالتّوبة.

وفي كتاب الخصال (٢) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل. وفيه : «منها أربعة حرم» رجب نص الّذي بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم.

وعن محمّد بن أبي عمير (٣) ، حديث يرفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ. وفيه : «منها أربعة حرم» عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول ، وعشر من ربيع الآخر.

وفي تهذيب الأحكام (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وكان السّائل من محبينا.

فقال له أبي : إنّ الله ـ تعالى ـ بعث محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بخمسة أسياف ،

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٧.

(٢) الخصال / ٤٨٧.

(٣) الخصال / ٤٨٨.

(٤) التهذيب ٤ / ١١٥.

٤٠٣

ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها. فإذا طلعت الشّمس من مغربها ، آمن النّاس كلّهم في ذلك اليوم. فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها خيرا.

[وسيف منها مكفوف] (١) وسيف منها مغمد سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا.

فأمّا السيوف الثّلاثة الشّاهرة ، فسيف على مشركي العرب. قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا) ، يعني : فإن آمنوا [(وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ)] (٢) فإخوانكم في الدّين فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل ، أو الدّخول في الإسلام. [وأموالهم و] (٣) ذراريّهم [تسبى على ما سبى] (٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإنه سبى وعفا ، وقبل الفداء.

(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : المأمور بالتعرض لهم.

(اسْتَجارَكَ) : استأمنك ، وطلب منك جوارك.

(فَأَجِرْهُ) : فآمنه.

(حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) : ويتدبّره ويطّلع على حقيقة الأمر. فإنّ معظم الأدلّة فيه.

وفي الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : أظنّه عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا أراد أن يبعث سريّة ، دعاهم فأجلسهم بين يديه.

ثمّ يقول : سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. لا تغلّوا ، ولا تمثّلوا ، ولا تغدروا ، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ، ولا تقطعوا شجرا إلّا أن تضطروا إليها. وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل (٦) من المشركين ، فهو جار حتّى يسمع كلام الله. فإن تبعكم ، فأخوكم (٧) في الدّين.

وإن أبى ، فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله عليه.

__________________

(١ و ٢) ـ من المصدر.

(٣) من المصدر. وفي النسخ : وما لهم في.

(٤) من المصدر. وفي النسخ : سبي على ما أمر.

(٥) الكافي ٥ / ٢٧ ـ ٢٨.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : رجلين.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فإخوانكم.

٤٠٤

وفي نهج البلاغة (١) : وإنّما كلامه ـ سبحانه ـ فعل منه أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائنا. ولو كان قديما ، لكان [إلها ثانيا] (٢).

(ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) : موضع أمنه إن لم يسلم.

و «أحد» رفع بفعل يفسره ما بعده ، لا بالابتداء. لأنّ «إن» من عوامل الفعل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال الباقر (٤) ـ عليه السّلام ـ : اقرأ عليه وعرّفه ، ثمّ لا تتعرّض له حتى يرجع إلى مأمنه.

(ذلِكَ) : الأمن والأمر.

(بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (٦) : ما الإيمان ، وما حقيقته ، وما تدعوهم إليه. فلا بد من أمانهم ، ريثما يسمعون ويتدبّرون.

(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) : استفهام بمعنى الإنكار ، والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع وغرة صدورهم. أو لأن يفي الله ورسوله بالعهد ، وهم نكثوه.

وخبر «يكون» «كيف» وقدّم للاستفهام ، أو «للمشركين» أو «عند الله». وهو على الأوّلين صفة «للعهد» أو ظرف له ، أو «ليكون». و «كيف» على الأخيرين حال من «العهد» و «للمشركين» ، إن لم يكن خبرا فتبين.

(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) : هم المستثنون قبله.

ومحلّه النّصب ، على الاستثناء. أو الجرّ ، على البدل. أو الرّفع ، على أنّ الاستثناء منقطع ، أي : ولكنّ الّذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام.

(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) ، أي : فتربّصوا أمرهم ، فإن استقاموا على العهد فاستقيموا على الوفاء. وهو كقوله : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) ، غير أنّه مطلق وهذا مقيّد.

و «ما» تحتمل الشّرطية والمصدريّة.

