تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : يعني : أبا سفيان وأصحابه.

والمعنى : قل لأجلهم.

(إِنْ يَنْتَهُوا) : عن معاداة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالدّخول في الإسلام.

(يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) : من ذنوبهم.

وقرئ (١) : بالتّاء والكاف ، على أنّه خطابهم. و «يغفر» على البناء للفاعل. وهو الله ـ تعالى ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن عليّ بن درّاج الأسديّ قال : دخلت على أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

فقلت له : إنّي كنت عاملا لبني أميّة. فأصبت مالا كثيرا ، فظننت أنّ ذلك لا يحلّ لي.

قال : فسألت عن ذلك غيري؟

قال : قلت : قد سألت. فقيل لي : إنّ أهلك ومالك وكلّ شيء لك حرام.

قال : ليس كما قالوا لك.

قلت : جعلت فداك ، فلي توبة؟

قال : نعم ، توبتك في كتاب الله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ).

(وَإِنْ يَعُودُوا) : إلى قتاله.

(فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (٣٨) : الّذين تحزّبوا على الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ بالتّدبير ، كما جرى على أهل بدر ، فليتوقّعوا مثل ذلك.

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) : لا يوجد فيهم شرك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : أي : كفر.

قال : وهي ناسخة لقوله : (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ). ولقوله : (دَعْ أَذاهُمْ).

(وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) : وتضمحلّ عنهم الأديان الباطلة.

وفي روضة الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٤.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٥٥ ، ح ٤٧.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

(٤) الكافي ٨ / ٢٠١ ، ح ٤٣.

٣٤١

أذينة ، عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (الآية).

فقال : لم يجئ تأويل هذه الآية بعد. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رخّص [لخاصة] أصحابه (١). فلو قد جاء تأويلها ، لم يقبل منهم. ولكنّهم يقتلون حتّى يوحّد الله ـ عزّ وجلّ ـ حتّى لا يكون شرك.

وفي تفسير مجمع البيان (٢) : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ) (الآية) وروى زرارة وغيره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : لم يجئ تأويل هذه الآية. ولو قد قام قائمنا بعد ، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية. وليبلغنّ دين محمد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما بلغ اللّيل حتّى لا يكون شرك على ظهر الأرض ، كما قال الله ـ تعالى ـ (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) (٣).

(فَإِنِ انْتَهَوْا) : عن الكفر.

(فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣٩) : فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم.

وعن يعقوب (٤) ، بالتّاء. على معنى : «فإن الله بما تعملون» من الجهاد والدّعوة إلى الإسلام ، والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإسلام والإيمان «بصير» يجازيكم.

ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة على أنّه ، كما يستدعي إثابتهم المباشرة ، يستدعي إثابة مقاتليهم للتّسبّب.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا) : ولم ينتهوا.

(فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) : ناصركم. فثقوا به ، ولا تبالوا بمعاداتهم.

(نِعْمَ الْمَوْلى) : لا يضيّع من تولّاه.

(وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠) : لا يغلب من نصره.

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) ، أي : الّذي أخذتموه من الكفّار قهرا.

(مِنْ شَيْءٍ) : ممّا يقع عليه اسم الشّيء ، حتّى الخيط.

وفي أصول الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الخاصة.

(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٤٣.

(٣) النّور / ٥٥.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٤.

(٥) الكافي ١ / ٥٤٤ ، ح ١٠.

٣٤٢

عبد الصّمد بن بشير ، عن حكيم مؤذّن ابن عيسى قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى).

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمرفقيه على ركبتيه. ثمّ أشار بيده. ثمّ قال : هي ، والله ، الإفادة يوما بيوم. إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حل ليزكوا (١).

(فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) : مبتدأ خبره محذوف ، أي : فثابت أنّ لله خمسه.

وقرئ (٢) : «فإنّ» بالكسر.

والجمهور من العامّة : على أنّ ذكر الله ـ تعالى ـ للتّعظيم ، كما في قوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ). وأنّ المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين.

(وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).

في تهذيب الأحكام (٣) : عليّ بن الحسين بن فضّال ، عن محمّد بن إسماعيل الزّعفرانيّ ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس الهلاليّ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول كلاما كثيرا.

ثمّ قال : وأعظم (٤) من ذلك كلّه سهم ذي القربى ، الّذين قال الله ـ تعالى ـ : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ). نحن ، والله ، عنى بذي القربى. و [هم] (٥) الّذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه ، فقال : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) منّا خاصّة. ولم يجعل لنا في سهم الصدّقة نصيبا ، أكرم الله نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي النّاس.

وفي أصول الكافي (٦) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن أورمة ومحمّد بن عبد الله ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) (الآية).

قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ.

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ليذكوا.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ١٢٦ ، ح ٣٦٢.

(٤) المصدر : أعطهم.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ١ / ٤١٤ ، ح ١٢.

٣٤٣

الحسين بن محمّد (١) ، عن معلّى [بن محمّد] (٢) ، عن الوشّاء ، عن أبان ، عن محمد (٣) ابن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى).

قال : وهم قرابة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. والخمس [لله و] (٤) للرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ [ولنا] (٥).

أحمد (٦) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سئل عن قول الله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى). فقيل له : فما كان لله ، فلمن هو؟

فقال : لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وما كان لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فهو للإمام.

فقيل له : أرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ ، ما يصنع به؟

قال : ذاك إلى الإمام. أرأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كيف يصنع ، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ وكذلك الإمام.

وفي روضة الكافي (٧) ، خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. يقول فيها : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته] (٨) ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله وسنة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

إلى أن قال : إذا لتفرقوا عني. ثمّ قال ـ عليه السّلام ـ والله ، لقد أمرت النّاس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة.

إلى أن قال : وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى ، الّذي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٣٩ ، ح ٢.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : جعفر.

(١ و ٥) ـ من المصدر.

(٦) الكافي ١ / ٥٤٤ ، ح ٧.

(٧) الكافي ٨ / ٥٩ و ٦٢ ـ ٦٣ ، ح ٢١.

(٨) من المصدر.

٣٤٤

(إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ). فنحن ، والله ، عنى بذي (١) القربى. الّذي قرننا الله بنفسه وبرسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فينا خاصّة.

عليّ بن محمّد (٢) ، عن عليّ بن عبّاس ، عن الحسن بن عبد الرّحمن ، عن عاصم بن حميد ، [عن أبي حمزة] (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم.

فقال لي : الكف عنهم أجمل.

ثمّ قال : والله ، يا أبا حمزة ، إنّ الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا.

قلت : فكيف لي بالمخرج من هذا؟

فقال لي : يا أبا حمزة ، كتاب الله المنزل يدلّ عليه. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيء. ثم قال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) (الآية). فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع النّاس ما خلا شيعتنا.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسيّ (٤) : عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه لبعض الشّاميّين : فهل قرأت هذه الآية : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى)؟

فقال له الشّامي : بلى.

فقال له ـ عليه السّلام ـ : فنحن ذو القربى.

وفي تهذيب الأحكام (٥) : سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان قال : حدثنا زكريا بن مالك الجعفيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ إنّه سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) (الآية).

فقال : أما خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ فللرّسول ، يضعه في سبيل الله. وأمّا خمس الرسول فلأقاربه ، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه ، واليتامى يتامى أهل بيته. فجعل هذه

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : بذلك.

(٢) الكافي ٨ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، ح ٤٣١.

(٣) من المصدر.

(٤) الاحتجاج ٢ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٥) تهذيب الأحكام ٤ / ١٢٥ ، ح ٣٦٠.

٣٤٥

الأربعة أسهم فيهم. وأما المساكين وابن السّبيل ، فقد عرفت أنّا لا نأكل الصّدقة ولا تحلّ لنا ، فهي للمساكين وابن السّبيل.

وعنه (١) ، عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن أبيه ، عن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) (الآية).

قال : خمس الله ـ عزّ وجلّ ـ للإمام ، وخمس الرّسول للإمام وخمس ذي القربى لقرابة الرّسول والإمام. واليتامى [يتامى] (٢) آل الرّسول ، والمساكين منهم ، وأبناء السّبيل منهم. فلا يخرج منهم إلى غيرهم.

وفي عوالي اللّئالي (٣) : ونقل عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قيل له : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ).

فقال : أيتامنا ومساكيننا.

وفي تفسير الثعلبي (٤) : عن المنهال بن عمر قال : سألت زين العابدين ـ عليه السّلام ـ عن الخمس.

قال : هو لنا.

فقلت : إنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ).

قال : أيتامنا ومساكيننا.

وفي كتاب الخصال (٥) : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ ، عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال في وصيّة له : يا عليّ ، إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام.

إلى قوله : ووجد كنزا ، فأخرج منه الخمس وتصدّق به. فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) (الآية).

وفي عيون الأخبار (٦) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه : قالت العلماء له : فأخبرنا هل فسّر الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٦١.

(٢) من المصدر.

(٣) عوالي اللّئالي ٢ / ٧٥ ـ ٧٦ ، ح ٢٠١.

(٤) تفسير الثعلبي.

(٥) الخصال / ٣١٢ ـ ٣١٣ ، ح ٩٠.

(٦) عيون الأخبار ١ / ٢٣١ و ٢٣٧ ـ ٢٣٩.

٣٤٦

الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فسّر الاصطفاء في الظاهر دون الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ.

إلى أن قال : وأمّا الآية الثّامنة فقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى). فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فهذا فصل (١) بين الآل والأمة. لأنّ الله ـ تعالى ـ جعلهم في حيّز وجعل النّاس في حيز دون ذلك ، ورضي لهم ورضي لنفسه واصطفاهم فيه. فبدأ بنفسه ، ثمّ ثنّى برسوله ، ثمّ بذي القربى بكلّ ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك ممّا رضيه ـ جلّ وعزّ ـ لنفسه ورضيه لهم. فقال ـ وقوله الحقّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى). فهذا تأكيد مؤكّد وأثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٢). وأمّا قوله : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) ، فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب. وكذلك المسكين إذا انقطع مسكنته ، لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحلّ له أخذه. وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغنيّ والفقير منهم. لأنّه لا أحد أغنى من الله ـ عزّ وجلّ ـ ولا من رسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فجعل لنفسه منها سهما ، ولرسوله منها سهما. فما رضيه لنفسه ولرسوله ، رضيه لهم. وكذلك الفيء ، ما رضيه منه لنفسه ولنبيه ، رضيه لذي القربى ، كما أجراهم في الغنيمة ، فبدأ بنفسه ـ جلّ جلاله ـ ثمّ برسوله ثمّ بهم ، وقرن سهمهم بسهم [الله وسهم] (٣) رسوله.

وكذلك في الطاعة قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤). فبدأ بنفسه ، ثمّ برسوله ، ثمّ بأهل بيته.

وكذلك آية الولاية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا). فجعل طاعتهم وولايتهم مع طاعة الرّسول مقرونة بطاعته ، كما جعل سهمهم مع سهم الرّسول مقرونا بسهمه في الغنيمة والفيء. فتبارك الله وتعالى ، ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت! فلمّا جاءت قصّة الصّدقة ، نزّه نفسه ورسوله ونزّه أهل بيته فقال :

__________________

(١) المصدر : فضل.

(٢) فصلت / ٤٢.

(٣) من المصدر.

(٤) النساء / ٥٩.

٣٤٧

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) (١). فهل تجد في شيء من ذلك أنّه ـ عزّ وجلّ ـ سمّى لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى؟ لأنّه لمّا نزّه نفسه عن الصّدقة ونزّه رسوله ، نزّه أهل بيته. لا بل حرّم عليهم ، لأنّ الصدقة محرمة على محمّد وآله. وهي أوساخ أيدي النّاس لا تحلّ (٢) لهم ، لأنّهم طهّروا من كلّ دنس ووسخ. فلما طهرهم واصطفاهم ، رضي لهم ما رضي لنفسه ، وكره لهم ما كره لنفسه. فهذه الثامنة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى).

قال : هم قرابة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فسألته : منهم اليتامى والمساكين وابن السبيل؟

قال : نعم.

عن عبد الله بن سنان (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : أنّ نجدة الحروريّ كتب إلى ابن عبّاس يسأله عن موضع الخمس : لمن هو؟

فكتب إليه : أمّا الخمس ، فإنّا نزعم أنه لنا. ويزعم قومنا أنّه ليس لنا ، فصبرنا.

عن زرارة (٥) ومحمّد بن مسلم وأبي بصير أنّهم قالوا له : ما حقّ الإمام في أموال النّاس؟

قال : الفيء والأنفال والخمس. فكلّ ما دخل منه أو فيء أو أنفال أو خمس أو غنيمة ، فإنّ له (٦) خمسه. فإنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ). وكل شيء في الدّنيا ، فإنّ لهم فيه نصيبا. فمن وصلهم بشيء فما يدعون له ، أكبر ممّا يأخذون منه.

__________________

(١) التوبة / ٦٠.

(٢) المصدر : لا يحلّ.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٦١ ، ح ٥٠.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٥٢.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٥٣.

(٦) المصدر : لهم.

٣٤٨

عن محمّد بن الفضيل (١) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى).

قال : الخمس لله وللرّسول. وهو لنا.

عن الحلبي (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : في الرّجل من أصحابنا في لوائهم ، فيكون معهم فيصيب غنيمة.

قال : يؤدي خمسنا ، ويطيب له.

(إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) : متعلّق بمحذوف دلّ عليه «واعلموا» ، أي : كنتم آمنتم بالله ، فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء. فسلّموه إليهم ، واقتسموا بالأخماس الأربعة الباقية. فإنّ العلم العمليّ إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرّد ، لأنّه مقصود بالعرض ، والمقصود بالذّات هو العمل.

(وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) : محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الآيات والملائكة والنّصر.

وقرئ : «عبدنا» بضمتين ، أي : الرّسول والمؤمنين.

(يَوْمَ الْفُرْقانِ) : يوم بدر. فإنّه فرق فيه بين الحقّ والباطل.

(يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) : المسلمون والكفّار.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : الغسل في سبعة عشر موطنا ، ليلة سبع عشرة (٤) من شهر رمضان. وهي ليلة التقى الجمعان ليلة بدر.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : في تسعة عشر من شهر رمضان يلتقي الجمعان.

قلت : ما معنى قوله : يلتقي الجمعان؟

قال : يجمع فيهما ما يريد من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه.

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٢ ، ح ٥٦.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٤ ، ح ٦٦.

(٣) الخصال / ٥٠٨ ، ح ١.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : سبعة وعشرين.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٤ ، ح ٦٧.

٣٤٩

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤١) : فيقدر على نصر القليل على الكثير ، والإمداد بالملائكة.

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) : بدل من «يوم الفرقان».

و «العداوة» بالحركات الثّلاث : شطّ الوادي ، وقد قرئ بها. والمشهور الضمّ والكسر ، وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب.

(وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) : البعدى من المدينة. تأنيث الأقصى. وكان قياسه قلب الواو ، كالدّنيا والعليا ، تفرقة بين الاسم والصّفة. فجاء على الأصل ، كالقود. وهو أكثر استعمالا من القصيا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) (الآية) ، يعني : قريشا حين نزلوا بالعدوة اليمانيّة ، ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين نزل بالعدوة الشّاميّة.

(وَالرَّكْبُ) ، أي : العير ، أو قوّادها.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ).

قال : أبا سفيان وأصحابه.

وموافق لما ذكره عليّ بن إبراهيم (٣) ، أنّ أبا سفيان كان مع العير.

(أَسْفَلَ مِنْكُمْ) : في مكان أسفل من مكانكم ، يعني : السّاحل.

وهو منصوب على الظرف ، واقع موقع الخبر. والجملة حال من الظرف قبله.

وفائدتها الدّلالة على قوة العدوّ ، واستظهارهم بالرّكب ، وحرصهم على المقاتلة ، وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم ، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة. وكذا ذكر مراكز الفريقين ، فإنّ العدوة الدّنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فيها إلّا بتعب ولم يكن بها ماء ، بخلاف العدوة القصوى.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) وهو

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٥ ، ح ٦٩.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٥٦.

(٤) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

٣٥٠

العير الّتى أفلتت.

(وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) : أي : لو تواعدتم أنتم وهم للقتال ثمّ علمتم حالكم وحالهم ، لاختلفتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظّفر عليهم. ليتحقّقوا أنّ ما اتّفق لهم من الفتح ليس إلّا صنعا من الله خارقا للعادة ، فيزدادوا إيمانا وشكرا.

(وَلكِنْ) : جميع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد.

(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) : حقيقا بأن يفعل. وهو نصر أوليائه ، وقهر أعدائه.

وفي كتاب مقتل الحسين ـ عليه السّلام ـ لأبي مخنف : أنّ الحسين ـ عليه السّلام ـ بعد أن بلغه قتل مسلم وهانى ونزوله بالعقبة قال له بعض من حضر : ناشدتك الله ، إلا ما رجعت. فو الله ، ما تقدم إلّا على أطراف الأسنّة وحرارات السّيوف. وأنّ هؤلاء القوم الذين بعثوا إليك لو كان فيهم صلاح ، لكفوك مؤنة الحرب والقتال ، وطيّبوا لك الطريق ، ولكان الوصول إليهم رأيا سديدا. فالرأي عندنا ، أن ترجع عنهم ولا تقدم عليهم.

فقال له الحسين ـ عليه السّلام ـ : صدقت ، يا عبد الله ، فيما تقول (وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).

(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) : بدل منه. أو متعلّق بقوله : «مفعولا».

قيل (١) : والمعنى : ليموت من يموت عن بينة عاينها ، ويعيش من يعيش عن حجّة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة. فإنّ وقعة بدر من الآيات الواضحة. أو ليصدر كفر من كفر ، وإيمان من آمن عن وضوح بيّنة. على استعارة الهلاك والحياة ، للكفر والإسلام.

والمراد ب «من هلك» و «من حيّ» : المشارف للهلاك والحياة. أو من هذا حاله في علم الله وقضائه.

وقرئ (٢) : «ليهلك» بالفتح.

وقرأ (٣) ابن كثير ، برواية البزيّ ، ونافع وأبو بكر ويعقوب : «من حيي» بفكّ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦.