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٧) : سبق بيانه.

(كَيْفَ) : تكرار ، لاستبعاد ثباتهم على العهد ، أو بقاء حكمه مع التّنبيه على

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٧٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أزلا ثابتا.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٨٣.

(٤) ليس في المصدر.

٤٠٥

العلّة. وحذف الفعل للعلم به ، كما في قوله :

وخبّرتماني إنّما الموت بالقرى

فكيف وهاتا هضبة وقليب

أي : فكيف مات.

(وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) ، أي : وحالهم أنّهم إن يظفروا بكم.

(لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ) : لا يراعوا فيكم.

(إِلًّا) : حلفا.

وقيل (١) : قرابة. قال حسّان :

لعمرك إن إلّك (٢) من قريش

كإلّ السقب (٣) من رأل (٤) النّعام

وقيل : ربوبيّة. ولعلّة اشتقّ للحلف من الأل ، وهو الجواز. لأنّهم كانوا إذا تحالفوا ، رفعوا به أصواتهم وشهروه. ثمّ استعير للقرابة ، لأنها تعقد بين الأقارب ما لا يعقده الحلف. ثمّ للربوبية والتّربية.

وقيل : اشتقاقه من ألل الشيء : إذا حدّده. أو من ألّ البرق : إذا لمع.

وقيل : إنّه عبريّ : بمعنى : الاله. لأنه قرئ : إيلا ، كجبرئل وجبرئيل.

(وَلا ذِمَّةً) : عهدا ، أو حقّا يعاب على إغفاله.

(يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) : استئناف ، لبيان حالهم المنافية لثباتهم على العهد المؤدية إلى عدم مراقبتهم عند الظّفر. ولا يجوز جعله حالا من فاعل «لا يرقبوا». فإنّهم بعد ظهورهم لا يرضون. ولأنّ المراد إثبات إرضائهم المؤمنين بوعد الإيمان والطّاعة والوفاء بالعهد في الحال واستبطان الكفر والمعاداة ، بحيث إن ظفروا لم يبقوا عليهم ، والحاليّة تنافيه.

(وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) : ما تتفوه به أفواههم.

(وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) (٨) : متمرّدون. لا عقيدة تزعهم ، ولا مروءة تردعهم.

وتخصيص الأكثر ، لما في بعض الكفرة من التفادي عن الغدر والتعفف عمّا يجرّ إلى أحدوثة

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٦.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلّكم.

(٣) السقب : ولد الناقة الذكر ساعة يولد.

(٤) الرأل : فرخ النعام.

٤٠٦

السّوء.

(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ) : استبدلوا بالقرآن.

(ثَمَناً قَلِيلاً) : عرضا يسيرا. وهو اتّباع الأهواء والشّهوات.

(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) : عن دينه الموصل إليه ، أو سبيل بيته بحصر الحجّاج والعمّار.

و «الفاء» للدّلالة على أنّ اشتراءهم أدّاهم إلى الصّدّ.

(إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩) : عملهم هذا. أو ما دلّ عليه قوله : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) : فهو تفسير لا تكرير.

وقيل (١) : الأوّل عامّ في الناقضين (٢) وهذا خاصّ بالّذين اشتروا ، وهم اليهود أو الأعراب الّذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١٠)» : في الشّرارة.

(فَإِنْ تابُوا) ، أي : من الكفر.

(وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ) : فهم إخوانكم.

(فِي الدِّينِ) : لهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم.

(وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١١) : اعتراض للحثّ على تأمّل ما فصّل من أحكام المعاهدين ، أو خصال التّائبين.

(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) : وإن نكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان أو الوفاء بالعهود.

(وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) : بصريح التّكذيب ، وتقبيح الأحكام.

(فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) ، أي : فقاتلوهم. فوضع «أئمّة الكفر» موضع الضّمير ، للدّلالة على أنّهم صاروا بذلك ذوي الرّئاسة والتقدّم في الكفر أحقّاء بالقتل.

وقيل (٣) : المراد بالأئمّة ، رؤساء المشركين. فالتّخصيص إمّا لأنّ قتلهم أهمّ وهم أحقّ به ، أو للمنع من مراقبتهم.