(٣) نفس المصدر ، والموضع.

٣٥١

الأدغام ، للحمل على المستقبل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : يعلم من بقي أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ نصره.

(وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤٢) : بكفر من كفر وعقابه ، وإيمان من آمن وثوابه.

ولعلّ الجمع بين الوصفين ، لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد.

وفي مصباح شيخ الطائفة (٢) ـ قدس سرّه ـ خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ خطب بها في يوم الغدير. وفيها : ولم يدع الخلق في بهم صما ولا عميا (٣) ، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم وتفرقت في هياكلهم وحققها في نفوسهم واستعبد لها حواسّهم. فقدر (٤) بها على أسماع ونواظر أفكار وخواطر ، ألزمهم بها حجته وأراهم بها محجته وأنطقهم عمّا شهدته بألسن ذريّة بما قام فيها من قدرته وحكمته وبيّن عندهم بها (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ، وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). بصير شاهد خبير.

(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) : مقدر «بأذكر». أو بدل ثان من «يوم الفرقان». أو متعلق ب «عليم» ، أي : يعلم المصالح.

فقر (٥) : إذ يقلّلهم في عينك في رؤياك. وهو أن تخبر به أصحابك ، فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوّهم.

والضّمير المخاطب مفعول أول. والضّمير الغائب مفعول ثان. و «قليلا» ثالث.

و «في منامك» متعلّق بالفعل بعد التّجريد.

(وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) ، أي : في أمر القتال ، وتفرّقت آراؤكم بين الثّبات والفرار.

(وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) : أنعم بالسّلامة من الفشل والتنازع.

(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٣) : يعلم ما سيكون فيها ، وما يغيّر أحوالها من الجرأة والجبن.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : فالمخاطبة لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، والمعنى لأصحابه. أراهم الله قريشا في منامهم أنهم قليل ، ولو أراهم كثيرا لفزعوا.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٧٨.

(٢) مصباح المتهجد / ٦٩٨.

(٣) المصدر : ولا في عمى عمياء بكما.

(٤) المصدر : فقرّ.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦.

(٦) تفسير القمي ١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

٣٥٢

وفي روضة الكافي (١) ، بإسناده إلى زرارة : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار ، ويكثر الكفّار في أعين المسلمين (٢) الناس.

فشد عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بالسّيف ، فهرب منه. وهو يقول : يا جبرائيل ، [إني مؤجّل] (٣). حتى وقع في البحر.

قال : فقلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : لأي شيء كان يخاف ، وهو مؤجّل؟

قال : يقطع بعض أطرافه.

(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) الضّميران مفعولا «يرى».

و «قليلا» حال من الثاني.

قيل (٤) : وانّما قللهم في أعين المسلمين ، تصديقا لرؤيا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتثبيتا لهم.

وفي الجوامع (٥) : عن ابن مسعود : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟

قال : أراهم مائة.

فأسرنا رجلا منهم ، فقلنا : كم كنتم؟

قال : ألفا.

(وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) : حتّى قال قائل منهم : إنّ محمّدا وأصحابه أكلة جزور.

وقال أبو جهل : ما هم إلّا أكلة رأس. لو بعثنا إليهم عبيدنا ، لأخذوهم باليد ، كما مرّ ذكره في القصّة.

وإنّما قلّلهم في أعينهم قبل التحام القتال ، ليجترءوا عليهم ولا يستعدّوا لهم. ثمّ كثّرهم حتّى يرونهم مثليهم ، لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم. وهذا من عظائم آيات تلك الواقعة. فإنّ البصر ، وإن كان يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا ، لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحدّ. وإنّما يتصور ذلك بصد الله الأبصار عن إبصار بعض دون

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٧٧ ، ح ٤١٩.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : الناس.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٦ بتصرّف.

(٥) جوامع الجامع / ١٧٠.

٣٥٣

بعض ، مع التساوي في الشروط.

(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) : كرّره ، لاختلاف الفعل المعلل به. أو لأنّ المراد الأمر ثمّة (١) الاكتفاء على الوجه المحكيّ ، وها هنا إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وحزبه.

(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٤٤) ، كما يمكن أن يوجد الكثير والقليل ، يجوز أن يقلل الكثير ويرى الكثير قليلا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) : حاربتم جماعة. ولم يصفها ، لأنّ المؤمنين ما كانوا يلقون إلّا الكفّار. واللّقاء ممّا غلب في القتال.

(فَاثْبُتُوا) : للقائهم.

(وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) : في مواطن الحرب. داعين له ، مستظهرين بذكره ، مترقّبين لنصره.

(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٤٥) : تظفرون بمرادكم من النصر والمثوبة.

وفيه تنبيه على أنّ العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله ، وأن يلتجئ إليه عند الشّدائد ، ويقبل عليه بشراشره فارغ البال ، واثقا بأنّ لطفه لا ينفكّ عنه في شيء من الأحوال.

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا) : باختلاف الآراء ، كما فعلتم ببدر واحد.

(فَتَفْشَلُوا) : جواب النّهي.

وقيل (٢) : عطف عليه. ولذلك قرئ (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) : بالجزم.

والرّيح مستعارة للدولة. من حيث أنّها في تمشي أمرها ونفاذه ، مشبّهة بها في هبوبها ونفوذها.

وقيل (٣) : المراد بها الحقيقة. فإنّ النّصرة لا تكون إلّا بريح يبعثها الله. وفي الحديث : نصرت بالصّباء ، وأهلكت عادا بالدّبور.

(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٤٦) : بالكلاءة والنّصر.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) ، يعني : أهل مكة ، حين خرجوا منها لحماية العير.

__________________

(١) ثمة : هناك.

(١ و ٣) ـ أنوار التنزيل ١ / ٣٩٧.

٣٥٤

(بَطَراً) : فخرا وأشرا.

(وَرِئاءَ النَّاسِ) : ليثنوا عليه بالشّجاعة والسّماحة. وذلك أنّهم لمّا بلغوا جحفة وافاهم رسول أبي سفيان ، أن ارجعوا فقد سلمت عيركم. فقال أبو جهل : لا والله ، حتّى نقدم بدرا ونشرب بها الخمور وتعرف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب.

فوافوها ، ولكن سقوا كأس المنايا وناحت عليهم النّوائح مكان القيان. فنهي المؤمنون أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين. وأمرهم بأن يكونوا أهل تقوى وإخلاص ، من حيث إن النّهي عن الشيء أمر بضدّه.

(وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : معطوف على «بطرا» ، إن جعل مصدرا في موضع الحال. وكذا إن جعل مفعولا له ، لكن على تأويل المصدر.

(وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (٤٧) : فيجازيكم عليه.

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) : مقدر «باذكر».

(أَعْمالَهُمْ) : من معاداة الرّسول وغيرها ، بأن وسوس إليهم.

(وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) : قد مرّ تفسيره.

وقيل (١) : قال مقالة نفسانية. والمعنى : أنّه ألقى في روعهم وخيّل إليهم أنّهم لا يغلبون ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم ، وأوهمهم أنّ اتباعهم إياه فيما يظنّون أنّها قربان (٢) مجير لهم ، حتّى قالوا : اللهمّ ، انصر اهدى الفئتين وأفضل الدّينين.

و «لكم» خبر «لا غالب» ، أو صفته. وليس صلته ، وإلّا لانتصب ، كقولك : لا ضاربا زيدا عندنا.

(فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) ، أي : تلاقى الفريقان.

(نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) : رجع القهقرى.

وقيل (٣) : أي : بطل كيده ، وعاد ما خيّل إليهم أنه مجيرهم سبب هلاكهم.

(وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ).

قيل (٤) : أي : تبرّأ منهم ، وخاف عليهم ، وأيس من حالهم لمّا رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٧.

(٢) المصدر : قربات.

(١ و ٤) ـ نفس المصدر والموضع.

٣٥٥

(وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٤٨) : يجوز أن يكون من كلامه ، وأن يكون مستأنفا.

وفي مجمع البيان (١) : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) (الآية). اختلف في ظهور الشّيطان يوم بدر كيف كان.

فقيل : إنّ قريشا لمّا أجمعت المسير ، ذكرت الّذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناف بن كنانية من الحرب وكاد ذلك أن يثبتهم (٢). فجاء إبليس في جند من الشياطين. فتبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن خيثم (٣) الكنانيّ ، ثمّ المدلجيّ وكان من أشراف كنانة (وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) ، أي : مجيركم من كنانة. فلمّا رأى إبليس الملائكة نزلوا من السّماء وعلم أنّه لا طاعة له بهم (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ). عن ابن عبّاس والسّديّ والكلبيّ وغيرهم.

وقيل : إنّهم لمّا التقوا ، كان إبليس في صف المشركين آخذا بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه.

فقال له الحارث : يا سراقة ، أتخذلنا على هذه الحال!؟

فقال له : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ).

فقال : والله ما نرى إلّا جعاسيس (٤) يثرب. فدفع في صدر الحارث وانطلق وهزم الناس.

فلمّا قدم (٥) مكّة قالوا : هزم الناس سراقة. [فبلغ ذلك سراقة] (٦) فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتّى بلغني هزيمتكم.