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ وروح ، عن يعقوب : «أئمّة» بتحقيق

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٧.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : المنافقين.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٧.

٤٠٧

الهمزتين على الأصل ، والتّصريح بالياء لحن.

وقرأ هشام ، بإدخال الألف بين الهمزتين.

وروي ـ أيضا ـ عنه بخلاف ذلك.

(إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) : على الحقيقة ، وإلّا لما طعنوا ولم ينكثوا.

قيل (١) : وفيه دليل على أنّ الذّمّيّ إذا طعن في الإسلام ، فقد نكث عهده.

وقرأ ابن عامر : «لا إيمان» بكسر الهمزة ، بمعنى : لا أمان ، أو لا إسلام.

ورواها في مجمع البيان (٢) عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ.

يعني : لا عبرة بما أظهروه من الإيمان.

(لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (١٢) : متعلّق بقاتلوا ، أي : ليكن غرضكم في المقاتلة أن ينتهوا عمّا هم عليه لا إيصال الأذيّة بهم ، كما هو طريقة المؤذين. وهذا من غاية كرمه ـ سبحانه ـ وفضله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : نزلت هذه الآية في أصحاب الجمل. وقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يوم الجمل : [والله] (٤) ما قاتلت هذه الفئة النّاكثة إلّا بآية من كتاب الله. (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) (الآية).

وفي قرب الإسناد (٥) للحميريّ : حدّثني محمّد بن عبد الحميد وعبد الصّمد بن محمّد جميعا ، عن حنان بن سدير قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : دخل عليّ أناس من أهل البصرة ، فسألوني عن طلحة والزّبير.

فقلت لهم : كانا من أئمّة الكفر. إنّ عليّا يوم البصرة لمّا صفّ الخيول ، قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر فيما بيني وبين الله ـ عزّ وجلّ ـ وبينهم.

فقام إليهم فقال : يا أهل البصرة ، هل تجدون عليّ جور في حكم الله؟

قالوا : لا.

قال : فحيفا في قسمة؟

قالوا : لا.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) المجمع ٣ / ١٠.

(٣) تفسير القميّ ١ / ٢٨٣.

(٤) من المصدر.

(٥) قرب الإسناد / ٤٦.

٤٠٨

قال : فرغبة في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم ، فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟

قالوا : لا.

قال : فأقمت فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟

قالوا : لا.

قال : فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث؟ إنّي ضربت الأمر (١) أنفه وعينه ، فلم أجد إلّا الكفر (٢).

ثمّ ثنى إلى أصحابه (٣) فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول في كتابه : «وإن نكثوا أيمانهم» (الآية).

ثمّ قال : والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة واصطفى محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالنّبوّة ، إنّهم لأصحاب هذه الآية ، وما قوتلوا منذ نزلت.

وفي أمالي (٤) شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه ـ بإسناده إلى أبي عثمان البجليّ ، مؤذّن بني أقصى. قال بكير : أذن لها أربعين سنة. قال : سمعت عليّا ـ عليه السّلام ـ يقول [يوم الجمل] (٥) : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) (الآية). ثمّ حلف حين قرأها ، إنّه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتّى اليوم.

قال بكير : فسألت عنها أبا جعفر.

فقال : صدق الشّيخ. هكذا قال عليّ ـ عليه السّلام ـ هكذا كان.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن أبي الطّفيل قال : سمعت عليّا ـ عليه السّلام ـ يوم الجمل وهو يحرّض (٧) النّاس على قتالهم ، ويقول : والله ، ما رمى أهل هذه الآية بكنانة قبل اليوم (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ).

فقلت لأبي الطفيل : ما الكنانة؟

قال : السّهم يكون موضع الحديد فيه عظم ، تسميّه بعض العرب : الكنانة.

عن الحسن البصريّ (٨) قال : خطبنا عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ على هذا

__________________

(١) المصدر : الأمر أو السيف.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الكفر والسيف.

(٣) المصدر : صاحبه.

(٤) الأمالي ١ / ١٣١.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٨.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يحضّض.

(٨) نفس المصدر والموضع.