فقالوا : إنّك أتيتنا يوم كذا! فحلف لهم. فلمّا أسلموا ، علموا أنّ ذلك كان الشّيطان. عن الكلبيّ. وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين قال : لمّا عطش القوم بيوم بدر ، انطلق عليّ بالقربة ليستقي. وهو على القليب إذ جاءت

__________________

(١) مجمع البيان ٢ / ٥٤٩.

(٢) المصدر : يثنيهم.

(٣) المصدر : جشعم.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : جواسيس. والجعاسيس : جمع الجعسوس : القصير الدميم

(٥) المصدر : قدموا.

(٦) من المصدر.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٥ ، ح ٧٠.

٣٥٦

ريح شديدة ثمّ مضت فلبث ما بدا له ، ثمّ جاءت ريح أخرى ثمّ مضت ، ثمّ جاءته أخرى كاد أن تشغله وهو على القليب ، ثمّ جلس حتّى مضى. فلما رجع إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أخبره بذلك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أمّا الرّيح الأوّل جبرائيل (١) مع ألف من الملائكة ، والثّانية فيها ميكائيل مع ألف من الملائكة ، والثّالثة فيها إسرافيل مع ألف من الملائكة. وقد سلّموا عليك ، وهم مدد لنا. و (٢) هم الّذين رآهم إبليس ف (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) يمشي القهقرى حين يقول : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ ، وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).

وفي هذا الخبر دلالة على أنّ الله شديد العقاب من قول الشّيطان.

(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قيل (٣) : الّذين لم يطمئنّوا إلى الإيمان بعد ، وبقي في قلوبهم شبهة.

وقيل : هم المشركون.

وقيل : هم المنافقون. والعطف لتغاير الوصفين.

(غَرَّ هؤُلاءِ) ، يعنون : المؤمنين.

(دِينُهُمْ) : حتّى تعرضوا لما لا قوة لهم به ، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف.

(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) : جواب لهم.

(فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) : غالب. لا يذلّ من استجار به ، وإن قلّ.

(حَكِيمٌ) (٤٩) : يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ، ويعجز عن إدراكه.

(وَلَوْ تَرى) : ولو رأيت. لإنّ «لو» تجعل المضارع ماضيا عكس «أنّ».

(إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) : ببدر.

و «إذ» ظرف «ترى». والمفعول محذوف ، أي : ولو ترى الكفرة ، أو حالهم.

و «الملائكة» فاعل «يتوفى». ويدلّ عليه قراءة ابن عامر ، بالتّاء.

__________________

(١) المصدر : الريح الأولى [فيها] جبرائيل.

(٢) من هنا ليس في المتن إلى موضع سيأتي.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٨.

٣٥٧

ويجوز أن يكون الفاعل ضمير الله ـ تعالى ـ. وهو مبتدأ ، خبره (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ). والجملة حال من «الّذين كفروا» ، واستغنى فيه بالضّمير عن الواو. وهو على الأول حال منهم ، أو من «الملائكة» ، أو منهما ، لاشتماله على الضّميرين.

(وَأَدْبارَهُمْ).

قيل (١) : ظهورهم وأستاههم. ولعلّ المراد تعميم الضرب ، أي : يضربون ما أقبل منهم وما أدبر.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : أبو عليّ المحموديّ ، عن أبيه ، رفعه في قول الله : «يضربون وجوههم وأدبارهم».

قال : إنّما أراد أستاههم. إنّ الله كريم يكني.

(وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٥٠) : عطف على «يضربون» بإضمار القول ، أي : ويقولون لهم : ذوقوا ، بشارة لهم بعذاب الآخرة.

وقيل (٣) : كانت معهم مقامع من حديد. كلما ضربوا بها ، التهبت النّار منها.

وفي مجمع البيان (٤) : روى مجاهد ، أنّ رجلا قال للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه فندر (٥) رأسه.

فقال : سبقك إليه الملائكة.

وجواب «لو» محذوف ، لتفظيع الأمر وتهويله.

(ذلِكَ) ، أي : الضرب والعذاب.

(بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) : بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي. وهو خبر «لذلك».

(وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٥١) : عطف على «ما» ، للدّلالة على أنّ سببيته مقيدة بانضمامه إليه. إذ لولاه لأمكن أن يعذّبهم بغير ذنوبهم ، لا أن لا يعذّبهم بذنوبهم. فإنّ ترك التّعذيب من مستحقّه ليس بظلم شرعا ولا عقلا ، حتّى ينتهض نفي الظّلم سببا للتّعذيب.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٨.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٦٥ ، ح ٧١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٨.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٥٥١.

(٥) ندر : سقط.