٤٠٩

المنبر ، وذلك بعد ما فرغ من أمر طلحة والزّبير وعائشة ، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

ثمّ قال : يا أيّها النّاس ، والله ، ما قاتلت هؤلاء [بالأمس] (١) إلّا بآية نزلت (٢) في كتاب الله. إنّ الله يقول : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ). أما والله ، لقد عهد إليّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال : يا عليّ ، لتقاتلنّ الفئة الباغية والفئة النّاكثة والفئة المارقة.

عن عمّار (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من طعن في دينكم هذا ، فقد كفر. قال الله : «(وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) ـ إلى قوله ـ : (يَنْتَهُونَ)».

عن الشّعبيّ (٤) قال : قرأ عبد الله : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) (إلى آخر الآية) ثم قال : ما قوتل أهلها بعد. فلمّا كان يوم الجمل ، قرأها عليّ ـ عليه السّلام ـ. ثمّ قال : ما قوتل أهلها منذ يوم نزلت حتّى كان اليوم.

عن أبي عثمان (٥) مولى بني أقصى قال : سمعت عليّا ـ صلوات الله عليه ـ يقول : عذرني الله من طلحة والزّبير ، بايعاني طائعين غير مكرهين ثمّ نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته. والله ، ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت حتّى قاتلتهم (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) (الآية).

(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً) : تحريض على القتال. لأنّ الهمزة دخلت على النّفي للإنكار ، فأفادت المبالغة في الفعل.

(نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) : الّتي حلفوها مع الرّسول والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم ، فعاونوا بني بكر على خزاعة.

(وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) : حين تشاوروا في أمره بدار النّدوة. على ما مرّ ذكره في قوله : «وإذ يمكر بك الّذين كفروا».

وقيل (٦) : هم اليهود ، نكثوا عهد الرّسول وهمّوا بإخراجه من المدينة.

(وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : بالمعاداة والمقاتلة. لأنّه ـ عليه السّلام ـ بدأهم بالدّعوة

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : تركتها.

(١ و ٤) ـ نفس المصدر ٢ / ٧٩.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٨.

٤١٠

وإلزام الحجّة بالكتاب والتّحدّي به ، فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة فما يمنعكم إن تعارضوهم وتصادموهم.

(أَتَخْشَوْنَهُمْ) : أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم.

(فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) : فقاتلوا أعداءه ، ولا تتركوا أمره.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٣) : فإنّ قضيّة الإيمان أن لا يخشى إلّا منه.

(قاتِلُوهُمْ) : أمر بالقتال بعد بيان موجبه ، والتّوبيخ على تركه ، والتّوعّد عليه.

(يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) : وعد لهم إن قاتلوهم بالنّصر عليهم ، والتّمكّن من قتلهم وإذلالهم.

(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (١٤).

قيل (١) : يعني : بني خزاعة.

وقيل : بطونا من اليمن وسبأ قدموا مكّة ، فأسلموا. فلقوا من أهلها أذى شديدا ، فشكوا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقال : أبشروا ، فإنّ الفرج قريب.

(وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) : لما لقوا منهم ، وقد أوفى الله بما وعدهم. والآية من المعجزات.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : دخلت أنا والمعلّى على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

فقال : أبشروا. أنتم على إحدى الحسنيين ، شفى الله صدوركم وأذهب غيظ قلوبكم وأدالكم (٣) على عدوّكم. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).

فإن مضيتم قبل (٤) أن تروا (٥) ذلك ، مضيتم على دين الله الّذي رضيه لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولعليّ ـ عليه السّلام ـ.

عن أبي الأغرّ اليمنيّ (٦) قال : كنت واقفا يوم صفّين إذ نظرت إلى العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب وهو شاك في السّلاح ، على رأسه مغفر وبيده صفيحة (٧)

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٧٩.

(٣) المصدر : أنالكم.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فقال.

(٥) المصدر : يروا.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٧٩ ـ ٨١.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : صحيفة. والصفيحة : السيف العريض.

٤١١

يمانيّة ، وهو على فرس أدهم (١) [وكأنّ عينيه عينا أفعى. فبينا هو يروض فرسه ويلين عن عريكته] (٢) إذ هتف به هاتف من أهل الشّام ، يقال له : عرار بن أدهم : يا عبّاس ، هلمّ إلى البراز. [قال : فالنزول إذا] (٣).

قال : ثمّ تكافحا بسيفيهما مليّا من نهارهم لا يصل واحد منهما إلى صاحبه ، لكمال لأمته. إلى أن لحظ (٤) العبّاس وهياً (٥) في درع الشّاميّ ، فأهوى إليه [بيده ، فهتكه إلى ثندوته. ثمّ عاود لمجاولته وقد أصحر له ، ففتق الدرع. فضربه العبّاس] (٦) بالسّيف ، فانتظم به جوانح صدره (٧) وخرّ الشّاميّ صريعا. وكبّر النّاس تكبيرة ارتجّت [لها الأرض] (٨) فسمعت قائلا يقول : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) (الآية) فالتفتّ ، فإذا هو أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) : ابتداء إخبار ، بأنّ بعضهم يتوب عن كفره.

وقد كان ذلك ـ أيضا ـ.

وقرئ : «ويتوب» بالنّصب على إضمار «أن» ، على أنّه من جملة ما أجيب به الأمر. فإنّ القتال ، كما تسبّب لتعذيب قوم ، تسبّب لتوبة آخرين.

(وَاللهُ عَلِيمٌ) : بما كان وبما سيكون.

(حَكِيمٌ) (١٥) : لا يفعل ولا يحكم إلّا على وفق الحكمة.

(أَمْ حَسِبْتُمْ) قيل (٩) : خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال.

وقيل : للمنافقين. و «أم» منقطعة. ومعنى الهمزة فيها : التّوبيخ على الحسبان.

(أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) : ولم يتبيّن الخلّص منكم ، وهم الّذين جاهدوا من غيرهم. نفى العلم وأراد نفي المعلوم ، للمبالغة. فإنّه ، كالبرهان عليه ، من حيث أن تعلّق العلم به مستلزم لوقوعه.

(وَلَمْ يَتَّخِذُوا) : عطف «على جاهدوا» داخل في الصّلة.

(مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) : بطانة يوالونهم ، ويفشون

__________________

(١) الأدهم : الأسود.

(٢ و ٣ و ٦ و ٨) ـ من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : خطّ.

(٥) الوهي : الشقّ في الشيء.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : الشاميّ.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٨.

٤١٢

إليهم أسرارهم. وما في «لمّا» من معنى التّوقّع منبّه على أنّ تبيّن ذلك متوقّع.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن أبان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : يا معشر الأحداث ، اتّقوا الله ولا تأتوا الرّؤساء ، دعوهم حتّى يصيروا (٢) أذنابا. لا تتّخذوا الرّجال ولائج دون الله. أنا والله خير لكم منهم. ثمّ ضرب بيده إلى صدره.

عن أبي الصّباح الكنانيّ (٣) قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : ايّاكم والولائج.

فإنّ كلّ وليجة دوننا ، فهي طاغوت. أو قال : ندّ.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٤) ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : فأنشدكم الله ـ عزّ وجلّ ـ ، أتعلمون حيث نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥). وحيث نزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٦). وحيث نزلت (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً). قال النّاس : يا رسول الله ، أهذه خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم. فنصّبني للنّاس بغدير خمّ.

إلى قوله : فقام أبو بكر وعمر ، فقالا : يا رسول الله ، هذه الآيات خاصّة (٧).

قال : بلى ، فيّ (٨) وفي أوصيائي إلى يوم القيامة.

قالا : يا رسول الله ، بيّنهم لنا.

قال : عليّ أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أمّتي ، ووليّ كلّ مؤمن من بعدي. ثمّ ابني الحسن. ثمّ ابني الحسين. ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد. القرآن معهم ، وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم ، حتّى يردوا عليّ حوضي.

__________________

(١ و ٣) ـ تفسير العيّاشي ٢ / ٨٣.

(٢) المصدر : يسيروا.

(٤) كمال الدّين / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٥) النساء / ٥٩.

(٦) المائدة / ٥٩.

(٧) المصدر : خاصّة لعليّ.

(٨) المصدر : فيه.

٤١٣

[فقالوا كلّهم] (١) : اللهم ، نعم ، قد سمعنا ذلك وشهدنا ، كما قلت سواء.