٣٥٨

و «ظلّام» للتّكثير ، لأجل العبيد.

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، أي : دأب هؤلاء ، مثل دأب آل فرعون. وهو عملهم وطريقهم الّذي دأبوا فيه ، أي : داوموا عليه.

(وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : من قبل آل فرعون.

(كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) : تفسير لدأبهم.

(فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) ، كما أخذ هؤلاء.

(إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٥٢) : لا يغلبه في دفعه شيء.

(ذلِكَ) : إشارة إلى ما حل بهم.

(بِأَنَّ اللهَ) : بسبب أنّ الله.

(لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ) : مبدّلا إيّاها بالنّقمة.

(حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) : يبدّلوا ما بهم من الحال إلى حال أسوا ، كتغيير قريش حالهم في صلة الرّحم والكف عن تعرّض الآيات والرسل ، بمعاداة الرّسول ومن تبعه منهم والسعي في إراقة دمائهم والتّكذيب بالآيات والاستهزاء بها إلى غير ذلك ممّا أحدثوه بعد المبعث. وليس السّبب عدم تغيير الله ما أنعم عليهم حتّى يغيّروا حالهم ، بل ما هو المفهوم له. وهو جرى عادته ـ تعالى ـ على تغييره متّى يغيّروا حالهم.

وأصل «يك» «يكون» ، فحذفت الحركة للجزم ، ثمّ الواو لالتقاء الساكنين ، ثمّ النّون لشبهه بالحروف اللّيّنة تخفيفا.

(وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) : لما يقولون.

(عَلِيمٌ) (٥٣) : بما يفعلون.

وفي أصول الكافي (١) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد. وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعا عن ابن محبوب ، عن الهيثم بن واقد الجريريّ (٢) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بعث نبيّا من أنبيائه إلى قومه. وأوحى إليه : أن قل لقومك : إنّه ليس من أهل قرية ولا ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سرّاء فتحوّلوا عمّا أحبّ إلى ما أكره ، إلّا تحوّلت بهم عمّا يحبّون إلى ما يكرهون. وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحولوا عما أكره إلى ما أحبّ ، إلّا

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، ح ٢٥.

(٢) المصدر : الجزري.

٣٥٩

تحوّلت بهم عمّا يكرهون إلى ما يحبّون. (الحديث).

محمّد بن يحيى (١) وأبو علي الأشعريّ ، عن الحسين بن إسحاق ، عن عليّ بن مهزيار ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عمرو المدائني ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : كان أبي ـ عليه السّلام ـ [يقول : إنّ الله] (٢) قضى قضاء حتما ، لا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إيّاه حتّى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النّقمة.

محمّد بن يحيى (٣) ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن سماعة قال (٤) : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ما أنعم الله على عبد بنعمة فسلبها إيّاه ، حتّى يذنب ذنبا يستحقّ بذلك السّلب.

وفي نهج البلاغة (٥) : قال ـ عليه السّلام ـ : وليس [شيء] (٦) أدعى [إلى] (٧) تغيير نعم الله وتعجيل نقمته من إقامة علم ظلم. فإنّ الله سميع دعوة [المضطهدين ، وهو للظالمين] (٨) بالمرصاد.

وقال ـ عليه السّلام ـ أيضا (٩) : إيّاك والدّماء وسفكها بغير حلّها. فإنّه ليس شيء أدعى (١٠) لنقمته (١١) ، ولا أعظم لتبعته (١٢) ، ولا أحرى بزوال النّعمة (١٣) وانقطاع يده (١٤) من سفك الدّماء بغير حقّ.

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) قيل (١٥) : تكرير للتأكيد ، ولما نيط به من الدلالة على كفران النّعم بقوله ـ تعالى ـ : «بآيات ربّهم» ، وبيان ما أخذ به آل فرعون.

وقيل (١٦) : الأوّل ، لتشبيه الكفر والأخذ به. والثاني ، لتشبيه التّغيير في النّعمة بسبب تغييرهم ما بأنفسهم.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٧٣ ، ح ٢٢.

(٢) من المصدر.

(٣) الكافي ٢ / ٢٧٤ ، ح ٢٤.

(٤) إلى هنا لا يوجد في المتن.

(١ و ٩) ـ نهج البلاغة / ٤٢٩ و ٤٤٣ ، الكتاب ٥٣.

(٦ و ٧ و ٨) ـ من المصدر.

(١٠) المصدر : أدنى.

(١١) المصدر : لنقمة.

(١٢) المصدر : لتبعة.

(١٣) المصدر : نعمة.

(١٤) المصدر : مدّة.

(١٥) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٩.

(١٦) أنوار التنزيل ١ / ٣٩٩.

٣٦٠