والحديث بتمامه مذكور في النّساء والمائدة عند الآيتين.

وفي أصول الكافيّ (٢) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن مثنى ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) ، يعني : أمير المؤمنين و (٣) الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ. لم يتّخذوا الولائج من دونهم.

عدّة من أصحابنا (٤) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، مرسلا قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : لا تتّخذوا من دون الله وليجة ، فلا تكونوا مؤمنين. فإنّ كلّ سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع ، إلّا ما أثبته القرآن.

عليّ بن محمّد (٥) ومحمّد بن أبي عبد الله ، عن إسحاق بن محمّد النّخعيّ قال : حدّثني سفيان بن محمّد الضيعيّ قال : كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الوليجة ، وهو قول الله : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً). [قلت في نفسي ـ لا في الكتاب ـ : من ترى المؤمنين ها هنا؟

فرجع الجواب : الوليجة الّذي يقام دون وليّ الأمر. وحدّثتك نفسك عن المؤمنين : من هم في هذا الموضع؟ فهم الأئمّة الّذين يؤمنون على الله ، فيجيز أمانهم.] (٦)

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) : (٧) يعني بالمؤمنين : آل محمّد.

و «بالوليجة» البطانة.

(وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٦) : يعلم غرضكم منه. وهو ، كالمزيح لما يتوهّم من ظاهر قوله : «ولمّا يعلم الله».

(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) : ما صحّ لهم.

__________________

(١) من المصدر. وفي النسخ : قالوا.

(٢) الكافي ١ / ٤١٥.

(٣) المصدر : يعني بالمؤمنين ...

(٤) الكافي ١ / ٥٩.

(٥) الكافي ١ / ٥٠٨.

(٦) من المصدر.

(٧) هكذا في تفسير نور الثقلين ٢ / ١٩٢ ، ح ٧٥.

٤١٤

(أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) : شيئا من مساجده ، فضلا عن المسجد الحرام.

وقيل (١) : هو المراد. وإنّما جمع ، لأنّه قبلة المساجد وإمامها. فعامره ، كعامر الجميع. ويدلّ عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب ، بالتّوحيد.

(شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) : بإظهار الشّرك وتكذيب الرّسول. وهو حال من الواو. والمعنى : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين ، عمارة بيت الله وعبادة غيره.

وفي الجوامع (٢) : روي أنّ المسلمين عيّروا أسارى بدر ، ووبّخ عليّ العبّاس بقتال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقطيعة الرّحم.

فقال العبّاس : تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا.

فقالوا : او لكم محاسن؟

قال (٣) : نعم. إنّما نعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفك العاني (٤). فنزلت.

(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) : الّتي يفتخرون بها بما قارنها من الشّرك.

(وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) (١٧) : لأجله.

(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ)

وفي الحديث النّبويّ (٥) : يأتي في آخر الزّمان أناس من أمّتي يأتون المساجد ، يقعدون (٦) فيها حلقا ، ذكرهم الدّنيا وحبّ الدّنيا. لا تجالسوهم ، فليس لله بهم حاجة.

أي : إنّما يستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلميّة والعمليّة. ومن عمارتها تزيينها بالفرش ، وتنويرها بالسّراج ، وإدامة العبادة فيها ، والذكر ودرس العلم فيها ، وصيانتها ممّا لم تبن له ، كحديث الدّنيا.

عن النّبيّ (٧) ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قال الله ـ تعالى ـ : إنّ بيوتي في أرضي

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٨.

(٢) جوامع الجامع / ١٧٥.

(٣) المصدر : قالوا.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : المعالي.

(٥) تفسير الصّافي ٢ / ٣٢٧.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : يعدون.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٩.

٤١٥

المساجد ، وإنّ زوّاري فيها عمّارها. فطوبى لعبد تطهّر في بيته ، ثمّ زارني في بيتي. فحقّ على المزور أن يكرم زائره.

وإنّما لم يذكر الإيمان بالرّسول ، لما علم أنّ الإيمان بالله قرينه وتمامه الإيمان به ، ولدلالة قوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) عليه.

(وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) ، أي : في أبواب الدّين. فإنّ الخشية عن المحاذير جبليه ، لا يكاد العاقل يتمالك عنها.

(فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (١٨).

ذكره بصيغة التّوقّع ، قطعا لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم ، وتوبيخا لهم بالقطع بأنّهم مهتدون. فإنّ هؤلاء مع كمالهم ، إذا كان اهتداؤهم دائرا بين «عسى» و «لعلّ» ، فما ظنّك بأضدادهم؟! ومنعا للمؤمنين أن يغترّوا بأحوالهم ويتّكلوا عليها.

(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) «السّقاية» و «العمارة» مصدرا ، سقى وعمر ، فلا يشبّهان بالجثث. بل لا بدّ من إضمار ، تقديره : أجعلتم أهل سقاية الحاجّ ، كمن آمن. أو أجعلتم سقاية الحاج ، كإيمان من آمن. ويؤيد الأوّل قراءة من قرأ : «سقاة الحاجّ وعمرة المسجد الحرام» والمعنى : إنكار أن يشبّه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة.

ثمّ قرر ذلك بقوله : (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ). وبيّن عدم تساويهم بقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٩) ، أي : الكفرة ظلمة بالشّرك ومعاداة الرّسول ، منهمكون في الضّلالة ، فكيف يساوون الّذين هداهم الله ووفّقهم للحقّ والصّواب.

وقيل (١) : المراد بالظّالمين : الّذين يسوّون بينهم وبين المؤمنين.

وفي أصول الكافيّ (٢) : حدّثني أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت في عليّ والعبّاس وشيبة.

قال العبّاس : أنا أفضل ، لأنّ سقاية الحاجّ بيدي.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) بل تفسير القميّ ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤. كما نقل عنه في تفسير نور الثقلين أيضا.

٤١٦

وقال شيبة : أنا أفضل ، لأنّ حجابة البيت بيدي.

وقال عليّ : أنا أفضل ، فإنّي آمنت قبلكما ثمّ هاجرت وجاهدت.

فرضوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) (الآية).

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وفي كتاب الخصال (١) : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال في وصيّته له : يا عليّ ، إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهليّة خمس سنن أجراها الله في الإسلام.

إلى قوله : ولمّا حفر زمزم ، سمّاه (٢) سقاية الحاجّ. فأنزل الله ـ تعالى ـ (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) (الآية).

وفي روضة الكافي (٣) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : نزلت في حمزة وعليّ وجعفر والعبّاس وشيبة ، أنّهم فخروا بالسّقاية والحجابة فأنزل الله ـ عزّ ذكره ـ (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ) (الآية).

وفي كتاب الاحتجاج (٤) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أنزل الله ـ تعالى ـ فيه (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) غيري؟

قالوا : لا.

وفي مجمع البيان (٥) : عن محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : سقاة (٦) الحاجّ وعمرة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله.

__________________

(١) الخصال / ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٢) المصدر : سمّاها.

(٣) الكافي ٨ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٤) الاحتجاج ١ / ٢٠٢.

(٥) المجمع ٣ / ١٤. بعض التصرّف.

(٦) المصدر : أجعلتم سقاية.

٤١٧

وفيه (١) : أنّه قيل : إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال للعبّاس : يا عمّ ، ألا تهاجر ألا تلحق برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

فقال : ألست في أعظم (٢) من الهجرة ، أعمر المسجد الحرام وأسقي حاجّ بيت الله؟

فنزل (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

وروى الحاكم ، أبو القاسم الحسكانيّ (٣) ، بإسناده : عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : بينا شيبة والعبّاس يتفاخران ، إذ مرّ بهما عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

فقال : بماذا تتفاخران؟

فقال العبّاس : لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد ، سقاية الحاجّ.

وقال شيبة : أوتيت عمارة المسجد الحرام.

فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : استحييت لكما ، فقد أوتيت على صغري ما لم تؤتيا.

فقالا : وما أوتيت ، يا عليّ؟

فقال : ضربت خراطيمكما (٤) بالسّيف حتّى آمنتما بالله [ورسوله] (٥).

فقام العبّاس مغضبا يجرّ ذيله (٦) حتّى دخل على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : أما ترى إلى ما استقبلني به عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فقال : ادعوا لي عليّا.

فدعي له ، فقال : ما دعاك إلى (٧) ما استقبلت به عمّك؟

فقال : يا رسول الله ، صدمته بالحقّ. فمن شاء ، فليغضب. ومن شاء فليرض.

فنزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرأ [عليك] (٨) السّلام ، ويقول : اتل عليهم : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) (الآية).

فقال العبّاس : إنّا قد رضينا ـ ثلاث مرّات ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٩) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قيل

__________________

(١) المجمع ٣ / ١٤ ـ ١٥.

(٢) المصدر : أفضل.

(٣) المجمع ٣ / ١٥.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ضربة بكما.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : الذيل.

(٧) المصدر : ما حملك على ..

(٨) من المصدر. (٩) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٨٣.

٤١٨

لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا بأفضل مناقبك.

قال : نعم. كنت أنا وعبّاس وعثمان بن أبي شيبة في المسجد الحرام. قال عثمان بن أبي شيبة : أعطاني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الخزانة. [يعني] (١) مفاتيح الكعبة.

وقال العبّاس : أعطاني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ السّقاية ، وهي زمزم. ولم يعطك شيئا ، يا عليّ. فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ).

(الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) : أعلى رتبة وأكثر كرامة ممّن لم تستجمع فيه هذه الصّفات. أو من أهل السّقاية والعمارة عندكم.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٢٠) : بالثّواب ، ونيل الحسنى عند الله دونكم.

(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها) : في الجنّات.

(نَعِيمٌ مُقِيمٌ) (٢١) : دائم.

وقرأ حمزة : «يبشرهم» بالتّخفيف. وتنكير المبشّر به إشعار بأنّه وراء التّعيين والتّعريف.

(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) : أكّد الخلود بالتّأبيد ، لأنّه قد يستعمل للمكث الطّويل.

(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٢) : يستحفر دونه ما استوجبوه لأجله. أو نعيم الدّنيا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) قيل (٢) : نزلت في المهاجرين. فإنّهم لمّا أمروا بالهجرة ، قالوا : إن هاجرنا ، قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا وذهبت تجاراتنا وبقينا ضائعين.

وقيل : نزلت نهيا عن موالاة التّسعة الّذين ارتدّوا ولحقوا بمكّة. والمعنى : لا تتّخذوهم أولياء يمنعونكم عن الإيمان ويصدّونكم عن الطّاعة. لقوله : (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) : إن اختاروه وحرصوا عليه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن

__________________

(١) من المصدر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٠٩.

(٣) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٨٤ ، ببعض التصرّف.

٤١٩

هذه الآية.

قال : الكفر في الباطن في هذه الآية ولاية الأوّل والثّاني ، والإيمان ولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

وفي مجمع البيان (١) : روي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ وأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا أراد فتح مكّة.

(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢٣) : بوضعهم الموالاة في غير موضعها.

وفي اعتقادات الإماميّة للصّدوق (٢) : ولمّا نزلت هذه الآية : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٣) ، قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من ظلم عليّا مقعدي هذا بعد وفاتي ، فكأنّما جحد نبوّتي ونبوّة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ قبلي. ومن تولّى ظالما ، فهو ظالم. قال الله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ـ إلى قوله ـ : (هُمُ الظَّالِمُونَ).

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) :

أقرباؤكم. مأخوذ من العشرة.

وقيل (٤) : من العشرة. فإنّ العشرة جماعة ترجع إلى عقد ، كعقد العشرة.

وقرأ أبو بكر : «وعشيراتكم».

وقرئ : «وعشائركم».

(وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) : اكتسبتموها.

(وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها) : فوات وقت نفاقها.

(وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) : الحبّ الاختياريّ دون الطّبيعيّ ، فإنّه لا يدخل تحت التّكليف في التّحفّظ عنه.

(فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) : جواب ووعيد. والأمر عقوبة عاجلة ، أو آجلة.

وقيل : فتح مكّة.

__________________

(١) المجمع ٣ / ١٦.

(٢) الاعتقادات / ١٠٢.

(٣) الأنفال / ٢٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤١٠.

٤٢٠